مركز الصدرين للدراسات السياسية || الدراسات السياسية

مناقشة في الفقه السياسي: سلطة الفقهاء وفقهاء السلطة عند الإمام الخميني
خالد توفيق[1]

أفق المحاولة ومنهجه
من العسير تحديد مدى معين للمحاولات التنظيرية والتحليلية والجزم بان هذا المدى هو الذي كان يتوخاه المؤلف ويقصده، اذ ربما يغيّب التحديد بعض افكار المحاولة ويطمس شيئا من معالمها، ولا سيما اذا كان الكتاب من طراز (سلطة الفقهاء وفقهاء السلطة عند الامام الخميني)[2] يمتد كميا على مساحة (335) صفحة من القطع الكبير، ويروم زمنيا ان يمر على الخطوط التاريخية الكبرى للقرون الخمسة الاخيرة من تاريخ المسلمين السياسي والفكري، وما يداخله من التباسات داخلية وخارجية، كما ارتسم في كيانين سياسيين للمسلمين هما السلطنة العثمانية والسلطنة الصفوية وامتدادها القاجاري، قدر لهما ان يكونا آخر صيغتين للدولة الاسلامية العامة ــ غير القطرية ــ التي تعلن انتسابها للشريعة[3]، وبسقوطهما انقطعت هذه الصيغة في الحكم التي دامت في حياة المسلمين اكثر من الف سنة وثلاثة قرون، وبدأ عصر الدولة القطرية القائمة على اساس قومي علماني صريح او مضمر، كما هو حال النموذج الكمالي الذي آلت اليه تركيا بعد الغاء الخلافة، والنموذج البهلوي الذي آلت اليه ايران بعد الغاء القاجارية.
لا تقتصر صعوبة الرصد على هذا الامتداد الكمي والزمني المليء بالمنعطفات والملابسات وحسب، بل تبرز مرة اخرى ــ وربما على نحو اشد ــ ازاء طموح الكتاب فكريا، ومؤلفه يريد ان يخوض عباب الفقه السياسي بتياريه الكبيرين السني والشيعي، وما ينطوي عليه الاخير من تشعبات وفروع، في محاولة تلوذ بالمنهج التاريخي وتتابع التطبيق لكي تؤكد صحة افكارها مستشهدة عليها بخطأ التطبيق تارة وبصحته تارة اخرى، لتعزز في الحالتين صحة استنباطها من النص، قبل ان يرسو الشكل المثالي لنموذجها النظري في نظرية (ولاية الفقيه) بحسب قراءة الامام الخميني لها، ولنموذجها التطبيقي في صيغة (الجمهورية الاسلامية) التي انبثقت بعد انتصار الثورة الاسلامية.
هذا عن المحاولة في امتدادها وافقها. اما عن منهجها فالملاحظ ــ اذا صح رصدي ــ انها ركّبت بين صيغ متعددة ابرزها المنهج التاريخي الذي يتابع الوقائع ويرصدها ثم يحللها ليقارن نتائجها بمسلماته الفكرية، ومنهج تحليل النص الذي ارتكن اليه في بلورة ثوابته الفكرية ومسبقاته التي يؤمن بها ويقيس على احقيتها مآلات التجربة التاريخية التي يدرسها باطوارها المتعددة، ثم يبرز اخيرا دور المنهج المقارن الذي يمارس النقد واستخلاص النتائج في ضوء المسبقات الفكرية المتبناة في اطروحة الكتاب الثابتة عند المؤلف قبل ان يدخل المحاولة اساسا.
هذه المزاوجة المنهجية بين التاريخي، وتحليل النص والمنهج المقارن تنثال على اقسام الكتاب الثلاثة، وفصوله المتعددة بحيث يترتب بعضها على بعض، وقد تتجمع احيانا في الفصل الواحد عندما يستنجد بها الكاتب ويستمد من ادواتها العون على اثبات ما يريد، وربما تقاطعت احيانا لما يفضي بالدراسة الى بعض الاضطرابات في نتائج الكتاب وفي تفارق النتائج عن مقدماتها في احيان اخرى[4]، كما سنشير لنماذج من ذلك في هذه المراجعة.
بازاء هذه الصعوبات برزت امامنا خيارات عدة فى تقديم الكتاب، منها ان نمر عليه اجمالا، او نؤكد فصلاً واحداً من فصوله الاساسية أو قسماً واحداً من اقسامه الثلاثة كحد اكثر، او ان نتناوله من حيث ما تقّدم اطروحة الكتاب نفسها بأبرز افكارها.
بيد انا نأينا عن ذلك كله وارتأينا ان نقدم الكتاب قسما قسما، ونتدرج معه فصلا فصلا . وقد كلفنا ذلك قراءته بامعان كلمة فكلمة، وتسجيل ما لا يقل عن خمسين ملاحظة عليه، يتراوح مؤداها بين الاتفاق مع الكاتب فيما ذهب اليه والتقاطع معه تماما وبين الملاحظة العابرة، بالاضافة الى استعانة المراجعة بما لا يقل عن خمسة عشر مصدرا رجعنا اليها.
العمل خارج شرعية السلطان
في القسم الاول من الكتاب الذي يلي المقدمة يتوفر المؤلف على ما يسميها بالمقدمات التحليلية في سياسة الدولتين العثمانية والايرانية. ومع ان البحث في هذا القسم يمتد على فصلين ويستغرق مئة صفحة كاملة[5]، الا ان المحور فيه هو متابعة العلاقة بين الفقهاء والسلطة ومحاولة التنظير لها في اطار نظري، كما تجسدت عمليا في التجربتين العثمانية والايرانية.
بشأن التجربة الايرانية يتابع الكتاب علاقة الفقهاء بالسلطة في المدة بين (1501 ــ 1978) مستنفذا العهد الصفوي، القاجاري والبهلوي، حتى اندلاع احداث الثورة الاسلامية ثم انتصارها.
وقبل ان نتحول لمتابعة آراء الكتاب في هذا المضمار يحسن بنا ان نشيد بموضوعيته التي ساوت في مقاصد المشروع بين السلطتين العثمانية والصفوية، في ان كليهما عملا على (افشال مشروع الامة)[6] ومناهضته، ولكن ربما لم يكن تعبير الكاتب دقيقاً عنهما انهما ارادا (عودة الجاهلية)[7] و(القضاء على الاسلام)[8] و(العودة بالامة الى ظلمات الجهل)[9] وانما جاءت هذه تبعات لمناهضة مشروع الامة، ونتائج لافشاله واجهاضه.
كما ينبغي ان لا تفوتنا ملاحظته النابهة التي كرر فيها اكثر من مرة: (من المعقول جدا ان يكون انشاء الدولة الصفوية هادفا الى مواجهة الدولة العثمانية، وسياق المنهج لا يمنع من ذلك)[10] ولا سيما ان بعض القراءات لتاريخ الدولة الصفوية تسعى ان تتستر وراء شيعيتها لطمس الحافات الحادة في تاريخها، والتنصل من تبعات سياستها في الداخل والخارج، إذ لم يكن دورها في تمرير بواكير الاختراقات الغربية الى قلب العالم الاسلامي، باقل من دور الدولة العثمانية في ذلك، وبالتالي فالكيانان رديفان في التمهيد لمقدمات التغريب والعلمنة التي نشأت وسط المسلمين، ومسؤولان عما صار اليه واقعهم من انتعاش الدولة القطرية الكائنة على قاعدة قومية علمانية[11].
وبشأن الافكار المحورية التي نهض عليها هذا القسم، فهي تبرز اولا بالحاحه المتكرر على ان الدولة الصفوية، وان استدعت العلماء للعمل، بيد ان العلماء لم يعترفوا بشرعية السلطان وتفاوت موقفهم بين من تعاون معها (على البر والتقوى)[12] وبين من فاصلها بموقف اشبه الى العزلة والهروب من دعوات السلطان المتكررة كما هو حال المقدس السيد احمد الاردبيلي[13].
ولا ريب ان شيئا غير قليل من التفاعل او التعاون ــ بحسب تعبير الكاتب ــ الذي ابداه الفقهاء حيال الدولة الصفوية (1501 ــ 1722) يعود للفرصة التي اتاحها سلاطين تلك الدولة لنشر التشيع في ايران، لكن (العمل على نشر المذهب لم يترافق ابدا مع الاعتراف بشرعية السلطان الصفوي)[14]، كما اكد المؤلف ذلك بما يشبه الهاجس بحيث عاد بعد اسطر ليكتب عن الفقهاء انهم (لم يعترفوا بشرعية السلطة الصفوية)[15]، ثم يضيف بعد سطرين فقط: (ان الفقهاء الذين دعتهم السلطة الصفوية وتعاونوا معها لم يعترفوا بشرعيتها)[16]. وهكذا حتى يصل تأكيد هذه النقطة لما يصعب احصاؤه في طول الكتاب وعرضه.
ثم ادبر عهد الصفويين الذي (بدأ بدعوة العلماء وانتهى بالعداء لهم)[17]، كما يسجل الكاتب الذي يؤكد هذا المعنى مجددا بقوله: (بعد الصراع القوي بين الفقيه والسلطان الصفوي)[18] من دون ان يسوق في الحالتين ما يدلل على هذا (العداء) و(الصراع القوي) وبلا ان تسمح له المقدمات التاريخية التي عرض لها بنتيجة مثل هذه.
وببدء العهد القاجاري (1779) الذي جاء اثر الغزو الافغاني لايران وما افضى اليه من سقوط الصفوية، لم تتبدل المعادلة اذ بقي الفقهاء بمعزل عن الاعتراف بشرعية السلطان، باستثناء التعاون بينهما ــ لو حصل ــ على القواعد المذكورة ذاتها، عدا عن ان المؤسسة الدينية صارت لمزيد من الاستقلال كلما ابتعدت عن اصفهان وطهران، كما هو حال النجف الاشرف وقم التي راحت تنمي كيانها المستقل في هذا الاتجاه[19].
وربما كان ابرز متغير شهده العصر القاجاري في أواخره، هو الحركة الدستورية التي أثارت جدالا محتدما سيعود الكاتب اليه ــ ونعود معه اليه ــ في فقرة لاحقة.
وعندما ولى العهد القاجاري فاسحا الطريق لاسرة بهلوي، وجدنا هذه الاسرة في موقفها من العلماء ــ والشعب من ورائهم ــ: (تابعت خطى العهدين السابقين وزادتهم وحشية)[20] لانها بالاساس مشروع قومي ــ علماني جاهز يستنسخ على منوال الفكر الاوربي المتدفق كالشلال بكثافته وعنفه على العالم الاسلامي.
ثم آل الاحتدام الى نهايته المعروفة من انطلاق الثورة الاسلامية وانهيار عرش الشاه وانبثاق الجمهورية الاسلامية عام 1979 بقيادة الفقيه الامام الخميني.
المناقشة
لماذا تخلف الفقه السياسي لدى فقهاء مذهب اهل البيت ــ عليهم السلام ــ ولم يينع كما اينعت بقية فروع الفقه، فملأت الكثير من المصنفات والعديد من الموسوعات؟
يذهب الدارسون لتوجيه هذه الظاهرة الى ما لقيه التشيع من اقصاء عن الحكم وما حل بفقهائه من ازواء. بيد ان هذا المنحى على صوابيته لا يشكل علة تامة، اذ يعود جزء غير قليل من المشكلة الى مباني الفقهاء الشيعة الذاهبة في الرهط الكبير منهم صوب عدم القول بمشروعية الحكم في زمن الغيبة.
من نقاط قوة الكتاب، ان مؤلفه انتبه الى هذه الثغرة الكبيرة وأكدها ربما عشرات المرات في كتابه، ففي هذا القسم الذي نناقشه، كتب: (فاغلب الفقهاء لم يكونوا يرون شرعية لاحد في استلام السلطة ومباشرتها من رأس، لا للحاكم الصفوي ولا القاجاري، ولا حتى لانفسهم)[21].
بيد ان المشكلة ان التحليل لم يأت متطابقا دائما مع هذه المقدمة الصحيحة، بل اصطدم بها مرات فتغافلها ونسيها فافضى به للوقوع بمطبات واضحة.
ففيما يسجل ان العلماء غير معنيين باقامة الدولة لما (يرونه من عدم شرعية لاقامة النظام الاسلامي في عصر الغيبة)[22] يعود ليضعهم في رأس المطالبين باقامة الدولة الاسلامية، حين يفسر ــ مثلا ــ معارضة من عارض منهم الدستور، على انه تم لصالح (مشروع الدولة الاسلامية)[23] الذي طرحوه.
على هذا المنوال يتهافت ما ذكره الكاتب في صفحة (55 ــ 56) مع محصل ما انتهى اليه قبل ذلك من ان اغلبية الفقهاء لا ترى شرعية الحكم في عصر الغيبة، ومع ما عاد لتأكيده في صفحة (59) من ان الفقهاء (لم يستثمروا استعداد الشعب لاقامة نظام اسلامي واقعي)[24].
ويبدو انه ينسى هذه العبارة الاخيرة عندما ينتقل لمتابعة مسار الدستور، فيأخذه الحماس وهو يكتب: (بينما المرجع الكبير كاظم يزدي والشيخ فضل الله النوري وغيرهم لم يكونوا داعمين للاستبداد، وانما أرادوا اقامة حكم اسلامي واقعي)[25]، لان الشيخ الشهيد فضل الله النوري اذا كان يملك تصورا حول الدولة او اقامة الحكم الاسلامي، فان مثل هذه التصور غير موجود لدى السيد اليزدي. فضلا عن اننا عندما نعود نقرأ المنظومة الفكرية ــ السياسية للشيخ النوري نجدها ترتد في شرعية الدولة الى منشأين هما: السلطان الذي يكون ملاذا للاسلام والفقهاء العدول او بحسب نص تعبيره (حملة الاحكام واولي الشوكة)[26] أي: الفقهاء زائدا السلاطين الذي كان يرى في (سلطنتهم القوة التنفيذية لاحكام الاسلام)[27].
ان الحماس لنظرية الحاضر لا ينبغي ان يوقعنا بحماس قراءة الماضي عبر الحاضر، فالدراسات التي تقدمها المكتبة الايرانية المعاصرة بشأن الفقه السياسي والفكر السياسي[28]، تدلل بوضوح ان اغلب فقهاء العصرين الصفوي والقاجاري لم يتحدثوا في دور الفقيه عن الولاية السياسية، بل عدوا الاخيرة من الامور العرفية التي تناط بالسلطان، وقصروا مهام الفقهاء العدول على الامور الشرعية من فتوى، اصدار احكام قضائية، واستنباط احكام كلية في الامور العامة[29].
بل الاكثر من ذلك، نجد الشيخ الشهيد فضل الله النوري يقرأ الموقف السياسي للميرزا الشيرازي صاحب الحركة المشهورة التي انطلقت بفعل فتواه (تحريم استخدام التبغ) على اساس الشرعية ذات الركنين (الفقهاء العدول والسلاطين اولي الشوكة)[30].
واذا كان يصعب اعادة تفصيل نظرية الامام الخميني في الولاية المطلقة للفقيه (شرعية وسياسية) على قامات فقهاء كبار من طراز الميرزا الشيرازي والشيخ الشهيد فضل الله النوري، ممن خاض معترك السياسة، فمن المجازفة بمكان نسبة مشروع اقامة الحكم الاسلامي للمرجع الديني السيد كاظم اليزدي[31].
اجل، يبقى الميرزا النائيني متميزا عمن سواه في طبيعة الفكر السياسي الذي تبناه والموقف العملي الذي سار عليه[32].
اخضاع التاريخ لنسق فكري مسبق وثابت سلفا، هو الذي يجر الكتّاب للقراءة التبريرية التي تظهر بكثافة في مادته. كما اسقاط منظومة الامام الخميني على قراءة الاتجاهات الفقهية في محاولة لا معنى لها لاثبات التطابق; بل هي تتناقض مع ما يراد اثباته من تميز الامام في منظومة فكره الفقهي ــ السياسي.
وهذان العاملان (الاخضاع لنسق مسبق وقراءة الماضي بالحاضر) هما اللذان يفسران تذبذب التحليل وتعرجه حتى سقط فيما يشبه التعارض او التهافت على اقل تقدير.
ففيما هو يقدم لنا دور الفقهاء في علاقتهم مع السلطان الصفوي وشطر غير قليل من العهد القاجاري عبر قراءة مسالمة أظهر فيها الفقيه اما متعاون مع السلطان على البر والتقوى او معتزل له بما يشبه الهروب منه، تراه اغضى عن اشكال التعاون التي يفهم منها الاقرار بشرعية السلطان حماية لنسقه النظري الثابت سلفا، ولان متبنياته المسبقة لا تسمح له بذلك.
لذلك تراه لم يمر على الشيخين الكركي (ت:940هــ) والمجلسي (ت:1111هــ) وهما من ابرز فقهاء عصر الصفوية، الا بسطر واحد[33]، في حين كان عليه ان يتلبث، ولا سيما ان المحقق الكركي ربما كان اول من فتح مع قيام السلطنة الصفوية، السبيل امام تفتح فقه سياسي شيعي حيال الدولة ونظام الحكم في رسالته المعروفة عن صلاة الجمعة[34].
اما مع العلامة المجلسي صاحب موسوعة بحار الانوار، فان الامر يختلف كثيرا، اذ تدل نصوصه على امكان قيام حكم اسلامي في عصر الغيبة، والذي يفهم من مجموع نصوصه ولا سيما في كتابه (عين الحياة) (بالفارسية) وبعض تعليقاته في (بحار الانوار) انه يرى شرعية الحكم الصفوي الذي تبوأ فيه وعلى عهد السلطان حسين الصفوي حكم مشيخة الاسلام (سنة 1106هــ).
واذا كان باحثنا مؤلف الكتاب، يخشى باقصائه امثال الكركي والمجلسي الوقوع بما وقعت به القراءات الايديولوجية المعاصرة من اتهامهما بممالأة السلطان[35]، فقد كان يحسن له بدل الهروب من تبعات تلك القراءة، ان يدرس مواقفهما وفكرهما الفقهي الموجّه لسلوكهما الاجتماعي والسياسي، في ضوء مبانيهم، مما يضيء دائرة ما برحت معتمة في اذهان بعض المثقفين، وقطاع من الثوريين المعاصرين.
الشيخ المجلسي يحرم اشد التحريم الركون للحاكم الظالم لذلك من غير المعقول ان نقرأ مناصرته للدولة الصفوية، ولا سيما خطبته في تتويج السلطان حسين الصفوي وما احتمله من انصراف بعض الاحاديث الشريفة لسلاطين الصفوية، وعدم استبعاده ان يمد الله بسلطان هذه الدولة حتى تتصل بظهور الامام الحجة ــ عليه السلام ــ ان نقرأه كممالأة للسلطان الظالم[36]. بل المعقول ان نفسر ذلك في ضوء مبانيه الفقهية التي تؤمن بامكان قيام حكم اسلامي في عصر الغيبة، وان منشأ شرعية هذا الحكم ترتد في الجانب الفقهي للفقهاء، وما خولتهم الشريعة اياه من سلطة الافتاء والقضاء وتولي الامور الحسبية، في حين تستند شرعية الجانب العرفي (السياسي والمدني) للسلطان العادل، الذي رأى في حياته انه منطبق مع سلاطين الدولة الصفوية.
هكذا لا تبرز أية مشكلة في تفسير مواقف اي فقيه حتى لو كان يقول بشرعية السلطان الصفوي والقاجاري، مادامت مبانيه الفقهية في الفكر السياسي والاجتماعي تسمح له بذلك. انما تبرز المشكلة بمحاكمة مواقف الفقهاء في ضوء منظومة مسبقة نفصل بها نتائج تحليلنا سلفا، كما تبرز في القراءة الايديولوجية الهائجة.
وكمثال عملي وواقعي، لا يجوز أن نحاكم قناعات العلامة المجلسي في وصفه سلاطين الصفوية بعبارات من قبيل (نوّر الله مضجعه) (في وصف شاه اسماعيل) و(طيب الله رمسه) (في وصف الشاه عباس الاول)[37] بما ذهب اليه الامام الخميني من ذروة وعيه السياسي وتفارق منظومته في الفقه والفكر السياسي، وهو يصف شاهات الصفوية ولا سيما عباس واسماعيل بأسوأ النعوت، وانهما من أظلم السلاطين.
الاقتراب من المرمى
نعود لنغلق باب مناقشة هذا القسم من الكتاب، بالسؤال التالي: لماذا تفاوت موقف فقهاء الشيعة بين من لم يعترف بسلطان (الصفوي ثم القاجاري) منح مذهبهم فرصة تاريخية للانتشار والنمو بما لم تضاهه فرصة اخرى على مدى تاريخه السياسي (ربما حتى في العهود البويهي والحمداني والفاطمي) بعد خلافة الامام علي، وبين من تعاون معه ومن آمن بشرعيته؟ ثم لماذا لم ينتهز الفقهاء تلك اللحظات التاريخية الفذة التي سجلت تألق نجم بعض الفقهاء واقبال الجمهور عليهم في الوثوب للسلطة واقامة الحكم الاسلامي؟
يقارب المؤلف اجابة هذا السؤال بعناصر متعددة اهمها عدم ايمان الاغلبية بالحكم في عصر الغيبة، ثم بما يسجله بموضوعية جيدة لا اثر للمبالغة فيها، عندما يكتب انهم: (لم يتمكنوا [سواء من كان منهم بالنجف او ايران] من قراءة الواقع بدقة، ولم يرصدوا المستقبل رصدا دقيقا)[38] وان دور الفقهاء راح يتأرجح (بين المرحلية وغياب الاستراتيجية في العمل السياسي)[39].
واذا كان الذي فهمناه من النصين صحيحا، فانه يتعارض مع ما عاد يذكره بعد صفحة واحدة من النص الثاني، عندما استخلص ان اسباب تخلف الفقهاء عن المكاسب الاستراتيجية في العهود الثلاثة (الصفوي، القاجاري والبهلوي) يعود (لغياب رؤية مستقبلية، ولم يكن نتيجة لغياب قراءات واقعية)[40].
وبغض النظر عن التعارض الشاخص بين النصوص، فان ما حصل تتعاضد في تفسيره ــ برأينا ــ عوامل متراكبة هي:
اولاً: الوعي الفقهي المرتكز لعقل غالبا ما يؤمن بخيار اللادولة في عصر الغيبة. واذا صح ان نسمي هذا ازمة، فهي أزمة في العقل الفقهي ترتد لمبانيه الكلامية.
ثانياً: غياب التقدير الكافي للواقع المحلي على مستوى امكانيات الجمهور ووضع السلاطين، كما غياب الرؤية الاقليمية الكافية لاوضاع العالم الاسلامي ولا سيما السلطتين العثمانية والصفوية بامتدادها القاجاري.
ثالثاً: وهو اهم من الثاني، ويتمثل بغياب الادراك الكافي للتحول الاوربي منذ عصر النهضة الاوربية، وما افضى اليه من تبعات على العالم الاسلامي، بل وانقلاب في موازين القوة العالمية لصالح مركزية النظام الغربي.
الحركة الدستورية
في الفصل الثاني من القسم الاول يحسن المؤلف بمتابعة الحركة الدستورية في الدولتين العثمانية والايرانية (القاجارية) مستعرضا للوهلة الاولى ملابسات الحدث تاريخيا، ثم مستخلصا النتائج الفكرية والاجتماعية والسياسية التي آلت اليه في الاقليمين، لما يفضي به لفتح فضاء الدراسة بدءا من القسم الثاني، على آفاق فكر الامام الخميني.
نستطيع ان نكثف رؤى الكتاب في هذا المضمار بما ذهب اليه المؤلف من ان حركة الاصلاح الدستوري في تركيا توسلت: (سياسة تتريك العرب والدعوة الى العلمنة)[41] وبالتالي لم يكن هدف دعاة الدستور تحقيق حرية الامة في الاختيار او (جعل شريعة الاسلام هي الحاكمة)[42].
ثم عزز ما ذهب اليه بتحليل تاريخي زاوج بين اخطاء السلطان العثماني ذاته وسلوكه المستبد، وبين الاصول اليهودية التي انحدرت عنها اغلب قيادات الاتحاد والترقي، وضعف دور العلماء واقتصار مشيخة الاسلام في السلطنة العثمانية على تبرير شرعية الاستبداد السلطاني لانها تستمد شرعية سلطتها منه، فهو الذي ينصب شيخ الاسلام ويعزله. ثم اشار في العوامل الخارجية لدور الغرب ومحاولاته لتمزيق السلطنة من خلال صارية الاصلاح الدستوري.
وبهذا انتهى مركب الحركة الدستورية في العثمانية الى اربعة عناصر، هي: السلطان المستبد، مشيخة الاسلام التي تبرر الاستبداد وتزيد انفصال الحاكم عن المحكوم، دور اليهود عبر قيادات الاتحاد والترقي، واخيرا دور الغرب، في حين اقصيت الامة ولم يكن لها ثقل في هذه الحركة.
اما عناصرها في ايران فقد انتهت الى: السلطان المستبد، الفقهاء الناهضين لدرأ الاستبداد، الامة التي تفاعلت مع الفقهاء، واخيرا الغرب الذي اراد ان يستوعب قوة الفقهاء ويقضي على الكيان السياسي الشكلي للمسلمين.
والفقهاء عند المؤلف، وان اختلفوا الى مؤيد للدستور ومعارض له، الا ان كليهما لم يكن يهدف لتأييد السلطان ولا لاجهاض خيارات الامة وحقها.
على اساس هذه القراءة الواحدة في المناخ المتعددة في العناصر، انتهى الباحث لتفارق الحركتين اذ: (انتجت الدستورية في الامبراطورية العثمانية عكس ما انتجت في الدولة الايرانية)[43]. والمعادلة التي تلخص هذه الحصيلة المعكوسة للحركتين يوضحها الكاتب بقوله: (كلما ضعف سلطان عبد الحميد ضعفت السلطة والزعامة الدينية وقويت العلمنة على يد جمعية الاتحاد والترقي. بينما الصورة في ايران انه كلما ضعف السلطان قوي الدين والفقهاء الامناء عليه)[44].
لان (النصيحة في الدولة العثمانية كانت للسلطان ... اما النصيحة والخطاب في الدولة الايرانية، فكانت للفقهاء الشيعة في النجف الاشرف)[45].
ولكن لماذا جاءت الحصيلة متساوية موضوعيا، اذ افضت الحركتان الدستوريتان بعد حفنة ضئيلة من السنوات لنظامين علمانيين في انقرة وطهران (الكمالي والبهلوي) تشدهما لبعضهما اوثق اواصر القرابة؟
يعيد المؤلف هذه المفارقة الى تفسير مؤداه ما اتسم به سلوك فقهاء الشيعة من انهم يثبون ثم يتركون قطاف الثمر لغيرهم، وهو الدرس الذي استوعبه الامام الخميني جيدا وتحاشى السقوط بالخطأ ذاته[46].
ومن نقاط التفارق الاخرى بين الحركتين، فيما سجله المؤلف، هي اختلاف حالة الشعب بين الدولتين، ففيما كانت العادات الغربية ومظاهر العيش الاوربية تشق طريقها للعاصمة العثمانية وجدنا: (ان الامر في ايران الصفوية والقاجارية كان على خلاف ذلك تماما، حيث ان الناس كانوا يعيشون الاسلام في جميع وجوه حياتهم)[47]. ثم يتمادى اكثر في وصف هذا الفارق حين يكتب: (فلم يكن الشعب [في الدولة الايرانية] مولعا بالتربية الغربية او القومية او بالعلمانية كما كان الشعب المسلم في الدولة العثمانية)[48].
أربع ملاحظات
افلح الكتاب في اختراق ضجيج المصطلحات فيما اطلق عليه بمسار الاصلاح في الدولتين العثمانية والايرانية التي كانت حركة الدستور ابرز وآخر حلقاتها، وكشف عن المكونات التي تهدف اليها، كما اصاب في التمييز ــ بشكل عام ــ بين الحركتين الدستورية في العثمانية والقاجارية، بيد ان ذلك لا يمنعنا من تسجيل عدة ملاحظات تتفاوت بينها في الاهمية:
اولا: لم تحدث ثورة دستورية في زمن الصفويين بحسب علمنا، ولو حدثت لكان على المؤلف ان يشير اليها. لذلك نحمل ما ساقه المؤلف من وجود اهداف خبيثة (وراء الدستور في الدولة العثمانية والدولة الصفوية او القاجارية)[49] على سهو القلم.
ثانيا: لم تستطع اكثر القراءات ادعاءً للتقدمية ان تتخفى على دور اليهود في (حركة الاصلاح العثماني) وبالذات (جمعية الاتحاد والترقي)[50] كما عزز الكاتب ذلك بارقام كافية، بيد ان هذا الدور انتظم في اطار اكبر منه هو الغرب، ولا نرى من معنى لتهويل دور اليهود وتضخيمه بحيث يكون اكبر من الدور الغربي ذاته. والا هل يعتقد الكاتب بان تماثل سياسة جمعية الاتحاد والترقي مع الغرب يعود بنتائج اقل مما عاد بها فعلاً على بلاد المسلمين، أو أن التماثل مع اليهود يعود باكثر مما عاد على المسلمين من الغرب فعلا.
الغرب في الواقع هو المشكلة واليهود ــ او الاختراق الصهيوني بتعبير الكاتب ــ يمارسون دورهم في اطار المركزية الغربية ذاتها[51].
ثالثا: برغم صحة المنطلقات التي يصدر عنها المؤلف، الا ان افتقاره لرؤية داخلية لاجواء ما قبل الحركة الدستورية في ايران، وما افضت اليه على مستوى التغريب هو امر واضح جلي.
فتغريب البلاط تمازج مع تغريب النخبة واندرج كتيار منظم بين السلطة السياسية والنخبة الثقافية المتغربة، منذ اوائل النصف الثاني للعهد القاجاري. وبالتالي ففساد القصر وتوجه البلاط القاجاري صوب اوربا لم يكن اقل ابداً مما كان عليه في البلاط العثماني.
اما تيارات التغريب على مستوى النخب الثقافية والصفوة السياسية والاجتماعية، فكانت من القوة بحيث يعزى لها التبشير بحركة الدستور، هذه الحركة التي ضاعفت من حيويتها وانعشتها حتى استطاعت ان تغتال الحركة الدستورية من داخلها.
وبذلك ليس صحيحاً بالمطلق ما ذهب اليه الكاتب من ان الحركتين افضتا لنتائج مختلفة، اجل كانت هناك نقاط تفارق لا نقاش فيها، بيد انها ليست مطلقة.
ان اجماع الكاتبين والباحثين والمؤرخين في ايران يدل على وجود التغريب في البلاط والنخب المثقفة واهل الصفوة، كما اجماعهم على ان الحركة الدستورية عمقت التغريب ثقافيا والليبرالية المؤقتة التي انكفأت الى ملوكية مقيتة وجاهلة سياسيا.
ثمة حشد هائل من الكتابات التي توافرت على رصد بدايات حركة التغريب الثقافي والعلمنة السياسية يمكن متابعتها في دراسات منهجية عالية كالتي صدرت عن عبد الهادي حائري[52]، على اكبر ولايتي[53]، مهدي انصاري[54]، رضا داوري[55]، جلال الدين مدني[56].
أما المستوى الثقافي الايديولوجي، فتكفي كتابات جلال آل أحمد لوحدها[57]، تليها الدراسات التي راحت تصدر حديثا من حول مقولة الغزو الثقافي[58].
وبعيدا عن هذه الاحالات فان أسماء رموز التغريب الثقافي من أمثال ملكم خان، تقي زادة، طالبوف مراغي، كسروي هي من الشهرة بحيث لا يمكن اخفاء دلالتها على المطلوب.
رابعا: ثمة مبالغة فيما ذهب اليه الكتاب في التمييز بين الشعبين، في الدولتين العثمانية والايرانية، من ان الاول (مولع بالتربية الغربية أو القومية او بالعلمانية)[59] بعكس الثاني البعيد عن هذا الولع، وان الناس في الثاني كانوا يعيشون الاسلام في جميع وجوه حياته[60].
لقد كان على الباحث ان يميز على الاقل بين البلاط السلطاني، والنخب الثقافية والصفوة الاجتماعية، والشعب. فلكل واحد من هذه الحلقات الثلاث رتبتها في الولاء الديني ومدى التأثر بالغرب وترويج العلمانية والقومية الضيقة. وأحسب ان ما ذكرناه في النقطة السابقة وما سقناه من مصادر يكفي للتدليل على ان نصيب البلاط القاجاري والنخب الثقافية في ايران لم يكن اقل مما حظيت به الدولة العثمانية. أما حالة الشعب فهي تتأثر بلا ريب بالسلطان وبالتيارات الثقافية المتغربة، كما تأثر الشعب الايراني بذلك فعلا، وراح ضحية لتيارات التعصب القومي التي ارادت ان تفصله عن الاسلام، ذلك ان ترويج ثقافة التغريب والنزعة القومية الفارسية قبل الثورة الاسلامية، لم يكن اقل مما راج في تركيا عن التغريب والنزعة القومية الطورانية.
والذي يهمنا ان ينتبه الكاتب اليه، ان التجربتين الدستوريتين في تركيا وايران، افضتا في نهاية المطاف لنظامين سياسيين علمانيين بالكامل، يقومان ثقافيا على اساس التغريب، وسياسيا على اساس الدولة القطرية ذات الاساس القومي بالاضافة لتبعيتهما للغرب معا.
اجل، يبقى دور الفقهاء هو الحلقة المفقودة في المجتمع العثماني ــ التركي، الحاضرة في المجتمع الايراني، وعلى أساس هذا الدور نفسر بقاء الحس الديني والمذهبي على وجه التحديد، نارا تحت الرماد في المجتمع الايراني، الى أن أيقظه الامام الخميني وبدله الى ممارسة فعلية قادت لانتصار الثورة.
فقهاء السلطة وسلطة الفقهاء
يسعى القسم الثاني من الكتاب (137ــ255) لتأسيس البنى التحتية التي تقوم عليها نظرية الامام السياسية في ولاية الفقيه.
وفي تجاه اكتشاف هذه البنى يبحر المؤلف أولا عبر التاريخ في محاولة رصد المناخ الذي كان يتحرك به الفقه السياسي. ثم ينعطف لقراءة النص التأسيسي كما تعاطاه فقهاء الشيعة مؤكدا الرواية اكثر، ليستخلص في نهاية المطاف تمايز الامام عن غيره من الفقهاء في الرسو على ما أسماه بالموقف الاستراتيجي في عصر الغيبة.
بعد ان يكون قد انتهى من تأسيس البنى يرحل صوب رؤى الامام الخميني في الدين والدولة، هذه الرؤى التي تفضي به الى ما انتهى اليه الامام من اعتبار الولاية ممتدة في الحكومة متجسدة فيها، والاثنان يمثلان خيارا استراتيجيا لمنظومة فكر الامام.
أخيرا يشفع الباحث فصلي هذا القسم بثالث هو الاهم، ليس في هذا القسم، بل في الكتاب برمته، يوفي الحديث فيه عن فلسفة الولاية عند الامام الخميني.
في مواجهة الفقه السلطاني
تتقدم بحوث هذا القسم رحلة عبر التاريخ في ربوع الفقه السياسي الذي ساد، يسهل على الباحث ان يكتشف فيها الطابع السلطاني لهذا الفقه. وجوهر الفقه السلطاني تبرز فيما يعيشه من ازمة الشرعية، بالاضافة الى اهماله لارادة الامة وبسط ارادة السلطة في كامل المساحة التي تستوعب ما للسلطان وما للامة معا.
لقد استتبع الفقه السلطاني الذي انبسط خلال تاريخ المسلمين مشكلات كبرى لم تقتصر على مديات الواقع الاجتماعي والسياسي، بل تعدت ذلك لتلقيات شوهاء فى العقيدة، ليس الارجاء وضروب الجبر والقدرية المقيتة سوى شكل من اشكالها.
ان التبعات الاجتماعية لهذا الفقه المتمثلة بشل ارادة الامة وتعطيل وظيفتها في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واشاعة فكر الطاعة والتبرير، والسياسية المتمثلة بانشاء فلسفة سياسية متماهية مع نظرية الحق الالهي المطلق في الحكم واعتبار السلطان ظلا لله في الارض، يكتنزها جميعا هذا النص الممتاز الذي استقاه الكاتب من تاريخ واحد من عتاة حكام تجربة الفقه السلطاني وهو يخطب في الامة بقوله: (ايها الناس، انما انا سلطان الله في ارضه، أسوسكم بتوفيقه وتسديده وتأييده، وحارسه على ماله، اعمل فيه بمشيئته وارادته، واعطيه باذنه، فقد جعلني الله عليكم قفلا، اذا شاء أن يفتحني فتحني لاعطائكم، واذا شاء أن يقفلني عليه أقفلني)[1].
لقد كان تشخيصا دقيقا وواعيا ما انتهى اليه الكاتب من قوله: (فالعالم الاسلامي اليوم مشكلته كانت وستبقى الحاكم الجائر المسلح بفتاوى المعممين من هنا وهناك)[2].
والا مَنْ نظّر لشرعية سلطان الجور وامارة الغلبة غير فقهاء السلطان[3]؟ ومن غيرهم شلّ في الامة ارادة النهوض وعطل مفاعيل اسمى الفرائض (الامر بالمعروف والنهي عن المنكر)[4]، واشاع في الامة على مدى قرون فكر الطاعة والتبرير بعد أن أهاب عليه ثوبا من القدسية فضفاضاً[5]؟
في قبال هذا الموروث وامتداداته المعاصرة التي راحت تتغلغل في معتقدات الامة وتتلابس مع تكوينهم الشعوري، وتطبع سلوكهم الاجتماعي، يسجل باحثنا بحق: (ان ما نشهده في حاضرنا من ساسة وفقهاء له جذور في الماضي البعيد البعيد)[6].
واهمية الامام الخميني ليس اختراقة لنمط هذا الموروث السلطاني، بل ثورته الشاملة عليه (بالقضاء على الفساد والمفسدين كانوا شيعة ام سنة)[7] وبالاستناد الى منظومة فقهية سياسية مغايرة لابنية الفقه السلطاني ومرتكزاته في الفقه والفكر السياسي.
بازاء هذا الشمول في تحرير ارادة الامة والثورة على الحاكم الجائر شيعيا كان ام سنيا يطلق الباحث سؤالا مبدعا، حين يقول: (ويبقى السؤال: من يخرج على سنية الحاكم الجائر، كما خرج الامام (رض) على شيعية الحاكم الجائر؟)[8].
البعد العملي للرواية والنهجين الاصولي والاخباري
لما كان من ابرز ما يرتكز اليه الكاتب في قراءة نظرية الامام هي اطروحته التي ترى: (الحكومة تبلور البعد العملي للفقه في التعامل مع جميع المعضلات الاجتماعية والسياسية والعسكرية والثقافية، كون الفقه هو النظرية الواقعية والكاملة لادارة الانسان والمجتمع من المهد الى اللحد)[9] لذلك تراه خصص بحثا مستقلا لدراسة ما أسماه (البعد العملي للرواية الشيعية)[10] رام ان يميز فيه بين قراءتين اخبارية واصولية، ثم ميز الامام داخل النهج الاصولي ذاته.
وملخص ما انتهى اليه: (ان الفقهاء في عصر الغيبة لا يرون مشروعية لاقامة حكم اسلامي الا انهم اذا خيروا بين نظام جائر مستبد وبين اللانظام والفوضى فاختاروا النظام)[11]. واهمية انجاز الامام في هذا المضمار انه خرج (على هذا التقليد المميت من الفقه الذي لا قيمة له)[12] والذي كان يرسف الامة والحوزات العلمية معا بالاغلال، واستبدله بمنظومة لــ(فقه سياسي حي متحرك في الدولة والمجتمع، مثّل بالفعل خروجا على النمط الفقهي القديم عند اهل السنة والشيعة معا)[13] لينتهي الموقف الاستراتيجي عند الامام بما (يقضي بالخروج على كل المواقف الفقهية الداعية الى عدم الخروج على الحاكم الجائر، والقائلة بعدم مشروعية اقامة حكم اسلامي واقعي في عصر الغيبة)[14].
مناقشتان
ولنا مع الكاتب مناقشتان في هذا القسم من البحث، هما:
المناقشة الاولى: ليس دقيقا ما ذهب اليه من تأثير الانتصار الاصولي على تطور الفكر السياسي الشيعي[15]. فلا شأن كثيرا للعقليتين الاصولية والاخبارية في الموقف من الحكومة وعموم الفقه والفكر السياسيين، اذ نجد الكثير من الاصوليين الافذاذ لم يروا وجوب الدولة في عصر الغيبة، بل فيهم من سعى اليه الحكم سعيا ومثل السلطان بين يديه ورفضه رغم عراقته الاصولية، كما حصل مع الشيخ جعفر كاشف الغطاء الذي رفض عرض فتح علي شاه، على ما يذكر المؤلف ذلك مرارا[16].
ومن جهة اخرى رأينا اخباريا من طراز العلامة المجلسي له نظرية في الفقه السياسي في مقابل اصولي من طراز السيد اليزدي لم ترشح عنه منظومة متبلورة.
على ان من الجدير بنا ان ننتبه الى ان الاصولي والاخباري يتعاطيان كلاهما الروايات ذاتها التي تتحدث عن ولاية الفقيه وشؤون السلطة والحكم، وبالتالي هما لا يختلفان بالرجوع الى الثروة النصية، وانما يبرز بينهما الاختلاف في المنهج وفي حدود دور العقل بالذات.
ومع ذلك كله يبقى افضل ما يدحض هذا الرأي، هو تاريخ الفترة التي يدرسها المؤلف، اذ رأينا ان الموقف الغالب للفقهاء المعاصرين للصفوية والقاجارية، ينتهي لحصر ولاية الفقيه في الفتوى والقضاء والامور الحسبية ولا يتعدونها الا نادرا، لا فرق بين الاصولي والاخباري.
أكاد أجزم ان الذي أوهم المؤلف وقاده لمثل هذا الرأي، هو أخذه له دون تمحيص من دراسة الدكتور وجيه كوثراني (الفقيه والسلطان)[17]، ولا سيما ان الكتاب الذي بين ايدينا كثيرا ما يتأثر، بل ويتوحد احيانا، مع اطار وهيكلية ومنهجية وربما افكار كتاب (الفقيه والسلطان)، افصح عن ذلك او لم يفصح.
المناقشة الثانية: يبدو ان الباحث اصيب بعقدة مما حمل به ابو الحسن الاشعري وابو حامد الغزالي، على (الروافض) رأيهم في ابطال السيف حتى يظهر الامام الغائب ــ عليه السلام ــ[18]. لذلك تراه يكرره مرارا في محاولة للتنصل منه[19]، حتى اذا ما انفتح على الفقه الثوري للامام الخميني تراه يلوذ به في رد الشتيمة للاشعري والغزالي، بل ويوحد بينهما وبين هجوم الامام على تيار من العلماء في خطابه المشهور للحوزات العلمية عام 1409هــ.
والذي نراه ان الكاتب خلط بين المنطلقين، فالامام الخميني لم يعن بمن هاجمهم في بيان رجب /1409هــ وفي (الحكومة الاسلامية) قبل ذلك الا رهطاً من المعممين حرّم السياسة مع الامام وحللها في العمل ضد النظام الاسلامي! وبالتالي لا شأن له بالفقهاء الاجلاء الذين يختلفون معه في المبنى، ولا سيما ان العمارة العامة لمدرسة فقهاء اهل البيت ــ عليهم السلام ــ كانت مشيدة لمئات السنين على بنى فقهية تختلف مع منظومة الفقه السياسي الخميني سعة وضيقا، واحيانا تتقاطع معها بالكامل.
بل ولم يوجه الامام تلك الكلمات التي استشهد بها الكاتب ووحدها مع نصوص الاشعري والغزالي[20]، حتى لمن عاصره من فقهاء قم والنجف ممن اختلف معه في الرؤية والمسار.
تبقى اشارة اخيرة بشأن ما ذكره المؤلف عن نظرية الميرزا النائيني[21]، والذي نفهمه من القراءات المتكاثرة من حولها انه يقول بشرعية الحكومة الدستورية المأذونة من الفقيه دون حاجة لتصديه لها مباشرة، على تفصيل مذكور في محله[22].
الاسلام دولة ام نظام حكم؟
في بحث الدين والدولة عند الامام الخميني يبدأ الباحث بتقديم عنوانه: (الاسلام دين ودولة)[23] يتوفر فيه على قراءة الاوليات التي تنقض على من ينكر وجود نظام سياسي في الاسلام لتثبت وجود الدولة فيه.
وفي اثناء النقاش يأخذ على برهان غليون، قوله: (وكلمة الدولة الاسلامية نفسها كلمة مبتدعة وحديثة...)[24] ويرد عليه، بالقول: (ان استاذا مثل غليون لم يقرأ التاريخ الاسلامي جيدا، وكذلك النص الاسلامي الذي يشير بوضوح الى ان كلمة الدولة ليست مبتدعة)[25] ثم يستشهد بنص للامام علي ــ عليه السلام ــ من نهج البلاغة يذكر فيه كلمة الدولة[26].
لا يعنينا ان ندلي برأي في المسألة، بل يهمنا ان نشير لوجود تفكير يذهب الى ان المفهوم المتداول عن الدولة وما يعضده من تنظير في العلوم السياسية هو اوربي النشأة. وبالتالي فان المفهوم المعاصر للدولة في ادبيات العالم العربي مركب على مفهوم اوربي لها، فعندما يأتي الباحث ويقول: (دولة اسلامية) ينصرف الذهن لذلك المفهوم.
وما يراه هذا الرأي الذي يصدر عنه تيار من الباحثين، ان في الاسلام نظاما سياسيا وليس نظرية محددة للدولة على منوال النظرية او النظريات الاوربية[27]، ويبدو ان الذي يشجع هؤلاء على تفكير مثل هذا، ان مصادر الفقه السياسي الاسلامي غالبا ما تتحدث عن الحكم، وبالتالي هي معنية بابنية نظام الحكم السياسي اكثر منها بنظرية الدولة[28].
بالاضافة الى ما يراه البعض من ان الاسلام معني اولا بالامة والجماعة فــ (في البدء قامت الجماعة)[29] ثم جاءت (السلطة السياسية ــ الدولة كتدبير لاحق لوجود الجماعة)[30].
هؤلاء لا ينكرون وجود الدولة، بل يصرفون ما تم من تنظير في الفقه السياسي (الماوردي والغزالي وغيرهما) للحكومة والوزارة وانظمة الحكم، وبعضهم يرجع ذلك كما اشرنا الى ان فكرة السياسة عند المسلمين (ارتبطت بفكرة الامة وبقاء الجماعة)[31] اكثر منها بفكرة الدولة.
يزيد في ذلك ما ذهب اليه بعض الفقهاء المعاصرين من ان الاسلام لم يجي بنظرية محددة عن شكل الدولة، بل اقر الولاية كأساس أولي والحكومة كأصل، وترك الشكل للمتغيرات الزمنية، يتطور مع تغيرها[32].
والدليل على ان هؤلاء يستحضرون في الحديث عن الدولة مفهومها الاوربي، هو ما فعله برهان غليون نفسه ــ الذي ينقده باحثنا ــ عندما عاد ليختزل (المحنة العربية) بوقوف الدولة في العالم العربي المترسبة عن الحداثة الغربية، ضد الامة[33].
تبقى اشارة اخيرة لما استخلصه من اقوال وأدلة، افضت به الى ان تشكيل الحكومة ضرورة متحققة (بضرورة العقل والشرع)[34] فهذه الضرورة لا تثبت ازيد من السعي لاقامة الحكم الاسلامي، اما الصيغ فهي متعددة، والذي يفيده تعدد نظريات الدولة لدى فقهاء الشيعة[35]، هو مشروعية جميع الصيغ المطروحة بجوار نظرية ولاية الفقيه، من دون ان يمنع ذلك ان تكون صيغة الحكومة القائمة على نظرية ولاية الفقيه اكفأ من الصيغ الاخرى واكثر منها فاعلية، واوثق دواما، ذلك ان مباحث الفقه السياسي، حتى في الجمهورية الاسلامية ذاتها، تميز بين بحثي المشروعية والكفاءة[36].
ولاية الفقيه من منظور فلسفي
لا نبالغ اذا قلنا ان الفصل الثالث من القسم الثاني جاء يتسم بالقوة والتماسك والابداع[37]، حتى صار ــ برأينا ــ أهم بحث في الكتاب. فقد نجح المؤلف ايما نجاح في اكتشاف البنى التأسيسية لفكرة الولاية، وحقق جولة موفقة في مصادرها، والاهم من ذلك هو التوفيق الذي حالفه بعرضها عرضا ميسرا، مفهوما مقنعا.
لقد استحق هذا الشطر من الكتاب عنوانه بحق، فهو فعلا رؤية في ولاية الفقيه من منظور فلسفي، تمكنت من العثور على المرتكزات المعرفية التي ترتد اليها هذه النظرية، وقدمت للقاري الذي لا يألف هذا الضرب من الثقافة، خدمة ممتازة.
تخلص هذه الرؤية الى ان: (الفقهاء علة استمرار الامة حية وفاعلة في عصر الغيبة)[38] وكذلك (فان من معاني الولاية ان تستمر حية في الزمان)[39]. والامة فيما تصدر عنه هذه الرؤية، بين خيارين في عصر الغيبة: أن تكون في عهدة الطاغوت او في عهدة الحاكم العادل المنصوب من الله[40].
على هذه الخلفية، نهض الامام الخميني لاقامة: (الدولة الاسلامية والحكومة الاسلامية على اساس ولاية الفقيه، وجعل هذه الاخيرة علة لبقاء الدولة، لكون هذه الولاية هي السبب في اقامة الحكومة)[41]. وانسجاما مع المنطق ذاته، فان الولاية هذه (لا يمكن ان تكون معلولة لآراء الناس او مشروطة بقبولهم)[42].
ملاحظة بشقين
واهم ما لدينا على ما يستخلصه الباحث، هو ملاحظة بشقين، الاول: علينا ان نتذكر دائما ان اثبات نظرية ولاية الفقيه لا يستلزم نفي مشروعية ما عداها من النظريات، كما ان اثبات كفاءتها على غيرها من الاطروحات لا يمس شرعية بقية النظريات، ولا يكون مدعاة لنفيها.
والشق الثاني: ان الباحث اكتفى بالعموميات في تبيين العلاقة المتبادلة بين الامة والفقيه الولي وبالعكس، وهذه النقطة الاخيرة ما تزال مدارا لنقاشات ثرية فى مجال الفقه السياسي المنتمي للجمهورية الاسلامية[43]، بل لم ينغلق النقاش حتى في مباني النظرية التأسيسية الرسمية للدولة ذاتها[44].
قضايا الدستور، الديموقراطية والديكتاتورية
في القسم الثالث والاخير من الكتاب[45]، يسعى المؤلف لتغطية قضايا شائكة من قبيل موقف الامام من قضايا الدستور، الديموقراطية، الديكتاتورية، وولاية الفقيه وصيغة الحكم الدستوري. واقل ما يقال في هذه المباحث انها سيقت على عجل، في حين كانت هناك اكثر من ضرورة تستدعي التأني والتلبث بما ينسجم مع خطورة هذه المسائل ليس على محك تجربة التطبيق الاسلامي ونظريتها السياسية وحدها، بل وعلى مستوى الوعي الاسلامي العام.
كما كان يحسن به ان يوفر الجهد المبذول في المقدمات التاريخية من قبيل تكراره مرتين لمبحث موقف الامام من الحركة الدستورية[46] (1905 ــ 1906) ليوفي به حق البحث في القضايا المطروحة نظريا وتطبيقيا كما تبرزها التجربة على الارض، ولا سيما ان الكثير من البحوث التي عاد لتكرارها كان قد استنفذها فيما سبق من الكتاب مرات.
لبلورة مواقفه، اختار الكاتب ان يطل على التاريخ السياسي من نافذة الحركة الدستورية، فانتهى الى ما كان استخلصه مرات ومرات من ان بمقدور الفقهاء (لو صمموا على اقامة الحكومة الاسلامية)[47] ان يحققوا ذلك.
ثم انعطف الى الامام الخميني ليسجل ان سماحته استنفد العبرة من تلك الحركة وعرف ان الخلاص لا يمثل بشعار مقطعي كالدستور، بل باطروحة شاملة كالحكومة، وفي السبيل اليها اكتشف الامام السياق التوحيدي في العمل السياسي عبر الاسلام الموحد، وتحاشى خطوط التقاطع والاختلاف[48]. وكان يحسن بالمؤلف ان يتلبث في هذه النقطة اكثر، ويمعن بتحليلها لاكتشاف مكونات الموقف الخميني في منهجية العمل السياسي على نحو تفصيلي، لما في ذلك من فوائد تعود على مجمل الوعي الاسلامي الراهن.
اما عن الديموقراطية فالامام يرفضها لالتباسات المعنى والمفهوم والتطبيق: (فللديموقراطية معنى مختلف بين بلد وآخر، فلها معنى معين في روسيا، ولها معنى آخر في امريكا، ولها معنى معين في رأي ارسطو وغيره)[49] لذلك يخلص الامام الى: (انها شيء مجهول... ولا يمكننا ان نضمها في دستورنا... ولذلك فاننا نقول الاسلام ونكتفي به)[50].
ولكن لو كان هذا لوحده مسوغ الرفض، أما جاز ان ينسحب الموقف ذاته على الجمهورية، الدستور، الحياة النيابية وغيرها؟ درءاً لشبهة كبيرة كهذه، يعود الكتاب لموقف مبدئي يتمثل في (ان الديموقراطية في كثير من التفاصيل لا تلتقي مع الاسلام)[51] فضلا عن ازماتها فى بلاد المنشأ.
وانطلاقا من ازمات الديموقراطية في بلدان المنشأ يدخل المؤلف في نقاش خاص مع الديموقراطية وكيف انها تنطوي على معائب في ذاتيتها وفي تجربتها التطبيقية في الغرب.
ثم مادام للشعب الايراني ذاتيته الخاصة فلا معنى لتجافيها بالغاء خيار الحكم الاسلامي المنسجم مع هذه الذاتية والتوجه صوب جمهورية ديموقراطية تتقاطع مع (طبيعة الشعب الوجودية)[52].
وفي مبحث: (موقف الامام من النظام الدكتاتوري)[53] عاد الباحث ليؤكد ما سجله سابقا من ان الامام الخميني لم يقبل بالحل الوسط، وبالتالي لم يناد بالدستورية والملكية المقيدة وما شاكل، بل بالاطروحة البديلة (الحكومة الاسلامية) فسجل بذلك نقلة نوعية ليس في العمل السياسي وحده، بل في الفقه الامامي برمته، فهذه النقلة: (لم تتجاوز الدستور والديموقراطية والملكية وحسب، بل تجاوزت مسار الفقه الاثني عشري)[54] في متبنياته للسياسة فكرا وممارسة.
انتقل المؤلف بعدئذ لمبحث: (الحكومة الدستورية وولاية الفقيه)[55] وجوهر المرافعة فيه ان حكومة ولاية الفقيه ليست الحكومة المطلقة فيها لا للفقيه ولا لغيره، بل هي للقانون: (فالحكم للقانون ليس الا... وليس لاحد ان تكون بيده الحكومة المطلقة، لا للفقيه ولا لغير الفقيه، وانما الجميع يعملون طبقا للقانون، وهم مجرد منفذين له وحسب[56] كما ينقل عن الامام الخميني قوله هذا.
اما سلطة التشريع (القانون) فهي منحصرة بالله، وهذا ما يميز حكومة الاسلام عن غيرها.
ثم ان الشعب هو الذي اختار ولاية الفقيه: (فما العمل والشعب هو الذي يريد ذلك؟)[57] بحسب تساؤل الامام.
ولكن اذا كانت الحاكمية للقانون، والقانون من الله، فما هي مهمة الفقيه في هذا السياق؟ الفقيه هو: (المشرف على تنفيذ القانون والمراقب لاعمال الحكومة)[58].
والعدالة هي الضمان على عدم استبداده وديكتاتوريته، ذلك ان عدالته من نوع خاص هي: (غير العدالة المتعارف عليها في المجتمع. فهو ان تفوه بكلمة كذب واحدة تنسلب منه الولاية)[59] وبالتالي هو ينخلع عن الولاية تلقائيا بسقوط عدالته وينعزل عنها ذاتيا دونما حاجة لاجتماع الناس لخلعه[60].
وفوق ذلك وهذا لا يمارس الفقيه دوره هذا لان الامة ارادته وحسب: (بل لان الله سبحانه وتعالى نصبه وليا للامر، ومهمته تنفيذ القانون الالهي، واحياء السنة واماتة البدعة، وشق امواج الفتن بسفن النجاة)[61] كما يقضي بذلك منطق النظرية ذاته.
ملاحظتنا على هذا الجزء من البحث انه يكتفي بالوقوف عند تخوم المبادئ الاولية، وقد كان عليه ان يتعداها باغناء تلك المبادئ بمناقشات واسعة وخصبة من تلك التي دارت وماتزال في اطار التجربة ذاتها. كما كان يفترض ان يمر الكاتب فى الاقل على طبيعة التكييف القانوني الذي قدمه دستور الجمهورية الاسلامية لتلك المبادئ والمنطلقات، لكي تتضح على الاقل حدود حاكمية الشعب[62]، المشاركة السياسية[63]، الحرية السياسية[64]، ممارسة الرقابة الى غير ذلك[65].
سجال النهاية بين المقدمة والخاتمة
من اهم ما في الكتاب مما يدلل على رحابة الصدر، هو تقاطع الرؤية بين مقدمة السيد محمد حسن الامين ومؤلفه الباحث فرح موسى الذي عاد ليناقش تقديم الامين في خاتمة الكتاب عبر بحث حمل عنوان: (ولاية الفقيه بين النص والتجربة)[66].
خلاصة ما تنطوي عليه مقدمة الامين للكتاب بعد اشادته بمؤلفه، تتمثل بما يلي:
اولا: ان (القول بان الاسلام ــ شريعة وعقيدة ــ لم يتضمن مبدأ اقامة الدولة هو قول خطير، ويفتقر الى ادنى تدبر في مقاصد الشريعة وغاياتها)[67]. ولكن القول بضرورة الحكومة الاسلامية: (لا ينتهي بالقائلين به الى صيغة او شكل او منهج محدد)[68]. ولكي يدلل على ما يريد، يستعرض نماذج لتعدد الصيغ من زاوية واحدة هي تفاوت السياستين الخارجية والداخلية بينها[69].
ثانيا: القول بصيغة واحدة ثابتة ودائمة لنظام الحكم في الاسلام يعادل ــ موضوعيا ــ القول بنفي النظام عنه: (ان القول بان في الاسلام صيغة محددة ودائمة لمفهوم الدولة ونظامها وشرعيتها يشبه ــ في نظرنا ــ من حيث خطورته القول بنفي مبدأ الدولة)[70].
ثالثا: بازاء ما مر يؤكد السيد الامين على عنصر اختيار الامة لشكل النظام وبشرية السلطة، مع حفظ مقام الفقيه وحقه في الاستنباط لينتهي الى: (ان نسبية السلطة وبشريتها هي ضمانة البشر ضد الاستبداد الذي لا يعوزه ادعاء الحق الالهي)[71].
رابعا: بعد اشادته بالتجربة الفذة للامام الخميني وبالنظام الاسلامي في ايران، يعود ليسجل الى انه: (ليس هو الصيغة الوحيدة للنظام الاسلامي، وليس المبدأ الذي يقوم عليه هو المعيار النهائي لاسلامية اي نظام اسلامي يأتي بعده)[72].
خامسا: ثم يصف الامين الباحث انه: (يتبنى منهج التحول والصيرورة التاريخيين، وهو منهج لا يتجزأ)[73] ويعني بذلك انه كما انطبق على صيغ ما قبل الجمهورية الاسلامية وولاية الفقيه، فهو ينطبق عليها ايضا، ولا معنى لتعطيله وايقاف العمل به عندما بلغ البحث هذه التخوم.
وعندما يصل الدور للكاتب نرى باحثنا يؤخر نقاشه مع السيد الامين الى آخر صفحات الكتاب، وبعد ان يشيد بالأمين وبما يكنه له من احترام، يخلص لما يلي:
اولا: يستغرب ان يذهب كاتب من طراز الامين الى: (أن الاسلام، او الشريعة لم تحدد شكل السلطة)[74]، ليحيل الى شكلين من اشكال الحكم ثابتين في التاريخ هما حكومة النبي ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ والامام علي عليه السلام.
ثانيا: يناقش الامين فيما ذهب اليه من عدم اتضاح العلاقة بين: (دور الامة في انتاج السلطة مع القول بسلطة الفقيه)[75] ويرد عليه بان مبعث الغموض هو بسبب (الفصل بين الامة وولاة امرها)[76] فاذا لم تكن للفقيه ولاية ثابتة فالامة حرة في الاختيار، واذا كانت فهي ملزمة بالطاعة، وان كان لها الحق بالاختيار داخل دائرة الولاية.
ثالثا: وبعد استعراض عدة افكار يخلص الى ان ولاية الفقيه لا تلغي لا حرية الامة في الاختيار داخل اطار الولاية ذاتها[77]، ولاخبرة اهل الخبرة: (في الشؤون المختلفة، ولا الفقهاء الذين يتساوون مع الولي الفقيه)[78] محيلا كل شيء الى المباني، فالذي لديه نقاش ينبغي ان يتجه صوب مباني النظرية، وفصل الكلام هو ما يتمخض عنه البحث المبنائي[79].
ملاحظات سريعة
لا نريد ان نوسع النقاش فيما ظهر من تقاطع الرؤية بين مقدم الكتاب ومؤلفه، وانما نسجل لعلم السيد الامين ان مجال اثارة الاسئلة داخل نطاق التجربة ما يزال مفتوحا على مصراعيه، لما يفضي الى قراءات متعددة والى خصوبة ملحوظة في حركة الفكر والفقه السياسي داخلها.
واما بشأن السجال بين الطرفين، فيمكن ان نسجل ما يلي:
اولاً: لا غضاضة في ان يسجل الامين او اي باحث آخر ان الاسلام او الشريعة لم يحددا شكلا محددا للسلطة، وهذا هو فقيه من طراز العلامة الطباطبائي يسجل بالنص: (ثمة مسألة اخرى تثار عن شكل الحكم، في وقت تتعدد فيه المجتمعات الاسلامية وتمتد على رقعة جغرافية واسعة تتنوع فيها اللغات والاصول القومية والوطنية في عصرنا الحاضر.
والسؤال: كيف تواجه النظرية الاسلامية مثل هذه التنوع، فهل يعيش كل مجتمع في اطار ولايته وحكومته الخاصة; ام تكون هناك مجموعة من الحكومات المحلية الوطنية التي تأتلف في اطار حكومة مركزية واحدة، ام تكون الادارة شبيهة بما هو عليه الاطار التنظيمي العام لهيئة الامم المتحدة؟).
ثم يجيب بما نصه: (في الواقع ليس ثمة موقف تشريعي ثابت للاسلام ازاء هذه الصيغ. بمعنى ان الاسلام بما هو شريعة ثابتة لم يتبن اطارا معينا للحكم يدعو اليه ويعتبره الواجب دون غيره، لان الشريعة تتضمن العناصر الدينية الثابتة. لذلك فهي تنظر لقضية اطار الحكم وشكله كقضية متغيرة قابلة للتبدل في المجتمعات بحسب التطور الحضاري. لذلك لا ينبغي للشريعة ان يكون لها موقف ثابت في قضية تعتبر متغيرة بطبعها)[80].
غاية ما هناك يرسم العلامة الطباطبائي محددات ثلاثة لاي صيغة حكومية، يعتبرها من ثوابت الشرع، هي:
1 ــ سعي المسلمين للحرص على الوحدة.
2 ــ الحفاظ على مصلحة الاسلام والمسلمين.
3 ــ العقيدة هي الحد الذي يوحد المجتمع الاسلامي[81].
ثانياً: لقد اعتادت ادبيات الفكر الاسلامي المعاصر، كما هو الحال في كتابات العلامة الطباطبائي والشهيد الصدر والشهيد مطهري كمثال، ان تميز بين عدة شؤون للنبي، اهمها: شأنه في تبليغ الوحي والرسالة، والثاني شأنه كحاكم وولي للامر، على هذا المنوال لماذا لا نميز في حكومة النبي والامام علي بين ما هو ثابت يمثله اصل ومبدأ الولاية المناطة بهما عن الله، وبين ما هو زمني متغير يمثله شكل الحكومة والنظام؟ وبالتالي نعتبر ما أراد ان يعده الكاتب ثابتا، متغيرا؟
ثم ما الذي يمنع في دولة ولاية الفقيه ذاتها، ان يكون مبدأ ولاية الفقيه ثابتا واطر النظام واشكاله متغيرة، كما يؤشر على ذلك المنحى العملي لتجربة الجمهورية الاسلامية في التطبيق وما أبداه الامام من مرونة فائقة في بناء اطر الدولة وهياكلها، وجعل هذه الاخيرة متغيرة تستجيب لاحدث التطورات، كما هو الحال في مبادرته لتأسيس (مجمع تشخيص المصلحة) ثم مبادرته لتعديل الدستور بعد عقد من التجربة؟
لقد كنت أود لو ينفتح السيد الامين والمؤلف المحترم كلاهما على القراءات المتعددة في صيغة العلاقة بين اسلامية النظام وجمهوريته منذ ان طرح الشهيد مطهري ذلك للنقاش وحتى الآن، ليلمسا عمليا آفاق الحركة والانفتاح في التجربة وفكرها[82].
ثالثاً: النص الذي استشهد به المؤلف للشهيد الصدر غير تام[83]، واذا كانت فيه دلالة فهي تعضد رأي الامين وليس الكاتب، لان المعروف عنه ــ رضي الله عنه ــ تبنيه لنظرية: خلافة الامة باشراف المرجعية.
رابعاً: وصف الامين منهج المؤلف انه تاريخي يعتمد مبدأ التحول والصيرورة التاريخية، وربما الذي اوهمه هي ايحاءات مقدمة المؤلف، ولا سيما اقواله في صفحة (20) وغيرها. في حين نرى:
اولاً: ان الكاتب ينطلق من فكرة ثابتة لديه سلفا قبل ان يدخل الكتاب، متمثلة بصيغة ولاية الفقيه.
ثانياً: استعان من التاريخ ما يثبت فكرته المتبناة الماثلة في ان نظرية ولاية الفقيه مثلت نقلة نوعية في الفقه والفكر السياسي، عبر تقصيه نمط العلاقة بين الفقيه والسلطان. وهذا الذي قصدناه في نسبة الكتاب للمنهج التاريخي، اي افادته من البحث التاريخي في اثبات نسقه الفكري المسبق، لا ان المركبات النظرية لديه هي ظواهر اجتماعية، والظواهر الاجتماعية تحدث في المجتمع والتاريخ وبالتالي ترتد الفكرة اليهما وتتطور بتطورهما ــ من دون ان يعني ذلك بالضرورة انكاراً للاطلاق في الفكر والوقوع في هوة نسبية الحقيقة ــ كما يقضي بذلك منطق التحول والصيرورة التاريخية اذا صح ما فهمناه.
خامساً: ليس ثمة ضرورة ــ كما اشرنا لذلك سلفا ــ في ان يختزن اثبات نظرية ولاية الفقيه الغاءً لشرعية ما سواها من بقية النظريات، وليس من لوازم القول باهليتها وكفاءتها وحتى تفوقها نسخ مشروعية غيرها.
ملاحظة في الختام
هذه محاولة بذلنا في سبيلها اقصى ما توافر لنا من سعي في قراءتها وعرضها ومناقشتها، واجتهدنا ان نقدم من خلالها نافذة للقارئ يطل عبرها على بعض مسارات الفقه السياسي في تجربة الجمهورية الاسلامية، نرجو ان يتسع صدر المؤلف لها، كما يتحملنا القارئ بمتابعتها.
والهدف الاقصى الذي نتوخاه لما بعد هذه المناقشة، هو ان يتجاوز الباحثون في العالم العربي أسوار القطيعة وهدم جدرانها، حتى لا يبقى الفقه الشيعي السياسي المعاصر، مجرد هامش من ستة اسطر في دراسة باحث جاد رامت ان تستقصي نظريات الدولة في الفكر الاسلامي المعاصر[84]!
__________________________
[1] كاتب وصحفي.
[2] سلطة الفقهاء وفقهاء السلطة عند الامام الخميني، دراسة تحليل مقارنة، فرح موسى، دار الوسيلة، بيروت 1416هــ، تقديم السيد محمد حسن الامين.
[3] بشأن اهمية دراسة هذين الكيانين للوعي الاسلامي المعاصر وما لبس تاريخهما من علاقات بين الفقيه والسلطان تنظر الدراسة الريادية: الفقيه والسلطان، د. وجيه كوثراني، منشورات دار الراشد، بيروت 1989، المقدمة، ص58.
[4] كما لاحظ ذلك ايضا السيد محمد حسن الامين فى تقديمه للكتاب، حين سجل: (وهذه المقدمات كلها توحي بان الباحث يتبنى منهج التحول والصيرورة التاريخيين، وهو منهج لا يتجزأ... ولكن اوقف عمل هذا المنهج واكاد اقول عطله تماما عندما وصل الى صيغة الجمهورية الاسلامية المستندة الى ولاية الفقيه). ومع عدم اتفاقنا مع السيد المقدم على هذا المصداق، الا ان ما يهمنا فيه هو مفهومه الذي ينطلق منه الماثل في تعارض النتائج مع مقدماتها. يلاحظ: سلطة الفقهاء وفقهاء السلطة، التقديم، ص17.
[5] المصدر نفسه، ص31 ــ 127.
[6] المصدر نفسه، ص33.
[7] المصدر نفسه، ص33.
[8] المصدر نفسه، ص34.
[9] المصدر نفسه، ص34.
[10] سلطة الفقهاء وفقهاء السلطة، ص105، كما من المهم العودة الى: كوثراني، الفقيه والسلطان، طبيعة الصراع الصفوي العثماني، ص60 فما بعد للتملي بهذه النقطة اكثر.
[11] ثمة عدد كبير من المصادر التي تشير باللغة العربية لدور السلطنة العثمانية كوسيط فاعل لنقل العالم الاسلامي الى مرحلة التغريب فكريا والدولة القطرية العلمانية سياسيا، بعد ان تشبع كيانها ذاته بهذه الافكار عبر (الاصلاحات) المتتالية، اذ يمكن الاحالة على سبيل المثال الى:
ــ اكتشاف التقدم الاوربي، دراسة في المؤثرات الاوربية على العثمانيين في القرن الثامن عشر، خالد زيادة، دار الطليعة، بيروت، 1981.
ــ تطور النظرة الاسلامية الى اوربا، د. خالد زيادة، معهد الانماء العربي، بيروت، 1983.
ــ الفكر العربي في عصر النهضة (1798 ــ 1939)، البرت حوراني، دار النهار للنشر، الطبعة الثالثة، بيروت، 1977.
ــ تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي، د. محمد جابر الانصاري، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1980.
ــ مختارات سياسية من مجلة المنار، رشيد رضا، تقديم ودراسة وجيه كوثراني، فصل «الاصلاح، الاسلام، التعليم واروبا) دار الطليعة، بيروت، 1980.
ــ الحركة العربية، سليمان موسى، دار النهار للنشر، بيروت، 1977.
بيد ان المشكلة ان الوعي العربي يفتقر لرؤية واضحة حيال دور الدولة الصفوية وامتدادها القاجاري في هذا المضمار، ولا يملك ان يعود الى مصادر تتحدث بالعربية الا قليل، مثل (الفقيه والسلطان) لوجيه كوثراني و(هكذا تكلم علي شريعتي) فاضل رسول، دار الكلمة، بيروت، 1978.
في حين انجزت المكتبة الايرانية قراءات مكثفة عن الدور الصفوي القاجاري في التمهيد لاختراقات اوربا وترعرع التغريب والعلمانية، يمكن الاشارة لاهمها كما يلي:
ــ اولى مواجهات المفكرين الايرانيين مع نهجين لحضارة الغرب البرجوازية، (نخستين روياروئيهاى انديشه كران ايراني با دو رويه تمدن بورژوازى غرب)، عبد الهادي الحائري، منشورات امير كبير، طهران، 1367.
ــ التشيع والحركة الدستورية في ايران، (تشيع ومشروطيت در ايران)، عبد الهادي الحائري، منشورات امير كبير، طهران، 1364، الفصل الاول.
ــ التاريخ السياسي المعاصر لايران، (تاريخ سياسى معاصر ايران)، د. سيد جلال الدين مدني، مؤسسة النشر الاسلامي، طهران، 1361، المجلد الاول، الفصل الاول.
ــ لمحة من تاريخنا التغريبي، (شمه اى از تاريخ غرب زدگي ما)، رضا داوري، مؤسسة سروش، طهران، 1363.
ــ الشيخ فضل الله النوري والحركة الدستورية: مواجهة بين فكرين، (شيخ فضل الله نوري ومشروطيت: رويارويى دو انديشه)، مهدي انصاري، منشورات امير كبير، طهران، 1369، الفصل الثاني.
[12] سلطة الفقهاء، ص41.
[13] المصدر نفسه، ص41 43.
[14] المصدر نفسه، ص40.
[15] المصدر نفسه، ص41.
[16] المصدر نفسه، ص41.
[17] المصدر نفسه، ص76.
[18] المصدر نفسه، ص45.
[19] كما يستفيد الكاتب هذا المعنى عن نص يقتبسه من دائرة المعارف الاسلامية الشيعية. ينظر: سلطة الفقهاء، ص45.
[20] المصدر نفسه، ص72.
[21] المصدر نفسه، هامش ص42.
[22] المصدر نفسه، ص53.
[23] المصدر نفسه، ص55.
[24] المصدر نفسه، ص59.
[25] المصدر نفسه، ص66.
[26] الشيخ فضل الله النوري: الرسائل، البيانات، وصحيفة الشيخ الشهيد فضل الله النوري بعناية محمد تركمان، طهران، 1362، ج1، ص111.
[27] المصدر السابق، ص111.
[28] بشأن الشيخ فضل الله النوري وفكره السياسي تراجع الدراسة التي صدرت حديثا: الشيخ فضل الله النوري والحركة الدستورية، مواجهة بين فكرين، مصدر سابق، ص141 فما بعد.
[29] ينظر: نظريات الدولة في الفقه الشيعي (نظرية هاى دولت در فقه شيعة)، مركز الدراسات الاستراتيجية، التابع لرئاسة الجمهورية، سلسلة البحوث النظرية للجمهورية الاسلامية، العدد الاول، محسن كديور، ص38.
[30] الشيخ فضل الله النوري: الرسائل، البيانات، مصدر السابق، ج1، ص382 383.
[31] بشأن السيد اليزدي يمكن ان ينظر بالعربية: دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار، سليم الحسني، مركز الغدير للدراسات الاسلامية، قم 1415هــ، ص117 فما بعد.
[32] تنظر آخر احالة يمكن ان نشير اليها في قراءة النائيني فكرا ودورا، في: الفكر السياسي للميرزا النائيني، (انديشه سياسى ميرزاى نائيني)، سيد محمد ثقفي، مجلة (حكومت اسلامي) الصادرة عن أمانة مجلس خبراء الدستور في الجمهورية الاسلامية، العدد الثالث، ربيع 1997، ص129.
[33] سلطة الفقهاء، ص41.
[34] رسائل المحقق الكركي، المجموعة الاولى، مكتبة المرعشي النجفي، تحقيق محمد الحسون، ط 1409هــ ، ص142.
[35] ونشير لابرزها كما عبر عنها كتاب: التشيع العلوي والتشيع الصفوي، (تشيع علوي وتشيع صفوي)، د. علي شريعتي، طبعة مشهد، 1352هــ.ش .
[36] ثمة آثار كثيرة تسمح بالاطلالة على مباني العلامة المجلسي، ابرزها بالفارسية كتاب (عين الحياة) ورسالة (آداب سلوك الحاكم مع الرعية) كما تنظر بعض تعليقاته في بحار الانوار، ج52.
اما كدراسة منهجية تعد هي الاولى في هذا المضمار فيمكن مراجعة: نظريات الدولة في الفقه الشيعي، مصدر سابق، ص32 ــ 35.
[37] بحار الانوار، ج52، ص237 ــ 238.
[38] سلطة الفقهاء، ص74.
[39] المصدر نفسه، ص84.
[40] المصدر نفسه، ص85.
[41] المصدر نفسه، ص95.
[42] المصدر نفسه، ص41.
[43] المصدر نفسه، ص104.
[44] المصدر نفسه، ص123 ــ 124.
[45] المصدر نفسه، هامش ص124.
[46] يشير الامام الخميني لهذه الحقيقة، وان العلماء هم الذين في طليعة الدستور: «لكن بعد ان وصلوا الى سدة الحكم، والى وقت العمل الجاد تركوا كل شيء لصالح اعدائهم» عن سلطة الفقهاء، ص74.
اما الشهيد مطهري فقد عد هذا النهج الذي يجعل حصة الفقهاء تنحصر بالمقاومة والنهوض والثورة، في حين تكون الثمار من حصة السلطان او الآخرين، هو من ابرز النواقص التي اتسم بها سلوك الفقهاء في هذا المجال. وبنص تعبيره: (... نواجه ومع الاسف بان هناك نقصا يكمن في قيادة رجال الدين، وهو انهم يقودون الثورات حتى اسقاط الحاكم وانتصار الثورة، ولكنهم بعد ذلك يتركون كل شيء، ويذهبون نحو اعمالهم ويتركون النتائج للآخرين).
ثم يضرب للحالة مثلا بثورة العشرين في العراق وثورة الدستور في ايران وثورة التنباك. يراجع: الحركات الاسلامية في القرن الاخير، مرتضى مطهري، دار الهادي، 1982، ص113 نقلا عن سلطة الفقهاء، ص61.
[47] سلطة الفقهاء، ص61.
[48] المصدر نفسه، ص49.
[49] المصدر نفسه، ص125.
[50] المصدر نفسه، ص50.
[51] ينظر في هذا المجال: الاسرار الخفية وراء الغاء الخلافة العثمانية، دراسة حول كتاب: النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والنعمة، لشيخ الاسلام مصطفى صبري، تقديم ودراسة د.مصطفى حلمي، دار الدعوة، الاسكندرية، 1985.
[52] سلطة الفقهاء، فقرة: تماثل ايديولوجي ام اختراق صهيوني، ص119ــ123.
[53] تنظر: محاولته الرائدة والمتعمقة الواسعة: اولى مواجهات المفكرين الايرانيين مع نهجين لحضارة الغرب البرجوازية، مصدر سابق.
[54] ينظر: المقدمة الفكرية للحركة الدستورية (مقدمه فكري نهضت مشروطيت) علي اكبر ولايتي، مؤسسة نشر الثقافة الاسلامية، الطبعة الثالثة، طهران، 1365.
واهمية هذا الكتاب انه يحمل اولا على دور الصفوية في مسخ ثقافة التشيع الاصيل، ثم يحمل على القاجارية لكونها احتضنت تيارات التغريب.
اما الحركة الدستورية ذاتها فيقرأها على انها اثر من آثار تجذّر التغريب الثقافي والسياسي في كيان الدولة القاجارية.
[55] ينظر: الشيخ فضل الله النوري والحركة الدستورية: مواجهة بين فكرين، مهدي انصاري، مصدر سابق.
[56] ينظر: لمحة من تاريخنا التغريبي، رضا داوري، مصدر سابق.
[57] ينظر: التاريخ السياسي المعاصر لايران، د.سيد جلال الدين مدني، مصدر سابق.
[58] ربما كان من حسنات هذه الملاحظة ان نذكر كتابي جلال آل احمد المهمين: التغريب او التغرب
(غرب زدكي) جلال آل احمد، طهران، 1341هــ.ش . والمثقفون بين الخدمة والخيانة (در خدمت وخيانت روشنفكران) جلال آل احمد، طهران، 1357هــ.ش .
[59] عندما انطلق الحديث في السنوات الاخيرة عن الغزو الثقافي، راحت جميع الكتابات تستعيد تاريخ النخب المتغربة وتستحضره منذ العهد القاجاري، مرورا بالحركة الدستورية اواخره، ثم عهد بهلوي. وكمثال لهذه المحاولات ينظر: الغزو الثقافي والخلفية التاريخية لدور المثقفين (تهاجم فرهنكى ونقش تاريخى روشنفكران)، اسماعيل شفيعي سروستاني، مؤسسة كيهان، طهران، 1372هــ.ش .
[60] سلطة الفقهاء، ص125.
[61] المصدر نفسه، ص49.
[62] من خطبة للمنصور العباسي، الكامل في التاريخ، ابن الاثير، بيروت عام 1989، ج3، ص566، نقلا عن سلطة الفقهاء، ص140.
[63] سلطة الفقهاء، ص155.
[64] يراجع كمصدر حديث استعرض نظريات الخروج على (مبدأ الشرعية): الدولة والسيادة في الفقه الاسلامي، دراسة مقارنة، د. فتحي عبد الكريم، مكتبة وهبة، القاهرة 1977، ص437 فما بعد.
[65] كمصدر معاصر كشف عما اصاب الفقه السياسي السلطاني من ابتذال في شروط شرعية الحاكم ودواعي عزله فيما عليه نظريات هذا الفقه، ينظر: نظام الحكم والادارة في الاسلام، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، طبعة مصورة عن الثالثة، دار الثقافة، قم، 1413هــ، الفصل الخامس (آراء الفرق الاسلامية في نظام الحكم)، ص95، ولا سيما ص168 فما بعد.
[66] كدراسة تحليلية معاصرة اجاد فيها المؤلف تفكيك فكر الطاعة والتبرير وكشف ما يعتوره من اصول اضعف، وتابع تبعاته النفسية والاجتماعية المدمرة في حاضر الامة، ينظر: اصول الضعف: دراسة في الميل العربي المشترك، د. على كريم سعيد، الفصل الثاني «الفكر التبريري»، ص31 فما بعد.
واهمية هذا المصدر انه يتابع امتدادات فكر الطاعة والتبرير في مناهج الباحثين المعاصرين واتجاهاتهم ممن يتبجح بالحداثة والتنوير والعقلانية. ينظر المصدر، المدرسة المعاصرة، ص59 فما بعد.
[67] سلطة الفقهاء، ص153.
[68] المصدر نفسه، ص152.
[69] المصدر نفسه، ص166.
[70] سلطة الفقهاء، ص133، وهذا النص في الواقع ليس من كتاب «الحكومة الاسلامية» للامام الخميني حيث أخطأ الكاتب في احالته اليها، وانما هو من نص البيان الذي وجهه الامام للحوزات العلمية في (15/ رجب/ 1409هــ)، قبل وفاته باربعة اشهر، واشتهر ببيان رجب.
[71] سلطة الفقهاء، ص157.
[72] المصدر نفسه، ص172.
[73] المصدر نفسه، ص183.
[74] المصدر نفسه، ص186.
[75] المصدر نفسه، ص178.
[76] تنظر اقواله بهذا الشأن في المصدر، ص158.
[77] ينظر على سبيل المثال: سلطة الفقهاء، ص266.
[78] لقد اورد وجيه كوثراني الفكرة ذاتها في كتابه: الفقيه والسلطان، مصدر سابق، ص172ــ173.
ورغم مناقشة الباحث فرح موسى لبعض افكار وجيه كوثراني وتقاطعه معه في الرؤية، الا ان كتاب (سلطة الفقهاء وفقهاء السلطة) افاد كثيرا فيما يبدو لنا من كتاب (الفقيه والسلطان) ولا سيما من منهجيته واطره التحليلية.
[79] ينظر: مقالات الاسلاميين، دار الحداثة، ج2، ص125، واحياء علوم الدين، ج2، دار الهادي، ص455، نقلا عن (سلطة الفقهاء) ص139 ــ 140.
[80] سلطة الفقهاء، ص157، 185، 189.
[81] المصدر نفسه، ص189.
[82] المصدر نفسه، ص179.
[83] ينظر مثلا: التشيع والحركة الدستورية في ايران، عبد الهادي الحائري، مصدر سابق، ص153 ــ 335.
وربما كان هذا المصدر من اوسع من تناول حياة النائيني ومنظومته السياسية وحلل افكاره سعيا لاكتشاف جذورها، من حيث المنهجية العلمية والتوثيق وادوات التحليل.
وكذلك: نظريات الدولة في الفقه الشيعي، مصدر سابق، ص67 فما بعد.
وينظر ايضا الدراسة المقارنة: دراسة مقارنة لثلاث نظريات في الحكومة الاسلامية (بررسى تطبيقى سه نظرية حكومت اسلامى)، غلام حسين نادي نجف ابادي، كيان، العدد6، ص2.
وقد نهض اخيرا احد الباحثين ببيان مصادر الفكر السياسي للميرزا النائيني مشيرا من غير كتب الميرزا الى (38) مصدرا اساسيا حوله. ينظر: لمحة من الفكر السياسي لآية الله النائيني (مرورى بر انديشه سياسى آيت الله نائيني) عبد الوهاب فراني، فصلية (حكومت اسلامى)، العدد الثاني، ص208.
[84] سلطة الفقهاء، ص193.
 

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية