مركز الصدرين للدراسات السياسية || الكتب السياسية

 ولاية الفقيه ولاية الفقاهة والعدالة

القسم السادس: الجمهورية الإسلامية ودور الشعب

94ـ ما هو تفسيركم لـ "الجمهورية الإسلامية " وهل تختلف "الجمهورية" في النظام الإسلامي عنها في الأنظمة غير الإسلامية؟
الجواب:
1- الجمهور تعني عامة الناس الذين يجمعهم هدف واحد وخط معين واحد، إذن لا يقال لبعض الأمة "جمهور"، فإذا كان للأمة هدف بيد ان لكل فئة أو طائفة هدفها الخاص، وللجميع أهداف متعددة، فلا يقال لمثل هؤلاء " جمهور" ولا لحالتهم "جمهورية" وإذا كان للأمة بأجمعها هدف واحد غير ان التشتت يطبع سيرتهم ومنهجهم السياسي والاجتماعي، فلا تتحقق الجمهورية أيضاً، بهذا فإنّ المأخوذ بنظر الاعتبار في تفصيل مفهوم الجمهورية هو الهدف الواحد، والاتحاد ووحدة المنهج سياسياً واجتماعيا، وإذا ما تحققت الحكومة بهذه المواصفات يتحقق الحكم الجمهوري أو الجمهورية.
2ـ قد يخلو عنوان الجمهور أو الجمهورية من الملحق كما في الحكم الجمهوري أو الجمهورية، وقد يتبعها ملحق الشعبية كما في "الجمهورية الديمقراطية" أو "جمهورية الصين الشعبية" وغير ذلك، فيكون معنى الجمهورية في كلتا الحالتين كما تقدمت الإشارة إليه، بالإضافة إلى تحديد الهدف والمسار وكيفية التنسيق بين طبقات المجتمع وسائر الشؤون المتعلقة بذلك ستكون جميعها بيد الجماهير نفسها التي تبادر إلى التصويت عليها أما بصورة مباشرة أو عن طريق نوابها ثم تطبيقها.
3ـ ربما يلحق بعنوان الجمهورية مفردة ملفقة من الخلق والخالق أو مركبة من الشعبية والدين الإلهي أو المسلمين من قبل "الجمهورية الديمقراطية الإسلامية" جمهورية الشعب المسلم" أو "جمهورية الشعب العربي المسلم" ففي مثل هذه الحالة يكون مفهوم الجمهورية ملفقا مع معتقد خاص أو ملاحظة الأوضاع الاجتماعية لاتباع ذلك المعتقد ـ وليس ملاحظة القوانين والأحكام فيه ـ مما يدل على ان تلك الحكومة هي التي تمارس اجتهادها في عملية تحديد الهدف والمسيرة وطريقة تحقيق الأهداف وغير ذلك، وتنطلق في كفاحها لتحقيق الأهداف الشعبية بمساعدة ودعم الشعب نفسه، وفي هذا الافتراض لا وجود للقانون الإلهي على الإطلاق، ولكن تلحظ الأوضاع الاجتماعية لاتباعه، أو ان يلحظ القانون الإلهي في ظل آراء الشعب وإرادتهم، لا سيما في الحالات التي تصب في صالحهم أو تحرز الفائدة منها: {وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون ان يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون}[1].
4ـ وقد تلحق الجمهورية بتعبير الإسلام، وحيث ان الإسلام ربما تكشف أحكامه عن طريق الدليل النقلي ـ قرآناً وسنة ـ أو بالبرهان العقلي، فإنه يمثل حكم الله، وبما أنّ الله سبحانه هو الوجود المحض ولا شريك له، فإنّ الإسلام بدوره حق أصيل لا غمط فيه، وان ما يرجع اصله إلى البرهان العقلي من آراء الجمهور ويكون مصونا من المغالطات والمزاعم والترسبات الجاهلية والنعرات القومية والعنصرية وتدخل العوامل الجغرافية وبالتالي يكون محفوظا من الشوائب الباطلة، يمكن اعتباره مصدراً دينيا والاستفادة منه، وان حجية مثل هذا الدليل العقلي ـ الثابت في علمي الأصول والفقه واستعين به في الفقه والأخلاق والحقوق ـ ستعضد إسلامية القانون، كما هو الحال بالنسبة للدليل النقلي المعتبر ـ المتبنى في الأصول والفقه وانتفع منه في هذين العلمين ـ حيث يعتبر داعما لإسلامية القانون.
5ـ لقد حدد الإسلام علاقته بالجمهور أو الجمهورية أولاً، وحدد ارتباط الجمهور بالدولة ومصادر الثروة وكيفية التوزيع وطريقة تنظيم العلاقات داخليا ودوليا... الخ ثانياً، وتتمثل علاقة الإسلام بالجمهور بأنه وليهم لا وكيلهم، فالمستشار والمعاون والمضارب والمساقي والمزارع والضمين والمحامي سواء كان حقوقيا أو مالي، وجميع الأشخاص الذين يحيون في ظل نظام الجمهورية الإسلامية، مسؤولين كانوا أم غير مسؤولين، القائد منهم وأعضاء مجلس الخبراء ورئيس الجمهورية و أعضاء مجلس الشورى وغيرهم إنما يخضعون لولاية الإسلام لا غير، وبالطبع فإنّ الشخصية الاعتبارية للقائد الإسلامي ـ الفقاهة والعدالة ـ ليس سوى الإسلام، فالقائد شأنه كشأن سائر أبناء الأمة تابع محض للشخصية الاعتبارية أي القوانين الإسلامية، ويتضح من خلال بيان كيفية ارتباط الجمهور بالإسلام ان ارتباط الجماهير بالأحكام الإلهية ارتباط ولائي وليس توكيل وما شابه ذلك، والموارد التي حددها الإسلام كحقوق أو واجبات أو صلاحيات أو تكاليف للجمهور إنما يصادق عليها وتنفذ في ضوء دراسة من قبل خبراء الأمة ـ مباشرة أو غير مباشرة ـ والرؤية الفقهية للفقهاء تحت إشراف الفقيه الجامع لشرائط القيادة، وكذلك في ضوء وجهة النظر الحقوقية للحقوقيين المتخصصين والملتزمين وبالأشراف الآنف الذكر.
تنبيه: نظراً لعدم عصمة الفقيه المذكور، فقد يفقد الشخصية الاعتبارية وذلك حينما لا يصيب الواقع في استنباطه للأحكام دون تقصي فيكون معذورا لكنه يحتفظ بحجته الظاهرية بالنسبة للجمهور مع فقدانه للشخصية الاعتبارية في الواقع، وفي مثل هذا الافتراض، من أحرز خطأه بإمكانه ان لا يطبق بشكل شخصي بعيداً عن الفوضى، ومن خالف دون حجة فهو يعد متجرئا فقط لا عاصياًً.
6-ان الإسلام ولي الجمهور بالأصالة، ونظراً لأن الدين الإلهي وجود لفظي وكتبي وذهني ولا وجود آخر له يحمل عنوان الوجود العيني، والولاية على الجمهور تحتاج إلى وجود عيني للولي، فقد نصب الله سبحانه للمعصومين عليهم السلام لهذا الغرض، وهذا التنصيب ضمني في النصوص الإسلامية، وان جميع المبادئ الضرورية لإقامة الحكم وحتمية استمرار الإسلام، فإنها موجودة في مقام عدم تعطيل الأحكام والحدود الإلهية في عصر الغيبة، وتمهد لولاية الإسلام وان تنقصها العصمة، غير أنها لم تحرم من العدالة، وان افتقدت الشمولية الملكية والملكوتية للإمام المعصوم (ع) غير أنها لا تفتقد الشمولية اللازمة للملكية في عصر الغيبة.
من هنا يتضح ان مرجعية ولاية الفقيه العادل تعود إلى مرجعية الفقاهة والعدالة، فالشخصية الحقيقية للفقيه العادل شأنها كسائر أبناء الأمة خاضعة لشخصيته الحقوقية.
7ـ ان جمهورية النظام الإسلامي تعضد الوجوه العيني للإسلام، فالفقيه الجامع لشروط القيادة وان حاز مراتب العدالة الفردية ويعد ممثلا للإسلام، غير ان الإسلام لا يتجسد بفرد واحد أبداً، ولا بد من الاقتدار الوطني الذي هو تبلور للجمهورية من أجل التمثل العيني للإسلام في جميع الأبعاد والشؤون الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والعسكرية والسياسية، وبالرغم من الدور المصيري لآراء الشعب على صعيد الانتخابات التوكيلية وأهميتها غير ان هذا الاقتدار لا يتيسر دون سند أخلاقي وقلبي ولذلك فإنّ الله الذي عيّن أولي الأمر وجعل الولاية لأهل بيت العصمة عليهم السلام جعل مودتهم أجر الرسالة: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى}[2] كي تصان صيغة النظام الولائي من أي تطاول تقوم به الأنظمة غير الإسلامية وتصان حياض الجمهورية الإسلامية ازاء غير أهل الولاء ولا يدخل في صدر النظام الإسلامي وساقه شيئاً غير الولاية والتولي المبني على المودة والقبول القلبي والتعامل القائم على آصرة المودة بين الإمام والأمة ولهذا السبب قال الإمام الراحل "قده" بصراحة: جمهورية إسلامية، لا كلمة اقل "جمهورية فقط" ولا كلمة أكثر "الجمهورية الديمقراطية الإسلامية، جمهورية الشعب المسلم وغيرها".
8ـ ان الجمهور في ثقافة الوحي، هو أمانة إلهية، وولي المسلمين وإمام الأمة هو أمين الله حيث يقوم بالمحافظة على الأمانة الإلهية أو الجمهور في كمال العلم والعدل وحراستها وتكميلها و... فقد قال موسى الكليم (ع): {أَن أدُُّوا إليَّ عباد الله إني لكم رسول أمين}[3].

ان أهم مسؤولية للأنبياء هي هداية المجتمع البشري والدفاع عنه والاهتمام به، وقد جعلت قدسية الإنسان وخلافة الإنسانية وكرامة البشرية والفضيلة النفسية والنسبية للنوع الإنساني، الإنسان محورا لتعليم الكتاب والحكمة ومدارا للتهذيب كي يتعرف من خلال تزكية العقل النظري وتزكية العقل العملي على مكانته الأصلية والمألوفة ويهاجر إلى هنالك وذلك الهدف السامي وهذا الطريق المستقيم هو في ان يكون لديه تولّي وقبول ازاء الوحي الإلهي ولا يخضع لأي شيء ولأي شخص غير قانون الله، فاستقلال العبد هو في متن عبوديته لله. ان اعتبار الإنسان العادي وغير الفقيه مستقلاً في تدوين القانون وفي تشخيص انطباق القانون الصادر مع الوحي الإلهي، هو الاستبداد والاستكبار المذموم والتفرعن المرفوض في القرآن.
أجل: ان الثناء يشمل المجتمع البشري في تشخيصه القادة الشرعيين والقبول بقانون الله في جميع أبعاده وشؤونه الاجتماعية والسياسية والاستقلال وإعطاء الحرية.
9ـ بما ان الجمهورية هي في نظام التقنين والتشريع ولا طريق لهذا المصطلح في مقام التكوين، فإنّ إقرار الإنسان بربوبية الله واعترافه بعبوديته في عالم الذرية ـ الذي اشتهر بعالم الذر ـ لن يكون من سنخ الجمهورية، ولكن الإيمان العام للمجتمع الإسلامي بالنبوة والرسالة وإمامة المعصومين عليهم السلام وكذلك بالمرجعية والقضاء وولاية وقيادة الفقيه الجامع للشروط، يمكن ان تكون له صبغة الجمهورية، كما هي بالفعل.
10ـ رغم صفة الجمهورية الإسلامية، هي من المفاهيم الاعتبارية وليست من الماهيات الحقيقية ـ لذلك لا تدخل في المقولة الماهوية وتفتقد إلى الحد المؤلف من الجنس والفصل ـ ولكن من أجل التقريب إلى الذهن يمكن القول ان صفة " الجمهورية" هي بمثابة الجنس وصفة " الإسلامية " هي بمثابة الفصل وهما يحددان ويوضحان نوع الحكم في إيران، وبناء على هذا فإنّ الجمهورية لها معنى جامع يتنوع بفصول متنوعة ونوعه الخاص في الحكم الراهن هو "الجمهورية الإسلامية " حيث ذكرت حدودها وميزاتها وخواصها وملامحها.
11ـ ان أهم مسألة في هذه الرسالة عبارة عن توضيح إرجاع ولاية الفقيه العادل إلى ولاية الفقاهة والعدالة من جهة والتحذير الجاد من مغالطة بين الخلط و "الولاية على عقلاء المجتمع" والتي هي على عاتق أولياء الدين والولاة الربانيين وبين "الولاية على المحجورين" والتي يتولى البعض مسؤوليتها ومنهم الفقيه الجامع للشروط من جهة أخرى، والفصل بين إطار "الشرعية" ومنطقة " الاقتدار الوطني الديني " من جهة ثالثة، والتمييز بين حدود التوكيل والتضمين والتكفيل وأمثالها، في بيان حقوق الجمهور وصلاحياته ووظائفه وتكاليفه من جهة رابعة، وتحليل معنى الجمهور وإيضاح مفهوم الجمهورية في حال الإطلاق وفي حال التقييد، بمختلف الملحقّاًت من جهة خامسة، وتكريم وتعظيم الجمهور في ثقافة الوحي بوصفه أمانة إلهيه وإيكال مهمة تعليمه وتزكيته إلى الأنبياء بوصفهم رسل أمناء من جهة سادسة، ومسائل أخرى وردت في ثنايا فصول الكتاب.
95ـ هل الناس "ذوو حق " في نظام ولاية الفقيه؟ واذا كانوا ذوي حق فهل "حقوقهم " ناجمة عن تكليفهم أم ان "تكليفهم" ناجم عن حقوقهم؟
الجواب:
1ـ ان الناس ذوو حق في الأمور الإلهية والملكوتية وتكليف الناس ناجم عن حقهم، أي أن الإنسان من حقه ان يتكامل قبل ان يصبح مكلفاً، وحينها يصل إلى مرحلة البلوغ، يدعوه الشارع المقدس إلى إحراز هذه الحقوق ويعطي تعاليم وأوامر ونواهي من أجل إنضاج حق الحياة وسائر الحقوق المرتبطة بها، وبناء على هذا فإنّ للناس حقوق تستوجبها نظرة حب الكمال والقابلية المودعة من قبل الله وقد جعلت تكاليف للبشر من أجل إنضاج الفطرة والحقوق الإنسانية.
2- من جهة ثانية فإنّ الناس ذوو حق في الأمور العادية والفردية والاجتماعية ويتم استيفاء حقوقهم عن طريق وكالة نواب المجلس ورئيس الجمهورية وبقية المجالس وللولاية إشراف على جميع دوائر الوكالة.
3- من جهة ثالثة فإنّ للناس حق التحقيق والبحث وترجيع وتعيين الحاكم المعين بتعيين عام وقد يصل جمهور الناس في متابعتهم النهائية والدقيقة إلى درجة اختيار بصورة أحسن للولي الجامع لشروط الولاء والقيادة وهذا الولي هو غير الفقيه المشهور الذي كان يخطر في أذهان بعض حين اختياره في بداية التحقيق.
96ـ هل يمكن فرض الحكم على أكثرية الناس؟
الجواب:
1ـ ان الحكم الإسلامي ونظام ولاية الفقيه في مقام التشريع شبيه بدواء ناجع وهو يعتبر من حقوق الناس وليس واجبهم، وقد اختار الله العالم بجميع المصالح، هذه الحكومة للمجتمع البشري.
2- أما في مقام الإثبات وهي مرحلة الاقتدار الوطني والديني، فإنّ بإمكان الناس "الأحرار تكوينيا" ان يقبلوه أو لا يقبلوه، فإنّ قبلوه، فإنّ هذا الحكم الديني والشرعي يصبح منسجماً مع الاقتدار ـ الوطني ـ الديني ويكون ناجحاً وإذا لم يقبلوه أو نقضوا بعد القبول فإنّ ذلك الحكم يهتز، وان كاد قائده علي بن أبي طالب سلام الله عليه.
3- إذا أراد الحكم الإسلامي ان يكون إجبارياً، فإنه قد يقام "حدوثا"، ولكنه يزول "بقاء".
4- طبعا إذا أرادت أكثرية الجماهير، النظام الإسلامي، و أراد بعض المنحرفين إسقاط النظام الإسلامي، فإنّ على الحاكم الإسلامي التصدي لهذه الفئات المنحرفة مثلما حارب أمير المؤمنين (ع) المتمردين من الناكثين والقاسطين والمارقين، وأجبرهم على التكيف مع جمهور الناس الذين قبلوا الدين الإلهي الصحيح.
97ـ إذا كان لدي شخص "التزام عملي" بولاية الفقيه ولا يعارضها من الناحية العملية ولكن ليس لديه اعتقاد و "التزام قلبي" بها، فهل يمكن حرمانه من بعض الحقوق الاجتماعية مثل حق الاقتراع؟
الجواب:
من الضروري الفصل بين المسألة الفقهية، الحقوقية، الاجتماعية والسياسية عن المسألة الكلامية. من الناحية الفقهية والاجتماعية والسياسية، لا يمكن حرمان الشخص الذي لم يخالف عمليا ولاية الفقيه من حق الاقتراع لأن كافة المواطنين متساوين ازاء الحقوق القانونية.
هنالك في البلد الإسلامي أناس ملحدون وشيعة لا يعتقدون بولاية الفقيه، بسبب بعض الشبهات كل هؤلاء لهم حق الاقتراع ما داموا لا يخالفون القانون من الناحية العملية.
أما من الناحية الكلامية التي ترتبط بالدخول إلى الجنة والنار والثواب والعقاب، فذلك يرتبط بالصواب في الرأي والإخلاص في العمل، ولا يوجد في القانون كلام حول الجنة والنار، بل كلام حول حق الاقتراع وأمثاله، وترتبط الجنة والنار بالعقيدة والعمل، أي انه يجب ان يتوفر فيه عنصران أساسيان: أحدهما "حسن الفاعل" والآخر "حسن الفعل" ويعني حسن الفاعل هو ان يكون الفاعل مؤمناً وسليماً مائة بالمائة في المبادئ العقائدية "تفصيلاً أو اجمالاً ". ويعني حسن الفعل ان يكون عمله حسنا، فإذا صدر عمل حسن من شخص مؤمن ـ أي اقتران حسن الفعل مع حسن الفاعل ـ فإنّ هكذا شخص يدخل الجنة: أما حق الاقتراع فهو يرتبط بحسن الفاعل، أي ان لا يخالف من الناحية العملية.
ملاحظة: ربما يتصف جمهور الناس بالإخلاص وقد تتسرب إليه الشوائب، فحينما تقترن الموافقة العملية مع الإيمان القلبي ويصحب حسن الفاعل حسن الفعل فإنّ هكذا جمهورية هي خالصة من حيث القلب والقالب لأن الناس قبلوا الدين الإلهي الخالص بإخلاص قلبي ووحدة عملية.
98ـ هل يعتبر الناس "محجورون" في دائرة الأمور العامة في نظام ولاية الفقيه وكل تصرف لهم في الأمور العامة يتطلب أذن مسبق أو تنفيذ لاحق من قبل الولي الفقيه؟
الجواب:
1- ان الناس ليسوا محجورين أبداً في الأمور الشخصية والأمور العامة في البلد، فولاية الأب على ولده الصغير أو الولاية على المجانين هي التي تعتبر من سنخ الولاية على المحجورين وفي هذه الولاية ليس هنالك واجب وحرام شرعي وتكليف اختياري، بل ان ولي هؤلاء الأفراد يدفعهم إلى القيام بأعمال .
2- لا وجود لهكذا ولاية على الناس في النظام الإسلامي ونظام ولاية الفقيه، كيف يمكن ان يكون الناس محجورين في النظام الإسلامي ونظام ولاية الفقيه، في حين قيل ان الشخصية الحقيقية "وليست الاعتبارية" لنفس الرسول الأكرم "ص" وكذلك نفس الولي الفقيه، مثل سائر الناس، تابعة للشخصية الاعتبارية والولائية والمولى عليه.
3- ذكرنا سابقاً ان الأموال الموجودة في بلد ما هي على ثلاثة أقسام: الأموال والأمور الشخصية، الأموال و الأمور العامة، الأموال والأمور الحكومية والولائية والدينية.
لقد جعل الله الناس أصحاب حق وأحرار في دائرتي الأمور الشخصية الأمور العامة، أما في الأقسام المتعلقة بالحكم والدين مثل الأنفال وأمثالها، فإنّ هذه الأقسام تتعلق بصورة مباشرة بإمام الأمة، وإضافة إلى الأمور المالية الخاصة بالإمامة، فإنّ الأحكام والحدود والتعزيرات والقوانين الأهلية تتعلق بالدين والشارع ولا يمكن للناس ان يتصرفوا ويتدخلوا فيها، بناء على هذا فإنّ الناس بالغون ومكلفون ورشيدون وغير محجورين في أمورهم الشخصية والأمور العامة لبلدهم وفي بناء وإعمار بلدهم وفي استيفاء حقوقهم ولكن في النظام الإسلامي يوجد قسم خاص بالدين والإمام وهو منفٍٍ موضوعاً، أي انه ليس من صلاحية الناس تغيير الأحكام الإلهية وهذا الفارق بين النظام والأنظمة غير الإسلامية.
والخلاصة ان الناس لو أرادوا التصرف في أموالهم الشخصية أو في الأمور العامة والوطنية، فليس من اللازم ان يستأذنوا مسبقا ولي المسلمين أو ان يستأذنوا منه بعد العمل ان اللازم هو عدم مخالفة الناس مع ذلك القسم الديني والخاص وفي حالة عدم وضوح ما إذا كانت التصرفات الخاصة مخالفة للدين أم لا، فإنّ الاستئذان لازم من باب الإحتياط من أجل تجنب المخالفة، ولكن إذا توفر اليقين بعدم إلحاق ضرر بحكم من الأحكام الإلهية وبالأموال الخاصة بالإمام مثل الأنفال، فإنه لا يستلزم إذن مسبق أو إذن لاحق.
4- ان النظام الإسلامي ونظام ولاية الفقيه، مثلما هو ليس وكالة، فهو ليس أيضاً تلفيقا من الولاية والوكالة، بل هو نظام مجزء له حدود للوكالة وحدود للولاية، وحدود الوكالة يجب ان لا تخالف حدود الولاية، لأنه مثلما ذكر في الدستور فإنّ حرية الناس مقرونة بالمسؤولية أمام الله وليس حرية مطلقة وتحرز مطلق كما هو الحال في الأنظمة الأخرى. [4]
ان هيكل الدستور في إيران يقوم على فصل دائرة ولاية الفقيه عن دائرة الحكومة الوطنية وسيادة الناس، أي بالرغم من ان ولاية الفقيه تمثل جوهر النظام وعمود خيمة البلد، ولكن أخذت بنظر الاعتبار مباديء خاصة من أجل سيادة الشعب في دائرتي الأمور والأحوال والأموال الخاصة، وكذلك الأحوال والأموال العامة والوطنية "وليس الحكومية" كي يتم تأمين حريتهم وحق سيادتهم وتمتع الشخصية الحقيقية للفقيه الجامع لشروط القيادة بسيادة وطنية في هذين القسمين الأخيرين، مثل سائر المواطنين ومن دون أي ميزة عليهم.
5ـ بما ان ولاية الولي الإسلامي على نفسه والآخرين ليست من سنخ الولاية على الغائب والقاصر " المحجورين " فإنّ جمهور الناس أحراراً تماماً في معرفة الولي ولديهم حرية تامة في تقييم حيازة القائد أو فقدانه للأوصاف العلمية والعملية، والشروط الفقهية والتدبيرية والإدارية والسياسية، وكما تمت الإشارة سابقاً فإنّ من المحتمل ان يتحول قيام جمهور الناس بالفحص والمتابعة إلى أرضية لاختيار وقبول ولاية فقيه جامع لشروط خاصة فتكون صلاحيته مدعومة بنصاب تام، كما ان من المحتمل ان يغير القبول العام بفقيه معين والناجم عن إقبال واهتمام العقلاء، مسير التعريف بأعضاء مجلس الخبراء. والغرض هو نفي المحجورية وإبعادها عن حرية الجمهور وعن ساحة نظام ولاية الفقيه، حيث ان الهدف هو الفصل بين منطقة توكيل الوكيل عن دائرة تولّي الولي والولي.
99ـ بغض النظر عما ورد في الدستور من ان الشعب ينتخب رئيس الجمهورية، فهل يتمكن القائد من تعيين " رئيس الجمهورية"؟
الجواب:
ان البلد الإسلامي تتم إدارته حين يشعر الشعب بالحرية ويكون لديهم حق الانتخاب ويحترم رأيهم. ولهذا السبب قال الله تعالى للنبي "ص": {وشاورهم في الأمر}[5].
ان النظام الإسلامي هو نظام التشاور مع الشعب ويتم التشاور مع جماهير الشعب في جميع الأمور، ومع ممثلي الشعب من أهل الخبرة في الأمور الفنية والتخصصية، واقتراع الشعب هو في الحقيقة تشاور مع الشعب، الذي ينتخب رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الخبراء وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي، ولكن لغرض ان تحصل شرعية في المجموع فلا بد في البداية من تأييد صلاحية مرشحي مجلس الخبراء والشورى الإسلامي وكذلك صلاحية مرشحي رئاسة الجمهورية من قبل أفراد معينين من قبل القيادة وفي تلك الحالة يتم تثبيت الشرعية والحفاظ على حرية الناس، وفي ما عدا هذه الحالة لن يستقيم النظام الإسلامي ولا يدوم، ومن لا يحترم الرأي العام لن يتمتع بالاقتدار الوطني، ومن هنا ورد التأكيد في الدستور على احترام الرأي العام كي تتم إدارة البلد بالرأي العام والعزم الوطني، وبما ان سكان البلد مسلمون فإنهم يريدون ولاية الفقيه ـ وهي ولاية الدين الإلهي ـ .
لقد وهب الله تعالى، الحرية للإنسان بوصفها أفضل نعمة، وفي كلام وجهه أمير المؤمنين(ع) لابنه أكد على الحرية وأهميتها "ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا "[6].
وبناء على هذا ليس صحيحا القول بأن الفقيه الجامع للشروط هو الذي يعين رئيس الجمهورية أو نواب المجلس لأن لديه لياقة على القيادة الدينية ومعين من قبل صاحب الشريعة، ولو قال قائل انه لا حاجة للقانون مع وجود فقيه شرعي، فإنّ هذا الكلام إفراطي وغير صحيح، بطبيعة الحال إذا كان العزم الوطني وإرادة الجماهير تتركز على ان يقوم ولي المسلمين بتعيين رئيس الجمهورية فإنّ هكذا قرار يتمتع باقتدار وطني لما يتمتع به من سند شعبي ولا يتنافى مع شرعية الولاية، الغرض هو لزوم الفصل بين الحدود ومراعاة الحقوق من كل الجوانب.
100ـ هل يمكن القول ان على الناس ان يكونوا مسلّمين ازاء فكر الولي الفقيه؟
الجواب:
1ـ لا يمكن فرض الرأي العلمي لغير المعصوم على الآخرين وتقليد المقلدين لمرجعهم لا يمثل فرضاً لرأيه العلمي على آخر ذي رأي، ولكل عاقل استقلاله في الاستدلال والتفكير.
2- ان المقام العملي يقبل التكليف، فمبنى جميع العقلاء هو الرجوع إلى خبراء الفروع التخصصية والعمل طبقا لتعاليمهم.
3- بالرغم من عدالة الفقيه الجامع للشروط، لكنه ليس معصوما ولذلك فإنّ احتمال ارتكابه للخطأ العلمي يحول دون تعبد سائر أصحاب الرأي برأيه الفقهي.
101ـ هل ان الولي الفقيه لا يتعرض للمساءلة؟ هل يمكن للناس ان ينتقدوا القائد؟
الجواب:
1ـ ان الجميع مسؤولون في النظام الإسلامي والحكومة الدينية وكل مسؤول عليه ان يجيب أمام القانون.
2ـ ان مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشمل الجميع حتى الفقيه الجامع لشروط القيادة.
3ـ إضافة إلى الإشراف العام فإنّ مجلس الخبراء شكل لجنة تسمى "لجنة التحقيق" تشرف على عمل القيادة وتقدم نتيجة عملها في الجلسة العلنية لمجلس الخبراء، ويطالب الخبراء ـ الذين يعتبرون الجهة المنتخبة من قبل الناس لتعيين القائد والإشراف على شؤون قيادته ـ القائد بتقديم إيضاح للمسائل اللازمة، فإذا قدَّم والي المجتمع الإسلامي جواباً مقنعا فإنه يظل في منصب القيادة وإلاّ فإنهم يعلنون إقالته ويعرفون للجمهور فقيهاً آخر جامعاً للشروط.
4ـ ان الإشراف العام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو واجب على الناس ليس هو حقهم فقط بل هو واجبهم، ولكن له مراتب فيجب البدء من أسهل الأساليب، وفي بداية الأمر لا حاجة للجوء إلى اسلوب العنف ويتم حل المشكلة من خلال قطع مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتضح من كل ما قيل ان قائد المسلمين يتساوى مع الآخرين أمام القانون، وقد وردت هذه المسألة في الدستور. [7]
102ـ هل من الصحيح ان نقول ان الحكومة والحاكم الإسلامي هو "خادم الناس"؟
الجواب:
يجب التفريق بين الشخصية الحقيقية للحاكم الإسلامي وشخصيته الاعتبارية وهي الحكومة الإسلامية، وللتوضيح نقول: لقد ورد في المادة المائة والثانية والاربعين من الدستور ما يلي:
"يتم البت بأموال القائد ورئيس الجمهورية ومساعدي رئيس الجمهورية والوزراء وأزواجهم وأولادهم قبل الخدمة وبعدها من قبل رئيس السلطة القضائية للتأكد من عدم زيادتها خلافاً للحق".
ان عبارة "قبل الخدمة وبعدها" التي ترتبط بجميع العناوين السابقة وليس فما يخص العنوان أو العناوين الأخيرة ـ تدل على ان شخص القائد هو خادم للإسلام والأمة الإسلامية قبل بقية مسؤولي النظام الإسلامي، ولكن يجب الإلتفات إلى ان صفة الخدمة ترتبط بالشخصية الحقيقية للقائد وليس بشخصيته الاعتبارية وفقاهته. ان شخص القائد يجب ان يتعبد من أجل بلوغ الكمال وخدمة الناس وإعانتهم، وهذا ما يعد بدوره عبارة أيضاً، ولذلك فإنّ شخص الحاكم يوفق إلى خدمة الإسلام والمسلمين بسبب امتلاك تلك الشخصية الاعتبارية إذن بهذا التحليل يعتبر الشخص الحقيقي للقائد وكذلك الحكومة والجهاز القضائي والسلطة التشريعية خادماً للإسلام والأمة الإسلامية.
ملاحظة: من الضروري الانتباه إلى ان السيادة بمعنى الإتراف والإسراف والاعتلاء والتفرعن وأمثالها مرفوضة في جميع الشؤون الإسلامية ولا يحق لشخص هكذا كبرياء غير صحيح وحب للجاه في غير محله. وبناء على هذا فإنّ جميع المسؤوليات لها صبغة الخدمة القائمة الذمية الممزوجة بالعزة والتواضع وليس الخدمة القائمة على أساس الذلة.
103ـ هل ان ولاية القائد على الناس وعدم كونه وكيلاً من قبلهم يعني عدم الاهتمام بإرادة الناس ومحورية القائد؟
الجواب:
ان الاهتمام التكميلي بالناس والاعتناء التعميمي بهم هو من الواجبات المهمة للقيادة في الإسلام، ولكن يجب كما في السابق الفصل بين عدة مسائل:
1- فيما يتعلق بـ "أمر الله " أي دائرة القوانين الإلهية فإنّ الولي الفقيه وقائد المجتمع الإسلامي يهتم بحكم الله والرأي الإلهي فقط ويقوم بتنفيذه، لا يمكنه القيام من خلال التبديل أو التحويل، بتغيير الأحكام الدينية برأيه ولا برأي الناس، هذه الدائرة تتعلق بأصل تحق وثبات القوانين الإلهية ولا يمكن للفقيه ان يقلل منها أو يضيف عليها، مثلما لم يكن ذلك للرسول الأكرم "ص" والأئمة المعصومين عليهم السلام.
قال الله سبحانه في القرآن الكريم: {ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين}[8].
وقال تعالى في آية أخرى: {ليس لك من الأمر شيء}[9].
وقال تعالى في موضع آخر: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * ان علينا جمعهُ وقرآنه}[10].
2- وفيما يتعلق بـ"أمر الناس" فإنّ التشاور ورأي الناس معتبر ويحظى بعناية خاصة: {وشاورهم في الأمر}[11]، أي ان الأسلوب القائم على الشورى لازم في أمر الناس لا ان الشورى تتمكن في أمر الله وفي الأحكام الدينية من تقليل القوانين الإلهية أو زيادتها، فلم يقل: "و أمر الله شورى بينهم".
3- ان الناس ـ كما ذكر ذلك مراراً ـ أصحاب رأي في أمورهم الشخصية وفي الأمور العامة للبلد، وقد اعتبر الدين الإلهي، الناس أصحاب رأي ويعتبر القائد والفقيه الجامع للشروط أيضاً الناس في هاتين الدائرتين، أصحاب رأي وحق ويبذل كمال الاهتمام بمطاليبهم المعبرة عن آرائهم وأفكارهم الإنسانية، مثلاً تعتبر كيفية معيشة الناس وزراعتهم للأراضي وتربيتهم للماشية ونشاطاتهم في مجال صيد الأسماك والملاحة البحرية والجوية، وطبيعة علاقاتهم الدولية، والجهات التي يتاجرون أو لا يتاجرون معها وطبيعة قوانين الملاحة البحرية والجوية، هذه وكثير من الأمور الأخرى هي "أمر الناس " الذي يتحقق من خلال التشاور معهم ومعرفة آرائهم.
4- ان مراعاة الأدب والاعتناء بالجانب الوطني والديني لأبناء الأمة وحفظ كرامتهم الإنسانية وتكريم الاعتبارات الفردية والاجتماعية وأمثال ذلك هي جزء من الواجبات الأخلاقية المترتبة على الجميع وخاصة القيادة في جميع المراحل التي ذكرت حيث يجب ان يكون القائد متبعا لصاحب الخلق العظيم "ص" من جهة وأسوة للأمة من جهة أخرى.
104ـ ان "ولاية الفقيه" لا تنسجم مع "الجمهورية الإسلامية" لأن من لوازم الحكم الجمهوري هو حق الاقتراع بالنسبة للشعب ومن لوازم امتلاك الفقيه للولاية هي محجورية الناس وعدم رشدهم وبلوغهم الاجتماعي.
الجواب:
ان هذا الأشكال ناجم عن الالتباس بين" الولاية الحكومية" و " الولاية على المحجورين"، وكما مر بالتفصيل، فإنّ الولاية في القرآن الكريم والروايات الإسلامية وردت تارة بمعنى تصدي أمور الموتى والسفهاء وصغار السن وأمثالهم، وتارة بمعنى التصدي لأمور المجتمع الإسلامي والأمة العاقلة، وجواباً على إشكال من كان ينكر الولاية الحكومية في الإسلام، فقد مرت أمثلة للولاية الحكومية في كلام أمير المؤمنين سلام الله عليه. وبقية الأئمة عليهم السلام.
ان كلام الرسول الأكرم "ص" في واقعة غدير خم: " أيها الناس من وليكم وأولى بكم من أنفسكم؟ ... من كنت مولاه فعلي مولاه"[12] وكذلك الآيات: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}[13] و {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}[14] تدل على التصدي وإدارة المجتمع الإسلامي ويجب عدم الخلط بين هذه الموارد وبين آيات مثل: {ومن قُتِلَ مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل}[15]و {فإنّ كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاًً أو لا يستطيع ان يُمِلَّ هو فليملل وليُّه بالعدل}[16] والتي هي بشأن الولاية على الموتى والسفهاء والمحجورين، وإذا حصل الفصل بين هذين القسمين من الآيات والروايات فإنّ هذا الأشكال لا يستحق الطرح والعرض أساساً.
وطرح هذان النوعان من الولاية في الفقه الإسلامي، أحدهما الولاية المقررة على الموتى والمجانين وصغار السن وأمثالهم وهؤلاء الأشخاص بحاجة إلى قيِّم بسبب الموت أو فقدان القدرة على التفكير واتخاذ القرار الصائب، وهذه هي الولاية المتداولة في الكتب الفقهية وفي باب الحجر، أما الولاية بهذا المعنى فهي غير مطروحة أساس في نظام الجمهورية الإسلامية ولا تحظى باهتمام الدستور حتى يقول منكروا ولاية الفقيه: ان أفراد المجتمع ليسوا مثل الموتى والمجانين حتى يكونوا بحاجة إلى قيِّم.
ان ما ورد في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران وصوّت الشعب لصالحه هي الولاية الحكومية والتي تدخل في إطار حياة العقلاء وقد توصل عقلاء المجتمع وفقاً لما تحلُّوا به من عقلانية وبصيرة ودراية إلى هذه النتيجة العقلائية وهي ان كل إنسان وان عاش لوحده منعزلاً عن المجتمع فإنه بحاجة إلى الوحي والهداية الإلهية بسبب عدم معرفته التامة بنفسه والماضي والمستقبل وعدم الاطلاع على سعادته وطريق تكامله كي يصل من خلال التنسيق مع ما ورد في الوحي وما يدركه العقل إلى كماله المنشود، وهذا هو " برهان النبوة العامة " الذي ورد في القرآن وسنة أهل البيت عليهم السلام وتكلمنا بشأنه بالتفصيل في الفصول الماضية.
ان " السفيه وقليل العقل " من وجهة نظر القرآن الكريم هو ذلك الذي لا يؤمن بولاية الله ودينه، أما الذي يؤمن بهذه الولاية، فهو إنسان عاقل: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سَفِهَ نفسه} [17]، والذي يتمرد على أمر وإرشاد عقله في اتباع الدين الإلهي، هو مجنون وسوف يظهر جنونه الخفي هذا في {يوم تبلى السرائر " [18]وتتضح جميع الخفايا وسوف يشاهده الجميع بوضوح.
ان دراية العقلاء شأنها كرؤية ذوي المشاهد القلبية تُفتي ان توجيه المجتمع الذي تتباين أذواق أبنائه وأفهامهم ونزعاتهم وأهواءهم النفسية لا يمكن بالتأكيد من دون أناس صالحين يتحلَّون بالكمال. ان هكذا قيادة وفقاً لأمر الله وقانونه الذي يمنح السعادة هي مدعاة للوحدة والانسجام والتعاون والتكامل لذلك المجتمع وهذه ضرورة لا يمكن إنكارها وإذا لم يمسك الإنسان المعصوم الكامل بزمام أمور المجتمع في الظاهر وكان في ستار الغيبة فإنّ نوابه الخواص وفي حالة عدم وجودهم النواب العاملين للإمام (ع) فهم الذين يتولون هذا الواجب.
وبناء على هذا، فإنّ ولاية الفقيه تفقد معنى حكومتها الولائية . من دون اعتبار الناس عقلاء واحترام آرائهم، ولهذا السبب كان الإمام الراحل "قده" يُكِنّ للناس احتراماً وتكريماً صادقاً، وهذا الاحترام المتبادل بين القائد والأمة القائم حاليا في نظامنا الإسلامي المقدس، هو حصيلة هكذا نظرة علمية وأخلاقية وحقوقية تامة.
105ـ ان ثبوت ولاية الفقيه يؤدي إلى نفيها: لأن معنى ولاية الفقيه هو كون الناس ليسوا أصحاب رأي وبذلك فلا اعتبار لولاية الفقيه التي تتم من خلال الاقتراع المباشر للناس أو ممثليهم.
الجواب:
بما ان الحد الوسط في القياس الذي مر ذكره لم يتكرر وان مغالطة الاشتراك اللفظي تمثل أساساً لبروز الشبهة، فإنّ من الضروري رفع ستار ظن المصادرة وأمثالها من خلال تكرار بعض المسائل السابقة:
1ـ ان ولاية الفقيه، في مقام الثبوت والتشريع ليس بحاجة إلى اقتراع الجمهور لأنها جزء من "أمر الله"، مثلما ان رأي الجمهور ليس له طريق إلى موقع التشريع المنيع.
2ـ ان ولاية الفقيه في مقام الإثبات والاقتدار الوطني والديني، مرهونة باقتراع الشعب وقبول الأمة.
3- ان نفس الفقيه من حيث شخصيته الحقيقية هو مثل بقية أفراد الأمة، يؤيد ولاية شخصيته الاعتبارية.
4ـ ان الولاية على المحجورين خارجة بصورة كاملة عن حمى وحريم ولاية الفقيه ويجب تطهير وتنزيه كيان الولاية على العقلاء من تبعات الولاية على المحجورين كي لا تتلوث ساحة الشعب وحياض الأمة ولا تتضرر قدسية البحث العلمي بفرث ودم مغالطة الاشتراك اللفظي.
106ـ استناداً للموازين الفقهية، فإنّ " الشرط الفاسد، مفسد للعقد" وبهذا يبطل عقد الجمهورية الإسلامية وذلك الاشتراط فقدان الشعب للرأي والصلاحية، وان الولي الفقيه هو الذي يتخذ القرآن بشأنهم، في حين يتنافى فقدان أحد طرفي العقد للاختيار والرأي مع الوكالة والعقد الثنائي.
الجواب:
أولاً: ليس هنالك من أراد من الناس ان يكونوا " بلا رأي " وكما ذكر في البحوث السابقة فإنّ رأي الشعب والخبراء والأخصائيين مصيري في إدارة الأموال والأمور الشخصية، وكذلك الأمور العامة للبلد ويقوم الفقيه الجامع للشرائط بإدارة البلد وفقاً لخبرة وإرادة الشعب: وطبعا مع مراعاة الموازين الإسلامية والتي تحظى باهتمام ورغبة الشعب.
ثانياً: وفقاً لما مر ذكره فإنّ الفقيه الذي تتوفر فيه شروط القيادة معيّن من قبل الإمام المعصوم (ع) والتصويت لصالحه ليس وكالة وعقد بين طرفين ولذلك فإنّ هذه القاعدة الفقهية منفية من حيث الموضوع ولا تجري في هكذا مورد.
ثالثاً: إذا كان التصويت لولاية الفقيه الجامع لشروط القيادة، من سنخ التوكيل ورأي الموكل للوكيل فإنّ الفقيه الجامع لشروط القيادة يجب ان لا يصوت لأصل ولايته، ليس له صفة حقوقية قبل التصدي وتحديد المنصب، وله اعتبار واحد ورأي مثل سائر المواطنين، في هذا الفرض يكون تصويته لصالح ولايته من قبيل اتحاد الوكيل والموكل من دون تعدد الاعتبار وهو باطل ولكن إذا كان تصويت الشعب، من سنخ الولي لولاية الولي المعين بصورة عامة من قبل الشارع المقدس فإنّ تصويت الفقيه المذكور لصالح ولايته، معقول ومقبول.
رابعاً: ان صورة ما مرّ في الرقم الثالث هي في ان مجلس خبراء القيادة يشخصون أحياناً صلاحية وجامعية أحد الفقهاء الموجودين بين النواب قبل رحيل القائد الفعلي فيغرفونه للأمة كي يتصدى ذلك الفقيه المعين وهو من الخبراء، لولاية الأمر وإمامة الأمة الإسلامية.
في هذا الفرض يمكن للفقيه المذكور التصويت لصالح التعريف بشخصيته الاعتبارية مثل سائر الخبراء ويتمكن مثل سائر المواطنين وأفراد الأمة التصويت لصالح إمامته، ومن هنا يتضح الحكم الفقهي لأصوات أعضاء مجلس الخبراء وصوت رئيس الجمهورية وأصوات أعضاء مجلس الشعب وأمثالهم أثناء الانتخابات التوكيلية واقتراع الشعب وفي جميع هذه الموارد تبطل شبهة اتحاد الوكيل والموكل خصوصا تصويت الشخص المعيّن لصالح نفسه.
_______________________
[1] - النور: 48 ـ 50.
[2] -الشورى: 23.
[3] - الدخان: 18.
[4] - الدستور: المادة الثانية.
[5] - آل عمران: 159.
[6] -نهج البلاغة، الرسالة 31، الفقرة 87.
[7] - الدستور: المادة المائة والسابعة.
[8] - الحاقة: 44-46.
[9] - آل عمران: 138.
[10] -سور القيامة، 16-18.
[11] -آل عمران: 159.
[12] -الكافي ج1، ص295، ح2.
[13] -الأحزاب: 6.
[14] -المائدة: 55.
[15] -الإسراء: 33.
[16] -البقرة: 282.
[17] - البقرة: 130.
[18] - الطارق: 9.

السابق || التالي 

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية

مركز الصدرين للدراسات السياسية