مركز الصدرين للدراسات السياسية || الدراسات السياسية

فقه الدولة وأبعاده العالمية
د. الشيخ. علي العلي [*]


عندما يطرق الباحث بوابة المعرفة قد يدور في متاهات التراكم الفكري والمعرفي, والذي قد يحصره في زاوية لم يكن يدرك أنها أبعد ما تكون عن أهدافه ومدركاته، ولعل هذا لا ينحصر في دائرة الفرد الباحث بل قد ينسحب ذلك على عقول جملة من روّاد المعرفة والعلم، إنْ لم يكن من سدنتها، إلا أنّ بريق الإبداع يبقى يرسم من خلال سطوته المعرفية والعلمية ملامح من يستطيع أن يغيّر دفّة المعرفة نحو توظيف أعلى لمعطيات العلم.
إنّ محور تطوّر المعرفة, وتوظيف العلم لا ينحصر في دائرة التراث المدوّن أو الموروث وكيفية حفظه وإخراجه بأجمل صورة فنية؟! وإنما يتشخّص بإنجازات المتعاطي معها؛ وهذا ما نجده متداولاً اليوم في العلوم التقنية والتكنولوجية، إلا أنّ الغمامة التي تلفّ واقعنا هو صعوبة التمييز بين الإبداع وما يشبهه أو ما يغايره, خصوصاً في العلوم الإنسانية قد يجعلنا لا ندرك أننا أمام عقول نعاصرها وضعت لنا ملامح أحد آفاق الإبداع وأنجزت بإبداعاتها أسساً لذلك.
وحتى لا تتوه الأفكار في دائرة تشعّبات وأنواع هذه العلوم سيما الاعتبارية منها, لذا لا بد لي أن أقف عند بوابة علم يعتبر من أهم العلوم التي ترسم دائرة حدود التشريع بين التلقّي والتطبيق, وهو العلم الذي يهيّئ ويضع آليات التشريع على مستوى دائرة التكليف.
إنّ علم الفقه الذي يُشكّل الدائرة التي نعيش, ونلمس حاجة ماسة لتوظيفه بشكل يتناسب ويتجانس مع متطلّبات الواقع, لذا لابد أن نعيش الوعي المتحرك والمرن في كل آن وبين حين وآخر, مع استيعاب تام وإدراك عملي وعلمي لملامح السعة والضيق وما تفرزه لنا من نتائج آنية ومستقبلية، من هنا لابد أن تكون هذه الخطوط تحت دائرة البحث المستمر والتوظيف العلمي الدوؤب.
نحو قواعد لتشخيص الصلاحية دوري
لقد وضع علماء التشريعات ـ سيما علماء فلسفة القانون المتخصصين بدائرته العريضة التي ترسم فقه القانون ودائرة التشريعات ـ قواعد تُعدّ مقياساً فاعلاً في اختبار وتشخيص صلاحية هذا التشريع أو ذاك, ومدى ملائمته أو إخفاقه في رسم وتفعيل الأهداف الأساسية التي لابد أن تلبّي احتياجات ومتطلبات المتلقّي والمتعاطي مع التشريع.
ولكي نستعرض أهم القواعد نعرض ثلاثة أضلاع يتشكّل منها مثلث القانون, ولنا أن نعبّر عنه مثلث التشريع, إنْ جاز لنا مثل هذا التعبير, حيث تُعرض هذه الأضلاع الثلاث في البحوث والدراسات المتعلّقة بفلسفة القانون, وهي كما يلي:
* العدالة.
* الأمن والاستقرار.
* التقدّم والازدهار.
هذه الأضلاع هي التي تعطي تشخيصاً واضحاً لمتطلبات التشريع, ومدى فاعليته, وطبيعة احتياجاته فهي مقياس يستخدمه روّاد فلسفة القانون وفقهاءه لقياس مدى ملائمة صلاحية هذا التشريع أو ذاك لمتطلبات من وضع له وزمان ومكان تطبيقه.
إنّ مثل هذه الأطر تدعونا لنظرة واعية, لمعرفة ما نتملكه من تشريعات, والتي يقوم علم الفقه لدينا بإنتاجها، إذ إنّ علم الفقه يمثل الدائرة التي تتشخّص من خلالها الحقوق والواجبات التي يتعاطاها المكلف بأبعاده, والتي ترسم بطبيعة الحال مسار حركة التكليف, مع ملاحظة أنّ حركة التكليف تتناول المكلف بأبعاده التي لطالما نؤكّد على ذكرها:

إنّ هذه الأبعاد تتشكّل من خلالها منظومة متكاملة, وعند تحليلها نجد أنّ العنصر المكوّن لها ومفردتها الأساسية هو الإنسان (المكلف)، وعند النظر إليه كمنظومة متكاملة نجد أنّ التشريع وما يحويه من تشريعات تجسيد واضح للمجتمع المُولّد لدوائر تتسع نحو الشعب والدولة والأمة, حيث إنّ المجتمع المتكوّن من مفردات هي في واقعها الإنسان أ ـ والإنسان ب ـ والإنسان ج ـ والإنسان وهكذا, والذي لا يتكامل إلا من خلال تمازجه وتفاعله مع مفرداته بكافة الاتجاهات والانعكاسات المتولّدة.
من هنا نجد أنّ الباحث الذي يعي مرحلته يتساءل باستمرار حول مدى درجة التطابق بين هذا العرض مع طرفه المتلقّي, ومدى مرونة الآلية وفاعليتها مع الواقع وهكذا.
وحتى لا نغوص في دائرة التصوّرات دعنا نعود إلى مثلث القانون آنف الذكر, للوقوف عليه من جديد؛ بما هو مقياس لمعرفة مدى تجاوب هذا التشريع أو ذاك مع متطلبات الزمان والمكان, ومن خلال إدراكنا لمؤشر كل ضلع على حدة ندرك مؤشر المثلث, والذي يكشف لنا بقوة مدى التجانس أو التجاذب في مخرجات ومدخلات كل ضلع، ومن هنا يتّضح لدينا مدى قدرة التشريع المستبطن في الحياة العامة وبآفاقها الواقعية.
والذي يكشف لنا بوضوح مدى التناسق مع متطلبات الفرد والمجتمع من جهة, ومتطلبات الزمان والمكان من جهة أخرى عبر رباعية الفرز بشكل أساسي من خلال:
* الفرد والمجتمع بذاته
* الفرد والمجتمع بلحاظ الزمان والمكان
* الزمان والمكان بذاته
* الزمان والمكان بلحاظ الفرد والمجتمع.
وهذه الرباعية تتشكل من منظومة معقّدة تنفرد وتجتمع في بعض مراحلها عبر حركتها التي تتضح من خلال ما ذكرناه من أبعاد.
* نظرية ولاية الفقيه تتخطى أفق فقه الولاية
لكي نقترب أكثر إلى تطبيقات هذه النظرية تعال معي إلى مفهوم فقه الدولة, والذي يتفرّع من خلاله فقه يغطي دوائر قد تتجاوز فقه المعاملات وفقه العبادات من خلال التطبيق, حيث نجد فقه الاقتصاد وفقه العلاقات الدولية والفقه الجنائي وفقه يتناول المجتمع وفقه يتناول الفرد وفقه الإدارة, ولعل هذه التسميات أولية, إلا أنها بدأت تضغط بشكل أو بآخر على المادة الفقهية والتشريعات المتداولة؛ سواء بجزئيات مسائلها أو ما هو أوسع من ذلك.
إن طرقنا لهذه البوابة ينطلق من معطيات البحث العلمي وآفاقه التي تشكل من الأهمية ما يدعونا إلى سبر أغواره وعدم تغافل أبعاده التي تولد لنا أفقاً جديداً وتشريعاً واقعياً يحقق الواقع التشريعي الداعي إلى الفضيلة قد جاوز في ما قد يتوهمه البعض من أنها دعوة إلى استلاب القرار أو سيادة صناعه من الكيانات التشريعية والتنفيذية كل حسب دائرته مع ملاحظة أن الدعوات المقابلة تجاوزت ذلك بالدعوة إلى إحياء الخلافة ومن خلال منظمة المؤتمر الإسلامي.
إن الدعوة إلى تشخيص مفهوم أوسع لنظرية الدولة يتجاوز المفهوم المرحلي السائد لمفهوم الدولة والغائب الحاضر بطبيعته عن البعد التشريعي والمنطلق على أسس الرؤية الإسلامية من هنا نظرية ولاية الفقيه تشكل الصيغة الأكثر تطوراً والأحدث تطبيقاً لمفهوم الدولة على مستوى المدارس الفقهية الإسلامية أو على مستوى التشريعات المتداولة من عالمنا الإسلامي.
إنّ معطيات علم الفقه عند تعاطيها مع التشريع المتعلّق بمفهوم الدولة وما تشكلّه من كيان محلي أو إقليمي أو دولي يميل في رسم تشريعاته نحو دائرة الفرد بصورة مركّزة, حتى اختزلت في طيات بحثها وتشعّباتها تشريعات لم تنل النصيب الكافي من البحث, كما نالت تلك؛ مما يدعونا إلى قراءة واضحة, وتحديد دقيق لدوائر البحث, وفرز مجدول لسُلّم أولوياته النظرية والعملية, ولعل هذه المبادرة بدأت عملياً في الحركة العلمية للإمام الراحل روح الله الخميني (رضوان الله عليه) في أطروحته التي تناول بها نظرية ولاية الفقيه, والتي ينبغي لنا أن نقرأها من جديد وفق قراءة علمية دقيقة تتوازى مع الواقع العملي.
إنّ هذه النظرية من خلال ما نرصده من واقعها, ومن كلمات مُشيّد حركتها تتماشى مع الرؤية العقلانية التي ترسمها فلسفة القانون وفقهه, إذ إنها تتعاطى مع الفرد بدولته والدولة بأفرادها من خلال علاقة تبادلية ترسم نوعية وآلية الحركة المتصورة لكل منهما مع الآخر, وما يقدّمه كلا الطرفين للآخر, والذي يولد بطبيعة الحال مخرجات feed back دقيقة تلبّى حاجتنا المتنامية؛ لتوظيف أوسع في بقاعنا لفقه الدولة.
إنّ هذه النظرية فيما لو نظر إليها بعيني المنهجية الواعية والموضوعية المدركة, سوف نحصل على نتائج ترسم لنا معطيات رئيسية وتحليلات جادّة, نحو الآلية والتطبيق المزمع وضعه لتشريع على مستوى يتحرر من دائرة الفرد, مع عدم إهمالها له, وإنما إعطاءه ما يتناسب مع فرديته وطبيعة دوره من دون إهمال أو تقصير في حقّه العلمي والعملي, وكذلك الدوائر الأوسع التي تتعاطى معه ويتعاطى معها اتساعاً وضيقاً, وعلى ضوء هذا يتشكّل أمامنا نظرية الواقع في الفقه والتي تتمازج فيها نتائج كل من:
فقه الواقع وواقع الفقه
ونستطيع أيضاً أن ندرك عندنا حدود الثابت والمتغيّر في الفقه, والتي تتسع لتشمل التشريع. كل هذه الموضوعات لابد أن تخضع لعمليات علمية ذات طابع مجهري إن صحّ التعبير؛ لكي نعي أبعاد ما نمتلكه من تراث إحدى جواهره نظرية فقه الدولة بأبعادها على مستوى التشريع.
إنّ نظرية ولاية الفقيه لا تمثّل ترفاً علمياً أو إثبات لنحوٍ من أنحاء المناقشات العلمية المتداولة في دائرة من دوائر البحوث الفقهية, والتي قد يحصرها البعض بزاوية ضيّقة لم نتجاوز القول ورده أو دائرة خلافية المسألة، لقد حاول البعض إيجاد منعكس له على مستوى الرؤية العلمية والمعرفية بشكل يختزل معه الأبعاد التشريعية لها, لذا نظرية ولاية الفقيه تحمل تركيز وتوظيف عالي في حرفيّته ومهنيّته العلمية والمعرفية لمعطيات العلم لبناء معرفة اجتماعية وواقعية واضحة لعالمية هذا التشريع, ورسم أبعاده الإقليمية والدولية, خصوصاً إذا لاحظنا أن (العالم الإسلامي حتى ما قبل انبثاق الثورة الإسلامية العظيمة لم يجرب نظاماً مستند إلى تعاليم الإسلام فكانت هذه الثورة تتجه على خطى الأئمة عليهم السلام تماماً)[1].
* فقه الدولة والتوظيف نحو العالمية:
لعل دائرة البحث في التشريعات صعبة التصوّر في نظر البعض, وبالتالي لا مجال لفرزها على مستوى أبعد من الأفق المحلّي؛ وهذا قد أدّى إلى اختزال هذا المفصل العلمي المهم في دائرة لم تتجاوز الحالة الفردية, وعلى أحسن الأحوال توسّعت نحو أبعد نقاط أسوار فقه المعاملات, والذي بدأ يضغط عند حاجته الاستنباطية على دائرة الحكم الثانوي, والتي استنزفت بشكل مفرط هي وما جاورها من الأصول العلمية مع عدم تجاهلنا أو تسويفنا ـ لا سامح الله ـ لأهمية كل منهما, لكن الحديث عن طبيعة الاستهلاك والصرف في دائرة البحث العلمي على مستوى الاستنباط الفقهي.
إنّ نظرية ولاية الفقيه وضعت بذرة عالية الجودة عند الاعتناء بها, وتوظيفها العلمي نحو بناء متكامل لنظرية تتجسّد من خلالها حركة التشريع سواء على مستوى علم الفقه أو أوسع من ذلك نحو البعد المتجاوز لدائرية الفرد بشكل تلقائي والمحقق للتمازج الطبيعي لتفاعل هذا العلم ومتلقّيه مع مجتمعه ودائرته المحلية, وعودة منهجية وموضوعية وبآفاق تتعاطى مع روح الشريعة, لأبعاد الأحكام الأولية, وفَهْم وفق رؤى زمانية ومكانية لهذه النصوص الخالدة والتي عاصرت قرنين ونصف من الزمان, تعطينا شريحة واضحة ودقيقة لتقلّبات الأزمنة والأمكنة مع امتياز وجود البعد المعصوم (عليه السلام) في توظيفها.
نحن أمام دائرة لابد من أن تطرق بشكل علمي جاد ومعرفي متقن, ينظر لجميع زوايا المنظومة التشريعية بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية المولّدة في مستقبلها للعالمية.
إنّ وضع هذه النظرية على مستوى عال من المهنيّة في ميادين الاستنباط الفقهي, مع الحرص على عدم تجاوز الدائرة الأوسع في الاستنباط التشريعي, من هنا لابد من دعوة لكل باحث جاد ومتميّز أن يبدأ بقراءة هذه النظرية بآفاقها, ومن داخل منظومتنا التشريعية, التي كانت في اعتقادي نَصْبَ عيني الإمام الراحل, من خلال ما نستشفه من أقواله وأفعاله وأهدافه من هذه النظرية التي تمهّد للدولة العالمية؛ فلابد من فَهْم لآفاق هذه النظرية وهذه الرؤية وفق ما وُجِدت له, ولعل نظرة خاطفة إلى أحاديثه قدس سره تكشف ذلك سيما في السنوات التي اقتربنا بها من رحيله رضوان الله عليه وخلوده في وجداننا.
إنْ كان لنا مجال للقول نقول: لابدّ لمؤسستنا العلمية أن تضع في اُفقها المعرفي جدولة علمية جادّة التطوير, وتطبيق آلياتها العلمية على وفق معطيات هذه النظرية, وكل ما يخدم الأبعاد العليا والرئيسية لهذا الدين الخاتم على مستوى عال من البحوث والدراسات المحكمة, متجاوزة بذلك دائرة الأفق المتعارف والتحقيق المدرسي الذي يتعذّر البعض بخلافية المسألة ونحو ذلك, فلابد لنا من السعي نحو التزاوج ولربما والتمازج الموضوعي والمنهجي مع تطوّرات العصر ومقتضياته الزمانية والمكانية, عبر تأصيل وتوظيف كمّي وكيفي دقيق لمتطلبات الجديد, وغمره بكنوز تراثنا واجتهادات الأفذاذ من أعلامنا المبدعين لتحقيق أبعاد التشريع الذي أرساه خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وتَسَلْسَل في حفظه وتوظيفه أئمة آل البيت عليهم السلام على مدى قرنين ونصف مع تلوّن الزمان والمكان, حتى تسلّم الأعلام من سلفنا الصالح, وأعلامنا المعاصرين باستنباط أحكامه على مستوى علم الفقه, وتوظيفها في دائرة الفرد والمجتمع, والتي على مستوى أبعادها استفاد منها بل وطوّر جزءاً منها مَنْ هم خارج دائرة هذا الفقه, لذا لزاماً علينا أن ندرك أين نحن من هذا التشريع, وأين هو منّا حتى ندرك مدى وضوح صورته أمامنا على مستوى علم الفقه أو غيره, عندها نعي مدى تجسيدنا له في دائرته المحلية وآفاقه الداخلية, وكذلك رؤيته العالمية, حتى ننطلق به نحو موقعه المتكامل, الذي لابدّ أن يُكوّن على منصة التشريعات العالمية؛ لكي نقرع أبواب محطّات القرار الدولي والمنظمات العالمية ومراكز القانون الدولي بكل ثقة وجدارة ومهنيّة, تجعل من آراءنا محطّ أولوية في محكمة الجزاء الدولية ومحكمة العدل الدولي, وغير ذلك من المحافل التي تشكّل اليوم أهم مدارس الفقه القانوني ومنابع رئيسة في التشريعات الدولية.
إنّ ما يظنّه البعض أن الفقه تجسّد أبهى صورة في مناهج وأحكام الأحوال الشخصية, محاولاً بذلك أن يضع هذا التشريع بفقهه على أنه بلغ أقصى دائرة الإنجاز.
فليسمح لنا أن نذكره أنه تناول لبنة صغيرة من لبنات هذا التشريع, وقد اختزل بها كل هذا الكيان التشريعي, ولم يدرك أبعاد ما يمتلكه علم الفقه, فضلاً عن التشريع بأبعاده من معطيات قادرة على تحقيق أعلى معايير الجودة التشريعية, على مستوى المناهج القانونية الكبرى والتشريعات العالمية، أما التذرّع أو التشفّع بسطوة ذاك النظام الفلاني أو هذا, مع إغفال أننا لم نحدد مدى الخلل الذي نعيشه في تعاطينا مع مصادرنا التشريعية.
إنّ ما أنجزه الإمام الراحل ما هو إلا تطبيق عملي, ومصداق حقيقي للنهوض بهذا التشريع, من خلال بوابة علم الفقه نحو آفاقه الحقيقية, والتي أثبتت بصورة جليّة في دائرته التطبيقية على مستوى الدولة, ولو في مراحلها التطبيقية الساعية للاكتمال نحو المحلية, والتي أثبتت وجود استعدادات عالية تدعو للتكامل والانتقال من البعد المحلي إلى البعد الإقليمي, حتى ننطلق به إلى الأبعاد الدولية, التي تكون رقعة واضحة لرسم العالمية.
كلمة ينبغي ذكرها:
من جميل ما قرأت[2] ما أذكره من كلمات يحق لنا أن نشهدها على ما ورد في كلمات الأستاذ الفذ الشهيد الصدر رضوان الله عليه قائلاً: (إنّ ما نشعر بالحاجة إليه وبضرورته في الفقه الإسلامي ليس هو فقط أن نغيّر من لغة التعبير, أو أن نغير من الورق الذي نطبعه عليه, أو أن نستبدل المطابع الحجرية بمطابع الحروف، بل لابد من اتخاذ علمية تطوير في البناء الفقهي نفسه، لابد من توسيع فقهي في هذا البناء.
هذا الانكماش في الأبعاد الفقهية لابد من القضاء عليه، لابد وأن نعطي الإسلام في الفقه صورة..
هذه الصورة تكون على مستوى العالم الحديث، ولا أقصد أنها على مستوى العالم الحديث أي أنها على مستوى اللغة والتعبير، أو في الطبع على الورق الأبيض أو بمطابع الحروف، بل أقصد بذلك أنها على مستوى حاجات هذا العالم، على مستوى ما يتطلّبه حل مشاكل هذا العالم على مستوى القضايا الكثيرة المطروحة أمام الإنسانية اليوم، والتي عالجتها المذاهب البشرية الفاسدة بعلاجات مختلفة متناقضة) وله أيضاً (والفقه هنا كما تعلمون تطوّر من حيث الكيف, ولم يتطوّر من حيث الكم, تطوّر من حيث الكيف؛ لأن أساليبه في الاستنباط تعمّقت وطرائقه في التفكير دقت، وأصبح العمق العلمي به أبهة كبيرة, إلا أنه لم يتطوّر كمّياً؛ لأن الفقه لا يزال يبحث ويتناول نفس المنطقة المحددة التي تناولها الفقه منذ ألف سنة أو منذ مئات السنين، لا يزال الفقه يعالج تلك الحدود المغلقة لمشاكل الإنسان، لا يزال الفقه ينظر إلى العالم بمرآة ما قبل مئات السنين ثم يعالج هذا العالم).
ومن هنا نفهم هذه الصيحات المتعالية من قِبَل السيد القائد حول تطوير الحوزات العلمية وتدشين المناهج التي تتناسب مع متطلبات الزمان والمكان واستشهاده بما جاءت به يراع الشهيد محمد باقر الصدر في علم الأصول.
ولعل عجلة الحركة المنهجية والموضوعية نحو ذلك بدأت ببادرة عملية قادها إمامنا الراحل نحو نظريته في فقه الدولة, والتي تتعطّش لأبعادها العالمية وحمل اللواء من بعده السيد القائد الفذ.
فهل ونحن نعيش هذه الذكرى له رضوان الله عليه أن ندعوا للإمام من جديد للنهوض بنا أم حقه أن نكمل المسيرة تحت ظِلال قيادتنا الحكيمة والمتمثلة بالسيد القائد الخامنئي(حفظه الله).
__________________
[*] دكتوراه فلسفة قانون ومستشار قانوني(القانون العام) / مدير جامعة آل البيت العالمية (AIU) سابقاً.
[1] من كلمة القائد آية الله العظمى السيد علي الخامنئي. ترجمة دار الولاية ص 14 العدد 435.
[2] اطّلعت على هذه الكلمة بعد الانتهاء من إعداد هذا المقال وقد وجدت من المناسب الاستشهاد بها وللفائدة نذكر المصدر وهو جريدة المرفأ الأسبوعية العدد الرابع ص 8 الصادرة يوم الثلاثاء 18 ربيع الثاني 1427هـ .الصادرة في مدينة قم المقدسة.

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية