مركز الصدرين للدراسات السياسية || الدراسات السياسية

أسس الفكر السياسي في القرآن والسنة
عباس علي عميد زنجاني*


أسس الفكر السياسي في القرآن
تعتبر دراسة أسس الأفكار السياسية في القرآن بمثابة مفتاح لجميع المباحث التي تطرح على بساط البحث تحت عنوان الفقه السياسي وخاصة في حقل السياسة والحكومة في الإسلام؛ ومن هنا لابد عند دراسة النظام السياسي في الإسلام من الإلمام بهذه الأسس ومعرفة كيفية تطبيقها في بناء النظام السياسي والحكومة الإسلامية.
1ـ الخلافة الإلهية: الإنسان في الرؤية القرآنية خليفة الله في الأرض والمتكفل بإقامة حكم الله ووارث الأرض والحكومة فيها. وفي ضوء ذلك فهو مكلّف باكتساب الصفات والشروط اللازمة لإحراز هذه المسؤولية الكبرى عن طريق استثمار جميع المستلزمات المادية والمعنوية التي وفرها له الله.
ولاشك في أنّ هذه الرؤية وهذا الاعتقاد يلقي على كاهل الفرد المسلم مسؤولية كبرى ويستلزم نشاطاً سياسياً واسعاً يتحدد مداه في ضوء الآيات القرآنية التالية:
أ ـ {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة}[1].
ب ـ {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق}[2].
ج ـ {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذي من قبلهم}[3].
2ـ الأمّة الواحدة: يرى القرآن الناس ـ على ما بينهم من اختلاف في الميول والنزعات ـ مجموعة منسجمة ومتجانسة ومتّحدة في الاتجاه وينظر إليها كقافلة متناسقة سائرة باتجاه مقصد واحد، ويدعوها إلى إيجاد نظام أكثر شمولية في عملها. ويشير إلى أن هذه الحالة هي الكيفية الأولى التي كان عليها المجتمع البشري، وهو الشكل المعقول الذي يُطمح إلى تحقيقه في مستقبل الزمان:
أ ـ {كان الناس أمّة واحدة فبعث الله النبيين}[4].
ب ـ {وما كان الناس إلاّ أمة واحدة فاختلفوا}[5].
ج ـ {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربّكم فاعبدون}[6].
وانطلاقاً من هذه الرؤية يتعيّن على المسلم إيجاد الوحدة والتلاحم على صعيد العالم الإسلامي كخطوة أولى، ثم تعميم تلك الوحدة على المجتمع البشري بأسره.
3ـ الإمام والقيادة: إنّ هداية عالم الوجود بحكمة الله وقدرته الأبدية تعد جزءاً من التعاليم التوحيدية للقرآن. وفي هذا السياق تأتي هداية الإنسان وتوجيهه نحو سعادته المنشودة في مطلق أبعاد وميادين حياته على يد الأنبياء المبعوثين من قبل الباري تعالى.
ومن الطبيعي أنّ الصفة المعقّدة التي يتسم بها خلق الإنسان والمسائل المتعلّقة بهدايته وسعادته، تجعل إمامته وقيادته لا تتأتى إلاّ في ظل الخيار الإلهي. وهكذا فإنّ النخبة التي اصطفاها الله هي التي تنظم صفوف قافلة البشرية وتقودها بحكمة صوب سعادتها الحقيقية:
أ ـ {وإذا ابتلى إبراهيم ربّه بكلمات فأتمهنّ قال إني جاعلك للناس إماماً}[7].
ب ـ {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا}[8].
ج ـ {ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}[9].
وردت الإمامة في الثقافة السياسية القرآنية على نوعين: إمامة الصالحين والمتقين، وتقع على عاتق الأنبياء والأوصياء والمستضعفين المؤمنين الذي يعملون صالحاً؛ بينما تقع إمامة المتجّبرين الذين يعبّر عنهم بأئمة الكفر[10] على عاتق أولئك الذين يدعون بهم:
{يوم ندعو كلّ أناس بإمامهم}[11].
4ـ الحرية المسؤولة: يرى القرآن أنّ الله عز وجل قد منح الإنسان الحرية في مقابل ما وفّره له من هداية حكيمة تجسدت في بعثته للأنبياء، أي أنه تعالى ترك له حرّية الاختيار في ذات الوقت الذي جعله مكلفاً ومسؤولاً عن مستقبله؛ وذلك لأن الإنسان لديه القدرة على التمييز والإدراك. ومن هنا يجب أن يحاسب على أساس اختياره:
أ ـ {إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً}[12].
ب ـ {من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}[13].
ج ـ {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغّيروا ما بأنفسهم}[14].
وعلى هذا المنوال جعل الإنسان سيّداً على مصيره ليختار سبيله على أساس مسؤوليته أمام الله، وعلى أساس العقل والحكمة. وهذه الرؤية لها دور في غاية الخطورة في الحياة السياسية للإنسان المسلم.
5ـ حقوق الإنسان: من جملة الأصول التي أكدها القرآن الكريم هو أصل رعاية مطلق الحقوق المنبثقة عن كرامة الإنسان وعمله وسعيه في الحياة. ولا يخفى أن جانباً لا يُستهان به من الحياة السياسية للإنسان رهين بهذا الأصل.
أ ـ {كلّ نفس بما كسبت رهينة}[15].
ب ـ {ولقد كرّمنا بين آدم}[16].
ج ـ {إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أثنى}[17].
د ـ {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن}[18].
6ـ العقل والتجربة السياسية: التعقل والتجربة قاعدتان أساسيتان للفكر والعمل في جميع النشاطات التي يمارسها الإنسان ومن جملتها السياسة والحكومة، حيث يستفيد المؤمنون في ضوء الوحي والأحكام الإلهية من هاتين النعمتين.
يحثّ القرآن الإنسان بقوة للاستفادة من هذين النمطين من الوعي، ويشير اليهما بكثرة بأساليب مختلفة وفي مناسبات شتّى، ويذهب إلى وصف التجارب المستقاة من حياة الآخرين بأنها كنز ثمين مفيد للإنسان في حقلي المعرفة والتعقّل:
أ ـ {أفلا تعقلون}[19].
ب ـ {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}[20].
ج ـ {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها}[21].
د ـ {لقد كان في قصصهم عبر لأولي الألباب}[22].
7ـ الشورى: يحدد القرآن إحدى صفات المجتمع المؤمن بالحركة والعمل على أساس التشاور وتبادل الآراء واتخاذ القرار المشترك، ويدعو حتى الرسول إلى اتباع هذه الطريقة في أعماله الاجتماعية لكي يحترم بذلك آراء الجميع ويشركهم في القرارات الاجتماعية ولكي يكونوا على استعداد أكبر لتحمل المسؤولية، ومن أجل إزالة المعوقات والصعوبات التي تقف في طريق إطاعة القيادة.
أ ـ {وأمرهم شورى بينهم}[23].
ب ـ {وشاورهم في الأمر}[24].
8ـ المسؤولية الجماعية: إن الدور الذي يؤديه كل مسلم في تقرير مصير مجتمعه، والتأثير الذي تتركه أعمال الآخرين في مصيره، فضلاً عن الالتزام المنبثق من تحمّله للمسؤوليات الاجتماعية، يوجب عليه القيام بدور الإشراف والرقابة على جميع الأمور التي تهمه وتهم مجتمعه.
وهذا الأصل جعله القرآن من الفرائض الاجتماعية وسمّاه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، معتبراً إياه كواحد من أسس الفكر السياسي وأركان الحياة السياسية للمسلمين
وقد أدّى هذا الأصل القرآني إلى أن تكون النشاطات السياسية جزءاً لا يتجزأ من مجموع الجهود التي يمارسها كل مسلم في حياته الاجتماعية ويشركه في تقرير مصير مجتمعه:
أ ـ {المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}[25].
ب ـ {كنتم خير أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر}[26].
ج ـ {ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}[27].
9ـ مقارعة الظلم: يؤكد القرآن الكريم ضرورة إزالة الظلم من المجتمع البشري ومن ميدان النشاطات الاجتماعية للإنسان، ويبدأ في توجهه هذا من الله تعالى منزهاً إياه من الظلم ومشيراً إلى عدم وجود أي نوع من الظلم في عالم الخلقة. ويلقي بمسؤولية تطهير المجتمع من المظالم على عاتق الإنسان وينهاه عن ممارسة الظلم ضد أحد، بل وينهاه حتّى عن الرضوخ للظلم ويهدد الراضخ للظلم بأليم العذاب؛ داعياًً إلى القضاء على الظلم وإنهائه من جميع ميادين الحياة البشرية، ومن جملتها علاقة الإنسان بربّه وبذاته وبالآخرين وبالمجتمع:
أ ـ {لا تظلمون ولا تظلمون}[28].
ب ـ {ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوة لله جميعاً}[29].
ج ـ {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا}[30].
د ـ {ولا تركنوا إلى الذي ظلموا فتمسّكم النار}[31].
وردت في القرآن الكريم أكثر من مائتين وخمسين آية تدعو إلى القضاء على الظلم واستقباحه وكشف الآثار والنتائج المتمخّضة عنه.
10ـ إقامة وبسط العدل: ليس ثمة بيان أكثر قدرة على تجسيد أهمية إزاحة الظلم من تصريح القرآن الكريم بأنها إحدى الغايتين الأساسيّتين من بعثة الأنبياء، ومن صفات الله تعالى، ومن أبرز خصائص عالم الخلقة وأفضل صفات الإنسان:
أ ـ {لقد أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط}[32].
ب ـ {وأمرت لأعدل بينكم}[33].
ج ـ {اعدلوا هو أقرب للتقوى}[34].
د ـ {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}[35].
هـ ـ {إنّ الله يأمر بالعدل}[36].
11ـ المساواة ورفض التمايز: يصرح القرآن بأن الناس خلقوا من أب واحد وأمّ واحدة وهم متساوون في الخلق. أما التباين الصوري الموجود فيما بينهم فيقع خارج إطار الكرامة الإنسانية المشتركة، ويعتبر أية نزعة للتمايز والتفاخر والتفوق في ميدان الحياة الاجتماعية نقضاً لمبدأ العدالة، ولا يرى للتمايز من سبيل إلا بالفضيلة والتقوى:
أ ـ {الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منها رجالاً كثيراً ونساءً}[37].
ب ـ {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله اتقاكم}[38].
ج ـ {وقالوا نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين}[39].
12ـ انتصار الحقّ: يدعو القرآن الكريم الإنسان إلى مناصرة الحق في صراعه ضد الباطل، ويحذّره من الوقوع في الشبهة إزاء هذا الصراع بسبب الأهواء والميول النفسية التي تحكم الطبيعة الإنسانية، وأن لا يلبس الحق بالباطل ولا يلبس الباطل ثوب الحق.
الحق يجب أن يُقام والباطل ينبغي أن يزهق، حتى وإن تكبد الشخص أو الآخرون من وراء ذلك أضراراً فادحة، بل إن القرآن أساساً يعتبر الله حقاً وما دونه باطلاً، وأن من يكون مع الله إنما يكون مع الحق، وأن الباطل مصيره إلى الزوال، والحق خالد لا زوال له.
وهو فوق كل ذلك يرى في الحق معياراً تُقاس به جميع الموازين. وحتّى الرأي العام متى ما انحرف عن الحق يفقد قيمته. ويعد الله عز وجل أسوأ الظلم تكذيب الحق. ويضم القرآن بين دفتيه أكثر من ثلاثمائة آية تتحدث عن الحق ودحض الباطل:
أ ـ {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق}[40].
ب ـ {ولا تتبع أهواءهم عمّا جاءك من الحق}[41].
ج ـ {وقل جاء الحق وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً}[42].
د ـ {ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذّب بالحق لما جاءه}[43].
13ـ رفض الاستكبار: يعتبر القرآن التكبر والتسلّط واستغلال الآخرين إنما يصل في قبحه إلى حدّ الشرك، ويرى أنّ هذه الصفة تدفع المرء إلى ارتكاب المظالم البشعة والجرائم القذرة وتقضي به إلى معاداة الله والناس.
والاستكبار لا يكون على حق أبداً، وهو من أكبر المخاطر التي تهدد الحياة السياسية للشعوب؛ إذ إنه يدمّر الحرث والنسل ويقضي على الأخضر واليابس. ويبتغي الاستكبار من خلال سحقه للحق تطويع جميع الطاقات والإمكانيات والقيم البشرية لخدمة الأغراض الذاتية والأهواء الشيطانية لفرد أو فئة خاصة، ويسلب الناس قدرتهم على المقاومة ويخضعهم لسلطانه:
أ ـ {ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين}[44].
ب ـ {لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّاً كبيراً}[45].
ج ـ {فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون}[46].
د ـ {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين}[47].
14ـ القضاء على ظاهرة الاستضعاف: من الطبيعي أن صفة الاستكبار تؤدي إلى إيجاد حالة الاستضعاف في المجتمع البشري؛ وذلك لأن الأقوياء عندما يستحوذون على طاقات وثروات الضعفاء يجعلونهم في ظروف لابد لهم معها من الرضوخ لهم. ومن هنا فإن القرآن يرى في الاستضعاف كأحد أسباب النهوض والثورة ضد المستكبرين. وقد بشَّر الله المستضعفين في مواضع عديدة من القرآن الكريم بالانعتاق من قيود المستكبرين، وأمر كل من يملكون أسباب القوّة بأن يهبوا لإعانة المستضعفين والمشاركة في إنقاذهم من خالب المستكبرين:
أ ـ {يقول الذي استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين}[48].
ب ـ {فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً}[49].
ج ـ {ونريد أن نمنّ على الذي استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}[50].
د ـ {ما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذي يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها}[51].
هـ ـ {قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم}[52].
15ـ المؤسسات الاستكبارية: يستخدم القرآن كلمة "الملأ" للإشارة إلى طبيعة التكتل الاجتماعي للمستكبرين ولمن يحرسون عروشهم ويحفظون حكومتهم بغية ضمان مصالحهم الخاصة.
والملأ في اللغة الجماعة من الناس الذين يملاون العين والقلب هيئة، وقيل هم أشراف الناس ورؤساؤهم الذي يرجع إلى قولهم، وقيل: إنما قيل لهم ذلك لأنهم ملأى بالرأي والغنى[53].
وهذه هي العناصر الأساسية التي تدير دفّة حكومة وسياسة الاستكبار ويتحلون أحياناً إلى أداة لتنفيذ المآرب الخبيثة لهذه الجماعة:
أ ـ {إلى فرعون وملئه فاستكبرون وكانوا قوماً عالين}[54].
ب ـ {وقال موسى ربّ إنّك آتيت فرعون وملئه زينة وأموالاً}[55].
ج ـ {فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم}[56].
د ـ {قال يا موسى إنّ الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج}[57].
16ـ الحكومة: إن الحكومة وتقلد زمام الأمور في المجتمع البشري حق إلهي مصدره الربوبية والهداية الإلهية، ولا يحق لأحد أن يحكم الناس إلا هو تعالى أو من يفوض له هذا الحق. وقد ألقى سبحانه وتعالى هذه المسؤولية على عاتق الأنبياء لما فيهم من العصمة. كما وأن انتخاب الناس يكتسب صفة شرعية فيما لو جاء في إطار تلك الصفات والشروط المذكورة من قبل:
أ ـ {إن الحكم إلا لله}[58].
ب ـ {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق}[59].
ج ـ {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}[60].
د ـ {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ـ هم الفاسقون ـ هم الظالمون}[61].
هـ ـ {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ لتحكم بين الناس بما أراك الله}[62].
17ـ الملك : وردت كلمات من قبيل الملك والملوك والمليك والملكوت والمالك بكثرة في القرآن الكريم، ويراد بها ما يُسمى حالياً بالحكم الملكي، ويعني في العلوم السياسية نوعاً من أنواع ممارسة السلطة.
ونستخلص من دراسة الكلمات المشتقة من (ملك) في القرآن الكريم أنها تعني السلطة المطلقة غير الخاضعة لأي تساؤل أو استفسار، وهي منبثقة من الارتباط التكويني لعالم الوجود بالخالق. وهذا النوع من السلطة يختص بالله وحده وهو تعالى يفوضها إلى من يشاء من عباده:
أ ـ {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء}[63].
ب ـ {آتاه الله الملك والحكمة وعلّمه مما يشاء}[64].
ج ـ {قالوا أنّى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه}[65].
د ـ {يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكاً}[66].
18ـ محاربة أعداء الله:
أ ـ {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}[67].
ب ـ {هم العدو فاحذرهم}[68].
ج ـ {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء}[69].
19ـ الكفاح المسلح في سبيل الله: إن للجهاد فائدة في الحياة السياسية تنعكس على المؤمن نفسه وعلى مجتمعه الإسلامي، وإن كان يؤدي في سبيل الله:
أ ـ {والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله}[70].
ب ـ {إنما المؤمنون الذي آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم}[71].
ج ـ {ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إنّ الله غني عن العالمين}[72].
د ـ {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}[73].
20ـ حزب الله: يمثل حزب الله دائرة اجتماعية ـ سياسية واسعة تشمل جميع القوى المسلمة الملتزمة. وتتحدد واجبات أعضائه بناءً على الرؤى والامكانات المتوفّرة بدون أية حاجة لأي هرم تنظيمي. وجند الله عبارة عن تنظيم عسكري حرّ يؤدي كل شخص مؤمن ملتزم فيه مسؤوليته الجهادية في الوقت المناسب:
أ ـ {ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون}[74].
ب ـ {رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون}[75].
ج ـ {وإنّ جندنا لهم الغالبون}[76].
وجاء حزب الله وجند الله في القرآن الكريم في مقابل حزب الشيطان وجنود فرعون وجنود إبليس. ويمكن من خلال هذه المقارنة انتزاع الصفات الإيجابية والسلبية لدى كل واحد منهما.
21ـ رفض الاستبداد والتسلط الأجنبي: ينشأ الفساد السياسي لأسباب وعوامل شتّى، إلا أن من أهم هذه الأسباب والعوامل هو الاستبداد الداخلي والتسلط الأجنبي. والأمر المعتاد هو أن هذين العنصرين متلازمان، وتعود جذور كل منهما إلى النزعة الاستكبارية.
يرى القرآن الكريم أن الكفاح من أجل القضاء على الاستكبار يجب أن ترافقه حركة أخرى على طريق إنهاء التسلط والاستبداد؛ وذلك لأن اجتثاث جذور الاستكبار يستلزم أحياناً ظروفاً ومتطلبات وخططاً مجدولة، وينبغي ألاّ تتوقف خلال هذه الفترة الجهود الرامية إلى إنهاء مظاهر التسلط والاستبداد. ومن المعروف أن الرضوخ للاستبداد والتسلط الأجنبي مرفوض وحرام.
وقد كان لهذا الأصل القرآني دور مصيري وحاسم في التاريخ السياسي للمسلمين خاصّة في القرن الأخير. ومن البديهي أن هذا الأصل يضمن الاستقلال السياسي للمسلمين.
أ ـ {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً}[77].
ب ـ {اذهبا إلى فرعون إنه طغى}[78].
ج ـ {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل}[79].
د ـ {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس}[80].
22ـ المشاركة والتعاون في النشاطات السياسية: من الطبيعي أن التعاون والمشاركة الجماعية جزءُ لا يتجزّأ من الحياة الاجتماعية، بيد أن القرآن أكمل هذه الحقيقة، أو لنقل إنه أعاد بناءها من خلال إضافة عنصري البر والتقوى عليها؛ فالبّر هو أي عمل مفيد للفرد والجماعة على نحو من الأنحاء، والتقوى هي الحالة التي تقرّب الإنسان إلى الله وتجعل علاقته بالآخرين خالصة وحسنة.
ومن الواضح هنا أن النشاطات السياسية هي من أبرز الحقول التي يمكن تطبيق هذا الأصل المعدل فيها. وفي هذا السياق لابد لكل مسلم أن يضع كل نوع من أنواع نشاطه السياسي ضمن قالب البرّ والتقوى:
أ ـ {وتعاونوا على البر والتقوى}[81].
ب ـ {وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}[82].
ج ـ {ثم كان من الذي آمنوا وتواصوا بالصبر}[83].
23ـ رفض منهج المساومة مع العدو:
أ ـ {وكأي من نبي قاتل معه ربّيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين}[84].
ب ـ {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردّوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين}[85].
ج ـ {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار}[86].
24ـ الحذر من العدو: على الرغم من صعوبة استيعاب جميع الأساليب النفسية وطرق الخداع والتخفي التي يمارسها الأعداء والأجانب، وإن كل حالة من حالتها تتسم بخصائص لا يمكن تعميمها على الحالات الأخرى، فإن القرآن بيّن مجموعة من المعالم العامة لتحرك الأجانب في علاقتهم بالمسلمين؛ وهذا ما يحتم على الأقل أخذ هذه الأمور بنظر الاعتبار وتوخّي الحذر والحزم في التعامل مع الأعداء.
أ ـ {وما يؤدّ الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم خير من ربكم}[87].
ب ـ {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتّى تتبع ملّتهم}[88].
ج ـ {ودّت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم}[89].
د ـ {اتخذوا أيمانهم جُنّة فصدّوا عن سبيل الله}[90].
25ـ الغايات النهائية للإسلام: يعتبر القرآن الإسلام ديناً شمولياً خالداً تقع مهمة نشر رسالته على عاتق جميع المسلمين، والغاية النهائية لجميع النشاطات السياسية للمجتمع المسلم هو النصر النهائي للإسلام على جميع الأديان.
أ ـ {قل يا أيها الناس إني رسول إليكم جميعاً}[91].
ب ـ {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه}[92].
ج ـ {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}[93].
26ـ الالتزام بالعهود والمواثيق: جاء الوفاق بالعهود والالتزام بالمواثيق في القرآن الكريم كمؤشر على صدق الإيمان وكعلامة على التقوى، ووعد من ينقض العهد بأليم العذاب، ونظر إلى توسيع العهود والمواثيق كأفضل وسيلة لتحقيق حياة كريمة وحافلة بالسلام، وكأداة لبلوغ الغايات النهائية للإسلام.
أ ـ {والموفون بعهدهم إلا عاهدوا.. أولئك الذي صدقوا وأولئك هم المتقون}[94].
ب ـ {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلاّ على قوم بينكم وبينهم ميثاق}[95].
ج ـ {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم}[96].
27ـ الصلح: يعتبر الصلح من وجهة نظر القرآن قيمة وغاية بحد ذاته، ويكفي فيه أن لا تعقبه خدعة أو نتيجة خطيرة. والغاية من الصلح ليست غاية مصلحية، وإنما الصلح بحد ذاته مصلحة، وذلك لأنه أكثر انسجاماً مع الحياة الفطرية للناس، وفي ظله تتوفر ظروف أكثر إيجابية لرقي الإنسان ورفعته، ويمكن من خلال وجوده أن يسود التفاهم بين الناس وتنتشر بينهم نزعة الميل نحو الحق. ويرى القرآني أن التوصل إلى هذه الغايات يتم في ظل وجود السلام على نحو أفضل وأسرع وأكثر عقلانية؛ ومن هنا نراه يؤكد على:
أ ـ {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله}[97].
ب ـ {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله}[98].
ج ـ {فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً}[99].
ولكن على الرغم من وجود رغبة إسلامية في إقرار الصلح من خلال قوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافّة}[100]، إلا أن هذه الرغبة ليست مطلقة، فالآية التالية تبيّن سبيل الحلّ:
{فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم}[101].
28ـ إقرار الأمن: ونكتفي بذكر الآيات التالية على سبيل المثال فقط:
أ ـ {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها}[102].
ب ـ {إنّما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتّلوا ويصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا في الأرض}[103].
ج ـ {فلا عدوان إلا على الظالمين}[104].
د ـ {ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً}[105].
29ـ منح اللجوء للأجانب: إن توفير الأمن للاجئين الأجانب من خلال منحهم حق اللجوء يعتبر عملاً إنسانياً وضع القرآن أسسه على صورة اتفاقية صلح. وهكذا صرّح في إطار هذا السياق قائلاً:
{وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه}[106].
30ـ الحل السلمي للاختلافات الدولية: يعتبر عدم استخدام القوّة مبدأً ساري المفعول طالما كان هناك طريق لحلّ الخلافات. وهذا المبدأ أكده القرآن في مواضع عديدة، وبيّن ضرورة ممارسة خيار السلام والمصالحة والحوار بدلاً من استخدام أساليب القوّة أو العنف:
أ ـ {أن تبّروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس}[107].
ب ـ {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس}[108].
ج ـ {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتّى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إنّ الله يحب المقسطين}[109].
لمحة على الفكر السياسي في نهج البلاغة
نهج البلاغة هو المختار من كلام الإمام علي (عليه السلام)، وبما أنّ أكثره جاء في أيام خلافته، وتتعلق أبرز موضوعاته بالمسائل السياسية والحكومية؛ لهذا السبب يمكن اعتباره من جملة الوثائق المهمة لفهم الفكر السياسي.
ومن هنا لابد لنا من إلقاء لمحة ولو عابرة على مقتطفات من الكلمات والخطب والرسائل كنماذج من الأفكار الغنية التي يموج بها هذا البحر المترامي[110].
ألف ـ القيادة وواجبات الدولة الإسلامية
إحدى المسائل التي تحتل أهمية بارزة في نهج البلاغة هي مسألة القيادة والإمامة والحكومة، بحيث قلما تجد خطبة أو رسالة أو كلمة قصيرة خالية من البُعد السياسي والتربوي في مجالات السياسة والحكومة. ولهذا السبب لا مناص أمامنا من الإشارة إلى جانب من هذه المجموعة القيّمة وإدراج ذلك على نحو السرد المرتّب على النحو التالي:
وجوب معرفة الإمام العادل[111]، واجبات ومسؤوليات الدولة الإسلامية[112]، الاقتصاد في الإنفاق من قبل الدولة والمسؤولين[113]، ضرورة القيادة والحكومة[114]، صفات القادة والولاة الفاسدين[115]، خصائص النظام الإسلامي[116]، شروط الإمامة الخاصة[117]، واجبات الإمام والقائد[118]، آداب القيادة[119]، القائد والأمة[120]، الشروط الخاصة للإمامة[121]، الصراع على السلطة والقيادة[122]، صافت وكفاءات الإمام[123]، علم غيب الإمام[124]، عدالة الإمام[125]، زهد الإمام[126]، العلاقة بين النبوّة والإمامة[127]، الإمامة والجهاد[128]، الإمامة والشجاعة[129]، الإمامة والإيثار[130]، الشروط الأصلية والذاتية[131]، صفة هداية الإمام[132]، الأحزاب والمعارضون للحكومة[133]، خصائص القائد[134]، الحكومة المثالية[135]، رأي الإمام في البيعة[136]، الإمام والبيعة[137]، نكث البيعة[138]، مبايعة الأمة للإمام[139]، مبايعة القادة الفاسدين[140]، توعية الأمة قبل البيعة[141]، الإمام وانتخاب الشورى[142]، الإمام ونتائج الشورى[143]، شورى الخلافة[144]، خصائص الخلافة[145]، مسؤوليات الدولة الإسلامية[146]، مسؤوليات القادة[147]، واجبات الأمة تجاه القائد[148]، زعزعة القيادة[149]، الإمام والخلفاء الذين سبقوه[150]، عصر الخلافة الثاني[151]، ثالث مراحل الخلافة[152]، إرشادات الإمام للخلفاء[153]، تحليلات الإمام السياسية للأوضاع السياسية في عصره[154]، نقد الإمام للحكومات[155]، الحرص على المصير الجماعي[156]، التحذيرات السياسية للإمام[157]، المسائل السياسية في عصر الإمام[158]، القاسطون ومثيرو فتنة صفين[159]، أصحاب الألاعيب السياسية[160]، الإمام والمتلاعبون بالسياسة[161]، المعارضون[162]، فضح شخصيات وفساد المعارضين[163]، كشف الحقائق أمام المخدوعين السياسيين[164]، سائر المعارضين[165]، رجال وشخصيات السياسة[166]، الشخصيات المرتبطة بالوقائع السياسية[167]، واقعة السقيفة[168]، مدى تأثير كلام الإمام[169].
ويمكن أيضاً اختزال مسائل الأمة والقيادة في نهج البلاغة، وتبويبها وشرحها على النحو التالي:
1ـ مراتب الحاكمية في الإمامة: الشخص الموكل من قبل الإمام المعصوم يملك حق الولاية والحاكمية والسلطة الشرعية: "فإنّك فوقهم، وولي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك أمرهم"[170].
2ـ مشروعية تشكيل الحكومة: وله حق تشكيل الحكومة واختيار الوزراء: "إن شرّ وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيراً... إنّي قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك"[171].
3ـ قيادة الجيش: ويجب أن يضطلع بمهمة تجهيز وإعداد الجيش ويتولى أمر قيادته "فولّ من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك وأنقاهم جيباً وأفضلهم حلماً"[172].
4ـ إيجاد نظام استشاري واحترام آراء ذوي الرأي: "ولا تُدخلنّ في مشورتك بخيلاً يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الأمور، ولا حريصاً يزين لك الشره بالجور"[173].
5ـ إيجاد أجهزة قضائية تتناسب مع متطلبات الزمان: يجب عليه أن يُنشئ أجهزة قضائية صالحة لإقرار العدالة الاجتماعية:
"ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك في نفسك... ثم أكثر تعاهد قضائه وأفسح له في البذل ما يزيل علّته"[174].
6ـ معايشة الناس: ويجب أن لا يُلقي حاجزاً بين القوات المسلحة وقوات الأمن وبين سائر أبناء الشعب. ويستشف من هذا التوجيه وجود قوى في ذلك العهد كانت تعمل على غرار عمل قوى الأمن الداخلي في الوقت الحاضر: "وتقعد عنهم جندك وأعوانك وأحراسك وشرطك"[175].
7ـ المحافظة على المعلومات الأمنية: وجوب التمسك بمبدأ السرية في النظام الإداري والأمني للبلاد، مما يستلزم منها وجود أجهزة خاصة وإفراد خاصّين: "وأخص رسائلك التي تدخل فيها مكائدك وأسرارك بأجمعهم لوجوه صالح الأخلاق"[176].
8ـ الرقابة والتفتيش: لابد من تفقد مجريات الأمور في البلاد على نحو خفي، واتباع طريقة التكتم في استطلاع الشؤون الإدارية: "ثم تفقّد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم حدوة لهم على استعمال الأمانة... فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه عندك أخبار عيونك..."[177].
9ـ الاشراف الإداري والاستخدام الصالح: يجب مراعاة النظام الإداري السليم والتمسك بالأصول والقيم في استخدام الأشخاص في الأجهزة الحكومية وعدم اتباع أسلوب العلاقات الشخصية: "ثم انظر في أمور عمّالك فاستعملهم اختباراً وكلا تولّهم محاباة واثرة، فانّهما جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخّ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام"[178].
10ـ توطيد ركائز السلام والتعايش السلمي من خلال عقد الاتفاقيات الدولية: إنّ عقد اتفاقيات السلام مع العدو من واجبات الولي ونائب الإمام: "ولا تدفعن صُلحاً دعاك إليه عدوّك ولله فيه رضى، فإنّ في الصلح دعةً لجنودك وراحةً من همومك وأمناً لبلادك"[179].
11 ـ اجتناب العجب: ومن جملة ما يجب في هذا المجال الابتعاد عن صفات التكبر والخيلاء وحب الثناء : "وإيّاك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الاطراء"، "وإيّاك والاستئثار بما الناس فيه أسوة"[180].
12 ـ إيجاد التغييرات الكفيلة بتحقيق خير وصلاح المجتمع واستتباب أمور البلاد: "وأكثر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمرُ بلادك وإقامة ما استقام به النّاس قبلك"[181].
ب ـ ضرورة وجود الحكومة ومكانتها
1 ـ من وجهة نظر نهج البلاغة لا يمكن للانسان بلا قيادة وللمجتمع بلا حكومة أن يبلغا الغاية المنشودة. والمصير الحتمي لمثل هذا الفرد وهذا المجتمع الانزلاق إلى مهاوي الحيرة والضلالة والوقوع كفريسة للذئاب. فقد قال الإمام (عليه السلام) في هذا المعنى:
"فإن الشاذ من الناس للشيطان كما أنّ الشاذ من الغنم للذئب"[182].
ويصف القرآن الكريم طاعة الأمة للأئمة بأنها واجبة كطاعة الله ورسوله:
{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}[183].
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان مكانة الإمام ومسؤوليات الامامة:
"فهو من معادن دينه وأوتاد أرضه، قد ألزم نفسه العدل، فكان أوّل عدله نفي الهوى عن نفسه، يصف الحقّ ويعمل به، لا يدع للخير غاية إلاّ أمّها ولا مظنة إلاّ قصدها، قد أمكن الكتاب من زمامه، فهو قائده وإمامه، يحل حيث حل ثقله وينزل حيث كان"[184].
وقال في موضع آخر:
"إنما الأئمة قوام الله على خلقه وعرفاؤه على عباده، ولا يدخل الجنّة إلاّ من عرفهم وعرفوه، ولا يدخل النار إلاّ من أنكرهم وأنكروه ... ولا تفتح الخيرات إلاّ بمفاتيحه، ولا تكشف الظلمات إلاّ بمصابيحه"[185].
ج ـ الأبعاد السياسية للقيادة
القيادة ـ من وجهة نظر نهج البلاغة ـ ليست مفهوماً ذا بعد واحد، وإنما تتألف من مجموعة أبعاد متعددة ومتداخلة، وتدخل في تكوينها عناصر مختلفة، لا تجد طريقها إلى حيز التطبيق ما لم تتحقق على الصعيد الاجتماعي.
ترتبط الامامة من بعض الجوانب بأصل العقيدة والوحي من جهة، وبالأمة من جهة أخرى. ويمكن تلخيص هذه الأبعاد والعناصر والجوانب المختلفة في أربعة محاور، هي:
1 ـ المركزية والقطبية العقائدية.
2 ـ الاصطفاء الإلهي على أساس الخصائص الأفضل.
3 ـ بيعة الأمّة وقبول الشعب.
4 ـ الإمامة مسؤولية كبرى وتكليف لا تشريف.
إلا توفّرت هذه المحاور والخصال الأربع في المجتمع تجد الإمامة مصداقاً عينياً لها في الخارج، ويدخل مفهوم الأمة والإمام إلى حيّز التطبيق.
1ـ سياسة المركزية العقائدية:
وجدت الإمامة بالمفهوم الدقيق للمركزية العقائدية معناها الجلي في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)، من خلال تبيانها بكلمة القطب:
"أما والله لقد تقمّصها فلان وإنه ليعلم أن محلّي منها محلّ القطب من الرحا"[186].
وقطب الرحا هو المحور الذي تدور حوله، وبدنه يضطرب دورانها وسرعان ما تتوقف عن الحركة. وفي مثل هذا الخضم تأخذ الخلافة بما تعنيه من النيابة عن الرسول (ص)، والتصدّي لشؤون الزعامة العقائدية والتوجيه التكاملي لجميع التيارات والحركات الفاعلة على الساحة الاجتماعية، طابعاً مركزياً بحيث إنّ الأمة كلها تدور حول محور الإمام. فالإمامة تبدو في هذا البيت وكأنّها النواة المركزية التي تأخذ على عاتقها أمر الحفاظ على وتيرة الدوران المنتظم والحيلولة دون وقوع أي خلل في هذه الحركة.
يشبّه الإمام علي (عليه السلام) في موضع آخر الإمامة بأنها كالنظام الذي ينتظم به الخرز، قائلاً:
"ومكان القيّم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمّه، فإن انقطع النظام تفرّق الخرز وذهب"[187].
لقد انعقد أمر الإمامة مع أمر الدين إلى حدّ لا يمكن معه أن يفترقا أبداً، كما قال رسول الله (ص):
"إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا أبداً، وإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض"[188].
إن أهواء ورغبات الناس لا يمكنها أن تحيد بالإمام عن منهج الوحي. فعندما اختار الناس إمامهم، رسم هو مسار حركته وفقاً لمتطلبات الدين وفي ضوء الإرادة الإلهية المتجسّدة بالوحي.
2ـ بيان الوحي:
العنصر الثاني الذي يتسم بدور حاسم في الإمامة هو بيان الوحي:
"لهم خصائص حق الولاية وفيهم الوصية والوراثة"[189].
3ـ قبول الشعب:
لو أننا طرحنا مسألة الإمامة لا على شكل نظرية وإنما على شكل مسألة واقعية في حياة المجتمع الإسلامي، تتحول مسألة البيعة وقبول الشعب بشكل تلقائي إلى واحد من العناصر التي يتألف منها هذا المفهوم.
عبّر الإمام علي (عليه السلام) في أحد المواضع عن التحقق العيني للإمامة بكلمة "الانعقاد" مبيناً علاقة الإمام بالأمة على النحو التالي:
"ولعمري لئن كانت الإمامة لا تنعقد حتى يحضرها عامة الناس فما إلى ذلك سبيل، ولكن أهلها يحكمون على من غاب عنها ثم ليس للشاهد أن يرجع ولا للغائب أن يختار"[190].
إذاً كلام الإمام هذا من الممكن أن يحمل على قاعدة الإلزام والجواب الاقناعي لمن يدّعون بأن الإمامة لا تأتي عن طريق الوحي والنصّ وإنّما عن طريق الانتخاب والشورى، فإنه (عليه السلام) يعلن صراحة في موضع آخر:
"فإن اجتمعوا على رجل وسمّوه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة وردّوه إلى ما خرج، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين"[191].
وقال أيضاً في موضع آخر:
"إنما مثلي بينكم كمثل السراج في الظلمة يستضيء به من ولجها، فاسمعوا أيّها الناس وعوا"[192].
4ـ الإمامة قدوة وتكليف
لا يمكن النظر إلى الإمامة ـ لاسيما في ضوء ما يكتنفها من صفة الاصطفاء الإلهي ـ على أنها منصب أو تشريف، وإنما مسؤولية كبرى يتعهد بها الإمام في مقابل الله وفي مقابل الأمة. وهذا المعنى يمكن استجلاؤه من قول الرسول (ص):
"الإمام راع ومسؤول عن رعيّته"[193].
وعزا عليه السلام في إحدى خطبه قبول ولاية الأمر إلى الميثاق الذي أخذه الله على العلماء:
" وما أخذ الله على العلماء ألاّ يُقاروّا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم"[194].
وصرّح في موضع آخر بأن إحياء معالم الدين ورد المظالم مسؤولية لا مفر منها:
"اللهم إنك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الإصلاح في بلادك؛ فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطّلة من حدودك"[195].
وأكد أنّ استجابته لطلب التصدي لزمام الأمور لم تأتِ إلا نزولاً عند المسؤولية التي فرضها عليه كتاب الله وسنّة الرسول (ص)، وذلك في قوله:
"والله ما كانت لي في الولاية إربة، ولكنكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها، فلمّا أفضت إليّ نظرت إلى كتاب الله وما وضع لنا وأمرنا بالحكم به فاتبعته، وما استنّ النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فاقتديته"[196].
وحدّد في كلام له مع ابن عباس أنّ الرضوخ للإمرة والنهوض بأعبائها لا يأتي إلا على أساس ما ينجم عن ذلك النهوض من أداء للواجب؛ فقد ورد أنه قال لابن عباس: ما قيمة هذا النعل ؟يقول ابن عباس فقلت: لا قيمة له! فقال (عليه السلام): "والله لهي أحبُّ إلي من امرتكم، إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً"[197].
ويؤكد (عليه السلام) مبدأ المسؤولية في تحمل الإمامة قائلاً:
"لقد علمتم أني أحق بها من غيري، ووالله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين؛ ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة، التماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه"[198].
ولا وجود في الإمامة لمعاني الامتيازات والتسلط والتمايز، وإنما تأتي الاستفادة من أسباب القوّة في ضوء ما يتحمله المرء من مسؤولية مقدّسة. وقد جاء في ردّه على من أشاروا عليه باتخاذ التمييز بين الناس كوسيلة لتوطيد أسس حكومته، قائلاً:
"أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه! والله لا أطور به ما سمر سمير، وما أمّ نجم في السماء نجماً! لو كان المال لي لسويت بينهم، فكيف وإنما المال مال الله"[199]!
وإذا كان الإمام قد تصدّى لمقاومة المدّعين للسلطة وطلابها وصرف طاقاته وقواه لدحضهم، فذلك لكي لا يقع زمام أمور الأمّة بيد العناصر الفاسدة من أعداء الدين والأمّة:
"ولكني آسي أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال الله دولاً، وعباده خولاً، والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً... فلولا ذلك ما أكثرت تأليبكم وتأنيبكم، وجمعكم وتحريضكم، ولتركتكم إذ أبيتم وونيتم"[200].
يؤكد الإمام في كلمته هذه أنه لا يخشى الأعداء والمعارضين أو النزول عن مسند الرئاسة، وأنه لا يساوره شك في أحقّيته وضلال أعدائه.
إنّ أهمية المسؤولية في الإمام توجب على الإمام أن يكون قدوة، وأن يبادر إلى العمل قبل أن يطلبه من غيره، وأن يكون أكثر أبناء الأمةّ تمسّكاً بالأحكام الشرعية؛ إذ إنه التجسيد العملي لكل المُثُل التي جاء بها الدين؛ فهو يقول صراحة في هذا المعنى:
"أيها الناس! إني والله ما أحثكم على طاعة إلا وأسبقكم إليها، ولا أنهاكم عن معصية إلا وأتناهى قبلكم عنها"[201].
د ـ الحقوق المتبادلة بين الشعب والحكومة
لاشك في أن المسؤولية توجب لصاحبها حقاً وتفرض عليه واجبات وفروضاً. وقد تجسد هذا المعنى في قوله (عليه السلام):
"فالحق لا يجري لأحد إلا جرى عليه، ولا يجري عليه إلا جرى له"[202].
ومن الطبيعي أنّ مسؤولية الإمامة غير مستثناة من القاعدة فيما يختص بالعلاقة بين الإمام والأمة؛ وهكذا فهي تمنح الإمام صلاحيات واسعة وتلقي على كاهل الأمة حقوقاً واجبات تجاه الإمام، وهذا هو ما نعبر عنه بالولاية. وكل نوع من الولاية يكون مصدراً للقوة والسلطة في سبيل استجلاب المنفعة للأمّة؛ وقد حدد نهج البلاغة معالم هذا التلازم الحقوقي والحقوق المتبادلة بين الإمام والأمّة على النحو التالي:
"أيها الناس! إنّ لي عليكم حقّاً ولكم عليّ حقّ: فأمّا حقكم عليّ فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم عليكم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتأديبكم كيما تعلموا؛ وأمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والإجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم"[203].
وقد وردت في الكافي روايات في هذا المجال تحت عنوان: "ما يجب من حق الإمام على الرعية وحق الرعية على الإمام (عليه السلام)، وتنعكس فيها أهم مسألة سياسية في مجال الحكومة وحفظ الحقوق العامة والحريات الأساسية[204].
لمحة عن المواقف السياسية للأئمة (عليهم السلام)
من أبرز أبعاد الإمامة، القيادة السياسية للمجتمع، وهذه القيادة تحققت على الصعيد العملي خلال فترة وجيزة من حياة الإمام علي (عليه السلام) والإمام الحسن المجتبى (عليه السلام). ومع أن سائر الأئمة المعصومين عاشوا خارج نطاق السلطة السياسية، إلا أنهم كانوا يودّون دورهم في المجتمع الإسلامي بصفتهم قطباً سياسياً ومركزياً لنشر الوعي ومبدأً لانطلاق النهضات والحركات الثورية، وكعامل ضغط يمنع خلفاء عصرهم من المتمادي في الانحراف على ذلك المنهج المغلوط.
وأكثر ما يسترعى الاهتمام في التوجّه السياسي للأئمة (عليهم السلام) هو مواقفهم السياسية أمام السلطات الحاكمة في زمانهم، وهي مواقف جديرة بأن يطيل المرء الوقوف عندها لسبر أغوارها. وبما أن المعالم العامّة لحياتهم كانت متخفية خلف ستار من التقية والعبادة والزهد والعرفان، فقد كانت المجاهرة بمواقفهم السياسية لا تخلو في الكثير من الحالات من الإشكال. ويمكن في بعض الحالات ومن خلال القرائن والظروف فهم الأسرار الكامنة وراء حياة الأئمة (عليهم السلام) التي تبدو في الظاهر وكأنّها حياة عادية.
يمكن استكناه التوجّهات العامّة لمواقف أهل البيت في كلام الإمام علي (عليه السلام) وخاصة ما ورد من كلامه في نهج البلاغة. ويضطلع هذا الكتاب، الذي يعدّ بمثابة كنز فلسفي سياسي ثمين لدى الشيعة، برسم الأهداف العامّة والمبادئ الأصولية للسياسة والحكومة من وجهة نظر الإسلام[205].
تبلورت في مدّة خلافة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) التي استمرت خمس سنوات الصورة العامة لكيفية التصدي لعناصر النفاق ومراكز الضغط السياسي والقوى غير المشروعة[206]. وقد بيّن الإمام الحسن (عليه السلام) خلال المدّة القصيرة من خلافته كيفية الكشف عن الصورة المخادعة للعدو، إلى جانب تبنّي منهج المقاومة المشفوعة بالمرونة، ولكن بدون الانزلاق إلى مهاوي المساومة[207]. وقدّم الإمام الحسين (عليه السلام) ستراتيجية ثورة كبرى من خلال خروجه من المدينة إلى كربلاء[208]. وتجسد في حياة الإمام السجّاد (عليه السلام) معنى المقاومة وكيفية قطف ثمار ثورة دامية ضحّى أبطالها بأنفسهم في سبيل إحياء الدين ومُثُله الخالدة، واختطت مسارها أمام ذروة الانتصار الظاهري لعدو غاشم، وفي أجواء مليئة بالكبت والرعب والاضطهاد. واتخذ تصوير الآلام الاجتماعية في قالب الدعاء والمناجاة وتعميق الوعي السياسي إلى أعماق الروح الإنسانية وضميرها الحي، مكانة خاصّة في هذا المسار[209].
وابتدأ كل من الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) نوعاً آخر من الكفاح في مجتمع مغلق هيمنت فيه السلطة آنذاك على عقول وضمائر الناس، وعملا من خلال نشر العلم على إشاعة الوعي السياسي في المجتمع بشكل غير مباشر وتركيز اهتمام ووعي الجماهير على موقفها الحقّة[210].
كان الضغط السياسي الذي تمارسه الحكومة عبر جميع الوسائل المتاحة لديها من أجل إشاعة الكبت وعزل القطب المعارض، يمثّل نوعاً آخر من الظروف التي برزت في عهد حياة الإمام الكاظم (عليه السلام) فكانت مواقف الإمام في تلك الظروف المريرة بالغة الصعوبة وصحبتها فترات طويلة من السجن[211].
أما سياسة الخداع واللين والمساومة التي انتهجتها السلطات الحاكمة التي كانت تعيش مشاكل سياسية وتخشى القاعدة الجماهيرية الواسعة المؤيدة للإمام، فقد كانت تستلزم اتخاذ مواقف من نوع آخر يمكن الاطلاع عليها في حياة الإمام الرضا (عليه السلام)[212].
أما المواقف البارزة في الحياة السياسية للإمام الجواد (عليه السلام) فهي العلاقات الخفية مع مراكز الوعي في ظروف استطاعت فيها السلطات الحاكمة إبعاد المجتمع عن دائرة الإمامة، وعزل الإمام عن الجماهير، فكانت هذه العلاقات الخفية بمثابة منهج سياسي خاص طبع حياته (عليه السلام)[213].
وفي عهد الإمام علي الهادي (عليه السلام) حيث بلغت قوة الطاغوت ذروتها ونجحت نجاحاً تاماً في خداع الجماهير وعزل الإمام عن الأمّة، كانت مواقف الإمام تجري بسرّية تامة في ظل مبدأ التقية. وهكذا استطاع (عليه السلام) أن يضيّق الخناق على طاغوت عصره ـ بدون أن يترك وراءه أية ذريعة بيد عدوّه ـ إلى حدّ جعل المتوكّل يقول لأفراد حاشيته:
"ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا"[214].
أما بالنسبة إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) فقد مرَّ بظروف صعبة وجرت عليه أحوال سياسية في غاية التعقيد، حتّى إنه قال:
"ما مني أحد من آبائي بمثل ما منيت به".
سبب تنوع الأساليب السياسية للأئمة (عليهم السلام) يتبادر إلى الذهن منذ الوهلة الأولى لدراسة السيرة السياسية للأئمة المعصومين (عليهم السلام) أن كل واحد منهم اتخذ أسلوباً خاصاً في التعامل مع ظروف عصره وطاغوت زمانه، وكانت هذه المواقف بشكل عام متفاوتة في حيثياتها؛ ويمكن استكناه هذا التفاوت من خلال النقاط التالية:
1 ـ استخدمت كل واحدة من السلطات التي تولت زمام الأمور في عهد الأئمة (عليهم السلام) أسلوباً خاصاً لتوطيد سلطانها؛ واستخدمت كل واحدة منها تبعاً لذلك أسلوباً قمعياً خاصاً ضد الأئمة (عليهم السلام) في ضوء المسار العام الذي انتهجته في مقابل المواقف الحقّة لأهل البيت (عليهم السلام) وبما ينسجم مع السياسة التي اتبعتها كل واحدة من تلك السلطات في اقناع الأمة أو قمعها؛ فالأسلوب الذي اتبعه معاوية يختلف اختلافاً شاسعاً عن الأسلوب الذي اتبعه يزيد، وكانت سياسة يزيد مختلفة كلياً عن سياسة هارون، والطريقة التي اتبعها هارون كانت تختلف عن الطريقة التي سار عليها المتوكل.
2ـ من الطبيعي أن الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية لها دور مؤثر في اتخاذ الموقف المنطقي السليم، ثم إن النظرة الواقعية تفرض على المرء اتخاذ الموقف السياسي المتناسب مع الظروف السائدة في المجتمع.
كانت التغيرات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي كانت تمرّ بالمجتمع تخلق ظروفاً جديدة تؤثر في طبيعة مواقف الأئمة، نشير على سبيل المثال إلى أنّ أجواء الكبت والإرهاب التي شاعت في عهد يزيد بن معاوية في أعقاب ثورة كربلاء وقتل أهالي مكّة وأهالي المدينة، كانت تستلزم اتخاذ موقف معيّن يختلف عن الموقف الذي يتخذ في أيام الصراع بين بني أمية وبني العباس على السلطة.
3ـ الموقف السياسي للإمام ـ كأي عمل وموقف آخر في حياة المعصوم ـ يحمل بعدين:
الأول: هو بعد المسؤولية الشخصية للإمام في مقام أداء واجباته أمام الله والشرع، وهو في هذا الموقف يتحمل مسؤولية وتكليفاً كأي فرد آخر، وتقع على عاتقه حتّى في مجال القيادة والإمامة مسؤوليات يجب عليه أداؤها.
الثاني: هو البعيد التعليمي والإرشادي في عمل الإمام، حيث يجب أن يكون في موقفه أسوة للأمة. إذ إن عمله في كل مورد يعتبر انعكاساً لحكم شرعي.
ويمكن من خلال هذا التوضيح استخلاص سبب آخر من أسباب اختلاف السيرة السياسية للأئمة (عليهم السلام)، وذلك لأن كل واحد منهم كان يعكس، ضمن أداء رسالته إزاء مجتمعه، أسلوباً خاصاً يتناسب مع الظروف المشابهة، وقدموا في الظروف المختلفة أساليب ومواقف عملية متفاوتة يمكن أنّ يستنبط منها نوعان من الظروف المتعلقة بالقيادة في زمن غيبة الإمام المعصوم.
إن تقديم نماذج مختلفة عن القيادة والمواقف السياسية في زمن حضور الإمام المعصوم (عليه السلام) تعتبر في الحقيقة بمثابة نوع من البيان الذي يستخدم لسد الفراغ الناجم عن عدم حضور المعصوم (عليه السلام) في عهد الغيبة.
4ـ تطالعنا بعض الروايات بنقطة أخرى تعكس وجود رسالة خاصة ومصير خاص بكل إمام؛ وكأن لكل واحد منهم دوراً وابتلاءً ومصيراً مرسوماً له من قبل وكان محفوظاً في العلم الإلهي المكنون وفي المشيئة الإلهية وفي أم الكتاب، وقد أُبلغ إلى الرسول (ص) بواسطة الوحي، وانتقل منه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم تتابع إبلاغه من كل إمام إلى الإمام الذي يليه[215].
أصول عامة ومشتركة في المواقف السياسية للأئمة (ع)
على الرغم من التفاوت المشهود بين أساليب الأئمة (عليهم السلام) في التعامل مع طواغيت عصرهم، ومع أن موقف كل إمام جاء انطلاقاً مما تمليه عليه الظروف الاجتماعية السائدة في عصره، يوجد بين هذه المواقف مجموعة من الأصول والخطوط العامّة المشتركة في جميع تلك الظروف، وتصدق على جميع الأساليب التي اتبعها الأئمة في تعاملهم مع واقعهم. نشير فيما يلي بإيجاز إلى أهم تلك الخطوط العامّة:
1ـ كان مجابهة الطاغوت مسألة لا مفرّ منها في سيرة الأئمة (عليهم السلام)، وكانت الأساليب الثورية التي اتخذت أشكالاً مختلفة تمثل جزءاً من ستراتيجية عامّة في مواقف الأئمة ضد السلطات الحاكمة[216].
2ـ كان مبدأ التقية والتمويه على شكل المجابهة وإخفاء الغايات والأساليب وكتمان أسرار المواجهة الثورية واحداً من الخطوط العامّة المشتركة بين جميع الأدوار التي اضطلع بها الأئمة؛ وبلغ هذا الأسلوب من التكتم حدّاً جعل التقية تصبح علامة للتدين، وإظهار أسرار أهل البيت (عليهم السلام) مدعاة لغضب الله ورسوله[217].
3ـ الثبات والصلابة أمام أساليب الضغط والتعذيب والإرهاب، ومواصلة أسلوب المواجهة في جميع الظروف، وعدم استشعار الملل أمام الممارسات الإجرامية للطاغوت وأعوانه[218].
4ـ الرؤية الواقعية والمرونة في التعامل مع المعوقات المستعصية، مع تجنب أساليب الخنوع والمساومة في الجهاد[219].
_____________________
* أستاذ في الحوزة والجامعة.
[1] سورة البقرة، الآية 30.
[2] سورة ص، الآية 26.
[3] سورة النور، الآية 55.
[4] سورة البقرة، الآية 213.
[5] سورة يونس، الآية 19.
[6] سورة الأنبياء، الآية 92.
[7] سورة البقرة، الآية 124.
[8] سورة الأنبياء، الآية 73.
[9] سورة القصص، الآية 5.
[10] {فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون} سورة التوبة، الآية 12.
[11] سورة الإسراء، الآية 71.
[12] سورة الدهر، الآية 3.
[13] سورة الكهف، الآية 29.
[14] سورة الرعد، الآية 11.
[15] سورة المدثر، الآية 38.
[16] سورة الإسراء، الآية 70.
[17] سورة آل عمران، الآية 195.
[18] سورة النساء، الآية 32.
[19] سورة البقرة، الآية 44 و76.
[20] سورة المجادلة، الآية 11.
[21] سورة الحج، الآية 46.
[22] سورة يوسف، الآية 111.
[23] سورة الشورى الآية 38.
[24] سورة آل عمران، الآية 159.
[25] سورة التوبة، الآية 71.
[26] سورة آل عمران، الآية 110.
[27] سورة القصص، الآية 5.
[28] سورة البقرة، الآية 279.
[29] سورة البقرة، الآية 165.
[30] سورة الكهف، الآية 59.
[31] سورة هود، الآية 113.
[32] سورة الحديد، الآية 25.
[33] سورة الشورى، الآية 15.
[34] سورة المائدة، الآية 8.
[35] سورة النساء، الآية 58.
[36] سورة النحل، الآية 90.
[37] سورة النساء، الآية 1.
[38] سورة الحجرات، الآية 13.
[39] سورة سبأ، الآية 35.
[40] سورة الأنبياء، الآية 13.
[41] سورة المائدة، الآية 48.
[42] سورة الإسراء، الآية 81.
[43] سورة العنكبوت، الآية 68.
[44] سورة يونس، الآية 75.
[45] سورة الفرقان، الآية 21.
[46] سورة الاحقاف، الآية 48.
[47] سورة القصص، الآية 4.
[48] سورة سبأ، الآية 31.
[49] سورة إبراهيم، الآية 21.
[50] سورة القصص، الآية 5.
[51] سورة النساء، الآية 75.
[52] سورة النساء، الآية 97.
[53] راجع مجمع البحرين، ج1، ص396، وكذلك مفردات الراغب، مادة "ملأ".
[54] سورة المؤمنون، الآية 46.
[55] سورة يونس، الآية 88.
[56] سورة يونس، الآية 83.
[57] سورة القصص، الآية 20.
[58] سورة يوسف، الآية 40، سورة الأنعام، الآية 57.
[59] سورة ص، الآية 26.
[60] سورة النساء، الآية 58.
[61] سورة المائدة، الآيات 47،45،44.
[62] سورة النساء، الآية 105.
[63] سورة آل عمران، الآية 26.
[64] سورة البقرة، الآية 251.
[65] سورة البقرة، الآية 247.
[66] سورة المائدة، الآية 20.
[67] سورة الأنفال، الآية 60.
[68] سورة المنافقون، الآية 4.
[69] سورة الممتحنة، الآية 1.
[70] سورة البقرة، الآية 218.
[71] سورة الحجرات، الآية 15.
[72] سورة العنكبوت، الآية 6.
[73] سورة التحريم، الآية 9؛ وسورة التوبة، 73.
[74] سورة المائدة، الآية 56.
[75] سورة المجادلة، الآية 22 .
[76] سورة الصافات، الآية 173.
[77] سورة النساء، الآية 141.
[78] سورة طه، الآية 43.
[79] سورة الشورى، الآية 41.
[80] سورة الشورى، الآية 42.
[81] سورة المائدة، الآية 2.
[82] سورة العصر، الآية 3.
[83] سورة البلد، الآية 17.
[84] سورة آل عمران, الآية 146.
[85] سورة آل عمران، الآية 149.
[86] سورة هود، الآية 113.
[87] سورة البقرة، الآية 105.
[88] سورة البقرة، الآية 120.
[89] سورة آل عمران، الآية 69.
[90] سورة المجادلة، الآية 16.
[91] سورة الاعراف، الآية 158.
[92] سورة الفتح، الآية 28؛ وسورة الصف، الآية 9؛ وسورة التوبة، الآية 33.
[93] سورة الانفال، الآية 39.
[94] سورة البقرة، الآية 177.
[95] سورة الانفال، الآية 72.
[96] سورة التوبة، الآية 7.
[97] سورة آل عمران، الآية 64.
[98] سورة الانفال، الآيتان 61 و62.
[99] سورة النساء، الآية 90.
[100] سورة البقرة، الآية 208.
[101] سورة محمد، الآية 35.
[102] سورة الاعراف، الآية 65.
[103] سورة المائدة، الآية 33.
[104] سورة البقرة، الآية 193.
[105] سورة النساء، الآية 30.
[106] سورة التوبة، الآية 6.
[107] سورة البقرة، الآية 224.
[108] سورة النساء الآية 114.
[109] سورة الحجرات، الآية 9.
[110] دونت في هذا المجال كتب عديدة، من جملتها نشير إلى ـ كتاب ـ عهد الإمام علي إلى مالك الاشتر.
[111] نهج البلاغة، الخطبة 232، 152، 139؛ الكلمات القصار 231.
[112] المصدر نفسه، الخطبة 3، 33، 104، 131، 203.
[113] المصدر نفسه، الخطبة 99، 144؛ الكلمات القصار 198، 200.
[114] المصدر نفسه، الخطبة 139، 152؛ الكلمات القصار 40.
[115] المصدر نفسه، الخطبة 366،99،33،15؛ الكتاب 159،27،75؛ الكلمات القصار 201،163.
[116] المصدر نفسه، الخطبة 167،15،3؛ الكلمات القصار 91.
[117] المصدر نفسه، الكتاب 3؛ الكلمات القصار 119،66.
[118] المصدر نفسه، الخطبة 174.
[119] المصدر نفسه، الخطبة 70.
[120] المصدر نفسه، الخطبة 207،34؛ الكتاب 50.
[121] المصدر نفسه، الخطبة 239،173،107،2؛ الكتاب 10؛ الكلمات القصار 131.
[122] المصدر نفسه، الخطبة 309،239،37،5،2؛ الكتاب 78،62؛ الكلمات القصار 191.
[123] المصدر نفسه، الخطبة 181،139،5،3؛ الكلمات القصار 149.
[124] المصدر نفسه، الخطبة 174،100،92؛ الكلمات القصار 231،16.
[125] المصدر نفسه، الخطبة 207،86،36؛ الكتاب 20؛ الكلمات القصار 200،159،15.
[126] المصدر نفسه، الخطبة 174،33،3؛ الكتاب 9؛ الكلمات القصار 56.
[127] المصدر نفسه، الخطبة 9؛ الكلمات القصار 121،55.
[128] المصدر نفسه، الخطبة 34،6؛ الكلمات القصار 234.
[129] المصدر نفسه، الخطبة 136،96،12؛ الكتاب 73،10.
[130] المصدر نفسه، الخطبة 179،5؛ الكتاب 62،23؛ الكلمات القصار 118،54.
[131] المصدر نفسه، الخطبة 179،5؛ الكتاب 23؛ الكلمات القصار 118،54.
[132] المصدر نفسه، الخطبة 181،24،4؛ الكتاب 45؛ الكلمات القصار 155.
[133] المصدر نفسه، الخطبة 293،42؛ الكلمات القصار 126،74.
[134] المصدر نفسه، الخطبة 111،36؛ الكتاب 126،74.
[135] المصدر نفسه، الخطبة 99،107،181،269.
[136] المصدر نفسه، الكتاب 75،6،1.
[137] المصدر نفسه الخطبة 73،37؛ الكتاب 62،28.
[138] المصدر نفسه، الخطبة 72،3؛ الكتاب 54؛ الكلمات القصار 137،8.
[139] المصدر نفسه، الخطبة 3، 53؛ الكلمات القصار 220.
[140] المصدر نفسه، الخطبة 26، 83.
[141] المصدر نفسه، الخطبة 34، 203؛ الكلمات القصار 92، 208.
[142] المصدر نفسه، الخطبة 3، 4، 181.
[143] المصدر نفسه، الكلمات القصار 139.
[144] المصدر نفسه، الكتاب 6؛ الكلمات القصار 172.
[145] المصدر نفسه، الخطبة 21، 73، 171، 208.
[146] المصدر نفسه، الكتاب 5، 18، 19، 27، 53، 76.
[147] المصدر نفسه، الخطبة 3، 24، 107، 131، 181؛ الكلمات القصار 163، 196.
[148] المصدر نفسه، الخطبة 20، 96، 229، 313؛ الكتاب 33.
[149] المصدر نفسه، الخطبة 173؛ الكتاب 6.
[150] المصدر نفسه، الخطبة 3؛ الكتاب 28.
[151] المصدر نفسه، الخطبة 3؛ 270؛ الكلمات القصار 134 و146.
[152] المصدر نفسه، الخطبة 3؛ الكلمات القصار 15، 43، 163.
[153] المصدر نفسه، الخطبة 22؛ الكتاب 1؛ الكلمات القصار 30، 74، 173، 235.
[154] المصدر نفسه، الكتاب 6، 10، 28 ، 37.
[155] المصدر نفسه، الخطبة 10، الكتاب 9، 58؛ الكلمات القصار 8، 9، 13.
[156] المصدر نفسه، الخطبة 22، 33، 103؛ الكلمات القصار 14، 31، 72، 137.
[157] المصدر نفسه، الخطبة 172، 208؛ الكتاب 1، 18؛ الكلمات القصار 148، 196، 209.
[158] المصدر نفسه، الخطبة 193، 444؛ الكتاب 57، 63، 64.
[159] المصدر نفسه، الخطبة 2، 48، 51، 54، 181؛ الكلمات القصار 43، 170.
[160] المصدر نفسه، الخطبة 35، 36، 120؛ الكتاب 78؛ الكلمات القصار 37، 125، 199، 238 .
[161] المصدر نفسه، الخطبة 59، 189؛ الكتاب القصار 127، 180.
[162] المصدر نفسه، الخطبة 2، 92، 104، 157، 165؛ الكتاب 17؛ الكلمات القصار 72، 76، 86، 97.
[163] المصدر نفسه، الخطبة 96؛ الكتاب 6، 28، 30، 32، 45، 48، 49؛ الكلمات القصار 56، 191.
[164] المصدر نفسه، الكتاب 44، 55، 65، 70، 73، 75.
[165] المصدر نفسه، الخطبة 26، 83، 254؛ الكتاب 39؛ الكلمات القصار 19، 44، 72 ، 183، 238.
[166] المصدر نفسه، الخطبة 303، 397، 435؛ الكتاب 13، 28 ، 35، 38؛ الكلمات القصار 135، 193.
[167] المصدر نفسه، الخطبة 120، 181، 317؛ الكلمات القصار 130.
[168] المصدر نفسه، الخطبة 3، 5، 26، 150؛ الكلمات القصار 6، 161، 193، الكتاب 28، 62.
[169] المصدر نفسه، الخطبة 83، 184، 303.
[170] المصدر نفسه، الكتاب 53.
[171] المصدر نفسه، عهد الإمام علي إلى مالك الاشتر.
[172] المصدر نفسه.
[173] المصدر نفسه.
[174] المصدر نفسه.
[175] المصدر نفسه.
[176] المصدر نفسه.
[177] المصدر نفسه.
[178] المصدر نفسه.
[179] المصدر نفسه.
[180] المصدر نفسه.
[181] المصدر نفسه.
[182] المصدر نفسه، الخطبة 127.
[183] سورة النساء، الآية 59.
[184] نهج البلاغة، الخطبة 87.
[185] المصدر نفسه، الخطبة 152.
[186] المصدر نفسه، الخطبة 3.
[187] المصدر نفسه، الخطبة 146.
[188] وسائل الشيعة، ج 18، ص 19 (طبعة مؤسسة آل البيت).
[189] المصدر نفسه، الخطبة 2.
[190] المصدر نفسه، الخطبة 173.
[191] المصدر نفسه، الكتاب 6.
[192] المصدر نفسه، الخطبة 187.
[193] مسند أحمد بن حنبل، ج 3، ص 121.
[194] نهج البلاغة، الخطبة 3.
[195] المصدر نفسه، الخطبة 131.
[196] المصدر نفسه، الخطبة 205.
[197] المصدر نفسه، الخطبة 33.
[198] المصدر نفسه، الخطبة 74.
[199] المصدر نفسه، الخطبة 126.
[200] المصدر نفسه، الكتاب 62.
[201] المصدر نفسه، الخطبة 175.
[202] المصدر نفسه، الخطبة 34؛ بحار الأنوار، ج 27، ص 51.
[203] نهج البلاغة، الخطبة 34.
[204] الكافي، ج 1، ص 423؛ بحار الأنوار، ج 27، ص 242.
[205] راجع كتاب: درسهاي سياسي از نهج البلاغة، تأليف محمد تقي رهبر؛ نظرات سياسي در نهج البلاغة، تأليف محمد حسين مشايخ فريدني.
[206] راجع كتاب: قوة الجذب والدفع عند الامام علي (ع)، تأليف مرتضى مطهري؛ الإمام علي بن أبي طالب (ع)، عبد الفتاح عبد المقصود؛ الإمام علي صوت العدالة الإنسانية، جورج جرداق.
[207] راجع كتاب: صلح الامام الحسن (ع)، باقر شريف القرشي؛ الامام الحسن والامام الحسين (ع)، محسن الأمين.
[208] راجع كتاب: الملحمة الحسينية، مرتضى مطهري.
[209] راجع كتاب: الارشاد، المفيد.
[210] راجع كتاب: الامام الصادق والمذاهب الأربعة، أسد حيدر.
[211] راجع كتاب: حياة الامام موسى بن جعفر (ع)، باقر شريف القرشي.
[212] راجع كتاب: حياة الإسلام، جعفر مرتضى العاملي.
[213] راجع كتاب: تحليلي از زندگاني امام محمد تقي (ع)، فضل الله صلواتي.
[214] الارشاد، ص 312 .
[215] راجع كتاب: بصائر الدرجات، ص 133؛ بحار الأنوار ج 26، ص 50.
[216] راجع كتاب: عناصر مبارزة در زندگي أئمة (ع)، علي الخامنئي.
[217] راجع كتاب: الكافي، ج 2، ص 172.
[218] {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك} سورة هود، الآية 112.
[219] راجع كتاب: الوحي والنبوة، مرتضى مطهري، ص15.
 

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية