مركز الصدرين للدراسات السياسية || الدراسات السياسية

مَن الذي بيده سهم الإمام عليه السلام
الشيخ محمّد اليزدي


لا إشكال عندنا في وجوب أداء الخمس من خمسة أشياء بشرائطها: الغنائم، والغوص، والكنز، وأرباح المكاسب، والمال المختلط بالحرام المجهول ـ صاحب الحرام فيه ـ على ما فصّل في محلّه بأدلّته كتاباً وسنّة. كما لا إشكال كذلك في مالكيّة المذكورين الستّة أو الثلاثة ‏الأُول في الآية ‏الشريفة وأنّهم شركاء مع مالك الأربعة ‏الاُخر؛ لمكان اللام في قوله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمتُم مِّن شيء فَأَنّ َ لِلّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ ولِذِى الْقُرْبى وَالْيَتَامى والْمَسَاكِينِ وابنِ السَّبِيلِ...»(1). سواء كانت الأصناف الثلاثة ‏الأخيرة ‏من ذي القربى ـ لعدم تكرار اللام ومقتضى الروايات والعطف ـ أولم تكن، كما فصّل في محلّه.
و من المعلوم أنّ الملكية ‏للّه تعالى بالنسبة ‏إلى سدس الخمس هي الملكية الاعتبارية ‏المجعولة، دون العينية ‏الحقيقية ‏المتحقّقة ‏له تعالى في كلّ الأشياء وفي جميع أجزائها، كذا الحال في ماليكة ‏ الرسول وذي القربى ـ سواء كان المراد منه الإمام المعصوم (عليه السلام) أو بما هو أجلى المصاديق ـ وكذلك بالنسبة إلى مالكية اليتامى والمساكين وابن السبيل؛ فإنّه كما تعتبر الملكية للأشخاص تعتبر للعناوين أيضاً، ولا أقلّ من اعتبار أن تكون المصاديق لتلك العناوين ذوي الحقوق، على الكلام المذكور في محلّه.
1 ـ ثمّ إنّه لا إشكال عندنا أيضاً في وجوب إيصال سهم اللّه تعالى إلى خليفته في أرضه ووليّه بين عباده رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) زمن حياته، وبعد ارتحاله إلى خليفته الإمام المعصوم (عليه السلام)، فإنّه (عليه السلام) وليّ اللّه في أرضه وخليفة رسوله في اُموره، فيصرفه في رضا اللّه تعالى؛ فإنّ رضاه هو المصرف والمتيقّن من صدق وصول مال اللّه تعالى إليه أو فيما يراه، فإنّ فيما رآه (عليه السلام) رضا اللّه تعالى.
2 ـ وكذلك يجب إيصال سهم الرسول إليه في زمن حياته(صلى الله عليه وآله) ليصرفه في شؤون رسالته أو فيما يراه من حوائجه فيتصرف فيه تصرف المال في أمواله الشخصية وإن كان تملّكه لسهمه بعنوانه، وإلى خليفته الإمام المعصوم بعد ارتحاله(صلى الله عليه وآله) فيتصرف فيه كما كان يتصرف فيه الرسول(صلى الله عليه وآله).
3 ـ كما يجب إيصال سهم ذي القربى إليه(صلى الله عليه وآله) زمن حياته؛ حتى يؤدي إليهم حقهم حسب قوله تعالى:«وآتِ ذا القربى حقّه»(2)، أو ليقسم بينهم. وإلى الإمام المعصوم خليفة ‏رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بعد ارتحاله(صلى الله عليه وآله) يتصرف فيه كيف يشاء لو قلنا بأنه المراد من ذي القربى أو بما هو المصداق الأجلى.
وقد تبيّن من ذلك أنّه لابدّ وأن تؤدّى الأسهم الثلاثة ـ سهم اللّه تعالى وسهم رسوله (صلى الله عليه وآله) وسهم ذي القربى ـ إلى الإمام المعصوم (عليه السلام) بعد وفات الرسول (صلى الله عليه وآله) يتصرف فيها ويصرفها في مصارفها؛ وهي رضا اللّه تعالى ورسالة رسوله وشؤون إمامته ـ ويُعرف ذلك بسهم الإمام (عليه السلام) ـ أو يتصرّف فيها كيف يشاء في المصالح وإن تملّكها بعنوان ولاية ‏اللّه وخلافة ‏رسوله وإمامته ووصايته (عليه السلام).
ومهما كان فإنّه (عليه السلام) أعرف بحقّه، وإن كان الأقرب أنّ سهم كل من الثلاثة لابد وأن يصرف فيهم وفي شؤونهم ورضاهم، فإنّ جعل قسم من المال للّه تعالى اعتباراً ـ مع أنه تعالى مالك السماوات والأرض ومالك كل شيءٍ ـ يشعر بلزوم صرفه فينشر دينه وهداية عباده إليه، وكذلك الأمر في سهم الرسول يشعر بافتقار الرسالة إلى صرف المال في سبيل الهداية ‏ والإرشاد وإبلاغ الرسالة وكذلك عنوان الإمام والقرابة فلابد وأن يرجع التصرف فيها إلى مصرفهم، ويعود الحاصل بوجه إلى دين اللّه ورسالة ‏ رسوله وإمامة ‏ خليفته والوصف مشعر بالعليّة.
وكيف كان فلا إشكال عندنا ـ حسب المستفاد من صريح الآية ‏الشريفة أن نصف الخمس ـ ثلاثة أسهم ـ للإمام (عليه السلام) بعد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، ولابد من الإيصال إليه زمن الحياة ‏والحضور، ولا يجوز التصرف فيه بغير إذنه.
ويدلّ عليه أيضاً روايات الباب، نشير إلى بعض منها:
1 ـ محمّد بن الحسن بإسناده، عن سعد بن عبداللّه، عن محمّد بن عبدالجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن عبداللّه بن مسكان، عن زكريّا ابن مالك الجعفي، عن أبي عبداللّه (عليه السلام) أنّه سأله عن قول اللّه عَزّوَجل: « واعلموا أَنمّا غَنِمتم مِن شيء فَأَن لِلّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسول ولِذِي القُربى واليَتامى والمساكينِ وابنِ السَّبيل...» فقال: أمّا خمس اللّه عَزّوجل فللرسول يضعه في سبيل اللّه، وأمّا خمس الرسول فلأقاربه، وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه واليتامى يتامى أهل بيته، فجعل هذه الأربعة ‏أسهم فيهم، وأمّا المساكين وابن السبيل فقد عرفت أنّا لا نأكل الصدقة ولا تحلّ لنا فهي للمساكين وأبناء السبيل.»(3)
2 ـ وعنه، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، عن أبيه، عن عبداللّه بن بكير، عن بعض أصحابه عن أحدهما (عليهما السلام) في قول اللّه تعالى: « واعلموا أنمّا غَنمتم من شيء فأَن للّه خُمُسَه ولِلرّسولِ ولِذِي القُربى واليتامى والمساكين وابن السبيل...». قال: « خمس الله للإمام، وخمس الرسول للإمام، وخمس ذوي القربى لقرابة ‏الرسول الإمام، واليتامى يتامى الرسول، والمساكين منهم وأبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم».(4)
3 ـ وما عن حماد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: «الخمس من خمسة ‏أشياء: من الغنائم والغوص ومن الكنوز ومن المعادن والملاحة، يؤخذ من كلّ هذه الصنوف الخمس، فيجعل لمن جعله اللّه له، ويقسّم الأربعة ‏الأخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك، ويقسّم بينهم الخمس على ستّة ‏أسهم: سهم للّه، وسهم لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، وسهم لذي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل. فسهم اللّه وسهم رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) لأولى الأمر من بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وراثة وله ثلاثة ‏أسهم: سهمان وراثة وسهم مقسوم له من اللّه، وله نصف الخمس كاملاً ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم وسهمُ لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم، يقسّم بينهم على الكتاب والسُّنة...» الخبر.(5)
وغيرها بهذه المضامين ساير روايات الباب، مثل ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام):
نحن واللّه الّذين عنى اللّه بذي القربى، الذين قرنهم اللّه بنفسه وبنبيّه.(6)
هذا كله في الثلاثة ‏المصدرة ‏باللام، وأما الطوائف الأخر ـ أي اليتامى والمساكين وابن السبيل ـ فغير المصدرة ‏باللام؛ ولعله للعطف على ذي القربى حتى تفيد الآية أن المراد بهم إذا كانوا من ذي القربى لا كل يتيم ومسكين وابن سبيل ـ فهم ذوي الحقوق في الخمس من دون شركة والإمام (عليه السلام) هو الذي يؤدي حقهم ويوصله إليهم ويقسمه بينهم حسب مصالحهم، دون كل مكلف.
وأما إن أريد المطلق منهم ـ حتى يجوز إعطائهم من نصف الخمس أيضاً وإن لم يكونوا من ذي القربى إلاّ أنهم أولى من غيرهم مع افتقارهم ـ فلا ينحصر الاطلاع والتشخيص والإعطاء بالإمام (عليه السلام) ونائبه، وللمكلف هنا أن يؤدي إليهم بنفسه مع رعاية ‏هذه الأولوية، ولا أقل أن يؤدي إليهم إذا كانوا من ذي القربى من غير افتقار إلى إجازة ‏الإمام (عليه السلام) أو نائبه.
لكنك عرفتَ أن المراد بهم من كان من آل الرسول، ولا يخرج منهم إلى غيرهم فيجب إيصال سهم الإمام (عليه السلام) ـ بل وما هو المعروف بسهم السادات‏ ـ إليه.
هل روايات التحليل تنفي وجوب دفع الخمس إلى الإمام (عليه السلام) ؟
وأما ما ورد من روايات التحليل فقد صرّحوا (عليهم السلام) فيها بالعلة الموجبة ‏لتحديد الموارد، فإن تعليل التحليل بتطييب الولادة في أكثر روايات الباب ـ ولاسيّما تقييد ذلك التعليل بالتعذر عن التخلص المشار إليه ـ إنما هو في طلب حل الفروج، فلا يشمل ذلك التحليل الخمس الواجب أدائه مما يمكن الإيصال إليه (عليه السلام) أو إلى نائبه الخاص أو العام، كما يدل عليه صراحة روايات، في الباب مثل ما عن محمد بن الحسن وعن علي بن محمد جميعاً، عن سهل، عن أحمد بن المثنّى، عن محمد بن زيد الطبري قال: كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يسأله الإذن في الخمس، فكتب إليه:
بسم اللّه الرحمن الرحيم، إنّ اللّه واسع كريم، ضمن على العمل الثواب، وعلى الضيق الهمّ(7)، لا يحلّ مال إلا من وجه ‏أحلّه اللّه، إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالنا وعلى موالينا وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته، فلا تزووه عنّا ولا تُحرِّموا أنفسكم دعانا ما قدرتم عليه، فإن إخراجه مفتاح رزقكم، وتمحيص ذنوبكم، وما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم، والمسلم من يفي للّه بما عهد إليه، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب، والسلام.(8)
و ما عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه قال:
كنت عند أبى جعفر الثاني (عليه السلام) إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل ـ وكان يتولّى له الوقف بقم ـ فقال: يا سيدي، اجعلني من عشرة ‏آلاف درهم في حلّ فإني قد أنفقتها، فقال له: أنت في حلّ، فلمّا خرج صالح قال أبو جعفر (عليه السلام): أحدهم يثب على أموال(حق) آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فيأخذه ثم يجيء فيقول: اجعلني في حلّ أتراه ظنّ أني أقول: لا أفعل، واللّه ليسألنّهم اللّه يوم القيمة ‏عن ذلك سؤالاً حثيثاً.(9)
فإن صالح بن محمد بن سهل وإن كان يتولى الوقف ولكن طلب الحل لم يكن في أموال الوقف فإنه لا يجوز صرفه في غير ا لموقوف عليهم بوجه، ولا معنى لطلب الحل ولا لإجابته، بل كان لتصرفه في حق الإمام مطلقا ـ من الوقف وغيره ـ بإنفاقه، ودلالة الجواب على لزوم إيصال مال الإمام (عليه السلام) إليه ظاهر ـ وإن جعله الإمام (عليه السلام) في المورد فيحل.
وقريب منها مضامين وتعابير خاصّة تدل على ذلك، كما في جواب قوم قدموا من خراسان على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس، فقال:
... لا نجعل، لا نجعل، لا نجعل لأحدٍ منكم في حلّ.(10)
و ما عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعته يقول:
من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره اللّه، اشترى ما لا يحلّ له.(11)
وأصرح من ذلك كله ما عن محمد بن عثمان العمري عن الناحية ‏المقدسة في جواب مسائله:
و أما ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من أموالنا ويتصرّف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصمائه....(12)
الخمس في زمن الغيبة:
كل ما تقدّم كان بالنسبة إلى زمن حضور الأئمة المعصومين (عليهم السلام) أو الغيبة ‏الصغرى لوجود النواب الخواص لإمام العصر ـ عجل اللّه تعالى فرجه الشريف ـ وإمكان التشرف لملاقاته أو الإيصال إليه وأما بعد ذلك في زمن الغيبة ‏الكبرى ـ كما في زماننا هذا ـ فالنيابة العامة ‏للفقهاء العظام بعد الفراغ عن أدلة المرجعية ‏و الولاية وتسليم إطلاقها، وأنّ لهم ما للإمام (عليهم السلام) وعلى الأمّة الرجوع إليهم في الحوادث الواقعة والتحاكم عندهم، ويجب عليهم قبول أحكامهم وإطاعة ‏أوامرهم، ويحرم الرد عليهم، وأنّ الرادّ عليهم كالرادّ على اللّه، وأنّهم منصوبون من قبلهم (عليهم السلام) لا من باب الحسبة وأنّ تحقيق مقاصد الشرع ـ من حفظ مصالح المسلمين وتولّي الأوقاف وأمور الغيّب والقصّر والمجانين ـ مطلوب أوّلى وتصدّيهم لها بما هم أعرف بها مطلوب آخر كما قيل.
فإذا لم يكونوا مبسوطي الأيدي وقد تسلّط على الأمور حكّام الجور واغتصب حقهم في النيابة والحكومة ‏فلهم ـ حسب تمكّنهم في كل قُطر وجميع التصرف والولاية نيابة ‏عن الإمام (عليه السلام) وإجراء مقاصد الدين والشريعة ‏و العمل بوظائف الولاية، فلهم أخذ سهم الإمام (عليه السلام) وصرفه في شؤون الإمامة والولاية على حسب طاقتهم ونطاق ولايتهم؛ فإن مال الإمام للإمامة، ونوابه فيها منتشرون في أرض اللّه تعالى يتصرفون في أمواله (عليه السلام) حسب مصالح الولاية والنيابة، إضافة ‏إلى بيان الأحكام بعد الاجتهاد والإفتاء.
و أما إذا كانوا مبسوطي الأيدي متسلطين على أمور المسلمين في أيديهم زمامها فالأمر ليس كذلك، فلا يجوز لكلّ من صدق عليه أنه فقيه وتمكن من الاستنباط والإفتاء وحرم عليه التقليد أن يتصرف في مال الإمام ويتقلد نيابته ويتصرف في شؤونه (عليه السلام) وحقوق المسلمين.
فإنك قد عرفت من صراحة ‏الآية ‏الشريفة أن نصف الخمس للإمام (عليه السلام) بما أنه إمام لا بما هو يبلغ أحكام الدين ويجيب أسئلة المؤمنين، بل بما هو وارث الرسول(صلى الله عليه وآله) في رسالته لا في نسبه، وقد كان(صلى الله عليه وآله) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والعلماء ورثة الأنبياء ونواب الأئمة في إمامتهم لا في الإنباء والإخبار بأحكام اللّه تعالى أو بما هم يتمكنون من تشخيص أحكام اللّه ومعرفتها.
وكذلك صريح روايات الباب يدلّ ـ كما عرفت ـ على أن ثلاثة ‏أسهم الخمس للإمام: سهمان وراثة، وسهم أصالة، ولم تكن هذه الوراثة ‏وراثة ‏النسب، بل وراثة ‏المنصب، والفقيه النائب عنه (عليه السلام) ينوبه في إمامته (عليه السلام) وولايته على الأمّة وحق تصرفه في شؤونهم.
وأما بيان الأحكام بعد استنباطها فلا تأثير له في النيابة.
نعم، صيانة ‏الأحكام عن البدع وحفظها من التصرف فيها ـ بإدخال ما ليس منها فيها أو إخراج ما هو من الدين عنه ـ من شؤون الولاية والإمامة كما كان على الإمام المعصوم (عليه السلام) ومعرفة ‏دين اللّه تعالى وأحكامه أصولاً وفروعاً مقدمة ‏لذلك تجب كفاية، والفقهاء بعد تفقّههم يجب عليهم ذلك حسب نطاق طاقتهم عند قبض اليد وعدم القدرة.
وأما في حال البسط والقدرة وسلطة ‏صاحب الحق الفقيه الجامع للشرائط على أمور الأمة وإمامته وولايته فينحصر حق التصرف في جميع شؤون الأمة الإسلامية به، وليس لغيره من الفقهاء ذلك؛ حذراً من الهرج والمرج في مسائل الحكومة ‏والحاكمية. نعم لكل منهم الإفتاء في الفروع‏دون الأحكام الراجعة إلى شؤون الحكومة الموجب لتشعب أبناء الأمة وتفرقهم والذي يؤدّي إلى تسلط الأعداء عليهم، واستعمارهم إيّاهم في جميع أمورهم فيستعبدونهم بذلك.
وبالرغم من أدلة ‏الولاية والنيابة مطلقة ‏أو عامة تشمل كل فقيه مع‏ الشرائط الخاصة، وكثيراً ما يكون العنوان ذا مصاديق عديدة إلا أن طبيعة الإمامة ‏والولاية ‏لا تساعد على التعدد في زمن واحد وفي نطاق واحد، كما كان في حياة ‏الأئمة المعصومين (عليهم السلام) سيّما الحسنين والصادقين والكاظمين والعسكريين عليهم السلام، ولم يكن بالفعل إلا إمام واحد يتبعه ويطيعه‏الآخرون، والنيابة ‏أيضاً كذلك.
نعم، يمكن تحقق النواب المتعددين في أقطار مختلفة وبلاد كثيرة ‏دون قطر واحد وبلد واحد، وعندئذ فسهم الإمام (عليه السلام) لنائبه المبسوطة ‏يده المسيطر على البلد والقطر الذي له الحكم والأمر فيه بتمام شؤونه؛فإنه الذي ينوب الإمام في إمامته وكونه إمام القوم ومقدّمهم، الحافظ لدين اللّه وبلاد المسلمين، المدافع‏عنهم وعن بلادهم، وبيده السلطات اللازمة، والقوى الثلاثة في شكل الحكومة لاسيما أمر العساكر والقوى المسلحة.
وله أن يتصرف في سهم الإمام من الخمس وأمواله الأُخر حسب مصالح الأمة بإشرافه على الأمور ومعرفته بالأولويات؛ فإن تلك الأموال للإمامة ‏وهو نائب الإمام في الإمامة ‏بالفعل، ولا وجه لجواز تصرّف الآخرين مع عدم سهمٍ لهم في الإمامة والولاية وعدم دخلٍ لهم في الحكومة.
ومن المعلوم أن التفقه والاجتهاد وبيان حكم اللّه تعالى حسب الاستنباط لا دخل له في الولاية ‏الفعلية والنيابة العينية وإن كان شرطاً لتطبيق الكلي على الفرد وتعيين المصداق من الوليّّ الفقيه والفقيه الوليّ، كما لا دخل لحجيّة فتواه لنفسه ولمقلديه في كونه ولياً أيضاً مع حضور وليّ آخر مبسوط اليد بالفعل سيّما إذا كان منتخباً من ناحية الفقهاء الفحول الذّين فوّضوا إليه الأمر فلم يبق لهم في أمر الولاية ‏سهم، فلا وجه لجواز تصرفهم في سهم الإمام ومال الإمامة من دون الولاية، كما هو ظاهر.
وما وجدنا في روايات الباب ما يشير إلى أن جواز تصرف الفقيه في أموال الإمام لفقاهته، بل كان لإمامته ونيابته وإن كانت إمامته ونيابته لفقاهته وسائر شرائطه.
فإذا اجتمعت الفقاهة ‏والولاية في مصداق واحد بالفعل فقد أحرز ـ دون غيره ـ ملاك التصرف في أموال الإمام ونصف الخمس بل الخمس من أمواله، فالوليّ الفقيه له ذلك دون الفقيه الذي ليس بوليّ وليس له الحكم بخلاف ما حكم به ‏الوليّ وإن كان له الفتوى في أحكام اللّه ‏تعالى والأمر ظاهر.
ولذلك نرى كثيراً من فقهائنا العظام ـ رضوان اللّه تعالى عليهم ـ من المتقدمين والمتأخرين يفتون بذلك وإليك شطراً من كلماتهم.
1 ـ قال أبو جعفر محمد بن حسن الطوسي(قده) شيخ الطائفة (385 ـ 460 هـ.ق) في الاقتصاد:
والمستحق له من ذكره اللّه تعالى في قوله:« وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ...» فسهم اللّه لرسوله إذا كان باقيا، وإذا مضى رسول اللّه فهذان السهمان مع سهم ذوى القربى لمن قام مقام الرسول من الأئمة يتصرّفه في مؤونة من يلزمه نفقته.(13)
وقال في الخلاف:
مصرف الخمس من الزكاة والمعادن مصرف الفيء، وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي وأكثر أصحابه مصرفها مصرف الزكاة، وبه قال مالك والليث بن سعد... دليلنا:عموم الظاهر والأخبار الواردة في مستحق الخمس، وعليه إجماع الطائفة.(14)
وقال أيضاً:
إذا أخذ الإمام الخمس من مال فليس له أن يرده على من أخذه منه وبه قال الشافعي، وحكي عن أبي حنيفة أنّه قال: له أن يردّه عليه. دلينا: أنّّ الخمس لمستحقّه فلا يجوز أن يعطي من لا يستحقّه، والواجد لا يخلو من أن يكون من أهل الخمس أو من غير أهله، فإن كان من غير أهله فلا يجوز أن يعطاه؛ لأنّه لا يستحقّه، ومن كان من أهله فله‏ مشارك آخر، فلا يجوز إعطاؤه إلاّ أن يقاصّ من غيره.(15)
وقال في المبسوط:
قد ذكرنا في كتاب الزكاة ما يجب فيه الخمس وما لا يجب، ونحن نذكر الآن كيفيّة قسمته.
والخمس إذا أخذه الإمام ينبغي أن يقسّم ستّة ‏أقسام: سهم للّه ولرسوله، وسهم لذي القربى، فهذه الثلاثة ‏أقسام للإمام القائم مقام النبيّ(صلى الله عليه وآله) يصرفه فيما شاء من نفقته ونفقة عياله وما يلزمه من تحمّل الأنفال ومؤن غيره.(16)
وفي فصل ذكر الأنفال ومن يستحقّها بعد ذكر الأنفال قال:
فجميع ما ذكرناه كان للنبيّ(صلى الله عليه وآله) خاصّة، وهيلمن قام مقامه من الأئمة في كلّ عصر، فلا يجوز التصرّف في شيء من ذلك إلاّ بإذنه، فمن تصرّف في شيء من ذلك بغير إذنه كان عاصياً، وما يحصل فيه من الفوائد والنماء للإمام دون غيره، ومتى تصرّف في شيء من ذلك بأمر الإمام وبإباحته أو بضمانه كان عليه أن يؤدّي ما يصالحه الإمام من نصف أو ثلث والباقي له.
هذا إذا كان في حال ظهور الإمام وانبساط يده، وأمّا حال الغيبة فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها ممّا لابدّ له من المناكح والمتاجر والمساكن، فأمّا ما عدا ذلك فلا يجوز التصرّف فيه على حال.
وما يستحقّونه من الأخماس في الكنوز والمعادن وغيرهما في حال الغيبة فقد اختلف أقوال الشيعة ‏في ذلك ليس فيه نصّ معيّن. قال بعضهم... وقال قوم...وقال قوم آخر....(17)
وقال في النهاية:
والخمس يأخذه الإمام فيقسّمه ستّة أقسام: قسماً للّه، وقسماً لرسوله، وقسماً لذي القربى، فقسم اللّه‏و قسم الرسول وقسم ذي القربى للإمام خاصّة ‏يصرفه في اُمور نفسه وما يلزمه من مؤونة ‏غيره.
وسهم ليتامى آل محمد، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم، وليس لغيرهم شيء من الأخماس، وعلى الإمام أن يقسم سهامهم فيهم على قدر كفايتهم ومؤونتهم في السنة ‏على الاقتصاد، فإن فضل من ذلك شيء كان له خاصّة، وإن نقص كان عليه ‏أن يتمّ من خاصّته....(18)
ثمّ قال في باب الأنفال:
الأنفال كانت لرسول اللّه خاصّة ‏في حياته، وهي لمن قام مقامه بعده في اُمور المسلمين ـ إلى أن قال ـ: وليس لأحدٍ أن يتصرّف فيما يستحقّه الإمام من الأنفال والأخماس إلا بإذنه، فمن تصرّف في شيء من ذلك بغير إذنه كان عاصياً، وارتفاع ما يتصرّف فيه مردود على الإمام، وإذا تصرّف فيه بأمر الإمام كان عليه أن يؤدّي ما يصالحه الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع، هذا في حال ظهور الإمام.
فأمّا في حال الغيبة فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها فيما لابدّ لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن، فأمّا ما عدا ذلك فلا يجوز له التصرّف فيه على حال، وما يستحقّونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس فيه نصّ معيّن إلاّ أنّ كل واحد منهم قال قولاً يقتضيه الاحتياط، فقال بعضهم: إنّه جارٍ في حال الاستتار مجرى ما اُبيح لنا من المناكح والمتاجر.(19)
وقال في الجمل والعقود:
يقسم الخمس ستّة ‏أقسام:سهم للّه وسهم لرسوله، وسهم لذي القربى، فهذه الثلاثة للإمام، وسهم ليتامى آل محمّد، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم.(20)
والمستفاد من صراحة تلك الكلمات أنّه كان يعتقد بأنّ الخمس في حياة ‏الرسول(صلى الله عليه وآله) كان‏أمره‏بيده فقط يصرفه فيمؤونته بأقسامها، وبعد مضيّه كان لمن قام مقامه من الأئمّة (عليهم السلام) كذلك، بل كان يعتقد بذلك في الأنفال وفي جميع‏أموال النبي(صلى الله عليه وآله) بما هو نبيّ؛ مستدلاًّ بعموم الظهور في الآيات المرتبطة بالموضوع (21) وروايات الباب المعبّر عنها بإجماع الطائفة.
وفي زمن الغيبة ‏فقد صرّح بعدم جواز التصرّف في خمس الإمام وسهمه، وأشار إلى الأقوال الثلاثة بعد بيان الرخصة فيما لابدّ منه من المناكح والمتاجر والمساكن.
كما أنّ المستفاد أيضاً أنّ المرتكز في ذهنه الشريف أنّ أموال الإمام مطلقاً في حال الغيبة والاستتار لابدّ وأن توصل إليه، ولا يجوز التصرّف فيها بغير إذنه، وحيث لا نصّ معيّن فيه اكتفى بالإشارة ‏إلى الأقوال التي يقتضيها الاحتياط من غير اختيار.
ثمّ ذكر قولاً يخالف الاحتياط لعلّه يشير إلى ميله الشريف بالاحتياط، وليس ذلك إلاّ الإيصال إلى من هو قائم مقام الإمام القائم مقام الرسول(صلى الله عليه وآله).
كما أنّ إطلاق التعابير ـ في مثل: «يأخذه الإمام»، «على الإمام أن يقسم»، «كان له خاصّة »، «كان عليه أن يتمّ» ـ يشمل زمن الغيبة ‏و نائب الإمام، ولا أقلّ من الإشعار به وأنّ التكليف كذلك في مثل زماننا.
ونحن نستظهر من تعبيره(رحمه الله): «قائم مقام النبيّ» أنّه لا يختصّ بزمن دون آخر، وملاك حقّ التصرّف عنده(رحمه الله) هو مسؤولية ‏تحمّل الأنفال المشار إليها في قوله تعالى:« إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً »(22) ومن هو قائم مقام الرسول هو الذي عليه تحمّل هذا القول الثقيل، من أحكام اللّه تعالى وكتابه ‏وإدارة ‏اُمور المسلمين وعباده، فكان ذلك الأمر هو المركوز في ذهنه‏الشريف الموجب لهذا التعبير الذي لم نجده ‏في الكتاب والسنّة.
2 ـ وقال العلاّمة ‏الحلّي(رحمه الله) (647 ـ 726 هـ.ق) في تبصرته:
ويقسم الخمس ستّة ‏أقسام: سهم للّه، وسهم لرسوله، وسهم لذي القربى، فهذه الثلاثة ‏للإمام، وسهم للمساكين من الهاشميّين، وسهم لأيتامهم، وسهم لأبناء سبيلهم.(23)
وفي إرشاده:
يقسم الخمس ستّة أقسام: ثلاثة للإمام (عليه السلام)، وثلاثة لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من الهاشميّين المؤمنين...و الأنفال تختصّ بالإمام، وهي كلّ أرض موات...
ثمّ إن كان ظاهراً «أي الإمام (عليه السلام) » تصرّف كيف شاء، ولا يجوز لغيره التصرّف في حقّه إلاّ بإذنه، ويجب عليه الوفاء فيما قاطع عليه.
وإن كان غائباً ساغ لنا خاصّة ‏المناكح والمساكن والمتاجر في نصيبه، ولا يجب صرف حصص الموجودين فيه، وأمّا غيرها فيجب صرف حصّة الأصناف إليهم، وما يخصّه (عليه السلام) يحفظ له إلى حين ظهوره أو يصرفه من له أهليّة الحكم بالنيابة عنه في المحتاجين من الأصناف على سبيل التتمّة، ولو فرّقه غير حاكم ضمن.(24)
وفي تلخيص المرام ـ بعد بيان ما يجب فيه الخمس ـ قال:
ويُقسم ثلاثة ‏للإمام وثلاثة ‏لليتامى والمساكين وابن السبيل من الهاشميّين ـ على رأىٍ‏ ـ المنتسبين بالأب، وعلى رأى المؤمنين. ومع وجود الإمام يصرف إليه نصيبهم وله فاضلهم وعليه نقيصتهم على رأي، ومع الغيبة يقسم المتولّي للحكم سهمه على رأي.(25)
وفي الرسالة الفخرية ـ بعد بيان ما يجب فيه الخمس ـ قال:
«وينقسم الخمس ستّة أقسام: سهم للّه، وسهم لرسول اللّه(صلى الله عليه وآله)، وسهم لذي القربى، وهذه الثلاثة ‏للإمام (عليه السلام) يتولّى أمرها الحاكم. ونيّة إخراجها: أدفع هذا من حصّة الإمام (عليه السلام) من الخمس الواجب لوجوبه قربة للّه، ثمّ يدفعه إلى الحاكم(أو يفعل به ما يأمره الحاكم به)، ومع التعذّر يعزله(بإذن الحاكم، ولا يجوز بغير إذنه إلاّ إذا تعذّر الحاكم وأراد إيداعه جاز ذلك، فإذا أودعه تعيّن للإمام (عليه السلام) فيقول: أعزل هذا من حصّة ‏الإمام من الخمس الواجب لوجوبه عليَّ قربة إلى اللّه.
وسهم لليتامى من بني هاشم، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم، وهم الآن أولاد أبي طالب والعبّاس والحارث وأبي لهب بشرط الإيمان والفقر.(26)
و من المعلوم أنّ مفاد كلمات العلاّمة (رحمه الله) أصرح في عدم جواز تصرّف غير من بيده الحكم في زمن الغيبة، وأنّ سهم الإمام (عليه السلام) بل كلّ أمواله يتولّى أمرها الحاكم، وهو من له أهليّة ‏الحكم أو المتولّي للحكم بالفعل.
3 ـ وقال الشهيد الأوّل(قده) (734 ـ 786 هـ.ق.) في الدروس:
مستحقّ الخمس الإمام (عليه السلام) واليتامى والمساكين وأبناء السبيل من الهاشميّين بالأب، فهو بينه وبينهم نصفين ـ إلى أن قال‏ ـ: وفي غيبته قيل: يدفن، أو يسقط، أو يصرف إلى الذرّية ‏و فقراء الإماميّة مستحبّاً، أو يوصى به، والأقرب صرف نصيب الأصناف عليهم والتخيير في نصيب الإمام بين الدفن والإيصاء وصلة الأصناف مع الإعواز بإذن نائب الغيبة، وهو الفقيه العادل الإمامي الجامع لشرائط الفتوى....(27)
وفي البيان:
الفصل الثاني: في مصرف الخمس ـ وهو المذكور في الآية ـ: قال الأصحاب:فسهم اللّه ورسوله وذي القربى للإمام (عليه السلام)، والثلاثة الأُخر، وهي النصف ليتامى الهاشميّين ومساكينهم وأبناء سبيلهم ـ إلى أن قال: ـ ومع حضور الإمام يدفع إليه جميع الخمس، فيقسّمه على الأصناف بحسب احتياجهم، والفاضل له والمعوز عليه؛ للرواية ‏عن الكاظم (عليه السلام) (28) ـ إلى أن قال: ـ ومع الغيبة ‏أقوال، أصحّها صرف النصف إلى الأصناف الثلاثة وجوباً أو استحباباً، ولا تجب التسوية ‏بينهم وحفظ نصيب الإمام إلى حين ظهوره. ولو صرفه العلماء إلى من يقصر حاله من الأصناف كان جائزاً، بشرط اجتماع‏صفات الحكم فيهم.(29) انتهى.
وظاهر عباراته الشريفة أنّه(رحمه الله) كان يرى أمر سهم الإمام (عليه السلام) في زمن الغيبة ‏باختيار المكلّف بين الدفن والإيصاء وصلة الأصناف، أمّا إذا اختار التصرّف بالصلة ‏فلابدّ من إذن الفقيه العدل الجامع لشرائط الفتوى. وفي تعبير البيان:«بشرط اجتماع صفات الحكم فيهم» إشارة ‏إلى العلماء، كما هو ظاهر رجوع الضمير إليهم، وكلمة «الحكم» تومئ إلى ما نحن بصدده في الجملة ‏فإنّه غير الإفتاء.
4 ـ وقال أحمد بن محمّد بن فهد الأسدي الحلّي(757 ـ 841 هـ.ق.) في المحرّر في الفتوى:
ويقسم ستّة ‏أقسام: ثلاثة ‏للإمام، وثلاثة ‏لليتامى والمساكين وابن السبيل ممّن ينتسب إلى عبد المطلّب بالأب لا الاُمّ وحدها ـ إلى أن قال: ـ ومع ظهوره (عليه السلام) يصرف إليه، فيفرّق على الأصناف كفايتهم، والفاضل له والمعوز عليه، وفي حال الغيبة ‏يصرف النصف إلى مستحقّه ويصرف مستحقّه (عليه السلام) إلى الأصناف مع قصور كفايتهم، ويتولّى ذلك الفقيه».(30) انتهى.
ومفاد كلامه(رحمه الله) ظاهر، ولم يتعرّض للمسألة ‏في كتابه الموجز الحاوي أصلاً، نعم صرّح في آخر كتاب الزكاة بأنّ « المالك يخرجها(أي الزكاة ) بنفسه أو بوكيله، والإمام أفضل، ويتعيّن مع‏طلبه، فيأثم لو خالف ويجزي، ومع غيبة ‏الفقيه؛ لبصارته وقصدهم له وحطّ الغضاضة عنهم»(31).انتهى.
5 ـ وقال الشيخ أبو القاسم عليّ بن عليّ بن جمال الدين محمّد بن طيّ العاملي في كتابه المسائل:
مسألة 29: الخمس حقّ ثبت للنبيّ (عليهم السلام) ولقرابته عوضاً عن الزكاة.(32)
وقال أيضاً:
مسألة 21: سهم الغائب (عليه السلام) لو وجد من هو في ذمّته أو مستودعاً له رجل ضرير من بني عبدالمطلّب أو زَمِناً أو ذو حاجة ‏هل يجوز له صرفه أو صرف بعضه إلى من هو بهذه الصفة ‏و إن لم يكن الدافع‏مفتياً لكنّه مشتغلاً بالعلم؟
قال: الأمر فيه إلى الحاكم، ولا يجوز التصرّف فيه بغير الحفظ.(33) انتهى.
ومفاد الجواب ظاهر، وذيله يدلّ على أنّ المراد الفقيه الحاكم في زمن الغيبة؛ فإنّه لا معنى لعدم جواز التصرّف فيه بغير الحفظ لزمن الحضور وإمكان الإيصال إليه (عليه السلام).
6 ـ وقال الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين موسى بن بابويه القمّي الملقّب بالصدوق(رحمه الله) (المتوفّى 381 هـ.ق) في الهداية:
كلّ شيء تبلغ قيمته ديناراً فعليه الخمس للّه ورسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، فأمّا الذي للّه فهو لرسوله، وما لرسوله فهو لذوي القربى منهم أقرباؤه، واليتامى يتامى أهل بيته، والمساكين مساكينهم، وابن السبيل ابن سبيلهم، وأمر ذلك إلى الإمام يفرّقه فيهم كيف شاء حضر كلّهم أو بعضهم.(34) انتهى.
والمقصود من كلامه(رحمه الله) ظاهر، وراجع إلى زمن الحضور، إلاّ أن نأخذ بإطلاق معنى كلمة «الإمام» سيّما في تلك المعصور.
7 ـ وقال المفيد(رحمه الله) (336 ـ 413 هـ.ق.) في المقنعة:
وإذا غنم المسلمون شيئاً من أهل الكفر بالسيف قسّمه الإمام على خمسة ‏أسهم، فجعل أربعة ‏منها بين من قاتل عليه، وجعل السهم الخامس على ستّة أسهم، منها ثلاثة له (عليه السلام) سهمان وراثة ‏من الرسول(صلى الله عليه وآله) وسهم بحقّه المذكور، وثلاثة للثلاثة ‏الأصناف من أهله، فسهم لأيتامهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم، فيقسم ذلك بينهم على قدر كفايتهم في السنة ‏و مؤونتهم، فما فضل عنها أخذه الإمام منهم، وما نقص منها تمّمه لهم من حقّه، وإنّما كان له أخذ ما فضل لأنّ عليه إتمام ما نقص.(35) انتهى.
ومفاد كلامه(رحمه الله) ظاهر، سيّما في تعبيره:«سهمان وراثة »؛ لما ذكرنا من أنّ الوراثة ‏هنا وراثة ‏المنصب دون النسب، وكذلك التعليل في قوله:«وإنّما كان له أخذ ما فضل...» فإنّ من عليه إتمام ما نقص هو الإمام الولي لاُمورهم بما هو ولي، وملاك تلك التصرّفات الولاية ‏دون العلم بأحكام اللّه تعالى فقط.
وقال علم الهدى الشريف المرتضى(355 ـ 436 هـ.ق.) في الانتصار:
مسألة: ومما انفردت به الإماميّة ‏القول بأنّ الخمس واجب في جميع المغانم والمكاسب... ـ إلى أن قال: ـ وجهات قسمته هو أن يقسّم هذا الخمس على ستّة ‏أسهم، ثلاثة ‏منها للإمام القائم مقام الرسول(صلى الله عليه وآله) وهي سهم اللّه تعالى وسهم رسوله وسهم ذوي القربى، ومنهم من لا يخصّ الإمام بسهم ذي القربى ويجعله لجميع قرابة ‏الرسول (عليهم السلام) من بني هاشم. فأمّا الثلاثة ‏الأسهم الباقية ‏فهي ليتامى آل محمد (عليهم السلام) ومساكينهم وأبناء سبيلهم، ولا تتعدّاهم إلى غيرهم ممّن استحقّ هذه الأوصاف.(36)
ثمّ ذكر مثل ما نقلناه عن المفيد(رحمه الله) في المقنعة ‏مع توضيح في آخره بقوله: فإن قيل... قلنا....(37)
والاستظهار من كلامه(رحمه الله) أيضاً في تعبيره:«القائم مقام الرسول(صلى الله عليه وآله) » ظاهر لا يخفى.
وقال أبو الصلاح الحلبي(رحمه الله) (374 ـ 447 هـ.ق.) في كتابه الكافي في الفقه:
...ويلزم من وجب عليه الخمس إخراجه من ماله وعزل شطره لوليّ الأمر انتظاراً للتمكّن من إيصاله إليه، فإن استمرّ التعذّر أوصى حين الوفاة ‏إلى من يثق بدينه وبصيرته؛ ليقوم في أداء الواجب مقامه وإخراج الشطر الآخر إلى مساكين آل عليّ وجعفر وعقيل والعبّاس وأيتامهم وأبناء سبيلهم لكلّ صنف ثلث الشطر...(38).انتهى.
ومن المعلوم أنّه كان في ذهنه الشريف أنّ شطر الخمس ـ أي نصفه ـ لوليّ الأمر بما هو ولي الأمر، وإن كان يعتقد بلزوم الإيصال إلى المعصوم (عليه السلام) وكان راجياً لإمكان ذلك قريباً ـ على الأكثر ـ من عمر من يوصي إليه ممّن يثق بدينه ليقوم مقامه في أداء الواجب.
وقال سلاّر (رحمه الله) (المتوفى 448 هـ.ق.) في المراسم:
فأمّا بيان القسمة: فيقسّمه الإمام(عليه السلام) ستّة ‏أسهم، منها ثلاثة له(عليه السلام) سهمان وراثة ‏عن رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وسهم حقّه، وثلاثة ‏أسهم: سهم لأيتامهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم، ويُقسم على قدر كفايتهم في السنة، فما فضل أخذه الإمام (عليه السلام) وما نقص تمّمه من حقه(39). انتهى.
وقد أشرنا من قبل أنّ الوراثة وراثة ‏المنصب دون النسب، وفي زمن الغيبة يكون الفقيه الولي بالفعل هو وارث المنصب عند بسط اليد لا كلّ فقيه.
وقال ابن البرّاج(400 ـ 481 هـ.ق) في المهذّب ـ بعد بيان مستحقّ الخمس وقسمته‏ ـ:
وكلّ ما يختصّ من الخمس بالمساكن أو المناكح أو المتاجر فإنّه يجوز التصرّف فيه زمان غيبة ‏الإمام (عليه السلام)؛ لأنّ الرخصة قد وردت في ذلك لشيعة ‏آل محمّد (عليهم السلام) دون من خالفهم.
وأمّا ما يختصّ به من غير ذلك فلا يجوز لأحد من الناس كافة ‏التصرّف في شيء منه، ويجب على من وجب عليه حمله إلى الإمام (عليه السلام) ليفعل فيه ما يراه، فإن كان (عليه السلام) غائباً فينبغي لمن لزمه إخراج الخمس أن يُقسّمه ستّة ‏أسهم على ما بيّناه، ويدفع منها ثلاثة ‏إلى من يستحقّه من الأصناف المذكورة ‏فيما سلف، والثلاثة الاُخر للإمام (عليه السلام)، ويجب عليه أن يحتفظ بها أيام حياته، فإن أدرك ظهور الإمام (عليه السلام) دفعها إليه، وإن لم يدرك ذلك دفعها إلى من يوثق بدينه وأمانته من فقهاء المذهب ووصّى بدفع ذلك إلى الإمام (عليه السلام) إن أدرك ظهوره، وإن لم يدرك ظهوره وصّى إلى غيره بذلك(40).انتهى.
ثمّ أشار إلى القول بوجوب الدفن وقال:
والأوّل أحوط وأقوى في براءة ‏الذمّة ‏من ذلك.(41)
وقال:
وهذا لا يُعوّل عليه ولا يعمل به.(42)
ومن المعلوم أنّ المغروس في ذهنه الشريف أنّ سهم الإمام للإمام لابدّ وأن يوصل إليه ليفعل فيه ما يراه، ولا وجه لإعطائه غيره، والفقيه الذي ليس بولي بالفعل مع وجود الولي الفقيه بالفعل غيرُ لا وجه لإيصاله إليه.
وقال الرواندي(المتوفّي573ه ـ.ق.) في فقه القرآن:
فصل: وأمّا قسمة ‏الخمس فهو عندنا على ستّة ‏أقسام على ما ذكره اللّه: سهم للّه، وسهم لرسوله، وهذان مع سهم ذي القربى للقائم مقام النبيّ(صلى الله عليه وآله) ينفقهما على نفسه وأهل بيته من بني هاشم، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، كلّهم من أهل بيت الرسول(صلى الله عليه وآله) لا يشركهم فيها باقي الناس؛ لأنّ اللّه عوّضهم ذلك عمّا أباح لفقراء سائر المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل من الصدقات الواجبة ‏المحرّمة ‏على أهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله) وهو قول زين العابدين والباقر (عليهما السلام)، روى الطبري بإسناده عنهما(43).انتهى.
وفي ذيل البحث انتهى كلامه إلى قوله:
وإفراد لفظ ذي من ذي القربى دون أن يكون ذوي القربى على الجمع يحقّق ما ذكرناه أنّه للإمام القائم مقام الرسول (عليه السلام).(44)
واستمرّ كلامه إلى قوله:
و قد بيّنّا أنّ المراد بذي القربى مَن كان أولى [به] من أهل بيته في حياته، وبعد النبيّ هو القائم مقامه؛ وبه قال عليّ بن الحسين (عليه السلام) في رواياتهم، وقال الحسن وقتادة: [سهم] اللّه وسهم رسوله وسهم ذي القربى لوليّ الأمر من بعده، وهو مثل مذهبنا.(45)
والمعلوم من تعابيره: ـ القائم مقام النبيّ أو الرسول، ونقله لوليّ الأمر من بعده، ثمّ ذكره أنّه مثل مذهبنا ـ أنّه كان يعتقد بأنّ سهم الإمام للإمامة ‏وولاية ‏الأمر، ويشمل ذلك زماننا أيضاً سيّما مع عدم ذكر شيء في كلماته من الحضور والغياب.
وقال ابن زهرة ‏الحلبي(قده) (511 ـ 585 هـ.ق.) في الغنية ـ بعد بيان ما يجب فيه الخمس من الأموال ـ:
والخمس يقسم على ستّة أسهم: ثلاثة ‏منها للإمام القائم بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله) مقامه، وهي سهم اللّه وسهم رسوله وسهم ذي القربى وهو الإمام، وثلاثة ‏لليتامى والمساكين وابن السبيل ممّن ينتسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وجعفر وعقيل والعبّاس ـ رضي اللّه عنهم‏ ـ لكلّ صنف منهم سهم يقسّمه الإمام بينهم على قدر كفايتهم للسنة ‏على الاقتصاد...(46).انتهى.
ومن المعلوم أنّ عنوان القائم مقام النبيّ وتكليف التقسيم بين الأصناف على قدر الكفاية ‏طول السنة ‏مع رعاية ‏الاقتصاد يدلاّن على حيثيّة ‏الإمامة ‏و الولاية ‏دون نفس العلم والاطّلاع على أحكام اللّه تعالى.
وقال ابن حمزة في الوسيلة ‏ ـ بعد بيان أنّ ما فيه الخمس ثلاثة ‏و ثلاثين صنفاً ـ:
و نقسم ستّة ‏أقسام: سهم للّه تعالى وسهم لرسوله(صلى الله عليه وآله) وسهم لذي القربى، فهذه الثلاثة ‏للإمام، وسهم لأيتامهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم، وإذا لم يكن الإمام حاضراً فقد ذكر فيه أشياء، والصحيح عندي أنّه يقسّم نصيبه على مواليه العارفين بحقّه من أهل الفقر والصلاح والسداد».(47) انتهى.
وأنت ترى أنّه (رحمه الله) لم يذكر المقسّم وأنّ هذه الوظيفة على أي عاتق، ومن المعلوم أنّ من له الإمامة والولاية ‏هو الأعرف بالموالي العارفين بحقّه وبالفقراء من أهل الصلاح والسداد.
وقال الصهرشتي في إصباح الشيعة ـ بعد بيان موارد الخمس ـ:
والخمس نصفه للإمام القائم مقام الرسول، والنصف ال‏آخر يقسم ثلاثة ‏أقسام: قسم ليتامى آل محمّد وقسم لمساكينهم وقسم لأبناء سبيلهم لا غير، يقسّمه الإمام بينهم على قدر كفايتهم في السنة على الاقتصاد ـ إلى أن قال: ـ فإن فضل شيء كان له خاصّة، وإن نقص كان عليه إتمامه‏من حصّته...»(48). انتهى.
و الاستظهار من كلامه(رحمه الله) كالاستظهار من الكلام السابق في التعبير بالقائم مقام الرسول وكيفيّة ‏العمل عند فضل شيء أو نقصانه كما هو ظاهر.
وقال أبو الحسن بن أبى المجد الحلبي في إشارة ‏السبق إلى معرفة ‏الحقّ ـ بعد بيان ما فيه الخمس ـ:
وقسمته على ستّة أسهم هي:سهم اللّه، وسهم رسوله ومنهم ذي القربى، مالا يستحقّها بعد الرسول سوى الإمام القائم مقامه، وثلاثة ‏ليتامى آل محمّد(صلى الله عليه وآله) ومساكينهم وأبناء سبيلهم...الخ.(49)
وإطلاق الإمام القائم مقام الرسول يستظهر منه استحقاق القائم مقام الإمام في إمامته دون كلّ فقيه.
وقال المحقّق الحلّي(602 ـ 676 هـ.ق) في الشرايع ـ في قسمة الخمس ـ:
يقسم ستّة ‏أقسام: ثلاثة ‏للنبي(صلى الله عليه وآله) وهي: سهم اللّه وسهم رسوله وسهم ذي القربى، وهو الإمام (عليه السلام)، وبعده للإمام القائم مقامه، وما كان قبضه النبيّ أو الإمام ينتقل إلى وارّثه، وثلاثة ‏للأيتام والمساكين وأبناء السبيل ـ إلى أن قال: ـ
الثاني: في كيفيّة ‏التصرّف في مستحقّه، وفيه مسائل:
الأولى: لا يجوز التصرّف في ذلك بغير إذنه، ولو تصرّف متصرّف كان غاصباً، ولو حصل له فائدة ‏كانت للإمام.
الثانية: إذا قاطع الإمام على شيء من حقوقه حلّ له ما فضل عن القطيعة ووجب عليه الوفاء.
الثالثة: ثبت إباحة المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة وإن كان ذلك بأجمعه للإمام أو بعضه، ولا يجب إخراج حصّة ‏الموجودين من أرباب الخمس منه.
الرابعة: ما يجب من الخمس يجب صرفه إليه مع وجوده، ومع عدمه قيل: يكون مباحاً. وقيل: يجب حفظه ثمّ يوصى به عند ظهور أمارة ‏الموت. وقيل:يدفن. وقيل: بل تصرف حصّته إلى الأصناف الموجودين أيضاً؛ لأنّ عليه الإتمام عند عدم الكفاية، وكما يجب ذلك مع وجوده فهو واجب عليه عند غيبته، وهو الأشبه.
الخامسة: يجب أن يتولّي صرف حصّة ‏الإمام في الأصناف الموجودين من إليه الحكم بحقّ النيابة ‏كما يتولّي أداء ما يجب على الغائب».(50)
و صريح كلامه(رحمه الله) فيما نحن بصدده على حدّ ٍ لا نحتاج إلى الاستظهار من عنوان «القائم مقامه» الوارد في أوّل كلامه؛ فإنّ الأشبه بين الأقوال عنده هو التصرّف في حصّة ‏الإمام وصرفه إلى الأصناف وأفتى بأن يتولّى ذلك التصرّف مَن إليه الحكم بحقّ النيابة، وهل هو إلاّ الفقيه الوليّ والوليّ الفقيه بالفعل المبسوط اليد دون كلّ فقيه وإن لم يكن ولياً ؟!.
وقال في المختصر النافع ـ بعد بيان ما فيه الخمس‏ ـ:
ويقسّم الخمس ستّة أقسام على الأشهر: ثلاثة ‏للإمام، وثلاثة ‏لليتامى والمساكين وأبناء السبيل ممّن ينتسب إلى عبدالمطلّب بالأب....(51)
ثمّ قال في المسائل اللاحقة:
الثانية: لايجوز التصرّف فيما يختصّ به مع وجوده إلاّ بإذنه؛ وفي حال الغيبة ‏لابأس بالمناكح، وألحق الشيخ المساكن والمتاجر.
الثانية: يصرف الخمس إليه مع وجوده، وله ما يفضل عن كفاية ‏الأصناف من نصيبهم، وعليه الإتمام لو أعوز، ومع غيبته يصرف إلى الأصناف الثلاثة ‏مستحقّهم. وفي مستحقّه (عليه السلام) أقوال، أشبهها جواز دفعه إلى من يعجز حاصلهم من الخمس عن قدر كفايتهم على وجه التتمّة لا غير.(52) انتهى.
وما ذكره(رحمه الله) هنا عين ما في شرائعه، إلاّ أنّه لم يصرّح بمن كان عليه هذا التصرّف والدفع، ولولا ما ذكره في الشرائع لأمكن النسبة ‏إليه من تجويزه على المكلّف بنفسه، كما هو ظاهر.
وقال العلاّمة ‏الحلّي(رحمه الله) (647 ـ 726 هـ.ق.) في قواعد الأحكام ـ بعد بيان ما يجب فيه الخمس وشرائطه ـ:
«المطلب الثالث: في مستحقّيه، وهم ستّة: اللّه تعالى، ورسوله(صلى الله عليه وآله)، وذو القربى وهو الإمام، فهذه الثلاثة ‏للنبيّ(صلى الله عليه وآله) وهي بعده للإمام (عليه السلام)، واليتامى والمساكين وأبناء السبيل ـ إلى أن قال: ـ وينتقل ما قبضه النبيّ أو الإمام إلى وارثه، وللإمام فاضل المقسوم على الكفاية ‏للطواف مع الاقتصاد، وعليه المعوز على رأي.(53) انتهى.
وهذا البيان من مثل العلاّمة (رحمه الله) في أواخر القرن السابع من الهجرة ـ سيّما التصريح بأنّ فاضل المقسوم على الكفاية ‏للطوائف يكون للإمام وعليه المعوز ـ هل يختصّ بزمن حضور الإمام وحياة النبيّ(صلى الله عليه وآله) وهو(رحمه الله) يبيّن حكم الأزمنة ‏الماضية فقط، أو يشمل زمن حياة العلاّمة ‏و غيبة ‏الإمام أيضاً فكأنّه يرى تقسيم السهام بين الطوائف من وظائف نائب الإمام، ويترتّب عليه أنّ له ما زاد وعليه ما نقص.
وقال الشهيد الأوّل(734 ـ 786 هـ.ق.) في اللمعة ـ بعد بيان ما يجب فيه الخمس ـ:
ويُقسّم ستّة ‏أقسام: ثلاثة ‏للإمام (عليه السلام) تصرف إليه حاضراً، وإلى نوّابه غائباً أو تحفظ؛ وثلاثة ‏لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من الهاشميّين بالأب.(54)
ومن المعلوم أنّ نائب الإمام الغائب هو الفقيه الجامع للشرائط المتصدّي للنيابة المتكفّل اُمور الإمامة ‏بالفعل كما ذكرنا.
وقال المحقّق الأردبيلي(رحمه الله) في زبدته ـ بعد ذكر الآية ‏و نقل تفسيرها من مجمع البيان وذكر ما فيه الخمس ـ:
و مستحقّه على المشهور أيضاً المذكورون، فيقسّم ستّة ‏أقسام: سهم اللّه، وسهم رسوله(صلى الله عليه وآله)، وكذا سهم ذي القربى يضعه حيث يشاء من المصالح، وحال عدمه للإمام القائم مقامه، والنصف ال‏آخر للمذكورين من بني هاشم؛ وذلك للروايات عن أهل البيت (عليهم السلام).(55) انتهى.
ومن المعلوم أنّ قوله: «يضعه حيث يشاء من المصالح، وحال عدمه للإمام القائم مقامه» يشعر بأنّ نصف الخمس ـ المعروف بسهم الإمام (عليه السلام) ـ للمصالح التي يعرفها رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) وبعده الإمام القائم مقامه، فلا بدّ وأن يوضع في غيبته أيضاً موضع المصالح لمن بيده اُمور الرسالة ‏و الإمامة ‏و هو الفقيه الولي الحاكم بالفعل لا كلّ فقيه؛ فإنّ تشخيص المصالح للحاكم الفقيه أقرب إلى الواقع من غيره.
وقال العلاّمة ‏الفقيه النراقي في المستند ـ بعد نقل الأقوال التسعة وذكر قائليها في سهم الإمام (عليه السلام) ـ وهي:
1 ـ السقوط والتحليل.
2 ـ والعزل والإيداع والوصيّة.
3 ـ والدفن.
4 ـ والقسمة ‏بين المحاويج من الذرّيّة.
5 ـ والتخيير بين التحليل والدفن والإيداع.
6 ـ والتخيير بين الدفن والإيداع.
7 ـ والتخيير بين الدفن والإيداع والقسمة ‏بين الأصناف.
8 ـ والتخيير بين الإيداع والقسمة.
9 ـ والقسمة ‏بين موالي الإمام وشيعته من أهل الفقر والصلاح من غير تخصيص بالذرّيّة.
وبعد أن أشار إلى أدلّتهم ونقدها من النقض والإبرام قال:
أقول:أكثر هذه الوجوه وإن كانت مدخولة ‏إلاّ أنّه يدلّ على الحكم ما مرّ من الإذن المعلوم بشاهد الحال؛ فإنّا نعلم قطعاً بحيث لا يداخله شوب شك أنّ الإمام الغائب ـ الذي هو صاحب الحقّ في حال غيبته وعدم احتياجه، وعدم تمكّن ذي الخمس من إيصاله حقّه إليه، وكونه في معرض الضياع والتلف بل كان هو المظنون، وكان مواليه وأولياؤه المتّقون في غاية ‏المسكنة ‏والشدّة ‏والاحتياج والفاقة ‏ ـ راض ٍ بسدّ خُلّتهم ورفع حاجتهم من ماله وحقّه.(56)
ثمّ أطال الكلام في المقام في بيان أنّ الأئمّة (عليهم السلام) هم الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، وهو (عليه السلام) خليفة ‏اللّه في أرضه والمؤمنون عياله كما في مرسلة ‏حماد:«هو وارث من لا وارث له، يعول من لا حيلة له»(57)، وهو منبع الجود والكرم، سيّما مع ما ورد عنهم وتواتر من الترغيب في التصدّق وإطعام المؤمن والسعي في حاجته وتفريج كربته والأمر بالاهتمام باُمور المسلمين، وقالوا في حقّ المسلم على المسلم: إنّ له سبعة ‏حقوق واجبات... إلى آخر الحديث، وإنّ إطلاق رواية ‏محمّد بن يزيد(58) ومرسلة ‏الفقيه(59) يدلّ على أنّ إعطاء الخمس صلة.
ثمّ إنّه(قده) نبّه ـ لدفع توهّم التحليل لصاحب الخمس ولو لم يكن فقيراً ـ بأنّ أداء الخمس فريضة ‏واجبة من جانب اللّه، وأنّ إعطاءه امتثال لأمر اللّه، وأنّ فيه إظهاراً لولايتهم وتعظيماً لشأنهم وسدّاً لحاجة ‏مواليهم، وأنّ ومنه تطهير هم وتمحيص ذنوبهم.
وأشار أيضاً إلى ما ورد من أنّ اللّه تعالى يسأل عنه يوم القيامة ‏سؤالاً حثيثاً، وتراهم (عليهم السلام) قد يقولون في الخمس:
لا نجعل لأحدٍ منكم في حلّ.(60)
و يستنتج(رحمه الله) أنّه لا يشهد الحال برضاه (عليه السلام) لصاحب المال أن يؤدّي خمسه، فيجب عليه أداؤه؛ لأوامر الخمس وإطلاقاته واستصحاب وجوبه.
و معه لم يبقَ إلاّ الحفظ بالدفن أو الوصيّة ‏أو التقسيم بين الفقراء، والأوّلان ممّا لا دليل عليهما؛ فإنّ الدفن والإيداع نوعا تصرّفٍ في مال الغير لا يجوز إلاّ مع إذنه ولا إذن هناك، بل يمكن استنباط عدم رضائه بهما من كونهما معرّضين للتلف ومن حاجة مواليه ورعيّته، فلم يبقَ إلاّ الثالث الذي علمنا رضاه به، فيتعيّن ويكون هو الواجب فينصفه.(61)
ثمّ قال:«فرع: لا تشترط مباشرة النائب العام وهو الفقيه العدل ولا إذنه في تقسيم نصف الأصناف، على الحق؛ خلافاً لبعضهم فاشترطه.و نسبه بعض الأجلّة ‏إلى المشهور ـ ثمّ ذكر وجه ذلك وأجاب عن الوجه ثمّ قال: ـ هل تشترط مباشرته في تقسيم نصف الإمام كما هو صريح جماعة...أم لا، فيجوز تولّي غيره...؟و الحقّ هو الأوّل؛ إذ قد عرفت أنّ المناط في الحكم بالتقسيم هو الإذن المعلوم بشاهد الحال، وثبوته عند من يجوّز التقسيم إجماعي، ولغيره غير معلوم سيّما مع اشتهار عدم جواز تولّي الغير، بل الإجماع على عدم جواز تولية ‏التصرّف في المال الغائب الذي هذا أيضاً منه، خصوصاً مع وجود النائب العام الذي هو أعرف بأحكام التقسيم وأبصر بمواقعه.
ووقع التصريح في رواية ‏إسماعيل بن جابر أنّ العلماء اُمناء(62)، وفي مرسلة ‏الفقيه أنّه قال رسول اللّه(صلى الله عليه وآله): اللّهمّ ارحم خلفائي، قيل: يا رسول اللّه ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون بعدي ويروون حديثي وسنّتي63 وفي روايات كثيرة ‏أنّ العلماء ورثة ‏الأنبياء(64)، وفي مقبولة ابن حنظلة أنّه الحاكم من جانبهم65، وفي التوقيع الرفيع أنّه حجّة من جانبهم(66).
ولا شكّ أنّ مع وجود أمين الشخص وخليفته وحجّته والحاكم من جانبه ووارثه الأعلم بمصالح أمواله والأبصر بمواقع صرفه الأبعد عن الأغراض الأعدل في التقسيم ولو ظنّاً لا يعلم الإذن في تصرّف الغير ومباشرته، فلا يكون جائزاً (67).انتهى.
وكأنّ الفقيه العلاّمة ‏صاحب المستند لم يرَ لسهم الإمام (عليه السلام) بل للخمس مطلقاً وجهاً للتشريع إلاّ سدّ خلّة الفقراء ورفع حاجتهم ولزوم إطعامهم وإكسائهم وتفريج كربتهم والأكد من ذلك الاهتمام باُمور المسلمين والسعي في رفع حوائجهم والمواساة ‏لهم بالمال وما أشبه ذلك؛ فإنّ من الحقوق أن لا تشبع ويجوع.
فإنّه(رحمه الله) لم يشر إلى حيثيّة الإمامة والولاية ‏على المسلمين في مهام الأمور، من إعلاء كلمة ‏اللّه تعالى، ونشر معارف القرآن الكريم والسنّة ‏والعترة، وتشكيل للجان الضرورية في الأمور الثقافية ‏و الاقتصادية ‏و العسكرية ‏إلى مسائل الجهاد والحرب والهدنة.
مع أنّ معرفة ‏موارد الأصلح ومصارف الألزم في تلك الأمور أهمّ وأدقّ من معرفة ‏الجوع والشبع والفقر والغناء في الأفراد.
وإذا كان الاحتياط في الأداء إلى الفقيه لذلك، فالفقيه الوليّ الحاكم العارف بأصلح محاويج الاُمّة ‏الإسلامية، وألزم موارد الصرف مقدّم على غيره كما هو ظاهر.
وقال صاحب العروة ‏الفقيه اليزدي(رحمه الله) في قسمة ‏الخمس:
يقسم الخمس ستّة ‏أسهم على الأصّح: سهم للّه سبحانه، وسهم للنبيّ(صلى الله عليه وآله)، وسهم للإمام (عليه السلام)، وهذه الثلاثة ‏الآن لصاحب الزمان ـ أرواحنا له الفداء وعجّل اللّه فرجه ـ وثلاثة ‏للأيتام والمساكين وأبناء السبيل.
ـ ثم قال: ـ مسألة 7: النصف من الخمس الذي للإمام (عليه السلام) أمره في زمان الغيبة ‏راجع إلى نائبه ـ وهو المجتهد الجامع للشرائط ـ فلا بدّ من الإيصال إليه أو الدفع إلى المستحقّين بإذنه، والأحوط له الاقتصار على السادة ما دام لم يكفهم النصف الآخر، وأمّا النصف الآخر الذي للأصناف الثلاثة ‏فيجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه، لكن الأحوط فيه أيضاً الدفع إلى المجتهد أو بإذنه؛ لأنّه أعرف بمواقعه والمرجّحات التي ينبغي ملاحظتها.(68) انتهى.
ومن المعلوم أنّه إذا كان أمر سهم الإمام (عليه السلام) بيد المجتهد الجامع للشرائط، وإذا كان الأحوط إيصال سهم السادات أيضاً إليه ليصرفه فيهم بما أنّه أعرف بالمواقع وبالمرجّحات عند دوران الأمر، فهل يجوز إعطاؤه لكلّ فقيه بما هو مجتهد جامع للشرائط وهو لا يعرف إلاّ المواقع التي حوله في نطاق محدود بمسجده ومدرسته وتلاميذه فقط مع وجود فقيه جامع للشرائط، متصدٍّ لاُمور المسلمين، مبسوطة ‏يده في اُمورهم، عارف بمصالح الإسلام والمسلمين في نطاق اُوسع، عالم بزوايا اُمورهم الدينية ‏و الدنيويّة، ومطّلع على الزمان وحيل الأعداء وطرق الكفاح معهم وسبل النجاة ‏و الحرية ‏ووسائل الرقي ونشر الإسلام؟.
أم لابدّ من إعطاء سهم الإمام (عليه السلام) بل الخمس بنصفيه بل كلّ أموال الإمام من الأنفال إلى من هو أعرف بالمواقع وأعلم بالمرجّحات؟و لا أقلّ من أن يقال: فكما أنّ الاحتياط هو الإيصال إلى المجتهد الجامع للشرائط بما هو أعرف، كذلك الاحتياط أن يعطى لمن هو أعرف بتلك المواقع وأعلم بالمرجّحات من بينهم، وليس هو إلاّ من تصدّى الأمر بالفعل سيّما بعد انتخابه من قِبل ثلّة ‏من المجتهدين ـ كثّر اللّه أمثالهم ـ وذلك بعد الغمض عن البراءة ‏بالإيصال إليه قطعاً، والشكّ في غيره.
وقال الفقيه المتبحّر الحكيم في مستمسكه في المقام:
قد اختلف الأصحاب فينصف الخمس الراجع إلى الإمام (عليه السلام)
فمن ذاهب إلى إباحته للشعية ‏مطلقاً...
ومن ذاهب إلى وجوب عزله وإيداعه والوصيّة ‏به عند الموت...
ومن ذاهب إلى وجوب دفنه...
ومن ذاهب إلى وجوب صرفه في المحتاجين من الذرّية الطاهرة...
و من ذاهب إلى التخيير بين إيداعه ودفنه...
ـ ثمّ أجاب عن المذاهب بما أجاب، وقال: ـ وفي الجواهر قوّى إجراء حكم مجهول المالك عليه؛ لأنّه منه، إذ العلم بالنسب لا يخرجه عن كونه مجهولاً، بل المراد مجهول التطبيق وإن كان معلوم النسب.
ـ وأشكل عليه‏ ـ بأنّ نصوص مجهول المالك وإن كان بعض موارده كما ذكر وبعضه وارد في من يعرف تطبيقه ولكن لا يعرف محلّه... لكن المانع من إيصال المال إلى صاحبه الجهل بمحلّه... ـ إلى أن قال: ـ بل الملاك تعذّر الإيصال إليه من دون دخل للجهل بالمحلّ حتى يقال بالتصدّق عن صاحبه.
إلاّ أنّذلك لا يشمل المقام مع العلم برضا المالك في صرفه إلى جهة ‏خاصّة، ومع إحراز الرضا بتحقّق الإيصال الواجب، ومع الوثوق بالرضا يكون التصرّف أقرب من التصدّق إلى تحصيل الواجب...
ـ ثمّ، أرسل الكلام إلى قوله: ـ ومن ذلك يظهر أنّ الأحوط إن لم يكن الأقوى إحراز رضاه (عليه السلام) في جواز التصرّف، فإذا اُحرز رضاه (عليه السلام) بصرفه في جهة ‏معيّنة ‏جاز للمالك تولّي ذلك بلا حاجة ‏إلى مراجعة ‏الحاكم الشرعي، كما عن غرية ‏المفيد وفي الحدائق الميل إليه؛ لعدم الدليل على ذلك، كما اعترف به في الجواهر أيضاً. وأدلّة ‏الولاية ‏على مال الغائب مثل قوله (عليه السلام): «جعلته عليكم حاكماً» (69) لا يشمل نفس الجاعل؛ فإنّ للإمام (عليه السلام) ولايتين: إحداهما قائمة ‏بذاته المقدّسة ‏بما أنّه مالك وذو مال ـ كسائر الملاّك وذوي المال ـ المستفادة ‏من قوله(صلى الله عليه وآله): «الناس مسلّطون على أموالهم»(70)، والاُخرى قائمة ‏بما أنّه الإمام وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، وموضوع الثانية ‏غيره، وأدلة ‏ولاية ‏الحاكم إنّما هي في مقام جعل الولاية ‏الثانية ‏له، والإمام خارج عن موردها؛ فإنّه الوليّ لا المولّى عليه، وليس ما يدلّ على جعل الولاية ‏الأوّلية ‏له، بل المقطوع به عدمه.(71)
أقول: مسألة ‏الولاية ‏هنا هي الولاية ‏على ما كان للإمام (عليه السلام) الولاية ‏عليه في حياته وحضوره؛ ونصف الخمس له بما هو الإمام لا يعني به إلاّ أنّ له (عليه السلام) الولاية ‏عليه، والتصرّف فيه من شؤون الإمامة، وليس يعنى به ما أخذه وتصرّف فيه وصار من أمواله الشخصية ‏و إن تملّكه بعنوانه؛ فإنّ الكلام في حكم نصف الخمس ومعنى كونه للإمام (عليه السلام) وأنّ له الولاية ‏في أخذه وصرفه في مصارفه بما هو الإمام.
وأمّا جعل الفقيه حاكماً وقاضياً أي نائباً عنه في اُموره فمعناه أنّه يتصرّف فيها كما كان يتصرّف فيها الإمام بنفسه، فلا وقع لاحتمال ولاية ‏الفقيه على نفس الجاعل وأمواله الشخصية ‏بما هو مالك وذو مال كسائر الملاّك وذوي المال.
ولا يرتفع بذلك شمول أدلّة ‏ولاية ‏الفقيه للأموال التي جعلت له شرعاً بما هو إمام بعد الفراغ عن دلالتها؛ فإنّه وليّ لاُمور المسلمين ومتولًّ لها كما كان الإمام (عليه السلام) وليّاً، فهو ينوبه في التصرّفات.
و كذلك لا يتمّ ما استشكله على القائلين بوجوب تولّي الحاكم لحصّة ‏الإمام (عليه السلام) ـ من مثل الفاضلين والشهيدين، ونُسب إلى أكثر الفقهاء تارة ‏و إلى أكثر المتأخّرين اُخرى ـ بما ذكر، وإرجاع كلماتهم إلى الإجماع وردّه أو إلى أنّ الرجوع إلى الحاكم لإحراز الرضا في التصرّف وأنّ المراجعة ‏تلك كانت لتعيين المصرف لا للتصرّف، فلا دلالة ‏لكلماتهم على ولاية ‏الحاكم على التصرّف في سهم الإمام (عليه السلام) تصرُّفَ الولي فيما له الولاية فيه.(72)
وقد علمنا معنى النيابة ‏و أنّ الفقيه الولي نائب عن الإمام (عليه السلام) يتصرّف في سهمه وأمواله كما كان يتصرّف فيه الإمام (عليه السلام) بنفسه.
ثمّ إنّه(رحمه الله) بعد كلامه متردّد بين القبول والردّ والنقض والإبرام عاد إلى ماكنّا بصدده في الجملة ‏وسلّم ولاية ‏الفقيه في الجهاد المتعلّقة ‏بسهم الإمام دون أصله، مع أنّه وليّ فيه وفي جهاته.
فقال:
نعم ربّما يمكن أن تستفاد ولاية ‏الحاكم على التعيين وعلى الجهات المتعلّقة بالسهم المبارك ممّا ورد فيبعض النصوص من أنّه ليس ملكاً له (عليه السلام) بشخصه الشريف، بل ملك لمنصبه المنيف منصب الزعامة ‏الدينية، فيتولاّه من يتولّى المنصب. ويشير إلى ذلك ما تضمّن أنّ سهم اللّه تعالى وسهم الرسول(صلى الله عليه وآله) راجع إلى الإمام (عليه السلام) (73)، وأنّ عزل الحاكم الشرعي عن الولاية ‏عليه يؤدّي إلى ضياع الزعامة ‏الدينية، والاحتفاظ بها من أهمّ الواجبات الدينية؛ لأنّ بها نظام الدين وبها قوام المذهب وبها تحفظ الحقوق لأهلها، ولولاها لاختلّ أمر الدين والدنيا؛ وإنّي أبتهل إلى اللّه ـ جلّ شأنه ـ في أن يؤيّد ولا تها ويسدّدهم ويرعاهم بعين رعايته، وما توفيقي إلاّ باللّه عليه توكّلت وإليه اُنيب.(74) انتهى.
و لنسأله(رحمه الله): إنّ هذه الزعامة ‏الدينية ‏التي بها تقام الفرائض وتحفظ الحقوق وعلينا أن نبتهل إلى اللّه تعالى حتى يؤيّد ولاتها ويسدّدهم إذا كنّا مع بسط اليد وإعلان الحكومة ‏و تثبيت نظامها ومنظّماتها واستقرارها في قطر وبلد هل تستحكم وتُسدد بإعطاء سهم الإمام (عليه السلام) لكّل من كان فقيهاً يستنبط ومجتهداً يفتي، فيتصرّفون فيه حسب آرائهم المتشتّتة ‏و أنظارهم المختلفة ‏في المصارف والأولويات، ويبقى الفقيه الولي الحاكم بالفعل متصدّياً لاُمور المسلمين ومتولّياً ومسؤولاً عن شؤونهم ـ سيّما لو تزامن ذلك مع ظروف عصيبة ‏ووجود أعداء يكيدون على الإسلام والمسلمين بطرق عديدة ـ من غير مال في يده ليدبّر به اُمورهم ويصلح به شؤونهم، أفهل يمكن ذلك ويصحّ؟!
فإن كانت الولاية ‏على سهم الإمام (عليه السلام) أو على جهاته بما هو ملك منصب الزعامة ‏الدينية ‏ويتولّى ذلك من يتولّى المنصب، وكان عزل الحاكم الشرعي عن الولاية ‏عليه يؤدّي إلى ضياع هذه الزعامة ‏والواجب الاحتفاظ بها، فلا وجه لولاية ‏غير الزعيم من الفقهاء بما هم فقهاء على سهم الإمام (عليه السلام) و أمواله، وليس كلّ فقيه زعيماً وإن كان لابدّ وأن يكون كلّ زعيم فقيهاً.
هذا شطر من فتاوى أصحابنا المتقدّمين والمتأخرين وقريب منها فتوى متأخري المتأخّرين إلى بعض المعاصرين وفي كتاب مجمع المسائل للفقيه الجرفادقاني(رحمه الله) بعد أن ذكر سؤالاً محصّله أنّه:« لا شك أنّ نصف الخمس سهم الإمام (عليه السلام) ملك له ومختصّ به ولا يجوز التصرّف في ملكه إلاّ بإذنه وإجازته، ولا يوجد ما يدلّ على هذه الإجازه لا من الكتاب ولا من السنّة، وما هو المشهور من أنّ الفقهاء نوّاب عنه لا أصل له؛إذ «ربّ مشهور لا أصل له»، وما في روايتي مقبولة ‏عمر بن حنظلة ‏و مشهورة ‏ابن خديجة ‏من قوله (عليه السلام): «قد جعلته عليكم حاكماً» و«قد جعلته عليكم قاضياً» لا يدلّ إلاّ على نفوذ قضاء الفقيه وحجّية ‏فتواه...، والأكثر على جواز تصرّفه في الأمور الحسبية، ولا دليل على وجوب أداء سهم الإمام (عليه السلام) إلى المجتهدين والفقهاء» ـ قال مجيباً عن هذا السؤال ما محصّله‏ ـ:
إنّ ملاحظة ‏أدلّة ‏ولاية ‏الفقيه والدقّة ‏فيها ـ حتى فيما اُشير إليه من الروايتين في السؤال سيّما بمناسبة ‏الحكم والموضوع ـ تعطي اُموراً:
منها: أنّ الأمور العامّة ‏لم تترك في عصر الغيبة ‏مهملة ‏وبلا نظام.
ومنها: أنّ أحكام اللّه تعالى في غير ما اشترط بتصدّي شخص الإمام المعصوم (عليه السلام) أو نائبه الخاصّ لم تُعطّل.
ومن ذلك يستفاد أنّ ولاية ‏الفقيه تشمل كلّما لابدّ وأن يتصدّى له الحاكم والوالي من اُمور المسلمين.
وسهم الإمام (عليه السلام) من الأمور المالية ‏الإسلامية التي أمرها بيد من بيده الأمر، كما كان كذلك فيعصر حياة ‏الرسول (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام)، وكذلك سائر الأئمّة ‏المعصومين (عليهم السلام) كانوا يتولّون تلك الأمور ما لم تمنعهم الموانع.
مع أنّ طبيعة ‏الحكم والتشريع في الأمور المالية ‏من الأخذ والتقسيم تقتضي أن يكون بيد ولي الأمر، ولا دليل على جواز تصرّف من عليه الحقّ.
والحاصل: أنّ ولاية ‏الفقيه على سهم الإمام (عليه السلام) تستفاد من أدلّة ‏الحكومة، مع أنّ ولايته على أموال الغُيّب لحفظ مصالح أموال الناس مقبولة ‏و معتمدة كما يستفاد من رواية ‏محمّد بن إسماعيل بن بزيع: «إذا كان القيّم به مثلك ومثل عبدالحميد فلا بأس»(75)، فبطريق أولى هو وليّ لأموال الإمام الغائب (عليه السلام)؛ حفظاً لمصالحه ورعاية لشؤونه لما نعلم من قوام الأمور المالية ‏الدينية ‏على هذا التصرّف، بل يجب على الفقيه أن يأخذ أموال الإمام (عليه السلام) و يصرفها في مراضيه اليقينية؛ فإنّه لا فرق بين أمواله (عليه السلام) و أموال سائر الغائبين زائداً على جواز تصرّف الفقيه في أمواله (عليه السلام) حسبة في مصالح الإسلام حسب تشخيص الحاكم وتعيينه.

مع أنّ اشتغال ذمّة ‏المكلّف معلوم لا يُعلم بالبراءة إذا تصرّف فيها بنفسه، والفقيه أبصر بالموارد وجهات المصالح الشرعية، وعليه تحصيل البراءة، ولا يكتفي باحتمال الامتثال، وفي مثل المقام لا يصحّ التمسّك بأدلّة ‏البراءة ‏لنفي وجوب الأداء إلى الفقيه.
ثمّ بعد ما ثبت وجوب الأداء إلى الفقيه ووجوب الأخذ عليه يأتي الكلام في كيفيّة ‏صرفه، وما ذكر في المقام ـ من الدفن، أو الحفظ والوصيّة ‏به، أو صرفه في مصارف سهم السادات ـ ضعيف، بل معلوم البطلان؛ فإنّ بعضها تضييع وإتلاف للمال، ونحن نعلم برضا المالك في مصرف خاصّ من حفظ أساس الدين ورفع قواعد الشرع ولواء التوحيد وحفظ معارف الإسلام وتبليغها وذبّ الشبهات عنها، فلا يجوز صرفها في غيرها.
وأمّا صرفها في مصارف السادات بما أنّهم أقرباؤه (عليه السلام) ورحمه فغير موجّه مع وجود مصارف الأهمّ عنده (عليه السلام) و اللّه العالم.(76) انتهى.
وقال(رحمه الله) مثل ذلك في نهاية ‏الاختصار في أكثر من موضع (77)، ومن المعلوم أنّ مدار الجواب ومركز البحث هو العلم برضا المالك في مصارف خاصّة، والفقيه الحاكم هو الذي يكون أبصر وأعلم بتلك المصارف، وصرفه فيها إيصال إليه أو تصرّف فيما كان يتصرّف بنفسه الشريفة ‏لو كان حاضراً، وإذا كان الأمر كذلك فالحاكم الفقيه هو المقدّم على‏الفقيه غير الحاكم، بل لا وجه لتصرّف غير الحاكم؛ لاحتمال وجوب مصرف ألزم وحاجة ‏أشدّ في نطاق حفظ أساس الدين وتشييد القواعد ورفع اللواء، إلاّ أن يأذن له الحاكم المشرف على مجموع المصارف العالم بالأولويات والضرورات، وشمول استدلال الاشتغال ولزوم تحصيل البراءة ‏لذلك أيضاً من العلم بحصولها بأدائها إلى الفقيه الحاكم دون غيره.
وقال الفقيه المتبحّر الخوئي(رحمه الله) في جواب أحد الاستفتاءات:
أمّا نصف الخمس فهو حقّ السادة، ويجب الدفع إلى فقرائهم، وأمّا النصف ال‏آخر الذي يرجع إلى الإمام (عليه السلام) فالتصرّف فيه موقوف على مراجعة ‏الحاكم الشرعي وأخذ الإجازة ‏منه، فيصرفه حسب ما يُعيّنه له، واللّه العالم.(78)
وفي موضع آخر قال:
لو تعذّر الوصول إلى المجتهد المتولّي للاُمور حقّاً تصل النوبة ‏إلى التوصّل بعدول المؤمنين» جواباً عن سؤال ما تقولون في ولاية ‏عدول المؤمنين على سهم الإمام في حالة ‏تعذّرها للمجتهد.(79)
و من المعلوم أنّ تعبيره(رحمه الله) بقوله: «الحاكم الشرعي» و«المجتهد المتولّي للاُمور حقّاً» يفيد أنّ الملاك عنده الحكومة ‏و تولّي الأمور دون نفس الفقاهة، وإن كان الحاكم الشرعي المتولّي للاُمور لابدّ وأن يكون فقيهاً شرعاً، فلا يبعد استفادة ‏وجوب أداء سهم الإمام (عليه السلام) إلى الفقيه الحاكم دون كلّ فقيه من كلامه(رحمه الله) كما لا يخفى.
وقال الأستاذ الأعظم آية ‏اللّه العظمى الفقيد الراحل الإمام الخمينى(رض):
النصف من الخمس الذي للأصناف الثلاثة ‏المتقدّمة ‏أمره بيد الحاكم على الأقوى، فلابدّ إمّا من الإيصال إليه أو الصرف بإذنه وأمره، كما أنّ النصف الذي للإمام (عليه السلام) أمره راجع إلى الحاكم، فلابدّ من الإيصال إليه حتى يصرفه فيما يكون مصرفه بحسب نظره وفتواه أو الصرف بإذنه فيما عيّن له من المصرف، ويشكل دفعه إلى غير من يقلّده إلاّ إذا كان المصرف عنده هو المصرف عند مقلّده كمّاً وكيفاً، أو يعمل على طبق نظره.(80)
وعنه رضوان اللّه عليه:
مسألة 1: ليس لأحد تكفّل الأمور السياسية ـ كإجراءالحدود ـ والقضائية ‏و الماليّة ‏ ـ كأخذ الخراجات والماليات الشرعية ـ إلاّ إمام المسلمين (عليه السلام) و مَن نصبه لذلك.
مسألة 2: فيعصر غيبة وليّ الأمر وسلطان العصر ـ عجّل اللّه فرجه ـ يقوم نوّابه العامّة ـ وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء ـ مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام (عليه السلام) إلاّ البدائة ‏بالجهاد.
مسألة 3: يجب كفاية على النوّاب العامّة ‏القيام بالأمور المتقدّمة ‏مع بسط يدهم وعدم الخوف من حكّام الجور وقدر الميسور مع الإمكان.81
و من المعلوم أنّ صراحة ‏فتاواه(رض) أنّ الخمس كلّه بل الأمور المالية ‏كلّها أمرها إلى إمام المسلمين ومَن نصبه لذلك، وأنّ الفقهاء الجامعين لشرائط الفتوى والقضاءهم نوّابه يقومون مقامه، وعليهم القيام باُموره بقدر الميسور ومهما أمكن حسب بسط أيديهم وعدم الخوف من حكّام الجور، فلهم التصرّف في سهم الإمام وصرفه فيما يكون مصرفاً عندهم حسب فتواهم، بل على المكلّف أن يؤديه إلى مقلّده دون غيره إلاّ مع العلم بوحدة ‏المصرف عندهما، ولكن كلّ ذلك بما هم نوّاب وولاة ‏بنيابتهم عنه (عليه السلام).
وهذا الكلام إنّما هو مع حضور حكّام الجور وضيق نطاق قدرات الفقهاء العظام في البلاد؛ فإنهّم حينئذٍ يقومون مقام الإمام (عليه السلام) بقدر الميسور الذي لا يترك بالمعسور، ولكلّ فقيه أن يتصرّف في تلك الأمور حسب قدرته كما كانت عليه السيرة ‏المستمرة ‏طيلة ‏عصر الغيبة، بل في فترة ‏من زمن الحضور مع حكّام الجور.
وأمّا في زمن الغيبة ‏مع زوال الحكومة ‏الجائرة ‏و تصدّي الفقيه الواحد أمر الولاية ‏و الحكومة ‏ ـ إمّا بحكم شرعي فيتلك الأجواء والظروف حفظاً للأنظمة الشرعية، وإمّا بتفويض الخبراء من الفقهاء الأمرَ إليه وبسط يده وسعة نطاق حكومته ـ فلا وجه لتصدّي سائر الفقهاء أمر الإمامة ‏و الولاية، بل يستفاد من قوله(رض):« يجب كفاية ‏على النوّاب العامّة ‏القيام بالأمور المتقدّمة » أنّه يسقط عن غيره بعد تصدّي أحدهم فليس لهم تكفّل الأمور السياسية كإجراء الحدود، والقضائية ‏كالحكم بأنّ هذا المال المختلف فيه لفلان أو راجع إلى بيت المال، والمالية كأخذ الخراجات والماليات الشرعية ‏مثل الحقوق الشرعية، ومنها ما نحن بصدده مثل سهم الإمام (عليه السلام)؛ فإنّ الملاك عند(رض) أيضاً الولاية ‏والنيابة ‏دون الفقاهة ‏و إن كان يشترط في النيابة ‏و الولاية ‏الفقاهة؛ فإنّ كلّ ولي لابدّ وأن يكون فقيهاً لا أنّ كلّ فقيه وليّ مطلقاً.
وقال ولي أمر المسلمين السيّد علي الخامنئي ـ دام ظلّه ـ فيجواب أحد الاستفتاءات ـ وإن كان السؤال مختصّاً بنصف الخمس، أي سهم الإمام (عليه السلام) ـ:
أنّ السهمين المباركين من المنابع المالية ‏للدولة ‏الإسلامية ‏وأمرهما إلى وليّ أمر المسلمين.
وفي مورد أخر أجاب ـ دام ظلّه‏ ـ:
بأنّه لا فرق بين سهم السادات والسهم المبارك الذي للإمام (عليه السلام).
وفي مورد آخر:
إنّه ليس المكلّف أن يتصرّف في السهمين بنفسه وعندما رأى أمراً لازماً عليه أن يستجيز من ولي أمر المسلمين.
وفي مورد آخر:
إنّ الرأي والفتوى عندنا في الخمس ـ كما ذكر ـ ما كان عند الإمام الراحل ـ رضوان اللّه ـ عليه من أنّ أمر الخمس إلى وليّ أمر المسلمين.(82)
ولنتختم هذا الفصل في نقل الأقوال بما عن كتاب «الفقه على المذاهب الخمسة » لمؤلّفه محمد جواد مغنية ‏في بحث مصرف الخمس، جاء فيه:
قال الشافعية والحنابلة: تقسم الغنيمة ـ وهي الخمس ـ إلى خمسة ‏أسهم، واحد منها سهم الرسول ويصرف على مصالح المسلمين، وواحد يعطى لذوي القربى ـ وهم من انتسب إلى هاشم بالاُبوّة ‏من غير فرق بين الأغنياء والفقراء ـ والثلاثة ‏الباقية ‏تنفق على اليتامى والمساكين وأبناء السبيل، سواء أكانوا من بني هاشم أو من غيرهم.
وقال الحنفية: إنّ سهم الرسول سقط بموته، وأمّا ذوو القربى فهم كغيرهم من الفقراء يعطون لفقرهم لا لقرابتهم من الرسول.
وقال المالكيّة: يرجع أمر الخمس إلى الإمام يصرفه حسبما يراه من المصلحة.
وقال الإمامية: إنّ سهم اللّه وسهم الرسول وسهم ذوي القربى يفوّض أمرها إلى الإمام أو نائبه يضعها في مصالح المسلمين، والأسهم الثلاثة ‏الباقية ‏تعطى لأيتام بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ولا يشاركهم فيها غيرهم.
ـ ثمّ قال ـ:و نختم هذا الفصل بما قاله الشعراني في كتاب الميزان، باب زكاة المعدن: للإمام أن يضع على أصحاب المعدن ما يراه أحسن لبيت المال؛ خوفاً أن يكثر ما ل أصحاب المعدن فيطلبوا السلطان وينفقوا على العساكر، وبذلك يكون الفساد.
وهذا تعبير ثانٍ عن النظرية ‏الحديثة بأنّ رأس المال يؤدّي بأصحابه إلى السيطرة ‏على الحكم، وقد مضى على وفاة ‏صاحب هذا الرأي406 سنوات!.(83) انتهى.
أقول:كيف يفتي فقيه وأمامه كتاب اللّه تعالى يقول:« لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى» فلا يرى للّه سهماً، ويتصوّر أنّ ذكره تعالى تبرّك في مثل هذا السياق، ويسقط عنده سهم الرسول (صلى الله عليه وآله) بارتحاله إلى ربّه، ولا يرى لقرابة ‏الرسول وجهاً، ويصرّح بأنّه يعطى إليهم لفقرهم لا لقرابة ‏الرسول؟!.
___________________
(1) الأنفال:41.
(2) الإسراء:26.
(3) الوسائل6:355، ب1من قسمة الخمس، ح1.
(4) المصدر السابق:356، ح2.
(5) المصدر السابق:358، ح8.
(6) المصدر السابق:356، ح4.
(7) في التهذيبين والمقنعة: على العمل الثواب وعلى الخلاف العتاب، العذاب.
(8) الوسائل6:375، ب3من الأنفال، ح2.
(9) المصدر السابق:ح1.
(10) المصدر السابق:376، ح3.
(11) المصدر السابق:ح5.
(12) المصدر السابق:ح6.
(13) الاقتصاد:283.
(14) الخلاف2:124، مسألة 152.ط ـ جماعة المدرّسين.
(15) المصدر السابق:مسألة 153.
(16) المبسوط1:262.
(17) المصدر السابق:263 ـ 264.
(18) النهاية:198.
(19) المصدر السابق:199 ـ 200.
(20) الجمل والعقود:106.
(21) آية الخمس والأنفال والفيء.
(22) المزمّل:5.
(23) تبصرة المتعلّمين:50.
(24) الإرشاد1:293 ـ 294.
(25) تلخيص المرام:النسخة الخطّية.
(26) الرسالة الفخرية:64، ط ـ آستانه قدس رضوي.
(27) الدروس1:261 ـ 262.
(28) الوسائل6:362، ب2من قسمة الخمس، ح2، الذي نقلنا ذيله.
(29) البيان:349-
(30) المحرّر في الفتوى(ضمن الرسائل العشر):184.
(31) الموجز الحاوي(ضمن الرسائل العشر):132.
(32) مسائل ابن طي، مخطوط.
(33) المصدر السابق.
(34) الهداية:44.
(35) المقنعة:277.
(36) الانتصار:225.
(37) الراجع إلى قوله:«ذي القربى» و«ذوي القربي». انظر: المصدر السابق226.
(38) الكافي في الفقه:174.
(39) المراسم:140.
(40) المهذّب1:180 ـ 181.
(41) و(42). المصدر السابق:181.
(43) فقه القرآن1:243.
(44) المصدر السابق:244 ـ 245.
(45) المصدر السابق.
(46) غنية النزوع:130.
(47) الوسيلة:137.
(48) إصباح الشيعة:27.
(49) إشارة السبق:114.
(50) شرائع الإسلام1:135 ـ 138، ط ـ انتشارات استقلال.
(51) المختصر النافع:125، ط ـ مؤسسة البعثة.
(52) المصدر السابق:126.
(53) قواعد الأحكام 1:62، ط ـ حجرية.
(54) اللمعة الدمشقيّة:45.
(55) زبدة البيان:209.
(56) مستند الشيعة 10:132 ـ 133.
(57) الوسائل6:365، ب1من الأنفال، ح4.
(58) نصّ الرواية:«من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا» الوسائل6:332، ب50 من الصدقة، ح1.
(59) نصّ المرسلة:«من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي شيعتنا»2:55، ب20من صلة الإمام، ح1.
(60) الوسائل6:376، ب3 من الأنفال، ح3.
(61) انظر مستند الشيعة 10:134.
(62) الكافي1:82، ب2 من فضل العلم، ح5.
(63) الوسائل18:65، ب8 من صفات القاضي، ح50.
(64) الكافي1:81، ب2 من فضل العلم، ح2.
(65) الوسائل 18:75، ب9 من صفات القاضي، ح1.
(66) الوسائل18:101، ب11من صفات القاضي، ح9.
(67) مستند الشيعة 10:135 ـ 136.
(68) العروة الوثقى2:195 ـ 197.
(69) الوسائل18:100-99، ب11 من صفات القاضي، ح1و6.
(70) بحار الأنوار2:272، ب32، ح7.
(71) انظر المستمسك9:578 ـ 583.
(72) انظر المصدر السابق:583.
(73) انظر الوسائل6:354، ب1 من قسمة الخمس.
(74) المستمسك9:584.
(75) الوسائل12:270، ب16 من عقد البيع، ح2.
(76) انظر مجمع المسائل:344-341السؤال رقم 1175 من الطبعة الثانية، ورقم379من الطبعة ‏الحديثة.
(77) المصدر السابق
(78) المسائل الشرعية 1:261، الاستفتاء رقم 113.
(79) المصدر السابق:251، الاستفتاء رقم 80.
(80) تحرير الوسيلة 1:335، ط ـ جماعة المدرّسين.
(81) المصدر السابق1:443.
(82) مجموعة الاستفتائات المنشورة في جامعة إصفهان.
(83) الفقه على المذاهب الخمسة:188.

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية