مركز الصدرين للدراسات السياسية

 اساس الحكومة الاسلامية
السيد كاظم الحائري

الملاحق

الملحق رقم (1)
فإن قيل: ان مجرد عدم اشارة في الكلام من قريب أو بعيد إلى وجود ولي من هذا القبيل يؤخذ برأيه، ليس قرينة على نفي الاحتمال الثالث.. وذلك لأنه ـ وإن كان المفروض عادة في باب الاستشارة أنه يعمل بعد المشورة برأي ما ـ لكن هذا المفروض لم يكن مفروضاً في الكلام؛ أي لم يفهم من الكلام ضرورة العمل برأي ما حتى إذا لم يفرض في الكلام ولي ما. ولم يكن المستشيرون غير المستشارين تعين كون الرأي الذي يعمل به نفس رأي المستشارين أو أكثريتهم، أو رأي من يعينه المستشارون أو أكثريتهم، وإنما كنا نعلم من الخارج بأنه في باب المشورة لابد ـ بالتالي ـ من العمل برأي ما، وهذا لا يولد للكلام ظهوراً في ضرورة أخذ الرأي من نفس المشاورين أو من يعينه المشاورون.
قلنا: لئن تم هذا الاشكال فيما لو كان التعبير هكذا "شاوروا في أمركم" فإنه لا يتم في مثل قوله "وأمرهم شورى بينهم"؛ إذ هذا التعبير ليس مجرد أمر بالمشورة، وإنما حملت الشورى على الأمر، وهذا يعني أن أمرهم يدار بالشورى بينهم. إذن فقد فرضت في نفس الكلام ضرورة ادارة الأمر والأخذ بآراء محددة لتمشية الأمور، فنقول:
هل المقصود الأخذ بالرأي المستقى من الشورى أو المقصود الأخذ برأي ولي ما منفصلاً عن الشورى، وإنما الشورى أثرها هو انارة الطريق أمام ذاك الولي؟
طبعاً الأول هو الظاهر، لأن الآية إنما ذكرت الشورى ولم تذكر ولي الأمر، ففرض الرجوع إلى ولي الأمر غير المستقى ولايته من الشورى بحاجة إلى مؤونة زائدة، والسكوت عن ذكر ولي من هذا القبيل قرينة على أن المقصود هو الأول.
على أنه لا يبعد أن يقال: ان هذا الاشكال لا يتم حتى لو كان التعبير مقتصراً على الأمر بالمشورة بصياغة "شاوروا في الأمر"، وذلك لأن ارتكازية كون المشورة عادة مقدمة للعمل بقول المستشار لو لم يكن للمستشير رأي يرجحه عليه أو يساويه تعطي للآية الشريفة ـ الواردة في فرض لا يوجد تغاير بين المستشيرين والمستشارين ـ ظهوراً في كون المقصود الاحالة إلى رأي المستشارين.
هذا، وقد ظهر بكل ما ذكرناه هنا وفي الكتاب أن هذه الآية هي خير الادلة على مبدأ الشورى بالمعنى المقصود، وهي من حيث الدلالة تشتمل على نفس القوة التي افترضناها في رواية "أموركم شورى بينكم" مع عدم ابتلائها طبعاً بما ابتليت بها تلك الرواية من ضعف السند. بل يمكن ان يقال: انها من حيث الدلالة أيضاً اقوى من تلك الرواية؛ إذ:
أولاً: قد يدعى احتمال كون مقابلة جملة "اموركم شورى بينكم" بجملة "أموركم إلى نسائكم" قرينة على شمول كلمة "الأمور" للأمور الشخصية، بينما هذه النقطة غير موجودة في الآية الكريمة.
وثانياً: قد يقال: ان التعبير بالأمر كما في الآية أقوى دلالة على ارادة الأمور العامة من التعبير بالأمور كما في الرواية؛ إذ يقال: لو كان المقصود في الآية الأمور الشخصية لكان الأولى التعبير بشكل مقابلة الجمع بالجمع المناسبة مع التوزيع، بأن يقول "أمورهم شورى بينهم" بينما لم يأت التعبير هكذا، بل قال "أمرهم شورى بينهم".
وهذا بخلاف الرواية التي عبرت بصيغة الجمع حيث قالت "أموركم شورى بينكم".
هذا، ورغم كل ذلك قد وضحنا في الكتاب عدم تمامية الاستدلال بالآية الكريمة على نظام الشورى.

الملحق رقم (2)
وتحقيق الحال في ذلك ببيان واسع هو: أن الشورى على قسمين ـ كما اتضح مما سبق ـ:
القسم الأول: هو الشورى التي يكون المستشير فيها غير المستشار، أي الشورى في الأمور الشخصية مثلاً، فهناك شخص ما يهمه أمر فيستشير الآخرين في أمره.
والقسم الثاني: هو الشورى التي يكون المستشيرون فيها عين المستشارين، أي أن الشورى تكون بين جماعة في أمور ترتبط بهم جميعاً من سن قوانين وتعيين ولي الأمر ونحو ذلك.
فلو طبق الأمر بالشورى في هذه الآية على القسم الأول فلا يخلو الحال من أحد فرضين:
الأول: أن يحمل الأمر بالشورى على مجرد الاستضاءة بأفكار الآخرين من دون أن يكون امراً بالأخذ برأيهم على كل تقدير، وهذا هو المحتمل الثالث من محتملات الشورى.
الثاني: أن يحمل الأمر بالشورى على أنه أمر بأصل المشورة وبالأخذ برأي المستشار تعبداً. وهذا يحتاج إلى قرينة، إذ مجرد الأمر بالشورى لا يدل عليه، لأن الأخذ برأي المستشار أمر زائد على أصل الشورى.
وعلى أي حال فحينما يحمل الأمر بالشورى على هذا المعنى لابد من حمله بمناسبات الحكم والموضوع على مجرد الأمر بالأخذ برأي الغير في الأمور المباحة دون الترخيص في مخالفة الأوامر الالزامية ولو كانت أوامر ظاهرية ودون سائر شعب الولاية، فإن الأمر بالعمل برأي المستشار ليس إلا كالأمر بالعمل برأي الوالد أو باليمين أو النذر، فكل هذه أوامر ثانوية واردة في الشريعة بعد فرض اكتمال الأوامر الأولية الواقعية والظاهرية، أي أنه أخذ في موضوعها مشروعية المتعلق. وهذا هو المحتمل الثاني من محتملاتنا الثلاثة في الشورى.
وما ذكرناه من نكتة وحدة المستشارين والمستشيرين في قوله "أمرهم شورى بينهم" يبطل أصل تطبيق الأمر بالشورى في هذه الآية على القسم الأول، وهو الشورى في قضايا يكون المستشير فيها غير المستشار، سواء أرجع ذلك إلى المحتمل الثالث أو إلى المحتمل الثاني.
أما إذا طبق الأمر بالشورى فيها على القسم الثاني ـ أعني الأمور التي يكون المستشيرون فيها عين المستشارين ـ فقد افترضنا أنه لا يتأتى الفرض الأول، وهو الحمل على مجرد الاستضاءة بأفكار الغير، بل لابد من حمله على كونه أمراً بالمشورة وبأخذ الرأي من المستشارين. وهذا يعني أن المحتمل الثالث لا يأتي هنا، الا أنه يبقى الكلام في دائرة الشورى والأخذ بالرأي هل هي في دائرة المباحات فقط ـ وهذا هو المحتمل الثاني ـ أو في دائرة أوسع من ذلك، كأن يشمل مثلاً دائرة الترخيص في الأوامر الالزامية الظاهرية، أو في تمام مساحة دائرة الولاية المبحوث عنها بلا فرق بين دائرة المباحات أو الترخيص في الالزاميات الظاهرية فيما يمكن، أو الواقعية أيضاً في مورد يمكن تبديل الموضوع بالولاية أو تعيين الولي أو اجراء الحدود او نحو ذلك. وهذا هو المحتمل الأول من محتملاتنا الثلاثة.
والاطلاق ومقدمات الحكمة يعين هنا طبعاً المحتمل الأول، فإن المحتمل الثاني ـ وهو حصر الولاية في دائرة المباحات ـ تقييد بلا مقيد، وهنا لا يأتي ما ذكرناه من مناسبات الحكم والموضوع التي قلنا في القسم الأول انها تخرج الترخيص في مخالفة الأوامر الالزامية الظاهرية، بل مناسبات الحكم والموضوع هنا تقتضي العكس؛ فإنه إذا كان مصب الشورى عبارة عن الأمور العامة للمسلمين وبهدف حل مشاكل المجتمع الاسلامي وادارة شؤونهم لا عن الأمور الخاصة التي يكون المستشيرون فيها غير المستشارين وبهدف مجرد استرشاد بعض بفكر البعض الآخر، فهذا لا يكون الا بالولاية العامة التي قلنا انها أساس نظام الحكم.

الملحق رقم (3)
ويؤيد ذلك أننا نحتمل أن تكون عبارات "لم يقبل" و "استخف" و "رد" صيغاً مبنية للفاعل يرجع ضميرها إلى المتخاصم الذي حكم عليه.
وقد يورد على الاستدلال بهذه الرواية ـ سواء بالجملة الأولى أو الثانية ـ بإيرادين آخرين:
1 ـ أن يقال: ان هذه الرواية لو تمت دلالةً فإنما تدل على نيابة الفقيه من قبل الإمام الصادق (ع)، وتنتهي النيابة بموته، فنحن بحاجة إلى اثبات النيابة من قبل الإمام صاحب الزمان (عج).
ولكن يتخلص من ذلك بأحد طريقين: اما بدعوى استظهار عدم الفارق من هذه الناحية، فلئن كان الإمام الصادق (ع) في عصر الحضور قد جعل الفقيه نائباً عنه، فالإمام صاحب الزمان في عصر الغيبة بطريق أولى جعله نائباً عنه. واما بدعوى استظهار أن هذا لم يكن اتخاذاً للنائب كي ينتهي أمده بموته (ع)، بل إعمالاً للولاية في إعطاء الولاية للفقيه، فيبقى نافذ المفعول ما لم يثبت إعمال ولاية أخرى في رفع ولاية الفقيه.
وهذا الاشكال وجوابه ساريان في كل روايات ولاية الفقيه غير ما كان وارداً عن الإمام صاحب الزمان أرواحنا فداه.
2 ـ أن يقال: ان كلمة "الحكم" كانت تستعمل كثيراً ما في عصر صدور النص بمعنى القضاء، فلو صح هذا كان بنفسه مانعاً عن انعقاد الاطلاق في هذه الرواية.
وأوضح من هذه الرواية في عدم الاطلاق لغير باب القضاء الروايات التي عبرت بتعبير "جعلته قاضياً"، من قبيل ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن أبي الجهم عن أبي خديجة، قال: بعثني أبو عبد الله (ع) إلى أصحابنا فقال: قل لهم: اياكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ والعطاء أن تحاكموا إلى أحد من هؤلاء الفساق! اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا فإني قد جعلته عليكم قاضياً، وإياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر(123).
وفي السند أبو الجهم، وهو مشترك، ويحتمل انطباقه على ثوير ابن أبي فاختة، ولم يعلم أن أبا الجهم الذي روى عنه ابن أبي عمير ينطبق على أبي الجهم الذي روى هذه الرواية، كي تثبت بذلك وثاقته، فلعل راوي هذه الرواية هو ثوير بن أبي فاختة، والذي روى عنه ابن أبي عمير بعنوان أبي الجهم هو بكير بن أعين كما قد تؤيده رواية ابن أبي عمير عن بكير بن أعين.
وما رواه الصدوق بإسناده عن أحمد بن عائذ عن أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع): إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإني قد جعلته قاضياً، فتحاكموا إليه.
ورواه الكليني "ره" عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الحسن بن علي عن أبي خديجة مثله، إلا أنه قال: شيئاً من قضائنا.
ورواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن محمد مثله(124).
والسند الأول تام (بناءً على تصحيح أبي خديجة).
هذا، وأيضاً يحمل على القضاء ما رواه الكليني "ره" عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن عيسى عن أبي عبد الله المؤمن عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) قال: اتقوا الحكومة، فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء العادل في المسلمين، لنبي (كنبي خ ل) أو وصي نبي.
ورواه الصدوق بإسناده عن سليمان بن خالد.
ورواه الشيخ بإسناده عن سهل بن زياد مثله(125).
وسند الصدوق تام.
والحكومة إن لم نقل بظهورها في نفسها بملاحظة عصر الصدور في القضاء، حيث كانت تستعمل في هذا المعنى لا في معنى الولاية العامة) فلا أقل من حملها على هذا المعنى بقرينة قوله "للإمام العالم بالقضاء".
على أنه قد أخذ في موضوع استحقاق الحكومة في هذا الحديث الإمامة، ولم يعلم كون مطلق الفقيه مصداقاً لها. بل لو كان المقصود من الإمامة هي الإمامة بالمعنى المصطلح عند الشيعة ـ كما تؤيده نسخة "لنبي أو وصي نبي" ـ فمن الواضح عدم كون الفقيه مصداقاً لها.
ولو كان المقصود منها الولاية، فهذا بنفسه قرينة على ان الحكومة كانت بمعنى القضاء لا الولاية. أما أن هذه الولاية لمن؟ فهذا غير مذكور في الحديث.
وقد يقال ـ بناءً على كون الإمامة هنا بمعنى الولاية ـ ان هذا الحديث دل على أن منصب القضاء إنما هو لمن كان له منصب الولاية، وقد عرفنا بروايات أخرى أن الفقيه له منصب القضاء، فنعرف بمجموع هذين الأمرين أن الفقيه له منصب الولاية.
ولكن هذه الاستفادة أيضاً غير صحيحة، إذ ان أدلة اعطاء منصب القضاء للفقيه إنما تدل على أن الإمام (ع) جعله بالولاية أو بالاستنابة قاضياً، لا أنه بنفسه له حق القضاء، بينما من المحتمل أن يكون قوله في هذه الرواية "فإن الحكومة إنما هي للإمام" ناظراً إلى بيان القانون الأساسي في الاسلام، أي بيان من له منصب القضاء في الاسلام، لا بيان من قد يعطى له منصب القضاء من قبل من له منصب القضاء والولاية في الاسلام.

الملحق رقم (4)
قد تؤيد وثاقة اسحاق بن يعقوب بأن اسحاق بن يعقوب أخو محمد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) على ما ادعاه صاحب كتاب "قاموس الرجال"(126) مستشهداً على ذلك بما نقله عن كتاب "اكمال الدين" في ذيل التوقيع من قوله (ع) "والسلام عليك يا اسحاق بن يعقوب الكليني".
ولكن ما راجعته من نسخة كتاب "اكمال الدين (ط. دار الكتب الاسلامية/ طهران) ليس فيه كلمة "الكليني" وإنما العبارة هكذا "والسلام عليك يا اسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى"(127).
كما أن السيد الخوئي ـ دامت بركاته ـ في كتاب "معجم رجال الحديث"(128) لم يذكر توصيفاً للرجل بالكليني رغم نظره إلى كتاب "اكمال الدين".
وقد يستدل على وثاقة اسحاق بن يعقوب ببيان: أن الشيخ الطوسي (رحمه الله) شهد في كتاب "الغيبة" بأن التوقيعات إنما كانت ترد أيام الغيبة الصغرى على الثقات، فيقال: ان هذا يؤيد عدم احتمال الكذب في أصل التوقيع، فهذه الشهادة من قبل الشيخ الطوسي، تعني أن التوقيع في ذاك الزمان كانت له قدسيته الخاصة، فانتحال شخص لتوقيع ما إلى نفسه كذباً يعني خبثاً أعظم من مجرد خبث الكذب على الإمام، إذن فأمر اسحاق بن يعقوب يدور بين أن يكون في درجة عالية من الخبث أو أن يكون ثقة، لأن التوقيع لا يرد الا على الثقات، ولا يحتمل أن يكون انساناً عادياً غير خبيث وغير ثقة. وحينئذ فمن البعيد وقوع الكليني (رحمه الله) في الغفلة أو عدم التمييز لحال هذا الشخص الدائر أمره بين طرفي النقيض، أو قل عدم التفاته إلى خبثه رغم كونه في درجة عالية من الخبث. فإذا ثبت صدق أصل التوقيع ثبتت وثاقته، لأن التوقيع كان لا يرد إلا على الثقات، وإذا ثبتت وثاقته نفينا بذلك احتمال الكذب في الخصوصيات أيضاً.
الا أن هذا البيان غير صحيح، وتوضيحه: إني لم أر في كتاب "الغيبة" ما يمكن توهم دلالته على ذلك الا قوله:
"وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل"(129).
وهذا الكلام ـ وإن كان يتبادر إلى الذهن أن المقصود من ورود التوقيعات عليهم ورودها من الإمام (ع) إليهم ـ ولكن من يراجع باقي عبارة الشيخ يراها صريحة في أن المقصود ليس هو هذا، وإنما المقصود هو ورود التوقيعات الحاكية عن شأنهم والدالة على وثاقتهم، ذلك لأنه رحمه الله بعد هذه العبارة مباشرة يذكر بعض المصاديق لهذه العبارة بعنوان: "منهم، ومنهم…" وكل ما ذكره إنما هو من هذا القبيل لا من ذاك القبيل؛ أي ان التوقيعات واردة إلى غيرهم بشأنهم وعلى ثقاتهم لا إليهم. وإليك نص عبارة الشيخ في (الغيبة) بكاملها كي تلحظها:
قال رحمه الله:
"وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل".
"منهم: أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي رحمه الله؛ أخبرنا أبو الحسن بن أبي جنيد القمي عن محمد بن الوليد عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى عن صالح بن أبي صالح قال: سألني بعض الناس في سنة تسعين ومائتين قبض شيء، فامتنعت من ذلك وكتبت استطلع الرأي، فأتاني الجواب: بالري محمد بن جعفر الأسدي فليدفع إليه، فإنه من ثقاتنا".
"وروى محمد بن يعقوب الكليني "ره" عن أحمد بن يوسف الساسي قال: قال لي محمد بن الحسن الكاتب المروزي وجهت إلى حاجز الوشاء مائتي دينار، وكتبت إلى الغريم بذلك، فخرج الوصول وذكر أنه كان قبلي ألف دينار وأني وجهت إليه مائتي دينار، وقال: أن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري، فورد الخبر بوفاة حاجز رضي الله عنه بعد يومين أو ثلاثة فأعلمته بموته، فاغتم، فقلت: لا تغتم، فإن لك في التوقيع إليك دلالتين: إحداهما
اعلامه إياك أن المال ألف دينار، والثانية أمره إياك بمعاملة أبي الحسين الأسدي لعمله بموت حاجز".
"وبهذا الاسناد عن أبي جعفر محمد بن علي بن نوبخت، قال: عزمت على الحج وتأهبت فورد علي: نحن لذلك كارهون. فضاق صدري واغتممت، وكتبت: أنا مقيم بالسمع والطاعة، غير أني مغتم بتخلفي عن الحج. فوقع: لا يضيقن صدرك فإنك تحج من قابل. فلما كان من قابل استأذنت، فورد الجواب، فكتبت: اني عادلت محمد بن العباس، وأنا واثق بديانته وصيانته. فورد الجواب: الأسدي نعم العديل، فإن قدم فلا تختر عليه. قال: فقدم الأسدي فعادلته".
"محمد بن يعقوب عن علي بن محمد عن محمد بن شاذان النيشابوري قال: اجتمعت عندي خمسمائة درهم ينقص عشرون درهماً، فلم أحب أن ينقص هذا المقدار، فوزنت من عندي عشرين درهماً ودفعتها إلى الأسدي ولم أكتب بخبر نقصانها وإني أتممتها من مالي، فورد الجواب: قد وصلت الخمسمائة التي لك فيها عشرون".
"ومات الأسدي على ظاهر العدالة، لم يتغير ولم يطعن عليه في شهر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة".
"ومنهم: أحمد بن اسحاق وجماعة، خرج التوقيع في مدحهم".
"وروى أحمد بن ادريس عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي محمد الرازي قال: كنت وأحمد بن أبي عبد الله بالعسكر، فورد علينا رسول من قبل الرجل فقال: أحمد بن أسحاق الأشعري، وابراهيم بن محمد الهمداني، وأحمد بن حمزة بن اليسع ثقات"(130).
انتهى كلام الشيخ رحمه الله، وهو كما ترى صريح فيما قلناه، ولا دلالة فيه على أن التوقيع لم يكن يرد إلا إلى الثقات.
الملحق رقم (5)
وتحقيق الحال بشكل أوسع هو:
أن الاستدلال بهذه الرواية على اثبات الولاية المطلقة للفقيه، يمكن أن يكون بأحد وجوه:
الأول:
أن يتمسك باطلاق قوله "وأما الحوادث الواقعة فارجعو فيها إلى رواة أحاديثنا"؛ وذلك بملاحظة ان الحوادث على أقسام:
فمنها مثلاً: ما يكون الرجوع فيها إلى الرواة رجوعاً إلى الروايات، من قبيل حوادث تحدث للفقيه ويحتاج إلى استنباط الحكم فيها، فيرجع فيها إلى الرواة لأخذ الرواية لكي يستنبط هو حكم الحوادث منها.
ومنها: ما يكون الرجوع فيها إلى الرواة لأخذ الفتوى، وذلك حينما يكون الراوي فقيهاً وعارفاً بالأحكام، من قبيل حوادث يبتلي بها العامي ويريد أن يعرف حكمها التشريعي، وهو غير قادر على استنباطه من الروايات.
ومنها: ما يكون الرجوع فيها لأخذ الوظيفة التي تعين بالولاية، من قبيل حوادث اجتماعية أو فردية لا تحل إلا بإعمال الولاية.
ومنها: ما يكون الرجوع فيها لأجل تنفيذ الحكم الشرعي بإعمال الولاية في التنفيذ.
ومقتضى اطلاق كلمة "الحوادث" شمولها لكل حادثة يعقل فيها الرجوع إلى شخص آخر، سواء كان من الحوادث التي يكون الرجوع فيها بالنحو الأول أو الثاني أو غيرهما. إذن فمقتضى الاطلاق الجاري في الموضوع هو الولاية المطلقة.
ويرد عليه: أن من المحتمل كون اللام في "الحوادث" للعهد، مشيراً به إلى حوادث ذكرها السائل في ضمن الأسئلة التي كتبها إلى الإمام (ع) ولم تصلنا الاسئلة. إذن فتصبح الرواية بالنسبة لنا من هذه الناحية مجملة.
الثاني:
أن يتمسك باطلاق كلمة الحجة في قوله "فإنهم حجتي عليكم" بأن يقال: ان مقتضى اطلاق ذلك كون الراوي لحديثهم حجة في كل ما يكون الإمام حجة فيه، وهذه عبارة عن الولاية المطلقة.
ولو اقتصر على هذا المقدار من البيان فقد يورد عليه: بأن الاطلاق الموجب للسريان لا يجري في المحمول، و "الحجة" هنا محمول. نعم، لو جزمنا بعدم وجود قدر متيقن في مقام التخاطب، ودار الأمر بين الاطلاق والاهمال، فهم العرف من ذلك الاطلاق. لكننا لا نجزم بذلك، لأن هذا التوقيع جواب على أسئلة اسحاق بن يعقوب، ونحن غير مطلعين على سؤاله الذي أجاب الإمام عليه بقوله: "وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة احاديثنا؛ فأنهم حجتي عليكم" فلعل سؤاله كان بنحو يشكل قدراً متيقناً للجواب في مقام التخاطب، كما لو كان سؤاله عن حوادث معينة، وكان القدر المتيقن هو الحجية في تلك الحوادث وكل ما لا يحتمل الفرق بينه وبين تلك الحوادث.
الثالث:
أن يقال: ان الاطلاق في قوله: "فإنهم حجتي عليكم" يتم بقرينة التقابل بين ذلك وبين قوله "وأنا حجة الله"؛ فالذي يفهم من هذا التقابل عرفاً هو أنه حجة للإمام في كل ما كان الإمام (ع) حجة فيه لله، فتتم الولاية المطلقة.
وبالإمكان أن يقال: انه قصد بذلك أن العرف لا يرى هدفاً من وراء ذكر قوله "وأنا حجة الله" بعد قوله "فإنهم حجتي عليكم" إلا التقابل وبيان أن هذا حجة الإمام (ع) كما أن الإمام حجة لله، فهو حجة في كل ما كان الإمام حجة فيه. فيرد عليه: ان هنا هدفاً آخر عرفياً أيضاً، وهو: ان يكون قوله "وأنا حجة الله" بياناً لما يبرر حجية الراوي للإمام ويعطيه قيمة، فإن الإمام لو لم يكن هو حجة فكيف يعطي الحجية للراوي، وأي قيمة لهذه الحجية؟ فكأن الإمام (ع) يقول: أنا حجة الله، وبامكاني إعمال هذه الحجية بجعل حجة عليكم، فقد جعلت رواة الأحاديث عليكم.
وإن قصد بذلك أنه حتى مع فرض كون قوله "وأنا حجة الله" بصدد هذه الفائدة الثانية، يفهم العرف من هذا المقدار من التقابل ما ذكرناه من كونه حجة في كل ما كان الإمام حجة فيه، فعهدة ذلك على مدعيه، وأنا لا أرى أن العرف يفهم هكذا؛ فلو قال شخص لمن سأله: ممن اشتري دار زيد؟ فقال له: اشتر دار زيد من عمرو، فإنه وكيلي وأنا وكيل زيد… لم يفهم من ذلك كون عمرو وكيلاً لذاك الشخص في كل ما كان ذاك الشخص وكيلاً لزيد، والقدر المفهوم من هذا الكلام انما هو كونه وكيلاً عنه في بيع هذه الدار التي هي ملك لزيد، وأن المبرر لتوكيله لعمرو والموجب لنفوذه كونه وكيلاً لزيد، ولا يفهم من ذلك اطلاق.
الرابع:
أن يقال: ان الاطلاق بذاك المعنى، وإن لم يكن جارياً في المحمول بواسطة مقدمات الحكمة فحسب، ولكن حيث ان المحمول في نفسه له صلاحية الاطلاق، متى ما كانت المناسبات تقتضي الاطلاق يتم الاطلاق، ومتى ما لم توجد مناسبة خاصة من هذا القبيل لا يتم الإطلاق.
مثلاً: تارة نفترض أن زيداً في الحالة الاعتيادية يقول: اشتر داري من عمرو فإنه وكيلي، فهنا لا يفهم من ذلك الاطلاق وإن عمراً وكيله في كل شؤونه المالية، وإنما القدر المفهوم من الكلام كونه وكيلاً له في بيع داره. أما إذا فرض أن زيداً على جناح السفر والغياب عن كل أمواله غياباً يطول خمسين سنة، فهو بحاجة ـ عادة ـ إلى وكيل في كل شؤونه المالية، فسأله أحد: ممن اشتري دارك؟ فقال: اشترها من عمرو فإنه وكيلي، فهنا يفهم العرف الاطلاق. وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن الإمام (ع) غائب غيبة قد تطول مدة طويلة لا يعرفها الا الله، ومن الطبيعي والمعقول افتراض أن يكون بحاجة إلى جعل حجة في كل ما هو حجة الله فيه، وتحتاج الأمة إلى مراجعته فيه. ففي جو من هذا القبيل إذا سئل عن حوادث معينة، فقال في الجواب: ارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله… كان المفهوم من ذلك عرفاً الحجية على الاطلاق، ومعنى كونه حجة للإمام (ع) أنه منصوب من قبله في كل ما يرجع فيه إليه.
الملحق رقم (6)
إن هناك اموراً ثلاثة يستفاد بعضها أو كلها من هذا الحديث الشريف:
الأول: حجية رواية الراوي الثقة.
الثاني: حجية فتوى الفقيه الثقة.
الثالث: ولاية الفقيه الثقة ونفوذ حكمه.
وحكم الفقيه على قسمين:
1 ـ الحكم الذي له سمة الكاشفية عن واقع وراء هذا الحكم، من قبيل حكم الفقيه بالهلال، او قضائه في صالح أحد المترافعين، ولا يهدف انشاءً جديداً للحكم.
2 ـ الحكم الذي يهدف انشاءً جديداً للحكم على أساس إعمال الولاية، من قبيل ما لو حكم باتخاذ موقف معين لا على أساس اقتناعه الكامل بأن هذا الموقف هو الواجب في هذه الظروف في قبال سائر المواقف، بل على أساس إيمانه بضرورة تحديد موقف المجتمع في صورة معينة توحيداً للكلمة ورصاً للصفوف مثلاً.
ولنصطلح على القسم الأول بالحكم الكاشف، وعلى القسم الثاني بالحكم الولايتي.
ولا إشكال في دلالة هذا الحديث على حجية رواية الثقة، بل هي المقدار المتيقن من هذا الحديث الشريف، والمستفاد صريحاً من قوله (ع): "العمري ثقتي، فما أدى إليك عني فعني يؤدي، وما قال لك عني فعني يقول" وقوله، (ع): "العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك عني فعني يؤديان، وما قالا لك عني فعني يقولان".
ولكن هل يدل على حجية الفتوى ونفوذ حكم الحاكم بكلا قسميه أم لا ؟
قد يتبادر إلى الذهن أن هاتين الفقرتين لا تدلان على شيء من ذلك؛ أما الحكم فلأنه ليس نقلاً عن الإمام كي يشمله الاداء في قوله "ما أدى إليك عني" أو "ما أديا إليك عني". وأما الفتوى فلأنها ـ وإن رجعت بوجه من الوجوه إلى نقل رأي الامام لكنها نقل عن حدس، وليست ـ كالرواية ـ نقلا عن حس. وهاتان الفقرتان لو لم تضم إليهما نكتة اخرى، تنصرفان بطبعهما إلى النقل عن حس.
ولكن رغم ذلك، قد يمكن التمسك بهذا الحديث لاثبات نفوذ حكم الحاكم وحجية الفتوى على المقلد بأحد وجوه ثلاثة:
الأول: التمسك باطلاق قوله "فاسمع له وأطعه" أو "فاسمع لهما وأطعهما"، إذ يقضي باطلاقه وجوب السماع والاطاعة في كل شيء، سواء الرواية أو الفتوى أو الحكم.
ولكن يرد عليه:
أولاً: أن تفريع هذه الجملة بالفاء على جملة "ما أدى إليك عني فعني يؤدي" يكون ـ على أقل تقدير ـ محتمل القرينية على كون المقصود هو السماع والاطاعة في دائرة ما يصدق عليه أنه اداء عن الإمام ونقل عنه.
وثانياً: انه لو أريد التمسك باطلاق متعلق الأمر في "اسمع" و "أطع" فقد تحقق في علم الأصول أن الاطلاق الشمولي لا يجري في متعلق الأمر، وإنما يجري في متعلق متعلق الأمر. فمثلاً لو قيل "أكرم العالم" دل على وجوب إكرام كل عالم، ولكن لم يدل على وجوب كل أنحاء الاكرام بنحو الشمول والاستغراق، وإنما يكون اطلاق المتعلق بدلياً. ولو أريد التمسك بالاطلاق الجاري في المتعلق المحذوف، أي: اسمع له وأطعه في كل شيء، فقد ثبت أيضاً في علم الأصول أن الاطلاق شأنه هو منح الكلمة شمولها واستغراقها بعد تعينها، لا تعيين الكلمة المحذوفة فيما هو مطلق.
ولو أريد التمسك بأن حذف المتعلق يفيد الاطلاق والشمول، فأيضاً أثبتنا في علم الأصول أن هذه القاعدة غير مقبولة عندنا الا عند عدم وجوب مقدار متيقن عند الخطاب مع كون المورد مورداً لا يناسب الاهمال، فيتعين الاطلاق. وفيما نحن فيه المقدار المتيقن هو الرواية، ذلك على أساس صراحة الجملة السابقة، وهي "ما ادى إليك عني فعني يؤدي" في حجية الرواية.
الثاني: اثبات الاطلاق في الجواب بقرينة السؤال، إذ جاء في السؤال "من أعامل؟ وعمن آخذ؟ وقول من أقبل"؟ وهذا مطلق يشمل الرواية والفتوى والحكم. وهذا الاطلاق مستفاد: اما عن طريق حذف المتعلق، أي "من أعامل؟ وعمن آخذ؛ كلاً من الرواية والفتوى والحكم؟" وليس هنا مقدار متيقن يخل بالاطلاق المستفاد من حذف المتعلق، أو عن طريق أن المناسبات العرفية هنا تقتضي اطلاق المحذوف، فإن المحذوف يعين بالمناسبات والقرائن، وهي تقتضي الاطلاق، لأن السؤال صدر من أحد أتباع الإمام (ع) بلحاظ حالات لا يلقى فيها الإمام. والمناسب طبعاً لمقام من هذا القبيل هو السؤال عمن يرجع إليه في كل ما يرجع فيه إلى الإمام، بلا فرق بين ما يرجع فيه إليه (ع) بوصفه مبيناً لحكم الله ابتداءً، وما يرجع فيه إليه بوصفه ولي الأمر. أو عن طريق التمسك باطلاق كلمة "القول" في جملة "قول من أقبل؟". فإذا ثبت اطلاق السؤال عرفنا أن الجواب أيضاً مطلق كي يكون مطابقاً للسؤال.
بل جاء في بعض نقول الرواية "أمر من نمتثل"؟ فقد روى الشيخ رحمه الله في كتاب "الغيبة" عن جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى(131) عن أبي علي محمد بن همام الاسكافي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن اسحاق بن سعد القمي، قال: دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت: يا سيدي، أنا أغيب وأشهد، ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت، فقول من نقبل؟ وأمر من نمتثل؟ فقال لي صلوات الله عليه: هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعني يقول، وما أداه إليكم فعني يؤديه. فلما مضى أبو الحسن (ع) وصلت إلى أبي محمد ابنه العسكري (ع) ذات يوم، فقلت له مثل قولي لأبيه، فقال لي: هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي، وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعني يقوله: وما أدى إليكم فعني يؤديه(132).
ودلالة كلمة "أمر" على النظر إلى الحكم أقوى وآكد من الاطلاق، لأن الأمر بمعناه الحقيقي لا يكون إلا في الحكم دون الرواية والفتوى.
الا أن هذا الوجه أيضاً قابل للمناقشة؛ إذ لنفترض ان السؤال يشمل السؤال عن الحكم، ولا يختص بنقل الرواية. ولكن ما المانع من أن يكون الجواب بقرينة قوله "ما أدى إليك عني فعني يؤدي" عبارة عن أنه خذ بما ينقله عني ؟! ولا يلزم من ذلك كون الجواب أقصر من السؤال، اذ لعله (ع) يريد أن يقول: أن العمري ـ على أساس كثرة تشرفه بخدمتي ـ بامكانه أن يوصل إليك من قبلي الأحكام الالهية التي أنقلها، ويوصل إليك في نفس الوقت أوامري التي أصدرها بوصفي ولي الأمر فيما تحتاج إلى ذلك.
الثالث: أن نتمسك بما جاء في الجواب من كلمة "أطع" لا بمعنى التمسك بالاطلاق كما مضى في الوجه الأول، بل ببيان أن اختصاص "أطع" بالرواية، أو بالرواية والفتوى غير عرفي، ذلك لأن الاطاعة بمعناها الحقيقي ينحصر مصداقها في الحكم، لأن الاطاعة فرع الأمر.
أما الرواية والفتوى فليستا الا نقلاً عن حس أو عن حدس؛ فالراوي بوصفه راوياً وكذا المفتي بوصفه مفتياً لا يطاع بالمعنى الحقيقي للكلمة. نعم، قد يحكم طبقاً لروايته وفتواه، فيصبح حاكماً ويطاع. إذن فتخصيص كلمة "أطع" بالفرد غير الحقيقي لمعنى الكلمة غير عرفي.
نعم، فاء التفريع التي فرع بها قوله: "فاسمع له وأطعه" على قوله: "ما أدى إليك عني فعني يؤدي" محتملة للقرينية على كون السماع والاطاعة في دائرة صدق الاداء والنقل عن الإمام، ولكن بقرينة عدم صدق الاطاعة حقيقة في غير موارد الحكم نعرف أنه ليس النظر إلى خصوص موارد صدق الأداء والنقل عن حس على نفس ما يطاع، بل يشمل فرض كون النقل حدسياً، وفرض كون النقل هو المدرك والمصدر الذي اعتمد عليه الأمر في أمره، لأن الحاكم الشرعي في حكمه ـ إذا كان الحكم كاشفاً ـ يعتمد على ما يفهمه هو من رأي الإمام (ع) ولو عن حدس واجتهاد، وليس حكمه مباشرة نقلاً حسياً عن الإمام.
نعم، قد يقال: انه لم يثبت بهذا البيان نفوذ الحكم الولايتي (القسم الثاني من الحكم)؛ إذ ليس في ذاك المورد أداء ونقل عن المعصوم حتى بلحاظ مصدر الحكم، وإنما هو صرف إعمال الولاية لملء منطقة الفراغ.
ولكن لو ثبت نفوذ القسم الأول من الحكم فقد يتعدى إلى القسم الثاني، بدعوى عدم احتمال الفرق عرفاً بسبب هذا الفرق العقلي الدقيق، فببركة عدم احتمال الفرق عرفاً ينعقد في الدليل اللفظي الاطلاق.
يبقى اشكال واحد في المقام، وهو: أن هذا الحديث لو كان دالاً على ولاية الفقيه، فبم نفسر قول العمري رحمه الله: "محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك. ولا أقول هذا من عندي، فليس لي أن أحلل ولا أحرم، ولكن عنه (ع)…" بينما من الواضح ـ بناءً على ولاية الفقيه ـ أن له أن يحرم بإعمال الولاية على أساس ما يراها من المصلحة؟
والجواب:
أولاً: أنه لعله (رحمه الله) قصد بالتحريم هنا في قوله "محرم عليكم…" التحريم الشرعي الالهي دون الحكم الفقيه، وهذا استعمال شائع في لغة المتشرعة.
وثانياً: أن حكم الفقيه يدور مدار المصلحة في المحكوم به وفي الحكم، ولعل العمري لم يكن يرى من المصلحة ان يحكم هو بالتحريم في وقت كان بامكانه أن يتشرف بخدمة الإمام الذي هو أعلم طبعاً بالمصالح والمفاسد، ويأخذ منه الحكم.
وثالثاً: أننا إذا فهمنا من هذا الحديث المروي عن الإمام (ع) ولاية الفقيه، كان فهمنا حجة، ولا يهمنا أن العمري (رحمه الله) لم يطبق الكبرى على هذا المورد ولو لأجل غفلة له ـ فرضاً ـ في المقام عن كبرى المطلب أو عن صغراه.
الملحق رقم (7)
ان قيل: ان الاطلاق هنا لا يتم، لأن متعلق الاطاعة محذوف ومقدمات الحكمة لا تعين المحذوف، ووظيفتها إنما هي رفض القيد عما هو معين سلفاً.
فإنه يقال: ان الاطلاق هنا ثابت بملاك حذف المتعلق لعدم القدر المتيقن، وحذف المتعلق عند عدم القدر المتيقن يفيد الاطلاق على الخصوص، وإن اطاعة أولي الأمر معطوفة على اطاعة الله ورسوله.
وان اعترض علينا: بأن أمر الآية باطاعة ولي الأمر لا يوسع من دائرة ولايته ووجوب اطاعته حينما لم يثبت له بغض النظر عن الآية تلك الولاية الواسعة، إذ معنى الآية هو وجوب اطاعة كل من هو من أولي الأمر في حدود ما هو من أولي الأمر فيه.
فإنه يقال: ان الآية تصبح بهذا التفسير من سنخ القضية بشرط المحمول، وهو خلاف الظاهر.
ثم ان العلامة الطباطبائي (رحمه الله) في الميزان استفاد من اطلاق الآية الشريفة، وعدم تقييد الاطاعة بصورة ما إذا لم يأمروا بمعصية أو لم يعلم بخطئهم، أن المراد من أولي الأمر هم المعصومون (ع).
ولكنا نقول:
أولاً: ان فرض ارادة المعصومين، وإن كان من ناحية الأمر بالإطاعة يجعل الآية بمنزلة ما إذا لم تقيد، ولكن عند دوران الأمر بين التقييد والتقيد لا تجري أصالة عدم التقييد، ولا يترجح التقيد على التقييد.
وثانياً: ان عدم لزوم اطاعته في المعصية وكذا فرض العلم بالخطأ على تفصيل في ذلك، لا يحتاج إلى مخصص خارجي، وإنما هو بالتخصيص؛ حيث أن قانون اتباع أمر شخص، أو نذر، أو يمين، أو شرط، أو عقد، أو نحو ذلك، حينما يصدر من مشرع له شريعة وأحكام انما يفهم العرف منه أنه في اطار تلك الأحكام، والجانب الطريقي من الولاية لا يشمل فرض العلم بالخطأ كما هو الحال في سائر الطرق.
وثالثاً: ان حمل أولي الأمر على المعصومين بالخصوص لئن أوجب التجنب عن التقييد في "أطيعوا" فهذا بنفسه تقييد لعنوان أولي الأمر؛ فإن أولي الأمر خارجاً ليسوا بمنحصرين في الأئمة المعصومين (ع)، إذ في أيام الغيبة لا إشكال في الحاجة إلى أولي الأمر غير الإمام، ولو لأجل الأمور الحسبية التي يمكن ممارستها حتى مع عدم بسط اليد.
فنحن وان كنا نتكلم في مصداق أولي الأمر في زماننا هل هو الفقيه أو من يتعين بالشورى أو غير ذلك، لكن أصل وجود أولي الأمر من قبل الاسلام في أيام الغيبة لا ينبغي انكاره، وإلا لكان هذا نقصاً في الاسلام. إذن فتخصيص أولي الأمر في الآية بالمعصومين خلاف الاطلاق، فهذا فرار عن التقييد بتقييد آخر. نعم، لولا الاشكال الأول والثاني لأمكن دعوى ان نتيجة هذا الاشكال الثالث هو إجمال الآية لتعارض الاطلاقين.
فإن قلت: انه قد فسر لفظ "أولي الأمر" الوارد في الآية الكريمة في بعض الروايات بالأئمة المعصومين (ع)، كما رواه في الكافي عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن الحسين بن أبي العلاء قال: ذكرت لأبي عبد الله (ع) قولنا في الأوصياء أن طاعتهم مفترضة. قال: فقال نعم، هم الذين قال تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}، وهم الذين قال الله عز وجل: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا}(133). وسند الحديث تام.
وروى أيضاً عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد البرقي عن القاسم بن محمد الجوهري عن الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد الله (ع): الأوصياء طاعتهم مفترضة؟ قال: نعم، هم الذين قال الله عز وجل: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}، وهم الذين قال الله عز وجل: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}(134). والسند الثاني فيه قاسم بن محمد الجوهري، ولم يثبت كونه هو قاسم بن محمد الذي روى عنه الأزدي والبجلي اللذان لا يرويان الا عن ثقة، ولكن السند الأول تام.
وجاء في رواية …… السند عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق (ع) في آية: {أطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} قال: نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين(135).
قلنا: هذه الروايات كسائر الروايات الكثيرة المفسرة لبعض العناوين في القرآن كعنوان (الصادقين) وعنوان (الآيات) وعنوان (أهل الذكر) وعنوان (الذين يعلمون) وغير ذلك بالأئمة (ع).
والظاهر أنه يقصد بذلك تطبيق الآيات على أبرز المصاديق، ولا يتقبل الفهم العرفي جعل تلك الأخبار قرينة على انحصار المصداق المقصود بالآيات الكريمة بهم (ع)، فالعرف يرى أن الأولى من هذا الحمل هو أن نحمل الروايات الماضية على بيان أبرز مصاديق أولي الأمر أو بيان ما هو المصداق في وقت صدور الروايات، في قبال من جعل المصداق عبارة عن الخلفاء المنحرفين.
هذا، وروايات تطبيق أولي الأمر في الآية الشريفة على الأئمة (ع) رغم عدم كون أكثرهم مبسوطي اليد ومسيطرين على البلاد تفيدنا في المقام لدفع تشكيك قد يبديه مشكك في المقام بأن يقول: ان عنوان أولي الأمر ينصرف إلى ولي الأمر مبسوط اليد (أي آخذ بزمام الحكم فعلاً)، ففي فرض عدم كون الفقيه مبسوط اليد لا يمكن تتميم اطلاق الولاية بالنسبة له بواسطة الآية الكريمة. أو يقول: لعل المقصود من أولي الأمر كل سلطان وقدرة سيطرته على البلاد ولو ظلماً وعدواناً، فنحن مأمورون باطاعته حفظاً لنظام المجتمع مثلاً. فتطبيق أولي الأمر في الروايات على الأئمة (ع) لا يبقي أي مجال لشيء من هذه الشبهات.
الملحق (8)
هل يكفي لنفوذ الحكم التجزّي في الاجتهاد أو لابد من الوصول إلى مرتبة الاجتهاد المطلق؟
الجواب: انه كثيراً ما يكون الوصول إلى مرتبة الاجتهاد المطلق دخيلاً في الوثوق بقدرته على اتخاذ موقف صحيح في حكمه من ناحية فقهية، وذلك لاحتمال وجود بحث أو نكتة يرتبطان بالباب الذي لم يصل فيه إلى مرتبة الاجتهاد المطلق، ويؤثران بشكل وآخر في كيفية فهم الحكم في المورد الذي اجتهد فيه. والانسان العامي لا يستطيع عادة أن يميز المورد الذي يمكن فيه الوثوق باجتهاد هذا المتجزّي، لعدم وجود بحث أو نكتة من هذا القبيل عن المورد الذي لا يمكن فيه ذلك، وهذا يوجب سلب الوثوق عن كل موارد اجتهاده. ولا اشكال ـ كما لعله اتضح لك مما مضى ـ في اشتراط الوثوق بالمعنى المناسب من الوثوق للحكم، إما بصريح دليل نفوذ الحكم كما في رواية أحمد بن اسحاق المعللة بالوثاقة، وإما بانصراف اطلاقه كما في التوقيع الشريف، واما لعدم الاطلاق من باب أن دليل أي حكم من الأحكام لا يضمن صدق موضوعه كما هو الحال في الآية الشريفة.
يبقى الكلام في أنه لو اتفق في مورد ما حصول الاطلاع على أن الحكم في مورد اجتهاد هذا المتجزّي ليست له أي علاقة بنكتة أخرى في الموارد التي لم يصل فيها إلى درجة الاجتهاد، فهل ينفذ حكمه في دائرة اجتهاده أو لا؟ وهل ينفذ قضاؤه في الخصومات المرتبطة بدائرة اجتهاده أو لا؟
ان هذا يدور مدار أن نرى أنه هل يفهم من عنوان (رواة أحاديثنا) في التوقيع أو عنوان (روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا) في المقبولة الانحلال أو المجموعية.
ولا يبعد أن يقال: أن ذلك يختلف باختلاف المناسبات؛ فبالنسبة لحجية نقل الرواية تقتضي المناسبات الانحلال، فحجية نقل رواية لا تتوقف على كونه راوياً لكل الروايات أو المقدار المعتد به منها. وبالنسبة لحجية الفتوى والحكم تقتضي المناسبات المجموعية وعدم الانحلال، وذلك بنكتة ما ذكرناه من دخل اطلاق الاجتهاد عادة وفي كثير من الموارد في الوثوق بالحكم والفتوى. فهذه النكتة توجب أن يفهم العرف من الدليل عدم الانحلال، أو ـ على الأقل ـ توجب عدم انعقاد الاطلاق بنحو الانحلال، فلا يصبح حكمه أو فتواه حجة في مورد عرفنا صدفة عدم علاقته بأي نكتة أخرى مرتبطة بباب آخر لم يصل فيه إلى مرتبة الاجتهاد.
وأما رواية أحمد بن اسحاق فهي واردة بشأن العمري وابنه، وهما من الرواة والفقهاء الاجلاء. ويحمل ذلك ـ طبعاً ـ على المثالية ويتعدى إلى غيرهما، ولكن التعدي إنما هو في حدود عدم احتمال الفرق عرفاً، أما بالنسبة للمتجزي فاحتمال الفرق موجود.
وقد اتضح بهذا العرض اشتراط الوصول إلى مرتبة الاجتهاد المطلق في نفوذ الحكم وفي حجية الفتوى معاً.
نعم، لا يشترط استنباطه بالفعل لكل حكم آخر في غير المورد الذي أريدت الاستفادة من حكمه أو فتواه، لأن كونه بالغاً مرتبة الاجتهاد المطلق كاف في حصول الوثوق المطلوب.
المحلق رقم (9)
وليس المعنى المرتكز اسلامياً وشيعياً في ذهن المتشرعة من وجوب اطاعة النبي أو الإمام على الاطلاق، بمعنى وجوب البيعة معه كي تجب اطاعته، بل يرى رأساً وجوب اطاعة المعصوم (ع) حتى قبل البيعة.
على أن أكثر ما كان في بيعة النساء عليه مع النبي (ص) ـ كما يظهر من مراجعة الآية الشريفة ـ هي أحكام واجبة إلهياً بيّنها الرسول كمبلغ لا كمجرد ولي الأمر، وذلك من قبيل ترك الشرك بالله والسرقة والقتل والزنا، ولا اشكال في عدم توقف وجوب هذه الامور على البيعة.
أما لو فرض أن البيعة مع المعصوم قيد في الواجب ـ وهو اطاعته فيما يصدره من أوامر بصفته ولياً لا في الوجوب ـ فهذا لا يصبح شاهداً لما هو المقصود من تقليص ولاية الفقيه وتقييدها بالبيعة، كي يثبت أن انتخاب الولي من بين الفقهاء يكون بيد الأمة عن طريق البيعة مع من أرادوا.
ثم ان الاستدلال بالسيرة على اعتبار البيعة: يكون ببعض تقريباته في صالح القول بأن البيعة شرط في فعلية ولاية الفقيه الثابتة بنصوصها، وببعض تقريباته في صالح القول بأن البيعة بذاتها تمنح الولاية بلا حاجة إلى نص آخر للولاية. وهذا هو ما أسميناه بعرض البيعة على الصعيد الأول من البحث.
توضيح ذلك: أن الاستدلال بالسيرة يمكن أن يكون بأحد تقريبات ثلاثة:
الأول: أن يتمسك بالسيرة على البيعة مع من ثبتت ولايتهم بالنص، وهم النبي والأئمة المعصومون (ع)، وهذا يكون في صالح جعل البيعة شرطاً في ولاية الفقيه.
ولكن قد عرفت أن البيعة مع النبي والإمام المعصوم لم تكن شرطاً لتمامية الولاية، بل كانت تعهداً بالعمل بما هو الواجب من اطاعتهم (ع)، مما يوجب تأكيداً في تحرك الضمير نحو الانصياع للقائد الصحيح.
الثاني: أن يتمسك بسيرة المسلمين على بيعة من لم يكن منصوباً من قبل الله بالنص، وقد كان هذا ـ في الحقيقة ـ بروح منح الولاية لمن يبايعونه. فهذا دليل على أن البيعة بذاتها تمنح الولاية بلا حاجة إلى نص آخر.
صحيح أن الخلفاء الذين بويعوا لم يكونوا ـ في نظر الشيعة ـ مؤهلين للبيعة، اما لفقدان شرائط العلم والعدالة والكفاءة أو لوجود الإمام المعصوم، ومعه لا تصل النوبة إلى أي انسان آخر الا كمنصوب من قبل المعصوم ولو فرض عالماً عادلاً كفؤاً. الا أن هذا يعني الخطأ في المصداق، ولكن تبقى دلالة السيرة على كبرى كون البيعة مانحة للولاية لمن كان واجداً للشرائط ثابتة، سواء فرضناها عبارة عن سيرة المتشرعة أو فرضناها عبارة عن سيرة العقلاء مع عدم ورود الردع بل قد ورد الامضاء لذلك، وهو ما مضى من روايات حرمة نكث الصفقة. فهذا الامضاء أيضاً يحمل في تطبيقه على المصداق المعين على التقية، ولكنه يبقى دالاً على صحة الكبرى.
الا أن التمسك بجزء تحليلي من هذا القبيل للسيرة أو النص بعد سقوط المدلول المطابقي، غير صحيح حسب ما نقحناه في الأصول.
الثالث: أن يقال: بأن ثبوت السيرة العملية للمسلمين في عصر النصوص على البيعة ـ سواء كانت مع من ثبتت ولايته بالنص أو مع غيره ـ توجب انصراف اطلاق دليل الولاية عن فرض عدم البيعة وجعل المفاد العرفي لدليل الولاية وهو وجوب البيعة معه كي يصبح ولياً، وهذا في صالح جعل البيعة شرطاً في ولاية الفقيه بعد فرض ثبوت النص على ولايته.
والجواب: أنه بعد أن كانت بيعتهم تارة بروح منح الولاية لغير المنصوص على ولايته، وأخرى مؤكدة لنفس وجوب الطاعة ومحركة للضمير والوجدان، لا توجب سيرة كهذه انصرافاً كهذا.
ثم لا ننسى أنه لو استفاد أحد من السيرة أو من أي دليل آخر اعتبار البيعة كشرط في ولاية الفقيه أو كمانح للولاية مستقلاً، فهذا في الحقيقة يرجع إلى مسألة التصويت والانتخاب، ويعود ما ذكرناه في بحث الشورى من إشكال أن الشريعة الاسلامية لم تحدد بنود هذا الانتخاب وشروطه. فمثلاً هل تشترط البيعة من قبل أكثرية الأمة أو أهل الحل والعقد ومن هم أهل الحل والعقد؟ أو أن المهم هو بيعة عدد من الناس بحيث يكفي لحصول القدرة على القيام بالأمر وادارة المجتمع أم ماذا؟ وعند الاختلاف هل يرجح بالكم أو الكيف؟ وما إلى ذلك من أسئلة لم يرد عليها جواب في الكتاب أو السنة.
الملحق رقم (10)
أما إذا افترضنا أن هذه الحاجة الاجتماعية لا تقضي بتعيين الفقيه للوقت لأنه غير مبسوط اليد مثلاً ـ أي لا يقدر على تنفيذ ما يحكم به تنفيذاً اجتماعياً عاماً ـ ولا تتبعه الأمة، والفائدة التي تترتب على ذلك إنما هي فائدة شخصية، وهي أن شخصاً ما قد يهتدي عن هذا الطريق إلى الوقت الواقعي ويعمل به. ففي ثبوت ولاية من هذا القبيل للفقيه كي يتسنى له تعيين الوقت لغيره بالحكم اشكال ينشأ من أن المفهوم عرفاً من مثل الأمر باطاعة ولي الأمر ـ بحسب مناسبات الحكم والموضوع ـ هو اطاعته فيما يحتاج عادة فيه إلى المراجعة إلى ولي الأمر لحسم النزاع، أو مصلحة اجتماعية، أو لقصود الفرد أو العنوان كما في التعامل مع السفيه أو في عنوان الفقراء أو ممتلكات المسجد، دون اطاعته في مجرد المصالح الفردية.
فمثلاً لو شخص الفقيه أن من مصلحتي الفردية أن لا أسافر في اليوم الفلاني، فاطلاق الأدلة لا يعطيه ولاية من هذا القبيل كي يحكم عليَّ بعدم السفر. وإذا ثبت حق من هذا القبيل للنبي الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم أو للأئمة المعصومين (ع)، فهذا لا يوجب أسراءه إلى الفقهاء، لأن هذه الأمور ليست مما يرجع عادة فيها إلى ولي الأمر، فتكون أدلة الولاية العامة للفقهاء منصرفة بمناسبات الحكم والموضوع عنها. على الخصوص إذا كان دليلنا سنخ دليل تم فيه الاطلاق بملاك إفادة حذف المتعلق للعموم عند عدم وجود القدر المتيقن أو بمعونة مناسبة الحال، فعدم الاطلاق حينئذ يكون أوضح.
وعليه نقول: ان موضوع تعيين الوقت حينما لا تترتب عليه مصلحة توحيد الكلمة والمصالح الاجتماعية المترتبة عند بسط يد الحاكم مثلاً، يدخل في المصالح والتصرفات الفردية التي لا ولاية للفقيه فيها.
الا أنه قد يمكن حل الاشكال في خصوص مسألة توقيت الأهلة والشهور، بأن يقال: انه لئن لم يمكن اثبات ذلك ـ في غير فرض ترتب المصالح الاجتماعية الكامنة في توحيد الكلمة باطلاق آية اطاعة ولي الأمر ـ فمن الممكن اثبات ذلك باطلاق رواية أحمد بن اسحاق؛ وذلك لأنه يكفي في شمول اطلاقها لإثبات الولاية في أمر من الأمور وعدم انصراف الاطلاق عنه أو عدم صيرورة غيره هو القدر المتيقن المانع عن انعقاد الاطلاق بملاك حذف المتعلق مجموع أمرين:
الأول: أن يكون من المتعارف وقتئذ الرجوع في ذلك الأمر إلى الولاة، وهذا ثابت بالنسبة للمواقيت والأهلة.
الثاني: أن يكون تعارف ذلك عند الولاة والناس على أساس الخطأ في الصغرى، بافتراض الوالي نفسه متقمصاً قميص الإمام، لا على أساس الخطأ في الكبرى، بان يكون قد انتحل لنفسه حقاً لم يكن ثابتاً حتى للوالي المبسوط اليد الشرعي. وهذا ايضاً ثابت في المقام، إذ لا اشكال في أن من حق الإمام الحق المبسوط اليد تعيين الهلال، كما روى الكليني بسند تام عن محمد بن قيس ورواه الصدوق أيضاً بسند تام عن محمد بن قيس (على اختلاف يسير جداً في العبارة) عن أبي جعفر (ع) قال: إذا شهد عند الإمام شاهدان أنهما رأيا الهلال منذ ثلاثين يوماً، أمر الإمام بالأفطار في ذلك اليوم إذا كانا شهدا قبل زوال الشمس، فإن شهدا بعد زوال الشمس أمر الإمام بافطار ذلك اليوم وأخر الصلاة إلى الغد فصلى بهم(136).
هذا إذا كان دليلنا على ولاية الفقيه رواية أحمد بن اسحاق. أما إذا كان دليلنا على ولاية الفقيه توقيع اسحاق بن يعقوب، بناءً على تمامية سنده، وأردنا اثبات المقصود في المقام باطلاق قوله: "فإنهم حجتي عليكم" الثابت بمناسبة الحال الدال على كون الفقيه ورواي الحديث نائباً عن الإمام في كل ما كان للإمام من حق، فهذا يتوقف اضافة إلى الأمرين الماضيين على أن نثبت مسبقاً ان تعيين الهلال هو من حق الإمام (ع)، حتى في فرض عدم بسط اليد وعدم ترتب الأثر الاجتماعي المطلوب عليه، وإنه (ع) لو حكم بالهلال تقدم حكمه على الاستصحاب (بغض النظر عن أن حكمه باعتباره معصوماً يورث العلم بالواقع الرافع لموضوع الاستصحاب أو العلم بالبينة مثلاً المتقدمة على الاستصحاب) فلابد من اثبات ذلك مسبقاً حتى يكون هذا من حقه (ع)، فيصبح مشمولاً لاطلاق قوله "حجتي عليكم" الدال على حجيته في كل ما كان الإمام حجة فيه، واثبات ذلك يكون عن طريق التمسك باطلاق رواية محمد بن قيس.
هذا لو لم نقل بانصرافه إلى الإمام المبسوط اليد، بقرينة ما فيها من أمر الإمام للناس بالإفطار والصلاة بهم، حيث انه في ذلك الزمان لم يكن من المتعارف ما هو المتعارف عندنا اليوم من صلاة العلماء في العيد وحكمهم بالإفطار علناً رغم عدم كونهم مبسوطي اليد. فقد يقال: ان المنصرف من كلمة الإمام ـ بقرينة هذه الجملة عند العرف ـ هو الإمام المبسوط اليد، أو يقال على الأقل بالإجمال.
الملحق رقم (11)
هذا اضافة إلى ما عرفنا من أن اطلاقات دليل الولاية في المقام لم تتم بمجرد مقدمات الحكمة، بل بمناسبات المقام أو بحذف المتعلق مع عدم القدر المتيقن في مقام الخطاب. وواضح أن اطلاقاً من هذا القبيل لا ينعقد في دائرة تعارض دليل حرمة أو وجوب الفعل الثابتين قبل الحكم.
نعم، قد يكون حكم الحاكم مغيراً لموضوع الحكم الالزامي، فينفذ. ونذكر لذلك مثالين:
1 ـ لو وقع البيع على مال اليتيم بحكم الحاكم، جاز لمن يقطع بخطأ الحاكم في تقديره للموقف شراء هذا المال، لأنه يكفي في موضوع صحة البيع وجواز الشراء كونه برضى ولي صاحب المال، وقد رضي الولي بذلك ولو على أساس خطأ له في تقدير الموقف.
2 ـ لو حكم الحاكم بالجهاد واعتقد شخص بحرمته على أساس علمه بأن الخسارات التي تلحق المسلمين في هذه الظروف من الجهاد أكبر من المصالح، ولكنه رأى أنه بعد ان حكم بذلك ستقع هذه الخسارات ـ على أي حال ـ على أساس أن كثيراً من أفراد المجتمع غير العالمين بالخطأ سيطبقون حكمه، ومخالفة البعض لا تقلل من الخسارة، بل قد تزيد الخسارة على أساس التفرقة والاختلاف اللذين سيقعان في المجتمع، إذن فقد انتفى موضوع الحرمة التي كان يعتقد بها هذا الشخص ونفذ الحكم بشأنه.
أما لو لم يكن الحاكم مغيراً لموضوع الحكم الإلزامي من وجوب أو حرمة، فلا يؤثر في تغيير وظيفة الفرد. ولا يختلف ذلك في الحكم الولايتي بين أن يفترض ذلك الحكم الذي خالفه الحاكم واقعياً أو ظاهرياً.
نعم، الحكم الكاشف لو تعارض مع ما يراه الفرد من حكم ظاهري الزامي ولم يعلم الفرد بخطئه أو خطأ مدركه، نفذ بشأنه إذا كان الحكم الظاهري ثابتاً بالأصل أو بالظن في مورد يجب اتباعه لولا الامارة. كما في موارد نقطع باهتمام الشارع بالحكم الواقعي بحيث لو لم تكن أمارة شرعية على تعيينه لابد من اتباع الظن فيه، فعندئذ يتقدم حكم الولي على الأصل أو على ذلك الظن، لكونه أمارة على الواقع، والامارات الشرعية تتقدم على الأصول أو على ظن من هذا القبيل. أما إذا كان الحكم الظاهري ثابتاً بأمارة شرعية أخرى فهنا يقع التعارض بين الأمارتين(137).
هذا، ومن أمثلة معارضة حكم الولي للحكم الظاهري الالزامي، ما لو حكم الحاكم بهلال شوال بينما يملك الفرد استصحاب شهر رمضان، فكان حكمه الظاهري وجوب الصوم وحرمة الافطار ولم يعلم بخطأ الحاكم في حكمه ولا في مدرك حكمه، فهنا يقدم حكم الحاكم على الوظيفة الظاهرية باعتباره امارة مقدمة على الاستصحاب، وهناك في خصوص مثال الهلال نص خاص دل على نفوذ حكم الحاكم، وقد مضى ذكره في الملحق العاشر.
الملحق رقم (12)
توجد عناوين كثيرة لها ايحاءات غريبة ينبغي تبديلها أو تبديل مفاهيمها عند المسلمين في استعمالاتهم، نشير منها إلى ما يلي:
1 ـ الوطن:
فمفهومه الغربي يستبطن حواجز الإقليم أو اللغة أو الدم أو العقد الاجتماعي أو أي تقسيم آخر مفتعل، أما الاسلام فيرى الأرض بسعتها العريضة ملكاً للدولة الاسلامية بلا أي قيد أو حد.
2 ـ الاستعمار:
وهو يرتبط في مفهومه الغربي بمفهوم الوطن عندهم، فبعد فرض أوطان عديدة ـ وفقاً لحواجز الاقليم أو اللغة أو نحو ذلك ـ يفترض أن دولة أجنبية تستعمر دولة أخرى. أما الاسلام فيرى أن الأرض يجب أن تعيش تحت راية واحدة هي راية التوحيد، وان الكافر غاصب لأي رقعة من الدولة امتلكها ظاهراً، وان المعركة كفر واسلام؛ فلو استعملنا كلمة الاستعمار فلا أقل من اردافها بمثل كلمة الكافر، بأن يقال "الاستعمار الكافر" كي تجرد بذلك عن ايحاءاتها الغربية.
3 ـ الاستقلال:
وهذا ايضاً في مفهومه الغربي يرتبط بالوطن بما يستبطنه من معاني الحواجز والتحديدات، أما في استعمال المسلمين فينبغي أن يقصد به عدم رضوخ المسلمين لسيطرة الكفر وفقاً لقانون "ان الاسلام يعلو ولا يعلى عليه".
4 ـ الحرية:
فهذه الكلمة بمفهومها الغربي تستبطن انحرافات كثيرة عن الخط الاسلامي الصحيح؛
فالحرية الاقتصادية تشير إلى النظام الرأسمالي الاقتصادي، بينما الاسلام له نظام اقتصادي مستقل عن كل من النظامين الرأسمالي والاشتراكي.
والحرية الفردية ترمز إلى السماح للفرد بأي تصرف يحلو له ما لم يزاحم حرية الآخرين، أما عند الاسلام فلا حرية الا في اطار الحدود التي تفرضها السماء على تصرفات الانسان.
والحرية الفكرية لا مجال لها في العقائد عند الاسلام الا بمعنى أن العقيدة يستحيل حصولها بالاكراه، ولكن يجب على الإنسان التفتيش عن الأصول العقائدية الصحيحة ولا تترك له الحرية في الاهتمام بذلك وعدمه، ولو أدى فكره إلى عقيدة تخالف الاسلام لا تترك له الحرية في الإضلال ويحرم عن الحقوق الخاصة بالمسلمين.
والحرية السياسية بقدر ما ترتبط بالاستقلال عن دولة أخرى ترجع إلى العنوان السابق، وبقدر ما ترتبط بحرية الانتخاب والتصويت ترجع إلى أبحاثنا في الديموقراطية والشورى التي ذكرناها في هذا الكتاب بكل تفصيل.
5 ـ حق تقرير المصير:
وهذا أيضاً راجع إلى الحرية. والواقع أن الاسلام يؤمن بأن حق تقرير المصير للفرد أو للمجتمع يكون أساساً بيد المولى الحقيقي للكون وخالقه، ألا وهو الإله العليم الحكيم، ولا يوجد للفرد أو المجتمع حق تقرير المصير الا ضمن الطريق الذي رسمته تعاليم السماء لمصير البشرية.
6 ـ الجمهورية:
فهي بمفهومها الغربي تستبطن معاني الانتخاب لرئيس الدولة وغيره والتصويت والأخذ برأي الأكثرية وما إلى ذلك، من دون تقيد بما لم يقيد الانسان به نفسه، أما في الاسلام فرئيس الدولة عند حضور المعصوم هو المعصوم (ع) من دون أي انتخاب أو تصويت، وفي غيبته نرجع إلى نظام الشورى أو ولاية الفقيه حسب ما سبق من البحث عن ذلك مفصلاً.
وللفقيه أن يحكم ـ حينما يرى المصلحة في ذلك ـ بالانتخاب والتصويت والأخذ برأي الأكثرية في اطار أحكام الاسلام وتعاليم الكتاب والسنة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تقارن سعيد
بودي أن أشير إلى أن من حسن الصدف ان اقترن الانتهاء من طبع هذا الكتاب بأيام تشكيل الحكومة الاسلامية في ايران بقيادة قائدها الأعظم سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني (دام ظله) في شهر ربيع الأول سنة 1399 الهجرية.
وقد عين الإمام الخميني في اليوم السابع من هذا الشهر المهندس مهدي بازركان رئيساً لمجلس الوزراء الاسلامي الموقت وتقوضت في اليوم الثالث عشر من هذا الشهر أركان الحكم الأمبراطوري المستبد المنحرف رغم احتمائه بأعتى القوى العسكرية العالمية.
فقد أثبتت التجربة بذلك أن الارادة المؤمنة لشعب مسلم لا تقف أمامها أكبر القوى المادية في العالم بما تمتلك من أسلحة وعتاد وتآمر.
وكان بدء استقرار الحكومة الاسلامية في ايران هو اليوم الرابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 1399 الهجرية.
اسأل الله تعالى أن يكون هذا بداية لانتشار المد الاسلامي (بالمعنى الحقيقي للكلمة) في سائر انحاء بلاد المسلمين.
كما وأسأله تعالى أن يقر عيوننا بنشر لواء الاسلام في العالم أجمع بقيادة الإمام صاحب الزمان ـ أرواحنا له الفداء ـ.
"متى ترانا ونراك وقد نشرت لواء النصر ترى، أترانا نحف بك وأنت تؤم الملأ وقد ملأت الأرض عدلاً وأذقت اعداءك هواناً وعقاباً، وابرت العتاة وجحدة الحق وقطعت دابر المتكبرين واجتثثت أصول الظالمين، ونحن نقول: الحمد لله رب العالمين".



الهوامش


(1) سورة القصص: آية 5.
(2) هذه الناحية لا ترتبط بالمسألة الوجدانية وإنما تقوم على أساس (الالزام بما التزم به)، فان الحاكم إما أن يكون قد التزم بإقرار الملكيات الفردية على أساس من المباني العقلائية، أو على أساس شرعي خاص، فلابد له من مبرر عقلائي أو شرعي لتحديده من الملكية. هذا، ومن الواضح عدم وجود مباني عقلية في مسألة الملكية لأنها أمر اعتباري.
(3) يقصد بذلك أنه كلما كثر عدد المواطنين ينبغي تركيز الحكومة في عدد أقل كي تكون أكثر قدرة على الحكم والادارة.
(4) ص 116 و 117، وله بحث في الفصل الثامن (ص133 فصاعداً) حول بعض الأسباب الدخيلة في كون الشكل الملائم للحكم في البلد أي شكل من هذه الأشكال، وان كل شكل من أشكال الحكم لا يلائم جميع البلدان.
(5) ص 118و 119.
(6) وبهذا يبدو خطأ بعض الكتاب الاسلاميين الذين يؤكدون على الحكم الديموقراطي وينسبونه الى الاسلام غافلين عما في هذا المصطلح من الايحاء اللااسلامي، لأن الديموقراطية المصطلحة لا تعني مجرد انتخاب الهيئة التنفيذية من قبل الأمة ـ وهو ما قد يفترض قبوله اسلامياً ـ بل تعني حكم الناس أنفسهم. ومن البديهي ان الحاكم المطلق والمشرع الأساس في الاسلام هو الله سبحانه. نعم، هناك بعض (مناطق الفراغ) التي تركتها مرونة الاسلام ليملأها ولي الأمر ـ كما سيأتي ـ.
والواقع ان هذا أحد عشرات الأمثلة التي تعبر عن تأثر كتّابنا الاسلاميين بالغرب دون وعي، فتجدهم بحسن نية يبحثون عما يمكن أن يربط ـ ولو بقليل صلة ـ بين الاسلام والحضارة الحديثة، فيمنحون الاسلام الصفة الغربية التي تحمل معها كل ايحاءاتها، غافلين عن أنهم يُفقدون الاسلام بهذا اصالته من حيث لا يشعرون.
(7) في العقد الاجتماعي، ترجمة: ذوقان قرقوط ـ طبعة بيروت ص 173.
(8) الاسلام ومبادئ نظام الحكم، للدكتور عبد الحميد متولي ص109.
(9) في العقد الاجتماعي ص97.
(10) راجع كتاب جان جاك روسو في العقد الاجتماعي، ترجمة ذوقان قرقوط، ص206 ـ ص 213، وقد نقلنا كلامه مع شيء من التلخيص.
(11) سورة الأنفال الآية 60.
(12) العقد الاجتماعي ص 204.
(13) ص 200 ـ 203.
(14) يقصد به هنا ـ كما صرح في الهامش ـ الفيتو التوقيفي الذي يترتب فيه على الاعتراض مجرد توقيف القرار لإعادة النظر فيه، بحيث لا يمكن صدور القانون إلا بعد الموافقة عليه من البرلمان بأغلبية خاصة تزيد عن الأغلبية العادية التي تصدر بها القرارات.
(15) إشارة الى أول كلامه الذي لم ننقله هنا.
(16) ذكر هنا في الهامش ما نصه:
لا يفوتنا هنا أن نشير الى ان من خصائص النظام النيابي في الديموقراطية الغربية الكلاسيكية أن لأعضاء البرلمان قسطاً من الاستقلال عن الناخبين في ممارسة سلطتهم.. لأن النواب يعدون ممثلين للأمة (أي للمصالح العليا التي تضم الأجيال القادمة) لا ممثلين لمجرد إرادة الناخبين الحاليين. ويترتب على ذلك أنه ليس للناخبين املاء ارادتهم على النواب ولا حق عزلهم.
(17) سورة يوسف الآية 40.
(18) الشورى بين النظرية والتطبيق ص67.
(19) على ان التخيير بين الأشكال الصالحة كان أفضل من الاهمال المطلق الموجب لتوسعة دائرة الحيرة. هذا إضافة الى أنه كان بالإمكان تخيير الأمة ككل بين الاشكال الصالحة دون تخيير الأفراد، فلو اختلفوا في الاختيار عوقبوا جميعاً.
(20) سورة الأعراف الآية96.
(21) سورة المائدة الآية66.
(22) نعم، قد يقال ـ بناءً على مبنى ولاية الفقيه ـ ان دليل الشورى وان لم يبين بنود نظام الشورى وقوانينه ولكن قد عين الاسلام من يرجع إليه في تحديد تلك النظم والبنود وهو الفقيه، فمقتضى الجمع بين دليل الشورى ودليل ولاية الفقيه أن تؤسس الدولة على أساس الشورى مع تعيين نظم الشورى وقوانينها عن طريق اتباع فقيه الوقت في ذلك.
والجواب: ان الاشكال في دليل الشورى بعدم تعيين نظمها وقوانينها لو كان مجرد اشكال عقلي لأمكن دفعه بهذا البيان، ولكن الواقع أن وضوح احتياج مبدأ الشورى الى فرض نظم وقوانين يجعل العرف آبياً عن حمل مثل قوله: {أمرهم شورى بينهم} على معنى الولاية للشورى. وبما أن دليل ولاية الفقيه بإطلاقه يرفض ولاية الشورى فلا يكون مبرراً عرفياً لتقبل حمل دليل الشورى (لو كان مفاده خاصاً بعصر جعل ولاية الفقيه) على معنى ولاية الشورى.
(23) نهج البلاغة، الكتاب السادس، من باب المختار من كتب مولانا أمير المؤمنين علي (ع) وفق ما جمعه الشريف الرضي "ره".
(24) ص29 حسب طبعة قم.
(25) وقعة صفين ص58.
(26) نهج البلاغة، الخطبة 172.
(27) وتلحق بها أيضاً روايات حرمة مفارقة الجماعة الواردة عن الأئمة (ع) الظاهرة في ارادة تحريم مفارقة جماعة المسلمين الساحقة المتبعة لخليفة الوقت الذي كان ـ في منطق الأئمة (ع) ـ غاصباً، من قبيل ما في الكافي عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد عن أبي فضال عن أبي جميلة عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه. وبنفس السند عن أبي عبد الله (ع) قال: من فارق جماعة المسلمين ونكث صفقة الامام (الابهام خ ل) جاء الى الله تعالى أجذم (اصول الكافي 1/405، بحار الانوار 27/72). فأمثال هذه محمولة على التقية؛ بمعنى التقية في الصدور، أو بمعنى الأمر بمداراة الجماعة تقية.
(28) نهج البلاغة، الخطبة الثالثة.
(29) سورة آل عمران الآية 159.
(30) سورة الشورى الآيات 36 ـ 39.
(31) الوسائل ج 8 باب 9 من ابواب احكام العشرة من كتاب الحج ص 409 بحسب طبعة بيروت.
(32) الوسائل ج8 الباب21 من أبواب احكام العشرة ج1 ص424.
(33) نفس المصدر السابق ج2و3 ص424.
(34) الوسائل ج8 الباب21 من أبواب احكام العشرة ج4 ص 424.
(35) نفس المصدر ج1 ص428.
(36) نفس المصدر ج4 ص428.
(37) نفس المصدر السابق ونفس الباب ج5 ص 428.
(38) نفس المصدر الباب 22 ج5و6 ص 426.
(39) نفس المصدر الباب25 من تلك الابواب ج2 ص429.
(40) ص27 ـ 30.
(41) الولاية ـ كما سيتضح ان شاء الله في بحثنا عن ولاية الفقيه ـ لها مجال واسع في الالزام بغير ما هو لازم بالعنوان الأولي، وأما في تجويز ما هو غير جائز فلا مجال لها إلا بأحد شكلين:
الأول: أن يكون عدم الجواز ثابتاً بأصل من الأصول العملية التي بحثت في علم الأصول أو بالظن في مورد لم يكن محيص عن أتباعه عند عدم الامارة الشرعية، وهنا يقدم حكم ولي الامر اذا شكل امارة تتقدم على الأصل أو على ذلك الظن.
الثاني: أن تكون الولاية قد أعملت في موضوع الحكم الإلزامي، فتؤثر في تبديل الحكم الى الترخيص بتبدل الموضوع. كما لو أجبر الولي شخصاً ما بحق على بيع ماله، فيجوز للمشتري شراؤه رغم أن شراء المال بغير رضا البائع غير جائز في الحالات الاعتيادية. فالولاية هنا أعملت في موضوع الحكم الالزامي بعدم الشراء والتصرف وبطلانه، حيث ان موضوع الحكم بعدم جواز الشراء والتصرف وبطلانه هو عدم توفر أحد الامرين ـ وهما "رضا البائع، وكون الإكراه بحق ومن قبل ولي الإكراه" ـ أما وقد تحقق الإكراه بحق ومن قبل وليه فلا مانع من الصحة. وبكلمة أخرى: أن رضا الولي في باب البيع يقوم مقام رضا صاحب المال. هذا، وأما إعمال الولاية مباشرة في تبديل الحكم الالزامي الواقعي الى الترخيص في المخالفة فغير صحيح.
(42) ولو في خصوص ما اذا كان الحكم كاشفاً ـ حسب المصطلح الذي سوف نذكره في بحثنا عن ولاية الفقيه ـ والا فلا يمكنه رفع الالزام الا بتبديل الموضوع.
(43) سورة الاحزاب الآية36.
(44) فان هذا من سنخ اباء بعض الأدلة عن التخصيص حسب مصطلح علماء أصول الفقه.
(45) أي إن هذا المقدار كاف لرفع مثل محذور الاباء عن التخصيص، وعليه فهو القدر المتيقن ثبوته للأمة.
(46) وكذا ما الحقناه به في الهامش.
(47) اشارة الى إمكان رفض هذه الدلالة بجعلها رواية مرشدة الى القاعدة العقلائية التي تحكم بحسن التشاور في الأمور للاستضاءة بآراء الاخرين، وهذه القاعدة يختلف ملاكها ـ من حيث اللزوم والاستحباب ـ من مورد الى مورد، بل قد يكون الأمر في نظر الشخص واضحاً كل الوضوح بحيث لا يرى مورداً للمشورة فيه.
(48) ولعل هناك من يقول: ان قرينة التقابل في الرواية بين عبارة "أموركم شورى بينكم" وعبارة "اموركم الى نسائكم" تقتضي شمول الجملة الاولى للقضايا الشخصية كما تشمل الجملة الثانية لها، ذلك لأن الضمير في قوله "أموركم الى نسائكم" راجع الى الرجال بقرينة ذكر النساء، فهي اذن تتعرض لتدخل النساء في أمور الرجال الشخصية وتوجيههم وتحبذ اختصاص مشورة الرجال بالرجال وعدم تدخل النساء في تلك الأمور.
ولكن قد يرد عليه بأن قوله (ص): "أموركم شورى بينكم" يحتمل أن يقصد منه الأمور العامة لمجموع المسلمين بما فيهم الرجال والنساء، ويراد منه تدخل النساء في الشؤون العامة.
ولربما قيل بهذا الصدد انه اذا كنا نتردد في المقصود من قوله "أموركم الى نسائكم"، هل هو ناظر الى الشؤون الخاصة أو العامة، اذن نحتمل كون هذا المقطع قرينة على شمول المقطع الأول للأمور الشخصية لأن القرينة على الفرض الأول ثابتة. ومع هذا الاحتمال يصبح المقطع الأول مجملاً مبهماً لا يمكن أن يستفيد المقصود منه.
كما أنه قد يؤيد شمول الرواية للقضايا الشخصية مجيء التعبير بصيغة الجمع "أموركم"، ومقابلة الجمع بالجمع تعني التقسيم والتوزيع، فأمر هذا وأمر ذاك وأمر ذلك.
(49) تفسير المنار ج4 ص205.
(50) أي أنه متى ما حذف متعلق العزم من دون قرينة على تعيين المحذوف كان ظاهره عرفاً ان متعلقه هو رأي نفس العازم.
(51) يقول الأصوليون: ان خروج المورد من العام مستهجن عرفاً.
(52) راجع الملحق رقم (1).
(53) راجع الملحق رقم (2).
(54) سورة آل عمران الآية 104.
(55) لمحمد رشيد رضا نقلاً عن الشيخ محمد عبده ج4 ص 45.
(56) لقحطان عبد الرحمن الدوري ص26.
(57) سورة الاحزاب، الآية6.
(58) راجع بهذا الصدد البحث القيم الرائع ـ على اختصاره ـ لسيدي الاستاذ سماحة آية الله العظمى السيد الصدر (ره) حول الولاية.
(59) بمناسبات الحكم والموضوع؛ أي بملاحظة نوعية الحكم وتناسبها عرفاً مع الموضوع والمحكوم عليه.
(60) يقصد سماحته بهذه الكلمة الملكية الدستورية.
(61) كتاب البيع للامام الخميني 2/461 ـ 467.
(62) أصول الكافي ج1 باب الرد الى الكتاب والسنة ج4 ص59.
(63) أصول الكافي ج2 باب الطاعة والتقوى ج2 ص74.
(64) كتاب البيع للامام الخميني 2/461.
(65) راجع الوسائل ج18 الباب 8 من أبواب صفات القاضي. وكذلك مستدرك الوسائل الباب8 من أبواب صفات القاضي.
(67) أصول الكافي ج1 ص46.
(68) أصول الكافي ج1 ص38.
(69) مستدرك الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي.
(70) وقد يناقش في دلالة الرواية الأخيرة بأن لفظ الحكام وقع محمولاً لا موضوعاً، ولا يجري الاطلاق الموجب للسريان في المحمول.
وقد يجاب عنه بأنه حينما لا يوجد قدر متيقن عند التخاطب، ولا يعقل الاطلاق البدلي ويدور الأمر بين الاطلاق الشمولي والاهمال، وتكون القضية قضية مبيّنة للحكم دون مجرد الأخبار، يفهم العرف من ذلك الاطلاق.
وقد يرد ذلك بأن القدر المتيقن هو الولاية في التطبيق، كاجراء الحدود والحكم لصالح من يكون ذا حق في المرافعة، دون الولاية في دائرة أوسع تشمل الالزام بما ليس ملزماً به بالعنوان الأولى.
وقد يناقش في كون هذا قدراً متيقناً في مقام التخاطب.
(71) هذا السند ضعيف بمحمد بن الحسن بن شمون.
(72) الوسائل ج18 الباب1 من أبواب صفات القاضي ج4 ص4 وب11 من تلك الأبواب ج1 ص99.
(73) وعمر بن حنظلة لم يرد في كلمات علماء الرجال توثيقه، ولكن وردت في بعض الأحاديث التامة سنداً رواية صفوان عنه، وصفوان أحد الثلاثة الذين شهد الشيخ الطوسي (ره) بأنهم لا يروون الا عن ثقة. وهم: صفوان بن يحيى البجلي، ومحمد بن أبي عمير الأزدي، وأحمد بن محمد بن أبي بصير البزنطي.
وقد ورد حديث بسند تام إلى يزيد بن خليفة (الذي روى عنه صفوان أيضاً) قال: قلت لأبي عبد الله (ع): ان عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت. فقال أبو عبد الله (ع) :إذن لا يكذب علينا. (الوسائل ج3 97 وج18 59).
(74) والتحقيق بشكل أوسع في المقام هو: أن التمسك باطلاق جملة "جعلته حاكماً" إن كان بمعنى التمسك باطلاق كلمة "حاكماً" ورد عليه ما مضى من عدم جريان الاطلاق بالمعنى المفيد للشمول في المحمول، وإن كان بمعنى التمسك باطلاق المتعلق المحذوف لكلمة "حاكماً" أي "جعلته حاكماً في كل شيء" ورد عليه أن اطلاق الكلمة إنما يستطيع أن يمنح للكلمة شمولها بعد تعينها لا أن يعين هو الكلمة المحذوفة. وان كان بمعنى استفادة الاطلاق من نفس حذف المتعلق، ورد عليه ما حققناه في علم الأصول من أن حذف المتعلق عندنا إنما يكون قرينة على الاطلاق عند عدم وجود القدر المتيقن عند الخطاب، والقدر المتيقن هنا موجود بلحاظ مورد الحديث، وهو موارد فصل الخصومة والقضاء.
(75) بصفته مرجعاً للمترافعين.
(76) راجع الملحق رقم (3).
(77) الوسائل ج18 الباب11 من أبواب صفات القاضي ج9 ص101. وكتاب اكمال الدين واتمام النعمة الباب45 التوقيعات، التوقيع الرابع ص484 ط دار الكتب الاسلامية بطهران. وكتاب "الغيبة" للطوسي (ره) ص177 ط. مطبعة النعمان في النجف الأشرف.
(78) الظاهر أن أحدهم المفيد (ره)، فإن الشيخ يروي جميع كتب وروايات جعفر بن محمد بن قولويه وأبي غالب الزراري عن جماعة، أحدهم المفيد.
(79) عرفت أنهم جعفر بن محمد بن قولويه وأبو غالب الزراري وغيرهما.
وجاء في موضع آخر من كتاب "الغيبة" ص220 ذكرسند الحديث من دون ذكر متنه وفيه، بدلاً عن كلمة :"وغيرهما" كلمة: "وأبي محمد التلعكبري". هذا وكل هؤلاء الثلاثة ثقات اجلاء.
(80) راجع الملحق رقم (4).
(81) راجع الملحق رقم (5).
(82) أصول الكافي ج1، باب في تسمية من رآه (ع) ج1 ص330، ومحل الشاهد من الرواية مذكور أيضاً في الوسائل ج18 الباب11 من أبواب صفات القاضي ج4 ص100.
(83) راجع الملحق رقم (6).
(84) سورة النساء (4) الآية59.
(85) راجع الملحق رقم (7).
(86) وقد قال علماء الأصول: ان دليل الحكم لا يضمن صدق موضوع نفسه.
(87) أما لو كان مدركنا للولاية العامة هو مقبولة عمر بن حنظلة فاشتراط الفقاهة أيضاً واضح؛ إذ قد جاء في نص الحديث: "ينظران من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا…" وهذا صريح في شرط الفقاهة.
وهل يكفي لنفوذ الحكم التجزي في الاجتهاد أو لابد من الوصول إلى مرتبة الاجتهاد المطلق : راجع بهذا الصدد الملحق رقم (8).
(88) فلو فرضت تمامية اطلاق ينفي شرط الوثاقة كانت هذه الرواية مقيدة لذلك الاطلاق، ولو فرض التعارض والتساقط رجعنا فيما عدا القدر المتيقن إلى الأصل، والأصل يقتضي عدم الولاية الا ما خرج بالدليل، والمقدار المتيقن هو الثقة الكفوء.
(89) أصول الكافي ج1، باب ما يجب من حق الإمام على الرعية وحق الرعية على الإمام ج8 ص407. وفي سند صالح بن السندي، ولم تثبت وثاقته إلا على مبنى السيد الخوئي حفظه الله، وهو يرى وثاقة كل ما جاء في أسانيد كامل الزيارات، فإن هذا الشخص قد ورد في كامل الزيارات الباب47 فيما يكره اتخاذه لزيارة الحسين بن علي (ع)، الحديث2.
(90) فيمكن استفادة اشتراط العدالة في ولي الأمر النائب للإمام (ع) تارة بدعوى القطع بالأولية من امام صلاة الجماعة، وأخرى بدعوى الدلالة الالتزامية العرفية لرواية اشتراط العدالة في امام صلاة الجماعة، وثالثة بأن عرفاً متشرعياً وجد من خلال روايات اشتراط العدالة في امام الجماعة وغيره حينما ترد عليه نصوص تعيين الإمام (ع) للرواة والفقهاء كنواب له لا ينعقد لكلام من هذا القبيل عند عرف من هذا القبيل اطلاق لغير العادل، فيبقى غير العادل تحت أصالة عدم الولاية والنيابة.
(91) سورة الزخرف: الآية18.
(92) وببعض هذه البيانات أيضاً، مما يوجب على الأقل احتمال الانصراف، قد يمكن اثبات اشتراط طهارة المولد، وببعضها أو مثلها يمكن اثبات اشتراط البلوغ.
(93) الوسائل ج18 الباب1 من أبواب صفات القاضي ج5 ص4.
(94) قيد الغلبة اشارة إلى أن الحكم أحياناً لا يكشف عن ملاك في خصوص متعلقة، بل يكون من باب ترجيح أحد الطرفين بلا مرجح، لمجرد ضرورة اتخاذ موقف موحد محدد، ففي هذا الفرض لا تتم النكتة التي شرحناها لتقديم رأي الاعلم.
(95) صحيح أن رواية أحمد بن اسحاق عللت وجوب اطاعة العمري وابنه بوثاقتهما لا بالوثوق بحكمهما، ولكن العرف يفهم بالمناسبات أن وثاقة الحاكم أخذت كطريق إلى درجة من الوثوق النوعي بحكمه وبرصانة ما يتخذه الحاكم من مواقف، كما أن الدليل غير المقيد بالوثوق أيضاً ينصرف عرفاً بالمناسبات إلى فرض وثوق نوعي من هذا القبيل، ورأي الاعلم المعارض برأي الأعلم لا يوثق به نوعاً.
(96) سورة المائدة: الآية1.
(97) الوسائل ج12 ب6 من أبواب الخيار ج2 ص353.
(98) سبق أن الحرمة هنا إما أن تكون بمعنى الحرمة الظاهرية أو تكون على موضوع ينتفي بتدخل الحاكم فيه.
(99) البحار، ج27 ب3 من كتاب الإمامة ج4 ص68 نقلاً عن الخصال.
(100) البحار، ج2 ب33 من كتاب العلم ج25 ص266.
(101) أصول الكافي ج1 باب ما أمر النبي (ص) بالنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم ومن هم؟ ج5 ص405.
(102) راجع البحارج27 ب3 من كتاب الامامة ج9ص72.
(103) البحارج2 ب 33 من كتاب العلم ج28 ص267.
(104) البحار ج27 ب3 من كتاب الامامة ج1 ص67.
(105) البحارج2 ب33 من كتاب العلم ج21 ص265.
(106) البحارج2 ب33 من كتاب العلم ج22 ص 266.
(107) البحار ج2 ب33 من كتاب العلم ج23 ص 266.
(108) سورة الممتحنة: الآية: 12.
(109) سورة الفتح: الآيات: 10 ـ 19.
(110) راجع الملحق رقم (9).
(111) خصوصاً وان الاطلاق في أدلة ولاية الفقيه لم يكن بمحض مقدمات الحكمة، فالأمر بالاطاعة في الآية الكريمة {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}، ورواية أحمد بن اسحاق "فاسمع لهما وأطعهما" إنما يدل على اطلاق وجوب الاطاعة لكل ألوان الحكم الصادر منه بملاك حذف المتعلق عند عدم وجود قدر متيقن في مقام التخاطب، بينما القدر المتيقن في مورد البحث إنما هو في حدود ملء نقص المولّى عليه وجبران قصوره. وقوله في التوقيع "فإنهم حجتي عليكم" إنما دل على الاطلاق بمناسبة ظاهر حال الإمام (ع) وغيابه ـ كما سبق بيانه منا ـ وتلك المناسبة لا تقتضي أكثر من ذلك.
(112) التوقيع الشريف: "فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا". والرجوع في كل شيء بحسبه؛ فالرجوع إليهم في أوامرهم يكون بالالتزام بها وامتثالها، والرجوع إليهم في أموال القاصرين عبارة عن تنفيذ تصرفاتهم أو التصرف الحاصل برأيهم فيها، أما اطلاق الأمر بالطاعة في الآية الكريمة ورواية أحمد بن اسحاق فقد يقال: انه لا يشمل غير امتثال الأمر فهو لا يدل على أنه يجوز للفقيه أو لولي الأمر أن يتصرف في أموال القاصرين أو على نفوذ التصرف الصادر برأيه.
ولكن العرف حينما يجمع بين دليل حق طاعة الأمر لشخص وأصل ضرورة وجود ولي للقاصر في أمواله، يفهم ثبوت حق التصرف له فيها بعنوان الولاية. فهذا التشكيك في الاطلاق تشكيك عقلي وليس عرفياً.
(113) والظاهر كفاية مراعاة عدم الضرر (وأقصد بالضرر ما يشمل فوات المصلحة)، فإن المفهوم عرفاً من الولاية ـ كما قلنا ـ هو ما يجعل المولّى عليه كأنه غير قاصر وكأنه ملئ نقصه، والإنسان غير القاصر لا يشترط في فعله المصلحة والرجحان على الترك؛ فلو أقدم على الفعل ـ لأي دافع نفسي ـ ولم يكن تركه أفضل لم يكن عمله سفيهاً أو على خلاف موازين المصلحة والمفسدة، رغم أننا نفرض أن الفعل أيضاً لم يكن ذا مصلحة عقلانية.
وأما ما جاء بشأن اليتيم من قوله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن}. (سورة الأنعام:152) فلعله ـ بمناسبات الحكم والموضوع ـ يعطي معنى لا ينافي ما ذكرناه، لأن النكتة الارتكازية لجعل هذا الحكم هي لحاظ مصلحة اليتيم وحاله، وواضح أن لا مصلحة بلحاظ حال اليتيم في تحريم العمل حينما يساوي تركه، فلو كان دليل الولاية مطلقاً من هذه الناحية لم يمكن تخصيصه بالآية.
(114) أما اطلاق التوقيع الشريف فواضح، لما مضى من أن الرجوع في كل أمر بحسبه. وأما اطلاق آية اطاعة اولي الأمر ورواية أحمد بن اسحاق الآمر بالطاعة فتأتي هنا الشبهة التي مضت في المورد الأول، فيقال انهما إنما دلّتا على وجوب امتثال الأوامر، ولم تدلاّ على حق الأجبار بالقوة واجراء الحد والتعزير. والجواب نفس الجواب، حيث قال: ان العرف حينما يجمع بين دليل حق الطاعة لشخص وأصل ضرورة قانون الاجبار والحد والتعزير في الاسلام، يفهم من ذلك اطلاق الولاية، فالتشكيك في هذا الاطلاق عقلي وليس عرفياً.
(115) راجع الملحق رقم (10).
(116) ولا يشترط في هذا القسم عدم ثبوت الالزام شرعاً قبل الحكم، فقد يكون الالزام به شرعاً ثابتاً قبل الحكم ولكن الحاكم يهدف إلى الالزام به حتى على تقدير عدم ثبوت الالزام قبل حكمه (وإن كان هذا التقدير خلاف الواقع)، وقد يهدف الحاكم الحكم بكلا المعنيين الكاشف والولايتي.
(117) ومن هنا يستظهر العرف أن حجية هذا القسم من الحكم هي من سنخ الأحكام الظاهرية.
بخلاف القسم الثاني من الحكم، وهو الحكم الولايتي.
هذا، ومقتضى ما ذكرناه سقوط هذا القسم من الحكم عن الحجية عند العلم بخطأ مدركه أيضاً ولو لم يعلم بخطأ نفس الحكم، كما لو علمنا أن الحاكم بالهلال استند إلى بينة غير تامة ولكن احتملنا مطابقة الحكم للواقع صدفة. فهذا الحكم يكون ساقطاً عن الحجية لفقدانه للامارية على الواقع. نعم لو كنا نستظهر كون حجية هذا القسم حكماً ظاهرياً من دون أن نستظهر كونها بنكتة الامارية على الواقع، تم التفصيل بين فرض العلم بخطأ الحكم والعلم بخطأ مدركه، فيسقط عن الحجية في الأول ككل حكم ظاهري علم بخطئه، ولا يسقط في الثاني. ولكن الواقع أنه لولا استظهار كون الحجية بنكتة ما في الحكم من امارية على الواقع وكشف عنه لم تكن هناك نكتة لحمل هذه الحجية على كونها حكماً ظاهرياً.
أما فرض كون أماريّته نوعية بدرجة لا تنافي حتى فرض العلم بالخلاف أو بخطأ المدرك فليس عرفياً.
(118) وبتعبير آخر: أن حجية هذا الحكم حكم واقعي وليست حكماً ظاهرياً يعقل مخالفته للواقع.
(119) راجع الملحق رقم (11).
(120) بل وأحياناً حتى على ما دون هذا المستوى؛ فمثلاً تعدد الزوجات قد يختلف في مدى مطابقته للمصالح من زمن حربي يقتل فيه الرجال إلى زمان آخر.
(121) راجع الملحق رقم (12).
(122) والواقع أن النظام المالي للحكومة الاسلامية بحاجة إلى دراسة مستقلة مفصلة، ومن أمنياتي أن يوفقني الله تعالى لدراسته في فرصة مقبلة ـ ان شاء الله تعالى ـ.
(123) الوسائل ج18 الباب11 من أبواب صفات القاضي ج6ص100.
(124) الوسائل ج18 الباب1 من أبواب صفات القاضي ج5 ص4.
(125) الوسائل ج18 الباب3 من أبواب صفات القاضي ج3 ص7.
(126) ج1 ص507.
(127) اكمال الدين وأتمام النعمة ص485.
(128) ج3 ص73.
(129) الغيبة للشيخ الطوسي ص257 ط مطبعة النعمان في النجف الأشرف.
(130) الغيبة للشيخ الطوسي ص257ـ258.
(131) من هنا إلى آخر السند كلهم معتبرون؛ يبقى أننا لا نعرف الجماعة الذين يروي الشيخ (ره) بواسطتهم عن هارون بن موسى، ولكن الظاهر أن نقل الشيخ عن جماعة عن هارون يورث الاطمئنان بصدور الحديث عن هارون، وعدم وجود تساهل في النقل. خصوصاً ان المظنون أن هذه الرواية أخذها الشيخ من أصل أو كتاب لهارون لا شفهاً، حيث ان الشيخ (ره) يقول في ترجمة هارون "روى جميع الأصول والمصنفات… أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا".
كما أن المظنون هو أن أحد الجماعة الناقلين للشيخ عن هارون هو المفيد رحمه الله؛ بيان ذلك: أن الجماعة الذين نقلوا للشيخ عن جعفر بن محمد بن قولويه، هم ـ بتصريح الشيخ ـ عبارة عن (المفيد، والحسين بن عبيد الله، وأحمد بن عبدون وغيرهم) وعين التعبير ذكره الشيخ عن الجماعة الذين نقلوا له عن أبي غالب الزراري، وقد مضى هنا قبل هذه الرواية توقيع اسحاق بن يعقوب، نقله الشيخ عن ابن قولويه وأبي غالب الزراري وهارون بن موسى، نقله عنهم جميعاً في عرض واحد بواسطة جماعة.
إذن كان الجماعة الناقلون عن ابن قولويه والزراري عين الجماعة الناقلين عن هارون، وقد عرفت ان كل روايات ابن قولويه والزراري واصلة إلى الشيخ عن طريق جماعة، منهم المفيد.
(132) الغيبة للشيخ الطوسي (ره) (فصل في ذكر طرف من أخبار السفراء، فأما السفراء الممدوحون..) ص215.
(133) أصول الكافي ج1 باب فرض طاعة الأئمة ج7 ص187.
(134) أصول الكافي ج1 باب فرض طاعة الأئمة ج16 ص189، وأما الآية الشريفة أعني آية: {إنما وليكم الله ورسوله} فهي في سورة المائدة: الآية 55.
(135) أصول الكافي ج1 باب ما نص الله عز وجل ورسوله على الأئمة ج1 ص286.
(136) الوسائل ج5 ب9 من أبواب صلاة العيد ج1ص104، وج7 ب6 من أبواب أحكام شهر رمضان ج1ص199.
(137) بإمكان أحد أن يقول بتقدم حكم الحاكم في هذه الصورة أيضاً، بدعوى أن ظاهر دليل مرجعية المولى ـ بمناسبات الحكم والموضوع ـ أن الشريعة الإسلامية أرادته فيصلاً للأمور، وأن يكون حكمه مقدّماً على سائر الامارات المعارضة له. ولكننا لم نتبنَّ هذا الاستظهار.

السابق

مركز الصدرين للدراسات السياسية