مركز الصدرين للدراسات السياسية || الدراسات السياسية

نظرية ولاية الفقيه ـ قراءة تاريخية
احمد جهان بزرك


موضوع البحث
سيدور الكلام في هذه المقالة ــ وهي، في الواقع، نظرة مجملة الى «ولاية الفقيه» وآراء الفقهاء فيها، في مجراها التاريخي على موضوعات معينة كمكانة مبحث «ولاية الفقيه» في علم الكلام، والاساليب العملية والنظرية التي انتهجها بعض الفقهاء في تصديهم لقضية الحكم في عصورهم، وموضوع تنصيب الامام المعصوم الفقيه في مقام الحاكمية.
ان عددا لا يستهان به من الكتاب المعاصرين، في مجتمعنا، يصرون، سرا وعلانية، على القول من دون ادنى تحقيق او تدقيق: «ان ولاية الفقيه، او المجتهد، مسألة مستحدثة بين الفقهاء، وليست لها شمولية عامة، طرحها للمرة الاولى منذ قرن ونصف «الملا احمد النراقي"، معتمدا ادلة لم يوافقه عليها سوى عدد قليل من معاصريه». بناء على ذلك، تهدف هذه المقالة الى توضيح المسألة باختصار، على امل ان يتوسع فيها آخرون، ويهتموا بتوضيح جميع جوانبها.
وستبين هذه المقالة ان مسألة الاعتقاد بولاية الفقيه ليست طارئة او مستحدثة، وانما طرحت على بساط البحث منذ حدوث الغيبة الكبرى ثم نقل منذ عصر النبي (ص) وحتى اليوم، وان لجميع اركان الفقه والتفقه مباحث في هذا الباب، كما ان بعض هؤلاء قد نجح في وضعها موضع التنفيذ وفي تطبيقها عمليا.
ما لا يجب ان ينسى هو ان عرض تاريخ نظرية «ولاية الفقيه» عمل ضخم، والمباحث التي ستتطرق اليها هذه المقالة تاريخية ومختصرة، ولكنها عظيمة الفائدة، تضع بين ايدي الباحثين اساسا تاريخيا وموضوعيا الى حد ما، يعتمدون عليه في تركيز المباحث المتعلقة بالموضوع، وفي دراسة آراء الذين طرحوا نظرية «ولاية الفقيه»، ووضعها في حيزيها التاريخي والموضوعي.
نكرر ان جذور نظرية ولاية الفقيه تعود، في الواقع، الى عصر النبي (ص)، عصر صدر الاسلام؛ حيث واجهت المسلمين معضلتان: الاولى: عدم حضور الرسول (ص) في اكثر المدن، والاخرى: الحاجة الماسة الى الاحكام والقوانين والاحكام، كما كانت الحاجة ماسة الى فقهاء قديرين في عصور الائمة المعصومين (ع)، لكن هذه المقالة لا تحقق في عصر صدر الاسلام، او عصر الائمة، وانما تجيب عن غرض محدد، وتحيط بزمن معين، هو ما اطلق عليه اسم "الغيبة الكبرى".
المؤثرات
المسألة الاخرى التي يجب ان تؤخذ في الاعتبار، في ما يتعلق بالمسار التاريخي لنظرية ولاية الفقيه، هي تأثير الزمان والمكان في كيفية طرح نظرية «الولاية»، و«ولاية الفقيه»، لان ميادين الفكر جميعها ــ بموجب الاصل التاريخي المسلم به تخضع لتأثير الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية للعصر الذي تصدر فيه النظريات والطروحات والافكار السياسية عن المفكرين السياسيين بعامة: الدينيين وغير الدينيين، المعصومين وغير المعصومين. بعبارة اخرى: ان للفكر السياسي علاقة مباشرة بمواجهة المفكرين للمسائل السياسية الاجتماعية، ولا يستثنى من ذلك اصحاب نظرية الولاية؛ ويبين التحقيق التاريخي توسع مباحث الفكر السياسي كلما تزايدت مواجهة المفكرين للمسائل السياسية، وتقل اذا ضعفت هذه المواجهة في عصر من العصور، او خفت، مهما كان السبب، ويضمر الفكر السياسي كذلك او ينضب.
هذا الامر المهم يتوضح لنا جيدا بدراسة ثلاثة وعشرين عاما من فاعلية النبي الاكرم (ص)، ومئتين وخمسين عاما من فاعلية الائمة المعصومين (ع)، كما ان التحقيق في تاريخ نشاط الفقهاء الشيعة، على مدى الف ومئتي عام، سيجعل من هذه "الفرضية" اصلا وقاعدة ثابتين في التاريخ السياسي الشيعي، فالآيات المكية التي نزلت على الرسول، على مدى ثلاث عشرة سنة، يغلب فيها الوعد والوعيد على المسائل السياسية، فيما الآيات المدنية، على العكس من ذلك، تعالج المسائل السياسية والاجتماعية، كما ان الروايات والاحاديث المأثورة عن الامام الاول (ع) مصبوغة في معظمها بالصبغة السياسية، ومثلها آثار الامامين الثاني والثالث (ع)، اما احاديث الامام الصادق (ع) ووالده الامام الباقر (ع) فتتوسع في معالجة المسائل الحقوقية، وتقل فيها المسائل ذات الصبغة السياسية (بمعنى الحكم)، لان اهتمامهما بمسائل الحكم السياسية كان اقل من اهتمام الائمة الآخرين.
يتبين لنا، بالنسبة الى الفقهاء، ان المحقق الثاني وكاشف الغطاء، والملا احمد النراقي، والميرزا القمي، والشيخ فضل الله النوري، ومحمد حسين النائيني الغروي، وبخاصة سماحة الامام الخميني، بسبب مواجهتهم للقضايا السياسية، ولطبيعة «النظام السياسي» ومقوماته، طرحوا افكارهم السياسية صراحة، على العكس من الفقهاء الآخرين، امثال الشيخ الانصاري وصاحب الجواهر، وصاحب الشرائع والشيخ الطوسي، وآية الله البروجردي، الذين عالجوا هذه المسائل بشكل محدود جدا، وفي حدود الضرورة.
الولاية مسألة كلامية لا فقهية
لا شك في ان «نهج البلاغة» هو اكبر الكتب واكثرها انسجاما في تعبيره عن آراء الشيعة السياسية في ميادين الحكمة النظرية والعملية والحقوق الاساسية[1]، وعلي (ع) «شاب من اهل مكة، نشأ بين اهله، لم يلتق اي حكيم في حياته، ولكن كلامه في الحكمة النظرية ارفع من كلام افلاطون وارسطو، ولم يعاشر اهل الحكمة العملية، ولكن كلامه ارفع من كلام سقراط»[2]. هذا الكتاب الذي جمعه «الشريف الرضي»، في اوائل القرن الخامس الهجري، جعل المباحث الكلامية المهمة، ومن جملتها مباحث النبوة والامامة والولاية بخاصة، اكثر احكاما؛ ولم يكن هنالك من شك حتى القرن الخامس، في ان مسألة الامامة والسياسة والولاية والحاكمية، مسألة كلامية، اصولية، عقلية، استدلالية يمكن اثباتها، وليست مسألة فرعية، فقهية، تقليدية، كما يعتقد ويروج المفكرن من اهل السنة «كالغزالي» (450 ــ 505هــ) ومن سار على نهجه وقلده، كسيف الدين الآمدي (المتوفى عام 551هــ)، في كتابه: "غاية المرام في علم الكلام"[3] ومؤلف «المواقف» وشارحها مير سيد شريف[4].
يقول ابو حامد الغزالي: «ان مبحث الامامة ليس من المباحث المهمة، وليس بحثا عقليا، وانما هو من المسائل الفقهية، وقد اثارت هذه المسألة في الحقيقة الكثير من التعصب، ومن يبتعد عن بحث الامامة يسلم اكثر من الذي يدخل فيه، حتى وان وصل الى الحقيقة ــ ايا كان الحد الذي وصل اليه يكون قد اقترف خطأ»[5].
بناء على هذا، كان مفكرو الشيعة السياسيون ــ تبعا للبحث عن الامامة في هذه القرون وتبعا لهؤلاء المفكرين يعدون بحث ولاية النواب العامين (الفقهاء)، بحثا يلي مباحث الامامة، وجزءا من المباحث الكلامية، وكانوا يطرحونه في هذه المباحث نفسها، في الحدود التي كانت تسمح بها ظروف العصر.
وتبعا لهؤلاء المفكرين عد الفلاسفة الاسلاميون، امثال: «ابن سينا» (370 ــ 428هــ)، والفارابي (260 ــ 331هــ) الفلسفة او الحكمة مكملة للمباحث الكلامية، وبحثوا مسألة الامامة والولاية وولاية الفقيه، بوصفها مبحثا عقليا اصوليا، وعملوا على اثباتها في ما كتبوا.
يقول ابن سينا في كتاب «الشفاء»: «يجب على واضع السنة ان يأمر باطاعة خليفته، وتعيين الخليفة اما ان يكون من قبله او باجماع اهل السابقة على تولية من اثبت للناس علانية انه صاحب سياسة مستقلة، وعقل راجح، واخلاق شريفة، كالشجاعة والعفة وحسن التدبير، وانه اعلم الناس باحكام الشريعة، ولا احد اعلم منه، واثبات هذه الصفات للشخص المختار يجب ان يكون واضحا وعلنيا، ومقبولا من الجمهور ومتفقا عليه، واذا وقع اختلاف وتنازع بينهم بعلة انقيادهم للهوى والهوس، واختاروا آخر لا يستحق الخلافة، ولا يليق بها، فقد كفروا بالله عز وجل... وتعيين الخليفة بالتنصيب افضل لانه يبعد النزاع والخلاف»[6].
الفارابي، ايضا، يقول في «المدينة الفاضلة»: «رئيس المدينة الفاضلة هو اما الرئيس الاول او الرئيس الثاني، اما الرئيس الاول فهو الذي يوحى اليه، وهو الذي يضع القوانين ويبين الاحكام، والشرائع والسنن التي شرعها هذا الرئيس وامثاله تقر وتنفذ، ولكن المدينة لا يتيسر لها دائما مثل هذا الرئيس؛ اذ «لا يوجد من فطر على هذه الفطرة الا الواحد بعد الواحد والاقل من الناس». فاذا اتفق ان فقد مثل هذا الرئيس في وقت من الاوقات، فالرئيس الثاني الذي يخلفه يجب ان يتمتع بكثير من صفاته، وان يكون عالما بالشرائع والقوانين والاساليب التي شرعها الرئيس الاول، حافظا لها، وان يكون حكيما ذا عقل نير، وقوة استنباط لما ينبغي ان يعرف، ويستنبط احكاما من الامور المستجدة التي تطرأ بمرور الزمان، ولم يواجه السابقون مثلها، قاصدا من ذلك صلاح المدينة ومصلحتها»[7].
العلامة الحلي (المتوفى في العام 726هــ)، استاذ الخواجة نصير الدين الطوسي في الفقه وتلميذه في الفلسفة والرياضيات، والذي يعد من واضعي اسس التشيع في ايران، ذكر في كتبه، في غير مناسبة، ان شؤون الولاية المختلفة والامامة في زمن الغيبة، من حق فقهاء الشيعة، لكنه اظهر امتعاضا من نقل الفقهاء بحث الامامة وشروطها من علم الكلام الى الفقه، يقول: «قد جرت العادة بين الفقهاء ان يذكروا الامامة في هذا الموضع ليعرف الامام الذي يجب اتباعه، ويصير الانسان باغيا بالخروج عليه، وليست من علم الفقه بل هي من علم الكلام...»[8].
بناء على هذا الاصل، فان اثبات مسألة ولاية الفقيه، في الاساس، ليس فقهيا، كما ان اثبات ولاية الائمة المعصومين لا يصبح فقهيا بتخصيص الفقهاء فصولا مناسبة عنها في كتبهم الفقهية، ولكن يجب ان نذكر اشارة مختصرة عنها، ولكن احوالها هي التي يجب ان تضيء على المسائل الفقهية. ان لفقهائنا تحقيقات دقيقة في مختلف الابواب الفقهية، كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر والقضاء والحدود والجهاد والخمس والبيع والحجر والنكاح والطلاق والصوم والحج وصلاة الجمعة وغيرها، كما انهم بحثوا في الفقه موضوع حدود الولاية عن الامام، ولم يبحثوا في اثباتها.
الفقيه نائب الامام (ع) في الامارة بالتنصيب العام
يعد الشيخ المفيد (المتوفى في العام 413هــ)، في طليعة الذين استنبطوا نظرية نيابة الفقيه عن الامام المعصوم، في بداية القرون الثلاثة الاولى من الغيبة الكبرى، فقد سعى ــ بدلا من ان يكون محدثا الى استنباط آراء في موضوع ولاية الفقيه وغرضها.
لكن لنظرية نيابة الفقيه جذور في احاديث الائمة المعصومين حتما، والذين عينوا الفقهاء نوابا عامين عنهم في غيابهم، وقد رفض الشيخ المفيد علانية، في المسائل التي طرحها اصولا لنظرية ولاية الفقيه، حكم «السلاطين العرفيين» (حكام الامر الواقع)، على المجتمع، ورأى ان الحكم للفقهاء الذين تتوافر فيهم الشروط الآتية:
1ــ في غياب السلطان العادل الجدير بالولاية ــ المذكورة صفاته في الابواب السابقة على الفقهاء العدول، اصحاب الرأي والعقل والفضل، ان يقبلوا الولاية على كل ما هو في عهدة السلطان العادل[9].
2ــ كل من يتصدى للولاية، وهو جاهل بالاحكام، وعاجز عن ادارة الامور المرتبطة بشؤون الناس (الادارة والتدبير)، هذا المنصب محرم عليه، واذا قبله فهو آثم، لانه ليس مأذونا من صاحب الامر، ويجب ان يؤاخذ ويحاسب على اي عمل ينجزه، ويستجوب على كل جناية يرتكبها[10].
3ــ ومن تأمر على الناس من اهل الحق بتمكين ظالم له، وكان اميرا من قبله في ظاهر الحال، فانما هو امير في الحقيقة من قبل صاحب الامر ــ الذي سوغه ذلك واذن له فيه دون المتغلب من اهل الضلال، واذا تمكن الناظر من قبل اهل الضلال على ظاهر الحال من اقامة الحدود على الفجار، وايقاع الضرر المستحق على اهل الخلاف، فليجتهد في انفاذ ذلك فيهم، فانه اعظم الجهاد»[11].
في رأي الشيخ المفيد
اولا: السلطان العادل ليس سوى الامام المعصوم، لان الولاية بحسب رأيه لا تجوز الا بالعلم والفقاهة.
ثانيا: يعتقد بالولاية المطلقة للفقيه لانه يقول: «ان كل ما هو بعهدة السلطان العادل هو في عهدته». وما نعرفه عما هو في عهدة الامام المعصوم (ع)، هو الولايات التسع التي تذكر عادة في الكتب التي تتحدث عن موضوع ولاية الفقيه.
ثالثا: يعد الشيخ المفيد تولي السلاطين لامور السياسة الداخلية والسياسة الخارجية بوصفها امورا عرفية غصبا وحراما، فاذا كانت السياسة «العرفية» في عصر الشيخ المفيد وتلاميذه في ايدي الخلفاء والسلاطين وغيرهم ــ حتى في العهد الصفوي فهذا ليس دليلا على ان الشيخ المفيد والآخرين كانوا راضين عنها[12].
رابعا: هنالك ادلة على ان تلميذي الشيخ المفيد: «الشريف الرضي» واخاه «السيد المرتضى، علم الهدى»، الذي كان بحسب قول العلامة الحلي ركن الامامية ومعلمها ــ كانا مؤيدين للرأي الذي استنبطه معلمهما المتعلق بقبول المنصب من طرف الظالم، وقد تولى كل منهما، الواحد بعد الآخر، امارة الحج والحرمين، ونقابة الاشراف ومنصب قاضي القضاة لكل من "القادر بالله" و«بهاء الدولة الديلمي»[13] وهؤلاء الثلاثة المذكورون ليسوا استثناء في هذا المجال، فالقاضي «عبد العزيز الحلبي»، تلميذ السيد المرتضى، عينه الشيخ المفيد قاضيا في «طرابلس» لمدة عشرين عاما، وكان يؤمن بالقضية القائلة: انه اذا عين السلطان الجائر احد المسلمين خليفة له، وكلفه باقامة الحدود، يجوز له اقامتها، ولكن شريطة ان يعتقد انه يفعل ذلك باذن الامام العادل، لا باذن السلطان الجائر[14].
بعد ذلك بقرن، عرض محمد بن ادريس الحلي (المتوفى عام 598هــ) رأيا هو الافضل بالنسبة الى النيابة العامة للفقهاء، وقد كان الحلي من فحول علماء الشيعة، وهو الذي ارسى بعد الشيخ الطوسي بناء جديدا في المسائل الفقهية، وقد تتبع فلسفة "الولاية السياسية" معتقدا ان فلسفة الولاية تتمثل في تطبيق القوانين والاحكام، والا فوجود القوانين لا طائل من ورائه، يقول: «المقصود من الاحكام التعبدية اجراؤها»، اي ان الاحكام التي امر بها الله عز وجل لغو ما لم تطبق.
بناء على ذلك، يجب ان يكون هنالك مسؤول يتولى تنفيذ هذه الاحكام، وليس كل شخص في نظره مؤهل لاقامة الحدود، سوى الامام المعصوم (ع). وفي حال الغيبة، او في حال التعذر، لا تجوز الا لشيعتهم الذين ينصبونهم هم للولاية، وبخاصة من تكاملت فيه شروط النيابة عن الامام، اي: العلم والعقل والرأي والحزم والتحصيل والحلم الواسع، والبصيرة النافذة بموضوعات صدور الفتاوى المتعددة، وامكان القيام بها؛ وكل من توافرت فيه هذه الشروط يفوض اليه التصدي للحكم.
نلاحظ هنا، ان ابن ادريس مؤمن ــ بالفكرة ــ التي قال بها قبله اصحاب النظرية القائلة "بتولي المناصب السياسية من طرف سلاطين الجور"، امثال الشيخ المفيد والسيد المرتضى والشريف الرضي وابن براج، ويقول: «فمتى تكاملت هذه الشروط، فقد اذن له في تقلد الحكم، وان كان مقلده ظالما متغلبا، وعليه متى عرض لذلك ان يتولاه لكون هذه الولاية امرا بمعروف ونهيا عن منكر، تعين غرضهما بالتعريض للولاية عليه، وهو وان كان في الظاهر من قبل المتغلب، فهو في الحقيقة نائب عن ولي الامر (ع) في الحكم ومأهول له لثبوت الاذن منه ومن آبائه (ع) لمن كان بصفته في ذلك فلا يحل له القعود عنه». ويتبع ذلك، في رأيه، انه لا يحق للشيعة الرجوع الى السياسيين العرفيين، ويقول: «واخوانه في الدين مأمورون بالتحاكم وحمل حقوق الاموال اليه والتمكن من انفسهم لحد او تأديب تعين عليهم، ولا يحل لهم الرغبة عنه ولا الخروج عن حكمه»[15].
نصير الدين الطوسي (المتوفى عام 672هــ) الذي كان، بحسب رأي الحلي، اكبر فلاسفة عصره ومتكلميه وفقهائه، واعقلهم، ايد عمليا النقاط الواردة اعلاه[16]، وتاريخ حياته السياسية افضل شهادة على ايمانه بوجود الحكومة الاسلامية (الحاكم العادل) في المجتمع، بمعنى ان الحق في الحكم وفي التدخل بامور المسلمين السياسية، المادية والمعنوية هو للعلماء العدول[17].
العلامة الحلي، على الرغم من اعتقاده بان كتب الفقه ليست المكان المناسب لطرح نظرية ولاية الفقيه، لكنه، مباشرة وغير مباشرة، عد ولاية الفقيه ــ في كتبه الفقهية نظرية صحيحة. وقد اكد الفقهاء الذين اتوا بعده، طوال قرنين ونيف، وباستمرار، الولاية العامة للفقيه الجامع للشروط.
الشيخ عبد العالي الكركي (المتوفى عام 940هــ)، معاصر الشاه طهماسب الصفوي الذي تحققت ولايته عمليا في ايران، وله تحقيقات في كتب السابقين، اقر بهذه المسألة ايضا.
يقول: «اتفق اصحابنا (رض) على ان الفقيه العدل الامامي الجامع لشرائط الفتوى، المعبر عنه بالمجتهد في الاحكام الشرعية، نائب من قبل ائمة الهدى (ع) في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل ــ وربما استثنى الاصحاب القتل والحدود مطلقا فيجب التحاكم اليه»[18].
يمكن الاعتراف بان هذه النظرية هي المفتاح في مسألة ولاية الفقيه، وهي في الواقع جسر بين ولاية الامام المعصوم على الامة ، وولاية الفقيه، وكذلك بين الفقه والكلام، كما انها ــ ضمنا شهادة على ان الكتب الكلامية، وهي تثبت الامامة، انما تثبت في الواقع ولاية الفقيه.
وفي الاحوال جميعها، هذه العبارة تساعد في عد جميع الرسائل والكتب الكلامية التي تعالج مسألة الامامة والنيابة عنها، التي كتبت حتى عصر المحقق الثاني ــ بل حتى عصرنا هذا كتبا في اثبات ولاية الفقيه[19].
المحقق الاول (المتوفى عام 676هــ)، استاذ العلامة الحلي، في كتابه: «شرائع الاسلام»، يرى ان اهم اركان المجتمع، اي الفتوى والجهاد والقضاء واقامة الحدود وغيرها، من حق الفقهاء، وقبول الفقهاء للولاية من جانب السلطان العادل جائز، وفي بعض الموارد واجب[20].
اضافة الى ذلك كله، هناك العموم والاطلاق في كلام عدد من اركان الفقه والفقاهة في القرون التالية على نيابة الفقيه العادل عن الامام الغائب الى حد لا يترك مجالا لانكاره، ولا يضعفه ايراد قرائن من جانب بعض الباحثين على اشتراط العصمة في الحاكم، او ادعاء عدد آخر حرمة القيام في زمن غيبة القائم (عج)، لانه لو كان الامر على ذلك النحو، لما تولى عدد من الفقهاء المعروفين والمشهورين المهمات السياسية، او لما نظروا لها.
المنعطف التاريخي
مثلت العقود الاولى، من القرن العاشر الهجري، مرحلة سيطرة نظرية ولاية الفقيه، ومنعطفها التاريخي؛ لقد طرح «المحقق الكركي» في هذه المرحلة، الآراء المهمة والاساسية المتعلقة بهذه النظرية، وبرز منها ميله لتطبيقها عمليا، فقد وجد منذ العام (191هــ) طريقا الى بلاط الشاه اسماعيل الصفوي، واستطاع في وقت قصير ان يسيطر معنويا على الشاه، وان يفرض رأيه على اركان البلاط الحاكم، واستمر هذا النفوذ حتى اواخر حياة الشاه اسماعيل، وحين انتقل الحكم الى الشاه «طهماسب»، ابن الشاه اسماعيل، شعر المحقق بالتكليف مرة ثانية، فتقرب الى الشاه للغاية نفسها، وجعله يميل الى استدلالاته حول ولاية الفقيه وادلتها الى حد جعل الشاه يؤمن بمقبولة «عمر بن حنظلة»، بخصوص ولاية الفقيه، وحمله على كتابة بيان، جعل فيه انتقال النفوذ الى المحقق عمليا، وهذه صورة «الفرقان» العام المستند الى مقبولة عمر بن حنظلة الذي اصدره:
"بما ان مؤدى حقيقة حديث الامام الصادق (ع) الذي يقول فيه: «ينظران (الى) من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا، فليرضوا به حكما، فاني قد جعلته عليكم حاكما، فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما استخف بحكم الله، وعلينا رد، والراد علينا الراد على الله، وهو على حد الشرك بالله"[21]، يتبين ان مخالفة حكم المجتهدين؛ حفظة شرع سيد المرسلين، بدرجة الشرك، لذا اي شخص يخالف اوامر خاتم المجتهدين، وارث علوم سيد المرسلين، نائب الائمة المعصومين (علي بن عبد العالي الكركي) الذي اسمه علي، اعلى الله مكانته الرفيعة دوما، ولا يتابعه، يعد ملعونا عندنا بكل تأكيد ومطرودا من الدولة ومحاسبا ومعاقبا»[22].
ربما تصور بعض الباحثين ان الشاه قد عين المحقق الكركي (شيخا للاسلام)، ولذلك لم يكن له سلطة على الشاه، كما ان قربه من البلاط لا يخلو من اشكالات، لهؤلاء نقول: اولا ــ اذا اخذنا في الاعتبار استدلال الشيخ المفيد، فان قبول المنصب من جانب غير المعصوم ليس فيه مشكلة، بل هو واجب في بعض المواقف ايضا. ثانيا ــ ليس صحيحا ان المحقق لم يكن ذا سلطة على الشاه، لان الشاه قال له: «انت احق مني بالملك، لانك انت نائب امام الزمان (ع)، وانما اكون من عمالك، اقوم باوامرك ونواهيك»[23] ثم انه سلم السلطة العليا في المملكة الى المحقق الثاني، يقول في رسالته له: «... الى من اختص برتبة ائمة الهدى (ع) في هذا الزمان... نائب الامام... بهمة عالية ونية صادقة، نأمر جميع السادات العظام والاكابر والاشراف الفخام، والامراء والوزراء وجميع اركان الدولة، ان يقتدوا بالمشار اليه، ويجعلوه امامهم، ويطيعوه في جميع الامور، وينقادوا له ويأتمروا باوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويعزل كل من يعزله من المتصدين للامور الشرعية في الدولة والجيش، وينصب كل من ينصبه، ولا يحتاج في العزل والنصب الى اي وثيقة اخرى»[24].
حصل ذلك كله بعد مدة قصيرة من انتشار التشيع في ايران، على يد الصفويين، وفي زمن كان الناس فيه، كما يقول المؤرخون، يجهلون كل ما يتعلق بالمذهب الجعفري واحكامه، والشيعة انفسهم لا يعلمون شيئا عن احكامهم الدينية اذ لم يكن بين ايديهم اي كتاب من الكتب الفقهية للامامية، عدا كتب العلامة الحلي التي كانت تعتمد في تعلم المسائل الدينية وتعليمها[25]. وعلى الرغم من ذلك كله فان المحقق الكركي قدم وجهة نظره بشكل قاطع حول «ولاية الفقيه المطلقة»، كما ذكرنا من قبل.
يقول المؤرخون عن تطبيق المحقق الثاني للولاية عمليا: «ان المحقق الثاني على اثر «الفرمان» الذي اصدره الشاه لمصلحته، وتمكينه له من امور المملكة، وضع دستورا للمملكة حدد بموجبه كيفية ادارة البلاد، فقد غير القبلة في اكثر مدن ايران لانه عدها مخالفة لقواعد علم الهيئة، وبذل جهودا حثيثة ورقابة شديدة في منع الفحشاء والمنكرات واجتثاث المحرمات، وترويج الشعائر والفروض الدينية، والدقة في اقامة صلوات الجمعة والجماعة، وبيان احكام الصلاة والصوم، والاهتمام بالعلماء والمفكرين، وترويج الاذان في مدن ايران، وكذلك اجتثاث الفساد وقمع المفسدين والمعتدين»[26] وقد امر بهدم الحانات والمواخير وقضى على المنكرات وكسر آلات اللهو والقمار[27].
ويتربع على رأس طبقة المفكرين والعلماء، في القرنين الاخيرين، الشيخ «جعفر آل كاشف الغطاء» (المتوفى عام 1228هــ)، الذي كان معاصرا لفتح علي شاه القاجاري، يقول في كتابه المعروف (كشف الغطاء): «انه لو نصب الفقيه المنصوب من العام بالاذن العام سلطانا، او حاكما لاهل الاسلام، لم يكن من حكام الجور»[28] وقد كان العالم المعاصر له، اي «صاحب القوانين»، قد افهم الشاه القاجاري، انطلاقا من رأي الشيخ المفيد المتعلق بحرمة التصدي لولاية الامة من جانب سلطان العصر، وعقيدة ابن ادريس في كون غير الفقيه «غاصبا»، بحيث ان من يدقق في عباراته سيفهم انه لا مكان له في سلطان الشيعة في النظام السياسي الاسلامي، وانه يساوي بينه وبين افراد الشعب العاديين، يقول في الرسالة التي كتبها الى فتح علي شاه: «... يجب العلم ان المراد من قول الله عز وجل: {اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم} باتفاق الشيعة، ان اولي الامر هم الائمة الطاهرون (صلوات الله عليهم اجمعين) والاخبار والاحاديث التي وردت في تفسير هذه الآية تفوق الحد، والامر الالهي بوجوب الاطاعة المطلقة للسلطان، حتى وان كان ظالما وجاهلا بالاحكام الالهية، مستقبح، ويتعاضد العقل والنقل في ان الشخص الذي يأمر الله باطاعته يجب ان يكون معصوما وعالما بجميع العلوم، الا في حال الاضطرار، وعدم امكانية الوصول الى المعصوم، حيث تصبح اطاعة «المجتهد العادل» مثلا واجبة، واما اذا حصر الامر في دفع اعداء الدين «بسلطان الشيعة» ايا كان، فان اطاعته ليست من طريق الوجوب، ولكن من طريق وجوب رد الاعداء والاعانة في رفع تسلطهم، وتصبح واجبا عينيا على المكلف، وفرضا كفائيا»[29].
اما معاصره الشيخ «محمد حسن النجفي»، المعروف «بصاحب الجواهر» (المتوفى عام 1266هــ)، فيتعجب من تشكيك بعض الاشخاص بمسألة «ولاية الفقيه»، علما ان التشكيك بعموم ولاية الفقيه، سيعطل كثيرا من الامور المتعلقة بالشيعة في المجتمع، وهو ينتقد هؤلاء الاشخاص ويخاطبهم بقوله: «بل كأنه ما ذاق من طعم الفقه شيئا، ولا فهم من لحن قولهم ورموزهم امرا»[30].
نعم ان المسألة التي لم تتوضح، في كتابات الفقهاء، امثال صاحب الجواهر، ولا بعدهم، وقد اعترض عليها صاحب الجواهر ضمنا، هي انه لم يشخص بوضوح في كتابات الفقهاء، ان كانت ولاية الفقيه في باب الحسبة ام في غيرها، واذا كانت في باب الحسبة، لماذا تقدم ولاية الحاكم على ولاية المؤمنين العدول؟ وان لم تكن في باب الحسبة، هل الله عز وجل هو الذي انشأ له الولاية؟ وهل هو الذي نصبه بلسان الامام المعصوم لهذه المهمة؟ او انه يتصدى لهذه الامور بوصفه نائبا ووكيلا عن الامام المعصوم[31].
هذه المسألة، كما يتضح، لا تضر باصل ولاية الفقيه، ولا تخدش كونه منصبا من الائمة المعصومين (ع)، لان صاحب الجواهر نفسه، حين شرع في اثبات ولاية الفقيه، عدها مطلقة، وايضا منصوبة من الامام المعصوم، يقول: «ويمكن بناء عليه ــ بل لعله الظاهر على ارادة النصب العام في كل شيء على وجه يكون له ما للامام (ع) كما هو مقتضى قوله: «فاني قد جعلته حاكما»، اي وليا متصرفا في القضاء وغيره من الولايات ونحوها، بل هو مقتضى قول صاحب الزمان (روحي له الفداء): واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة احاديثنا، فانهم حجتي عليكم، وانا حجة الله ضرورة، كون المراد منه انهم حجتي عليكم في جميع ما انا فيه حجة الله عليكم الا ما خرج»[32].
بعبارة اخرى: «اطلاق ادلة حكومته، خصوصا رواية النصب، التي وردت من صاحب الامر (ع) يصيره "أي الفقيه"، من اولي الامر الذين اوجب الله علينا طاعتهم. نعم، من المعلوم اختصاصه في كل ما له مدخلية في الشرع حكما اوموضوعا»، ثم رد ادعاء اختصاص ولاية الفقيه بالاحكام الشرعية ووضح ذلك بقوله: «ودعوى اختصاص ولاية الفقيه بالاحكام الشرعية، يدفعها معلومية توليته الكثير من الامور التي لا ترجع الى الاحكام، كحفظه لمال الاطفال والمجانين والغائبين وامثالها، ويمكن تحصيل الاجماع عليه من الفقهاء، لانهم لا يزالون يذكرون ولايته في مقامات عديدة، لا دليل عليها سوى الاجماع الذي ذكرناه، المؤيد بمسيس الحاجة الى ذلك اشد من مسيسها في الاحكام الشرعية»[33].
ورد صاحب الجواهر ايضا دعوى انتخاب الفقيه من الناس معبرا عن رأيه على هذا النحو: «بل ظاهر قوله «فاني جعلته» كون النصب منه (ع)، نعم الظاهر ارادته عموم النصب في سائر ازمنة قصور اليد، فلا يحتاج الى نصب آخر ممن تأخر عنه، على ان النصب من امام الزمان متحقق، كما رواه اسحاق بن يعقوب عنه (ع) في جواب كتاب له سأله فيه عن اشياء اشكلت عليه فقال له: «واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة احاديثنا فانهم حجتي عليكم وانا حجة الله عليهم» والاجماع قولا وفعلا على مضمونه»[34].
ومنه تتبين مسؤوليات الفقيه تجاه المجتمع وجوبا وجوازا، يقول: "الولاية للقضاء، او النظام والسياسة، او على جباية الخراج، او على القاصرين من الاطفال، او غير ذلك، او على الجميع من قبل السلطان العادل او نائبه، جائزة قطعا بل راجحة لما فيها من المعاونة على البر والتقوى والخدمة للامام وغير ذلك، خصوصا في بعض الافراد، وربما وجبت عينا كما اذا عينه امام الاصل الذي قرن الله طاعته بطاعته او لم يمكن دفع المنكر او الامر بالمعروف الا بها مع فرض الانحصار في شخص مخصوص فانه يجب عليه حينئذ قبولها بل تطلبها والسعي في مقدمات تحصيلها حتى لو توقفت على اظهار ما فيه من الصفات اظهرها"[35].
اما الشيخ الاعظم الانصاري، تلميذ صاحب الجواهر وخليفته، في كتابه المعروف «المكاسب»، وبعد تعداده ادلة اثبات ولاية الفقيه، يقول: «ان ما دل عليه هذه الادلة هو ثبوت الولاية للفقيه في الامور التي يكون مشروعية ايجادها في الخارج مفروغا عنها بحيث لو فرض عدم الفقيه كان على الناس القيام بها كفاية»[36].
في الواقع، ما هي الامور التي لها، فقهيا، برأي الشيخ الانصاري، مشروعية في الخارج؟ الجواب يعرضه الشيخ نفسه، فهو:
اولا: يعد ولاية الفقيه في المسائل الشرعية (الولاية في الافتاء وتعيين الموضوعات) من بديهيات الاسلام[37].
وثانيا: الولاية في فض النزاعات (الولاية في القضاء).
وثالثا: الولاية في الامور المشتبهة الحكم، من مصاديق «الحوادث الطارئة»، كما ورد في الحديث المدون بخط امام الزمان (عج) في يد اسحق بن يعقوب. النتيجة هي ان عبارة «الحوادث الطارئة» ليست مختصة فقط في الموارد المشتبهة الحكم او في فض النزاعات[38] اي الامور التي يرى الامام ان مرجعها الفقهاء والمحدثون، وانما هنالك آلاف المواضيع غير هذين الموضوعين.
ورابعا: بحسب العبارة التي ستلي، يعد الشيخ الانصاري المسائل المتعلقة بعصر الغيبة ــ في غير الموارد المنوطة باذن الامام منوطة باذن الفقيه: (الولاية في الاذن والولاية في الامور الحسبية):
"كل معروف علم من الشارع ارادة وجوه في الخارج ان علم كونه وظيفة شخص خاص كنظر الاب في مال ولده الصغير، او صنف خاص كالافتاء والقضاء، او كل من يقدر على القيام به كالامر بالمعروف، فلا اشكال في شيء من ذلك، وان لم يعلم ذلك واحتمل كونه مشروطا في وجوده او وجوبه بنظر الفقيه، وجب الرجوع فيه اليه، ثم ان علم الفقيه من الادلة جواز توليه لعدم اناطته بنظر خصوص الامام (ع) او نائبه الخاص، تولاه مباشرة او استنابة ان كان في من يرى الاستنابة فيه، والا عطله، فان كونه معروفا لا ينافي اناطته بنظر الامام والحرمان عنه عند فقده كسائر البركات التي حرمناها بفقده، ومرجع هذا الى الشك في كون المطلوب مطلق وجوده او وجوده من موجد خاص"[39].
وخامسا: يتبين من بعض المسائل الموجودة عند الشيخ الانصاري انه يؤيد الولاية على قسم من اموال الناس، وعلى الرغم من ان الشيخ رفض ولاية الفقيه في التصرف (اي التصرف بالاموال والنفوس)، وعد اثباتها كمد اليد على غصن كثير الاشواك[40]. لكن رؤية الشيخ الانصاري في كتاب "المكاسب" في مسائل الولاية على الاموال تختلف عن رؤيته في كتبه الاخرى. فمثلا هو لا يعد دفع الخمس في «المكاسب» الزاميا في حال مطالبة الفقيه به[41]، ولكنه في كتاب "الخمس" يرى دفعه واجبا من دون مطالبة، يقول: «وربما امكن القول بوجوب الدفع الى المجتهد نظرا الى عموم نيابته وكونه حجة الامام على الرعية وامينا عنه وخليفة له كما استفيد ذلك كله من الاخبار، لكن الانصاف ان ظاهر تلك الادلة ولاية الفقيه عن الامام (ع) على الامور العامة لا مثل خصوص امواله واولاده (ع) مثلا، نعم يمكن الحكم بالوجوب نظرا الى احتمال مدخلية خصوص الدافع في رضى الامام (ع) حيث ان الفقيه ابصر بمواقعها بالنوع، وان فرضنا في شخص الواقعة تساوي بصيرتهما او ابصرية المقلد»[42].
ويرى في اخذ الزكاة انه لا شك في ان دفعها يكون الى الامام (ع) في زمان الحضور، ودفعها الى الفقيه في زمان الغيبة مستحب.. «ولو طلبها الفقيه فمقتضى ادلة النيابة العامة وجوب الدفع، لان منعه رد عليه، والراد عليه راد على الله تعالى، كما في مقبولة عمر بن حنظلة»[43].
هل يمكن القول، انطلاقا من المسائل التي ذكرت، ان النيابة العامة وولاية الفقيه مردودة بنظر الشيخ الانصاري في كثير من الامور؟ او انه من الممكن القول: ان الشيخ الانصاري الذي رأى مشكلة في اثبات الولاية في بعض المواضع، حتى بالنسبة الى الفقيه، قد فوضها الى السلاطين العرفيين؟
في حين ان استاذ الشيخ الانصاري (الملا احمد النراقي) قد صرح بان الفقيه مبسوط اليد في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، ولم يعترف رسميا بحاكمية غير حاكمية الفقيه في المجتمع، وهو يعبر عن رأيه بطريقة ترفض وجهة نظر اشخاص كالشيخ الانصاري حول عدم بسط يد الفقيه في المسائل المالية؛ حيث يقول:
"ان من البديهيات التي يفهمها كل عامي وعالم ويحكم بها انه اذا قال نبي لاحد عند مسافرته او وفاته: فلان وارثي ومثلي وبمنزلتي وخليفتي واميني وحجتي والحاكم من قبلي عليكم، والمرجع لكم في جميع حوادثكم، وبيده مجاري اموركم واحكامكم، وهو الكافل لرعيتي، ان له كل ما كان لذلك النبي في امور الرعية وما يتعلق بامته، بحيث لا يشك فيه احد، ويتبادر منه ذلك كيف لا؟ مع ان اكثر النصوص الواردة في حق الاوصياء المعصومين المستدل بها في مقامات اثبات الولاية والامامة المتضمنين لولاية جميع ما للنبي فيه الولاية، ليس متضمنا لاكثر من ذلك سيما بعد انضمام ما ورد في حقهم انهم خير خلق الله بعد الائمة، وافضل الناس بعد النبيين وفضلهم على الناس كفضل الله على كل شيء، وكفضل الرسول على ادنى الرعية. وان اردت توضيح ذلك، فانظر الى انه لو كان حاكم او سلطان في ناحية واراد المسافرة الى ناحية اخرى، وقال في حق شخص بعض ما ذكر فضلا عن جميعه فقال: فلان خليفتي، وبمنزلتي، ومثلي، واميني، والكافل لرعيتي، والحاكم من جانبي، وحجتي عليكم، والمرجع في جميع الحوادث لكم، وعلى يده مجاري اموركم واحكامكم، فهل يبقى لاحد شك في انه له فعل كل ما كان للسلطان في امور رعية تلك الناحية؟ الا ما استثناه"[44].
المشروطة المشروعة بديل اضطراري
الميرزا «محمد حسين النائيني»، الفقيه الرفيع المنزلة في مرحلة نهضة المشروطة، واحد واضعي نظرية ولاية الفقيه، الذي نسب اليه خطأ انه المدافع عن المشروطة، يعد في كتابيه: «منية الطالب» و«تنبيه الامة» ولاية الفقيه الحكومة الاصلية للمجتمع، ويعتقد ان القدر المتيقن والثابت بالنسبة الينا "الامامية"، هو نيابة الفقهاء العامة في الامور الحسبية، التي يقطع بعدم رضا الشارع اهمالها، حتى لو قلنا بعدم ثبوت النيابة العامة في جميع المناصب[45]، ويشرع بعد ذلك بتوضيح اسباب نيابة الفقهاء عن المعصوم وفلسفتها، فيرى ان الشارع المقدس لا يرضى باختلال النظام، وذهاب بيضة الاسلام، وانما اهمية الوظائف العائدة الى حفظ نظام الممالك الاسلامية في جميع الامور الحسبية من اوضح القطعيات، لهذا فان ثبوت نيابة الفقهاء ونواب عصر الغيبة العاملين في اقامة الوظائف المذكورة في عصر الغيبة من قطعيات المذهب[46].
ويرى العلامة النائيني ردا على الذين يبحثون في محدودية ولاية الفقيه، ان ثبوت الولاية العامة للفقيه، معناه ثبوتها في جميع المجالات، لان المهم هو اثبات القضية الكبرى وهي عبارة عن ثبوت الولاية العامة للفقيه في عصر الغيبة، فاذا اثبتت هذه المسألة، فان البحث في القضايا الصغرى امر لغوي، لان صغريات المسائل من وظائف الفقيه في جميع الاحوال[47].
اذا حتى الآن، يعتقد العلامة النائيني بولاية الفقيه بصورة مطلقة، ولكنه يعتقد بان المسلمين في عصر الغيبة الكبرى، لن يوفقوا بتشكيل حكومة مبنية على «الولاية»، اذا ما هو الحل؟ انه يشرح المسألة على هذا النحو: «في هذا العصر، حيث تعجز الامة عن الالتفاف حول الامام المعصوم، وحيث افتقد نواب الامام العامون مقامهم، وليس باستطاعتنا ان نعيده اليهم، هل من الواجب تحويل صورة الحكم من الشكل الاول (الاستبداد) الذي هو ظلم عظيم وغصب في غصب، الى الشكل الثاني (المشروطة)؛ حيث يتحدد الظلم بالقدر الممكن؟ او ان غصب السلطة يستوجب سقوط هذا التكليف؟»[48].
ويجيب العلامة النائيني عن هذا السؤال بقوله: ان كل نظام سياسي غير ولايتي فيه ثلاثة انواع من الظلم:
الظلم بمقام الله المقدس بسبب القانون الوضعي، والظلم بالامام المعصوم بسبب غصب القيادة، والظلم بالناس بسبب تضييع حقوقهم. في حين ان المشروطة لا يبقى فيها سوى الظلم الواقع على الامام (ع)، وعلى هذا النحو، لا مجال للشبهات او للتشكيك بوجوب تحويل السلطة الجائرة الغاصبة من الشكل الاول (الاستبداد)، الى الشكل الثاني (المشروطة) حيث الظلم اقل[49]. اي ان الواجب يقتضي ان تحل (المشروطة) مكان نظام الحكم الاستبدادي، وهذا معناه ان التغيير والتبديل واجب، يقول: اذا ايد هذه المشروطة المأذون من المعصوم (ع) (اي الفقيه)، فان الظلم يرفع عن الامام اي بصدور اذن من له الاذن، يتلبس (الحكم) لباس الشرعية، ويخرج من مقام الغصب والظلم الى مقام الامامة والولاية بوساطة الاذن المذكور[50].
النتيجة
1ــ تاريخيا، كان مكان اثبات ولاية الفقيه علم الكلام وليس الفقه. بناء على ذلك، فان كل مذهب من المذاهب الكلامية، بحث قضايا الامامة والولاية وحدودها وتخومها، ووجدت كتب عالجت موضوع ولاية الفقيه، بناء على ذلك، لم يجد عدد من فقهاء الشيعة ضرورة لتخصيص فصول خاصة في كتبهم للسياسة والولاية والامارة، وليس هذا حتما هو الدليل الوحيد، وانما كانت ايدي الفقهاء كذلك مغلولة، اضافة الى الابتلاء بالتقية.
2ــ فقهاء الشيعة، المعتبرون في التاريخ، كانوا دائما يعتقدون بولاية الفقيه، وكلما وجدوا امكانية لتطبيقها فعلوا.
3ــ تأثير الظروف الزمانية والمكانية، في عرض نظرية ولاية الفقيه من الاصول المسلمة، اي حين كانت مواجهة الفقهاء الشيعة للقضايا السياسية تتزايد، كانت مباحث الفكر السياسي تتوسع، وحين كانت تضعف هذه المواجهة لاي سبب من الاسباب، تأتي المباحث السياسية بين المسائل والقضايا المطروحة باهتة.
4ــ الولاية السياسية لغير الفقيه، وبخاصة سلاطين الجور، تعد لدى جميع فقهاء الشيعة نوعا من «الغصب»، لانهم يرون ان السلاطين العرفيين غير مأذونين وغير منصوبين من الامام المعصوم، ولم يكن وضع الامور العرفية في ايدي السلاطين موجب حلية عملهم من دون اجازة الفقيه.
5ــ لقد اقر اركان الفقه والفقاهة، طوال التاريخ، الولاية المطلقة للفقيه في التصرف بالاموال والانفس، ومن ضمنها الولاية في تدبير الامور السياسية. ويرى المحقق الكركي اجماعا حول هذه الدعوى، ومن الممكن اثباتها من طريق الاجماع المنقول والمحصل.
6ــ بالانتباه الى ان المحقق الكركي قد وفق، في القرن العاشر، في تطبيق نظرية ولاية الفقيه عمليا ــ وان لمدة قصيرة فمن غير الصحيح القول: ان الامام الخميني (رحمه الله) اول مفكر يوفق في تطبيق نظرية ولاية الفقيه عمليا، على الرغم من ان العمل العظيم الذي قام به الامام (رحمه الله) في تشكيل اول حكومة اسلامية منسجمة وثابتة، لا يمكن انكاره اوتجاهله.
7ــ عد فقهاء الشيعة الكبار الفقيه واليا معينا ومأذونا من الامام، وليس منصوبا ومأذونا من الناس.
بناء على ذلك: ان حكومة الفقيه "بالتنصيب" (بالتعيين) على الرغم من اننا لا يمكن ان نتجاهل الحاجة الى تأييد الناس لها لتخرج من حيز القوة الى الفعل.
8ــ نظرية المشروطة المشروعة (او اي حكومة اخرى طرحها فقهاء الشيعة الكبار ان لم تنتزع الحكم بالاصالة من الفقيه)، هي البديل الاضطراري عن حكم الفقيه المنصب. بناء على ذلك، فان جعلها قسيمة حكم الفقيه المنصب، نوع من الخلط في البحث، يؤدي الى اخطاء في الاستنتاجات.
_______________________
[1] نسأل القائلين: «ان آراء الشيعة السياسية لم تأت حتى الان مجموعة منسجمة ومدونة‏»، هل وجدتم اي مذهب من المذاهب قد طرح، حتى الآن، آراءه التي يعتقدها، في كتاب، منسجمة ومدونة؟
[2] ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، بيروت: دار احياء التراث العربي، 1387، ج‏16، ص 146.
[3] سيف الدين الآمدي، غاية المرام في علم الكلام، القاهرة: المجلس الاعلى للشؤون الاسلامية، 1391، ص‏363.
[4] الجرجاني، علي بن محمد، شرح المواقف، قم: منشورات الشريف الرضي، 1325، المجلد الثامن، ص‏344.
[5] الغزالي، محمد، الاقتصاد في الاعتقاد، انقرة: مطبعة النور، 1962، ص232.
[6] حسين بن عبداللّه (ابن سينا)، الشفاء (الالهيات)، قم: مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي، 1404، ص‏453.
[7] الفارابي، ابو نصر، آراء اهل المدينة الفاضلة، بيروت: دار المشرق 1973م، ص127 ــ 130.
[8] الحلي، حسن بن يوسف، تذكرة الفقهاء، المجلد الاول، قم، المكتبة المرتضوية، د.ت. ص452.
[9] محمد بن محمد بن النعمان (الشيخ المفيد)، المقنعة، قم: مؤسسة النشر الاسلامي 1410، ص675.
[10] نفسه، ص812.
[11] نفسه.
[12] بالنسبة الى لفظة «مطلقة‏»، في عبارة «ولاية الفقيه المطلقة‏»، يخط‏ى كثير من الكتاب ويظنون انها معادلة للاستبداد، في حين انها ليست كذلك. ان الاعتقاد بالولاية المطلقة للفقيه معناه الاعتقاد بولاية الفقيه ذات الشروط التسعة التي هي ثابتة للائمة المعصومين. وان كانت لا تخلو من الاختلاف. والولايات المذكورة عبارة عن: الولاية في الاعتقاد، الولاية في‏الفتوى، الولاية في الطاعة (الموضوعات)، الولاية في القضاء، الولاية في تطبيق الحدود، الولاية في الامور الحسبية، الولاية في التصرف (الاموال والنفوس)، الولاية في الزعامة (السياسية)، الولاية في الاذن والنظارة. والقول بالولايات سابقة الذكر ليس بمعنى قبول الاستبداد، لاننا اذا اردنا ان نلخص المسألة نقول: في مذهب الهداية السياسي:
القانون الالهي المتمثل بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، اصل الشورى، حق الناس في الانتقاد، وملكة العدالة، والعصمة تمنع الاستبداد لدى الامام المعصوم.
في ما يتعلق بالولايات التسع، تجدر مراجعة: الخلخالي، محمد مهدي الموسوي، "حاكميت در اسلام‏" (الحاكمية في‏الاسلام)، طهران: آفاق، 1361. زنجاني، عباس علي عميد، الفقه السياسي، طهران: امير كبير، 1367هــ/ش، ج‏2، ص‏376 367.
[13] الحلي، حسن بن يوسف، رجال العلامة الحلي، قم: مكتبة الرضى، 1381هــ.ش، ص94، المدرس ومحمد علي، ريحانة الادب، تبريز: شفق، 1349هــ.ش. ج 4، ص 184.
[14] الطرابلسي، عبد العزيز البراج، المهذب، قم: مؤسسة النشر الاسلامي، 1400هــ.ق، المجلد الاول، ص362.
[15] الحلي، محمد بن ادريس، السرائر، قم: مؤسسة النشر الاسلامي، 1411هــ.ق، ج‏3، ص538 و539.
[16] الطوسي، محمد بن الحسن، الملقب بخواجة نصير الدين الطوسي، من علماء القرن السابع الكبار، في الفقه والفلسفة، والرياضيات، والفلك، والحكمة والسياسة. سجن لعدة سنوات في قلاع الاسماعيلية، وعاش في التقية. ولذلك يظن بعضهم انه اسماعيلي المذهب.
وفي اثناء حملة المغول على ايران بقيادة هولاكو، استطاع نصير الدين الطوسي، برؤية نافذة الى المستقبل، ان يخلص ارواح عدد كبير من المسلمين في ايران وما بين النهرين من الموت، بدخوله في خدمة هولاكو، كما تمكن بتدبير خاص ان يمنع قتل الناس الجماعي على يد المغول.
[17] محمد علي المدرس، م.س. ج‏2، ص177. والرضوي، محمد تقي المدرس، احوال وآثار خواجه نصير الدين الطوسي، طهران: بنياد فرهنگ ايران، 1354هــ. ش.
[18] علي بن الحسين الكركي، رسائل المحقق الكركي، قم: مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي، 1409ه.ق، ج‏1، ص 142.
[19] محمد علي المدرس، م.س.، ج‏3، ص328. والقاضي نور الله الشوشتري، مجالس المؤمنين، طهران: المكتبة الاسلامية 1365هــ.ش، ج‏1، ص 481.
[20] الحلي، جعفر بن حسن (المحقق الاول)، شرائع الاسلام، طهران: منشورات الاعلمي، 1389هــ.ق.
[21] الوسائل، 27/136، الباب 11، من ابواب صفات القاضي، الحديث 1 من طبعه الجديد مؤسسة آل البيت (ع) لاحياء التراث.
[22] الخوانساري، محمد باقر الموسوي، قم: روضات الجنات، ج‏4، ص362 و363.
[23] الدواني، علي، مفاخر الاسلام، طهران: امير كبير، 1364هــ.ش، 1985م، ج‏4، ص441.
[24] الاصفهاني، عبداللّه افندي، رياض العلماء وحياض الفضلاء، قم: مكتبة آية اللّه المرعشي العامة، 1410 هــ.ق، ص‏454.
[25] الدواني، علي، م.س، ص 439 ــ 448.
[26] نفسه.
[27] البهبهاني، علي الموسوي المدرس، حكيم استرباد، ميرداماد، طهران: اطلاعات، 1370هــ.ش، ص10 و11.
[28] النجفي، محمد حسن، جواهر الكلام، بيروت: دار احياء التراث العربي، د.ت، المجلد الثاني والعشرون، ص‏156.
[29] الحائري، عبد الهادي، نسختين رويا روييهاي انديشه گران ايران، طهران: امير كبير 1367هــ.ش، 1988م، ص 327 و328.
[30] النجفي، محمد حسن، «جواهر الكلام‏»، م.س.، ص397.
[31] نفسه، المجلد السادس عشر، ص180.
[32] نفسه، المجلد الاربعون، ص18.
[33] نفسه، المجلد الخامس عشر، ص422.
[34] نفسه، المجلد الحادي عشر، ص190.
[35] نفسه، المجلد الثاني والعشرون، ص 155.
[36] الانصاري، مرتضى، «المكاسب‏»، قم: مؤسسة دار الكتاب، 1410هــ.ق، المجلد التاسع، ص340.
[37] نفسه، ص 335.
[38] نفسه.
[39] نفسه، ص330.
[40] نفسه.
[41] نفسه، ص328.
[42] الانصاري، مرتضى، كتاب الخمس، قم: باقري، 1415هــ.ق، ص337.
[43] الانصاري، مرتضى، كتاب الزكاة، قم: باقري، 1415هــ.ق، ص 354 356.
[44] النراقي، احمد، عوائد الايام، قم، مكتبة بصيرتي، 1408هــ.ق، ص188.
[45] النائيني، محمد حسين، تنبيه الامة وتنزيه الملة، طهران: شركة سهامي، 1358هــ.ش. 1979م، ص46.
[46] نفسه.
[47] النائيني، محمد حسين، منية الطالب، ص352.
[48] النائيني، محمد حسين، تنبيه الامة وتنزيه الملة، م.س.، ص41.
[49] نفسه، ص 47و48.
[50] نفسه، ص 48 ــ 72.
 

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية