مركز الصدرين للدراسات السياسية || الدراسات السياسية

نظرية ولاية الفقيه
الشيخ نوري حاتم


القسم الاول ـ الادلة النقلية:
وهي كثيرة نذكرها تباعا:
* الدليل الاول:
التوقيع المشهور الذي رواه اسحاق بن يعقوب عن الحجة (عج): «قال: سألت محمد بن عثمان العمري ان يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل اشكلت علي، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عج): اما ما سألت عنه ارشدك الله وثبتك ـ الى ان قال ـ واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله»[1].
والاستدلال بهذا الحديث بلحاظ عدة فقرات منه، هي:
الفقرة الاولى: قوله (ع): "اما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا".
والاستدلال بها ضمن تقريبين:
التقريب الاول: ان يستفاد من لفظ الحوادث: الوقائع والامور الخارجية، وقد الزم الامام الشيعة الرجوع فيها الى الراوي للنظر فيها، اي ان هذه الفقرة غير ناظرة الى الحكم الشرعي، ولزوم الرجوع في معرفته الى الرواي، بل مختصة في ارجاع الشيعة في معالجة القضايا الخارجية من مسائل الاموال والامور العامة المرتبطة بالمسلمين او بالشيعة الى الراوي[2] اي الفقيه.
ويشهد لهذا الاختصاص القرينتين التاليتين:
القرينة الاولى: السياق العام الذي وردت فيه فقرات الاستدلال، حيث وردت في سياق عام عن قضايا خارجية، وامور عامة غير مرتبطة بالحكم الشرعي نظير الموقف من المنكرين لغيبة المهدي من اهل البيت، وظهور الفرج، واثبات قتل الامام الحسين (ع) والتبشير لمل محمد بن علي بن مهزيار، وحال محمد بن شاذان وابي الخطاب.. نعم لقد وردت في بعض الفقرات جمل تعرضت لاحكام شرعية، الا انها قليلة بالنسبة الى مجموع القضايا والامورالعامة. وهذا السياق يكون شاهدا على ان المراد من الحوادث هو تلك القضايا الخارجية والامور العامة التي تقع في المجتمع.
القرينة الثانية: ان السؤال عن مرجع الفصل في الحوادث عن الامام الذي غاب عن الساحة العامة اقرب من السؤال عن احكامها؛ اذ يمكن الوصول الى الاحكام من خلال المراسلات مع الامام، اما الامور التي يجب الفصل فيها فانه لا بد من مرجع مشخص خارجا يعالج شأنها ويفصل فيها، فاقتضى السؤال عن المرجع فيها في حال الغيبة.
وهاتان القرينتان تساعدان على انعقاد ظهور معنى الامور من لفظ (الحوادث) الوارد في فقرة الاستدلال.
التقريب الثاني: ان يقال: بانعقاد عموم للفظ (الحوادث) يشمل الامور والاحكام على حد سواء، فالسائل يسأل عن حكم المسائل المستحدثة، والتي لم يعرف حكمها، كما يسال عن المرجع فيها في ظرف غياب الامام (عج)، وبعبارة مختصرة: «ان عموم الحوادث ـ لكونها جمعا محلى باللام ـ يقتضي ان يكون الفقيه مرجعا في كل حادثة ترجع فيها الرعية الى رئيسهم سواء تعلق بالسياسات او الشرعيات، دون خصوص الشبهات الحكمية، والمسائل الشرعية بارادة الفروع المتجددة في الحوادث الواقعية»[3].
الفقرة الثانية: قوله (ع): "فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله".
وتقريب الاستدلال بهذه الفقرة ان يقال: ان لفظ: «فانه حجتي عليكم وانا حجة الله» ظاهر في ان الامام جعل الفقيه حجة من قبله، والحجة في ذيل الجملة اي "انا حجة الله" شامل لمنصب التشريع وولاية الامور من قبل الله، فلا محالة يكون صدر الجملة: «فانهم حجتي عليكم» ظاهرا في هذا المعنى ايضا، وغاية الامر ان الامام منصوب من قبل الله فهو حجة الله ظاهرا، اما الفقيه فهو منصوب من قبل الامام فهو حجة الامام على الناس كما ان الامام حجة الله على الناس. ولا يحتمل ان يريد الامام (ع) بلفظ (الحجة) في الشطر الاول معنى اخص من معنى الحجة في الشطر الثاني منه.
وبعد وضوح الاستدلال بهذا التوقيع الشريف، وردت عدة اعتراضات عليه نذكر فيما يلي اهمها:
الاعتراض الاول: لو كان المقصود هو الشأن والقرار في الحوادث لا الحكم، كان ينبغي ورود التعبير هكذا: «فارجعوها» مع ان الوارد هو "فارجعوا فيها"، فلا محالة يكون المقصود هو الرجوع في الحكم لا في اتخاذ القرار فيها[4].
لكن يمكن ان يقال: ان التعبير بـ «فارجعوا فيها» لا يمتنع حمله على ارادة الرجوع في اتخاذ الشأن اللازم بالحوادث؛ اذ ليس المقصود هو ارجاع نفس الحادثة ليكون التعبير بارجاعها هو الصحيح، انما المقصود اتخاذ القرار المناسب فيها، وهذا المعنى يمكن استظهاره من جملة «فارجعوا فيها» اي في اتخاذ القرار في الحادثة.
وان شئت فقل: ليس المراد ارجاع نفس الحادثة الى الفقيه؛ اذ الحادثة الواقعة لا معنى لايكال نفسها الى الغير؛ لانه تحصيل الحاصل[5]. فلابد من ارتكاب تقدير، وهو اما الرجوع اليه في حكم الحادثة، او الرجوع اليه في اتخاذ القرار المناسب فيها، وتغيير التعبير بـ «فارجعوها» لا يرفع الحاجة الى هذا التقدير.
الاعتراض الثاني: ما ورد عن السيد الحكيم (قدس سره) في قوله: «اما التوقيع الرفيع فاجمال الحوادث المسؤول عنها مانع من التمسك به؛ اذ من المحتمل ان يكون المراد منها الحوادث المجهولة الحكم»[6].
ولكن يمكن ان يقال انه: لا اجمال في معنى الحوادث؛ اذ باطلاق اللفظ نثبت ان معناه الاحوال المرتبطة بالحوادث من اتخاذ القرار المناسب فيها ومن بيان حكمها الشرعي، وان منع عن التمسك بالاطلاق، فبالامكان التمسك بالقرائن المتقدمة لاثبات ان المراد هو السؤال عن الشخص الذي يحدد الشأن اللازم في الحوادث.
الاعتراض الثالث: ما قيل من «ان المراد بالحوادث غير ظاهر، فانها وردت في الكلام المنقول عن الامام (ع) مسبوق ابالسؤال الذي لم يصل الينا، فلعل كان في السؤال قرينة على ارادة الاستفسار عن الوقائع التي يحتاج فيها الى الحاكم لرفع الخصومة وفصل النزاع، فيكون التوقيع مساوقا لما دل على وجوب ارجاع المنازعات الى رواة الاصحاب»[7].
ويرد على هذا الاعتراض:
اولا: يمكن استظهار نص السؤال من نفس جواب الامام (ع)؛ لانه ذكر الشيء المسؤول عنه حيث اجاب «اما الحوادث الواقعة» فالمسؤول عنه هو «الحوادث الواقعة»، والا لو كان السؤال عن قضايا او عن احكام جزئية لكان ينبغي التعبير بـ (الحوادث المذكورة) او بـ (الحوادث التي سألت عنها)، فتعبير الامام بـ «الحوادث الواقعة» ظاهر في انه (ع) ذكر السؤال لتشخيصه ليتبين الجواب عليه، لا على اسئلة اخرى وردت في مسائل اسحاق. وهذا السياق ـ اي ذكر كل سؤال عند الجواب عليه ـ ظاهر في تمام فقرات التوقيع حيث ان الامام (ع) يذكر كل سؤال، ثم يجيب عليه وهكذا. وعليه فالسؤال هو عن الحوادث الواقعة، والامام يجيب عن ذلك، فلا خفاء في السؤال.. ليقع الاجمال فيه.
ثانيا: لو سلم خفاء السؤال، الا ان هذا لا يؤدي الى اجمال الجواب؛ اذ المفروض ان جواب الامام واضح المعنى، الا انا نشك في اجماله من جهة خفاء السؤال علينا، فلا محالة يتعين الاخذ بظهور الجواب ما لم يسر الاجمال اليه.
الاعتراض الرابع: «ان المراد بالحوادث التي ارجعها الامام (ع) الى الفقهاء لا يخلو اما ان يراد بها بيان الاحكام الكلية للحوادث الواقعة، او فصل الخصومات الجزئية، والامور الحسبية الجزئية التي كان يرجع فيها ايضا الى القضاة كتعيين الولي للقاصر والممتنع، او الحوادث الاساسية المرتبطة بالدول كالجهاد وعلاقات الامم وتدبير امور البلاد والعباد ونحوها. فعلى الاولين لا يرتبط الحديث بامر الولاية الكبرى كما هو واضح، وعلى الثالث يحتاج في حل الحوادث الى اقامة دولة وتحصيل قدرة، فيصير مفاد الحديث وجوب الرجوع الى الفقهاء وتقويتهم وتحصيل الشوكة لهم حتى يتمكنوا من حل الحادثة، والا كان الرجوع اليهم لغوا»[8].
وفيه: ان مفاد الحديث هو الرجوع الى الفقهاء لحل الحادثة وفصل القضايا، وليس مفاده وجوب تمكين الفقهاء من الوسائل وتقوية شوكتهم، كما ان حل الحادثة لا يستلزم تحصيل شوكة وايجاد دولة، انما يستدعي تراضي الشيعة او بعضهم بقرار وحكم الفقيه في علوم اهل البيت (ع)، وهو حاصل بامر الامام (ع) بوجوب الرجوع اليهم، وانه لا يكون الانسان مؤمنا دون الرجوع الى الفقيه من اهل البيت (ع). بل ان نفوذ حكم الفقيه في الحادثة لا يحتاج الى شوكة وقوة كما هو الحال في الوالي التابع للخليفة، فانه حيث ان حكمه ليس برضى الناس فانه يحتاج الى شوكة لاجبار الناس على التسليم والانقياد لاحكامه، اما الفقيه من اهل البيت (ع) فان حكمه برضى الشيعة وبامر الامام، فلا حاجة الى شوكة اصلا. ولهذا نرى الفقيه في عصر ما قبل الثورة الاسلامية في ايران ليس عنده شوكة ولكن حكمه نافذ وقراره سار على الاشخاص الذين يرجعون اليه في حل الحادثة، وكذلك الحال في دول اسلامية اخرى.
الاعتراض الخامس: "ان كلمة الرواة ظاهرة في الارجاع الى الرواة بما هم رواة، وهذا يعني الارجاع اليهم في اخذ الروايات واخذ الفتاوى، وهو غير الولاية، او الارجاع اليهم في ذلك وفي ملء منطقة الفراغ فيما يحتاج ملؤه الى تضلع روائي، وهذا غير الولاية المطلقة"[9].
ويمكن الجواب:
اولا: ان عنوان (رواة الحديث) يساوق عنوان الفقيه في عصر الامامة والغيبة الكبرى القريبة من عصر الامامة؛ اذ علم الفقه بعد لم يتميز في مسائله وقواعده عن الحديث والروايات، ولهذا نجد ان الرسالة العملية للشيخ الصدوق الاب هي بحسب الحقيقة نصوص روايات حذف الصدوق منها السند وابقى المتن، فالفقيه هو الذي يروي احاديث الائمة لانه يعرفها، وقد جاء عن ابي عبد الله (ع): "انتم افقه الناس اذا عرفتم معاني كلامنا"[10]. وعلى هذاالاساس قد يقال: ان الارجاع الى الراوي انما بوصفه فقيها عارفا بمجاري الامور، وحكيما في اتخاذ الشأن اللازم بحقها.
ثانيا: لو سلم بان الارجاع الى الراوي بوصفه راويا للحديث الا ان هذا لا يدل على انه ارجاع لاخذ حكم الحادثة فقط؛ اذ مجرد وصف الفقيه بانه من (رواة حديثنا) ليس قرينة على ان الارجاع لاخذ حكم الحوادث، اذ لعل الارجاع لمطلق الحالات، فترجيح ظهور الارجاع لاخذ الحكم على الارجاع لمطلق الحالات بلا دليل.
الاعتراض السادس: ان مفاد الحجة صحة الاحتجاج بالشخص، او بالشيء في مقام المؤاخذة على مخالفة ما قامت عليه الحجة، فيناسب قيام الدليل على حكم شرعي سواء كان الحجة اخبار الراوي، او رأي المجتهد ونظره، واما مطلق النظر كنظر الفقيه في بيع مال اليتيم فلا معنى لاتصافه بالحجة، فان البيع الواقع عن مصلحة بنظره نافذ، لا انه حجة له او لغيره على احد[11].
وكتب السيد الحكيم (قدس سره): التعبير بالحجة يناسب التكليف جدا، اذ الحجة ما يكون قاطعا للعذر ومصحح لعقاب، وذلك انما يكون في التكليف فانه المستتبع له كما لا يخفى[12].
والجواب عليه: ان الحجية بمعنى صحة الاحتجاج بالشخص، او بالحكم في مقام المؤاخذة على مخالفة ما قامت عليه الحجة ينطبق على نظر الفقيه وقراره، فلو رأى لزوم مقاطعة فئة من الناس او دولة من الدول، فان رأيه حجة بمعنى صحة مؤاخذة التارك لرأي هذا الفقيه بنفس الميزان الجاري في الاحكام الشرعية، وعلى هذا الاساس فان البيع الواقع عن نظر الفقيه حجة اي انه نافذ، وليس هو شيء غير ثبوت النفوذ مع قطع النظر عن دليل الولاية هذا حتى يسأل بعد ذلك عن معنى اتصاف البيع بالحجية بعد ثبوت النفوذ.
اما سند الرواية فان الاشكال في اسحاق بن يعقوب فانه لم يرد له ذكر في كتب الرجال بل لم يرد عنه الا هذا التوقيع. فالرواية من ناحية السند لا يمكن الاعتماد عليها. نعم، قد يقال ان الرواية هي عبارة عن كتاب من الامام الحجة بواسطة سفيره الخاص محمد بن عثمان العمري، فلعل الكتاب وصل الى محمد ابن يعقوب صاحب الكافي مما جعله يطمئن بالرجل، وينقل ذلك التوقيع في كتابه مع عدم مشهورية اسحاق، هذا مع ان شهرة الرواية وتداول الفقهاء لها مما يجعلنا نطمئن بصحتها، وهذا المقدار كاف في ثبوت حجية الرواية.
* الدليل الثاني:
رواية تحف العقول عن الامام الحسين (ع) وتروى عن الامام امير المؤمنين (ع)، وهي رواية طويلة سوف نشير الى بعض فقراتها اثناء الاستدلال الا ان فقرة الاستدلال هي قوله (ع): «مجاري الامور والاحكام على ايدي العلماء بالله الامناء على حلاله وحرامه»[13].
وتقريب الاستدلال بهذه الرواية ان يقال: ان جريان الامور بيد العلماء بمعنى جعل حسم الامور للعالم وارجاعها اليه ووقوعها تحت نظره، وهذا هو معنى الولاية. ولا يرد الاشكال بان الامور هي الاحكام بقرينة العلماء الذين هم علماء بدين الله واحكامه، لان لفظ الاحكام وردت بعد لفظ الامور، فلا محالة يراد بالامور معنى مغايرا للاحكام، بل حتى لو لم ترد كلمة الاحكام في الجملة فان الاحكام لا يطلق عليها الامور، فلا يرد توهم الاختصاص بالاحكام، كما هو حاصل في التوقيع الوارد عن صاحب العصر (عج).
ولقد وصف بعض الفقهاء هذه الرواية بقوله: "ان هذه الرواية تامة من جهة الدلالة"[14] دون ان يذكر استدلاله، وذلك لوضوح دلالتها على المقصود بادنى تأمل.
الاشكالات الدلالية: ورغم وضوح دلالة الرواية المذكورة على ثبوت الولاية للفقيه، الا انه وردت عدة اشكالات لابد من بيانها:
الاشكال الاول: ما ذكره المحقق الاصفهاني (قدس سره) بالقول: ان «سياقها يدل على انها في خصوص الائمة، والظاهر انها كذلك فان المذكور فيها هم العلماء بالله لا العلماء باحكام الله، ولعل المراد انهم بسبب وساطتهم للفيوضات التكوينية والتشريعية تكون مجاري الامور كلها حقيقة بيدهم لا جعلا، فهي دليل الولاية الباطنية لهم كولايته تعالى لا الولاية الظاهرية التي هي من المناصب المجعولة»[15]. فالرواية اذن مختصة بالعلماء بالله وهم الائمة، وليس الفقهاء، لان هؤلاء علماء باحكام الله، والرواية دليل على الولاية التكوينية للائمة، وليست دليلا على الولاية الظاهرية.
وفيه:
اولا: ليس المراد بالعلم بالله في الرواية هو ذلك المعنى الفلسفي، والعرفاني الدقيق[16] الذي يختص بالائمة (ع)، بل المراد به العلم البرهاني بالله وصفاته، وهذا متحقق في الفقهاء، وهم يعرفون احكام الله وتشريعاته استنباطا من كتاب الله، وسنة نبيه واهل بيته (ع).
وثانيا: ان التعبير بـ (مجاري الامور) ظاهر في الاشياء المرتبطة بالناس كاجراء الحدود وتقسيم الاموال وحفظ الامن والدفاع وما شاكل، لا الاشياء المرتبطة بالتكوينيات كطلوع الشمس وحركة الرياح والماء والمطر والارض وما شاكل ذلك، وان كانت السلطة على هذه الاشياء ثابتة للامام من اهل البيت (ع)، بناء على ثبوت الولاية التكوينية لهم (ع).
وثالثا: ان استظهار ارادة اثبات الولاية التكوينية للامام (ع) بعيد عن سلوك اهل البيت (ع) في عدم مخاطبة الناس بالمفاهيم الدقيقة والمعاني الشامخة، ومنها (فكرة الولاية التكوينية) فانه وان وردت اخبار كثيرة عنهم بثبوتها لهم (ع) الا ان تلك الاخبار نقلت من قبل رواة محددين، ورواية (مجاري الامور بيد العلماء) فقرة من خطبة طويلة، فمن المستبعد انه (ع) يريد من الولاية ذلك المعنى الدقيق، وهو ولاية الامام على التكوينيات الذي لا يستوعبه الا صفوة الشيعة.
ورابعا: توجد عدة قرائن على ان المراد بالولاية في الرواية الولاية الظاهرية، لا الولاية التكوينية، وهي:
1ـ ان اثبات الولاية للعلماء بالله ورد في مقابل غصب الولاية من قبل الظلمة وولاة الجور والخارجين على الامام العادل، نظير قوله (ع): «ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم واستسلمتم امور الله في ايديهم يعملون بالشبهات ويسيرون في الشهوات»، ويقول (ع) في وصف ولاة الجور: «فالارض لهم شاغرة وايديهم فيها مبسوطة والناس لهم خول لا يدفعون يد لامس، فمن بين جبار عنيد وذي سطوة على الضعفة شديد، مطاع لا يعرف المبدئ المعيد»[17]. فالمراد بالولاية التي غصبها هؤلاء الظلمة هي الولاية الظاهرية، وانه (ع) اراد اثباتها لهم اهل البيت (ع) ونفيها عن ولاة الجور الخارجين على سلطان اهل البيت (ع) المبتزين حقهم.
2ـ قال (ع): «مجاري الامور والاحكام على ايدي العلماء بالله الامناء على حلاله وحرامه، فانتم المسلوبون تلك المنزلة، وما سلبتم ذلك الا بتفرقكم عن الحق، واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة ولو صبرتم على الاذى وتحملتم المؤونة في ذات الله كانت امور الله عليكم ترد وعنكم تصدر واليكم ترجع»[18].
والظاهر من هذه الفقرة ان الامام (ع) علل سلب الولاية بالتفرق والضعف حيث اطمع ذلك فيهم عدوهم، وسلبهم ولي الامور ومرجعيتها اليهم، ومن الواضح ان هذه الولاية ظاهرية مربوطة بطاعة الناس للامام وقوتهم في تمسكهم بالامام (ع)، اما الولاية التكوينية فهي ليست منوطة بطاعة الناس، فالامام (ع) له الولاية التكوينية[19] حتى لو لم يطعه احد وحتى لو تفرق جميع الناس عنه.
الاشكال الثاني: ما ورد عن بعض الفقهاء من ان معنى «مجاري الامور والاحكام بيد العلماء» هو لزوم اظهار الحق و الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ليقوم الامام (ع) بوظيفته الالهية[20].
وفيه: ان الرواية لا تساعد على هذا المعنى؛ اذ الامام (ع) في مقام بيان ان الامور تجري على يد العلماء بالله، لا ولاة الجور الفسقة، وجريان الامور بيد الفقهاء والعلماء وتوليهم لامور المجتمع يمنع تصدي ولاة الجور، وهذا معناه ثبوت الولاية لهم كما هو واضح.
الاشكال الثالث: ما ورد عن بعض من الفرق بين جملة "مجاري الامور بيد العلماء" الواردة في الرواية وبين جملة «الامور بيد العلماء» او قوله «مجاري الامور بيد العلماء» فان الجملتين الاخيرتين تثبتان الولاية للفقيه، بخلاف الاولى فانها مختصة بالائمة (ع) بتقريب حاصله: ان مجاري جمع مجرى اسم مكان لا مصدر ميمي، يعني محال جريان الامور والاحكام، والمراد فيها المصالح والمفاسد والمدارك الناشئة والجارية منها الاحكام جريان الماء من المنبع، ومن المعلوم انها بيدهم (ع)[21].
وفيه:
اولا: لا فرق بين قوله (ع) "مجاري الامور بيد العلماء" وبين القول: «مجاري الامور يد العلماء» اذ على التعبير الثاني لا بد من تقدير محذوف؛ اذ لا معنى لاسناد نفس الامور الى يد العلماء، فلا بد من تقدير حكمها او الشأن اللازم فيها، فتكون الجملة الثانية بقوة الجملة الاولى.
وثانيا: ان الرواية اجنبية عن مسألة الملاكات والمصالح التكوينية التي تكون اساس الاحكام الشرعي، بل هي ناظرة الى عدالة وعلم الشخص الذي تجري على يديه الامور وهو الفقيه، حيث يستطيع بمقتضى علمه ان يشخص القرار الصحيح في امور الحكومة والناس، وبمقتضى عدالته التحرز من اسر الاهواء والشهوات، في مقابل الفاسق الذي ينقاد لهواه، والجاهل الذي يفتي الناس بغير علم ولا هدى، ولا كتاب منير.
الاشكال الرابع: ما ورد عن الميرزا النائيني (قدس سره) قال:
"ان مثل قوله (ع): «مجاري الامور بيد العلماء الامناء للهفي حلاله وحرامه»؛ لقرينة ذيله، لا يدل على ازيد من اثبات منصب التبليغ لهم في بيان الاحكام من الحلال والحرام»[22].
وفيه:
اولا: ان الذيل وهو «الامين في الحلال والحرام»، لا يدل على ثبوت منصب التبليغ للفقيه؛ اذ الامين في اللغة هو الحافظ والحارس[23] والموثوق به[24] فيكون الفقيه مجعولا من قبل الامام (ع) في منصب الحافظ والحارس، فلو اراد احد الرجوع الى آخر لمعرفة احكام الله عليه ان يرجع الى الفقيه لانه امين على احكام الله، وهذا لا يستبطن معنى التبليغ الذي يعني الابتداء في التعليم كما هو كذلك في تبليغ الانبياء (ع).
وثانيا: ان الاعتراض المذكور يكون وجيها لو كان الوارد هو «العلماء امناء الله في حلاله وحرامه» حيث يقال بان المراد اثبات منصب التبليغ للفقيه، الا ان صدر الجملة هو «مجاري الامور والاحكام على يد العلماء» وهذا يعني ان جملة (على يد العلماء بالله الامناء) يراد بها الاخبار عن محل جريان الامور، والاحكام فلا بد من ضم كلتا الجملتين في استظهار المعنى، لا الفراغ من ثبوت معنى في صدر الجملة وجعل جملة «الامناء على حلاله" قرينة على ثبوت ذلك المعنى.
* الدليل الثالث:
وهي رواية الكافي عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن عيسى عن صفوان عن داود بن الحصين عن عمر بن حنظلة قال: «سألت ابا عبد الله (ع) عن رجلين من اصحابنا يكون بينهما منازعة في دين او ميراث فتحاكما الى السلطان او الى القضاة، ايحل ذلك؟ فقال (ع): من تحاكم الى الطاغوت فحكم له فان ما يأخذه سحتا وان كان حقه ثابتا ؛ لانه اخذه بحكم الطاغوت وقد امر ان يكفر به، قال تعالى: {يريدون ان يتحاكموا الى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به}[25].
قلت: كيف يصنعان قال: انظروا الى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فارضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما، فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما بحكم الله قد استخف وعلينا رد، والراد علينا كالراد على الله وهو على حد الشرك بالله»[26].
والاستدلال بهذه الرواية جاء بعدة تقريبات نذكرها فيما يلي تباعا:
التقريب الاول: ما ذكره الشيخ الانصاري (قدس سره) في مقام الاستدلال على ثبوت الولاية بهذه الرواية حيث كتب: ان ما يدل على ولايته "يستفاد من جعله حاكما كما في مقبولة عمر بن حنظلة الظاهر في كونه كسائر الحكام المنصوبين في زمان النبي (ص) والصحابة في الزام الناس بارجاع الامور المذكورة اليه والانتهاء فيها الى نظره، بل المتبادر عرفا من نصب السلطان حاكما وجوب الرجوع في الامور العامة المطلوبة للسلطان اليه"[27].
ونظير هذا التقريب ما ذكره الاصفهاني حيث كتب: «ان المراد بالحاكم ما هو المتعارف من نصب السلطان للحكام الذين يتصدون الامور العامة المتعلقة بالرعية»[28]. فظهور لفظ الحاكم في معنى الولاية من باب دلالة مقام الامام (ع) في جعل الحاكمية لشخص، اذ ان منصب الامام قرينة على ان المراد من جعل الامام لشخص حاكما جعله نائبا عنه في وظائفه في موارد عدم امكان الامام من مباشرة القضايا والحوادث بنفسه لبعد او لمانع سياسي كما لو عين سلطان فعلي شخصا حاكما على منطقة معينة، فانه يكون نائبا عنه في سلطانه في تلك المنطقة، ولا يفهم منه اختصاص حاكميته بالقضاء «فالمراد بالحاكم ما هو المتعارف من نصب السلطان للحكام الذين يتصدون الامور العامة المتعلقة بالرعية»[29].
وقال النراقي في عوائده: «وان اردت توضيح ذلك، فانظر الى انه لو كان حاكم او سلطان في ناحية واراد المسافرة الى ناحية اخرى، وقال في حق شخص: الحاكم من جانبي، فهل يبقى لاحد شك في انه له فعل كل ما كان للسلطان في امور رعية تلك الناحية الا ما استثناه»[30] فان هذا المقطع ظاهر منه ان ثبوت الولاية لشخص منصوب من قبل السلطان لازم لنفس تصدي السلطان ونصبه ذلك الشخص، لا بدلالة لفظ الحاكم على معنى الولاية اطلاقا او وضعا.
التقريب الثاني: ان الرواية تحتف بقرائن لفظية تجعل لفظ الحاكم ينصرف الى معنى ولاية الامر الاعم من معنى القضاء، وهذه القرائن هي:
الف) ان الآية التي اوردها الامام (ع) او التي اشار اليها في كلامه، ولم يذكرها نصا «مفادها اعم من التحاكم الى القضاة والى الولاة لو لم نقل بان الطاغوت عبارة عن خصوص السلاطين والامراء، ولان الطغيان والمبالغة فيه مناسب لهم لا للقضاة، ولو اطلق على القضاة يكون لضرب من التأويل او بتبع السلاطين الذين هم الاصل في الطغيان ويظهر من المقبولة التعميم بالنسبة اليهما»[31].
ب) ان قول السائل (في دين او ميراث) ينطوي على نوعين من النزاعات احدهما: التنازع في اصل دعوى الدين، او دعوى انه وارث، وهذا النوع من التنازع مرجعه القاضي.
والثاني: نزاع في استيفاء الدين من الغريم بعد اعتراف الاخير به، او نزاع في مماطلة الوارث في دفع استحقاق الوارث الآخر من تركة المتوفى، وهذا النزاع يرجع في حسمه الى الحاكم، والمستفاد من الرواية هو السؤال عن المرجع في مطلق المنازعات لا خصوص النزاعات من النوع الاول، اللهم الا ان يقال ان هذا النزاع ايضا مرجعه الى القاضي.
ج) ان لفظ «عليكم» في قوله (ع): «فاني قد جعلته عليكم حاكما» ظاهر في ارادة معنى الولاية العامة من لفظ الحاكم لا معنى الولاية في القضاء في النزاعات، اذ لو كان المراد بالحاكم هو القاضي في الخصومات لكان ينبغي ان يقول:«فاني قد جعلته بينكم حاكما» لان الحكم بمعنى القضاء يكون بين المتنازعين لا على المتنازعين.
التقريب الثالث: ان السائل يسأل عن المرجع الذي يرجع اليه بعد ان حكم الامام (ع) بحرمة الرجوع الى السلطان او القاضي، وذكر الدين او الميراث انما هو من باب المثال، وحيث ان السؤال عن مطلق المرجع لا عن خصوص المرجع في حسم الخصومات القضائية ذكر السائل السلطان والقاضي، اذ لو كان السؤال عن المرجع في حسم قضايا الخصومات فقط لا معنى لذكر السلطان بل يكتفي السائل بذكر القاضي. صحيح ان السلطان قد يفصل بين الخصومات، الا ان العادة جارية بان القاضي هو الفاصل بين الخصومات الواقعة بين الناس.
وذات النكتة يمكن استفادتها من ذكر الدين والميراث، اذ ان هذا التردد شاهد على ان السائل لا يسأل عن قضايا خارجية واقعة يستفتي الامام فيها، وانما يسأل عن قضايا كلية وذكر منها اثنين للمثال والامام (ع) جعل الفقيه الشيعي مرجعا مطلقا في جميع المنازعات التي تقع بين الشيعة، وهذا يعني ثبوت الولاية العامة للفقيه.
التقريب الرابع: ان لفظ الحاكم يدل على طبيعي الولاية، فيندرج تحتها ولاية فصل الخصومة وولاية شؤون الناس، وحيث لم يذكر الامام (ع) ولاية خاصة، فلا محالة يدل اللفظ على ثبوت مطلق الولاية للفقيه.
قال الميرزا النائيني: «فان الحكومة باطلاقها يشمل كلتا الوظيفتين، ولا ينافيه كون مورد الرواية مسألة القضاء، فان خصوصية المورد لا توجب تخصيص العموم في الجواب[32]. واورد على هذا التقريب عدة اشكالات:
الاشكال الاول: ما ذكره الميرزا النائيني نفسه بعد ان ذكر ذلك التقريب من ان مورد الرواية في خصوص القضاء، واجاب عليه بالقول: «ولا ينافيه كون مورد الرواية مسألة القضاء، فان خصوصية المورد لا توجب تخصيص العموم في الجواب». هذا اولا. وثانيا: بناء على القول بان لفظ الحاكم يدل على السلطان، ومن له تدبير شؤون الناس، فان الرواية لا تكون واردة في القضاء لا في سؤال السائل ولا في جواب الامام (ع)؛ اذ سؤال السائل كان حول جواز الرجوع الى السلطان او القاضي، ولم يقصر سؤاله على جواز الرجوع الى القاضي ليقال باختصاص الرواية بمورد القضاء، اما جواب الامام (ع) فهو خال عن لفظ القضاء، وانما الوارد فيه لفظ الحاكم، وهو اعم من القاضي، بل ان لفظ الحاكم كما يرى النائيني (قدس سره) يدل على معنى الولاية العامة. ولفظ القاضي في سؤال السائل وجواب الامام عليه لا يخصص الرواية في مورد القضاء؛ لان جواب الامام (ع) نصبا للفقيه في مقام الحاكم، وهذا العنوان اعم من عنوان القاضي.
الاشكال الثاني: ما اورده بعض الفقهاء قائلا: بانه لا يمكن التمسك باطلاق «حاكما»؛ وذلك لان «لفظ الحاكم وقع محمولا لا موضوعا، ولا يجري الاطلاق الموجب للسريان في المحمول»[33].
وقد يقرب هذا الاشكال بدعوى وجدانية وبرهانية، اما دعوى الوجدان على عدم ارادة مطلق مراتب ومصاديق المحمول فانه اذا قال القائل: (النار حارة) فانه وجدانا لا يريد ثبوت مطلق الحرارة للنار من قبيل حرارة الشمس، وحرارة الاحتكاك وما شاكل، انما يريد ثبوت الحرارة النارية للنار.
واما البرهان فانه يقال: ان علة جريان الاطلاق في الموضوع انما هو اخذ الموضوع مقدر الوجود، وهذا التقدير يفرض جميع الفرضيات الوجودية اللاحقة به على تقدير عدم التقييد، وعدم القدر المتقين. وتقدير اخذه محقق الوجود ليس موجودا في المحمول؛ لان الحاكم يريد جعله وايجاده، واذا كان كذلك لا حاجة الى ثبوت مطلق المراتب والحالات للمحمول؛ لان اخراج الاعدام الى دائرة الوجود يحتاج الى لحاظ وحكم، وهو مفقود في المحمول، والقدر الخارج عن دائرة العدم هو القدر المتيقن، او نوع من الجعل لا مطلق الجعل، فيترتب ذلك القدر على الموضوع، وهذا بخلاف الموضوع فانه حيث اخذ مفروض الوجود فقد اخرج من العدم بجميع حالاته فاثبات عدم فرض او حالة معينة من حالات الموضوع يحتاج الى دليل بعد ان قام الدليل على ثبوت تلك المراتب والحالات مفروضة الوجود.
ويرد على هذا الاشكال:
اولا: يرد على ذلك لازم باطل هو: لو اراد المتكلم حمل المحمول على اختلاف مراتب سعته المتصورة في عالم المفهوم على الموضوع فانه يتعين عليه عدم الاكتفاء بطبيعي المحمول بل لابد من ان يضم الى ذلك المحمول تتمة لفظية اي لا يكتفي بالقول «زيد كريم» اذا اراد حمل مطلق «الكرم له» بل لابد ان يقول: «زيد كريم نهاية الكرم» وهذا باطل جزما، فملزومه مثله.
ثانيا: ما اجاب عليه صاحب الاشكال نفسه حيث كتب: «وقد يجاب عنه بانه حينما لا يوجد قدر متيقن عند التخاطب، ولا يعقل الاطلاق البدلي ويدور الامر بين الاطلاق الشمولي والاهمال وتكون القضية مبينة للحكم دون مجرد الاخبار يفهم العرف من ذلك الاطلاق»[34].
ثالثا: لو سلمنا عدم جريان الاطلاق في المحمول لو خلي ونفسه، ولكن لو اقتضت مناسبة الحكم والموضوع ثبوت الاطلاق انعقد الاطلاق في المحمول ايضا، والمناسبة هنا هي حاجة الشيعة الى مرجع عام يرجعون اليه في امورهم؛ لعدم القدرة على الوصول الى الامام في جميع حاجاتهم لبعدهم او لاسباب سياسية او ضرورة الانفصال التام عن المرجع الحاكم المخالف لاهل البيت (ع) وعدم الرجوع اليه في شأن من شؤون الشيعة.
رابعا: ان التمسك بالاطلاق لاثبات جميع مراتب الولاية للحاكم نظير التمسك باطلاق (حارة) في قولنا: النار حارة) لاثبات اية مرتبة حرارية شك في ثبوتها، لا لاثبات جميع انواع الحرارات مثل حرارة الشمس وحرارة الخشب مثلا.
الاشكال الثالث: ما ذكره السيد الحكيم (قدس سره) بقوله:
"ودعوى ان اطلاق الحكم الذي جعل من وظائفه يقتضي ذلك فان قولنا: زيد له الحكم مثل قولنا: زيد له الامر ظاهر في نفوذ جميع تصرفاته التشريعية والتكوينية. مدفوعة بان ذلك المعنى يأباه قوله (ع): فاذا حكم حكمنا فلم يقبل منه... الخ فانه ظاهر في الحكم المتعلق بفعل المكلف»[35].
والجواب: ان حكم الفقيه في شأن من شؤون الناس كعمارة مدرسة او شارع او تخريب ذلك بوصفه امرا نابعا من رؤى اهل البيت واقوالهم، وبوصفه صادرا من الفقيه العارف باحكام اهل البيت (ع) والذي يراعي قواعد اهل البيت (ع).. اقول: هذا الامر الصادر من الفقيه ايضا يصدق عليه انه حكم من حيث لزوم اجرائه، ولا اختصاص للفظ الحكم بافعال المكلف حيث يقال للشخص المتولي للامور بانه حاكم ويقال للامر الصادر منه بانه حكم. ولعل السيدالحكيم (قدس سره) التفت الى هذه النكتة، لذلك قال في ذيل كلامه السابق: (فلاحظ) مشيرا الى ضعف ذلك الاستدلال.
ثم لو قيل باختصاص الرواية بجعل الولاية في جعل الاحكام لافعال المكلفين، فتكون دليلا على حجية فتوى المجتهد، الامر الذي يستظهر من عبارة صاحب هذا الاشكال: «فانه ظاهر في الحكم المتعلق بفعل المكلف» فان هذا يخالف الكثير من الفقهاء حتى اولئك الذين ينكرون دلالة الرواية على ولاية الفقيه؛ اذ انهم يجعلون الرواية دليلا على ولاية القضاء، وهي اجنبية عن بيان الاحكام للمكلفين، وانما هي ولاية في فصل الخصومات.
الاشكال الرابع: ما يستظهر من بعض الفقهاء من ان المنع عن انعقاد الاطلاق في الرواية لوجود قدر متيقن هو النصب لخصوص القضاء، فقد كتب: «ان المتيقن من امثالهما ـ اي رواية عمر بن حنظلة ورواية ابي خديجة ـ بعد ملاحظة صدرها نصبه (ع) الفقيه لخصوص القضاء وقطع التخاصم»[36]، والمراد بالصدر الذي يكون قرينة على اختصاص الرواية بنصب الفقيه لمنصب القضاء سؤال السائل: «عن رجلين من اصحابنا يكون بينهما المنازعة» اذ مورد الرجوع في المنازعة هو القاضي لا الوالي.
وقد يكون قرينة على ذلك ايضا قول الامام (ع) «من تحاكم الى الطاغوت فحكم له فانما ياخذ سحتا» فان اخذ الشيء بحكم الحاكم انما يصدق في التنازع على الشيء واخذ احدهما له بحكم القاضي، وهذا انما يصدق في باب القضاء؛ اذ في باب الولاية العامة لا يختص احدهما بالاخذ دون الآخر.
ويرد عليه:
اولا: لقد ورد في كلام السائل عبارة السلطان الى جانب القاضي، وهذا السياق قرينة على ان السؤال عن جواز الرجوع الى حكام وقضاة العامة لا خصوص القضاة منهم، وذكر المنازعة باعتبارها السبب الذي يسوق المتخاصمين الى التوجه الى السلطان، فذكرها بوصفها المصداق البارز من مصاديق الرجوع الى السلطان والقضاة.
وثانيا: لو سلم ارادة السائل من الامام تعيين مرجعا في القضاء، فانه لا يخصص الجواب اذا كان جعلا عاما، اذ المورد لا يخصص الوارد.
التقريب الخامس: لو سلم ان الرواية دالة على جعل خصوص ولاية القضاء للفقيه لانها القدر المتيقن او لعدم جريان الاطلاق في المحمول ـ كما قيل ـ فانه مع ذلك يمكن التعميم الى مطلق الولاية للمناسبات المغروسة في الاذهان من الحاجة الى الرجوع الى الحاكم، وفساد مذهب السلطان والقاضي المنصوب من قبله المانع عن الرجوع اليه، والباعث على السؤال عن المرجع[37].
والفارق بين هذا التقريب والتقريب الثالث: ان التقريب الثالث يرى ان المال والدين والسلطان والقاضي انما ذكرت من باب المثال، والغرض الحقيقي هو السؤال عن المرجع في مطلق الامور بقرينة التردد في مورد الرجوع والتردد في الشخص المرجوع اليه، في حين ان التقريب الرابع بعد الاعتراف باختصاص دلالة الرواية على ولاية القضاء للفقيه يتشبث بالمناسبات المغروسة في الاذهان لاثبات العموم.
التقريب السادس: ما ذكره بعض الفقهاء من دعوى ظهور لفظ الحاكم لمعنى الولاية على الامور، فيكون مترادفا مع لفظ الوالي والسلطان.
قال السيد البروجردي (قدس سره): «يظهر ان مراده (ع) بقوله في المقبولة (حاكما) هو الذي يرجع اليه في جميع الامور العامة الاجتماعية التي لا تكون من وظائف الافراد ولا يرضى الشارع ايضا باهمالها، ومنها القضاء وفصل الخصومات، ولم يرد به خصوص القاضي»[38].
وقال الشهيدي في شرحه على المكاسب: «ان جميع انحاء الولايات داخلة في مفهوم الحاكم والقاضي، فاعطاء منصب القضاوة للفقيه في مورد فصل الخصومات يوجب اعطاء جميع انحاء الولاية»[39].
والبرهان الوحيد الذي اقيم على صحة هذه الدعوى هو فهم العرف معنى الولي من لفظ الحاكم الا اذا كان سياق الكلام يصرف معناه الى القاضي، وقد يدعى عكس ذلك اي ان لفظ الحاكم يساوق لفظ القاضي[40]. والظاهر ان الدعوى الاولى اقرب بحسب فهمنا العرفي.
التقريب السابع: ان القضاة المنصوبين من قبل الخلفاء في العصر الاموي والعباسي كانوا يمارسون مثل هذه الاعمال، وكانت تخولهم السلطة الحاكمة المركزية في ذلك الوقت ممارسة هذه المهام، فكان القاضي قيما على اموال الايتام والقصر وكان يأمر بتنفيذ العقوبات ومطاردة المجرمين، ويتولى الامور الحسبية.
وطبيعة المقابلة بين قضاة البلاط والقضاة المنصوبين من قبل اهل البيت (ع) من الفقهاء، والمنع عن مراجعة اولئك وارجاع الناس الى هؤلاء تقتضي ان القضاة المنصوبين من قبلهم (ع) ـ قضاء عاما، او خاصا ـ عليهم نفس المسؤوليات التي كانت تناط بقضاء البلاط، وذلك حتى يتأتى لهؤلاء القضاة ان يسدوا الحاجات التي كان يسدها اؤلئك القضاة»[41].
ويرد عليه:
اولا: ان ذلك لازمه تصويب نظر السلطان الجائر في تحديد مناصب القاضي وحدود ولايته، وهذا لا يمكن المساعدة عليه.
نعم القدر المتيقن من اعمال القضاة وتوليتها له يكون داخلا في اطلاق جعل الامام ولاية القضاء للفقيه، وهي مسائل حسم الخصومات والولاية على الصغير والغائب وما شاكل ذلك، ولا يمكن التعدي الى دائرة اوسع من مراتب الولاية الثابتة للقاضي عن طريق السلطان الجائر، واثباتها للقاضي المجعول بحكم الامام (ع).
وثانيا: ان المدلول المباشر لحكم الامام هو جعل اصل الولاية والحكومة للفقيه، فان كان لمنصب القضاء اطلاق يسع تلك المراتب تثبت جميع تلك المراتب بجعل الامام، وان لم يكن له اطلاق فلا يمكن الاستعانة بالمصداق الخارجي المعلوم بطلان مشروعيته لاثبات معناه في خطاب الامام وجعله الحكومة للفقيه.
وثالثا: لو دل هذا التقريب على الولاية فانها ولاية في دائرة امور الحسبة فقط، ولا تدل على ثبوت الولاية المطلقة.
وبعد ان فرغنا من دلالة مقبولة عمر بن حنظلة على ولاية الفقيه بمعناها الواسع، لابد من استعراض اهم المناقشات التي اثيرت حولها ومعالجتها:
المناقشة الاولى: وهي مناقشة ثبوتية مفادها عدم صحة جعل الحكومة للفقيه تصورا؛ وذلك «بتقريب انه لو وجد في عصر واحد فقهاء كثيرون واجدون للشرائط فالمحتملات فيه خمسة:
الاول: ان يكون المنصوب من قبل الائمة (ع) جميعهم بنحو العموم الاستغراقي، فيكون لكل واحد منهم بانفراده الولاية الفعلية، وحق اعمالها مستقلا.
الثاني: ان يكون المنصوب الجميع كذلك، ولكن لا يجوز اعمال الولاية الا لواحد منهم.
الثالث: ان يكون المنصوب واحدا منهم فقط.
الرابع: ان يكون المنصوب الجميع ولكن يقيد اعمال الولاية لكل واحد منهم بالاتفاق مع الآخرين.
الخامس: ان يكون المنصوب للولاية هو المجموع من حيث المجموع فيكون المجموع بمنزلة امام واحد، ويجب اطباقهم في اعمال الولاية. ومل هذين الاحتمالين الى واحد كما لا يخفى»[42].
"ويرد على الاحتمال الاول قبح هذا النصب على الشارع الحكيم.. للزوم الهرج والمرج.
ويرد على الاحتمال الثاني: اولا: انه كيف يعين من له حق التصدي فعلا؟ فان لم يكن طريق الى تعيينه صار الجعل لغوا وهو قبيح وان كان بانتخاب الامة او اهل الحل والعقد او خصوص الفقهاء لواحد منهم صار الانتخاب معتبرا ومعياراً لتعيين الوالي، فوجب اعماله وتعيين الوالي به... وثانيا: ان جعل الولاية حينئذ للباقين لغو قبيح.
ويرد على الاحتمال الثالث: انه كيف يعين من جعلت له الولاية الفعلية؟ فان لم يكن طريق الى التعيين صار الجعل لغوا وهو قبيح، وان قيل بالانتخاب قلنا فيصير النصب لغوا والامامة انعقدت بالانتخاب لا به.
ويرد على الاحتمال الرابع وكذا الخامس: انه مخالف لسيرة العقلاء والمتشرعة، ومما لم يقل به احد.
والحاصل: ان نصب الائمة (ع) للفقهاء في عصر الغيبة بحيث تثبت الولاية الفعلية بمجرد النصب بمحتملاته الخمسة قابل للخدشة ثبوتا»[43].
ويرد عليه انه يمكن ان نختار الاحتمال الثبوتي الاول، ولا يرد عليه شيء مما ذكر؛ وذلك:
اولا: ان لزوم الهرج والمرج من جعل الحاكمية لجميع الفقهاء على نحو الاستغراق ليس لازما لنفس الجعل وثبوت الولاية لجميع الفقهاء، انما يلزم ذلك من اعمال الفقهاء لولايتهم على وجه التصادم والتنافي بين آراء الفقهاء، فلا قبح في ذات الجعل، انما القبح ناشىء من اعمال الولاية، وهو غير مربوط بمقام الجعل، فيكفي في تصحيح هذا الجعل وجود الثمرة له التي ذكرها نفس الامام (ع) من قبح مراجعة الطاغوت والقاضي المرتبط به.
وثانيا: لو سلم قبح ذلك الجعل بسبب الهرج والمرج الحاصل، الا ان هذا يوجب التصرف في دلالة المقبولة بمقدار يدفع ذلك القبح، لا رفع اليد عن اصل دلالة المقبولة على جعل الحاكمية للفقيه.
اما اشكال كيفية تعيين ذلك الفقيه فجوابه بتراضي الناس واختيارهم بنحو يكون التراضي شرطا في اعمال الولاية لا في ثبوت اصل الولاية؛ ولذلك لا يكون التراضي والاختيار صحيحا لو وقع على غير الفقيه او يكون بتعيين من قبل الخبراء العارفين بالفقه واهله.
المناقشة الثانية: قد يقال: حتى لو سلم دلالة المقبولة على ولاية الفقيه، الا ان هذه الولاية محدودة بحياة الامام الصادق (ع) فبموته (ع) يرتفع جعله الولاية للفقيه.
وفيه: ان "الاصحاب مطبقون على استمرار تلك التولية... فانها ليست كالتولية الخاصة بل حكم بمضمون ذلك، فاعلامه بكونه اهل الولاية على ذلك كاعلامه بكون العدل مقبول الشهادة وذي اليد مقبول الخبر وغير ذلك"[44].
المناقشة الثالثة: ان جعل الولاية لكل فقيه معناه تعدد الولاة والحكام على الامة مما يوقع التنافي والتضاد في الاحكام حين اعمال هذه الولايات، فيستكشف من ذلك عدم ارادة جعل الولاية لهم، بل جعل خصوص ولاية القضاء.
وفيه:
اولا: ان هذا الاشكال يرد لو قيل باختصاص المقبولة بمورد القضاء، وما يكون به العلاج هناك يرد بنفسه هنا.
وثانيا: يمكن علاج حالة التنافي هذه بتقديم حكم الفقيه الذي تصدى للحكم على غيره او باختيار من فيهم الكفاية لفقيه معين يتولى الامور العامة.
المناقشة الرابعة: ان الحكومة ومشتقاتها قد غلب استعمالها في الكتاب والسنة في خصوص القضاء كقوله تعالى: {واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل}[45] وقوله: {وتدلوا بها الى الحكام لتأكلوا فريقا من اموال الناس بالاثم}[46] وفي حديث ابي فضال[47] نقلا عن خط ابي الحسن الثاني (ع) في تفسير الآية: «الحكام القضاة»[48].
وفيه: اولا: ان كثرة الاستعمال في معنى لا يجعله معناه الحقيقي، نعم لو بلغ درجة من الكثرة بحيث يتبادر ذلك المعنى عند العرف عند سماع اللفظ ينعقد له ذلك المعنى ايضا، الا ان كثرة استعمال الحكام في القاضي لم تبلغ هذه الدرجة.
وثانيا: ان دعوى كثرة استعمال لفظ الحاكم في القاضي مردودة؛ اذ استعمل اللفظ ايضا في معنى الولي، وليست موارد استعماله في ذلك بقليلة.
وفيما يلي بعض موارد استعماله في القرآن الكريم:
1ـ "وما كان لله فهو يصل الى شركائهم ساء ما يحكمون"[49] فان حكمهم هنا قرار منهم بعدم اختصاص الله بشيء، وهذا القرار ليس حكما قضائيا لحسم تنازع بين الطرفين.
2ـ "قال تعالى: {ايمسكه على هون ام يدسه في التراب الا ساء ما يحكمون}[50]. فان حكم الاب بقتل البنت قرار، وحكم بوصفه ولي امر البنت، وليس حكما قضائيا واردا في باب التنازع.
3ـ قال تعالى: {فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت}[51] فان الحكم الالهي الذي يجب الصبر عليه هو حكم بمعنى التقدير والمشيئة الالهية؛ فان الحكم على يونس بالالقاء في البحر وابتلاءه ليس حكما قضائيا، بل هو قرار ومشيئة الهية.
4ـ قوله تعالى: {فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما او كفورا}[52] فبقرينة ذيل الآية: {ولا تطع منهم آثما او كفورا} يعرف ان المراد بالحكم حكم الله بلزوم تحمل اعباء الرسالة، وعدم مداهنة الاعداء، وعدم الميل اليهم.. وليس معناه الصبر ازاء حكم قضائي.
وفي استعمالات العرب نجد ان لفظ الحاكم استعمل بمعنى الوالي والامير، فمثلا قال السيد الحميري في قصيدة شعرية له:
ملكهم خمسون معدودة برغم الحاسد الراغم ليس علينا ما بقوا غيرهم في هذه الامة من حاكم[53].
وخطب ابو طالب (ع) حين طلب يد خديجة (عليها السلام) للنبي (ص) قائلا: «الحمد لرب هذا البيت الذي جعلنا من زرع ابراهيم وذرية اسماعيل وانزلنا حرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس»[54].
وهكذا ورد في كلمات النبي (ص) وكلمات امير المؤمنين (ع) لفظ الحاكم بمعنى الولي، فلا يمكن القول ان لفظ الحكومة قد غلب استعماله في معنى القاضي. نعم، قد يقال بغلبة الاستعمال في موارد النزاع الواقعة في باب الحقوق او في باب الاختلاف والتشاجر في الرأي او في الموقف، الا ان هذا لا يفيد اصل المناقشة برهانا على مدعاها.
المناقشة الخامسة: ما ذكره بعض من "ان الظاهر ان الامام الصادق (ع) لم يكن بصدد الثورة ضد السلطة الحاكمة في عصره لكي ينصب واليا في قبالها لعدم مساعدة الظروف على ذلك، بل كان بصدد رفع مشكلة الشيعة في عصره في باب المخاصمات، كيف؟ ولم يعهد تدخله بنفسه (ع) في المسائل الولائية المرتبطة بالولاة مع كونه حقاله عندنا، فكيف ينصب لذلك الفقهاء في عصره".
واجاب عليه بالقول: «اللهم الا ان يقال ان القضاء كامر ليس منحازا عن الولاية الكبرى، بل هو من شؤون الوالي، فالامام (ع) جعل الولاية الكبرى للفقيه لعصره ولما بعده، غاية الامر ان هذا الجعل بالنسبة الى عصره كان منشئا للاثر بالنسبة الى خصوص القضاء والامور الحسبية فقط، ولعله في الاعصار المتأخرة يفيد بالنسبة الى جميع الآثار كما نراه في عصرنا حيث تهيأ الجو لاقامة دولة اسلامية في ايران»[55].
وفيه: اما بالنسبة الى جوابه الذي ذكره على الاشكال ففيه: ان جعل الامام للحاكم ليس اثره الذي ترتب عليه مجرد حسم الخصومات القضائية، بل كذلك حل شؤون الشيعة وتدبير شؤونهم حسب ارشادات، وتعاليم اهل البيت (ع).. ولا دليل على ان الفقيه كان يعالج قضايا القضاء فقط دون القضايا العامة المرتبطة بالشيعة ضمن الامكانات المتوفرة.
واذا بنينا على افتراضه من ان القضاء لا ينحاز عن الولاية الكبرى، فكيف فرض من جديد انحيازه في مقام العمل والابتلاء مع ان الحاجة الى ادارة شؤون الشيعة ليست اقل حاجة واهمية من حل قضايا النزاع في باب القضاء، وكيف جعلت اجواء التقية ظهور الحديث في فعلية ولاية القضاء دون ولاية الامر مع انهما من باب واحد.
اما اصل الاشكال ففيه: ان جعل الولاية للفقيه ليس اقداما على الثورة، انما هو ممارسة الامام لوظائفه الشرعية في حدود الامكان؛ اذ لو كان في صدد القيام بالثورة كان ينبغي اشهار السيف، انما جعل الولاية للفقيه لادارة شؤون الشيعة وابعادهم عن ولاة الطاغوت، كما ان ممارسة الفقيه لوظائفه ليس اقداما على الثورة، بل هو تحمل المسؤولية الشرعية بحدود القدرة.
اما عدم تدخل الامام في المسائل الولائية، فانه (ع) لم يتدخل في تلك المسائل للتقية وشدة حصار الحكام عليه، وذلك لا يستلزم عدم صحة جعل الولاية للفقيه، بل العكس هو الصحيح؛ اذ بعد ثبوت حق الامامة للامام، وعدم امكانه من ممارسة وظائفة الشرعية لا محالة يجعل الولاية لتلاميذ مدرسة اهل البيت (ع) لادارة شؤون الشيعة.
المناقشة السادسة: دعوى ان الوالي مغاير للقاضي، اما الحاكم والقاضي فهما متحدان «من هنا قال (ع) في بعض الروايات جعلته عليكم قاضيا، ويدل على اتحادهما ذيل الرواية: فاني قد جعلته حاكما؛ اذ لو كان القاضي غير الحاكم لم يقل اني قد جعلته حاكما، مع كون المذكور في صدر الرواية لفظ القاضي»[56].
وفيه: ان دعوى الاتحاد تخالف المعروف عن اهل اللغة من ان الحاكم يطلق ويراد به المتصرف بشؤون البلاد ايضا.
فقد جاء في كتب اللغة: "حكم حكما وحكومة في البلاد: تولى ادارة شؤونها فهو حاكم جمع حكام. حكم: ولاه واقامه حاكما".
الحكم جمع احكام: تولي ادارة شؤون البلاد. الحكومة: ارباب السياسة والحكم، الهيئة الحاكمة المؤلفة ممن يتولون ادارة شؤون البلاد»[57]. والحاكم: من نصب للحكم بين الناس[58]. والحكم بين الناس يصدق على باب التنازع وعلى باب ادراة شؤون البلاد والعباد.
"اما القاضي فهو: القاطع للامور المحكم لها، ومن يقضي بين الناس بحكم الشرع، ومن تعينه الدولة للنظر في الخصومات والدعاوي واصدار الاحكام التي يراها طبقا للقانون. وقضي، قضيا، وقضاء، وقضية:
حكم وفصل، ويقال قضى بين الخصمين، وقضى عليه، وقضى له، وقضى بكذا فهو قاض[59].
وحتى لو سلم دعوى ان لفظ القضاء معناه مطلق الحكم والفصل لغة، الا انه لا شبهة في اطراد وغلبة استعماله في معنى من يفصل بين المنازعات بين المتخاصمين، فلو قيل (زيد قاض) ينصرف الى هذا المعنى ولا ينصرف الى معنى الولي والامير، وليس الحال كذلك في الحاكم، كما يشهد عليه العرف.
* الدليل الرابع:
ما نقله العلامة الحلي في التحرير مرسلا عن رسول الله (ص): قال (ص): «علماء امتي كانبياء بني اسرائيل»[60]. وتقريب الاستدلال بهذه الرواية ان يقال:
حيث حذف مورد التشبيه، فلا محالة يثبت اطلاق في تشبيه الفقيه في جميع منازل النبي من بني اسرائيل، كما لو قيل (زيد كالقمر) فانه يراد به تشبيه زيد في منازل القمر الكمالية كالاشراق ودائرية الوجه، وما شاكل ذلك. وفي مورد بحثنا ثبت لبعض انبياء بني اسرائيل كموسى وداوود وسليمان (عليهم السلام)، ولعله لغيرهم ايضا الولاية والحكومة على قومهم، فلا محالة ان يثبت هذا المقام لفقهاء الاسلام.
واثيرت عدة اشكالات على دلالة هذه الرواية ينبغي الاشارة اليها:
الاشكال الاول: ما قيل من ان تنزيل علماء الامة منزلة انبياء بني اسرائيل يحمل على مجرد تبعية الناس للفقيه كتبعية بني اسرائيل لنبيهم في التبليغ وايصال الرسالة، كما في زيد كالاسد؛ اذ هو كالاسد في شجاعته لا في جميع الجهات حتى في اكله الميتة مثلا[61].
والجواب هو: ان مقتضى اطلاق التنزيل ثبوت كل ما للمنزل عليه للمنزل من كمالات، فيثبت للفقيه تمام درجات ومقام انبياء بني اسرائيل والتي منها الحاكمية والولاية، وما شاكل ذلك من مقامات مربوطة بالرسالة. نعم الصفات الشخصية والحالات الخاصة التي علم اختصاص النبي (ع) بها لا تثبت للفقيه.
وما قيل من ان تنزيل زيد منزلة الاسد في «زيد كالاسد» لا يثبت كل ما للاسد لزيد كأكل الميتة، يرد عليه: ان هذه الصفات الخاصة بالاسد خارجة عن مصب التنزيل قطعا، انما الداخل جميع الصفات الكمالية للاسد، وهي الشجاعة والاقدام، ولا تثبت الصفات السلبية؛ اذ ذلك خلاف الطبع، او خلاف مقام المدح في التنزيل.
الاشكال الثاني: «ان الكلام المزبور بيان فضيلة العلماء ومقامهم عند الله، لا تشريع الولاية الثابتة للانبياء للعلماء»[62].
والجواب: لا موجب لحصر الرواية في هذا المعنى، بعد الفراغ عن ظهورها في جعل الولاية للفقيه كما هي ثابتة لانبياء بني اسرائيل (ع)، وخصوصا ان معنى ثبوت الولاية لهم يستبطن بيان فضلهم ومقامهم عند الله.
الاشكال الثالث: لو كان النبي (ص) في مقام اثبات منصب الولاية لهم لكان مناسبا ان يشبههم بنفسه الشريفة ويقول العلماء بمنزلتي كما قال ذلك في حديث المنزلة بالنسبة الى امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) حيث قال (ص) له: "انت منى بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي".
وفيه: ان منزلة النبي درجة عظيمة لا يبلغها الا من هو من نفس النبي كالامام علي (ع)، فلو قال: العلماء بمنزلتي قد يفيد دلالة، وهي ان العلماء بمنزلة النبي (ص)، والنبي ـ على تقدير جعل الحكومة للفقية ـ لا يقصد جعل العلماء بمنزلته الشاملة، انما يقصد اثبات مرتبة من الولاية المحدودة لهم، فجعلهم (ص) بمنزلة انبياء بني اسرائيل يكشف المراد الاخير.
والصحيح ان يقال: ان الحديث محفوف بقرائن مقامية تجعله ظاهرا في بيان قربهم من الله. وهذه القرائن تمنع من ارداة ثبوت الولاية لهم كما هي ثابتة لانبياء بني اسرائيل. وان كان اللفظ يحتمل هذا المعنى، ومن هذه القرائن: ان النبي (ص) في مقام المدح، وليس في مقام الجعل واثبات الولاية.
* الدليل الخامس:
عن محمد بن يحيى عن احد بن محمد بن عيسى عن محمد بن خالد عن ابي البختري عن ابي عبد الله (ع) قال: «ان العلماء ورثة الانبياء، وذاك ان الانبياء لم يورثوا درهما او دينارا وانما ورثوا احاديث من احاديثهم، فمن اخذ بشيء منها اخذ بحظ وافر، فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه، فان فينا اهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتاويل الجاهلين»[63].
ويمكن الاستدلال بهذه الرواية على ثبوت الولاية للفقيه بتقريبين:
التقريب الاول: ان الولاية على الناس، والاموال الثابتة للنبي تنتقل الى الفقيه بالوراثة كما ينتقل علمهم اليهم لانهم ـ حسب مفاد الحديث ـ ورثتهم.
ويرد عليه:
اولا: ان الحديث صريح في ان المنتقل الى الفقهاء من الانبياء هو الحديث والروايات المرتبطة بالعقيدة والافعال، وليس مطلق ما ثبت للنبي من صفات ومقامات واحوال.
وثانيا: ان الولاية ليست قابلة للتوريث كالمال والدار، بل تثبت للشخص بجعل الله او نبيه، فاذا ورد ان الفقيه وارث الانبياء لابد من حمله على معنى وراثة مقام تبليغ العلم والقرب من الله.
اما الاستشهاد بما ورد عن الامام علي (ع)[64] انه قال: «ارى تراثي نهبا»[65]لاثبات صحة اطلاق الارث على الولاية فالجواب عنه: لا اشكال في صحة اطلاق الارث على حق ثبت في مرتبة سابقة للشخص، والمفروض ان الولاية ثابتة لعلي (ع) بحديث الغدير وحديث المنزلة وآية التصدق بالخاتم وما شاكل ذلك، فصح اطلاق الارث عليها بوصفها حقا ثبت للامام (ع)، وانه نهب بعد ثبوته له (ع).. بخلاف المقام فانه يراد التمسك باطلاق الارث للامورالمعنوية، فيراد اثبات حق الولاية للفقيه بنفس اطلاق لفظ الارث لاثبات شموله لحق لا يعلم بثبوته في المرتبة السابقة.
التقريب الثاني: ان تعبير (ورثة الانبياء) لسان اراد به الامام الصادق (ع) جعل مقام النبي للفقيه في باب الولاية، فهووارث لها كما ان الوارث المادي يرث مال النبي (ص)، فالوارث المادي يختص بارث المال، والفقيه وارث جعلي يرث مقامات النبي (ص) ومنها الولاية، واطلاق المقابلة بين ارث الدينار والدرهم الذي هو رمز للارث المادي وبين الارث المعنوي والذي ذكر له الامام مثالا له العلم والرواية، يفيد ذلك اي يفيد ان الفقيه يرث الميراث المعنوي دون المادي.
وفيه:
اولا: مع قول الامام الصادق (ع): ان العلماء انما ورثوا حديثا وعلما من النبي (ص) في ذات الرواية لا يمكن التعدي الى غير هذا الارث، وعليه يكون المقصود ارجاع الناس الى الفقيه في تبليغ الاحكام ومعرفة الله والعقائد، لا اثبات الولاية له.
ثانيا: الظاهر من الحديث ان الامام (ع) يريد التعريض باولئك الذين يدعون العلم وهم يفترون الكذب على الله وانبيائه، وان العالم الحقيقي هو وارث النبي (ص) العارف باقواله وسنته حقيقة لا ادعاء، وهذا ينطبق على الامام من اهل البيت، ويؤيد هذا المعنى قول الامام في ذيل الرواية: «فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه، فان فينا اهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين»[66] فيكون المراد بالعلماء ائمة اهل البيت (ع) ولا يشمل غيرهم.
وما قيل[67] بان قوله (ع) "فمن اخذ بشيء منها فقد اخذ حظا وافرا" لا ينطبق على الامام انما ينطبق على الفقيه، فلا محالة يكون المراد من العلماء الفقهاء ففيه: ان الاخذ ليس هو العالم بل الشخص الاخذ عن العالم، فحيث ان الفقيه ورث النبي (ص) حديثه وسنته، فيكون الاخذ منه اخذا بالحظ الوافر... لا ان العالم قد اخذ بالحظ الاوفر؛ لانه ورث حديث رسول الله (ص).
* الدليل السادس:
ما اورده الفقيه عن رسول الله (ص) انه قال:
"اللهم ارحم خلفائي قيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال:
الذين يأتون من بعدي يروون حديثي وسنتي"[68] وزاد في المجالس: "ثم يعلمونها"[69]، وفي صحيفة الرضا (ع) زيادة هي: «فيعلمونها الناس من بعدي»[70]. وتقريب الاستدلال بهذه الرواية ان يقال: ان لفظ الخليفة يطلق على الشخص الذي يستخلف آخرا مطلقا او في جهة خاصة. (فزيد خليفة محمد) مثلا، اي قائم مقامه وممثله في مناصبه القابلة للاستخلاف.
فاذا قال النبي (ص) رواة الحديث خلفائي يعني انه (ص) جعلهم في مقامه ومناصبه والتي منها ولايته على الناس والاموال.
فلفظ الخليفة يطلق على الشخص الذي يتولى شؤون الناس بجعل من المستخلف ـ بكسر الخاء ـ ولهذا ورد عن الشيعة والسنة ان النبي (ص) قال اول البعثة لعشيرته مشيرا الى علي (ع): «ان هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له واطيعوا»[71] وقد دل هذا الحديث على ان عليا (ع) الامام والخليفة بعد رسول الله (ص)، وكذلك هنا نثبت الولاية للفقهاء لانهم خلفاء رسول الله، وبهذا اطلق لفظ (خليفة رسول الله) على المتولين من بعده، ومن المعلوم ان اولئك الاشخاص كانوا يعتقدون ان لهم الولاية على الناس.. لانهم خلفاء رسول الله (ص).
وذكرت عدة اشكالات على التمسك بهذه الرواية لابد من الاشارة اليها:
الاشكال الاول: "ان قوله (ع): «فيعلمونها الناس من بعدي" له ظهور قوي في تقييد الخلافة، وان الغرض منها هو الخلافة عنه (ص) في التعليم والتبليغ، واحتفاف الرواية بما يصلح للقرينة على عدم ارادة ذلك المعنى مانع من انعقاد الاطلاق، فاثبات الخلافة عنه (ص) في الولاية والقضاء يحتاج الى دليل اقوى من ذلك، وعدم وجود الذيل في بعض النقول لا يوجب الحكم بالاطلاق فيه اذ الظاهر كون الجميع رواية واحدة ربما نقلت تامة وربما نقلت مقطعة، والتقطيع في نقل الاحاديث كان شائعا»[72] وقال الايرواني:
الخلافة مقولة بالتشكيك، فالخليفة في جميع ما يرجع الى الشخص له مرتبة من الخلافة، والخليفة في بعض الجهات له مرتبة اخرى، والاضافة تفيد العموم في حق كل من هو خليفة في جهة او في جهات، والذين يأتون بعده ويروون حديثه يشمل الائمة الذين هم خلفاؤه في كل الجهات، والعلماء والرواة الذين لا يعلم حد خلافتهم، فلعل خلافتهم نشر الاحكام وابلاغها كما يناسبه لفظ (يروون حديثي) او هو مع فصل الخصومات، ولا دلالة في هذه العبارة على تعيين مرتبة الخلافة. نعم، لو قال: (زيد خليفتي) واطلق اقتضى ذلك الخلافة العامة وفي كل الجهات".
والجواب[73]: ان هذا الاشكال، واعتبار الذيل قرينة على ان النبي (ص) اراد اثبات مجرد الاستخلاف في الرواية للفقيه غير صحيح؛ وذلك لان الذيل ورد على سبيل التفسير والمعرف لشخص الخليفة، وليس فيه جعل الخلافة للفقيه ليقال بان الظاهر فيه مجرد الاستخلاف في رواية الحديث.
ويشهد على ذلك عدة قرائن:
القرينة الاولى: ان الذيل ورد بعد سؤال السائلين عن رسول الله (ص) عن هوية هذا الخليفة، ولم يرد مباشرة في كلام النبي (ص) ليقال بانه في مقام جعل الخلافة للفقيه في خصوص رواية الحديث.
القرينة الثانية: ان الخلفاء المذكورين في كلام رسول الله (ص) اشخاص في غيب المجهول، وهم يأتون بعد وفاة رسول الله (ص)، فمن الطبيعي حينئذ السؤال عن المعرف لهذا الخليفة، وهل المناط في الاستخلاف مجرد تولي السلطة ليكون ذلك الشخص خليفة رسول الله (ص) ام هناك معرف آخر لشخص الخليفة؟ فرفع النبي (ص) هذا الغموض من خلال بيان ان خلفاءه الذين يحفظون سنته ويروون رواياته.
الاشكال الثاني: «ان اطلاق الخليفة وكذلك اطلاق قوله (ص):
"يروون حديثي" يقتضيان ان نقول: ان شؤون النبي (ص) باجمعها من وجوب طاعته ونفوذ تصرفه في الامور العامة والشخصية والاموال والانفس ثابتة للراوي، وهذا مقطوع العدم»[74].
وفيه: لا يوجد دليل على استحالة ثبوت الولاية للفقيه، فلو دل دليل على ثبوت تلك الولاية لشخص ـ كالفقيه ـ فلا محالة تثبت بمقتضى ذلك الدليل. نعم، الراوي بما هو راو لم تثبت له ولاية بالاجماع المركب، الا ان اصل الدعوى ثبوت تلك الولاية للفقيه وليس للراوي، وهذا غير مقطوع العدم.
الاشكال الثالث: لقد ورد في ذيل الرواية قوله (ص) «يروون حديثي وسنتي» فالولاية ثابتة اذن للراوي بما هو كذلك، وهو اعم من الفقيه.
والجواب:
اولا: الظاهر ان المراد (بالراوي للحديث) في حديث النبي (ص) ليس مجرد النقل لالفاظ الحديث، بل المراد ذلك النقل من الراوي الذي يفقه تلك الروايات ويستنبط منها احكام الشريعة ويعرف صحيحها من مدسوسها؛ اذ من البعيد جدا ثبوت تلك المرتبة من الولاية للراوي لمجرد روايته الحديث.
وثانيا: ان النقول التي وردت فيها جملة (فيعلمونها الناس من بعدي) ظاهرها الفقيه؛ لانه هو الذي يمارس التعليم، لا الراوي الذي وظيفته نقل الرواية فقط، اما الروايات الخالية من هذه الجملة فانا نحتمل ان هذه الجملة سقطت من قلم النساخ؛ اذ سقوط بعض فقرات الرواية يقع في نقل الروايات، بخلاف الزيادة فيها فانه نادر[75].
الاشكال الرابع: ان الخلفاء المقصودين في الرواية هم اهل بيت النبوة علي وبنوه (ع)؛ وذلك لقرينتين:
القرينة الاولى: ان النبي قد نص على الائمة وانهم خلفاء بعده، فلا محالة هم الذين قصدهم النبي (ص) في هذه الرواية.
الثانية: ان الذين يعرفون احاديث النبي (ص) الواقعية وسنته الصحيحة انما هم عترته الطاهرة، اما غيرهم فهم لا يعلمون حديثه وسنته (ص) على وجه الجزم.
والجواب: لا موجب لتخصيص الخلفاء باهل البيت (ع)؛ اذ النبي (ص) يشرع لجميع الازمنة لا لعصر الائمة من اهل البيت (ع) فقط، وعليه لا مانع من كون الخلفاء في عصر الائمة (ع) هم اهل البيت (ع)، وفي زمان الغيبة هم الفقهاء، وان كانت ولاية الامام اعظم من ولاية الفقيه، الا انهما يشتركان في اصل الولاية على الوقائع الراجعة للعباد والبلاد.
الاشكال الخامس: «ان دلالة الرواية تثبت خلافة الرواة، وهذا مجزوم العدم، وحمله على الائمة (ع) تخصيص مستهجن، فلا محالة تكون الرواية مجملة، فتسقط عن الحجية»[76].
والجواب عليه: انه تقدم منا استظهار ان المراد بالرواة هم الفقهاء بقرينة ما ورد في ذيل نفس الرواية في بعض النسخ، وان الولاية منصب خطير لا يجعل للراوي بما هو راو.
* الدليل السابع:
ما رواه في الكافي عن علي عن ابيه عن النوفلي عن السكوني عن ابي عبد الله (ع) قال: «قال رسول الله (ص) الفقهاء امناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال: اتباع السلطان، فاذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم»[77].
وتقريب الاستدلال بهذه الرواية على ولاية الفقيه ان يقال: ان الامين هو الحافظ، فالفقيه حافظ في جميع الامور المرتبطة بالرسول، وحيث لم يقيد الامانة بشيء اذ لم يقل امناء الرسل في تبليغ الاحكام او امناء الرسل في شؤون العقيدة، فلا محالة ينعقد اطلاق يشمل جميع مقامات النبي (ص) ومناصبه، فيكون الفقيه واليا على الناس وحافظا لشؤون الناس كما كان كذلك.
واورد على هذا التقريب عدة اشكالات:
الاشكال الاول: ما قيل من ان مفاد الحديث هو ثبوت الامانة للفقيه لا اكثر من ذلك، وليس الحديث ناظرا الى ما يؤتمن عليه، فلا يمكن اثبات دخول الولاية في موارد امانة الفقيه عن الرسل[78].
ويرد عليه: ان اثبات الامانة للفقيه في الحديث استطراق الى اثبات ان اعمال الرسل (ع) انما يقوم بها الفقهاء، لانهم امناء لهم، ومن تلك الاعمال رعاية شؤون الناس وتبليغ الاحكام والولاية على الناس.
الاشكال الثاني: ما افاده المحقق الايرواني (قدس سره) بقوله:
"الامانة تكون في الودائع، والوديعة المستودعة عند العلماء هي الاحكام، فتختص الرواية بمقام الفتوى دون اعطاء سائر مناصب الرسل ووظائفهم، فان لفظ الامناء اجنبي عن مقام اعطاء المناصب"[79].
والجواب: اذا كان لفظ الامانة يختص بالوديعة فلماذا جاز ان تكون هذه الوديعة هي الفتوى دون الولاية مع ان كلا الامرين من وظائف النبي (ص) ومن ودائعه التي تركها؟
الاشكال الثالث: «ما قيل من ان العرف بتناسب الحكم والموضوع يفهم من قوله (ص): «ان العلماء امناء الرسل» كونهم امناء في ابلاغ الاحكام وحفظها. وان شئت فقل: ان اعطاء المنصب للعلماء يناسب التعبير بالخليفة كما ان كونه امينا يناسب كونه مبينا للاحكام، والذي يؤيد ذلك ما ذكر في ذيل الرواية حيث قيل: يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال:
اتباعهم السلطان، وجه التأييد انه يفهم من الرواية ان الفقيه مادام لم يتبع السلطان، فان هذا المنصب ثابت له، ومن الظاهر ان المراد من الامانة لو كانت الحكومة، فلا يتصور له حكومة في الخارج مع وجود السلطان، واما بيان الاحكام فامر ممكن مع وجود السلطان»[80].
وفي كلامه موقعان للنظر:
اما اولا: فان ما ذكر من ان لفظ الامانة يناسب تبليغ الاحكام ومبينا لها لم نعرف له وجها؛ اذ كما يطلق الامين على خليفة رسول الله (ص) في تبليغ الاحكام، ولهذا ورد في زيارة الامام «السلام عليك يا امين الله على خلقه» يطلق على سائر موارد الائتمان، وحينئذ فمقتضى عدم ذكر متعلق الامانة ثبوتها في مطلق مقامات النبي (ع)، ومع بيان امانة خاصة فلا محالة ينعقد معنى الامانة وفق ذلك البيان.
واما ثانيا: فان ما ذكر من قرينة على اختصاص الامانة ببيان الاحكام من ان الرواية فرضت وجود السلطان، ولا معنى لثبوت الولاية للفقيه مع وجود السلطان.
فيه: ان عدم اتباع السلطان يشمل جميع مساحات النشاطات والاعمال الفردية، فالفقيه الذي لا يتبع السلطان في فتاويه وفي احكامه المرتبطة بالناس عبارة اخرى عن ثبوت الولاية له، ووجود السلطان لا يضر بثبوت تلك الولاية للفقيه، كما لم يضر ثبوت الولاية للائمة (ع) وجود السلاطين الطغاة على امتداد عصورهم.
نعم قد يقال: ان المقصود لو كان هو ثبوت الولاية للفقيه المناظرة للسلطان الذي يرجع اليه الناس في امورهم، فان هذا المعنى لا يتم مع الذيل المذكور الذي افترض وجود سلطان ظالم في الحكم ودخالة عدم اتباع الفقيه له في ثبوت الامانة؛ اذ هذا الفرض يشكل قرينة على عدم جعل الولاية الفعلية المناظرة لولاية السلطان للفقيه، فينبغي حمل الامانة على التبليغ وبيان الاحكام.
* الدليل الثامن:
ما رواه في التهذيب باسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن احمد ابن محمد عن الحسين بن سعيد عن ابي الجهم عن ابي خديجة قال: بعثني ابو عبد الله (ع) الى اصحابنا فقال: قل لهم: «اياكم اذا وقعت بينكم خصومة او تداري في شيء من الاخذ والعطاء ان تحاكموا الى احد من هؤلاء الفساق، اجعلوا بينكم رجلا قد عرف حلالنا وحرامنا فاني قد جعلته عليكم قاضيا، واياكم ان يخاصم بعضكم بعضا الى السلطان الجائر»[81].
يمكن تقريب الاستدلال بهذه الرواية باحد الوجوه التالية:
الوجه الاول: ان نظر الامام (ع) الى جعل اصل الولاية لمن عرف حلال وحرام اهل البيت (ع) وسلب الولاية عن المقابل، وهذا وجه متين تعضده الرواية السابقة عن عمر بن حنظلة. والقرينة على ذلك ذكر السلطان الجائر، فانه الذي يقابل السلطان العادل وان لم يبسط نفوذه.
الوجه الثاني: ان الامام (ع) في مقام جعل الولاية للفقيه المقابلة لولاية السلطان الجائر بقرينة تحريم الرجوع اليه بعنوانه، وليس بعنوان قاضي الجور، والولاية للسلطان الجائر ولاية عامة وان كان يمارسها ظلما وعدوانا، فتكون الولاية للفقيه ولاية عامة ايضا.
الا ان الاشكال في هذا الوجه هو ان الرجوع الى السلطان الظالم في الرواية لم يؤخذ مطلقا كما في مقبولة عمر بن حنظلة، انما اخذ عند التخاصم، فلا محالة يراد به الرجوع الى السلطان لحسم مسائل النزاع الواقعة بين المتخاصمين، وهذه الولاية ثابتة للفقيه بلا اشكال.
الوجه الثالث: ما اشار اليه الامام الخميني (قدس سره) من انه لا يبعد ان يكون القضاء اعم من القضاء المربوط بالقاضي ومن القضاء المربوط بالسلطان، قال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم}[82].
بل رواية ابي خديجة شاهد على ذلك[83] الا انه لا يخلو من تأمل؛ اذ القضاء وان كان (لغة) مطلق التقدير والامر، الا ان كثرة استعمال لفظ (القاضي) في خصوص الشخص الذي يفصل في المنازعات المربوطة بالقضاء لا المربوطة بالسلطان، وكذلك كثرة اطلاق لفظ القضاء في لسان الروايات والمتشرعة على خصوص المعنى الاخص، اوجب انصراف افي لفظ القضاء والقاضي الى المعنى الاخص، فحمله على المعنى الاعم بحاجة الى قرينة. ولكن قد يقال بوجود هذه القرينة، وهي العدول عن ذكر القضاة الى السلطان الجائر، بل يبدو منه (قدس سره) ان القرينة على ذلك تكرر التحذير، فتحذيره الاول يرتبط بالقضاة، ومعناه عدم الرجوع اليهم في منازعات باب القضاء.
وتحذيره الثاني يرتبط بالسلطان الجائر، ومعناه عدم الرجوع اليه في ما يرتبط بالسلطان، وهي المنازعات التي يراد من السلطان رفع التعدي والتجاوز فيها، لا فصل الخصومة.
* الدليل التاسع:
ما رواه صاحب الكافي عن علي بن محمد عن سهل بن زياد عن علي بن اسباط عن عمه يعقوب بن سالم عن داوود بن فرقد قال: قال ابو عبد الله (ع): «ان ابي كان يقول: ان الله عز وجل لا يقبض العلم بعد ما يهبطه، ولكن يموت العالم فيذهب بما يعلم فتليهم الجفاة فيضلون ويضلون، ولا خير في شيء ليس له اصل»[84].
وتقريب الاستدلال بهذه الرواية ان يقال: ان الامام الباقر (ع) فرض تولي الظلمة الجفاة للحكم بعد موت الفقيه، وهذا يعني ان الفقيه حال حياته له الولاية على الامة وله ان يمارسها شرعا، فلا يستطيع الظالم شرعا تولي امور الناس.
ولكن قد يقال بان ذلك لا يدل على ثبوت الولاية للفقيه، ان ما يدل على ان الفقيه يرشد الامة ويعلمها طريق الهداية، فلا يضلها الوالي الظالم؛ لان الفقيه يهذب الامة ويعلمها ويرشدها، فاذا مات ارتفع امام السلطان الظالم هذا المانع ويستولي على مقادير الامة ويسوقها نحو الضلال. وقد يقال ايضا انه: في اصل ارتباطها بالظلمة من الحكام تأمل. ومجرد قوله (ع) فتليهم الجفاة لا يدل على ذلك؛ اذ قد يراد بهم من لا علم لهم ممن جفا اهل البيت (ع)، ولم يكن لعلمه اصل واساس في قبال اهل البيت (ع) الذين استمدوا علمهم من رسول الله (ص)، بملاحظة قوله (ع): "ولا خير في شيء ليس له اصل".
* الدليل العاشر:
ما رواه صاحب الكافي عن محمد بن يحيى عن احمد ابن محمد عن ابن محبوب عن علي بن حمزة قال:
سمعت ابا الحسن موسى ابن جعفر (ع) يقول: "اذا مات المؤمن بكت عليه ملائكة السماء وبقاع الارض التي كان يعبد الله عليها، وابواب السماء التي كان يصعد فيها باعماله، وثلم في الاسلام ثلمة لا يسدها شيء؛ لان المؤمنين الفقهاء حصون الاسلام كحصن سور المدينة لها»[85].
وتقريب الاستدلال بهذه الرواية على ولاية الفقيه ان يقال: ان قوله (ع): «لان المؤمنين الفقهاء حصون الاسلام» شبه فيه الفقيه بالحصن للمدينة والحصن للمدينة يحفظها من هجوم الاعداء، وحفظ الاسلام يكون بتطبيقه وبسط الحق بين الناس، واستيفاء الحقوق؛ اذ مع فقدان ذلك سوف تتيه الناس. وتضيع الامة، وذلك معناه ثبوت الولاية للفقيه؛ اذ ليس الولاية الاذلك.
وقد يقال في قبال هذا الاستظهار ان: لفظ حصون الاسلام كناية عن ان بهم يتم الحفاظ عليه من الاعداء وما يلحق به الضرر كما في حصن المدينة، وهذا حاصل بمحض وجودهم ومجاهداتهم العلمية والتبليغية، ولا يتوقف على ولايتهم العامة وحكومتهم، بل ان الرواية لما كانت في مقام الاخبار، فانما تخبر عن انهم حصون الاسلام من هذه الجهة، والا فكونهم حصون الاسلام بولايتهم وحكومتهم خلاف الواقع؛ اذ لا نجد لهم هذه الصفة على مرالعصور الا فيما ندر، فكيف يخبر (ع) عن شيء لا اثر له.
* الدليل الحادي عشر:
ما رواه الصدوق (قدس سره) عن ابيه عن سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد الاصفهاني عن سليمان بن داود المنقري عن جعفر بن غياث قال: سالت ابا عبد الله (ع): من يقيم الحدود السلطان او القاضي؟ فقال: «اقامة الحدود الى من اليه الحكم»[86].
وتقريب الاستدلال بهذه الرواية ان يقال: ان الامام (ع) جمع بين اقامة الحدود والولاية، وحصرهما بشخص واحد، فالذي يقيم الحدود هو الولي، وحيث ثبت ان اقامة الحدود انما هي للفقيه، فلا محالة يكون حاكما بنص هذه الرواية؛ اذ الذي يقيم الحدود هو الحاكم، والفقيه يقيم الحدود فهو الحاكم، اذ لو قلنا بثبوت اقامة الحدود للفقيه دون اقامة الحكم لزم الفصل بين المنصبين المنفي في الرواية. وتدل الرواية بمفهومها على عدم ولاية الفاسق بنفس التقريب السابق، اي حيث دل النص والاجماع على حرمة الرجوع الى السلطان الجائر وخاصة في المنازعات والحدود دل ذلك على عدم ولايته ايضا؛ اذ الشخص الذي لا يجوز له اقامة الحدود لا يكون له الحكم.
وقد اشكل على هذه الرواية بان ما قاله (ع) هو الى من اليه الحكم، وهذه كلمة مجملة، فكما يمكن ان يراد من الحكم فيها الولاية، فكذلك يمكن ان يراد منه الحكم القضائي بتقريب انه يوجد امران في موارد الحدود: الاول: الحكم الصادر باقامة الحد، وهذا مربوط بالقاضي. والثاني: تنفيذ الحكم واقامة الحد، وهذا قابل لان يتصدى له القاضي والحاكم ايضا، لذلك سأل السائل عمن له التصدي في ذلك وجواب الامام (ع) يحمل ايضا، ولعله تقية من السلطان، هذا لو لم نقل بظهوره في القاضي، لانه المرجع في احكام الحدود.
والجواب: لا اجمال في لفظ الحاكم في ضوء ما تقدم من رواية عمر بن حنظلة، فانه اما يدل على معنى الولي والسلطان واما الاعم منه ومن القاضي.
فالرواية تامة الدلالة على ولاية الفقيه، ولو مع ضميمة الروايات التي دلت على جعل ولاية اقامة الحدود للفقيه.. نعم لو حملت الرواية على التقية وان الامام (ع) اراد نفسه، فالذي يقيم الحدود هو الامام (ع) لانه اليه الحكم، ولكنه (ع) عبر بذلك تقية، فحينئذ قد تشكل دلالة هذه الرواية لان ثبوت الحكم واجراء الحدود للامام (ع) شيء مسلم عندنا، انما الكلام في ثبوت ذلك للفقيه.
هذا تمام الكلام في الروايات التي استدل بها على ثبوت الولاية للفقيه، فهي وان كان في بعضها ضعف في دلالتها، ولكن دلالة بعضها الآخر على ثبوت الولاية للفقيه نظير مقبولة عمر حنظلة والتوقيع الوارد عن اسحاق بن يعقوب وافية بالمطلوب.
القسم الثاني ـ الادلة العقلية
* الدليل الاول:
وهو يتألف من مقدمتين:
المقدمة الاولى: ان احكام الله لازمة الاجراء في حياة الفرد والمجتمع، ولا يجوز تعطيل شيء منها؛ اذ الاسلام لكل عصر ولكل مجتمع، وليس مختصا بالمجتمع الذي عاصر الرسول (ص) والائمة الاطهار (ع).
المقدمة الثانية: ان الحكومة مقدمة لازمة لاقامة احكام الله، ومقدمة الواجب واجبة ايضا كما يذكر في علم الاصول. فتثبت الولاية للفقيه.
ولكن هذا الاستدلال لا يخلو من ضعف؛ اذ يرد على المقدمة الثانية:
اولا: قد تمنع مقدمية الحكومة لاقامة احكام الله؛ اذ لا ملازمة تكوينية بين الحكومة وبين اقامة احكام الله.
الا ان هذا الاشكال غير وارد؛ اذ ليس المراد بالمقدمية العلية لاقامة احكام الله ليقال بعدم التلازم بينهما خارجا، بل المقصود انها تتيح تطبيق احكام الله لو اراد الحاكم ذلك اي ان اختيار الحاكم واعتماد الحكومة وسيلة لاقامة احكام الله كاف في اسباغ وصف المقدمية عليها، ولا حاجة الى ثبوت وصف المقدمية خارجا كمقدمية السفر للحج.
ثانيا: لا دليل على وجوب مقدمة الواجب الا دعوى الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته، وقد يقال بعدم ثبوت هذه الملازمة بينهما.
ولكن يرد على هذه المناقشة ان مجرد عدم الملازمة لا ينفي الحكم العقلي بالوجوب الذي هو المطلوب؛ لان الكلام في حكم العقل لا الشرع. نعم لو كان الكلام في اثبات الولاية بدليل شرعي مستكشف بدليل عقلي لتمت المناقشة، لكن الامر لم يكن كذلك.
ثالثا: لو سلم ثبوت الوجوب الشرعي للمقدمة وقلنا بوجوب جميع المقدمات لا المقدمات الموصلة فقط فان هذا الوجوب الغيري انما يسري الى المقدمات المباحة اصالة، او على اقل تقدير المقدمة المنحصرة كما اذا كان وجوب ذي المقدمة اهم من حرمة المقدمة. اما لو قلنا بان الوجوب لا يسري الى المقدمة التي لا يعلم باباحتها وفائدة ذلك صرف المكلف الى المقدمات المباحة فانه يرد اشكال وهو احتمال حرمة التصدي للولاية؛ اذ لا يعلم بثبوت الولاية الا فيما علم ارادة الشارع تحققه ولو من غير الفقيه، او علم بنحو الجزم ارادته من الفقيه كالقضاء، اما سائر انحاء الولاية فهي غير معلومة الاباحة فلا يسري اليها الوجوب من ذي المقدمة، ثم على تقدير تمامية المقدمتين، فان النتيجة هي وجوب اقامة الحكومة، وهي لا تلازم ثبوت الولاية للفقيه، فقد تجب الحكومة ولكن من دون ولاية للفقيه كما قيل بذلك.
* الدليل الثاني:
ما ذكره الاصفهاني (قدس سره) في حاشيته على المكاسب بالقول: «وربما يستدل لعموم ولاية الفقيه بوجه عقلي ومحصله: ان ما ثبت للامام (ع) من حيث رئاسته الكبرى، وهي الامور التي يرجع فيها المرؤوسون من كل ملة ونحلة الى رئيسهم اتقانا للنظام فهي ثابته للفقيه؛ اذ فرض هذا الموضوع فرض نصب الرئيس لئلا يلزم الخلف من ايكال امره الى آحاد الناس، فيدور الامر في الرئيس المنصوب بين ان يكون هو الفقيه او شخص خاص آخر، والاخير باطل قطعا، فتعين الاول»[87].
ويمكن توضيح هذا الاستدلال بالقول: ان هناك امورا عامة يرجع الناس فيها الى الامام او الحاكم، بلا فرق بين زمان وآخر، فلا بد من الرئيس لتولي هذه الشؤون؛ لان توليها من قبل الافراد اما على خلاف السيرة القطعية اوعلى خلاف المصلحة، وفي زمان الغيبة اما ان ترجع هذه الامور العامة الى الفقيه او غيره، والثاني باطل، فيتعين الاول.
وهذا الدليل يرد عليه:
اولا: ان ثبوت الولاية للامام في الامور التي يرجع المرؤوس الى رئيسه انما هي ثابتة بوصفه اماما قد نصبه الله ورسوله مرجعا للعباد وامينا في البلاد، وليس الرجوع اليه كسائر رجوع المرؤوسين الى رئيسهم؛ اذ ما لم يكن الجعل منتهيا الى الله، فهو طاغوت يعبد من دون الله، وما لم يكن الرجوع الى الرئيس باذن الله او اذن وليه فهو رجوع باطل.
فالرجوع للامام في امور العباد بوصفه اماما وليس بوصفه رئيسا كسائر الرؤساء، والمفروض انه لا دليل على الرجوع الى الفقيه؛ اذ لا نص خاصا عليه حسب الفرض، وبعبارة اخرى: ان هذا القياس قياس مع الفارق؛ اذ الامام قد نص عليه وهو معصوم، والفقيه ليس كذلك.
وثانيا: لو اردنا ان نتشبث بهذا الدليل لكان مقتضاه نفي ولاية نفس الائمة المعصومين؛ اذ الناس لم ترجع اليهم في حياتهم لادارة شؤونهم السياسية والعامة من تحريك الجيوش وبسط النفوذ واصلاح الارض وتعمير البلاد.. مع ان هذا نقطع ببطلانه..
اذ للامام الولاية حتى لو قضى عمره في قعر السجون كما هو الحال بالنسبة للامام الكاظم (ع).
وثالثا: بل لو تمسكنا بهذا الدليل لاجزنا ولاية اي انسان يتصدى لامور العباد لان مبرر ثبوت الولاية هو رجوع المرؤوسين في امورهم العامة الى الرئيس، والمفروض ان هذا الشخص يتصدى فعلا لادارة البلاد.. حتى لو كان هذا الشخص غير فقيه؛ اذ الناس ترجع للمتصدي للامور سواء كان فقيها او لم يكن فقيها، والمفروض ان ثبوت الولاية يستند على مجرد رجوع المرؤوسين الى الرئيس، وهو حاصل في غير الفقيه.. وهذا باطل جزما.
* الدليل الثالث:
ما ذكره في مصباح الفقاهة بالقول: «ان الولاية في الامور العامة بحسب الكبرى ثابتة عند العامة بالسيرة القطعية، وان اشتبهوا في صغرى ذلك وتطبيقها على غير صغرياتها، الا ان ذلك لا يضر بقطعية الكبرى الثابتة بالسيرة. اما الصغرى فهي ثابتة بالعلم الوجداني؛ اذ بعد ثبوت الكبرى فالامر يدور بين تصدي غير الفقيه على التصرف في الامور العامة، وبين تصدي الفقيه فيكون مقدما على غيره، وبالجملة نثبت الكبرى بالسيرة القطعية والصغرى بالعلم الوجداني»[88].
ويرد عليه: انا نسأل عن هذه السيرة القطعية التي نثبت بها الولاية؟ فان كانت هي السيرة التي عاصرت الائمة المعصومين (ع)، والتي بسكوتهم عنها نستكشف حجيتها فان هذه قدرها المتيقن هو ثبوت الولاية للامام من اهل البيت (ع) وليس ثبوت الولاية لشخص مجمل او لشخص مجهول او لشخص معلوم الفسق ليقال بثبوت اصل الكبرى في هذا الدليل، وان كانت هي السيرة العامة في عصر الغيبة فانا لا نحرز هذا الامضاء لاحتمال كون الولاية خاصة بالامام (ع)، ولا نحرز ذلك القدر المتيقن مع هذا الاحتمال ليقال بثبوتها للفقيه في زمان الغيبة.
والجواب: ان الامام (ع) انما يلحظ الزمان بامتداده الطويل وحاجة الشيعة والامة الاسلامية الى وال، ولا ينظر الى زمانه او زمان سائر الائمة فقط، فيكون في الدليل قدر متيقن وهو الفقيه. وسوف يأتي ذكر هذا الوجه بشكل اكثر تفصيلا عند ذكر دليل سيرة المتشرعة، فانتظر.
* الدليل الرابع:
وهو يتألف من مقدمتين:
المقدمة الاولى: ان المسلمين مكلفون بتشكيل الحكومة بنحو الوجوب النفسي؛ وذلك لان الحكومة من ابرز مظاهر قوة المسلمين ووحدتهم، وقد امر الله باعداد القوة بقوله: {واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوالله وعدوكم وآخرين من دونهم}[89]. ولا اشكال في ان الحكومة من مصاديق القوة التي امر الله باعدادها، بخلاف التشرذم والتنازع والتفكك الذي نهى الله تعالى عنه بقوله: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}[90].
المقدمة الثانية: وحينئذ يدور امر ادارة الحكومة بين الفقيه وغيره، والثاني معلوم البطلان فيتعين الاول.
ويرد عليه: ان المقدمة الثانية لا تخلو من نقاش اذا فرضنا عدم دليل على تقدم الفقيه على غيره من عدول المؤمنين في تولي امر الحكومة.
* الدليل الخامس:
وهو يتألف من مقدمتين ايضا:
المقدمة الاولى: ان العقل حاكم بضرورة الحكومة الاسلامية؛ اذ «ان الاحكام الالهية سواء الاحكام المربوطة بالماليات، او السياسيات، او الحقوق لم تنسخ، بل باقية الى يوم القيامة، ونفس بقاء تلك الاحكام يقضي بضرورة حكومة وولاية تضمن حفظ سيادة القانون الالهي وتتكفل لاجرائه، ولا يمكن اجراء احكام الله الا بها، لئلا يلزم الهرج المرج، مع ان حفظ النظام من الواجبات الاكيدة، واختلال امور المسلمين من الامور المبغوضة، ولا يقوم بهذا ولا يسد هذا الا بوال وحكومة. مضافا الى ان حفظ ثغور المسلمين عن التهاجم وبلادهم عن غلبة المعتدين واجب عقلا وشرعا، ولا يمكن ذلك الا بتشكيل الحكومة، وكل ذلك من اوضح ما يحتاج اليه المسلمون، ولا يعقل ترك ذلك من الحكيم الصانع، فما هو دليل الامامة بعينه دليل على لزوم الحكومة بعد غيبة ولي الامر عجل الله تعالى فرجه الشريف سيما مع هذه السنين المتمادية، ولعلها تطول والعياذ بالله الى آلاف من السنين، والعلم عنده تعالى. فهل يعقل من حكمة الباري الحكيم اهمال الملة الاسلامية وعدم تعيين تكليف لهم؟ او رضي الحكيم بالهرج والمرج واختلال النظام؟! ولم يأت بشرع قاطع للعذر لئلا تكون للناس عليه حجة؟[91].
ثم يتابع الامام الخميني (قدس سره) بالقول: «فان لزوم الحكومة لبسط العدالة والتعليم والتربية وحفظ النظم ورفع الظلم وسد الثغور والمنع عن تجاوز الاجانب من اوضح احكام العقول من غير فرق بين عصر وعصر او مصر ومصر»[92].
المقدمة الثانية: «ان الحكومة الاسلامية لما كانت حكومة قانونية بل حكومة القانون الالهي فقط ـ وانما جعلت لاجل اجراء القانون وبسط العدالة الالهية بين الناس ـ لابد في الوالي من صفتين هما اساس الحكومة القانونية، ولا يعقل تحققها الا بهما:
احداهما العلم بالقانون، وثانيتهما العدالة، ومسألة الكفاية داخلة في العلم بنطاقه الاوسع، ولا شبهة في لزومها في الحاكم ايضا، وان شئت قلت: هذا شرط ثالث من اسس الشروط. فان الجاهل والظالم والفاسق لا يعقل ان يجعلهما الله تعالى اولياء على المسلمين وحكاما على مقدراتهم وعلى اموالهم ونفوسهم مع شدة اهتمام الشارع الاقدس بذلك، ولا يعقل تحقق اجراء القانون بما هو حقه الا بيد الوالي العالم العادل»[93].
فالعالم والعادل اي الفقيه هو القدر المتيقن الذي له الولاية بعد الفراغ من لزومها شرعا وعقلا وذاتا وطريقا (اي مقدمة) بخلاف غيره، فتثبت للفقيه الولاية دون غيره. وهذا الدليل امتن الادلة، الا ان صيغته المطروحة صيغة عامة يمكن اختصارها بصيغة من الصيغ التالية:
الصيغة الاولى: ان اقامة الحكومة الاسلامية من باب المقدمات الوجودية للواجبات المعلومة في الشريعة الاسلامية نظير السفر للحج، فان وجوب السفر امر مفروغ منه بوصفه مقدمة وجودية للحج، وكتهيئة السلاح للجهاد فانه مقدمة وجودية للجهاد تجب بوجوبه.. وكذلك الحال في الحكومة، فانها مقدمة وجودية للكثير من الواجبات في الشريعة الاسلامية كاقامة الحدود وحفظ النظام وامن البلاد ودفع العدو، فان جميع هذه الامور واجبة شرعا وحيث ان هذه الامور لا يمكن القيام بها بصورة فردية، بل لا بد من الحكومة، فتكون الحكومة مقدمة وجودية فتجب اقامتها، ويكون على رأسها العارف بتلك الواجبات.
الصيغة الثانية: لو لم تجب الحكومة الاسلامية لزم لغوية الكثير من الخطابات الشرعية نظير الامر باقامة الحدود {والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة}[94] وغيرها من خطابات لزوم اقامة الحدود ونظير الامر باعداد القوة لارهاب عدو الله: {واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل}[95].
ونظير الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كما في قوله تعالى: {ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون}[96] بناءا على ان المراد بالامة هنا هي الدولة كما هو احد تفسيرات الآية، وما شاكل ذلك من الخطابات التي لوحظ فيها الجماعة او حيثية عامة؛ اذ مع عدم اقامة الحكومة فانه لا يمكن اجراء حدود الله كما اراد، كما لا يمكن عمليا اعداد القوة اللازمة لارهاب العدو. ولذلك نجد بعد سقوط الدولة الاسلامية توقف العمل بكثير من الاحكام الالهية، وسبب ذلك يرجع الى ان اجراء تلك الاعمال منوط بهيئة عامة تتولى متابعة تلك الاحكام وتنفيذها على الساحة الاجتماعية.
الصيغة الثالثة: اذا لم تجب اقامة الحكومة يلزم تخلف الغرض من كثير من مقاصد الاسلام والشريعة الالهية، فمن مقاصد الشريعة ازالة الفحشاء والمنكر وتطهير النفوس وتربية العقول على الايمان بالله وعلى الافكار الشامخة.. وهذا الوجه يختلف عن الوجه الذي قبله؛ اذ ذلك كان مرتبطا بالخطابات الشرعية ولازما بلزوم امتثالها، وهنا الحكومة لازمة لاجراء الاهداف والمقاصد التي يسعى الشارع لتحقيقها نظير نشر التعليم والتزكية والهداية وحفظ الاسرة والمجتمع واقامته على اساس متين.. ومن الواضح ان بعض هذه الامور ـ اذا لم نقل كلها ـ لا يمكن تحقيقه من دون وجود حاكم اسلامي يخطط لانجاز تلك الاهداف، ويصرف عليها الاموال الطائلة. يقول الفيض الكاشاني: «فوجوب الجهاد، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعاون على البر والتقوى والافتاء، والحكم بين الناس بالحق، واقامة الحدود والتعزيرات، وسائر السياسات الدينية، من ضرورات الدين، وهو القطب الاعظم في الدين، والمهم الذي ابتعث الله له النبيين، ولو تركت لعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفتنة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، وخربت البلاد، وهلك العباد، نعوذ بالله من ذلك»[97].
وقد اشكل على المقدمة الثانية: بـ: «ان الاخذ بما هو المتيقن انما يتصور عندما يتردد الامر بين دائرة واسعة ودائرة اخرى ضيقة تقع ضمن الدائرة الواسعة، فيقال ان الدائرة الضيقة متيقنة على اي حال. اما اذا تردد الحال بين فروض متباينة مختلفة عن بعضها، فلا معنى لافتراض قدر متيقن فيه.
وموردنا من هذا القبيل، فاننا كما نحتمل ان تكون الولاية العامة بيد الفقيه، نحتمل ايضا ان تكون ـ في كثير من المجالات ـ بيد الاكثرية مثلا مع اشتراط اشراف الفقيه على الجوانب الفقهية للقوانين لضمان انسجامها مع الشريعة الاسلامية، وهو امر غير الولاية العامة للفقيه.
وكذلك نلاحظ وجود مجالات حياتية عديدة لها خبراؤها الاخصائيون، وكما نحتمل ان تكون الولاية العامة للفقهاء مع اعتمادهم على هؤلاء الخبراء في ملء فراغ هذه المجالات، نحتمل ان تكون الولاية بيد الخبراء على ان يراجعوا الفقهاء بقدر ما يتصل بالفقه. ومن الواضح ان النتائج العملية قد تختلف باختلاف كون الرأي النهائي الحاسم لهذا او لذاك[98].
الجواب: الا ان هذا الاشكال غير وارد على الصيغ الثلاث؛ وذلك لان الخبرة التي يحتاجها الفرد المسلم للولاية على امته تستلزم وعيا رساليا وتهذيبا روحيا وذكاءا خارقا وحرصا على الامة، وهذه كما تجتمع في الفقيه قد تجتمع في غير الفقيه ايضا، ولكن الفقيه يتميز على الآخرين بوعيه في الشريعة، ومعرفته باحكام الله، فحينئذ تكون الولاية مرددة بين دائرتين احدهما اضيق من الاخرى، فلا محالة يتعين الاخذ بالقدر المتيقن، وهو الفقيه دون سواه.
اما ما قيل من وجود مجالات حياتية عديدة لها خبراؤها الاخصائيون، فيكون الخبير والفقيه في عرض واحد، اي ضمن فرضين متباينين لا فرضين احدهما اوسع من الآخر ففيه:
ان المعرفة التخصصية غير دخيلة في الولاية على الامور؛ اذ الولي يحدد ويتخذ قرارات مركزية وعامة، ولا يريد ان يقدم بحثا حول طرق مكافحة الملاريا، او ميزات الطاقة الكهربائية المستخرجة من الشمس. نعم قد تفيده هذه المعلومات في تشكيل قراره الا انه لا ضرورة ان يكون هو عالما بها، بل يكفي ان يستعين بالعارفين فيها، وفي موارد محدودة ليستطيع ان يتخذ القرار العام الذي يراه صالحا لتنمية ثروة المجتمع، وتطوير قدراته الاقتصادية اوالصناعية.
كما ان الولاية العامة تحتاج الى اطلاع واسع في مفاهيم الدين وتفاصيل الشريعة؛ لان المفروض ان الولي حاكم باسم الاسلام وعلى اساس الاسلام. ومن الواضح ان حركة المجتمع، وما تعج به من تناقضات وعلاقات مؤثرة في نفس الانسان تحتاج الى علم واسع في علوم القرآن، وفلسفة الوجود، وقوانين الشريعة وهذه ـ او المهم منها ـ موجودة في الفقيه وغير موجودة في غيره حسب الفرض، والقرار الذي يتخذه القائد انما يتصل وتؤخذ حيثياته من القوانين الاسلامية والروح الاسلامية الحاكمة في سن الاحكام، وليست من معرفة شروط تفاعلات كيمياوية معقدة لتغيير عنصر الى آخر.
وينبغي ـ وقبل تناول دليل الحسبة على ولاية الفقيه ـ الاشارة الى الفوارق الاساسية بين دعوى ضرورة الولاية التي يعتمدها الدليل الخامس، وبين دعوى الحسبة التي يعتمدها الدليل السادس وهي كما يلي:
الفرق الاول: ان دليل ضرورة الولاية ناظر الى الاسلام بوصفه عقيدة الهية ونظاما سياسيا واجتماعيا واقتصاديا يجب تحكيمه في حياة المجتمع الذي يؤدي الى ضرورة هيئة حاكمة وولي عام يباشر الولاية ويسهر على ذلك التحكيم، بينما دليل الحسبة ناظر الى مجموعة افعال خارجية نقطع بعدم رضى الشارع باهمالها نظير حفظ مال الغائب والولاية على اليتيم، وغسل الميت والدفاع عن المجتمع وتعليم الناس وما شاكل من اعمال لا مناص من وقوعها خارجا.
الفرق الثاني: ان نطاق عمل دليل الضرورة اوسع من نطاق عمل دليل الحسبة؛ لان الاول يتناول جميع الاعمال الدخيلة في ادارة المجتمع نظير توظيف الرساميل في بعض البلدان البعيدة مثلا، او الالزام بجدول صحي وتعليمي خاص داخل المجتمع، فان كل ذلك يتناوله دليل الضرورة، اما دليل الحسبة فهو لا يتناول الا الاعمال الفردية، او الاجتماعية التي يجب وقوعها، والا ادى تركها الى فوضى في الاوضاع العامة للمجتمع.
الفرق الثالث: ان دليل الضرورة يقتضي وجود حاكم اسلامي يباشر اعمال الولاية وتجب طاعته امتثالا لقوله تعالى: {اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم}[99].
اما دليل الحسبة، فهو لا يقتضي وجود حاكم ولا يقتضي وجوب طاعته، بل لو لم يكن الشخص الواحد وافي ابالغرض فانه يتوجه على الآخرين تكليف مستقل بوجوب المشاركة.
الفرق الرابع: ان دليل ضرورة الولاية يقتضي ولاية الفقيه؛ وذلك لان دليل الولاية ناظر الى ضرورة تطبيق احكام الاسلام على المجتمع، ومن الواضح ان القدر المتيقن من الولاية هو ولاية الشخص الفقيه العارف بتلك الاحكام؛ اذ من غير المعقول ان يكون سبب الولاية ارادة تطبيق احكام الاسلام ولكن في مقام الولاية ينصب شخص لا يعرف الا النزر اليسير من الفقه الاسلامي، اذ ولاية هذا الشخص لا تنسجم مع اصل الدليل، اما دليل الحسبة فهو لا يقتضي ولاية الفقيه، بل يكفي اي مسلم عادل يملك القدرة على تولي العمل والقيام به.
الفرق الخامس: ان كل عمل تراه الحكومة لازما ومن شأن الحكومة القيام به يكون التصدي له مشروعا، وان كان تركه لا يؤدي الى الفوضى في اوضاع المجتمع، اما دليل الحسبة فلا يشمل العمل ما لم يبلغ مرتبة بحيث يؤدي تركه الى فوضى والى سخط الشارع وعدم رضائه عن ذلك الترك.
الفرق السادس: في الموارد التي نشك في دخولها تحت دليل الولاية او عدم دخولها فان نظر الحاكم او تصويب هيئة الحكومة على لزوم فعل معين ينقح موردا لاطلاق ادلة الولاية العامة؛ وذلك لان نظر هيئة الحكومة ونظر الوالي يحقق موضوع دليل وجوب الولاية العامة؛ هذا بناء على قابلية دليل الولاية للاطلاق. ولو قيل بان هذا الدليل عقلي وليس دليلا لفظيا لكي يتمسك باطلاقه.
نقول: ان الموضوعات التي نجزم بدخولها تحت الولاية نظير اعداد جيش للدفاع عن المسلمين ونظير فتح المراكز الصحية انما هو على اساس نظر الهيئة الحاكمة وتشخيصها لضرورة تلك الاعمال ومن شأن الحكومة القيام بها، فتكون الموارد الجديدة داخلة تحت الولاية حسب مقتضى هذا النظر تحت ولاية الحاكم.
اما دليل الحسبة فانه لابد من القطع بان المورد مما لا يرضى الشارع بتركه، فاذا شككنا في مورد في رضى الشارع بتركه وعدمه؟ فالاصل عدم الولاية. وهذه نتيجة مهمة تترتب على دليل ضرورة الولاية، ولاتترتب على دليل الحسبة.
* الدليل السادس:
وهو يقوم على اساس الحسبة، وهذا الوجه مركب من مقدمتين:
احداهما ـ احراز عدم رضى الشارع بفوات المصالح واضمحلال الاحكام التي تبطل وتضمحل بفقدان السلطة والحكومة الاسلامية، او قل: عدم رضاه بترك حكم البلاد وادارة امور المسلمين بيد الكفار او الفسقة والفجرة رغم فرض امكان الاستيلاء عليها من قبل المؤمنين الذين لا يسرهم الا اعلاء كلمة الله، ولا يحكمون ـ لو حكموا ـ الا بما انزل الله.
وهذه المقدمة ضرورية واضحة لا ينبغي لاحد التشكيك فيها فقهيا.
والثانية ـ تعين الفقيه لهذه المهمة لاحد سببين: اما لورود الدليل على اشتراط الفقاهة في قائد الامة الاسلامية، واما لانه القدر المتيقن في الامور الحسبية ولا بد من الاقتصار عليه في مقام الخروج عن اصالة عدم الولاية[100].
اما الشق الثاني من المقدمة الاولى فيرد عليه:
انه لا يمكن تطبيق دليل الحسبة على عنوان الحكومة؛ اذ لا يقطع فعلا بعدم رضا الشارع بتركها لتدخل في باب الحسبة، فلو امكن القيام بالاعمال المطلوبة والتي يقوم بها المجتمع لا تكون حاجة الى الحكومة ونطبق دليل الحسبة على تلك الافعال مباشرة، وانما صارت الحكومة مطلوبة لانها واسطة للقيام بتلك الاعمال. نعم الشق الاول من المقدمة الاولى، وهو احراز عدم رضى الشارع بفوات المصالح واضمحلال الاحكام التي تبطل بفقدان السلطة الاسلامية صحيح، ويمكن تطبيق دليل الحسبة عليه.
اما المقدمة الثانية فقد ذكر صاحب كتاب (ولاية الامر في عصر الغيبة) روايات عديدة للاستدلال عليها نظير «اللهم ارحم خلفائي»، ونظير قول الامام علي (ع): «ايها الناس، ان احق الناس بهذا الامر اقواهم عليه واعلمهم بامرالله فيه»[101]، ونظير ما ورد عن الامام الرضا (ع) انه قال: «فكيف لهم باختيار الامام، والامام عالم لا يجهل وراع لا ينكل معدن القدس والطهارة والنسك»[102].
ثم اشكل عليها قائلا: بعد الاعتراف بعدم دلالة هذه الروايات على مبدأ ولاية الفقيه العامة، فهي انما تدل على ان الفقهاء هم منار الطريق في فهم الشريعة، وهم مشعل الهداية والنور، وهذا كما ينسجم مع افتراض اعطاء السلطة والحكم بيد احدهم في فرض بلوغ الامة مستوى استلام زمام الحكم كذلك ينسجم مع افتراضها في يد انسان عادل امين غير فقيه متقيد بالرجوع فيما يكون للتخصص الفقهي دخل فيه الى الفقيه»[103].
اقول: هذا الاشكال غير وارد؛ وذلك:
اولا: ان ولاية الامور ليست مسؤولية سهلة بحيث يستطيع كل انسان مسلم عادل ان يمارسها؛ اذ القيادة الاسلامية بحاجة الى علم وفن سياسي وذوق اجتماعي واخلاق فذة لكي يباشر صاحبها ولاية الامور، اترى هل يمكن ارجاع المريض الى دكتور بيطري، او ارجاع نصب محطة كهربائية الى قاضي او نزاع في مال الى مهندس ميكانيكي؟! كذلك قيادة المجتمع، والناس بحاجة الى صفات ومؤهلات، ولا يكفي كون الشخص مسلما وعادلا في قيادة المجتمع ما لم تتوفر فيه مؤهلات وكفاءات عالية.
وثانيا: اننا نرى ان عملية اتخاذ القرار عملية معقدة اذا كان يراد به قرارا يتمتع بوصف اسلامي ويراعي مصالح الناس، وينطبق مع القيم والمقاييس الاسلامية، وتأمين ذلك بحاجة الى معرفة عميقة بالفقه الاسلامي وعلوم القرآن وسيرة النبي (ص) والائمة الاطهار (ع)؛ اذ المطلوب ـ حسب الفرض ـ اتخاذ قرار يعالج مشكلة اقتصادية معينة كارتفاع الاسعار او يعالج مشكلة اجتماعية خاصة كزيادة النسل في اطار الاسلام وقيمه وقوانينه العامة في هاتين المسألتين، وفي مجمل قضايا الاقتصاد والاجتماع من زاوية الاسلام. وليس المطلوب معالجة هاتين المشكلتين بصورة ناجحة ولو كان على حساب ظلم الآخرين، او تناسي مبادئ وقيم اسلامية اساسية.
القسم الثالث ـ السيرة
الف) السيرة العقلائية:
ويمكن التمسك لاثبات الولاية للفقيه في الامور العامة بالسيرة العقلائية وبسيرة المتشرعة على توضيح سنشير اليه بعد قليل ضمن التقريبات التالية:
التقريب الاول: التمسك بالسيرة العقلائية لاثبات ولاية الفقيه؛ وتقريب ذلك في مقدمات:
المقدمة الاولى: ان دأب العقلاء في المجتمع الانساني منذ فجر وجود التجمع الانسان والى هذا اليوم على تسليم ولاية الامور لشخص معين حيث يقوم بحفظ الامن، واعداد القوة للدفاع عن البلاد وتصريف امور البلد.
المقدمة الثانية: حيث ان هذه السيرة عقلائية بل وضرورية، فلا محالة لو كان قد ردع عنها الامام (ع) لوصل ذلك، وحيث لم يصل الينا شيء من الردع نثبت اصل ثبوت الولاية لشخص.
المقدمة الثالثة: ان ولاية الامور الثابتة لشخص كما تبين في المقدمة الثانية، يدور امرها بين ثلاثة اشخاص: شخص فاسق، او شخص مؤمن غير فقيه، او شخص فقيه. ومن الواضح بطلان الاول وكذلك بطلان الثاني ايضا؛ اذ لا نحتمل ان الشارع يرجح غير الفقيه على الفقيه في الولاية على الامور، فيتعين الاحتمال الثالث.
ولكن يرد على المقدمة الثالثة: انه بناء على تساوي الفقيه وغير الفقيه من المؤمنين العدول في الخبرة والدراية في ادارة امور البلاد وفي تصريف شؤون الناس، فلا موجب لترجيح الفقيه على غيره من العدول، بل مع ثبوت خبرة العدل في ادارة الجيش مثلا فلابد من تقديمه على الفقيه.
"فالامور التي يرجع فيها الى الفقيه ليست دائما امورا سياسية تحتاج الى الرئيس كبيع مال اليتيم وحفظ مال الغائب ونحوه لوضوح قيام العدل مقام الفقيه عند تعذره مع عدم لزوم المحذور، بل ربما يكون ولاية الفقيه في بعض هذه الامور مترتبة على ولاية غيره كولايته على الصغير المترتبة على ولاية الاب والجد ونحوها، مضافا الى ان بعض تلك الامور التي لابد منها من الرئيس فايكال امرها اليه من حيث نظره مكمل لنقص غيره، ومثل هذا الامر يتوقف على نظر من كان له بصيرة تامة فوق انظار العامة، والفقيه بما هو فقيه اهل النظر في مرحلة الاستنباط دون الامور المتعلقة بتنظيم البلاد وحفظ الثغور وتدبير شؤون الدفاع والجهاد وامثال ذلك، فلا معنى لايكال هذه الامور الى الفقيه بما هو فقيه وانما فوض امرها الى الامام (ع)؛ لانه اعلم الناس بجميع السياسات والاحكام، فلا يقاس بغيره ممن ليس كذلك. فالانصاف ان هذا الوجه ايضا غير تام في اثبات هذا المرام»[104].
ولكن يرد على تقديم غير الفقيه على الفقيه او التساوي بينهما في الولاية: ان الولاية في امور الجيش مثلا ليست منوطة بمعرفة فنون القتال ونظريات التدريب العسكري فقط، بل يتدخل فيها معرفة اهداف القتال وموازنة الارباح العسكرية بالارباح المبدئية في حالتي الاستمرار والتوقف في الحرب، وهذه امور لا يعرفها الا الفقيه، فلا محالة يكون هو الولي فيها؛ لان خبرته في القضايا الاساسية للجيش، بينما الخبير خبرته انما هي في الامور الفنية، ولا محالة ان الولاية لصاحب الخبرة بالامور الاساسية مقدمة على الولاية لصاحب الخبرة الفنية اذا لم يقترن معها معرفة بالاهداف العليا والسعي نحو تطبيقها.
ب) التمسك بسيرة المتشرعة:
وهو يعتمد على اثبات سيرة متشرعية ولو عند العامة، فنقول: ان الولاية في الامور العامة بحسب الكبرى ثابتة عند العامة بالسيرة القطعية وان اشتبهوا في صغرى ذلك وتطبيقها على غير صغرياتها، الا ان ذلك لا يضر بقطعية الكبرى الثابتة بالسيرة.
واما الصغرى فهي ثابته بالعلم الوجداني؛ اذ بعد ثبوت الكبرى، فالامر يدور بين تصدي غير الفقيه على التصرف في الامور العامة وبين تصدي او اختيار الفقيه في ذلك، فيكون مقدما على غيره. وبالجملة نثبت الكبرى بالسيرة القطعية والصغرى بالعلم الوجداني[105].
وقد اورد على الكبرى وهي ثبوت الولاية في الامور العامة للرئيس بانا نحتمل ان ذلك من خلط العامة كما خلطوا في الصغرى ايضا[106].
وفيه: ان انعقاد السيرة على شيء وثبوت حجيتها باحدى طرق الاثبات كاف في دفع احتمال الخلط؛ اذا لمفروض عدم الشك في انعقاد السيرة على ذلك الشيء ـ اي على ثبوت الولاية في الامور العامة لشخص ـ ويمكن اثبات حجية هذه السيرة بما يلي:
اولا: عدم وصول ردع الينا عن هذه السيرة؛ اذ لو كانت سيرة لا يرضى بها الامام (ع) لردع عنها كما ردع عن صغراها، اي عدم رضاه عن تولي غيره الحكم، بل ان عدم الردع هنا اقوى دلالة على حجية هذه السيرة عنها في موارد اخرى؛ لان هذه السيرة مما تبانى العقلاء عليها فضلا عن اهل الاسلام، فلو كانت سيرة غير مرضية عند الامام لتظافر الردع عنها والقدح فيها، كما تظاهر الردع عن سيرة اهل السنة القائمة على العمل بالقياس والرأي.
ثانيا: حيث ان مسألة الولاية من المسائل التي ابتلي بها الشيعة، بل الامة الاسلامية برمتها، فلا محالة يكون الشيعة قد سألوا الامام عنها.. والامام (ع) قد اجاب عنها، ولكن هذه الروايات ضاعت من ايدي رواة الحديث.
يقول السيد البروجردي: «انه لما كانت هذه الامور والحوائج الاجتماعية مما يبتلى بها الجميع مدة عمرهم غالبا، ولم يكن الشيعة في عصر الائمة متمكنين في الرجوع اليهم (ع) في جميع الحالات، كما يشهد بذلك ـ مضافا الى تفرقهم في البلدان ـ عدم كون الائمة مبسوطي اليد بحيث يرجع اليهم في كل وقت، لاي حجة اتفقت، فلا محالة يحصل لنا القطع بان امثال:
زرارة ومحمد بن مسلم وغيرهما من خواص الائمة سألوهم عمن يرجع اليه في مثل تلك الامور العامة البلوى، التي لا يرضى الشارع باهمالها، بل نصبوا لها من يرجع اليه شيعتهم اذا لم يتمكنوا منهم (ع)، ولا سيما مع علمهم (ع) بعدم تمكن اغلب الشيعة من الرجوع اليهم، بل عدم تمكن الجميع في عصر غيبتهم التي كانوا يخبرون عنها غالبا، ويهيئون شيعتهم لها.
وهل لاحد ان يحتمل انهم (ع) نهوا شيعتهم عن الرجوع الى الطواغيت وقضاة الجور، ومع ذلك اهملوا لهم هذه الامور، ولم يعينوا من يرجع اليه الشيعة في فصل الخصومات، والتصرف في اموال الغيب والقصر والدفاع عن حوزة الاسلام ونحو ذلك من الامور المهمة التي لا يرضى الشارع باهمالها؟ وكيف كان.. فنحن نقطع بان صحابة الائمة (ع) سألوهم عمن يرجع اليه الشيعة في تلك الامور مع عدم التمكن منهم (ع) وان الائمة (ع) ايضا اجابوهم بذلك، ونصبوا للشيعة مع عدم التمكن منهم (ع) اشخاصا يتمكنون منهم اذا احتاجوا. غاية الامر سقوط تلك الاسئلة والاجوبة من الجوامع التي بايدينا، ولم يصل الينا الا ما رواه عمر بن حنظلة وابو خديجة.
واذا ثبت بهذا البيان النصب من قبلهم (ع) وانهم لم يهملوا هذه الامور المهمة، التي لا يرضى الشارع باهمالها ـ ولاسيما مع احاطتهم بحوائج شيعتهم في عصر الغيبة ـ فلا محالة يتعين الفقيه لذلك؛ اذ لم يقل احد بنصب غيره، فالامر يدور بين عدم النصب، وبين نصب الفقيه العادل.
واذا ثبت بطلان الاول بما ذكرنا صار نصب الفقيه مقطوعا به، وتصير مقبولة ابن حنظلة من شواهد ذلك، وان شئت ترتيب ذلك على النظم القياسي فصورته هكذا: اما انه لم ينصب الائمة (ع) احدا لهذه الامور العامة البلوى، واما ان نصبوا الفقيه لها. لكن الاول باطل، فثبت الثاني.
فهذا قياس استثنائي مؤلف من قضية منفصلة حقيقية وحملية دلت على رفع المقدم، فينتج وضع التالي.. وهو المطلوب»[107].
______________________
[1] وسائل الشيعة 18: 101، ب 11 من صفات القاضي، ح 9.
[2] اشار الى هذا الميرزا النائيني (قدس سره) في المكاسب والبيع 2: 337.
[3] كتاب المكاسب (الاصفهاني): 414.
[4] مصباح الفقاهة (الخوئي): 5.
[5] نهج الفقاهة (الحكيم): 301.
[6] المصدر السابق.
[7] ارشاد الطالب الى التعليق على المكاسب (التبريزي) 3:30.
[8] دراسات في ولاية الفقيه 1: 481.
[9] ولاية الامر في عصر الغيبة: 95.
[10] وسائل الشيعة 18: 84، ب 9 من صفات القاضي، ح 27.
[11] كتاب المكاسب (الاصفهاني): 214.
[12] نهج الفقاهة: 301.
[13] تحف العقول: 172.
[14] دراساتنا من الفقه الجعفري للسيد القمي 3: 102.
[15] كتاب المكاسب (الاصفهاني): 214.
[16] كتاب البيع (الامام الخميني) 2: 488.
[17] تحف العقول: 172.
[18] المصدر السابق.
[19] بناء على ثبوتها لهم مطلقا، او في حدود انجاز اغراض الامامة وتحقيق اهداف الرسالة، وهذا البحث يتعرض له في حدود ولاية الامام (ع) التكوينية.
[20] ارشاد الطالب 3: 33.
[21] هداية الطالب في شرح المكاسب (الشهيدي): 329.
[22] المكاسب والبيع: تقرير بحوث الميرزا النائيني (الاملي): 3362.
[23] راجع المعجم الوسيط 1: 28.
[24] المنجد في اللغة: 18.
[25] النساء: 60، الاية المذكورة في الرواية مذكورة في نسخة وسائل الشيعة، وغير مذكورة في كتاب الكافي.
[26] الكافي 7: 412، ح 5.
[27] المكاسب: 154.
[28] حاشية كتاب المكاسب: 214.
[29] حاشية كتاب المكاسب (الاصفهاني): 214.
[30] عوائد الايام: 188.
[31] كتاب البيع (الامام الخميني) 3: 478.
[32] المكاسب والبيع 2: 336 تقرير بحوث الميرزا النائيني (الاملي).
[33] اساس الحكومة الاسلامية: هامش ص 145.
[34] المصدر السابق.
[35] نهج الفقاهة: 300.
[36] هداية الطالب: 329.
[37] راجع: كتاب البيع 2: 478.
[38] دراسات في ولاية الفقيه 1: 459.
[39] هداية الطالب الى اسرار المكاسب: 329.
[40] مصباح الفقاهة 5: 45.
[41] الاجتهاد والتقليد وشؤون الفقيه: 80، وراجع كتاب هداية الطالب الى اسرار المكاسب: 230، حيث اسهب في بيان التقريب المذكور.
[42] دراسات في ولاية الفقيه 1: 409.
[43] دراسات في ولاية الفقيه 1: 414.
[44] مسالك الافهام 13: 359 ـ 360، ط ـ مؤسسة المعارف الاسلامية.
[45] النساء: 58.
[46] البقرة: 188.
[47] وسائل الشيعة 18: 5، ب 1 من صفات القاضي، ح 9.
[48] دراسات في ولاية الفقيه 1: 459.
[49] الانعام: 136.
[50] النحل: 59.
[51] القلم: 48.
[52] الانسان: 24.
[53] ولاية الفقيه: 47.
[54] المصدر السابق: 48.
[55] دراسات في ولاية الفقيه 1: 447.
[56] مصباح الفقاهة 5: 45.
[57] المنجد: 146.
[58] المعجم الوسيط 1: 190.
[59] المصدر السابق 2: 742.
[60] مستدرك الوسائل 3: 189 الطبعة القديمة.
[61] مصباح الفقاهة 5: 42. نهج الفقاهة: 301، وراجع كتاب منية الطالب في حاشية المكاسب: 25.
[62] ارشاد الطالب الى التعليق على المكاسب 2: 33، وراجع مصباح الفقاهة 5: 42.
[63] وسائل الشيعة 18: 53، ب 8 من صفات القاضي، ح 2.
[64] كتاب البيع 2: 483.
[65] نهج البلاغة (صبحي الصالح): 48.
[66] وسائل الشيعة 18: 53، ب 8 من صفات القاضي، ج 2.
[67] البيع 2: 483.
[68] معاني الاخبار: 356.
[69] وسائل الشيعة 18: 65، ب 8، ح 50.
[70] مستدرك وسائل الشيعة 17: 287، ب 8، ح 10.
[71] تاريخ الطبري 2: 217.
[72] دراسات في ولاية الفقيه 1: 466.
[73] حاشية المكاسب (الايرواني): 156.
[74] دراساتنا في الفقه الجعفري 3: 106.
[75] راجع: كتاب البيع (الامام الخميني) 2: 470.
[76] دراساتنا من الفقه الجعفري 3: 106.
[77] اصول الكافي 1: 46.
[78] راجع: دراساتنا من الفقه الجعفري 3: 99.
[79] حاشية المكاسب للايرواني: 156، وراجع: نهج الفقاهة: 299.
[80] دراسات من الفقه الجعفري 3: 101.
[81] وسائل الشيعة 18: 100، ب 11 من صفات القاضي، ح 6.
[82] الاحزاب: 36.
[83] كتاب البيع 2: 479.
[84] اصول الكافي 1: 38، ب فقد العلماء، ح 5.
[85] المصدر السابق: ح 3.
[86] الامر بالمعروف والنهي عن المنكر: 179.
[87] حاشية كتاب المكاسب للاصفهاني: 214.
[88] مصباح الفقاهة 5: 49.
[89] الانفال: 60.
[90] الانفال: 46.
[91] كتاب البيع 2: 461.
[92] المصدر السابق: 462.
[93] المصدر السابق: 464.
[94] النور: 2.
[95] الانفال: 60.
[96] آل عمران: 104.
[97] في انتظار الامام للشيخ عبد الهادي الفضلي: 71.
[98] اساس الحكومة الاسلامية للسيد كاظم الحائري: 142.
[99] النساء: 59.
[100] ولاية الامر في عصر الغيبة: 96.
[101] نهج البلاغة: خطبة 172.
[102] اصول الكافي: 1: 198، ح 1.
[103] ولاية الامر في عصر الغيبة: 112.
[104] حاشية كتاب المكاسب للاصفهاني: 214.
[105] مصباح الفقاهة 5: 49.
[106] راجع: المصدر السابق: 49.
[107] راجع: كتاب في انتظار الامام: 93 ـ 95.
 

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية