مركز الصدرين للدراسات السياسية || الدراسات السياسية

جذور الثورة الإسلامية في القرآن الكريم
دار الولاية


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد خاتم النبيين وعلى آله الطيبين الطاهرين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إذا نحن قمنا بدراسة الأوضاع العامة التى كان سكان الجزيرة العربية يعيشونها قبل البعثة، ثم لاحظنا ما حققه الإسلام من نفوذ عميق وانتشار سريع ولا حظنا عملية التغيير الشاملة التى حققها سكان هذه الجزيرة سوف نعتبر ذلك كله ثورة إسلامية بكل ما هذه الكلمة من معنى ومن ثم سوف تطرح الأسئلة التالية، نفسها:
ما هى أسس الثورة الإسلامية فى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؟ وما هو السبب أو الأسباب التى أدت إلى تحقيق الانتصار العظيم الذى حققه المسلمون فى الصدر الأول للإسلام؟ نريد أن نعرف ذلك لعلنا نأخذ من دروس عبرة.
وما هو الدرس الذى تعلمه الإمام الخمينى قائد الثورة الإسلامية فى إيران من الثورة التى حدثت فى صدر الإسلام حتى استطاع أن يصنع من الأمة المسلمة فى إيران امة قوية تصنع الشهداء وتقف بكل صلابة وعزم فى وجه كل القوى الطاغوتية الكبيرة فى الشرق والغرب؟
وفى مقام الإجابة على هذا السؤال غالبا ما يذكر أمران اثنان باعتبارهما أهم عاملين مؤثرين فى تحقيق انتصار المسلمين فى صدر الإسلام وهما.
الأول: وحدة المسلمين والثانى: اشتراك كل المسلمين فى الجهاد والثبات بصلابة فى مواجهة الكفر والشرك وإذا كان لاتحاد بين المسلمين وللجهاد فى سبيل الله كل ذلك الدور الهام فى تحقيق النصر للثورة المحمدية فان سؤالا آخر هاما يطرح نفسه أمامنا وينتظر الإجابة وهو:
ما هى العوامل والأسباب التى أدت إلى أن تتوحد تلك القبائل العربية رغم ما كانت عليه من التفرقة والتشتت؟
وما هى العوامل والأسباب التى دفعت بالمسلمين إلى التسابق إلى صفوف الجهاد؟ ومنحتهم كل تلك الشجاعة والقوة والثبات والإيثار وحب الاستشهاد؟ وهنا لابد لنا من ذكر أمرين آخرين باعتبار هما أمرين أساسيين فى تحقيق كل ذلك وهما:
1ـ إيمان المسلمين القوى والثابت.
2ـ القيادة النبوية الحكمية للمسلمين.
أما سائر الأمور الأخرى فتتفرع عليهما وتعتبر من آثارهما.
الأصل الأول: الإيمان:
مع قليل من التأمل يمكن القول بأن الإيمان الحقيقى للمسلمين فى صدر الإسلام كان أهم الأسباب والعوامل فى انتصارهم وكان هو الأساس لكل الفضائل التى وجدت عندهم ولكل حركاتهم الثورية.
وسوف نبحث فى هذا الأصل إجمالا بعد تقسيمه إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: الإيمان بالله الواحد (عقيدة التوحيد) .
فقد كان لهذه العقيدة دور هام جدا فى تحقيق انتصار المسلمين فى صدر الإسلام بل يمكن اعتباره من أهم الأسس والأصول فى هذا المجال.
كانت مشكلة سكان الجزيرة الأولى مسألة الشرك وكل ما كان بين الناس من ضعف وعجز وتشتت ويأس وحرمان وفقر وضعف شخصية يعود فى أساسه إلى الشرك وعبادة الأصنام.
ولم يكن أمثال أبى جهل وأبى لهب وكل المستكبرين ليتسلطوا على أموال أكثر الناس ونفوسهم بل وعلى كل وجودهم وشؤونهم ويستضعفوهم ويستعبدوهم لولا الشرك ولولا استسلام الناس للطاغوت وخضوعهم للظالمين.
لقد كان الشرك اكبر أسباب تفرق الناس وتشتتهم ويأسهم وفقدانهم الثقة بأنفسهم كان فرعون يستضعف بنى‏إسرائيل ويستعبدهم وقد أنبه موسى عليه السلام على ذلك:
قال تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيل} (1)
فهل كان فرعون يعتبر نفسه اله العالم وخالق بنى‏ إسرائيل؟
كلا وإنما كان قد استعبدهم وأخضعهم لسلطانه الجائر وسلطنته الطاغوتية لأنهم استسلموا له وذلوا أمامه فرأى نفسه فوقهم وأعظم منهم.
وكان يقول: {إِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}(2)
ولأجل هذا كانت الدعوة إلى الله الواحد واجتناب الطاغوت هى رسالة كل الأنبياء.
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} (3)
وكانت تعاليم كل الأنبياء تتلخص فى إفهام الناس أنه ليس لهذا العالم سوى خالق واحد له وحده فقط الحكم والسلطان وليس لأحد سواه أيا كان حق التشريع ووضع القوانين ولاحق العبادة والطاعة من دون الله، وكل سلطة لا تنتهى إلى الله فهى لون من ألوان الشرك؟
{إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِن أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (4)
وكل طاغية يريد أن يتدخل فى سلطان الله ويستعبد الناس ويفرض عليهم أن يطيعوه ويحققوا رغباته فإنما هو فى نظر القرآن الكريم طاغوت.
وعلى الناس أن يجتنبوه ويبتعدوا عنه.
وكانت الدعوة إلى الله الواحد ونفى كل معبود آخر سواه تحتل رأس القائمة فى رسالة رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) وكان شعاره «قولوا لا اله إلا الله تفلحوا».
وكان الإسلام هو الدين التوحيد والإخلاص فى العبادة لله وحده.
والقرآن الكريم يعطى أهمية خاصة لذلك، يقول تعالى:
{وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا} (5)
{قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} (6)
{وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا} (7)
الأصل الثانى: قيادة رسول الله (صلى الله عليه وآله)
تعتبر قيادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحكيمة وتوجيهاته المهمة وفى الوقت المناسب اكبر عامل من عوامل انتصار ثوار صدر الإسلام بعد قدرة الإيمان العظيمة. وهذه القيادة والتوجيه الحكيم للرسول (صلى الله عليه وآله) إنما تنبع من القرآن الكريم والوحى الإلهي:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (8) .
والمهم فى الأمر هو كيفية استعمال الرسول (صلى الله عليه وآله) لهذه القيادة وفى الأوقات المناسبة، مما لا مجال للدخول فى تفصيلاته فى هذه الفرصة القصيرة، ولهذا فسوف ندرس احد الموضوعات الهامة ونشير إلى بعض الجزئيات القليلة.
الأمة الإسلامية المتحدة والمستقلة:
كان تأسيس أمة إسلامية ومستقلة ومتوحدة أهم عامل بعد عامل الإيمان ساعد فى انتصار المسلمين وفى تحقيق الأهداف إلهية للرسول (صلى الله عليه وآله) ومن اجل هذا كان الرسول (صلى الله عليه وآله) ومنذ ابتداء بعثته فى الإعداد لإيجاد هذه الأمة وتهيئة المقدمات اللازمة لذلك وكان لابد لتحقيق ذلك من القيام بأمرين هامين:
الأول: إيجاد رابطة قوية وإخوة واتحاد بين أفراد الأمة.
الثانى: المحافظة على استقلال هذه الأمة وعدم اتكالها على غيرها.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذين الأمرين، وقام الرسول (صلى الله عليه وآله) بتنفيذهما وتحقيقهما وكان (صلى الله عليه وآله) موفقا فى مهمته هذه توفيقا كاملا.
الأول: الاتحاد:
لتحقيق هذا الأمر المهم استغل الرسول (صلى الله عليه وآله) قوة الإيمان الموجود. لدى أتباعه من المسلمين وعين لهم هدفا واحدا دعاهم إليه فقبلوه جمعيا وركزوا جهودهم على العمل من أجل تحقيقه وهو: الخضوع التام لكل الأوامر الإلهية وتنفيذها والدفاع عن الإسلام والعمل على نشره وتوسيع دائرة نفوذه ومواجهة كل الطواغيت والمستكبرين.
لقد وحدهم الرسول (صلى الله عليه وآله) على أساس الإيمان بالله الواحد الأحد والإيمان برسالة الرسول (صلى الله عليه وآله) وبالمعاد والقبول بالإسلام عقيدة وشريعة، وليس على أى أساس آخر.
كما ألغى الرسول (صلى الله عليه وآله) كل الأحلاف التى كانت قائمة بين الناس على أساس القبيلة أو العرق أو اللغة.
استبدلها بالحلف القائم على أساس الإسلام. وقد عمل (صلى الله عليه وآله) على الاستفادة من كل الفرص المناسبة لتحقيق ذلك، فقد عقد أول حلف رسمى مع مجموعة جديدة الإسلام من أهل المدينة وهو ما عرف بيعة العقبة وبعد الهجرة إلى المدينة كانت عملية المؤاخاة بين المسلمين وفى بداية الهجرة أيضا عقد حلفا فى غاية الأهمية بين المسلمين.
الثانى: الاستقلال:
وقد رسم قائد ثورة الإسلام الكبير كيفية إيجاد الأمة الإسلامية الواحدة: وحرص بتوجيه من القرآن الكريم على المحافظة على استقلالها وتحررها، ومن أجل ذلك منع من عقدية أحلاف ومعاهدات تتعارض مع الاستقلال أو تؤدى إلى تسلط الكفار على المسلمين. وقد وردت فى هذا المعنى آيات كثيرة فى القرآن الكريم نقرأ عددا منها:
{وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (9)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ} (10) .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} (11) .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا} (12) .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (13) .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (14)
وهذه الآيات الكريمة توحى إلينا بعدة أمور:
1ـ إن أى تحالف أو معاهدة تؤدى فى النهاية إلى تسلط الكفار والمشركين واليهود والنصارى على المسلمين هى فى رأى القرآن الكريم ممنوعة ومحرمة.
2ـ بما أن الكفار والمشركين يسخرون من الإسلام ويهزؤون به منهم بطبيعة الحال أعداء للمسلمين وعليه فلا ينبغى للمسلمين أن يثقوا بهم ويركنوا إليهم.
3ـ إن النتيجة الحتمية للصداقة مع الكفار والولاء لهم هى تسليطهم على الأمة الإسلامية .
4ـ اليهود والنصارى هم دائما أصدقاء يدافعون عن بعضهم البعض، وعليه فلا يحق للمسلمين أن يثقوا بصحة ما يتظاهرون به من صداقة لهم.
5ـ إن كل اللذين يتحالفون مع الكفار بهدف الوصول إلى السلطة والعزة فأنهم مخطئون لان العزة إنما هى لله فقط.
6ـ كل من يتحالف مع الكفار فانه يعدمنهم ولا يكون مسلما حقيقيا.
الجهاد:
وهنا بدأت آيات الجهاد بالنزول تدريجيا من قبل الله تعالى لتلقى على عاتق المسلمين مهمة جديدة صعبة وشاقه، من هذه الآيات {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (15)
{انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (16)
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (17)
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} (18) .
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (19) .
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (20) .
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (21) .
{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (22)
{وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا * الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (23)
والجهاد فى اللغة يعنى بذل الوسع والجهد. أما فى الاصطلاح فهو بذل الوسع والسعى من أجل إعلاء كلمة التوحيد ونشر الإسلام ومقاومة الشرك والاستكبار.
والجهاد فى سبيل الله من أهم الواجبات الإسلامية وعليه قوام الدين ووجوده وبه يكون بقاء ساير الفرائض الأخرى.
وفى النصوص الإسلامية عشرات الآيات ومئات الأحاديث التى تتحدث عن الجهاد وأحكامه وقد أفردت لها كتب الفقه مساحات واسعة لبحثها والتحقيق فيها.
مما لا مجال إلى استعراضه فى هذه العجالة لكننا نلفت الأنظار إلى بضعة نكات هامة تستفاد من الآيات المتقدمة.
1ـ الجهاد ليس منحصرا بالجهاد المسلح، بل أن كل سعى يبذل من أجل رفع كلمة التوحيد والدفاع عن الإسلام هو جهاد، وان كان باللسان أو اليد أو القلم أو سائر أنواع المساعدات المادية والمعنوية التى تكون خلف جبهات القتال وتأمين السلاح وكل ما يلزم للحرب هو جهاد وان كان الجهاد المسلح هو أوضح مصاديق الجهاد وأهمها.
2ـ الهدف من الجهاد هو إعلاء شأن كلمة التوحيد ونشر الإسلام وإقامة حكم القرآن بتمام أبعاده ومقاومة الشرك والطغيان والدفاع عن حرية المسلمين واستقلالهم بشرط أن يكون كل ذلك فى سبيل الله، لا من أجل التوسع وتأمين المصالح المادية أو الانتقام.
3ـ الجهاد من أجل خلاص المستضعفين وحماية المحرومين الذين يؤمنون بالله ويطلبون منه أن يمنحهم وليا وقائدا يعين الجهاد من أجل أقامة نظام اجتماعى عادل ومحاربة الظلم والعدوان، هو أيضا من مصاديق «فى سبيل الله» يجب أن يتم على هذه الصوره فقط.
4ـ أداء واجب الجهاد هو من علامات الإيمان وبهذه الوسيلة يمكن التمييز بين المؤمن الحقيقى والمؤمن غير الحقيقى.
5ـ المؤمنون وحزب الله يقاتلون فى سبيل الله وبهذا يعرفون والكفار يقاتلون فى سبيل الطواغيت وبذلك أيضا يعرفون.
6ـ الذين لا يشاركون فى الجهاد من أجل العلاقة بالزوجة أو الولد أو الأب وألام أو المنزل والأموال يجب أن يتوقعوا العواقب الوخيمة (تسلط الكفار وذل المسلمين)
7ـ الذين يجاهدون فى سبيل الله دائما منتصرون، لان كيد الأعداء ضعيف دائما.
8ـ الجهاد واجب كفائى على كل المسلمين فلابد من التعبئة العامة وإعداد جميع الطاقات الممكنة لتتوفر القوة المطلوبة وسائر الخدمات والإمكانات اللازمة.
نماذج من قيادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فى الحرب كان المسلمون يعتبرون الجهاد فريضة إلهية وكان جهادهم ينبع من قوة إيمانهم، هذا الإيمان الذى يعتبر من العوامل الهامة للنصر، وقيادة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان لها دور هام أيضا فى تحقيق النصر، ونشير إلى نماذج منها:
1ـ كان (صلى الله عليه وآله) يعتبر الجهاد ـ ويوحى من القرآن ـ من أجل إعلاء كلمة التوحيد والدفاع عن الإسلام بشرط أن يكون فى سبيل الله وبهذا النحو كان يستغل إيمان الناس.
2ـ من أجل الترغيب بالجهاد والحث عليه كان (صلى الله عليه وآله) يذكر الناس بالحياة الأخروية الخالدة بجمالها ولذتها ويذكرهم بالإقامة فيها مع أولياء الله ويحرك فيهم قوة الإيمان فيثير فيهم حب الجهاد والدفاع إلى الشهادة، {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (24)
{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (25) .
3ـ كان (صلى الله عليه وآله) يذكر المسلمين بشخصيتهم الإيمانية والإسلامية فيقوى فيهم روح العزة والشرف والعظمة ليستردوا شخصيتهم الإيمانية العظيمة ويتمكنوا من الصمود فى وجه الشخصية الكاذبة للكفر والاستكبار:
{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (26)
{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} (27)
{أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا} (28)
{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (29)
{وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (30)
وعن طريق تقوية قوة الإيمان كان (صلى الله عليه وآله) يحارب اليأس والخوف ويوصى المسلمين بالاستناد إلى القوة الإلهية التى لا تقهر:
{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (31)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (32)
{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (33)
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (34)
{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ} (35) .
5ـ وكان (صلى الله عليه وآله) يعتبر الإيمان والثبات أهم عوامل النصر وباستطاعتهما يمكن التغلب على كل عدم توازن القوى وجبران سائر النواقص.
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} (36).
{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (37).
وخلاصة القول:
وهكذا يتبين من خلال حديثنا، أن الإيمان القوى لدى المسلمين والقيادة الحكيمة للرسول (صلى الله عليه وآله) كانا أهم عوامل النصر لدى مسلمى الصدر الأول للإسلام الإيمان وحده هو الذى جمع القبائل المتشتتة تحت راية التوحيد الواحدة ومنحها الاستقلال والحرية والقدرة.
والإيمان هو الذى كان ينطلق بهم إلى صفوف الجهاد ويمنحهم الصبر والثبات والشجاعة وحب الشهادة والإيمان والجهاد هما اللذان صنعا من المسلمين قوة عظمى فى العالم وهيئا لهم كل تلك الانتصارات الباهرة.
ولكن حينما بدأ الإيمان يضعف وأصبحوا غرباء عن واقع الإسلام ونسوا أو تناسوا كثيرا من أركان الإسلام فتركوا الجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ومقاومة الطواغيت والظالمين وضيقوا الخناق على الإسلام وحبسوه فى المساجد والمعابد وصاروا يرون العز فى التحالف مع أعدائهم والقطيعة لأصدقائهم. واستبدلوا بعبادة الله الواحد الأحد طاعة الطواغيت والمستكبرين وبوحدة الأمة الإسلامية الاتحادات القبيلية والعرقية والقومية واللغوية، واستعاضوا عن الاعتماد على قدرة الله بالاعتماد على قوى المستكبرين فى الشرق واو الغرب عند ذاك بدأت عصور الانحطاط والذل والمهانة حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه الآن. والآن لم يعد أمامهم طريق للخلاص إلا طريق العودة إلى القرآن وإلى الإسلام الأصيل وتطبيقه فى كل مجالات حياتهم. وأصبحت تقوية الإيمان والتعلم من تعليمات القرآن وسيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) هى الطريقة الأفضل لإعادة الثورة المحمدية واستعادة ما ضاع من عظمة ومجد. «ولو أرادوا يمكن ذلك» .
نموذج صغير
أن باستطاعتكم أن تروا النموذج المصغر لثورة الإسلام المحمدية العظيمة، فى الثورة الإسلامية الإيرانية وقيادة الإمام الخمينى الذى يهتدى بهدى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وبصفتى شاهدا، استطيع أن أشير إلى نماذج صغيرة من قيادة الإمام هذه.
1ـ إن الصراع مع نظام الشاه كان قد بدأ منذ اللحظات الأولى باعتباره تكليفا شرعيا ودفاعا عن حريم الإسلام والقرآن حيث أن ذلك النظام قد بلغ من مقاومته للإسلام وعداوته له حدا دفعه حتى لتغيير التاريخ الهجرى واستبداله بالتاريخ الشاهنشاهى، ثم انه حذف شرط الإسلام من المجالس البلدية وغير ذلك وقد كان هم زعيم الثورة وقائدها فى جميع مراحل نضاله هو الاحتفاظ بالطابع الإسلامي لثورته ضد أعداء الإسلام.
2ـ وقد بدأت مقاومة نظام الشاه بزعامة إمام الأمة ومساعدة جماعات من الأساتذة والمدرسين وطلاب العلوم الدينية والعلماء وقد عادت المساجد إلى ممارسة دورها الطبيعى والطليعى، وأصبحت مقرا النشر الحقائق والمعارف القرآنية وتقوية الروح الإيمانية وفضح النظام الشاهنشاهى (الطاغوتى) العميل وتعريته أمام الناس جميعا.
3ـ أن زعيم الثورة والمدرسين والعلماء وطلاب العلوم الدينية كانوا لا يألون جهدا ولا يدخرون وسعا فى الدفاع عن الإسلام والقرآن قالوا وكتبوا وناضلوا وفضحوا وتحملوا آلام السجون ومتاعب النفى حتى أصبحوا أقوياء ومحبوبين من قبل الناس لا أنهم انتظروا أن يصيروا أقوياء ليبدوا المقاومة. وكلما كان ضغط الناظم يزيد كان عداؤه للإسلام يبدو أكثر وضوحا، وكانت معها قوة إيمان الناس وشعورهم بالمسئولية تزداد أيضا وحبهم لزعيم الثورة ولكل العلماء المجاهدين يتضاعف، لقد ناضلوا فأصبح المؤمنون يمدون الثورة بالمال، ولم ينتظروا المال ليبدوا المقاومة.
4ـ لم تكن المقاومة مسلحا، وإنما كانت على شكل احتجاجات على الأعمال اللاأسلامية التى يقوم بها النظام، وعلى شكل فضح النظام وتوضيح حقائق الإسلام.
كانت المقاومة تتمثل بالخروج فى المظاهرات وبالإضرابات العامة وتوزيع البيانات وكتابة الشعارات على الجدران وبخلق المضايقات للنظام بمختلف الأشكال، واستمرت المقاومة بهذا الشكل إلى الحد الذى استيقظ معه كل الناس، بل إلى الحد الذى بدأت مجموعات من اقوى العسكرية والنظامية تعود إلى أحضان الشعب وبدأ سلاح الجيش ينتقل إلى أيد المجاهدين، وأصبح النصر على الأبواب.
5ـ كان الإمام بوحى من سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) يؤكد باستمرار فى بياناته وأحاديثه إلى الشعب على تقوية روح الإيمان عند الناس ليثير فيهم روح الجهاد وجب الاستشهاد.
6ـ كان الإمام يؤكد دائما على قوة الإيمان ويعتبرها أهم عوامل النصر ولهذا كان يوجه الناس إلى الأمور المعنوية والروحية ويقوى لديهم روح الإيمان والإخلاص والتضحية والفداء والشجاعة والمقاومة.
7ـ كان يعمل باستمرار على إعادة الحياة إلى الشخصية الإيمانية للناس ويقاوم بكل قواه روح الخوف واليأس والتخاذل لديهم ليعيد إليهم روح العزة والشرف والعظمة الإسلامية التى فقدوها تحت ضغط من إعلام المستعمرين المسموم وقد حافظ الإمام على هذا الأسلوب حتى فى أحلك الظروف وأشد المراحل صعوبة.
8ـ من أجل أن يوحد الشعب اختار أسلوبا واحدا وطريقة لإحياء عنها اعنى الجهاد فى سبيل تطبيق قوانين الإسلام على كل صعيد ومقاومة الشرك والكفر والاستكبار وكان يدعو الناس إلى هذا الأسلوب ويحثهم على إتباعه.
9ـ كان يعتبر كل المسلمين ـ يوحى من القرآن ـ أمة واحدة عليها أن تحافظ على استقلالها وعزتها فى مقابل كل المستكبرين والكفار وان تقطع كل أمل الطواغيت الشرق والغرب وعملائهم وان تستند على الوحدة الإسلامية وقوة الإيمان فقط.
10ـ لقد عادت إلى المسلمين ـ وبتوجيهات الإمام ـ كثير من أحكام الإسلام وقوانينه التى كانت منسية لديهم، فأصبحوا يعتبرونها واجبات إلهية مفروضة عليهم من قبيل الجهاد فى سبيل الله والشهادة ومقاومة الشرك والاستكبار وحماية المستضعفين والمحرومين والنضال من اجل تطبيق كامل لتعاليم القرآن والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
11ـ من أجل تحقيق هذا الهدف الإلهي المقدس، ويوحى من سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) عمل على تعبئة كل المسلمين وإعدادهم للجهاد كل بمقدار طاقته واستطاعته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إيران ـ قم ـ الحوزة العلمية ـ إبراهيم الامينى 20 رمضان 1404
_______________________
(1) الشعراء، 22
(2) الأعراف، 127
(3) النحل، 36
(4) يوسف، 40
(5) النساء، 116
(6) الرعد 36،
(7) النساء 36
(8) النساء، 59
(9) النساء، 141
(10) الممتحنة، 1
(11) آل عمران، 118
(12) النساء 144،
(13) المائدة، 57
(14) التوبة، 73
(15) التوبة، 40
(16) التوبة، 20
(17) الصف، 5
(18) الحجرات، 15
(19) الأنفال، 29
(20) آل عمران، 142
(21) التوبة، 24
(22) النساء، 75 و76
(23) التوبة، 111
(24) آل عمران، 169
(25) المنافقون، 8
(26) الفاطر، 10
(27) النساء، 139
(28) آل عمران، 139
(29) النساء، 141
(30) الأنفال، 49
(31) محمد 7،
(32) آل عمران، 160
(33) الروم، 47
(34) المؤمن، 51
(35) التوبة، 14
(36) الأنفال، 65
(37) آل عمران، 139
 

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية