خطبة الجمعة 24-8-2001 م
أولاً: أصلاً لا ولاية لأحدٍ على أحدٍ إلا لله الذي له الولاية
التكوينية والتشريعية الشاملة الكاملة.
ثانيا: تثبت الولاية التشريعية التبعية المتفرعة على ولاية الله
لمن جعل الله هذه الولاية فتجب طاعته في أمره ونهيه، وهي بالأصل
طاعة الله.
فأنت حين تطيع رسول الله صلى الله عليه وآله إنما تطيع أمر الله عز
وجل أولاً وبالذات وما طاعتك لرسول الله صلى الله عليه وآله إلا
لما وراءها من خلفية إطاعة الله، والانصياع إلى أمره ونهيه الذي
كتب عليك أن تطيع رسول الله. وهذه الولاية التبعية ثابتة للرسول
الله صلى الله عليه وآله ولخلفائه المعصومين عليهم السلام بلا أدنى
شكٍ عندنا.
ثالثاً: ويبحث عند الفقهاء هل ولاية الحكم والأمر والنهي في مجال
الحكومة قد جعلت لغير المعصومين الخلفاء لرسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم في حال غيبتهم عليهم السلام؟ أما غيرهم – غير الفقهاء –
ولولا كانوا من المؤمنين المتفقهين العدول فلا بحث فيهم إذا لم
تثبت ولاية الفقيه، فلا أحد ينتهي إلى هذه النتيجة من الفقهاء، وهي
أن الفقيه لا ولاية له أما الذين دونه مرتبةً فلهم الولاية.
هذه النتيجة مرفوضةٌ نهائياً عند كل الفقهاء. بعد أن لم تثبت ولاية
الفقيه لا تثبت لأحدٍ قطعاً من دونه قطعاً وبدرجةٍ أولى. فكلما
قلنا بأنه لا ولاية للفقيه قلنا لا ولاية لمن دونه من العلماء
العدول فضلاً عن من هو أقل منهم شأناً كغير العالم الديني ومن فقد
العدالة بغير العالم الديني وإنما يكون جاهلاً مثلاً في الدين ومن
فقد العدالة التي تؤهله للمراكز الدينية التي يعد مركز الولاية
أكبرها وأشدها تصلباً للعدالة.
فمن التوهم الساقط جداً أن يقال بأنه لا ولاية للفقيه وهذا يعني أن
الولاية ثابتةٌ عند الفقهاء لغيره، ومن الواضح جداً أن أي فقيهٍ
تثبت عنده الولاية في غيبة المعصوم عليه السلام لا يقدم أحداً على
الفقيه في ذلك وهو القدر المتيقن الذي لا شك فيه، ومن لم تثبت عنده
الولاية للفقيه فهو لا يثبتها لغيره بدرجة أولى وأوضح، هناك أكثر
من دليل على ولاية الفقيه. بعض أدلة ولاية الفقيه فيه إطلاق لمساحة
كبيرة جداً، هناك دليلٌ لفظي لولاية الفقيه يدرك هذا الدليل لفظي.
هل من لسانه أن يشمل غير الفقيه؟ أو أن لسانه وخطابه يقتصر في جعل
الولاية على الفقيه؟ الاطلاقات الموجودة عندهم والتي تعتمدون عليها
هي اطلاقات لا تتجاوز الفقيه. هناك دليلٌ عقلي على ولاية الفقيه
وهذا الدليل العقلي كما يقولون له قدرٌ متيقن وهو الفقيه. إذا أثبت
الدليل العقلي ولاية الفقيه وسألنا هذا الدليل العقلي.. إذا قام
الدليل العقلي على إثبات الولاية لأحدٍ على أحد، يشك هل هذه
الولاية التي يراها العقل لأحدٍ على أحدٍ في الناس بعد ولاية الله
وبعد ولاية المعصوم عليه السلام هل هي واسعةٌ تشمل الفقيه وغير
الفقيه؟ أو هي ضيقةٌ لا تشمل إلا الفقيه؟ يقولون هنا قدرٌ متيقن،
يعني نعلم يقيناً أن هذا الدليل له مصداقٌ أظهر، له مصداقٌ قطعيٌ،
مصداق من له الولاية هو الفقيه أما من دونه فمشكوكٌ، فلا يثبت
بدليل العقل ولاية له من دون الفقيه لا يثبت لا بالدليل اللفظي ولا
بالدليل العقلي ولاية له وإنما إذا ثبتت الولاية إنما تثبت للفقيه
وهي في غيبة المعصوم عليه السلام، نعم، عند عدم الفقيه يأتي البحث
في ولاية عدول المؤمنين ممن لهم تفقه، ومن الواضح جداً أن أي فقيه
تثبت عنده الولاية في غيبة المعصوم عليه السلام لا يقدم أحداً على
الفقيه في ذلك وهو القدر المتيقن الذي لا شك فيه، ومن لم تثبت عنده
الولاية للفقيه فهو لا يثبتها لغيره بدرجةٍ أولى وأوضح. والفقهاء
يسمون من ليس فقيهاً عاميا، وإن كان هذا الشخص يتمتع بمستوىً علميٍ
جيد، أو كان مهندساً متقدما، أو طبيباً حاذقا، أو سياسياً كبيراً
وله خبرته واطلاعه السياسي الممتاز. والعامي هنا ليس بالمعنى
السائد في الأوساط العرفية وإنما يعني هذا اللفظ الفاقد للفقاهة
بمعناها الاصطلاحي، من كان فاقداً للفقاهة بمعناها الاصلاحي يسمى
في عرف الفقهاء بأنه عامياً، ولولا كان مقارباً للاجتهاد، وبعد لم
يجتهد، وهي القدرة على استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها المقررة
حسب الموازين والطرق المتعارفة عند الفقهاء المتضلعين رغم اختلافهم
على المستوى الثقافي، وهذا العامي مقطوعٌ عندهم بأنه لا ولاية له
بعد القول بعدم ولاية الفقيه وإن كان من المؤمنين العدول.
رابعاً: الخلاف عندهم ليس في أصل الولاية فهم يثبتونها على مستوى
تمشية أمور الوقف ومال اليتيم ومجهول المالك والخمس مثلا. وإنما
الخلاف على اتساعها لمسألة إقامة الحكم وتشكيل الحكومة وممارسة
الصلاحيات التي تتطلب التصرف في المال والنفس وإن كان ضمن الأحكام
الشرعية المقررة، ونتائج الصناعة الفقهية الدقيقة.
خامساً: نجد السيد الخوئي رحمه الله وهو ممن لا يذهب إلى الولاية
السياسية قد تصدى عملياً كما هو المنقول لأعمال الولاية في الدائرة
محل النزاع عند الحاجة في ظروف الانتفاضة الشعبانية ولم يتوقف
فقهياً في ذلك. فتولى ولاية الفقيه ومارسها بشكل عمليٍ كما هو
المنقول.
سادساً: النتيجة من هذا المرور السريع بالمسألة هي أن الذين
يناقشون ولاية الفقيه في عالمنا الإسلامي اليوم لينفوها عن الفقهاء
توصلاً في نظرهم لإثباتها لأنفسهم واهمون جداً، قد يتصور البعض أنه
إذا انتفت الولاية عن الفقيه جاز لغير الفقيه أن يمارس هذه الولاية
وأظن أن هذا فهمٌ سائدٌ في بعض أوساط عالمنا الشيعي، وهو خطأٌ
كبيرٌ في التصور، ووهم فاضح، هؤلاء مخطئون إذا كانوا يراعون النفي
من الناحية الشرعية، ولا يريدون مخالفة الحكم الشرعي، نعم، من
انطلق في تقرير مسألة الولاية من منطلقٍ آخر وهو أن الشعب له ولاية
على نفسه، أن الفرد من أبناء الأمة له ولاية كاملة على نفسه يستطيع
أن يتصرف فيها على منأى من إرادة الله، لو صار المنطق هو هذا فصحيح
أن الانتخاب – انتخاب الكل – يعطي الولاية لهذا الشخص أو ذاك. أما
انتخاب البعض، وإن كان الأكثرية، فلا يصح في ميزان العقل أيضاً أن
يعطي الشخص المنتخب ولاية على 49% بعد أن وافق على الشخص 51%.
لماذا تسحب أصوات 49% بما فيهم من فلاسفة، بما فيهم من اقتصاديين
كبار، بما فيهم من سياسيين كبار، بما فيهم من حكماء، بما فيهم من
فقهاء، المهم نحن والميزان الشرعي، الميزان الشرعي لا يسمح بعد
انتفاء الولاية عن الفقيه أن تثبت هذه الولاية لأحدٍ من دونه، لأنه
إذا كان الفقهاء يحرم اتباعهم في أمر الولاية فهو أكثر حرمةً
بالنسبة لمن يحاولون هذه المحاولة، وهم بذلك حين يحاولون أن يقيمون
الدليل على انتفاء ولاية الفقيه هم بذلك يقيمون الدليل على عدم
أهلية من ليس بفقيه لهذا المنصب الذي يرون حرمته على من هو أكفأ
وأولى.