الدرس الخامس: صفات الولي وشروطه [3]
الدليل العقلي (الفقاهة خاصة)
الدليل العقلي: هو الدليل المسمى بدليل الحسبة، الذي نعتقد أنه لم ينكره أحد من
العلماء كما سنشير إلى ذلك فيما بعد.
ويتألف هذا الدليل من مجموعة مقدمات هي:
المقدمة الأولى: أن الحكومة الإسلامية ضرورة شرعية وعقلية كما تقدم.
المقدمة الثانية: أنه لابد من ولي لهذه الحكومة سواء كان شخصاً واحداً أو مجموعة
أشخاص، وهذا من لوازم المقدمة الأولى.
المقدمة الثالثة: نفترض أن كل الروايات التي تقدمت غير دالة على ثبوت الولاية
للفقيه، لكن لا يوجد دليل ينفي الولاية عنه أو يثبتها للأعم من الفقيه وغير الفقيه.
المقدمة الرابعة: ومقتضى المقدمة الثالثة أننا نشك في اشتراط الاجتهاد في الولي،
وهذا يعني أن المسألة أمام احتمالين لا ثالث لهما وهما: الاشتراط، وعدم الاشتراط.
ورعاية الاحتمال الأول تقتضي أن يكون الولي فقيهاً زيادة على الشروط الأخرى التي
ثبت اعتبارها في الولي، ومقتضى رعاية الاحتمال الثاني أنه يمكن للفقيه وغير الفقيه
أن يكون ولياً إن توفرت فيه باقي الشروط.
ولا مجال لاحتمال ثالث أعني احتمال اشتراط أن يكون الولي غير فقيه وانحصار الولاية
بغير الفقيه، لأن غير الفقيه لن يتميز عن الفقيه بشيء يتطلبه منصب الولاية، وأي صفة
تفرض في غير الفقيه من الصفات اللازمة للولي يمكن فرضها في الفقيه أيضاً، ولا يعقل
أن يكون الفقه والاجتهاد منقصة تجعل غير الفقيه أرجح من الفقيه لمجرد أن هذا فقيه،
بل العكس هو الصحيح، لأن العلم بالقانون من شؤون هذا المنصب، والفقه والاجتهاد أسمى
من التقليد، فالميزة للفقيه، ولذا احتملنا الاشتراط وانحصار الولاية به.
وعند دوران الأمر بين الاحتمالين المشار إليهما، يتدخل العقل لصالح الاحتمال الأول،
لأن الترديد بين الاحتمالين يستلزم الترديد بين تعين الولاية بالفقيه وبين التخيير
بينه وبين غير الفقيه، ودائماً مع فرض توفر الشروط الأخرى، والقاعدة عند العقل في
مثل هذه الأحوال هو الأخذ بالتعيين.
والسبب في ذلك: أن هنا أصلاً عقلائياً وعقلياً وشرعياً وهو أن لا ولاية لأحد على
أحد، وهذه القاعدة لا يمكن استثناء أي مورد منها إلا بدليل تام، ولا دليل على حق
الولاية لغير الفقيه، بل هو مجرد احتمال، بينما صلاحية الفقيه للولاية أمر متيقن
على كل حال، وهذا يعني أن الفقيه ثبتت ولايته، وأما غيره فيبقى تحت النفي المدلول
عليه بالأصل، فلا تكون له ولاية على أحد.
شرط الأكفئية
ولو وجد فقيهان، وكان أحدهما أكفأ من الآخر، فالمتعين تقديم الأكفأ، ومعنى أن يكون
أحدهما أكفأ من الآخر، أن يكون أقدر على قيادة الأمة بما يتطلب ذلك من أعرفية
بالواقع وأفضلية في الإدارة وأقدرية على تحديد الموقف ونحو ذلك.
والذي يدل على ترجيح الأكفئية: ما علمناه من مجمل النصوص القرآنية والروائية من أن
شأن الأمة الإسلامية من الشؤون التي اهتم بها الإسلام ولم يرض بالتساهل به، والواجب
رعاية حقوق الأمة قدر الإمكان، وهذا الأمر ينبغي عده من البديهيات الإسلامية، ولذا
جرت السنة الإلهية على اختيار الأفضل في كل عصر وزمان لمقام النبوة والإمامة،
ورعاية هذا الحق حق الرعاية، لا يكون إلا باختيار الأفضل الأقدر على إيصال الأمة
إلى حقوقها وتحقيق مصالحها وتجنيبها الأخطاء والمفاسد، فلو تركناه إلى الأقل فضلاً
نكون قد عرضنا بعض المصالح المرتبطة بالأمة للضياع أو إيقاعها في بعض المفاسد. وهذا
الاحتمال ينبغي رعايته نظرا لأهمية المحتمل.
أدلة عدم جواز تولي المرأة للقيادة
لو تأملنا في ما ورد لدينا من نصوص وفيما قاله علماؤنا يظهر أنه لا يوجد دليل شرعي
قوي يمكن الاحتجاج به في مقام المحاورة يمنع بشكل جازم المرأة من تولي هذا الموقع،
دون أن يعني هذا أنه لا يوجد دليل أصلاً. ولتفسير هذا الكلام علينا النظر فيما
ذكروه من أدلة على النفي مقتصرين على أهم ما ذكر في هذا المجال ثم نبين أخيراً
الدليل المعتمد.
الدليل الأول:
مجموعة الروايات رويت متعددة عن رسول الله(ص) في بعضها، وعن الأئمة(ع) في بعضها
الآخر، والذي مضمونه أن المرأة لا تولّى، وهي على نحوين:
النحو الأول: ما روي عن رسول الله(ص) في كتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: "أن
المرأة لا تُولى القضاء"[1].
النحو الثاني: ما كان مطلقاً غير مقيد بالقضاء، نحو ما روي عن النبي(ص) ونقل بصيغ
متعددة: "لم يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" و"لا يقدس الله أمة قادتهم امرأة"[2].
ولكن ليس هناك طريق معتبر لأي من هذه الروايات، فلا قيمة لهذا الدليل على مستوى
الحجية.
الدليل الثاني:
وهو الاستدلال بآية {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما
أنفقوا}[3].
لكن الظاهر أن الآية مختصة بالحياة الزوجية ولا تشمل الحياة الاجتماعية، فلا منافاة
بين هذه الآية وبين ثبوت الولاية لها، غايته أنه في الحياة الزوجية يجب أن تكون
مطيعة للرجل فيما هو حق للرجل في أن يأمرها به، كما أن ثبوت حق الطاعة للوالد على
ولده لا يمنع الولد من أن يكون ولياً على الأمة بما فيها أبوه.
الدليل الثالث:
قد ذكرنا سابقاً في مباحث أدلة ولاية الفقيه، أن ثبوت الولاية لشخص يحتاج إلى دليل،
ولا يكفي عدم الدليل على النفي لنثبت أنه يجوز للمرأة تولي القضاء والإمارة، لأن
الإثبات أيضاً محتاج إلى دليل.
لذا يجب البحث عما إذا كان في الأدلة ما يثبت ذلك، ولو ثبت مثل هذا الدليل، تصبح
المرأة كالرجل طرفاً من أطراف المقارنة عند البحث عن الأفضل، فإن كانت هي الأفضل من
حيث الصفات المعتبرة في الولي كانت الولاية لها، وإن كان غيرها الأفضل فالولاية له.
والمعروف بين العلماء أنه لا وجود لمثل هذا الإطلاق، لأن الروايات الواردة في أدلة
ولاية الفقيه وإن لم تقيد الأمر بالرجل، لكن كثرة الروايات التي تقدم ذكر بعضها
الدال على عدم جواز تولي المرأة القضاء والولاية تجعل الإطلاق بعيداً.
فإننا وإن لم نقبل بالاستدلال بهذا الأخبار، لكن هذا لا يعني أن نمر عليها مرور
الكرام بعدما كانت كثيرة أوجدت ارتكازاً في أذهان المسلمين عموماً والفقهاء خصوصاً،
مما يدعو إلى العثور على رواية واضحة وصريحة في الدلالة على حق المرأة بتولي القضاء
أو الولاية حتى يمكننا تبني هذا الرأي.
ونتيجة ما تقدم أن نصير في شك في أنه هل يجوز للمرأة أن تتولى القضاء والولاية في
الحكومة الإسلامية أم لا؟ ومع هذا الشك تكون النتيجة القهرية أنه لا يحق لها هذا
المنصب بناء على الأصل المشار إليه سابقاً.
_______________________
[1] راجع وسائل الشيعة، ج18، الباب الثاني من أبواب صفات القاضي. وج14، باب23 من
أبواب مقدمات النكاح. وسنن البيهقي، ج10، ص118.
[2] كنز العمال، ج6، ص40، الباب1 من كتاب الإمارة من قسم الأقوال.
[3] سورة النساء:34.