مركز الصدرين للدراسات السياسية || الكتب السياسية

بحوث في ولاية الفقيه

الدرس الرابع عشر: حكم الخمس

بناء على نظرية ولاية الفقيه
الخمس كما هو معلوم ينقسم إلى قسمين: سهم إمام، وسهم سادة. وحتى نستوفي البحث في الموضع الذي نريد الحديث عنه هنا وهو: تحديد من هو المعني في عصر الغيبة في استلامه وصرفه على موارده، علينا البحث في علاقة الإمام المعصوم(ع) بالخمس بسهميه سهم الإمام وسهم السادة، فنقول:
أولاً: علاقته بسهم الإمام(ع).
وعند النظر في هذا العلاقة، نجد أنفسنا بدواً أمام عدة احتمالات:
الأول: أنه ملك شخصي للإمام من حيث هو شخص.
الثاني: أنه ملك شخصي له من حيث هو إمام.
الثالث: أنه ملك للحكومة الإسلامية وبين مال المسلمين، والإمام ولي أمره.
وهذه البحوث رغم أهميتها لن نتمكن من التفصيل فيها، لأن غرضنا الربط بين الخمس ولاية الفقيه.
والذي نستطيع قوله هنا أن منشأ دعوى الملكية هو قوله تعلى: {واعملوا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسة وللرسول ولذ القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}[1] لكن يمكن نفي الاحتمال الأول والثاني ليبقى الثالث.
أما نفي الاحتمال الأول فمرده إلى أنه لو كان ملكاً شخصياً للإمام(ع) لوجب أن ينتقل ما يكون عنده من خمس إلى أولاده بالإرث عند الوفاة، وهذا ما لم يحصل كما لم يدّعه أحد على حد علمنا.
أما الاحتمال الثاني، ففيه صورتان:
الصورة الأولى: أن يكون المال ملكاً شخصياً للإمام وسبب الملكة هي الإمامة وكأنه راتب قد قدمه الله تعالى للإمام، فهذا أيضاً كسابقه يلزم منه جواز توريثه، ولم يقل به أحد.
الصورة الثانية: أن يكون المال ملكاً للمنصب أي للإمامة وليس شخص الإمام(ع)، وهذا لا معنى له إلا بأن يكون المال مال للحكومة الإسلامية لأنها جهة الإمامة، وإنما يكون الإمام(ع) مالكاً للتصرف، ولذا أضيفت اللام.. فالله تعالى هو الولي الحقيقي، والرسول والإمام(ع) هم الولاة الذين خوّلهم الله تعالى التصرف.
وهذا معنى ما يقال من أن الخمس ملك بين مال المسلمين يوزع في مصالح الإسلام والمسلمين والذي يتولى أمر الحاكم الشرعي.
وهذا هو حال الأنفال أيضاً في قوله تعالى: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول}[2]، وفيما ورد في الأخبار: "أن الأنفال لرسول الله ولنا بعده".
ثانياً: في علاقته(ع) بسهم السادة
المعروف بين علمائنا أن سهم السادة ملك للسادة، فلا يصرف في غيرهم. وهناك رأي فقهي آخر يعتبر أن سهم السادة يصرف منه على السادة، فإن فضل منه شيء جاز صرف سهم السادة في مصالح المسلمين وفقرائهم.
وبناء على هذا القول سيكون حكم سهم السادة حكم سهم الإمام من جهة أنه تحت سلطة الإمام وولايته، فلا يجوز للمكلف أن يبادر إلى تسليمه للسادة من دون أخذ ولي الأمر فيه.
الخمس في عصر الغيبة
والمشكلة في مسألة الخمس تكمن في اعتقاد أن سهم الإمام ملك للإمام(ع)، فإذا بنينا على أنه ملك بيت مال المسلمين تحت ولاية الإمام(ع)، فإن الأمر يصبح سهلاً بناءً على نظرية ولاية الفقيه، أما سهم السادة فلا مشكلة فيه سواء بنينا على أنه ملك السادة، إذ يصرف حينئذ عليهم بلا حاجة إلى إذن الفقيه كما هو رأي جملة من العلماء، أن بنينا على أنه تحت ولاية الإمام(ع) ومصرفه الأولي السادة ثم غيرهم، إذ بناء على ولاية الفقيه يكون الأمر سهلاً أيضاً، إذ يكون الإمام(ع) هو ولي الخمس بقسميه وبناء على نظرية ولاية الفقيه تنتقل هذه الولاية إلى الفقيه.
وإذا جاز للفقيه استلام الخمس بولايته عليه نيابة عن الإمام(ع) وجب أن نقيد بشروط أقلها الكفاءة والأمانة في تحمل مسؤولية هذا المال وصرفه والاطمئنان إلى حسن إدارته له، فلا يجوز إعطاؤه لفقيه لا يتوفر فيه هذا الشرط وإن كان مرجع تقليد. وإذا فرضنا وجود ولي على الأمة فهو الأولى من غيره بقبض المال، بل قد يجب دفع الخمس له إن طلبه أو إن حصرنا النيابة بشخص واحد هو الأفضل من كل الجهات كما هو الأرجح.
ولعل اشتراط الأفضل هو الداعي لتخصيص الخمس بالمرجع بأن يقال إن الذي ثبت أن له ولاية الخمس نيابة عن الإمام هو خصوص الفقيه الأعلم وهو المرجع، وهذا أحد مظاهر نظرية وحدة الولاية والمرجعية.
ولكن هذا التخصيص يستدعي شروطاً في المرجع لم تلحظ في باب المرجعية، أي يستدعي شرط كفاءة تحمل مسؤولية المال، ولم يشترطوا ذلك، وهذا غريب.
على أن بعضهم لا يشترط تقليد الأعلم فبأي وجه يلزم بالدفع إلى المرجع.
وقد تبين مما سبق أن الطريق الوحيد لإثبات ضرورة أن يدفع المال للفقيه هو إثبات ولايته. وليس هذا الطريق مبتدعاً من أجل أخذ المال بل هو طريق ثبتت صحته على ما بيّنا سابقاً.
ملاحظة أدلة ولاية الفقيه
ولا يفرق فيما ذكرناه بين أن تثبت ولاية الفقيه بالنصوص، أو بدليل الحسبة.
أما بناء على ثبوتها بالنص فواضح، لأن النص أعطى ولاية عامة للفقيه ومن جملتها الولاية على الخمس.
أما بناء على ثبوت الولاية بدليل الحسبة، فلأن دليل الحسبة يثبت لنا أن الولي في الحكومة الإسلامية هو الفقيه، وهذه الحكومة تأخذ كل صلاحيات الحاكم في الإسلام والتي من جملتها الأموال الشرعية التي ترجع ملكيتها على بيت مال المسلمين على ما تقدم، وبيت المال من شؤون الحكومة الإسلامية العامة.
ولو لم يقبل هذا الكلام، فلنا طريق آخر وهو أن نجري دليل الحسبة في خصوص الخمس فنقول:
قد قام الدليل على أن الشرع لم يرد إهمال أمر الخمس في عصر الغيبة كما هو المعروف بين علمائنا، لأن إهماله مع وجوب دفعه يعني تكديسه وتعريضه للتلف وهذا إضرار بالمكلفين من دون أن ينتفع بالمال أحد، إلا أن يلتزم بأن الخمس غير واجب في عصر الغيبة وهذا أيضاً باطل، لأن الخمس بقي على وجوبه ولم يجعل مباحاً بين الناس، وحينئذ نقول لا دليل على أن الإمام(ع) قد أجاز المكلفين بصرف الخمس بعد أن كانت القاعدة فيه الحاجة إلى الإذن. فإذا افترضنا قصور الأدلة عن بيان من يحق له أن يجيز بناء على عدم تمامية أدلة ولاية الفقيه اللفظية، فهذا يعني أننا أمام احتمالين:
الأول: أن يتوقف صرف المال على إذن الفقيه. وبناء على هذا الاحتمال لا تبرأ ذمة المكلف من الخمس إلا إذا دفعه للفقيه.
الثاني: أن يجوز للمكلف أن يصرفه بنفسه بلا حاجة للرجوع للفقيه.
والقدر المتيقن المبرئ للذمة هو اعتماد الاحتمال الأول، لأنه حسب الفرض لا دليل على الاحتمال الثاني، فلو صرفه المكلف بنفسه لا يحرز براءة ذمته من الخمس، والاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية، ولا يقين بالبراءة إلا برعاية الاحتمال الأول، فيكون القدر المتقين ممن يحق له التصرف في الخمس وصرفه هو الفقيه وهو الذي يتيقن معه المكلف ببراءة ذمته تجاه الخمس.
ثم إذا ثبت أن الأمر يرجع إلى الفقيه، نسأل حينئذ: هل يجوز لمطلق فقيه أم ينحصر الأمر بالفقيه الأفضل من حيث الصفات؟ وبدليل الحسبة أيضاً نستنتج وجوب دفعه إلى الفقيه الأفضل، فهو صاحب الحق بالتصرف ولم يثبت هذا الحق لغيره.
______________________
[1] سورة الأنفال:1.
[2] سورة الأنفال:1 والوسائل، باب1 من أبواب الأنفال.

السابق || التالي 

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية

مركز الصدرين للدراسات السياسية