مركز الصدرين للدراسات السياسية || المقالات السياسية

كلمة آية الله مصباح اليزدي في ندوة النظام السياسي في الإسلام
آية الله مصباح اليزدي


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين. اللْهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلا.
أرحب بجميع السادة والأساتذة والفضلاء الذين لبوا دعوة مسؤولي هذه المؤسسة وتفضلوا بالحضور والمشاركة في هذاالمحفل العلمي، وأسأل الله تعالى أن يشملنا جميعاً بعناية بقية الله الأعظم أرواحنا له الفداء وأن يرضي قلبه المقدس عنا جميعاً وان يوفقنا لمعرفة واجباتنا والعمل بها إن شاء الله.
لقد تقدم بعض الإخوة الأعزاء مرات عدة وبصور مختلفة، بعد الحديث الذي أُلقى في المدرسة الفيضية المباركة قبل ليالٍ، طالبين أن تطرح مثل هذه الأبحاث بشكل متزايد في الحوزة العلمية. وتلبية لرغبة هؤلاء الأعزاء، وكواجب إسلامي ـ ثقافي يقع على عاتقنا نحن طلاب العلوم الدينية اليوم، فاننا ارتأينا طرح موضوع (النظام السياسي في الإسلام) في هذه الجلسة. وبالطبع فان هذا الموضوع مع ماله من أبعاد واسعة، يتطلب جلسات متعددة وابحاثاً كثيرة. وإننا نعقد هذه الجلسة كمقدمة بغية تحقيق هذا الهدف، طالبين العون من الله تبارك وتعالى ومتوسلين بالأئمة الأطهار (سلام الله عليهم أجمعين) ولاسيّما ولي العصر أرواحنا فداه، أن يكون هذا العمل، رغم ضآلته، بادرة على طريق تحقيق الأهداف العظيمة والرسالة الجسيمة التي نحملها على عاتقنا في سبيل نشر وتبيان المعارف الإسلامية.
وفي البداية أرجو من سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ دري نجف آبادي أن يتفضل ويحدثنا حول أهمية هذا الموضوع وضرورة هذا البحث، ثم ستعقد ندوة بعد ذلك بحضور سماحته وسائر الاخوة من أجل الاجابة عن بعض الأسئلة، آملين الاستفادة من هذا الوقت المحدود، وأن تكون هذه الندوة ارضية مناسبة لعقد مجالس أفضل والقيام بأعمال أوسع وأعمق في المستقبل إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ـ مدير الندوة: يبدو أن أول سؤال يمكن طرحه في البحث حول النظام السياسي في الإسلام هو: ما المراد أساساً بالنظام السياسي في الإسلام؟ وما الدور الذي تؤديه صفة (إسلامي) في هذا التعبير؟ وبعبارة أُخرى، عندما يقال حكومة إسلامية أو حكومة دينية، فما معنى إسلامية الحكومة؟ وما هي الشروط التي يجب أن تتوفر حتى نقول بأن هذه الحكومة حكومة دينية أو إسلامية؟ وبناءً على هذا، فان السؤال هو: ماذا يعني اصلاح (النظام السياسي الإسلامي) على وجه الدقة؟
آية الله مصباح: بسم الله الرحمن الرحيم، إنه لسؤال معروف انه ما معنى الحكومة الدينية، وبماذا تتحقق دينية الحكومة؟
وهناك إجابات ثلاثة على الأقل عن هذا السؤال. أولها أن الحكومة الدينية هي الحكومة التي تقوم جميع أركانها على أساس الدين معتمدة على الحكم الإلهي. وثانيها أن الحكومة الدينية هي الحكومة التي تراعى فيها الأحكام الدينية، بغض النظر عن أن تكون جميع أركانها قائمة على الدين أو حتى أن تكون جميع قوانينها مأخوذة من الدين، ويكفي أن تراعى فيها فقط القيم الدينية. وثالثاً ما قيل من أن الحكومة الدينية تعني حكومة المتدينين. فالمجتمع الذي أبناؤه هم من المتدينين عندما يشكلون حكومة ستكون حكومتهم دينية تبعاً لتدينهم، كما يقال إن الفلسفة الإسلامية تعني فلسفة المسلمين. ولقد نجح المسلمون على طول التاريخ وفي مناطق من العالم في إقامة حكومة كانت كلها طبقاً لهذا التعريف للحكومة الإسلامية. وهذا الجواب الثالث، بالنسبة لنا على الأقل نحن الذين نعتقد بجامعية أحكام الإسلام، لا يعد مورد قبول. ولكن أن تكون جميع أركان الحكومة ينبغي لها أن تكون قائمة على الإسلام، أو أن تكون مجرد مراعاة القيم والأحكام الإسلامية كافية لدينية الحكومة، فالجواب الذي بمقدوري هو أن إسلامية الحكومة أمر ذو مراتب، أو كما نصطلح عليه نحن طلبة العلوم الدينية، مقولة تشكيكية. فالمرتبة الكاملة والنموذجية هي أن تكون جميع اركان الحكومة قائمة على أساس الدين ومستقرة على قاعدة الارادة الإلهية. أي أنه لا يكفي أن تكون أحكامها أحكاماً شرعها الله تبارك وتعالى أو أذِن لأحد في تشريعها، بل يجب أن يقوم مسؤولو هذه الحكومة بتطبيق الأحكام بإذن الله أيضاً.
وفي الحقيقة فانه يمكن تصور أساليب متعددة وسلسلة من المراتب لاختيار الحاكم الشرعي.
فالمرتبة الأولى أن يكون الحاكم مختاراً من قبل الله تعالى بشكل خاص، كرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار الذين منحهم الله تعالى هذا المنصب تعييناً طبقاً للمذهب الشيعي. أما المرتبة الثانية فهي أن يكون الحاكم منصوباً من قبل الله تعالى على وجه العموم، كما هو شائع عند الفقهاء الشيعة في زمن غيبة ولي العصر عجل الله تعالى فرجه، حيث هناك تنصيب عام للحاكم من قبل الأئمة الأطهار، وهو يتمتع بالنيابة العامة في مقابل النيابة الخاصة. التي مصداقها ـ النيابة الخاصة ـ النواب الاربعة المعروفون على وجه الخصوص.
إذا افتُقد هذان الأسلوبان، كما هو في حقبة النظام السابق في إيران، حيث لا يحكم الإمام المعصوم ولا نواب العموم بل ولا يمتلك الحكام إذناً أو إجازة من نواب العموم، فان تلك الحكومة كانت إسلامية في أحد معانيها ومراتبها أيضاً، لأن دينها الرسمي كان هو الإسلام والمذهب الشيعي الاثني عشري، وحتى أنه ورد في متممات الدستور أن يكون هناك إشراف لخمسة من فقهاء الطراز الأول على قرارات المجلس حتى لا يُصدر حكماً مناقضاً للإسلام. فهذه هي أيضاً إحدى مراتب الحكومة الإسلامية، أي حكومة تعتبر مراعاة الأحكام الإسلامية شرطاً على الأقل في قانونها الرسمي، كما تمنح الرسمية لاشراف خمسة من فقهاء الطراز الأول على عمل أعضاء المجلس. وهذه المرتبة من مراتب الحكومة الدينية تأتي في مقابل الحكومة العلمانية التي لا تعير أية أهمية للأحكام الدينية، وفي مقابل الحكومات المخالفة للدين والتي تتصرف عملياً خلاف الدين. فخلاصة جوابي إذاً هو أن النظام الإسلامي في صورته النموذجية هو ذلك النظام الذي تكون فيه القوانين مشرّعة من الله تعالى وأن يكون الحاكم فيه منصوباً من قبل الله تعالى سواء كان ذلك بشكل مباشر أم عن طريق المعصوم، وأعم من أن يكون تنصيباً خاصاً أو عاماً.
وهذه الحكومة ستكون حكومة دينية بكل معنى الكلمة. فإذا لم تتيسر لها هذه الصورة النموذجية، فلتكن قوانين الحكومة الدينية على الأقل مطابقة للإسلام بلا تخلف عن أحكامه القطعية.
ـ مدير الندوة: إنني أعتقد، وبناءً على توضيحاتكم، أن اطرح على سماحتكم سؤالاً بهدف إكمال هذا البحث. وهو: طبقاً لما تفضلتم به، وإذا راعينا الحد الأقل للحكومة، أي إذا لم يكن الحاكم منصوباً من الله تعالى أو من المعصوم، ولكن قوانين هذه الحكومة هي قوانين إسلامية بشكل عام، فهل تسميتها بالدينية وبالإسلامية يُعتبر من قبيل التسامح والمسايرة، أو انها تعدُْ حقيقة جزءً من مراتب الحكومة الإسلامية؟ وهل أن عنصر الحاكم المنصوب من قبل الدين يُعدّ من مقومات الحكومة الدينية، أو انه شرط من شروط المرتبة العليا للحكومة الدينية، بحيث إنه إذا لم يتوفر فانه يكون لدينا حكومة دينية ولكن على نحو أدنى المراتب؟
آية الله مصباح: إن هذا الشكل المتدني للحكومة الدينية، التي تراعى فيها الأحكام فقط ولكن الحاكم ليس منصوباً من قبل الإسلام، هذا الشكل له حكم بدل الاضطرار. أي كما نقول: هل أن أكل لحم الميتة جائز في الإسلام أم لا؟ فالجواب هو: لا، لا يجوز، إلا في الحالات الاضطرارية، فانه يجوز حينئذ. ولهذا، فلو سأل سائل: هل يكفي لتحقق الحكومة الدينية أن تُراعى فقط أحكام الإسلام من دون عن أن يكون الحاكم منتسباً لله وللإسلام؟ فاننا نجيب: كلا، هذا لا يكفي. على المسلمين أن يحققوا الشكل الصحيح للحكومة. فإذا لم يتيسر ذلك، فيمكنهم النزول إلى هذه المرتبة الثانية اضطراراً، يعني تطبيق أحكام الإسلام، حتى ولو لم يكن الحاكم منصوباً من قبل الله تعالى.
ـ مدير الندوة: ما هو العمل إذا لم تعد حكومة الولاية الحالية مورد قبول العموم بمرور الزمان؟! إن هذا يعود في الواقع إلى موضوع مقبولية الحكومة. والسؤال هو: إذا فقدت الحكومة الدينية مقبوليتها الاجتماعية يوماً ما، فهل يُعدّ هذا فقداً لمشروعيتها أيضاً، وينبغي عليها أن تنتظر حتى يأتي الوقت المناسب؟ وفي الحقيقة فان السؤال هو: هل لقبول وتأييد الشعب دور في الحكومة الدينية أم لا؟ وإذا كان لذلك تأثير، فما هو نطاق هذا التأثير؟
آية الله مصباح: إنكم تعلمون بأن الفلسفة السياسية اليوم تعتبر المقبولية والمشروعية توأمين حتى إذا كان هناك تفاوت من ناحية المفهوم. وبالطبع هناك تفاوت، ولكنهما متحدان من ناحية المصادق، يعني أن المقبولية هي ملاك مشروعية الحكومة، هذا إذا أخذنا بنظر الاعتبار المشروعية بمعناها العام، أي بمعنى القانونية.
ومثالاً على ذلك الحكومات الديكتاتورية، وحكومات الانقلاب، والحكومات الوراثية التي يتسلم فيها الحاكم السلطة بسبب انتسابه إلى الحاكم السابق، والأشكال الأُخرى من الحكومات التي يقولون إنها تفتقر إلى المشروعية، يعني القبول لدى الشعب، لأن مشروعية الحكومة تعني قبول الشعب بها. وعلى هذا فان المقبولية هي ملاك المشروعية. فإذا سلمنا أن المشروعية هي المقبولية من هذا الوجه، وأن الحكومة المشروعة هي الحكومة التي تحظى بالقبول لدى الشعب، أو فلنقل إن الحكومة المشروعة هي الحكومة التي يقبلها الشعب ويعتبرها قانونية، فعندئذ ستكون المشروعية والمقبوليه توأمين. وبناءً على ذلك فان الحكومة التي يرفضها الشعب لن تكون لها مشروعية. هذه هي وجهة نظر الفلسفة السياسية المعاصرة في الغرب حول الحاكم.
وأما من وجهة نظرنا، فانه يمكن أن يكون هناك فرق بين المشروعية والمقبولية، كما ترى الفلسفة السياسية في الإسلام. يعني أنه من الممكن أن تكونا حيثيتين، وأحياناً تكونان منفصلتين عن بعضهما في العمل أيضاً. فملاك مشروعية الحكومة في نظرنا هو أن يكون الحاكم ـ في مقام الثبوت ـ أفضل من يوفر للشعب متطلباته المادية والمعنوية والفردية والاجتماعية، وأن يكون في ـ مقام الاثبات ـ منصوباً من قبل الله بنحو خاص أو بنحو عام. وبهذا يتضح أن المشروعية، بهذا المعنى، لا تلازم لها البتة مع قبول أو رفض الشعب. ومثالاً على هذا، فان حكومة أمير المؤمنين عليه السلام كانت حكومة مشروعة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أي أنه كان منصوباً لتسلم الحكم على الناس من الله سبحانه وتعالى عن طريق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنه لم يكن مورد قبول الأكثرية الساحقة من المسلمين. إلاّ أن هذا لا يعني عدم مشروعية حكومته عليه السلام.
وطبعاً فانه عليه السلام لم يستطع القيام بشيء عملياً بسبب افتقاد حكومته للمقبولية، بمعنى أن هذه الحكومة لم تحقق عملياً.
إذاً.. فيمكن أن تكون الحكومة مشروعة، ولكنها غير مقبولة. فإذا سلمنا بهذه النظرية، أي أن تكون الحكومة المشروعة من وجهة نظر الفقه الشيعي، هي الحكومة التي يُنصّب حاكمها بشكل عام على الأقل من قبل إمام معصوم، فان الحكومة المشروعة، عندئذ، ستكون هي الحكومة التي ينطبق عليها هذا الوصف، حتى ولو لم يقبلها الشعب.
وعلى أية حال فان الحكومة التي لا يقبلها الشعب، بسبب الجهل أو الهوى النفسي أو العصيان، ستكون حائزة للمشروعية مع افتقادها للمقبولية.
إذاً.. فما هو واجب الشعب عندما لا تستطيع هذه الحكومة الفاقدة للمقبولية تطبيق الأحكام عملياً ولا يمكنها الأمر والنهي بعلة عدم بسط اليد؟ أي .. ماذا يفعل أولئك الذين يعيشون في ذلك المجتمع إذا أرادوا تطبيق أحكام الإسلام وتطلعوا لأن تكون لهم حكومة مشروعة؟ هذه هي نفس الظروف التي كانت سائدة عندنا في زمن حكم النظام السابق.
وفي هذه الحالة يجب على الناس أن يراعوا الأحكام الإسلامية بكل ما في وسعهم أولاً، وأن يرجعوا في حل خلافاتهم المتعلق حلُّها بالحكومة إلى فقيه مدينتهم بقدر ما يستطيعون ثانياً. وإذا لم يكن هناك ولي فقيه له ولاية عامة على البلاد، فعليهم أن يرجعوا إلى مجتهد جامع للشرائط على الأقل في مدينتهم بغية الفصل في قضاياهم المتعلقة بالحكومة. فلو اقتضت مصلحة المجتمع الإسلامي أن يُشق شارع في مكان ما، ولكنه لا توجد حكومة إسلامية مشروعة، فعلى الناس أن يستجيزوا الفقهاء بعيداً عن عيون الحكومة وبلا تعارض مع حكومة لا يستطيعون مقاومتها، فيجيزوهم في اتخاذ مسير أو تخريب دار مثلاً. ولقد حدث ذلك في زمن السلطة البهلوية. حيث كان مراجع التقليد، سواء الذين رحلوا منهم. تغمدهم الله برحمته أو الذين هم على قيد الحياة، يجيزون الناس بعمل ما تقتضيه الضرورة في مثل هذه الأحوال حتى لا تتعطل مصالحهم.
إذاً.. فواجب الناس عندئذ أن يسعوا إلى اقامة تلك الحكومة القانونية الإلهية المشروعة إذا استطاعوا كما فعل الإمام رضوان الله عليه. فإذا لم يقدروا عى ذلك لسبب أو لآخر، فهم يستطيعون على الأقل أن يعودوا إلى فقهائهم لاستجازتهم في الموارد الخاصة.
ـ مدير الندوة: إن أحد الأسئلة المطروحة حول الحكومة الدينية هي: ما هي كيفية العناصر الثابتة والعناصر المتغيرة في الحاكمية الدينية؟ ما هي العناصر الثابتة التي لا تقبل التغيير، وفي أي قسم من الحكومة الدينية يجوز لنا أن نحدث تغييراً طبقاً لمتطلبات الزمان؟
آية الله مصباح: إن هذا موضوع في غاية الأهمية ويمكن طرحه على مستويات مختلفة. وكما يمكن طرحه على مستوى أكاديمي عميق جداً، يمكن طرحه أيضاً على مستويات أقل حتى يكون مفهوماً لدى عموم الناس.
وفي رأيي أنه يجب أولاً أن ننتبه إلى نقطة مهمة، وهي أننا، وبدون شك، نعتبر الحكومة المشروعة اليوم هي حكومة الجمهورية الإسلامية القائمة على أساس الدستور المدون بما فيه من تعديلات وتتميمات، وأن واجبنا يقتضي أن نوالي هذه الحكومة وأن ندافع عن قوانينها بنداً فبنداً وأن نتبع كافة القوانين الموقعة والمقررة في النظام الإسلامي. وعلاوة على ذلك فانه يجب علينا أيضاً أن نراعي حتى (أحكام الدولة) والتي هي أحكام إسلامية كما قال الإمام رضوان الله عليه. كما يجب علينا تنفيذ قرارات مجلس الشورى الإسلامي وقرارات مجلس الحكومة، فيما يتعلق بالأمور التي تحت مسؤوليته، تنفيذاً كاملاً، وأن نعتبر طاعة النظام واجباً علينا أسوة بالإمام رضوان الله عليه، وألا نتوانى في الدفاع عن ذلك كافة. وحتى إذا قام المجلس بتغيير قانون طبقاً للموازين المقررة في الدستور، فانه يجب علينا احترام ذلك. فلو كان هناك إبهام حول الملاك الذي على أساسه نعتبر أنفسنا ملزمين بالعمل بقانون ما، ثم تغيرت يوماً عناصره ومواده، فنجد أنفسنا مرة أخرى ملزمين بمراعاة مواده الجديدة، إذا كان ابهام في الملاك فهذا بحث نظري.
ان السائد الآن في أكثرية دول العالم هو الديمقراطية التي تمتلك مقبوليتها ومشروعيتها ملاكاً خاصاً. فالحكومة المقبولة في نظر أولئك هي الحكومة التي يقبلها الشعب.
لقد كان حديثنا معهم هو أن شعبنا قَبِلَ هذا الدستور، وصوّت لصالح هذا النظام وهذا الدستور. وعلى هذا فان هذا القانون باق طالما بقي رأي الشعب، فإذا تغيّر رأي الشعب فاننا نغيّر موقفنا ايضاً إزاء القانون. إن هذا هو حديثنا مع كافة مخاطبينا في العالم، وهو حديث قائم على أساس المباني الجدلية التي يقرها الجميع.
إننا نقول لأولئك، وطبقاً للأصول المسلّم بها وان كانت غير برهانية: إنكم تقولون إن رأي الشعب هو ملاك المشروعية، وعلى الآخرين أن يسلّموا بما يقوله الشعب. وهذا هو ما نقوله نحن أيضاً. ولهذا فان نظام الجمهورية الإسلامية، من هذا الوجه، هو نظام ذو اعتبار، لأن 98 بالمائة من الشعب صوتوا لصالحه. وكذلك هو الدستور، لأن أكثرية الشعب صوتت لصالحه. وكل تغيير يستجد، سواء مباشرة من قبل الشعب ـ في الحالات التي يجيزها القانون ـ أو عن طريق الخبراء أو نواب المجلس الذين انتخبهم الشعب، فسيكون معتبراً أيضاً بالنسبة لنا.
هذا هو حديثنا مع من يفكرون بالمنطق الديمقراطي. إننا لا ينقصنا شيء عن النظام الديمقراطي السائد في العالم. بل إننا نعتني ونهتم برأي الشعب أكثر مما هي عليه الأنظمة الديمقراطية في العالم. وفي الواقع، فانهم لو سألوا: في أي بلد في هذا العالم وتحت هذه السماء وفوق هذه الأرض هناك اهتمام أكثر بأفكار الشعب؟ أو في أي مكان في هذا العالم، وبعيداً عن أي ضغط أو تلقين وخُلواً من أي نوع من أنواع الإعلام الكاذب، هناك اهتمام أكثر بمطالب الشعب، وما هي الحكومة التي تتخذ قراراتها بناءً على مطالب الشعب؟ فانني من جهتي لا أشك أن الاهتمام بآراء الشعب في الأماكن الأُخرى من العالم أقلُّ بكثير ممّا هو في إيران.
هذا هو كلامنا مع شعوب العالم، وإننا نعتقد أننا أكثر تقدماً منهم بناءً على المعايير الديمقراطية. بل إن هناك شيئاً آخر؟ وهو أننا نعتقد، بناءً على ما ندين به من الإسلام والمنطق الخاص الذي نفكر به، أن لدينا كافة ما لدى الآخرين في العالم، وزيادة. وذلك هو أن هذا البناء الحكومي الذي تقبلون به، مع تشابه وجهات نظرنا في أصوله، وهذه الحكومة التي لها بناء شعبي وطبقاً لإرادة الشعب، وتُعتبر أفضل وسيلة لتحقيق مطالب الشعب على وجه إجماع الأكثرية، هذه الحكومة لها ميزة أُخرى إضافة لما سبق، وهي أنها تنطبق مع ما يقتضيه ديننا وفكرنا واعتقادنا، أو بالاصطلاح الحديث تنطبق مع ايديولوجيتنا. ناهيك عن أنهم لا يقبلون أحياناً بما هو مطابق لأصولهم التي وضعوها هم، كما هو في الجزائر. فانهم لم يقبلوا حكومة ديمقراطية لديها الكثير من الأصول والمباني الغربية، ووقفوا حائلاً دون مجيئها للحكم.
إننا نعتقد أن هذا العالم وهذا الكون بأسره هو ملك لله تبارك وتعالى، وأن البشر ـ سواء السابق والحالي واللاحق ـ أيضاً، كسائر الظواهر الكونية، كلهم عبيد لله (عبداً مملوكاً لا يقدر لنفسه نفعاً ولا ضرا)، وان كل ما لديهم هو لله. وبناءً على هذا فانه لا يجوز التصرف في أي إنسان إلا باذنه تعالى، بل إن الإنسان لا يجوز له التصرف في نفسه إلا بإذن الله. ولا يحق لإنسان أن يتصرف في إنسان بلا إذن مالكه الحقيقي. إنه لا يحق لنا ـ مثلا ـ أن نلحق عيباً بعيننا أو يدنا. لماذا؟ لأنها ملك لله لا لنا. فإذا لم يكن لنا الحق في التصرف بوجودنا نحن مطلقاً، فكيف يحق لنا التصرف في الآخرين؟! فإذا أردنا ان نقطع يد سارق أو ان نصفع أو نعاقب مجرماً، أو نحبس جانياً، فكيف يكون ذلك؟
إن القانون لا يجيز السرقة. ولكن لنفرض أن شخصاً سرق، فمن الذي يحق له ان يعاقبه أو يحبسه أو يقطع يده؟ إن هذا الحق يجب أن يعطيه مالك السارق دون سواه. فنحن نعتقد أن هذا النظام بشكل عام يجب أن يستند إلى الارادة الإلهية للتشريع أو على الأقل لابد من الكشف عن رضا الله وإذنه. فما هو ملاك أعمالنا وتصرفاتنا من قبيل القانون الذي نسنّه، أو القانون الذي ننفذه في حقّ الآخرين، أو التصرف في عباد الله، أو في الأملاك والغابات، والجبال والصحاري واستخراج المعادن والنفط والغاز والذهب والنحاس، وما إلى ذلك من الأموال؟
إن رؤيتنا الإسلامية تقتضي ضرورة الاذن الهي في هذه الأمور، وليس لنا أن نتصرف خارج حدود هذا الاذن. إن رأي الناس في محله، ولكن لا حجية له عندنا. فلو نهى الإسلام نهياً قاطعاً عن أي شيء وفي أي ظروف كان فانه لا يحق لنا أن نتجاهل ذلك بناءً على رأي أحد ما. ولو قلنا في الدستور إن هذا الأصل أو ذاك لا يقبل التغيير، كما ورد ايضاً في الدستور السابق في زمن المشروطة أن أصلاً ما غير قابل للتغيير، فعادة ما يحدث ذلك في دساتير سائر أنظمة العالم. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: من الذي يجب أن يقرر هذه المادة القائلة بأن هذا الأصل لا يقبل التغيير؟ ثمة دور وتسلسل في هذه الحالة لا تمتلك له الأنظمة الديمقراطية جواباً.
من الذي قال إن التصويت لصالح الدستور له حجية؟ من اين أتت هذه المشروعية؟ ومن الذي قال إنكم عندما تقولون إن هذا الأصل لا يقبل التغيير فانه لن يكون قابلاً للتغيير؟
إنه من الممكن أن يقول أحد في المقابل: كلا.. إنه قابل للتغيير.
إننا، وانطلاقاً من الفكر الإسلامي، نقول إنّنا لا يمكننا أن نغير أصلاً ما دام ان الله سبحانه نهى عن تغييره. ولكن كيف يمكن للآخرين أن يقولوا هذا الكلام وبناءً على ماذا؟ إنه لا يوجد عندهم فرق أصولي واضح بين الدستور والقوانين الوضعية العادية. إنهم يغيرون دستورهم في الكثير من بلدان العالم كل عدة سنوات كالقوانين العادية. وأساساً من الذي قال إن هناك نوعين من القوانين: الدستور (أو القانون الأساسي)، والقانون العادي؟ إنه لا يوجد ملاك للتغاير بينهما إلا العقود والاعتبارات التي أوجدها الناس أنفسهم، ويبدو أنه لا يوجد ملاك آخر للتغاير سوى ذلك.
ومن هذه الناحية فاننا نستطيع أن نجعل أصلاً ما ثابتاً لا يتغير، وذلك استناداً إلى كلام الله تعالى، ولكن أُولئك لا يستطيعون ذلك لأنهم يفتقدون الأساس. وعلى هذا فان لدينا ما هو أفضل مما عندهم، فعلاوة على أن نظامنا مقبول على المستويين الشعبي والعالمي، فانه أيضاً مطابق لعقيدتنا وفكرنا الديني، وهو ما نَفضُلُهم به.
إننا نقول إن هذه الجمهورية مطابقة لإرادة الله أيضاً علاوة على انها مطابقة لإرادة الشعب، وهو ما يتعلق بسؤالكم حول ما إذا كان الإسلام ألزمنا بالنظام الجمهوري أم لا. لقد أسلفت بأننا نقول إن الجمهورية الإسلامية حجة لأن الشعب صوت لصالحها، وفوق ذلك فانها حجة لأن الإمام رضوان الله عليه اعتمدها. عندما لم يكن لدينا دستور، فبأي دليل كنا نقول عندما يدلي الشعب بصوته فان صوته سيكون حجة؟ ولماذا كنا نقول يجب على الشعب أن يشارك في الانتخابات؟ ألم يكن ذلك بسبب اقتفاء الشعب لخطى الإمام؟ أي أن شعبنا اعتبر حكم الإمام حجة قبل الدستور وليس استناداً للدستور. وهذا ما اقتضاه فكره الديني. وقبل إلغاء الدستور السابق، فعلى أي أساس قلنا بأن هذا القانون يجب تغييره؟ عندما قال الإمام إنه يجب تغيير هذا القانون، فاننا قلنا نعم يجب تغييره، وذلك لأن الإمام هو نائب إمام الزمان، وله ولاية إلهية، وحكمه حكم الله. وهذا فكر خاص نؤمن به طبقاً للدين، وهو غير ما يقوله الآخرون.
وعلى هذا، فانه يمكن طرح السؤال هكذا: هل يوجد في الإسلام ما يقبل التوقع غير ما هو الآن في دستورنا؟. ومرة أخرى أؤكد أن القانون الحالي هو حجة علينا ويجب العمل به طالما لم يتغير ولم يتخذ القائد موقفاً ضده. ولكن السؤال هو: هل يمكن أن يتغير أحد أركان هذا النظام يوماً ما بشكل أو بآخر؟ وإذا كان الجواب بالإثبات، فما هي حدود هذا التغيير؟ والجواب هو: إن هذا التغيير سيكون جائزاً وممكناً إلى الحد الذي لا ينافي أحكام الإسلام. وإننا نعتبر نظام الجمهورية الإسلامية حجة لأن الإمام اعتمده ولو لم يعتمد الإمام هذا الدستور لم يكن له حجية بالنسبة لنا حتى ولو كانت له حجية واعتبار من وجهة نظر شعبية أو في منطق العالم.
وبناءً على هذا فاننا، وطبقاً لعقيدتنا الدينية، نعتبر اعتماد الإمام للدستور اعتباراً له، ولو تطلب التغيير فان هذا التغيير لن يكون له اعتبار إلا إذا اعتمده الإمام أو ولي أمر المسلمين. ولكن وفقاً للمنطق السائد في العالم، فاننا نقول إذا صوت الشعب على تغيير الدستور، واختار خبراء وشكّل مجلساً تأسيسياً، فان ذلك سيكون أيضاً حجة، وذلك لأن الشعب هو الذي طالب بتغيير الدستور.
والجدير بالذكر ان الإمام رضوان الله عليه كان يتوسل بمنطقين: الأول هو ذلك المنطق الذي يريد أن يخاطب به العالم قائلاً لا حقّ لأحد أن يديننا، لأننا لا توجد لدينا قيم خلاف قيمكم. والثاني المنطق المبني على الفكر الإسلامي الدقيق. والذين لا يستوعبون هذا التعدد في المنطق يتصورون أن هناك تعارضاً في كلام الإمام. ولقد نُشرت أخيراً مقالة سعى فيها صاحبها للإشارة إلى التعارض في كلمات سماحة الإمام وأتى بأدلة على ادعائه هذا لمحاولة الاستدلال على أن موقف الإمام تغير بين الماضي والحاضر.
وللجواب على ذلك يجب أن نقول إن هذا التعارض الظاهري ناظر إلى تلكما المنطقين المذكورين.
وعلينا أن نعرف من الذي كان يخاطبه الإمام وعلى أساس أي منطق من هذين الاثنين. لقد قلت مراراً للأصدقاء من أهل العلم والتخصص إنه حتى القرآن فان منطقه ليس دائماً منطقاً برهانياً. إن القرآن يستخدم المنطق الجدلي في بعض الموارد. فهو يخاطب الذين يئدون البنات لكراهيتهم لهن، ثم يقولون في نفس الوقت ان الملائكة هم بنات الله، يخاطبهم قائلاً {ألكُم الذكر وله الانثى تلك إذاً قسمة ضيزى} أي ما هذه القسمة الظالمة، إنكم تريدون لكم ذكوراً وتريدون لله إناثاً، مع انكم تكرهون الأنثى..! فهذا منطق جدلي. يعني أن القرآن يقول لأولئك الذين قبلوا هذا الأصل، وهو أن الأنثى شيء سيء: لماذا تريدون لله شيئاً سيئاً لا تريدونه أنتم لأنفسكم؟ ولا يعني هذا أن كلامهم صحيح، أو ان كلامهم سيكون صحيحاً إذا ادّعوا أن لله ذكراً.
فمنطق القرآن منطق جدلي في مثل هذه المواضع، أي انه يخاطب الآخرين طبقاً لما لديهم من أصول يسلِّمون هم بها. إننا نواجه أحياناً من يتهموننا بالاستبداد والرجعية وفكر القرون الوسطى. فنقول مسايرة لهم: إننا لا ينقصنا شيء عنكم. فالرأي رأي الشعب، والانتخابات حرة، وعندما يصوت 98 بالمائة من الشعب لصالح نظام فانه سيتمتع بالاعتبار والمقبولية لأن الملاك هو رأي الشعب. فهذا منطق.
وأما المنطق الآخر فهو أننا نريد أن نوضح الفكر الإسلامي. إن الإمام الذي كان يتحدث كخبير بشؤون الإسلام يقول: إن الحكم هو حكم الله. ولكنه يقول من ناحية أُخرى: إن لحاكم المسلمين عند الضرورة أن يتخلف حتى عن الأحكام الفرعية للإسلام.
ولا يعني هذا ان من حق الحاكم أن يغير في أحكام الإسلام. إن بعض الأصدقاء وعشاق الإمام أيضاً يقعون في الخطأ أحياناً في فهم كلامه. فعندما نقول ان للولي الفقيه أو الحاكم الإسلامي الحق في تعطيل أحكام الإسلام الفرعية، طبقاً لوجهة نظر الإمام، فان هذا الكلام لا يعني أن الحاكم يمكنه أن يُحدث حكماً في مقابل الحكم الإلهي. ولكن في بعض الظروف تتعطل الأحكام الفرعية الثابتة عن طريق النقل، ويؤتى في مكانها بأحكام فرعية أخرى ثابتة.
وهنا فان الإمام، بصفته عالماً بالإسلام، وعلى دراية بمبانيه، ويعرف ملاكات الأحكام، يشخص أن الله تعالى لا يرضى بهذا الأسلوب من العمل. يعني أن الحكم الحقيقي للإسلام يجب أن يكون هنا شيء آخر.
إن الكاشف عن هذه الأحكام هو العقل. لأنّ الأحكام الشرعية يكون الكاشف عنها هو العقل تارة والنقل أُخرى. فعندما نقول إنه حدث تخلف عن الحكم الشرعي، أي الحكم الشرعي الثابت عن طريق النقل، فالمراد هو أن الإمام أو الحاكم العالم بمباني الإسلام قدّم الحكم العقلي على الحكم الفرعي المعروف. وطبعاً فان هذا الحكم العقلي هو أيضاً حكم شرعي كشف عنه الفقيه العالم بقضايا ومصالح الإسلام، لا أنه يحق له القول إن الله قال هكذا ولكني أريد العمل بخلاف ذلك.
ولهذا فانه عندما يقول الإمام ان للفقيه الحاكم الحق أن يأمر بما يخالف الأحكام الفرعية للإسلام، فان هذا لا يعني تجاهل حكم الله، بل المراد هو الكشف عن حكم كان خافياً حتى الآن عن الآخرين وهو بما يتمتع به من إحاطة بالمصالح والقيم الإسلامية وعلم بالمباني والملاكات وأنس بكتاب الله وسنة رسول الله، أكثر علماً بما تتعلق به الارادة التشريعية الإلهية هنا. وههنا توجد مصلحة أقوى ومراعاتها أيضاً هي حكم إلهي وليست أمراً مخالفاً للحكم الإلهي أو ناسخاً له.
وعلى العموم، فان الجمهورية مقولة يتوقف اعتبارها عندنا على اعتبارها عند الإمام، فلو كان الإمام قال بسواها لقبلناه. ولو شخّص المسلمون وعلماء الإسلام الحقيقيون يوماً ما، على سبيل الافتراض، ان مصلحة الإسلام تقتضي أن تكون هناك سلطتان أو أربع بدلاً من الثلاث في البلاد، أو بأي صورة أخرى لا نمتلك الآن تصوراً صحيحاً لها، فان ذلك سيكون معتبراً أيضاً لدينا حينذاك، وبالطبع فان المسلمين سوف يصوتون أيضاً لصالح هذا الرأي.
وعندئذ سيكون للحكم المذكور منشآن للاعتبار: الأول شعبي، والثاني إلهي.
ولا بأس أن أذكّر أيضاً بنقطة أُخرى في نهاية حديثي، وهي أنه يقال أحياناً ما هي صيغة هذه الجمهورية الإسلامية، ومن أين جاءت؟
إنه ينبغي علينا أن نعلم أن اصطلاح (جمهورية) في الفلسفة السياسية هو اصطلاح لا يوجد له شكل خاص ومحدد وغير قابل للتغيير، فأحياناً يستخدم في مقابل (الملكية)، وأحيان يُستخدم في مقابل (الديكتاتورية) وتارة أخرى في مقابل (الفاشية) . فلو تأملنا في قوانين الدول التي تدار في العالم بالنظام الجمهوري لرأينا أنه حتى النظام الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي السابق كان جمهورياً وأن المناطق التابعة له كانت تسمى بالجمهوريات السوفيتية. كما أن هناك جمهورية في أمريكا، وجمهورية في فرنسا، وجمهورية في مكان آخر، وفي نفس الوقت فان نفس أولئك الذين يرفعون لواء الحرية والديمقراطية والشعبية أغلبية أنظمتهم ملكية، كانجلترا وبلجيكا وهولندا وتايلند والدانمارك والسويد على سبيل المثال، فان أنظمتهم مازالت ملكية. فلا ينبغي إذاً أن نتخيل أن الجمهورية في العالم ذات صيغة معينة وغير قابلة للتبديل.
وللوصول إلى هذا الهدف فان شعبنا رأى أن مصلحته تقتضي الكفاح ضد النظام الملكي البهلوي وإقرار نظام الجمهورية. لقد جاهد الإمام في الحقيقة ضد حكومة كانت تستند في ملاك مشروعيتها إلى الحكم الوراثي، وأبدلها بحكومة جمهورية. وأما شكل وخصائص الجمهورية فعلى الشعب أن يحددها بناءً على الموازين الإسلامية وطبقاً للمصالح المستجدة في ظروف الزمان المتغيرة.
ولكنّ المسلّم به هو المحافظة على القيم والأحكام الإسلامية التي يجب أن يهتم بها الحاكم الإسلامي والشعب في كل حال من الأحوال.

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية