مركز الصدرين للدراسات السياسية || الدراسات السياسية

الاستفتاء الشعبي في ضوء النظرية الاسلامية
الشيخ قاسم الابراهيمي


نصت المادة الاولى من دستور الجمهورية الاسلامية في ايران، على ان نظام الحكم في ايران، هو الجمهورية الاسلامية، وقد صوت الشعب الايراني على ذلك باكثرية 98.3% ممن كان لهم حق التصويت، خلال الاستفتاء الذي جرى في العاشر والحادي عشر من فروردين سنة الف وثلاثمئة وثمان وخمسين هجرية شمسية، الموافق للاول والثاني من جمادى الاولى سنة الف وثلاثمئة وتسع وتسعين هجرية قمرية.
يظهر من النص المتقدم، بوضوح، ان هناك ربطا ما بين تقرير نوع نظام الحكم في ايران ونتيجة استفتاء الشعب الايراني على الجمهورية الاسلامية بالنسبة المتقدمة، فما هو المراد بالاستفتاء؟ وما الفرق بينه وبين سائر المصطلحات المشابهة كالانتخاب والتصويت والاقتراع وغيرها؟
ثم ما هي فلسفة الاستفتاء؟ هل يوجب المشروعية لما صوت عليه في القانون الوضعي او الشرعي؟
وما هو الدليل على المشروعية؟ والتصويت Suffrage: voti: صيغة تفعيل، تستعمل لافادة الكثير، مأخوذة من الصوت لغة، وهو معروف[1].
واصطلاحا يراد به عملية اخذ الرأي والادلاء به في ما يرتبط بموضوع معين، او لانتخاب مرشح لمنصب ما[2]. ويرادفه معنى الاقتراع Ballot [3].
وينقسم التصويت، بحسب الموضوع، الى الاستفتاء والانتخاب.
الاستفتاء Refrendum
الاستفتاء، لغة، مشتق من فتي، او فتو، وهو اصل يدل على تبيين حكم، كما صرح بذلك ابن فارس في معجم المقاييس وغيره[4].
لكن الفعل منه مزيد بالهمزة في اوله، يقال: افتى الفقيه، في المسألة، افتاء اذا بين حكمها[5] والفقيه يفتي، اي يبين المبهم[6]. والفتيا والفتوى اسمان من الافتاء[7] والاستفتاء طلب الفتوى والحكم، يقال: استفتيت اذا سألت عن الحكم، قال الله تعالى: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة..}[8]، ومنه التفاتي، وهو التحاكم[9]. لكن بعض اهل اللغة ارجع الفتوى الى الفتى، وهو الشاب الحدث القوي، لانها جواب في حادثة، او احداث حكم، او تقوية لبيان مشكل[10].
اما، اصطلاحا، في حقل السياسة، فيراد به طلب رأي الشعب في تشريع معين. فيختص بكون المستفتى هو عموم افراد الشعب اولا، وبكون المستفتى فيه هو القانون والتشريع ثانيا، بخلاف الانتخاب الذي يكون على الاشخاص المرشحين لاحتلال مناصب حكومية.
تقسيمات الاستفتاء[11]
للاستفتاء تقسيمات عديدة نذكر اهمها في ما يأتي:
1ــ الاستفتاء الاستشاري والاستفتاء التصديقي
يراد بالاستفتاء الاستشاري الاستفتاء الحاصل بشأن تشريع لم يجر اقراره من قبل المجلس النيابي، فيعرض، اولا، على ابناء الشعب، ثم يحال على المجلس النيابي لاقراره او رده.
وانما يستهدف بعرضه على الشعب ــ رغم ان القرار النهائي للمجلس النيابي ــ الاستئناس برأي الشعب، وجس نبض توجهاته العامة، ومعرفة مدى ما يحظى به المشروع من التأييد والدعم في اوساطه، ليجعل ذلك كله اساسا لما يترتب عليه، او يتخذ بشأنه من خطوات في ما بعد.
واطلاق لفظ الاستشاري عليه، لانه مع عدم اقراره من قبل مجلس النواب لا يتصف بصفة التصديق، بل يكون اشبه بالاستشارة والاستطلاع.
اما الاستفتاء التصديقي، فيراد به الاستفتاء الحاصل من قبل افراد الشعب بشأن تشريع جرى اقراره والتصويت عليه من قبل المجلس النيابي، بغرض التصديق عليه من قبل الشعب، ليكتسب صفة القانون بشكل نهائي، فرأي الشعب فيه هو الموجب لقطعية قانونيته، ووضعه نهائيا موضع التنفيذ، ولذا فهو يحظى بالاهمية من الناحية التشريعية.
2ــ الاستفتاء الاجباري والاستفتاء الاختياري
يراد بالاستفتاء الاجباري الاستفتاء الذي الزم القانون باجرائه، ويقابله الاستفتاء الاختياري الذي تكون السلطة مخيرة في اجرائه او عدم ذلك.
ويختص الاستفتاء الاجباري، عند كثير من الدول، بالقوانين الدستورية والتعديلات الداخلة عليها فقط، في حين يكون الاستفتاء الاختياري شاملا لباقي القوانين، فيجري اقرارها من قبل المجلس النيابي ما لم تكن ضرورة وحاجة ملحة لاجراء الاستفتاء بشأنها.
لكن بعض المقاطعات السويسرية اعتمدت اجراء الاستفتاء الاجباري بالنسبة الى جميع القوانين، مستغنية بذلك عن المجلس النيابي، او مقتصرة في دوره على اعداد مسودات القوانين.
وهو اجراء معرض للنقد من عدة جهات:
الاولى: انه يفرض نحوا كبيرا من المحدودية على حركة النظام وفاعليته في مواكبة تطورات العصر، ودوره في مواجهة الظروف الطارئة التي قد يتعرض لها البلد في كثير من الاحيان.
الثانية: انه ينيط الامور التي تحتاج الى مبلغ من العلم، وقدر من المعرفة، وقدرة على التشخيص، بعوام الناس الذين قد يشكل من لا قدرة لهم على التشخيص قدرا معتدا به منهم، بل قد لا يولي اكثرهم اهتماما بكثير من القرارات الصادرة، ما يجعل عملية التصويت امرا صوريا ومشاركة دون المستوى المطلوب..
الثالثة: انه يصعب اجراء الاستفتاء العام، في كل قانون، من الناحية العملية، ولهذه الاسباب وغيرها لم يلق هذا النمط من الاجراء قبولا عند اكثر دول العالم.
اما دستور الجمهورية الاسلامية، فلم ينص على وجوب استفتاء اجباري الا في القضايا الحساسة والمصيرية كالقضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية المهمة، وبعد مصادقة ثلثي اعضاء مجلس الشورى الاسلامي على القيام باستفتاء عام[12].
ومع ذلك، فقد اجري الاستفتاء العام في الجمهورية الاسلامية حول نوع نظام الحكم في الاسلام، واجري حول اقرار الدستور عام 1979 ميلادية، وثالثة عند اعادة النظر فيه عام 1989 ميلادية.
3ــ الاستفتاء الدستوري والاستفتاء المطلق
والاستفتاء الدستوري هو الاستفتاء الحاصل بشأن مادة قانونية من مواد الدستور، اما الاستفتاء المطلق فهو الاستفتاء الحاصل في مادة قانونية من مواد الدستور او غيره.
لمحة عن تاريخ الاستفتاء[13]
كان الشعب، في بعض المدن اليونانية القديمة، يمارس السلطة السياسية بصورة كاملة، فيقوم باصدار القوانين وتعيين الموظفين الحكوميين بحرية تامة، وعلى اساس الاكثرية في ما يسمى اليوم بالحكومة المباشرة.
الا ان الشعب، في ذلك الوقت، لم يكن يتألف من المواطنين جميعهم، اذ كان العبيد والاجانب ممنوعون من ممارسة العمل السياسي.
وعند الرومان، كانت مجالس الشعب تمارس عملية وضع القوانين ايضا، وكان مجلس الشعب يتكون من السكان الاحرار القادرين على حمل السلاح، وينتظمون في قبائل ثلاث تتكون منها المدينة.
وقد نظمت هذه القبائل بحيث يشترك افرادها في الاستفتاءات التشريعية وادارة شؤون المدينة، فقسمت كل قبيلة الى عشر وحدات، يطلق على كل وحدة اسم Curia.
وكان التصويت، داخل هذه المجالس، يتم على اساس الوحدات، حيث كان لكل وحدة صوت واحد هو صوت اغلبية افرادها، وبموافقة اغلبية الوحدات الثلاثين.. يصبح القرار المعد نافذ المفعول، ولم يكن لهذه المجالس حق تعديل القرارات المعدة، فينحصر دورها بالقبول والرد، وهو اشبه بما يكون بالاستفتاء.
لكن هذه المجالس كانت تختص بطبقة الاشراف من دون العامة والنزلاء اللاجئين.
وفي عهد الملك الاتروسكي سرفيوس توليوس، قسمت المدينة الى احياء، فاصبحت كل قبيلة تشكل حيا من احياء روما يدخل فيها العامة والاشراف، وانشئت المجالس المئوية التي تضم طبقتي العامة والاشراف، ومنحت لهذه المجالس صلاحيات تشريعية واسعة.
وفي العام 471ق.م، صدر قانون بيبليا الذي قرر انشاء مجالس خاصة بالعامة تصدر قرارات تشريعية، بناء على اقتراح حكام العامة، سميت بمجالس العامة. وكان نظام هذه المجالس على غرار المجالس الشعبية المختصة بطبقة الاشراف، لكن قوانينه لم تكن ملزمة لرجال طبقة الاشراف.
وفي العام 387ق.م، صدر قانون «هورتنسيا»، فسوى بين قرارات المجالس العامة ومجالس الشعب، فاصبحت قوانين المجلسين ملزمة لافراد الطبقتين.
ولقد استمر نظام عمل المجالس الشعبية حتى اواخر القرن الاول للميلاد؛ حيث فقدت سلطاتها التشريعية، وانتقلت هذه السلطات، في حكم الملك «هادريان» (117 ــ 138م) الى مصدر آخر، اذ اعترف لمشورة مجلس الشيوخ بقوة التشريع، فحلت قراراته محل قرارات مجلس الشعب، ثم التف عليها تدريجيا، ونقلها اليه في ما بعد.
لكن ظاهرة الاستفتاء لم تتوقف، اذ كان يجري تطبيقها في مجال الاستفتاء التشريعي، او الاستفتاء السياسي الذي يبغي فيه الحاكم الحصول على صلاحيات اكبر مما هو ممنوح له.
وقد طبقت سويسرا اسلوب الاستفتاء الدستوري منذ عام 1803م، واقرت بعض الكونتينات (الولايات) السويسرية حق الاقتراع والاستفتاء بالنسبة الى القرارات جميعها: دستورية، او عادية، منذ العام 1830، وادخلت الحكومة الوطنية الاستفتاء الدستوري الاجباري في دستورها عام 1891م.
كما طبق اسلوب التشريع المباشر في جمهورية فيمار الالمانية، عام 1919، ثم رجع عنه عام 1933. ونص الدستور الفرنسي، الصادر عام 1958، على اجراء الاستفتاء الاجباري في التعديلات الدستورية، واخذ به الدستور السويسري ايضا.
واليوم، يتفق ما يقرب من نصف دول العالم، ومنها استراليا والنمسا والدانمارك وايرلندا واليابان، على اشتراط موافقة الشعب على التعديلات الحاصلة في مواد الدستور، فضلا عن اصله.
مشروعية الاستفتاء الشعبي
من المباحث المهمة، الواقعة في مطلق التصويت والاقتراع، فضلا عن خصوص الاستفتاء، البحث عن اثبات مشروعية التصويت الاستفتاء الشعبي وتخريجها من الناحية النظرية. وهذا الموضوع يمكن بحثه تارة بقطع النظر عن مفاد الادلة، بدعوى ان تصويت الاكثر لصالحه يكون في نفسه دليلا على المشروعية، واخرى بالبحث عن مشروعيته ضمن اطار الادلة، فالبحث عن مشروعية الاستفتاء يقع في مقامين:
المقام الاول: مشروعية الاستفتاء الشعبي بقطع النظر عن الادلة
غني عن البحث، شرعا ووضعا، ان القرار الصادر، او الفعل الحاصل، من جهة حقيقية، او حقوقية، فردية او اجتماعية، لا يستمد شرعيته وعدمها من مجرد اجتماع الناس عليه واطباقهم على تأييده، او ردهم له وهجرهم اياه. وانما يستمد المشروعية وعدمها من مطابقته للقواعد الشرعية او الموضعية المقررة كما مر بنا تقريره سابقا في مقالة انظمة الحكم السياسية[14].
وحينئذ، فان القول بمشروعية الاستفتاء، حتى الاجماعي منه، لا ينبغي قبل عرض الاستفتاء على القواعد واحراز مطابقته لها.
فما يراه بعض عوام الناس من ملازمة اجتماع الناس على امر، بل ذهاب اكثرهم اليه للمشروعية، سواء كان ما ذهبوا اليه موافقا لما تقتضيه القواعد ام مخالفا، باطل جدا؛ اذ ان المشروعية ليست ثابتة لتحقق الاجتماع بوصفه لازما ذاتيا حتى يقتضي تحققه ثبوتها، بل المشروعية الذاتية من لوازم الحكم العقلي القطعي وحده من دون سائر الادلة.
نعم، ربما ثبتت المشروعية لما يجتمع الناس عليه ان امكن ارجاع الاجتماع الى قاعدة معتبرة، كقاعدة حساب الاحتمالات، او قاعدة المشهورات العقلانية، او قاعدة الاجماع، وحينئذ تكون شرعية مكتسبة من جهة القاعدة لاذاتية.
المقام الثاني: مشروعية الاستفتاء الشعبي ضمن اطار الادلة
اذا اردنا ان نبحث عن مشروعية الاستفتاء الشعبي ضمن اطار الادلة، فتارة نبحث عن ذلك من جهة مشروعية عمل الاستفتاء نفسها، واخرى من جهة مشروعية تنفيذ القرار المصوت عليه بالاستفتاء.
الجهة الاولى: مشروعية اجراء الاستفتاء
لا اشكال في جواز الاستفتاء، شرعا ووضعا، اجراء من قبل السلطة والجهة المعنية باجراء الاستفتاء، او مشاركة من قبل افراد الشعب المشمولين بقرار الاستفتاء.
اما وضعا فلعدم وجود ما يمنع من اجراء الاستفتاء، او المشاركة فيه، لا من الشرع لعدم الاعتقاد بشيء وراء عالم المادة والطبيعة، او عدم الاعتقاد بوجود قوانين له تتعلق بحياة الانسان ومعاشه ونظم حياته الدنيوية، ولا من الطبع لملاءمة فعل الاستفتاء لطبع الانسان المفطور على حب الحرية في اتخاذ القرار لنفسه الموجب لترشح الحب الى مقدماته التي منها فعل الاستفتاء، ولا من الوضع بعد فرض ان الوضع قرر اجراء الاستفتاء.
نعم، قد يكون منافيا لطبع السلطة باعتبار ان نتيجة الاستفتاء، من قبلها، قد يكون في غير صالحها، ما قد يؤدي الى تحديدها وتقييدها ومنعها مما تريد عمله، لكنه لا يرجع الى حكم فعل الاستفتاء، بل الى ما يستفتى بشأنه وما يترتب عليه من آثار.
اما شرعا، فلادلة الاباحة والبراءة الشرعيتين والعقليتين، واستصحاب عدم الحرمة الثابت قبل التشريع الجاري جميعها في المكلف الاعم من كونه شخصا حقيقيا، او جهة حقوقية.
الجهة الثانية: مشروعية تنفيذ قرار الاستفتاء
القرار المصوت عليه بالاستفتاء اما ان يوافق عليه جميع الافراد الذين لهم حق التصويت، فيكون قرارا اجماعيا، او يوافق عليه اغلب المشاركين في التصويت فيكون بالاكثرية.
(الف) ــ مشروعية تنفيذ القرار الاجماعي:
لا اشكال في انه يجوز للسلطة تنفيذ القرار الاجماعي في حق نفسها، وحق غيرها، تكليفا ووضعا.
اما جوازه تكليفا على القانون الوضعي، فلعدم منافاة القرار الاجماعي لحكم الشرع، لانه قضية سالبة بانتفاء الموضوع؛ اذ لا تصديق بقوة وراء عالم المادة والطبيعة حتى يكون حكمها نافذا ويحرم مخالفته، ولو فرض وجود مثل تلك القوة، فهي، وفاقا للقانون الوضعي، لا حكم لها في ما يرتبط بحياة الانسان الدنيوية وقوانينها ان كانت، فهي ترتبط بالجانب التربوي والروحي والاعتقادي من دون ما سوى ذلك، فالاصل الحاكم، في كل ما يرتبط بالحياة الدنيوية، هو الاباحة والجواز.
اما جوازه وضعا بمعنى ترتب الآثار المقصود ترتيبها على القرار الاجماعي، من مصادرة ملكية، او فرض ضريبة، او منع حق وحرية، او غير ذلك، فلمقتضى دليل سلطة الناس على اموالهم وانفسهم وحقوقهم الثابت، لا بدليل الشرع، بل بدليل اصالة احترام الانسان وحرياته وحقوقه المستفادة احتمالا بل قطعا من حكم العقل بذلك، ومما يتفرع على السلطة جواز الاذن للانسان في ما هو عائد له.
وقد اذن جميع الناس بمقتضى موافقتهم الاجماعية على القرار في كل ما يترتب عليه من آثار وضعية بالملازمة.
اما جوازه، تكليفا ووضعا، عند الشرع فلان الشرع اناطهما باذن صاحب المال والحق، وقد اذن بالاقتضاء المتقدم، وجريان اصول الاباحة والبراءة العقليين والشرعيين والاستصحاب الازلي بالنسبة الى جواز تصرف السلطة نفسها في ما هو عائد لها.
نعم، قد يناقش في كون قبول القرار قبولا لجميع لوازمه التي تترتب عليه بالمنع من ذلك. وهو لا مانع منه، لان الامر في ذلك يدور مدار وضوح الملازمة واللوازم وخفائها مما هو موكول الى العرف، فيلتزم بالنفاذ مع وضوح وبعدمه مع علمها، وهذا سبب جيد للزوم صياغة مشروع القرار والقانون المراد تنفيذه من قبل الشعب بالاستفتاء صياغة واضحة ومبينة لحدوده وابعاده.
لكن الاستفتاء الاجماعي مما يتعسر حصوله، ان لم يتعذر، لقطعية حصول المخالفة من بعضهم في كل قرار تشريعي، فهو بالفرض اشبه منه بالواقع.
2ــ مشروعية تنفيذ القرار المقر بالاكثرية
يواجه هذا الاستفتاء مشكلة عويصة، على الصعيد النظري، من شأنها ان تطيح بفكرة الاستفتاء من الاساس، ما دعا بعض المفكرين الى بذل محاولات جادة لحلها، فنحن نتعرض لبيان مشكلته، اولا، ثم نبين اهم المحاولات المبذولة لحلها.
مشكلة الاستفتاء الاغلبي
من المقرر والمتسالم عليه، شرعا ووضعا، ان الاصل الاولي، عند الشك في مشروعية شيء او عدمه، هو المشروعية والجواز لما تقدم من اصول الاباحة والبراءة والاستصحاب وقاعدة السلطة.
لكن هذه القواعد انما تثبت مشروعية الاستفتاء وجوازه، من ناحية الحكم التكليفي باصطلاح فقهاء الشريعة، وكذا الوضعي في ما يتعلق بشخص الموافق على مشروع القرار المعروض للاستفتاء.
اما الاحكام الوضعية ذات الآثار المتعلقة بالغير، مما تقتضيه طبيعة الاحكام الاجتماعية غالبا ــ كالقرارات المتعلقة بالضرائب المالية والرسوم الجمركية، والخدمات المدنية المستلزمة لهدم المنازل، ومصادرة الاراضي، واحكام الالتزامات والاتفاقات الثنائية وعقودها، واحكام الدعاوى والمرافعات وقواعد القضاء والحقوق المدنية، بل وحتى الاجراءات الادارية من استصدار هويات الاحوال المدنية، وشهادات الجنسية وجوازات السفر، وقوانين المرور التي تعد في نفسها امورا اعتبارية وضعية ــ فلا تكليف فيها نفسها، ولا مؤونة، لكنها بلحاظ ما يترتب عليها من اجراءات والزامات وآثار وتبعات توجب تقييدا لحرية الانسان في التعامل والتصرف في ما هو تحت اختياره وسلطنته، كسفره الى خارج البلاد، وحركته في الشارع وتعليمه والتصرف في امواله، الى غير ذلك، فالاصل عدم المشروعية والجواز.
اما على اساس مبادئ الفقه الوضعي، فلان الاصل الاولي فيه اصالة احترام الانسان واحترام حرياته وحقوقه وملكياته، وهذه القوانين المصوت عليها، من قبل الاكثرية، تحد من حريات الاقلية المخالفة والممتنعة، وتحد من تصرفاتهم في حقوقهم واملاكهم وسائر معاملاتهم.
اما على اساس قواعد الفقه الشرعي فلمنافاتها للسلطة الشرعية والعقلية للناس على انفسهم واموالهم وحقوقهم، ايضا، ولاصل عدم ثبوت ولاية لاحد على احد.
وحيث ان الغالب، في الاستفتاءات، هو الاستفتاء بالاكثرية، فقد عد كثير من فقهاء الشريعة والقانون هذا الاشكال مشكلة اساسية من مشكلات العمليات الاستفتائية والانتخابية، وتعرض اساس شرعيتها وكل ما يترتب عليها من آثار للتزلزل والضعف.
محاولات التصحيح
اثارت مشكلة مشروعية التصويت، وليس الاستفتاء فحسب، قلقا بالغا لدى المفكرين، وشغلت حيزا مهما من تفكيرهم، ولذا تصدى كبار الفلاسفة، مثل هوبز ولوك وروسو، وبعض الفقهاء الاجلة الى تصويب عملية التصويت بما يتخرج معه الزام رأي الاغلبية للاقلية. لكن بعض هذه المحاولات تركز على الانتخاب من دون الاستفتاء، ما اضطرنا الى تجاوزها وعدم التعرض لها هنا. اما بعضها الآخر فنحن نستعرض اهمه في ما يأتي بعد صياغة تتلاءم وطريقة البحث الفقهي، لكن ربما ادى اجمال المحاولة وعدم وضوح مراد صاحبها وطبيعة المباني المعتمدة فيها الى تعدد صياغاتها.
المحاولة الاولى: تبلور الارادة العامة
رأى هوبز ان العقد الاجتماعي هو اتفاق بين افراد المجتمع لاعطاء بعض افراده مقاليد السلطة والحكومة على الناس، ورأى لوك انه اتفاق بين السلطة الحاكمة والرعية المحكومة على ان تحمي السلطة حياة المواطنين وحقوقهم وملكياتهم مقابل اقرار الناس لها بالطاعة والخضوع.
اما جان روسو فرأى انه ثنائية تقوم بين السلطة وافراد المجتمع، وتنوع في الادوار، واختلاف في الحقوق والواجبات، ما يخلق فجوة بين الحاكم والمحكوم، وخللا في تسويغ الطاعة المفترضة للرعية والسيادة للحاكم، جاعلا من ذلك مصدر مشكلة الانظمة السياسية.
ولهذا السبب، فقد حاول روسو، في كتابه: «العقد الاجتماعي»، حل هذه المشكلة، وبذل كل ما في وسعه للقضاء على هذه الثنائية، ورفع هذا التنوع والاختلاف، وصناعة مجتمع ونظام يظل الانسان، رغم اتحاده فيهما مع الجميع، يطيع نفسه فقط.. ويبقى حرا كما كان من قبل[15].
ويعتقد روسو ان القانون، في الحالة المثالية، ينبغي ان يكون التعبير عن الارادة العامة؛ والارادة العامة ليست ارادة انسان، ولا ارادة جمعية من الممثلين، وليست مجموع الارادات الخاصة ولا قرار الاكثرية[16] بل روح المواطنة التي تسعى نحو الصالح العام، فتصرف النظر عن الارادات الفردية، وتحدد الواجبات وتحافظ على المساواة بين جميع افراد المجتمع، فتلتزم دائما الحق من دون امكانية وقوعها في الخطأ[17]. وهو ما يؤدي الى حصول انتقال في الفرد من حالة الطبيعة الى الحالة المدنية، يتمخض عن تغير ملحوظ جدا في الانسان، لانه يحل القانون محل الغريزة في سلوكه، ويضفي على افعاله الفضيلة التي كانت تعوزها من قبل.
ومع انه، في هذه الحالة المدنية، يحرم نفسه من بعض المنافع التي تلقاها من الطبيعة الا انه يكسب نظير ذلك منافع اخرى عظيمة جدا.
وهذه النصوص والتصورات المعقولة عن هذا الفيلسوف يمكن حملها على احدى صيغ ثلاث هي:
الصيغة الاولى: صيغة التعويض
ان كل فرد من افراد المجتمع يحمل شخصيتين اثنتين: الاولى شخصيته الحقيقية بما تنطوي عليه من افكار ومعتقدات شخصية، ودوافع واحاسيس غريزية، نابعة عن حب الذات، والثانية شخصيته الحقوقية، بوصفه احد المواطنين.
كما ان عملية التصويت والاقتراع تتضمن، في الحقيقة، جانبين: اولهما جانب العطاء والبذل، المتمثل بالمشارك في عملية التصويت؛ اذ هو حين المشاركة والادلاء بالرأي يدلي برأيه الشخصي ضمنا بانيا على الاخذ برأي اكثرية افراد الشعب، ما يعني تنازله عن جميع ما يرتبط بشخصيته الحقيقية لصالح الجماعة.
والجانب الآخر جانب الاخذ والانتفاع الذي يعود على الفرد من طرف الجماعة المتمثل في الحكومة، فان اقرار رأي الاكثرية يعود على المجتمع ببعض الحقوق والحريات والمنافع التي تتوزع وتنبسط على الافراد بنحو يحصل فيه كل فرد من افراد المجتمع على قسط من هذه الحقوق والحريات والمنافع، مساو لما يحصل عليه سائر الافراد، وان غاير من حيث النتيجة ما كان عبر عنه من رأي لدى الاستفتاء.
نقد الصيغة الاولى
قد يوجه للصيغة المتقدمة النقد بعدم تكفلها حل مشكلة الزام رأي الاكثرية للاقلية؛ اذ غاية ما تكفلته النظرية انها عوضت الفرد عما خسره من منافع بما يعود عليه من طرف الجماعة، من دون ان تفسر الوجه في نفوذ رأي الاكثرية عليه.
لكن هذا النقد غير وارد لوضوح ان صاحب النظرية يفترض ان المشارك في عملية الاستفتاء قد تنازل عن رأيه لصالح رأي الاكثرية مع انكشاف مخالفته لها، ما يعني ان تبنيه للرأي المذكور لم يكن مطلقا، بل مشروطا بشرط متأخر هو عدم مخالفته لرأي الاكثرية. فلو بان الخلاف فقد انتفى الشرط، وبانتفائه ينتفي تبنيه للرأي اصلا. وبذلك يتحول رأي الاكثرية الى رأي مطلق، فيكون ملزما للجميع.
وانما النقد الوارد على النظرية بصيغتها هذه هو ان المستند على مثل هذا التنازل، من المشارك في عملية الاستفتاء، لوفرض وجوده في المقام، فانما هو الظهور الحالي للمشارك، مع انه على الاطلاق وعدم الاشتراط من قبل اكثر المشاركين اوضح واظهر، بدليل اصرارهم على ما اختاروه من رأي حتى بعد الاعلان عن نتائج الاستفتاء، فيكون ادعاء محضا لا دليل عليه.
الصيغة الثانية: صيغة انتفاء التعصب للرأي
وهي تعديل للصيغة المتقدمة بان يقال: ان المشارك، حين يدلي برأيه، لا يدلي به بشخصيته الحقيقية لوضوح ان حق الاستفتاء الثابت له ثابت له بوصفه مواطنا وفردا من افراد المجتمع، لا بما هو انسان، ولو كان اجنبيا.
ولهذه الشخصية اقتضاءات، من جملتها تخلي الانسان عن نظرته الفردية ودوافعه الشخصية ونوازعه ومنافعه الذاتية، والنظر الى القرار المطروح للاستفتاء، على اساس المصلحة الوطنية والاجتماعية التي تقضي بان تتساوى جميع الآراء المطروحة من حيث الاهتمام والاحترام، وان كانت تختلف من حيث التبني والاعتقاد، ما يؤدي الى انتفاء تعصب الفرد لرأيه لو بان عدم العمل به نتيجة انكشاف مخالفته لرأي الاكثرية اذ هو ــ بناء على النظرة الوطنية المحضة على حد سائر الآراء ــ لا ينتسب اليه كفرد، بل الى ابن الوطن.
ومعنى هذا ان اصحاب الرأي يدلون بآرائهم حين التصويت، وهم مصرون عليها لو بانت مخالفتها لرأي الاغلبية، وهذا تعبير آخر عن اشتراط تبنيها من قبلهم بعدم مخالفتها لرأي الاكثر المتقدم ذكره في الصيغة الاولى، فيتجه باقي البيان السابق.
نقد الصيغة الثانية
ان الصيغة الثانية، وان حاولت حل اشكال الصيغة الاولى من خلال ابراز وجه فني لتقييد تبني صاحب الرأي له بعدم انكشاف مخالفته لرأي الاكثرية، لكن الوجه البارز معرض للنقد والاشكال من وجهين:
اولا: ان حق الاستفتاء، وان ثبت للمواطن بوصفه هو لا بوصفه الانسان الشامل للاجنبي، فانه لا ملازمة بين ثبوت حق الاستفتاء للمواطن بهذا العنوان وبين اعمال الفرد له، بنحو يطغى فيه عنوان المواطنة عليه حتى يجرده عن الذاتيات فانهما حكمان على موضوعين مختلفين: الموضوع الاول الدولة والمجتمع ككل، والثاني الفرد، ولم يثبت ان يكون وجه الاعمال على هذا النحو، وان كان امثل.
ثانيا: ان صفة المواطنة التي سعي الى تغليبها بما تنتفي معه النوازع الذاتية لا تدفع تعصب الفرد لرأيه فحسب، بل ربما قوته لان الفرد حين يدلي برأيه انطلاقا من صفة المواطنة، يدلي به معتقدا بان المنافع العامة للوطن فيه، وسائر الآراء خلاف مصلحته.
الصيغة الثالثة: صيغة الكسر والانكسار
ان القرارات والقوانين الصادرة من قبل الجماعة كالقوانين الصادرة من قبل الفرد، فالامران لا يختلفان في لزوم صدورهما عن ارادة واحدة، غاية الامر ان الارادة في القرارات الاولى جمعية وفي الثانية فردية.
والاستفتاء اصدار قرار وقانون من قبل الجماعة، فلا بد من صدوره عن ارادة واحدة لا ارادات متعددة.
وحينئذ، فيتحتم توجيه اجتماع ارادات المستفتين بنحو يكون المجموع فيه ارادة واحدة للمجموع.
والتوجيه المقترح، وفقا لنظرية العقد الاجتماعي التي طرحها روسو، وبعد ما قلناه سابقا من ان للفرد في المجتمع شخصيتين: شخصية حقيقية وشخصية حقوقية اجتماعية هي شخصية الفرد بوصفه مواطنا، ان يقال: ان المشارك في عملية الاستفتاء، بل التصويت والاقتراع مطلقا الشامل للانتخاب ايضا، انما يدلي برأيه بما هو مواطن بحسب اعتبار الدولة.
وصفة المواطنة، من حيث هي مجردة عن الذات، فاقدة للامتيازات الفردية، فالارادة الوطنية النابعة منها تتأكد بتكاثر الافراد المشاركين ولا تتعدد، فيؤدي حصول التراكم في آراء الافراد، بالنسبة الى خيار معين، الى نشوء ارادة عامة قوية، بوصفها محصلة لتوافق آراء الاكثرية على هذا الخيار وارادات اخرى متفرقة وضعيفة تعبر عن آراء بعض افراد المجتمع المتفرقة، والصابة في صالح الخيارات الاخرى.
وحيث ان المجتمع ينظر اليه بوصفه جسما واحدا لا يعقل فيه بالنسبة الى الفعل الواحد سوى امرين: اما الاقدام عليه الكاشف عن استجماع الارادة في مرحلة سابقة، او الاحجام عنه الكاشف عن نكوصها وضعفها، فلا بد من حصول الكسر والانكسار بين الارادة القوية المعبرة عن رأي الاكثرية والارادات الضعيفة المعبرة عن آراء الاقلية، لتحصل من مجموع الكسر والانكسار ارادة متفردة يمكن معها نسبة القرار الجماعي اليها تماما، كما يحصل بالنسبة الى بعض القرارات التي يتخذها الافراد؛ حيث تحصل في نفس الانسان رغبة للفعل نتيجة وجود بعض المحسنات، ورغبة في غيره لوجود محسنات اخرى فيه، وعدم رغبة فيهما مثلا لترتب بعض المساوى من جهات اخرى عليهما، ثم بعد اجراء موازنة بين الدوافع والروادع والمحسنات والمساوئ وحصول الكسر والانكسار بينها، يخرج الانسان بنتيجة قطعية هي اما الاقدام على الفعل الكاشف عن غلبة ارادة الفعل على الترك او الاحجام عنها الكاشف عن العكس.
ولعل هذا هو مراد جان جاك روسو في ما عبر عنه بالارادة العامة، وان كانت عباراته ليست على هذا النحو من الوضوح، بل هي بعيدة جدا عن هذا البيان، واقرب الى تصوير الحالة المثالية لصفة المواطنة الكامنة في نفس المواطن كما تم تقريبها سابقا، ففي قصة الحضارة، نقلا عن كتاب العقد الاجتماعي: «ولكن ما هذه الارادة العامة؟ أهي ارادة المواطنين جميعهم ام ارادة الاغلبية فقط؟ ومن هم الذين يعدون مواطنين؟ انها ليست ارادة الجميع، لانها قد تناقض كثيرا من الارادات الفردية، ولا هي دائما ارادة الاغلبية الذين يعيشون (او يصوتون) في لحظة بعينها، بل هي ارادة المجتمع باعتباره صاحب حياة وواقع مضافين الى حيوات الاعضاء الافراد وارادتهم»[18].
ويفسر ول ديورانت مراد روسو فيقول: «روسو، بوصفه مفكرا واقعيا، من العصر الوسيط، ينسب للجماعة مجتمعة او للفكرة العامة واقعا بالاضافة الى واقع اعضائها الافراد. فالارادة العامة، او روح الجماعة، يجب ان تكون الصوت المعبر لا عن المواطنين الاحياء فحسب، بل عن الاموات، او الذين لم يولدوا بعد، ومن ثم فالذي يعطيها طابعها ليس هو الارادات الراهنة فحسب، بل تاريخ الجماعة الماضي واهدافها المستقبلة وما اشبهها باسرة عريقة تفكر في نفسها على انها واحدة، على مر الاجيال، وتكرم اسلافها، وتحمي اخلاقها»[19].
وينقل موريس كروزيه مفهوم الارادة العامة عند روسو فيقول: «الارادة العامة تصوغ القانون، والارادة العامة ليست ارادة انسان، ولا ارادة جمعية من الممثلين، ليست مجموع الارادات الخاصة، ولا قرار الاكثرية.
في كل فرد ارادة خاصة تحركها الغرائز والاهواء الظرفية، وارادة عميقة هي عمل بحت من اعمال الادراك الذي يرشد في صمت الاهواء الى ما يستطيع الانسان فرضه على نظيره، والى ما يحق لنظيره ان يفرضه عليه. هذه الارادة متماثلة عند كل البشر، منزهة عن الضلال، انها الارادة العامة المنبثقة عن الضمير الفردي، المستخلصة بالهدوء والتفكير في العزلة بعيدا عن الاحزاب والتكتلات والهيئات. لا حاجة لاية جمعية، او نقابة، او حزب، بل لهباء من الافراد، والا لاستطعنا القول ان ليس هناك من بعد مقترعون بعدد البشر، بل بعدد الجمعيات فقط»[20].
نقد الصيغة الثالثة
قد تتعرض نظرية تبلور الارادة العامة، بصيغتها الثالثة، الى جملة نقود:
النقد الاول: انها مبنية على قاعدة استحالة صدور الواحد من الكثير، وهي قاعدة فلسفية فيها بحث وجدل؛ فهي، وان ثبتت، فانما تثبت في الامور الحقيقية دون الاعتبارية، وفي الواحد الشخصي دون الجمعي.
لكن الظاهر ان النقد غير وارد لوضوح كون المراد تحديد المجتمع بوصفه واحدا جمعيا يقر موقفا موحدا من مشروع القرار المعروض للاستفتاء، من حيث اعتباره قرارا نافذ المفعول، او قرارا مرفوضا، لاستلزام عدم توحد الموقف الاخلال بالنظام، ووضوح كون الموقف الموحد يتوقف في صدوره على ارادة موحدة ولو جمعية، اذ الارادات المتخالفة لا تولد موقفا موحدا، وهذا امر وجداني ظاهر، سواء كان الدال عليه قاعدة استحالة صدور الواحد من الكثير ام غيرها، وسواء وردت عليها الاشكالات الاخرى المتقدمة ام لا.
ووحدة الارادة من المجتمع لا تتعقل الا على الوجه الذي ذكرناه.
النقد الثاني: ان جعل صفة المواطنة مجردة عن الذات، فاقدة الامتيازات الفردية، امر في غاية المثالية؛ اذ ان اغلب افراد المجتمع لا يجردون انفسهم عن ذاتياتهم لدى الاستفتاء. فما رتب عليه في الارادة من التأكد وعدم التعدد لا يترتب.
لكنه ايضا غير وارد، اذ صفة المواطنة وان كانت من جهة الفرد المشارك في الاستفتاء ليست مجردة عن الذاتيات كما ذكر، لكنها من جهة الدولة، في لحاظها لطبيعة المشاركين في الاستفتاء وما يراد لها من صدور موقف موحد من الجماعة، يقتضي التأكد في الارادة لا التعدد.
النقد الثالث: ان هذه الصيغة مبنية على افتراض وحدة اجتماعية هي الامة او الشعب، مثلا، ويراد منها اتخاذ موقف جماعي بالنسبة الى مشروع قرار معين. وهذا لا موجب له ولا دليل عليه، اذ ما هو الدليل على اعتبار مثل هذه الوحدة، فضلا عن لزوم صدور القرار عنها؟
وهذا النقد ايضا غير وارد على النظرية بصيغتها المطروحة هنا؛ اذ ان الامر في سن القوانين هو اعتبار المشرع وعدمه التابع لوجود المصلحة في التشريع وانتفائها.
وهو، على مسلك الوضع، الانسان، ولو على شكل هيئة مشكلة من عدة افراد، فلا يحتاج الى دليل وراء اعتباره، غير بيان وجه المصلحة في القرار والاعتبار.
ووجه المصلحة في ذلك واضح، لان ما يكون قانونا للمجتمع كله يجب ان يكون صدوره برضاه واذنه، بعد فرض عدم الايمان بقوة موجودة وراء عالم المادة والطبيعة، او الايمان بها مع فرض عدم وجود احكام الزامية لها في عالم المادة والطبيعة غير قوانين الطبيعة نفسها وما يضعه الانسان لنفسه، وتساوي الناس مع بعضهم، وعدم ولاية احد على احد.
اما مع فرض الايمان بالله قوة وراء عالم المادة والطبيعة يتصف بالعلم المطلق، والحكمة البالغة والغنى الذاتي، وان له احكاما وقوانين وتشريعات تريد من الانسان تطبيقها في عالم الطبيعة، كما هو مسلك المتشرعة واهل الدين، لا سيما الاسلام، فالحكم حكمه وحكم من جعل اليه الحكم، وعلى الناس تطبيقه، سواء ادركوا المصلحة المقصودة بتشريعه ام لم يدركوها.
وحينئذ، فلو اناط الله، سبحانه وتعالى، او من جعل اليه التشريع بناء على الاعتقاد بهذا الرأي، قانونا وحكما في مسألة، برأي الشعب، لزمهم العمل بذلك واجراء الاستفتاء، وان لم يدركوا وجه المصلحة منه.
هذا كله من جهة الدليل على اناطة بعض القوانين والقرارات برأي الشعب وتعليق نفوذها، في حقهم، على نتيجة استفتائهم.
اما الدليل على اعتبار الوحدة الجماعية، بمعنى الارادة العامة الحاصلة على اتفاق اكثر المشاركين بالتقريب الثالث الذي قربناه، فلاقتضاء الاعتبار ذلك، اذ قد انيط نفاذ هذه القوانين والقرارات والاحكام، وضعا او شرعا، برأي الشعب بحسب الفرض.
والاناطة على هذا النحو تنتزع منها وحدة القرار المتوقفة على وحدة المقرر، فالوحدة امر انتزاعي مفترض اصلا في الحكم والقانون نفسيهما. غاية الامر انها تدور بين الوحدة الجماعية بالتقريب المتقدم، او الجمعية بمعنى موافقة جميع افراد الشعب، او المشاركين منهم في الاستفتاء على الاقل وعدم تخلف واحد منهم.
وحيث ان الثاني نادر الوقوع جدا، بل متعذره، فلا يعقل اناطة احكام المجتمع الكثيرة به، اذ يلزم من ذلك رد معظم القوانين، ان لم يكن جميعها، وبقاء المجتمع من غير حكم اصلا.
فيتعين الاول، وهو ان تكون الوحدة المنتزعة من مفهوم تعليق نفوذ القوانين والاحكام على راي الشعب، هي الوحدة الجماعية الحاصلة بالارادة العامة: الاغلبية.
وعلى هذا فلا يرد على النظرية بهذه الصياغة اي من النقود المتقدمة، وتكون تامة.
لكنها مع ذلك غير تامة؛ اذ غاية ما يثبت بهذه الصيغة امكان جعل المحصل من ارادات ابناء الشعب والمجتمع المتفرقة، بعد حصول الكسر والانكسار بين الارادة القوية والارادات الضعيفة، معبرا عن ارادة الشعب والامة ككل، وتصويرا لتبلور الارادة العامة، وهو غير كاف لتخريج جواز تصرف السلطة الحاكمة، او الجهة المعنية فيها، في ما هو عائد للغير بمقتضى القرار المصوت عليه بعد ثبوت المخالفة منه له.
نعم، لو قلنا بوجاهة ما ذكرناه، في الصيغتين الاولى والثانية، لنظرية تبلور الارادة العامة من ان الفرد يتنازل، عند التصويت والاقتراع، عن حقوقه وحرياته وامواله لصالح رأي الجماعة، امكن بالصيغة الثالثة اثبات تحقق رأي الجماعة بموافقة الاكثرية، فيكون في الحقيقة متمما لذلك لا انه دليل مستقل.
فكان نظرية جان جاك روسو، في تفسير العقد الاجتماعي المتقومة بتنازل الفرد عن رأيه وحقوقه وحرياته ومنافعه المستفادة من قانون الطبيعة لصالح رأي الجماعة وقرارها ومصالحها العامة، ترجع، في مرحلة التطبيق، على ما نحن فيه من غلبة الاستفتاء بالاغلبية الى افتراضها تحقق امرين:
الاول: اذن الفرد للجماعة في العمل برأيها وقوانينها وتشريعاتها الموجبة لفرض بعض القيود والحدود عليه، وعلى حرياته وانتفاعاته المتلقاة من الطبيعة والتصرف في ما هو عائد اليه بما يصب في مصالح المجتمع.
الثاني: تحقق رأي الجماعة بتصويت اكثرية افراد المجتمع لصالح رأي من الآراء المطروحة للاستفتاء والتصويت.
وفي الحقيقة، فان الصيغتين: الاولى والثانية تكفلتا اثبات جانب من النظرية هو ما عنوناه بالامر الاول المشار اليه، والصيغة الثالثة تكفلت اثبات الجانب الآخر منها وهو الامر الثاني.
لكن الصيغتين المتقدمتين غير تامتين في نفسيهما بعدما تقدم من امكان تعرضهما للنقد والمناقشة بما ذكرناه.
المحاولة الثانية: نظرية اطلاق النصوص
وتتركب من مقدمتين:
الاولى: ان الشارع اطلق تعليق بعض القرارات، في جملة من النصوص التشريعية، على موافقة الامة والشعب.
الثانية: ومقتضى اطلاق تلك النصوص كفاية تصويت الاكثرية في تحقق الموافقة المذكورة، فتثبت كفاية الاكثرية في تنفيذ تلك القرارات.
نقد النظرية
ان النصوص المشار اليها، وان اطلقت تعليق فعلية بعض القرارات او تشريعها اصلا على موافقة الامة والشعب، لكن تحقق الموافقة المذكورة، بنحو يصح معه اسناد الرأي الى الامة والشعب برأي الاكثرية الصادق مع الزيادة ولو بصوت واحد في غاية البعد، بل هو ممنوع عرفا لما يظهر من دساتير كثير من الدول اشتراطها نصابا معينا لنفوذ بعض القرارات. مضافا الى ما سيأتي من اشكالات في المحاولات الآتية.
المحاولة الثالثة: نظرية الترجيح بالعامل الكمي
ولها صيغتان:
الصيغة الاولى: فهم العرف
وتتركب من مقدمتين ايضا:
الاولى: ان تعليق الشارع تنفيذ قرار على موافقة الشعب عليه يفهم منه عرفا ان المناط فيه ترجيح بعض الخيارات المفروضة والمطروحة للاستفتاء على بعضها الآخر، بوساطة العامل الكمي لافراد المجتمع، اذ لو كان بعض الخيارات ارجح من بعضها الآخر، عند الشارع، لتعين من دون حاجة الى استفتاء. ولو كان الترجيح بعامل كيفي، او عنوان خاص، لعلقه عليه كما في تعليق تشخيص الاعلم من المجتهدين على اهل الخبرة.
الثانية: واذا كان المناط، في تنفيذ مشروع القرار، الترجيح، فلا فرق حينئذ في ترتب النتيجة بين الاتفاق واكثرية الاصوات، لوفائهما جميعا بتحقيق المناط.
فثبت كفاية الاكثرية في تنفيذ القرار.
نقد الصيغة الاولى
هذه الصيغة قابلة للمناقشة من عدة وجوه:
اولا: ان مناطات الاحكام والقوانين لا طريق للعقلاء الى معرفتها الا من خلال ما يبينه الشارع نفسه منها بخطابه، هذا ان كانت شرعية.
اما ان كانت وضعية، فلا ينحصر مناط التصويت بالترجيح، بل ربما كان المناط شيئا آخر، كتحميل الناس مسؤولية القرار وتبعاته، او دفعهم الى البحث عن مساوئه وحسناته، ما يترتب عليه ترشيدهم والارتقاء بمستواهم العلمي وشعورهم الاجتماعي والوطني وغير ذلك.
ثانيا: وعلى فرض تيسر الطريق الى العلم بمناط الاستفتاء وانحصاره بالترجيح وحده، فلا يتعين كون المراد بالترجيح مطلقه، بحيث يكفي فيه تصويت الاكثرية عينه، ولو بفارق ضئيل، بل قد يكون تحقق نسبة معينة من الاصوات دخيلا في مناط الشارع، كان يشترط الشارع اجماع المشاركين كما في قرارات جامعة الدول العربية او الزيادة على الثلثين كما في قرارات اعضاء بعض المجالس.
ثالثا: ولو فرضنا ان مطلق الترجيح لبعض خيارات القرار الشامل بعمومه لرأي الاكثرية هو مناط الشارع في عرض مشروع القرار للاستفتاء والتصويت، فان البيان المذكور لا يتجه الا على مسلك الشرع تعبدا بقوله من دون مسلك الوضع الذي لا يتجه التعبد اليه، لافتراض عدم وجود جهة فوقية حاكمة على الانسان، او عدم وجود حكم لها يرتبط بشؤونه الدنيوية، وتساوي الناس وعدم ولاية احد على احد.
وهذا الاشكال يرد على النظرية السابقة ايضا، اذ لا معنى للتمسك باطلاق النص الوارد من الشارع بعد فرض عدم ولايته على المقترع.
ومن هنا احتاج اعتبار الاكثرية في الترجيح، او في الموافقة، الى تنقيح في رتبة سابقة باجماع الآراء لا بالاكثرية، وهكذا فيستلزم التسلسل او في مرحلة لاحقة فيستلزم الدور، وكلاهما محال.
الصيغة الثانية: انحصار الطريق
وخلاصتها ان يقال: انه لا غنى للمجتمع عن قانون يحكمه، وحاكم ينفذ قوانينه، والا ساد الهرج والمرج، ونفذ في المجتمع قانون الغاب والغلبة.
ولا يعقل احالة ذلك على ارادة احد من الناس، لان الناس سواسية بمقتضى الفطرة ولا ولاية لاحد منهم على الآخر، ولا ارادة الجميع لامتناع اتفاقهم على جميع القرارات، فانحصر الترجيح بالاكثرية، وهو المطلوب.
نقد هذه الصيغة
ان هذا الدليل يتجه الى خصوص القوانين والتشريعات التي لا غنى للمجتمع عنها، اما القوانين التي يمكن للمجتمع الاستغناء عنها فلا يتكفل الدليل باثباتها، خصوصا مع معارضتها للقوانين الطبيعية او الوضعية او الشرعية المثبتة لسلطة الانسان على نفسه وماله وحقوقه وحريته في التصرف فيها بما يحلو له.
مشكلة عدم المشاركة وابداء الرأي
لا تنحصر اشكالية الاستفتاء والتصويت بمشكلة تغليب رأي الاكثرية الموافقة على مشروع القرار على رأي الاقلية المخالفة، بل تواجهها مشكلة اخرى هي مشكلة عدم مشاركة بعض من لهم حق المشاركة في الاستفتاء، وعدم ابداء بعض المشاركين منهم رأيا في مشروع القرار، فان من لم يشارك، او لم يبد رايا في عملية الاقتراع، لا يمكن عده مؤيد القرار، ولا مخالفا له لعدم وجود الكاشف عن اي منهما.
ولا يمكن تنفيذ قرار الاكثرية عليه اذ ليس من المعقول اجراء حكم او قانون على شخص قضى به غيره مع فرض ان الاصل هو تساوي افراد المجتمع وعدم ولاية بعضهم على بعض، واحتمال المخالفة منه بحيث لو ضم صوته الى الاصوات المخالفة للقرار زاد على مجموع الاصوات المؤيدة له، بل قد تنخفض نسبة المشاركة وابداء الرأي الى درجة يصعب معها القول: ان نتيجة الاستفتاء تعبر عن رأي الامة والشعب.
وقد يحاول حل هذه المشكلة بما حلت به سابقتها من محاولات، لكن الحق ان اكثر المحاولات المتقدمة لحل المشكلة السابقة لا تتكفل بحل هذه المشكلة.
اما محاولة نظرية تبلور الارادة العامة على فرض تماميتها فصيغتها الاولى ترجع الى الثانية، وصيغتها الثانية تتكفل بحذف الآراء التي لم تحصل على رأي الاغلبية بجعل الرأي مشروطا بشرط غير حاصل لتصبح الموافقة اجماعية وغير معارضة، وهنا لا ادلاء بالرأي حتى يفرض كونه مشروطا كذلك. وصيغتها الثالثة تفترض حصول الكسر والانكسار بين الآراء القوية والضعيفة، والحال ان رأي غير المشارك وغير مبدي الرأي في الاقتراع مجهول، لا يمكن اجراء الكسر والانكسار بحقه الا مع ضآلته بدرجة نسبة عدم المشاركة بدرجة تصير هي الرأي الاكثر اصواتا، لو ضمت الى الآراء المخالفة لبطل القرار، ولا يمكن اهماله لانه يشكل جزءا من المجتمع الذي يراد تنفيذ القرار فيه.
ونظرية اطلاق النصوص مبنية على صدق اسناد رأي الاغلبية عرفا الى الامة والشعب، وقد لا يصدق في حالات انخفاض عدد المشاركين في الاقتراع بدرجة كبيرة.
كما ان نظرية الترجيح بالعامل الكمي انما تتمشى مع كون رأي الفرد معلوما، اما اذا كان هذا الرأي مجهولا، فيشكل الترجيح لاحتمال تغير العامل الكمي لصالح رأي الاقلية لو فرض كون رأي من لم يشارك في التصويت هو المخالفة لقرار الاكثرية.
محاولات لحل المشكلة
وجرت محاولات لحل مشكلة غير المشاركين في الاقتراع، نذكر منها حلين:
الاول: التمثيل وحساب الاحتمالات:
وهو يتركب من مقدمتين هما:
الاولى: ان المناط في مشروعية القرار المحال على موافقة الشعب بالاستفتاء والتصويت العلم بموافقة اكثرية الشعب عليه لا احراز الاكثرية على سبيل الفعلية.
الثانية: ولا اشكال في ان مشاركة عدد كبير من افراد الشعب في الاستفتاء يوجب العلم بموافقة اكثرية الشعب عليه، كان آراء من شارك من الشعب يمثل آراء المجموع.
ومرد الثانية الى القول: ان اي عدد من آراء الافراد مضيفة الى المشاركين يبقي احتمال تغير نسبة رأي الاكثرية قياسا الى سائر الآراء ثابتا نسبيا، الامر الذي لا يؤثر على نتيجة الاستفتاء، فيقوم على اساس حساب الاحتمالات.
ولا يخفى ما في هذا الحل من صعوبة تواجه الانسان على الصعيد العملي، لتحصيل القطع بعدم تغير النتيجة، مع ان بعض الموارد التي يكون الفارق بين نسبة تغلب رأي الاغلبية بنسبة غيره من الآراء ضئيلا جدا يحتمل فيه كثيرا تغيرالنسبة.
الثاني: التنازل عن الحق
وخلاصة ما يمكن ان يقال في هذا الحل: ان عدم استفادة من لم يشارك، او لم يبد رأيا في عملية الاقتراع، من حقه في ابداء الرأي والمشاركة، يعد بنظر العرف ظهورا جليا في اعراض الشخص عن حقه. ولازم الاعراض اما سقوط رأيه تبعا، او رضاه بالنتيجة الحاصلة من دونه، وكلاهما محقق للمطلوب.
اما الاول فلان سقوط رأيه لا يؤثر في تحقق الاكثرية المطلوبة، لانه ليس رأيا تمكن اضافته الى رأي الاقلية، فتزداد نسبتها على نسبة الاكثرية، مع اجتماع عدد كبير من هذا النوع من الآراء.
اما الثاني فاذنه في النتيجة يوجب الاذن بلوازمها من الاحكام المترتبة على تنفيذ القرار المصوت عليه بالاكثرية. وبمثل هذا تحل مشكلة المنتقلين الى عضوية المجتمع بكسب جنسية ذلك البلد.
نعم، لو كان عدم المشاركة، او عدم ابداء الرأي، مسببين عن عدم الرضا بطريقة الاستفتاء، او كيفية اعداد ورقة الاستفتاء، بحيث لا يكشف ذلك عن اعراض المقترع وتنازله عن حقه في الاقتراع، وكان اعتراضه مشروعا شرعا، او وضعا، فان الاشكال بعدم المشاركة يتجه ويعرض نتيجة الاستفتاء الى التزلزل وعدم المشروعية.
مشكلة البالغين سن التصويت بعد اجراء الاستفتاء
هناك مشكلة ثالثة تواجه التصويت او الاقتراع هي مشكلة البالغين سن التصويت بعد اجرائه، فان الفرصة ليست متاحة لهم ابان اجراء التصويت للمشاركة والادلاء بالرأي فيه اصلا. ومعه، فما قدم من حلول للمشكلة السابقة لا يصلح هنا لعدم انعقاد ظهور حالي منهم في الاعراض عن المشاركة وابداء الرأي بعد تعذرهما عليهم بسبب عدم بلوغهم السن القانونية، بل يحكمهم حكم سائر ذوي الاعذار ممن لهم الحق بالمشاركة ولم يشاركوا لارتفاع القدرة على الانتفاع من حقهم بسبب طروء العذر المانع من ذلك.
مشكلة تبدل رأي المقترع
ثمة مشكلة رابعة، في هذا المجال، وهي امكان تبدل رأي المقترع ورجوعه عن رأيه السابق الى رأي جديد.
وهذا الامر قد يشكل، في مجموع من يحدث لهم التبدل من الشعب، نسبة لا باس بها، خصوصا بعد تبين عيوب القرار بعد تطبيقه، واتضاح مدى اضراره على المجتمع.
وهذه المشكلة لا يمكن حلها بما ذكرناه من حلول للمشاكل المتقدمة على فرض تماميتها.
على طريق الحل
تقدم، في ما مر بنا من بحث، استعراض اهم المشكلات التي تواجه عملية التصويت والاقتراع، والطرق والمحاولات التي بذلت، او قد تبذل، لعلاجها. وقد اتضح اخفاقها جميعها في ايجاد تخريج صحيح لمشروعية الاستفتاء وحل المشكلات المذكورة.
ومن هنا كان لا بد من رسم طريق الحل بجدولة المسلمات، واعادة ترتيب مواقعها، ثم ملء المساحات الخالية منها بما يحقق انسجاما بين مفرداتها المختلفة على ضوء من المباني المطروحة واساس من المحتملات الجائزة، فنقول:
لا اشكال في انه لا بد للمجتمع من قانون يحكم فيه، وحاكم يحكم به.
كما لا ينبغي الشك في ان مقتضى الطبع والوضع والشرع يتمثل في ان الانسان اشرف موجودات العالم وارفعها درجة (اصالة الانسان)، وان افراد النوع البشري متساوون في الحريات والحقوق والكرامة الانسانية بحسب الخلقة (مبدأ المساواة)، واحرار في التصرف في ما هو حق لهم (مبدأ الحرية) ومن حقهم الانتفاع بثروات العالم الطبيعية (اصالة الاباحة)، وتملك حاصل جهدهم (مبدأ حق التملك).
ويتفرع، من مبدأ المساواة، انه لا ولاية لاحد على احد، ومن مفهوم مبدأ الحرية وعدم الولاية عدم جواز تصرف شخص في ما هو عائد لغيره وعدم جواز فرض قيد او عقوبة عليه.
هذه جملة المسلمات في المسألة مرتبة بحسب مواقعها.
اما المساحات الخالية فيها فاولاها: من يكون المشرع لقانون المجتمع؟ ومن هو الحاكم عليه بنحو تثبت المشروعية لحكمه، فيجب على افراد المجتمع العمل به، والسمع والطاعة له؟ هنا توجد مشكلة؛ اذ ان الحياة الاجتماعية واقع مفروض لا مفر منه من جهة، وهي تتطلب قوانين واحكاما اجتماعية يحفظ فيها نظام المجتمع ويدين لها الجميع بالطاعة والاحترام، وتستلزم العمل بهذه القوانين والاحكام من جهة اخرى،ما يفضي الى تخلي الفرد عن بعض امواله وحقوقه ومنافعه وتقييد بعض حرياته المسلم بها، فيقع التعارض بين ما يتطلبه المجتمع وما هو ثابت للفرد من احكام.
ومن الواضح ان حل هذه المشكلة لا يكون الا بافتراض اصل حاكم فوقي شرعي او طبعي او عقلي يرفع هذا التنافي، ويحل التعارض، او يتنازل الفرد عما له لصالح المجتمع، ولا ثالث لهذين الامرين.
وما يمكن افتراضه بالنسبة الى الامر الاول:
1ــ على صعيد الشرع والدين: هناك قوة عليمة، حكيمة، غنية، وراء عالم المادة والطبيعة هي الله سبحانه، وهو يدبر امر هذا العالم، ويتكفل بوضع القوانين اللازمة لتحقيق حياة هادفة للانسان، لا تنحصر في حدود حياته الشخصية وعلاقته بربه وخالقه فحسب، بل في جوانب حياته الاجتماعية ايضا، كما يتكفل ببيان هذه القوانين ايضا.
وحينئذ، فاما ان يشرع له كل ما يحتاج اليه المجتمع من احكام وقوانين وما لا بد له من حكام ومسؤولين الى ان تقوم الساعة، او يعين له وليا على الناس، تكون له ولاية مكتسبة من الله في التنصيب والتشريع والتنفيذ، فهو يتولى تشريع قوانين المجتمع جميعها، ويضعها موضع التنفيذ، كما يتولى امر التنصيب.
وايا من الامرين حصل ترتفع مشكلة الاستفتاء والانتخاب، اذ ينتفي المورد لها اصلا.
اما لو ترك بعض المساحات فارغة من التشريع ليشرع المجتمع لها ما يناسبها ويناسبه من احكام، طبقا لما تقتضيه ظروف الزمان والمكان، او تركها الولي المنصب من قبله، له كذلك، فتثبت الولاية للمجتمع على الافراد بهذا الحكم، ورضا الولي الحقيقي الذاتي، اعني الله سبحانه، والاكتسابي اعني المنصوب وليا من قبله، بما يستلزم ذلك من فوات للمصالح والحقوق والحريات والاموال تتعلق بالافراد.
2ــ وعلى صعيد الطبع والعقل يحتمل امران:
الاول: ان الانسان اجتماعي بطبعه، وبمقتضى هذا الطبع يقدم منافع المجتمع العامة واهدافها على منافعه واهدافه. وهو ما حاول جان جاك روسو تصويره في نظريته عن العقد الاجتماعي.
الثاني: اصالة المجتمع، ولو من باب الضرورة لمفروضية المجتمع واحكامه والضرورة مسوغة لفوات حقوق الافراد وحرياتهم ومنافعهم واموالهم المحظور التعرض لها بالحكم الاولي الطبعي، فيكون حكم الضرورة حاكما عليه بالحكم الثانوي الطبعي ايضا.
اما ما يمكن افتراضه بالنسبة الى الثاني، اعني تنازل الفرد عما له لصالح المجتمع فغير متصور الا على اساس كشف قبوله العيش ضمن المجتمع، او ممارسته بعض حقوقه الاجتماعية، كحق الاقتراع والتصويت والتنازل عما هو ثابت له لصالح المجتمع، والرضا باحكامه وقوانينه، وهو ما سعى جان جاك روسو الى بيانه بنظريته في بعض صيغها المتقدمة.
اما المساحة الثانية التي لا بد من ملئها فتتمثل في ما يأتي: ما هو المعيار والآلية لتحقق التشريع من المجتمع بنحو يصح معه نسبته الى مجموع المجتمع؟
هنا، ايضا، توجد مشكلة اخرى هي: ان القوانين عامة قارة لا تستثني، حين التطبيق، احدا من افرادها من جهة، فتعمم المشارك في التصويت وغيره، الموافق للقرار والمخالف والممتنع، العضو في المجتمع والمتولد فيه بعد التصويت او قبله. والمجتمع متحيز متفيىء متحزب متحول حين التصويت والاقتراع وبعدهما، من جهة اخرى، فبعض المطبق عليهم القانون الاجتماعي غير المقترع وصاحب الرأي. والمقصود من اخضاع قانون للاستفتاء والتصويت والاقتراع اتحادهما، من جهة ثالثة. فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.
وبتعبير آخر، ان المقصود صدور القرار عن مجموع المجتمع او جميعه، وما صدر عن بعضه فقط. وهنا ايضا لا بد من افتراض اصل حاكم فوقي لحل المشكلة، او تنازل من الفرد لصالح المجتمع.
اما الاول فما يمكن افتراضه:
1ــ على صعيد الشرع والدين امور:
الاول: التبيين من الله سبحانه، وهو المشرع لما يحتاج اليه المجتمع الى يوم القيامة، او من الولي المنصب من قبله في المادة القانونية التي احالا فيها امر تنفيذ مشروع القرار الى رأي الشعب، بان يوضحا ان المعتبر في نفاذ القرار نسبة الاجماع، او الثلثين، او النصف او الزيادة النسبية، وان القرار ملزم لجميع الافراد المشاركين فيها بجميع اقسامهم، من المؤكد والمخالف والممتنع، المولود، والعضو بالفعل وغيرهم، دائم او محدد بوقت معين الى غير ذلك، فلا مشكلة حينئذ اتباعا للاصل الحاكم الفوقي.
الثاني: مبدأ العمل بالشورى، كما سيأتي تقريره، من انها طريقة عرفية عقلائية متداولة في غابر الازمان والى اليوم، تقوم على تنفيذ القرار بمجرد موافقة اكثر المشاركين في صنعه حتى على من لم يولدوا بعد.
وقد امضى الشارع المقدس، اعني الله، هذه الطريقة قولا بمقتضى الآية الكريمة: {وامرهم شورى بينهم} [الشورى/38]، وعملا بانتشار هذه السيرة انتشارا يقطع معه وقوعها على مرأى ومسمع من المعصوم، خصوصا مع ما ينقله التاريخ من تخصيص رؤساء مكة دارا للشورى اسموها دار الندوة، وتشاورهم في كثير من الامور كردهم على النبي (ص) نبوته وايذائهم له، ومقاطعة قبيلته، وتبييتهم قتله، وشن الحرب عليه وعلى المسلمين من اصحابه، وبعثهم من يلتقي بملك الحبشة ليخرج المسلمين من ارضه وغيرها مما حفل التاريخ به.
بل قد طبق نظام الشورى، المبني على الاخذ برأي الاكثرية، بحضور الامام علي (ع) في الشورى التي عينها عمر بن الخطاب لتعيين من يكون الخليفة من بعده، وامضى طريقتها، وان اعترض بشأن الافراد المشاركين بل وبمورد تطبيقها، لان ذلك يعد بعد تنصيبه من قبل الرسول (ص)، اجتهادا في مقابل النص.
وتفصيل الكلام في ذلك موكول الى محله من بيان نظرية الشورى.
الثالث: ولو فرض عدم البيان من الشارع في ذلك فتثبت الاحالة على ما يقتضيه الطبع، او يفهمه العرف من الاحالة، لان الشارع رضي بتشخيصه، ولو كان متبنيا على الاكثرية.
2ــ وعلى صعيد العقل والطبع الضرورة الناشئة من ضرورية المجتمع واحكامه وتصحيح ما يترتب عليه من آثار
وما ذكرناه، في نظرية الترجيح بالعامل الكمي، من انها تثبت مشروعية الاحكام الضرورية فقط، يمكن الاجابة عنه بان يحكم الاستفتاء اولا في تنقيح ملاك الاحكام الاجتماعية، وانها تحصل بتصويت المجموع او الاكثرية باعتبار الضرورة تقتضي تشخيص ذلك، ثم اتباع الاكثرية اصلا في سائر الموارد.
اما العرف والوضع فلا يمكن اعتبارهما اصلا لاحتمال كون العرف لا يجتمع على نسبة الاكثرية بوصفها محققة لاجتماعية الحكم، وحكم الاكثرية بذلك لا يعطي المشروعية لها لاستلزامها الدور او التسلسل الباطلين.
الاسس المعتمدة في عملية الاستفتاء
يبنى القول بتنفيذ القرار على اساس اكثرية آراء المقترعين على جملة من اسس مهمة نذكرها في ما ياتي:
1ــ ثبوت حق الرأي للمشمولين بعملية التصويت والاقتراع، ويكون ذلك وفقا لمواصفات كلية يحددها القانون للمقترع، بان يكون المقترع بالغا، عاقلا، حيا، مواطنا في ذلك البلد كان يكون يحمل جنسيته وغير ذلك، ويجري تطبيق هذه الاوصاف على افراد المجتمع، فمن كان واجدا لهذه الصفات يثبت له حق الاقتراع، والا فلا.
وعلى اية حال فالاقتراع فرع ثبوت حق الاقتراع للمقترع.
2ــ المساواة بين المقترعين في الرأي، فكل رأي من مقترع هو صوت واحد في عملية التصويت، فلا ميزة لصوت على صوت، او رأي على رأي، بل يتساوى الجميع من هذه الناحية. لكن بعض الانظمة اعطت لبعض فئات المجتمع حق الادلاء بغير صوت واحد، وقد كان هذا جاري المفعول في بريطانيا حتى العام 1951، لكنه انقبض اليوم تقريبا[21].
3ــ احترام رأي المقترع، فان لازم البناء على اكثرية الآراء احترام كل رأي يدلى به في عملية الاقتراع، وعدم اهماله اوحذفه.
4ــ وجود خيارين، او عدة خيارات في ما يصوت عليه، فلو كان المقترع امرا لا ثاني له، ولو بمعنى القبول والرد فلا معنى لعملية الاقتراع.
5ــ حرية المقترع: يجب ان يكون الشخص المشارك في عملية الاقتراع حيا في كمال الحرية والاختيار، ولا يجوز تعريضه للضغوط ووسائل الاكراه.
نطاق الاستفتاء
لا تعرض، حسب تتبعي، للاستفتاء ولا لحدوده وموارده في متون الحديث الواصلة الينا، الناقلة لاقوال النبي (ص) والائمة المعصومين (ع)، وافعالهم، وغاية ما نقل الينا من الاخبار منصب على وقائع البيعة والمشورة، وهما غير الاستفتاء المتعارف.
نعم، نص القرآن الكريم على الشورى التي نستفيد منها معنى الاستفتاء مع ملاحظتها باوسع دوائرها، اعني افراد المجتمع جميعهم.
والمستفاد من الآية الكريمة، وهو مقتضى القواعد، ان نطاق الشورى هو الامور العائدة لهم فقط التي يقطع بعدم اهتمام الشارع بها، كما يدل على ذلك قوله تعالى: {وامرهم..} الظاهر في وحدة الامر ورجوعه الى الجميع. فيخرج ما هو من امور الله كالاحكام الشرعية والامور الفردية، وتبقى امور الجماعة، سواء منها ما لم يشرع الله له تاركا اياه للمجتمع يملأه بتشريعاته، مثل قوانين المرور، والبطاقات الشخصية والاحوال المدنية، وبعض القوانين البيئية، والقوانين الدولية، او ما شرع الله له تشريعات كلية تاركا ترتيباتها واجراءاتها الجزئية الى التشريع الاجتماعي، كقانون جميع الوجوه الشرعية، وكيفية ايصالها الى مستحقيها وغير ذلك. هذا بحسب شريعة الاسلام.
اما على المسلك الوضعي فالشورى والاستفتاء الشعبي لا يختصان بشيء، او ينحصران ضمن نطاق معين، بل يمكن اخضاع كل قانون او تعديل له مهما صغر للاستفتاء.
لكن لما كان اجراء الاستفتاء الشعبي حول الموارد الجزئية مما لا يستسيغه الذوق العقلائي لا يجابه الملل والتعقيد وتضييع الوقت للمستفتى والمستفتي، عدا ما يحتاج اليه بعض القرارات من التخصص والمعرفة، ما لا يتوفر عليه كثير من عامة الناس، فعادة ما ينحصر دور الاستفتاء بنوع النظام وكليات قوانينه الواردة في الدستور والتعديلات الواردة عليهما، وهذا ما وقع في الجمهورية الاسلامية في ايران ايضا.
الاستفتاء حول نوع النظام
من الامور التي جرى الاستفتاء الشعبي في شأنها، ونصت عليها المادة الاولى من الدستور الايراني التي ذكرناها في اول المقالة، هو نوع النظام في ايران.
وقد يشكل على ذلك بان نوع النظام متعين في الاسلام بالجمهورية الاسلامية، فلا يصح اخضاعه للاستفتاء الشعبي بعد وضوح حكمه في الشريعة، اذ انما يرجع الى الاستفتاء الشعبي في غير الامور المبين حكمها من قبل الله سبحانه، كما تقدم توضيح قاعدته قبل قليل.
لكن الاشكال في غير محله لما تقدم منا في مقالة سابقة من ان الاسلام لا نظر له الى نوع نظام معين، وانما يهمه التطبيق الافضل لاحكام الاسلام مشروطا بعدم التجاوز على حقوق الآخرين.
غير ان هذا الشرط يتعذر تحقيقه غالبا لاقتضاء ادارة المجتمع تقييدا في الحريات، ومصادرة للاموال، وفرضا للضرائب والغرامات، ومنعا من بعض الانتفاعات، وغير ذلك مما يتوقف على رضا اصحابها، فمن هنا احتاج النظام الى الاستناد الى آراء الشعب، وهو معنى الجمهورية، فهي على مقتضى الاصل، والبواقي تحتاج الى رأي الشعب ايضا[22].
وعلى هذا الاساس يكون للتصويت بشأن نوع نظام الحكم وجه وجيه.
بين الجمهورية وولاية الفقيه
يشكل بعض الاشخاص على دستور الجمهورية الاسلامية ونظامها بانه يجمع بين نظامين مختلفتين:
فالدستور الايراني يصرح، من جهة، بان نوع نظام الحكم هو الجمهورية الاسلامية (المادة 1)، ما يعني استناد مشروعية النظام الى آراء الشعب، وانتخاب رئيس الجمهورية، وهو اعلى منصب في البلاد من قبله، كما مر بيان ذلك في معنى الجمهورية. ويصرح، من جهة اخرى، بان ولاية الامر وامامة الامة بيد الفقيه العادل في عصر الغيبة (المادة 5)، وان رئيس الجمهورية يمارس صلاحياته تحت اشرافه (المادة 57)، ما يعني انه دون الفقيه رتبة، وان الفقيه لا رئيس الجمهورية يحتل اعلى منصب في البلاد، وهو ما افادته المادة 113 من الدستور ايضا.
وهذا تهافت واضح بين المواد:
اولا: في المنصب الاعلى في البلاد، هل هو لرئيس الجمهورية كما يوحي به عنوانه او للولي الفقيه؟
وثانيا: في نوع النظام، هل هو النظام الجمهوري المستند في مشروعيته الى الشعب، او الولائي المستند في مشروعيته الى المنصب الالهي المجعول للفقيه من الله بوساطة المعصوم (ع) الوكالي والنيابي المستند في مشروعيته الى الوكالي والنيابي المجعولة للفقيه من المعصوم (ع)؟
وثالثا: في طبيعة الصلاحيات، فصلاحيات رئيس الجمهورية تختلف سعة وضيقا تبعا لما يمنحه الشعب له منها، وان كان الغالب في اكثر الدول تخويله صلاحيات معينة. وصلاحيات الولي الفقيه واسعة بسعة ما يستفاد من ادلة الولاية وتستمد من الله مباشرة، وصلاحيات الوكيل الفقيه صلاحيات محدودة بحدود ما للمعصوم (ع) من الولاية، وما يستنيبه ويوكله منها، وتكون مستمدة من المعصوم (ع) طبعا.
وهذا اشكال في غاية الاهمية يحتاج الى جواب تفصيلي لا تستوعبه هذه المقالة.
_____________________________
[1] راجع: ابن منظور، لسان العرب، مادة صوت.
[2] د. احمد زكي بدوي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، ص414.
[3] نفسه، ص368 وجيرار كورونو، معجم المصطلحات القانونية، ترجمة منصور القافي، ص236.
[4] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 4/473 و474، الازهري، تهذيب اللغة، 14/329.
[5] نفسه، وابن فارس، مجمل اللغة، ص458، والفيومي، المصباح المنير، ص463.
[6] الفراهيدي، العين، 8/137.
[7] تهذيب اللغة، 14/329، الجوهري، الصحاح 6/2452.
[8] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، 4/473 و474.
[9] تهذيب اللغة، 14/329 والصحاح، 6/2452.
[10] المطرزي، المغرب، ص351، تهذيب اللغة، 14/329، لسان العرب، 10/183.
[11] راجع، في هذا الصدد: د. اسماعيل الغزال، الدساتير والمؤسسات الدستورية، ص137 وما بعدها، اوستن رينه، سياسة الحكم، ترجمة د. حسن علي الذنون، 1/389 وما بعدها، د. احمد سرحال، القانون الدستوري والانظمة ‏السياسية، ص102 وما بعدها.
[12] المادة 59 من دستور الجمهورية الاسلامية.
[13] انظر: الدساتير والمؤسسات السياسية، 137 # 144 سياسة الحكم، 1/389 و390، د. علي محمد جعفر، تاريخ ‏القوانين، ص 63 # 65 و71 و72 و 74 و104 و105.
[14] مجلة المنهاج، العدد 22، ص160.
[15] ول ديورانت، قصة الحضارة، 39/282، نقلا عن كتاب: .س . ;17.
[16] نفسه، 384، وموريس كروزيه، تاريخ الحضارات العام، القرن الثامن عشر5/98.
[17] موسوعة اعلام الفلسفة، اعداد روني ايلي الفا، 1/503.
[18] قصة الحضارة، 39/283.
[19] نفسه.
[20] تاريخ الحضارات العام، 5/98.
[21] انظر: القانون الدستوري والانظمة الدستورية، ص108، هامش رقم 11.
[22] انظر: المنهاج، العدد 22، ص168 و169.
 

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية