تهميد
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد جهاد طويل استمر (15) عاماً انتصرت الثورة الإسلامية فـي إيران
بقيادة الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، وانهارت قلعة الاستعمار
الأمريكي التي كانت قد أنشئت وتوطدت أركانها بواسطة النظام البهلوي
الطاغوتي.
وبهذا فقد أقيمت ـ وللمرة الأولى ـ حكومة إسلامية بالكامل وبكل
معنى الكلمة، مستقلة عن الشرق والغرب، فـي إيران الإسلامية، وأصبح
الطريق ممهداً لقيام صحوة إسلامية عالمية شاملة.
وكان من بين أولى القضايا الضرورية ـ بعد تأسيس الحكومة الإسلامية
ـ تدوين دستور إسلامي وجامع، ليكون منهج عمل يسير بموجبه مسؤولو
الحكومة الإسلامية، وهذا ما ينبغي أن ينجزه ذوو الخبرة، وعلماء
الإسلام، وخبراء القانون، المنتخبون من قبل الشعب.
ولهذا الغرض جرت انتخابات مجلس الخبراء، وشارك فيها الشعب الإيراني
المسلم الثوري، فـي 3/8/1979م (12/5/1358 ﻫ. ش) واختير أفضل
الخبراء ليقوموا بمهمة تدوين الدستور.
وبعد تشكيل مجلس الخبراء مباشرة بدأت عملية تدوين الدستور، وتمت
المصادقة عليه نهائياً فـي 15/11/1979م (المصادف 24/8/1358 ﻫ.ش)
وقدم لقائد الثورة الإسلامية الراحل سماحة الإمام الخميني (قدس
سره)، ليحظى بتأييده وتوقيعه الشريف، وهو ما حصل بالفعل، إذ أصبح ـ
بعد ذلك ـ دستوراً ومنهجاً لتسيير الأعمال فـي الجمهورية الإسلامية
فـي إيران.
وبناء على ذلك، فإن دستور الجمهورية الإسلامية ثمرة لدماء آلاف
الشهداء المقدسة، والذين ضرجوا بها فـي سبيل انتصار الثورة
الإسلامية، وقد تم تدوينه ـ على أساس القرآن الكريم والسنة النبوية
المطهرة ـ من قبل الخبراء العارفين بشؤون الإسلام والعالم،
المتضلعين فيها، ونال تأييد قائد الثورة الإسلامية (قدس سره).
وبعد مضي عقد من الزمن، تخللته الكثير من التجارب المرة والطيبة
التي اكتسبتها الثورة، أحس قائد الثورة الإسلامية ومسؤولو
الجمهورية الإسلامية بضرورة إدخال بعض الإصلاحات على مواد الدستور،
ولهذا فقد أصدر الإمام الخميني (قدس سره) أمراً فـي 24/4/1989م
(المصادف 4/2/1368 ﻫ. ش) عين فيه مجموعة من الخبراء، وكلفهم بإعادة
النظر فـي الدستور، وإصلاح بعض مواده. وقد انتهى العمل فـي إعداد
متمم الدستور، وتعديل بعض مواده، وتمت المصادقة عليه فـي 8/7/1989م
(الموافق 17/4/ 1368ﻫ.ش).
وفـي 28/7/1989م (6/5/1368 ﻫ.ش) أجري الاستفتاء العام على الدستور،
فنال تأييد الشعب، وموافقة القائد الجديد سماحة آية الله العظمى
السيد علي الخامنئي وتوقيعه. ويسرنا أن نقدم للقراء الكرام الترجمة
العربية للنص الكامل للدستور وبضمنه متمِّمه، للإطلاع والاستفادة
منه.
مقدمة الدستور:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا
مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ
بِالْقِسْطِ﴾.
يعبّر دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن الركائز الثقافية
والاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة للمجتمع الإيراني، وذلك على
أساس القواعد والمعايير الإسلامية التي تجسد أهداف الأمة
الإسلامية، وآمالها القلبية.
لقد أعرب الشعب صراحة عن هذه الأهداف من خلال وقائع الثورة
الإسلامية العظمى التي خاضها، وعن طريق شعاراته، وهتافاته المدوية
التي شارك فيها جميع طبقاته.
واليوم وقد حقق شعبنا النصر الساحق فإنه يتطلع بكل وجوده إلى تحقيق
هذه الأهداف الكبرى.
إنّ الميزة الأساسية لهذه الثورة بالنسبة إلى سائر النهضات التي
قامت فـي إيران خلال القرن الأخير إنما هي عقائدية الثورة
وإسلاميتها. ولقد توصل الشعب الإيراني المسلم بعد مروره بنهضة
(المشروطة) المضادة للاستبداد ونهضة تأميم النفط المحاربة
للاستعمار، توصل إلى هذه التجربة القيمة ألا وهي أن السبب الأساسي
البارز لعدم نجاح هذه النهضات إنما هو عدم عقائديتها، ورغم أن
المساهمة الرئيسة والأساسية كانت على عاتق الخط الفكري الإسلامي
وقيادة علماء الإسلام المجاهدين إلا أنه بسبب ابتعاد هذه الحركات
النضالية عن المواقف الإسلامية الأصيلة فإنها كانت تتَّجه بسرعة
نحو الركود، ومن هنا فإن الضمير اليقظ للشعب بقيادة المرجع الديني
الكبير سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني قد أدرك ضرورة التزام
مسار النهضة العقائدية الإسلامية الأصيلة، وهكذا كانت هذه المرة
انطلاقة لحركة تغييريّة جديدة بقيادته الحكيمة حيث قام بها علماء
الإسلام المجاهدون فـي إيران ـ الذين كانوا دائماً فـي مقدمة صفوف
النهضات الشعبية وشاركهم فيها أيضاً الكتاب والمفكرون والمثقفون
الملتزمون بالإسلام.
(ابتدأت النهضة الأخيرة للشعب الإيراني عام ألف وثلاثمئة واثنين
وثمانين هجري قمري، الموافق لسنة ألف وثلاثمئة وإحدى وأربعين هجرية
شمسية).
طليعة النهضة:
لقد كانت المؤامرة الأمريكية المسماة بـ (الثورة البيضاء) خطوة نحو
تثبيت قواعد النظام الدكتاتوري، وتركيز تبعية إيران السياسيّة
والثقافية والاقتصاديّة للإمبريالية العالمية، ومن هنا فإن
المعارضة الشديدة التي أبداها الإمام الخميني ضد هذه المؤامرة كانت
حافزاً لحركة الشعب الشاملة، وتبعاً لذلك انطلقت الثورة الدامية
العظمى للأمة الإسلامية فـي شهر خرداد عام 1342 ﻫ.ش (حزيران 1963م)
حيث كانت فـي الحقيقة نقطة انطلاق لهذه الحركة العظيمة الواسعة
النطاق، ومن جراء ذلك ترسخت قيادة الإمام الخميني الإسلامية
واستحكمت، وعلى الرغم من نفـي الإمام فـي 13 /آبان/ 1343 ﻫ.ش
(4/11/1964م) إلى خارج إيران بعد اعتراضه على قانون
(الكابيتالسيون) المخزي (منح الحصانة القضائية للمستشارين
الأمريكيين) توطدت العلاقة الوثيقة بين الأمة والإمام، وواصل الشعب
المسلم - وخصوصاً المفكرين الملتزمين بالإسلام وعلماء الإسلام
المجاهدين - طريقه الجهادي رغم النفـي والسجن والتعذيب والإعدام.
وفـي هذا الوقت قامت الطبقة الواعية من المجتمع ـ والتي كانت تشعر
بالمسؤولية ـ بعملية توعية فـي المساجد والحوزات العلمية والجامعات
باعتبارها حصوناً لها، وابتدأت هذه الفئة تعمل بجهد متواصل ومثمر
فـي رفع مستوى الوعي الثوري واليقظة الإسلامية للشعب المسلم،
مستلهمة ذلك كله من العقيدة الإسلامية الثورية. وفـي سبيل قمع
الثورة الإسلامية شن النظام الطاغي هجوماً غادراً على المدرسة
الفيضية (فـي مدينة قم) والحرم الجامعي، وسائر المراكز الثورية
المنتفضة، وحاول يائساً إنقاذ سلطته الخيانية من غضب الشعب الثائر
فارتكب الإعدامات، ومارس أعمال التعذيب الوحشية الشبيهة بجرائم
القرون الوسطى، بالإضافة إلى السجون طويلة الأمد. فكانت هذه
التضحيات السخية ثمناً يقدمه الشعب المسلم ليبرهن على عزيمته
الراسخة فـي مواصلة الجهاد. وهكذا استمدت ثورة إيران الإسلامية
استمراريَّتها من دماء آلاف الشباب المؤمن من الرجال والنساء الذين
كانوا يهتفون عند الفجر فـي ميادين الإعدام بنداء (الله أكبر)
واستهدفتهم أسلحة العداء فـي الأزقة والشوارع، وكانت بيانات الإمام
وخطبه المستمرة فـي مختلف المناسبات تؤدي دورها التعبوي الرسالي
فـي توعية الأمة الإسلامية، وشحذ عزائمها.
الحكومة الإسلامية:
عندما كان النظام الطاغي فـي قمة جبروته وسيطرته على الشعب، قدم
الإمام الخميني فكرة الحكومة الإسلامية على أساس (ولاية الفقيه)،
مما أوجد فـي الشعب المسلم دافعاً جديداً متميزاً ومنسجماً ورسم له
الطريق الأصيل نحو الجهاد العقائدي الإسلامي، وازداد التلاحم
الثوري بين صفوف المجاهدين المسلمين والملتزمين، فـي داخل البلاد
وخارجها.
وفـي هذا المسير استمرت النهضة واشتدت المعارضة فـي الداخل على أثر
الاضطهاد المتزايد يوماً بعد آخر، فقام علماء الإسلام والطلبة
الجامعيون المجاهدون بتعميم الجهاد وفضح النظام على المستوى
العالمي مما أدى إلى تزلزل الدعائم التي يقوم النظام عليها، فاضطر
الحكام وأسيادهم إلى التخفيف من الضغوط التي يمارسونها، أو كما
يقال اضطروا إلى التنفيس عن الجو السياسي للبلاد، وظنوا ذلك صمام
أمان يحفظهم من السقوط المحتوم.
إلا أن الشعب الثائر الواعي والمصمم واصل حركته المظفرة بصورة
شاملة، وعلى جميع المستويات بقيادة الإمام الخميني الحكيمة.
غضب الشعب:
فـي السابع عشر من شهر (دَي) سنة 1356 ﻫ.ش (7 كانون الثاني 1978م)
نشر النظام البائد مقالة أهان فيها علماء الإسلام وخصوصاً الإمام
الخميني، مما أدى إلى تعجيل الحركة وإثارة غضب الشعب فـي جميع
أرجاء البلاد، فحاول النظام ـ من أجل السيطرة على بركان الغضب
الشعبي الثائر ـ أن يقمع هذه المعارضة عن طريق سفك الدماء، ولكن
هذا العمل بالذات زاد من غليان الدماء فـي عروق الثورة، فانطلقت
الجماهير المسلمة تنتفض بصورة متوالية خلال كل أسبوع أو أربعين
يوماً تمر على استشهاد شهداء الثورة، وبذلك ازدادت حيوية النهضة
ونشاطها وحركتها فـي جميع البلاد، ومع استمرار الحركة الشعبية
شاركت جميع أجهزة البلاد بصورة فعالة فـي إسقاط النظام الطاغي عن
طريق الإضراب العام والاشتراك فـي المظاهرات. وهكذا فإن التلاحم
بين جميع الفئات والأجنحة الدينية والسياسيّة رجالاً ونساء كان
يعتبر أمراً مصيرياً، وخصوصاً النساء اللواتي كان لهن دور فعال
وبصورة ملحوظة فـي كافة ميادين هذا الجهاد العظيم، ومن المشاهد
التي تعكس تواجد هذه الفئة الكبيرة من المجتمع ومساهمتها المصيرية
فـي الجهاد مشهد أم تحتضن طفلها مسرعة نحو ساحة المعركة فـي مواجهة
فوهات الأسلحة الرشاشة.
الثمن الذي دفعه الشعب:
بعد جهاد متواصل استمر مدة عام ونيف وبعد التضحية بما يزيد عن ستين
ألف شهيد ومئة ألف جريح ومعاق، وبعد خسارة مالية بلغت المليارات من
التومانات (العملة الإيرانية)، بعد ذلك كله أينعت نبتة الثورة وسط
هتافات (إستقلال، حرية، جمهورية إسلامية)، وهكذا انتصرت هذه النهضة
العظيمة معتمدة على الإيمان والوحدة وحزم القيادة، خلال المراحل
الحساسة والمثيرة فـي النهضة، وبفضل تضحيات الشعب، كما استطاعت أن
تحطِّم جميع الحسابات والعلاقات والمؤسسات الإمبريالية حيث أصبحت
منطلقاً جديداً من نوعه للثورات الشعبية الكبيرة فـي العالم.
لقد أصبح الحادي والعشرون والثاني والعشرون من شهر (بهمن) سنة ألف
وثلاثمئة وسبع وخمسين هجرية شمسية (10 و11 شباط 1979م) تاريخاً
لانهيار الصرح الشاهنشاهي وتحطِّم الاستبداد الداخلي والهيمنة
الأجنبية المتكئة عليه، وبهذا الانتصار العظيم قامت طليعة الحكومة
الإسلامية التي ابتغاها الشعب المسلم منذ أمد بعيد حيث كانت بارقة
أمل للنصر النهائي.
وقد جرى الاستفتاء العام على الجمهورية الإسلامية حيث شارك فيه
أفراد الشعب قاطبة بما فيهم مراجع التقليد وعلماء الإسلام والإمام
القائد، وأعلن الشعب قراره النهائي والحاسم (بأكثرية 98.2%)
بالموافقة على تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية فـي إيران.
والآن يُعبّر دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن خصائص
العلاقات السياسيّة والاجتماعيّة والثقافية والاقتصاديّة للمجتمع
الإسلامي الجديد، ولذا لا بدَّ من أن يكون هذا الدستور وسيلة
لتثبيت أركان الحكومة الإسلامية ونموذجاً لنظام حكم إسلامي جديد
على أنقاض نظام الطاغوت السابق.
أسلوب الحكم في الإسلام:
لا تُبتنى الحكومة ـ من وجهة نظر الإسلام ـ على أساس الطبقية، أو
على السلطة الفردية، أو الجماعية، بل إنها تجسد الأهداف السياسيّة
لشعب متحد فـي دينه وتفكيره، حيث يقوم بتنظيم نفسه حتى يستطيع من
خلال التغيير الفكري والعقائدي أن يسلك طريقه نحو هدفه النهائي وهو
الحركة إلى الله.
وقد نفض شعبنا عن نفسه ـ خلال حركة تكامله الثوري ـ غبار الطاغوت
ورواسبه ونظف نفسه من الشوائب الفكرية الأجنبية، حيث عاد إلى
الأصول الفكرية وإلى النظرة الإسلامية الأصيلة للعالم، وهو يسعى
الآن إلى بناء مجتمعه النموذجي (الأسوة)، معتمداً على المعايير
الإسلامية، وعلى هذا الأساس، فإن رسالة الدستور هي خلق الأرضيات
العقائدية للنهضة وإيجاد الظروف المناسبة لتربية الإنسان على القيم
الإسلامية العالمية الرفيعة.
ومع الالتفات لمحتوى الثورة الإسلامية فـي إيران ـ التي كانت حركة
تستهدف النصر لجميع المستضعفين على المستكبرين ـ فإن الدستور يعد
الظروف لاستمرارية هذه الثورة داخل البلاد وخارجها، خصوصاً بالنسبة
لتوسيع العلاقات الدولية مع سائر الحكومات الإسلامية والشعبية حيث
يسعى إلى بناء الأمة الواحدة فـي العالم ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ
أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ ويعمل على
مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والمضطهدة فـي جميع أنحاء
العالم.
ومع ملاحظة جوهر هذه النهضة الكبرى فإن الدستور يضمن زوال كل نوع
من أنواع الدكتاتورية الفكرية، والاجتماعيّة، والاحتكار الاقتصادي،
ويسعى للخلاص من النظام الاستبدادي، ومنح الشعب حق تقرير مصيره
بنفسه ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي
كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾.
وحيث أن بناء المجتمع يعتمد على المراكز والمؤسسات السياسيّة
القائمة على التعاليم الإسلامية فإن الحكم وإدارة شؤون البلاد
ينبغي أن تكون بيد الأشخاص الصالحين ﴿أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا
عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ ويجب أيضاً أن يتم التشريع فـي ضوء
القرآن والسنة النبوية الشريفة حيث يبين هذا التشريع الأسس اللازمة
لإدارة المجتمع، وعليه فإن من المحتم والضروري جداً الإشراف التام
والدقيق عليه من قبل علماء المسلمين المتصفين بالعدالة والتقوى
والالتزام (الفقهاء العدول).
ولأن الهدف من إقامة الحكومة، هداية الإنسان للسير نحو النظام
الإلهي ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ كي تتهيأ الظروف المناسبة
لظهور المواهب وتفتحها فـي سبيل نمو الأخلاق الإلهية فـي الإنسان
(تخلقوا بأخلاق الله) وهذا لن يتحقق إلا بالمشاركة الفعالة
والشاملة من قبل جميع أفراد المجتمع فـي مسيرة التطور الاجتماعي ـ
يقوم الدستور بإعداد الظروف اللازمة لهذه المشاركة فـي جميع مراحل
اتخاذ القرارات السياسيّة والمصيرية بالنسبة لجميع أفراد المجتمع،
وذلك ليصبح كل فرد ـ فـي مسير تكامل الإنسان هو بالذات مسؤولاً
مباشراً فـي مجال نمو القيادة ونضجها، وهكذا تتحقق حكومة
المستضعفين فـي الأرض ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ
اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً
وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾.
ولاية الفقيه العادل:
اعتماداً على استمرار ولاية الأمر والإمامة، يقوم الدستور بإعداد
الظروف المناسبة لتحقيق قيادة الفقيه جامع الشرائط والذي يعترف به
الناس باعتباره قائداً لهم (مجاري الأمور بيد العلماء بالله
الأمناء على حلاله وحرامه)، وبذلك يضمن الدستور صيانة الأجهزة
المختلفة من الانحراف عن وظائفها الإسلامية الأصيلة.
الاقتصاد وسيلة لا هدف:
إن الأصل فـي مجال ترسيخ الأسس الاقتصاديّة هو سد حاجات الإنسان
فـي مسير تكامله ورقيّه، لا كما فـي سائر النظم الاقتصاديّة التي
ترمي إلى تجميع الثروة وزيادة الربح. إذ أن الاقتصاد فـي المذاهب
المادية هدف بنفسه ولهذا السبب يعتبر اقتصاد فـي مراحل النمو عامل
تخريب وفساد وانحطاط (فـي هذه المذاهب) بينما الاقتصاد فـي الاسم
مجرد وسيلة، والوسيلة لا يطلب منها إلا العلم بأفضل صورة ممكنة فـي
سبيل الوصول إلى الهدف.
وعلى أساس هذه النظرة، فإن برنامج الاقتصاد الإسلامي هو توفير
الفرص المناسبة لظهور المواهب الإنسانية المختلفة، ولذا فإنه يجب
على الحكومة الإسلامية أن تؤمن الإمكانات اللازمة بصورة متساوية،
وأن توفر ظروف العمل لجميع الأفراد، وتسد الحاجات الضرورية لضمان
استمرار حركة الإنسان التكاملية.
المرأة في الدستور:
فـي بناء الأسس الاجتماعيّة الإسلامية تستعيد الطاقات البشريةـ
التي ظلت حتى الآن فـي خدمة الاستغلال الأجنبي ـ هويتها الحقيقية،
وحقوقها الإنسانية.
وخلال هذه الاستعادة فإنّ المرأة باعتبارها عانت المزيد من ظلم
النظام الطاغي فمن الطبيعي أن تنال القسط الأوفر من هذه الحقوق.
فالأسرة هي اللبنة الأساسية للمجتمع والمهد الطبيعي لنمو الإنسان
وتساميه، وتقدمه، وعليه فالاتحاد فـي العقيدة والهدف أمر أساس فـي
تشكيل الأسرة والذي يعتبر الممهد الأساس لحركة الإنسان نحو التكامل
والنمو، وعلى الحكومة الإسلامية أن توفر الأرضية اللازمة لنيل هذه
الغاية.
وبهذا المفهوم عن الأسرة تخرج المرأة عن كونها شيئاً جامداً أو
أداة عمل تستخدم فـي إشاعة روح الاستهلاك والاستغلال الاقتصادي،
وضمن استعادة المرأة مسؤولية الأمومة المهمة والقيمة فإنها تعقد
العزم على تربية الإنسان المؤمن، وتشارك الرجل فـي ميادين الحياة
العملية، وبالتالي تتقبل المرأة مسؤوليات أكبر وتحصل ـ بنظر
الإسلام ـ على قيمة وكرامة أرفع.
الجيش العقائدي:
فـي مجال بناء وتجهيز القوات المسلحة للبلاد يتركز الاهتمام على
جعل الإيمان والعقيدة أساساً وقاعدة لذلك، وهكذا يصار إلى جعل بنية
جيش الجمهورية الإسلامية وقوات حرس الثورة على أساس الهدف المذكور،
ولا تلتزم هذه القوات المسلحة بمسؤولية الحماية وحراسة الحدود
فحسب، بل تحمل أيضاً أعباء رسالتها الإلهية، وهي الجهاد فـي سبيل
الله، والجهاد من أجل بسط حاكمية القانون الإلهي فـي العالم
﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن
رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ
وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ﴾.
القضاء في الدستور:
تعتبر مسألة القضاء أمراً حيوياً يخصُّ حماية حقوق الناس خلال
مسيرة الحركة الإسلامية، فـي إطار تجنُّب الانحرافات الجانبية داخل
الأمة الإسلامية.
ومن هنا تتَّجه النية لإيجاد نظام قضائي يقوم على العدالة
الإسلامية، ويتكون من القضاة العدول ذوي المعرفة الواسعة بالأحكام
الدينية الدقيقة.
ونظراً لحساسية هذا المرفق، وضرورة الحفاظ على بنيته العقائدية يجب
أن يكون بعيداً عن جميع العلاقات والظروف غير السليمة ﴿وَإِذَا
حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾.
السلطة التنفيذية:
بالنظر لأهمية السلطة التنفيذية فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام وتطبيق
التشريعات الإسلامية كي تسود العلاقات والروابط الفاضلة فـي
المجتمع ونظراً للأهمية التي تتصف بها هذه القضية الحيوية للتهيؤ
والوصول إلى الهدف النهائي للحياة، فإن على هذه السلطة مهمة السعي
والإعداد لبناء المجتمع الإسلامي.
إن النظام الإسلامي فـي الوقت الذي يرفض فيه التقيد والتأطُّر فـي
نطاق أي شكل من أشكال الإدارة مما يعرقل الوصول إلى هذا الهدف فإنه
يرفض تماماً الأسلوب الإداري البيروقراطي وليد الأنظمة الطاغوتية
وذلك من أجل أن يتمكن النظام التنفيذي من النهوض بالأعباء الإدارية
والمهام التنفيذية بسرعة واقتدار.
وسائل الإعلام العامة:
يجب أن تعمل وسائل الإعلام العامة (الإذاعة والتلفزيون) على نشر
الثقافة الإسلامية، بموازاة المسيرة التكاملية للثورة الإسلامية،
وعليها أن تستفيد ـ فـي هذا المجال ـ من تحقق الأفكار المختلفة،
وأن تحترز بشدة من نشر وإشاعة الاتجاهات الهدامة والمعادية
للإسلام.
إن أتباع مبادئ مثل هذا القانون ـ الذي يجعل فـي مقدمة أهدافه حرية
بني الإنسان وكرامتهم ويفتح سبيل النمو والتكامل للإنسان ـ يقع على
عاتق الجميع، ومن الضروري أن تشارك الأمة المسلمة مشاركة فعالة فـي
سبيل بناء المجتمع الإسلامي عن طريق انتخاب ذوي الخبرة والكفاءة
والإيمان، بالإضافة إلى الإشراف الدائم على أعمالهم، على أمل بناء
المجتمع الإسلامي (المجتمع الأسوة) الذي يستطيع أن يكون قدوة لجميع
شعوب العالم وشهيداً عليها ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً
وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾.
النواب (مجلس الخبراء):
لقد أتم مجلس الخبراء المؤلف من ممثلي الشعب تدوين هذا الدستور على
أساس مشروع الدستور المقترح من قبل الحكومة، والمقترحات المقدمة من
مختلف الفئات الشعبية فـي اثني عشر فصلا (1)، والذي يشتمل على مائة
وخمس وسبعين مادة (2) فـي مستهل القرن الخامس عشر لهجرة الرسول
الأكرم (صلى الله عليه وآله) نبي الدين الإسلامي المحرر للبشرية،
على أساس الأهداف والدوافع التي سبق ذكرها.
على أمل أن يكون هذا القرن قرن تحقق الحكومة العالمية للمستضعفين
وهزيمة المستكبرين كافة.
(1) بعد تعديل الدستور والمصادقة عليه ازداد عدد الفصول إلى 14
فصلاً.
(2) بعد التعديل المذكور ازدادت مواد الدستور فأصبحت 177 مادة.