مركز الصدرين للدراسات السياسية || الدراسات السياسية

دور البيعة في عصري الحضور والغيبة
محمد هادي معرفة*


معنى البيعة
هي العهد الذي يلتزم بموجبه المبايعون ببذل الوفاء لمن بايعوا، وهي تتوقف على ما يطرحه المبايع.
والبيعة تؤخذ حينما تطرح جهة عليا أمراً هاماً وتكون بحاجة لمؤازرة المبايعين ونصرتهم ليضعوا ما لديهم من قدرات تحت تصرفها ويبذلوا جهودهم لغرض تحقيق ذلك الأمر الهام.
في واقع الامر إن المبايَع هو الذي يأخذ العهد، أما المبايعون فهم الذين يمنحونه ذلك العهد، وهذا هو المعنى المستفاد من الموارد التي استخدمت فيها هذه المفردة في القرآن الكريم، يقول تعالى:
{يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهـن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم}[1].
في هذه الآية يوعز الباري جل وعلا لنبيّه بقبول بيعة من جاءه من المؤمنات يعاهدنه على أن لا يرتكبن ما ينافي تعاليم الشرع ولا يعصين أوامره.
نزلت هذه الآية بعد فتح مكة وهي تتحدث عن بيعة النساء التي وقعت عند جبل الصفا، وعلى إثرها تقبل النبي (ص) بيعتهن وفقاً للشروط المذكورة في الآية، حيث أخذ منهن العهد على عدم الإتيان بما يتعارض والنهج الإسلامي.
وقوله تعالى: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً}[2].
في هذه الآية يخاطب تعالى نبيّه قائلاً: إن العهد الذي يبرم معك إنما يُبرم مع الله لأن يد الله تعلو الأيدي جميعاً، وهذا هو العهد الذي طوّق به المؤمنون أعناقهم ازاء رسول الله (ص) والتزموا الوفاء به، والتمسك بالإسلام ونظامه والثبات معه في السلم والحرب.
يقول عبادة بن الصامت ـ وهو أحد المندوبين الاثني عشر من الأنصار ـ حول بيعة العقبة الثانية التي وقعت في السنة التي سبقت الهجرة:
"بايعنا رسول الله (ص) بيعة الحرب، على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرةٍ علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم"[3].
ونقرأ في القرآن الكريم فيما يتعلق ببيعة الرضوان التي جرت تحت الشجرة وفي ظروف كانت تجري فيها الاستعدادات لحرب متوقعة مع قريش، إن تلك البيعة حظيت بالمديح والثناء من لدن الباري تعالى:
{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً}[4].
البيعة مشتقة من البيع[5]، فالمبايِع هو بائع يضع كل طاقاته على طبق الاخلاص ويقدمه للمبايَع بحيث يتعهد ويلزم نفسه بتسخير كافة قدراته في سبيل ما تعهد به، ولا يتوانى عن بذل أي جهد لصالح المبايَع.
وكما تقدمت الإشارة فإن البيعة تؤخذ حينما يطرح المبايع أمراً هاماً فيأخذ العهد من المبايعين بالوفاء له وتسخير كافة طاقاتهم في سبيل تحقيقه، من هنا فقد ورد في الحديث:
"ألا تبايعوني على الإسلام؟"
كان (ص) يأخذ البيعة من العرب ليُسلموا ويبذلوا قصارى جهدهم من أجل نشر الإسلام وترسيخ دعائمه، وعدم التواني عن بذل كل ما لديهم من طاقات في سبيل اقامته. ورد في الكثير من الروايات:
"نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبداً".
"بايعناه على الموت".
"بايعت رسول الله (ص) على السمع والطاعة".
من هنا لم تكن البيعة في عصر الرسالة تعنى العهد بالوفاء، وكان على المبايعين بحكم تكليفهم أن يضعوا كافة مقدراتهم تحت تصرف رسول الله (ص) وبذل قصارى جهودهم في سبيل الإسلام، ومثل هذا العهد إنما هو في الحقيقة عهد مع الله وفي سبيل الإسلام ليحكم ويمتد حتى يشمل العالم بأسره. يقول ابن خلدون في هذا الصدد:
"اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة، كأن المبيع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر في المنشط والمكره، وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيداً للعهد، فاشبه ذلك فعل البايع والمشتري فسمي بيعة، مصدر باع، وصارت البيعة مصافحة بالأيدي. هذا هو مدلولها في عرف اللغة ومعهود الشرع، وهو المراد في الحديث في بيعة النبي (ص) ليلة العقبة وعند الشجرة وحيثما ورد هذا اللفظ"[6].
يقول الراغب الاصفهاني:
"وبايع السلطان إذا تضمن بذل الطاعة له بما رضخ له، ويقال لذلك بيعة ومبايعة، وقوله عز وجل {فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم}[7] إشارة إلى بيعة الرضوان[8].
كانت البيعة في ذلك العصر تعني تأكيد الوفاء وتوفير المستلزمات، وكما أنها لم تك ذات تأثير في أمر الرسالة فإنها كانت كذلك في أمر الزعامة وذلك لأن النبي (ص) كان منصوباً من قبل الله سبحانه لكلا المنصبين، وتأكيد النبي (ص) على أخذ البيعة إنما كان لترسيخ وترصين ركائز الحكم وتفجير الطاقات.
والبيعة التي أخذها الرسول الأكرم (ص) من المسلمين يوم الغدير لأمير المؤمنين (ع) جاءت في هذا السياق، فبعد أن صرح بتعيين علي (ع) للخلافة والإمامة من بعده، أخذ من الأمة عهد الوفاء ليضعوا ما في أيديهم من قدرات تحت تصرف علي (ع) كما فعلوا مع النبي (ص) وليبذلوا قصارى جهدهم لترسيخ أركان حكومته. لذا فقد قال (ص):
"اللهم وال من والاه وانصر من نصره واخذل من خذله"[9].
وجوب الوفاء بالبيعة
البيعة عهد يجب الوفاء به وذلك لأن الشريعة اعتبرته من مقومات الايمان واعتبرت نكثة من دواعي الارتكاس في الكفر.
ينظر العرف والشرع إلى البيعة على أنها عهد يجب الوفاء به لما يرتبط به من شرف وكرامة للانسان، وقد أقر الشرع ذلك وأمضاه. ونقض العهد خطيئة في نظر العقل والشرع، وقد حث القرآن الكريم بصيغ شتى على الوفاء بالعهد. ويمكن الاشارة من جملة ذلك إلى:
أولاً: أنه وصفه بالبيع وهو من العقود اللازمة:
{فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به}[10].
ثانياً: اعتبر مثل هذه البيعة عهداً مبرماً مع الله ولا سبيل إلى نقضه:
{إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم}[11].
معتبراً الوفاء بهذا العهد ـ بما يعنيه من العمل بأحكام الشريعة ـ بمثابة تجارة لا تبور:
{إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور}[12].
ثالثاً: ان الوفاء بهذا العهد من مقومات الايمان:
{ومن أوفى بما عاهد عليه الله}[13].
{والموفون بعهدهم إذا عاهدوا}[14].
رابعاً: اعتبر نكث البيعة ونقض العهد اثماً:
{ومن نكث فإنما ينكث على نفسه}[15].
واصفاً نقض العهد بالنكث الذي يؤدي بالناكث إلى الكفر وبالتالي يبيح مقاتلته.
{وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون * ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم...}[16].
قال أمير المؤمنين (ع):
"وأما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والاجابة حين أدعوكم، والطاعة حين آمركم"[17].
ووصفت روايات عديدة البيعة بأنها عقد يطوق عنق المبايع، وأن البيعة تقيد المبايع وتطوقه، معتبرة نكث البيعة أو نقض العهد وفسخ الميثاق في عداد الذنوب الكبيرة.
روى ثقة الإسلام الكليني عن الامام الصادق (ع) أنه قال:
"من فارق الجماعة ونكث صفقة الإمام جاء إلى الله أجذم"[18].
روى شيخ المحدثين الصدوق عن الإمام الصادق (ع) أن النبي (ص) قال:
"ثلاث موبقات: نكث الصفقة وترك السنة وفراق الجماعة"[19].
وروى أبو بصير عن الإمام الصادق (ع) أنه قال:
"ومن مات وليس في رقبته بيعة لإمام، مات ميتة جاهلية ولا يعذر الناس حتى يعرفوا إمامهم"[20].
وقد تجاوزت الروايات حول الزام البيعة وحرمة نقض العهد المبرم مع الامام حد التواتر. على هذا الأساس فإن البيعة التي تعني ابرام عهد الوفاء مع ولي الأمر تعتبر واجباً ونقضها من الكبائر، وضرورتها مما يقرها الكتاب والسنة والعقل وسيرة العقلاء.
بناء على ذلك لا داعي لطرق باب الوكالة لاثبات وجوب التقيد بالبيعة، واعتبارها نوعاً من الوكالة، وتكلّف المزيد من العناء لاعطاء البيعة صورة لا تتلائم معها.
عدّ طائفة من الأعلام البيعة التي تتمخض عن الانتخاب ضرباً من الوكالة، معتبرين الوفاء بها من باب {أوفوا بالعقود}[21]؛ فكتب بعضهم يقول:
"والانتخاب وإن أشبه الوكالة بوجه، بل هو قسم من الوكالة بالمعنى الأعم، أعني ايكال الأمر إلى الغير أو تفويضه إليه.. ولكن ايكال الأمر إلى الغير قد يكون بالإذن له فقط، وقد يكون بالاستنابة بأن يكون النائب وجوداً تنزيلياً للمنوب عنه، وكأن العمل عمل المنوب عنه، وقد يكون باحداث الولاية والسلطة المستقلة للغير مع قبوله".
والأول ليس عقداً، والثاني عقد جائز ـ على ما ادّعوه من الاجماع ـ وأما الثالث فلا دليل على جوازه (عدم لزومه) بل قوله تعالى {أوفوا بالعقود} يقتضي لزومه، كيف واستيجار الغير للعمل أيضاً نحو توكيل له مع لزومه قطعاً...، وقد مرَّ أن البيع والبيعة من باب واحد والمادة واحدة، فحكمها حكمه، والبيع لازم قطعاً...[22].
اعتبر الانتخاب في هذا المقطع نوعاً من الوكالة بمفهومها العام ـ وهو مطلق الايكال للغير ـ فالوكالة بهذا المعنى على ثلاثة أصناف، هي:
1 ـ مجرد حصول الاذن من المنوب عنه بالتصرف بأمواله أو ممتلكاته، وهذا لا يعد من العقود.
2 ـ الاستنابة، حيث يتصرف المنوب بدلاً من المنوب عنه، وهو من العقود الجائزة.
3 ـ ايكال الولاية وحق السلطة للغير فيعمل مستقلاً وبما يراه صالحاً مشروطاً بقبوله، ولا دليل على جواز "عدم لزوم" مثل هذه الوكالة، بل يشملها عموم الآية {أوفوا بالعقود} كما هو الحال في "الاستيجار" فهو أيضاً من الوكالة ومن العقود اللازمة. بالاضافة إلى أن البيعة من البيع الذي هو عقد لازم.
ولاثبات القول بأن قبول المسؤولية يمثل في الحقيقة قبولاً للوكالة، يشيرون إلى كتاب أمير المؤمنين (ع) لعماله في جباية الأموال الذي يقول فيه:
"فإنكم خزّان الرعية ووكلاء الأمة وسفراء الأئمة"[23].
ثمة مؤاخذات على هذا الرأي وطريقة الاستدلال به، وهي:
أولاً: لا ضرورة تستدعي اخضاع قضية البيعة والانتخاب للوكالة فيُلجأ دون أي مبرر إلى افتراض مفهوم عام للوكالة وتصدر أصناف ثلاثة لها، فالاذن في التصرف هو من باب الاباحة والاجازة في التصرف ولا ارتباط له في مسألة الوكالة.
ثانياً: لا مبرر لتفسير الوكالة بمفهومها العام على أنها مطلق التفويض، فلو أن ذا منصب تخلى عن منصبه وأوكله لغيره لا يستشف من ذلك أي معنى للوكالة أو النيابة. وأي تفسير لغوي لابد أن يستدل بمستند عرفي.
ثالثاً: ان كلمة "وكلاء" الواردة في كتاب الامام (ع) إنما استخدمها مستنداً إلى حقه في الولاية فأوعز إليهم باعتبارهم "وكلاء الأمة" لجباية الأموال العائدة لبيت مال المسلمين، وهذه القضية لا علاقة لها اطلاقاً بمسألة البيعة والانتخاب كي يستظهر بها كشاهد. كما أن قضية "الاستيجار" لا صلة لها بباب "الوكالة"، فالاستيجار من باب الاستخدام لقضاء الأعمال وتقديم الخدمة للمؤجر.
فلو استؤجر شخص للعمل كمستخدم في احدى دوائر الدولة أو في احدى الشركات أو أحد المصانع فهل يفهم من ذلك أنه اتخذ كنائب أو كوكيل؟ صحيح أن العمل قد فوض إليه، ولكن كما تقدم القول إن مطلق التفويض لا يفيد مفهوم الوكالة.
والخلاصة أن افتراض مفهوم عام وواسع للوكالة، ومن ثم تفسيرها بمطلق التفويض، وبالتالي الاستنتاج بأن الانتخاب نوع من الوكالة اللازمة، ليس ألا تصورات تفتقد لأي دليل لغوي وعرفي، بالاضافة إلى أن الضرورة لا تستدعي مثل هذه التصورات ولا داعي لتحمل مثل هذا التكلف وسلوك هذا الطريق لاثبات لزوم البيعة ووجوب الوفاء بها وحرمة نكث العهد، فحسبنا كتاب الله وسنة رسوله وسيرة العقلاء للدلالة عليها واثباتها.
البيعة في عصر الغيبة
اقتصر دور البيعة في عصر الحضور ـ عصر الرسول (ص) والأئمة المعصومين (ع ) ـ على ما كانت تمثله من واجب أو تكليف شرعي يتعلق ببذل الطاقات لأولياء الأمر، أما ولاية النبي (ص) والأئمة المعصومين (ع) وزعامتهم السياسية فانها مستقاة من منصب النبوة والإمامة، وما على الأمة إلاّ تسخير قدراتها لهم كي يتسنى لهم تطبيق العدالة على أفضل وجه من خلال الاستعانة بالقوى البشرية. وتقاعس الأمة عن هذا الواجب لا يقلل من شأن امامتهم وزعامتهم السياسية وتكون الأمة في تلك الحالة عاصية مقصرة في إطاعة أولي أمرها، من هنا كان الشيعة يعتبرون الحكام غاصبين، والأئمة المعصومين أولياء أمرهم.
بناء على ذلك، لم يكن للبيعة أي تأثير سلبي أو إيجابي في الإمامة والزعامة في عصر الحضور بل كان دورها يقتصر على ابراز القدرة التنفيذية للزعيم الشرعي. بيد أن للبيعة في عصر الغيبة دورين هما:
أولاً: تشخيص من تتوفر فيهم الشروط اللازمة في ضوء ارشادات العقل والشرع.
ثانياً: انتخاب الأصلح ومعاهدته على بذل الوفاء والعمل على رفد الحكومة بالقدرة التنفيذية.
من هنا فإن البيعة في عصر الغيبة تنهض بدور نقل أهلية القائد إلى حيّز الفعلية، والمواصفات التي يشترطها الشرع هي التي تبرز أهلية القائد، ومن خلال تشخيص الأمة لمن تتوفر فيهم المواصفات ومبايعة الأصلح تصل تلك الأهلية إلى مرحلة الفعليّة، وهذا التشخيص وهذه البيعة يستتبعان امضاء الشارع، ومن هنا تنشأ شرعية ولاية الفقيه؛ فهي تتخذ موقعاً وسطاً بين النصب والانتخاب.
لتوضيح هذا المطلب نذكر بأن تعيين ولي الأمر من قبل الشارع يقع على نحوين، هما:
1 ـ التعيين بالنص: حيث يتم طرح شخص معين لقيادة الأمة، وهو ما حصل في عهد النبي (ص) من خلال ابلاغ آية {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}، وكذلك طرح قضية الخلافة في حديث النبي (ص): "من كنت مولاه فهذا علي مولاه".
2 ـ التعيين بالوصف: اذ يطرح الشارع مواصفات معينة وكل من حازها يكون جديراً باستلام منصب ولاية الأمر كما ورد في الحديث: "إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه".
ثم يوكل أمر تشخيص الحائزين على الشروط للأمة التي تقوم بمبايعة الأصلح عبر تشخيصه من قبل الخبراء، وبالتالي يحظى هذا التشخيص والبيعة ـ الانتخاب ـ في ضوء ما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة "فإني قد جعلته عليكم حاكماً".
والتوقيع الشريف "فإنهم حجّتي عليكم" أيضاً بامضاء الشارع.
على هذا الأساس فإن مواصفات القائد تطرح في البداية من قبل الشارع وتُمضى من قبله في النهاية، وبهذا فإن مشروعية ولاية الفقيه تنبثق من الشرع ودور الأمة يتمثل في التشخيص والبيعة التي تعني العهد بالوفاء.
وهذا الدور يجعل من ولاية الفقيه ـ وهي حكم وضعي ـ أمراً ناجزاً وقطعياً ويصل به إلى مرحلة الفعلية، فدور الأمة في تنجيز ولاية الفقيه يعتبر دوراً جوهرياً، وفي واقع الأمر إن الأمة هي التي تقوم بدور رئيس في إقامة الحكومة التي ترتضيها.
وهذا ما يفيد معنى الوسطية بين التعيين والانتخاب، فلا تعيين مطلق لا دور فيه للأمة، ولا انتخاب مطلق لا دور للشرع فيه، بل هو انتخاب شعبي في ظل تعاليم الشرع ويحظى بقبول الشارع المقدس.
________________________
* أستاذ في الحوزة العلمية في قم.
[1] سورة الممتحنة، الآية 12.
[2] سورة الفتح، الآية 10.
[3] سيرة ابن هشام، 2 / 97.
[4] سورة الفتح، الآية 18.
[5] من هنا فقد جاء في الآية 111 من سورة التوبة {فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به} اشارة إلى بيعة الرضوان.
[6] مقدمة ابن خلدون، الباب 3، الفصل 29، ص209.
[7] سورة التوبة، الآية 111.
[8] مفردات الراغب، مادة بيع.
[9] الغدير، ج1، ص11.
[10] سورة التوبة، الآية 111.
[11] سورة الفتح، الآية 10.
[12] سورة فاطر، الآية 30.
[13] سورة الفتح، الآية 10.
[14] سورة البقرة، الآية 177.
[15] سورة الفتح، الآية 10.
[16] سورة التوبة، الآيتان 12 ـ 13.
[17] نهج البلاغة، الخطبة 34.
[18] الكافي، ج1، ص405 ، كتاب النصيحة لأئمة المسلمين.
[19] الخصال، باب الثلاثة، الحديث 3، ج1، ص85.
[20] بحار الأنوار، ج27، ص126، الحديث 116.
[21] سورة المائدة، الآية 1.
[22] حسين علي المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه، ج1، ص575 ـ 576.
[23] نهج البلاغة، الكتاب 51.
 

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية