مركز الصدرين للدراسات السياسية || الدراسات السياسية

الفرد والحكومة في الثقافة السياسية الإسلامية
داود فيرحي[1]


الثقافة السياسية هي مجموعة المعتقدات والقيم والمثل التي تحكي الاوضاع التي يجري في اطارها (العمل السياسي)[2]. وهذا التعريف ـ اذ يركز على العمليات النفسية للعمل السياسي ـ يبرز طبيعة السلوك السياسي للمجتمع، من خلال تقديمه الثقافة السياسية كظاهرة نفسية جمعية[3].
وفي العالم الثالث قامت بعض بحوث التنمية بدراسة العلاقة بين (السنة والسياسة). فـ(كليفورد جيرتز ـ Clifford Geertz ) يعتقد ان (الماضي السياسي) (العقائد والسنن) في هذه البلدان، هو العنصر الرئيس الموجه لسياستها اليوم[4]. ولكن، هل يمكن معرفة السنن؟ كيف يمكن معرفة الماضي السياسي للعالم الاسلامي بشكل صحيح؟ ألا يحول الاستغراق في الاجواء المعاصرة دون فهم السنن؟ ايّ وسائل المعرفة يمكنه ان يكشف بوضوح عن ماضينا وحاضرنا معاً؟
ويبدو ان دراسات كتلك التي قام بها (جيرتز) تعاني مشكلة في المنهج المعرفي. ولهذا فهي متورطة بنوع من الدور الباطل. فهذه الدراسات تعتقد ان معرفة الواقع السياسي الحاضر لدول العالم الثالث، يتوقف على فهم السنن السياسية لهذه البلدان، وبالعكس.
إلاّ ان الواقع هو انهم لم يستطيعوا الكشف حقاً عن البعد التقليدي والسنن السياسية لهذه البلدان، بسبب هذه المشكلة. وبعبارة اخرى، لما عجزت هذه الدراسات عن مشاهدة بنية وعناصر النظام اللغوي (Discours) للسنن بشكل عام بوضوح، لم تأت بأكثر من خلاصات وصفية في فهمها لماهية السنن والسياسة اليوم. وهذه المقالة تسلط الضوء على بعض جوانب المشكلة (Probleme)، واضعة امامها الابعاد الاسلامية للثقافة السياسية في الجمهورية الاسلامية في ايران، لتدرس عوامل النزعة التسلطية فيها.
ملامح الثقافة السياسية حاضراً
للثقافة السياسية الايرانية في القرن الاخير تركيبة خاصة، وهذه التركيبة المعقدة التي افرزها تلاقي ثقافات عظيمة، تركت وماتزال آثاراً وانعكاسات مهمة على الساحة السياسية في المجتمع.
يرى احد الكتاب المعاصرين امتياز المجتمع الايراني اليوم في معايشة ثلاث ثقافات مهمة: الثقافة الوطنية والدينية والغربية[5]. ويميز باحثون آخرون ـ بشيء من الدقة ـ اربعاً من الثقافات السياسية على عهد الشاه: الثقافة السياسية الاسلامية ـ الشيعية، الملكية، الليبرالية ـ الوطنية والاشتراكية[6].
وعلى كل، فقد احدث خليط الثقافات السياسية المتناقضة في مجتمعنا تناقضاً عاماً على المستوى السياسي، لفقدان صيغة للتركيب والتأليف (Syntheae) بينها. وكما يوضح بعض الباحثين، فان (اوصال الثقافة السياسية ) قد حولت ـ بلا شك ـ ميدان العمل السياسي الى (بؤرة متناقضات)[7]، وهو يستلهم في ذلك مفهوم (ميشيل فوكو)[8]، ليعتبر تناقضات العمل السياسي نتيجة للانقسام والانحراف المعرفي، فيقول:
تظهر هذه التناقضات على المستوى السياسي كوعي كاذب، وعلى مستوى الفرد كشيزوفرينيا ثقافية، فيؤديان بدورهما الى تيار من الانحراف (distortion)، ينعكس على مستوى التفكير، كما ينعكس على مستوى اخلاق المجتمع وشكله القادم[9].
ويحاول بدراسة ومقارنة نظريتي المعرفة التقليدية والحديثة، تبين الحالة الادراكية وانحرافات العقل المذبذب المعرفة (epistemique ـ Inter ) لدى مثقف العالم الثالث، الذي اختلطت فيه الصور، وخلط بين عالمي المعرفة القديم والجديد لديه.
وسعى ـ كما يقول ـ من خلال الحديث عن علم اضرار النفس والعقل، والكشف عن مراحل هذه الانحرافات، الى طرح (علم آثار التخلف)[10].
وهكذا يبدو من السهل ـ بنموذج هذا الباحث ونتائج (ميشيل فوكو) ـ التنقيب عن الخطوط العامة للثقافة السياسية في ايران، عن طريق دراسة الواقع في الثقافة السياسية، واثره في السلوك السياسي لدى الايرانيين. ونستهدف هنا بالاساس، دراسة الجوانب الاسلامية من الثقافة السياسية في ايران بصورة عامة. ولما كانت الثقافة الاسلامية واحدة من اهم اركان الثقافة السياسية في مجتمعنا، فسوف لن يخلو من النفع طرح هذا السؤال: (كيف يمكن التنقيب عن آثار الثقافة السياسية الاسلامية؟).
ونريد بالثقافة السياسية للاسلام هنا، ذلك النوع من الثقافة السياسية التي تناولتها الكتب العلمية الكلاسيكية لعلماء الاسلام بالتفصيل.
أهمية دراسة الثقافة السياسية الإسلامية
يمكن اعتبار جهود الجيل الحاضر اهم محاولة في (استكشاف السنن)، والتأقلم مع (المفهوم الجديد للحياة الاسلامية)، في عهد ما بعد الثورة الاسلامية. فالثقافة الاسلامية الجديدة التي تستمد مشروعيتها من السنن الاسلامية، لا تمثل ـ بشكل من الاشكال ـ مجرد الرجوع الى الماضي (مفاهيم العصر الوسيط). فكان تقديم تعاريف جديدة لمفاهيم هذه السنة، هو احد الابعاد الثورية التي احياها جيلنا في اذهان الناس وعقولهم[11].
وفي خضم هذا التأقلم، راحت تتشكل ارضيات وعي، يمكن ان تحتل مكانها من التاريخ كحلقة وصل بين ماضي مجتمعنا ومستقبله. ومن اجل هذا الوعي الذي ظهرت علائمه بوضوح، تجب العودة الى الماضي لنقده. وهذه النظرية الجديدة تدعو الى مواءمات وتركيبات، تضع (ثقافتنا وفكرنا السياسي) تحت ضغط شديد، وتجعل بواكير فكرنا عرضة للانهيار باستمرار، بانسياقها الى دعوة (ماضوية) او (تجديدية)[12].
ويبدو أن كبار مفكري جيلنا الحاضر ايضاً، لم يستطيعوا الى الآن حفظ توازنهم، وهم يسيرون على (مضيق الفكر الدقيق) هذا. فعلى المستوى النظري، استسلم آخر الامر مجموعة لماض لا رجعة عنه، في حين تعطلت مجموعة كبيرة عن التفكير، اذ كبلتهم دوامة الحياة او غرقوا في السياسات، ومجموعة ثالثة وقفت على اعتاب التجديد لتحاكم الماضي بذريعة الحضور في دنيا جديدة[13]. واما على المستوى العملي، فلأن هؤلاء المفكرين يجمعهم محيط واحد، فقد قلبوا الحياة الفردية والسياسية الى بؤرة تناقضات، وبسبب حساباتهم الخاطئة، وانحيازهم لهذا الطرف او ذاك بلا رؤية، اصبحوا ادوات فاعلة في التخلف[14].
وترى هذه المقالة، ان حالة تداخل المعرفة قد جعلت المفكرين في مجتمعنا يواجهون باستمرار، مشكلة التدليس المعرفي او الطلاء (Placage) غير الارادي، في الربط بين السنن السياسية وواقع الحياة المعاصرة. وهذا التدليس ـ الذي هو انعكاس لاختلاف الذهنيات على الساحة السياسية ـ ادى باستمرار الى تأخير وعينا لـ (الظروف الزمانية ـ المكانية)، وبالتالي الى سقوطنا في حالة تخلف دائم وهامشية تاريخية لا يمكن تلافيها.
يقول احد الباحثين في توضيح هذه الحالة: الطلي هو تطبيق معتقدات اجنبية عن الواقع على وقائع المجتمع. الطلي طريقة اعمال الانحرافات. قطعة نقدية ذات وجهين: الاول طلي رؤية كونية قديمة على أرض جديدة، لينتهي الامر الى مجتمع تراثي، والآخر طلي قول جديد على ارض قديمة...(وسنصل فى كلا الحالتين في آخر المطاف الى انحراف)[15].
والحقيقة هي ان ما يعانيه مجتمعنا اليوم، هو مشكلة استيعاب معرفة سياسية كهذه، معرفة اصيلة وباصطلاح اليوم (اسلام اصيل). اي ان مفكرينا اليوم، كما هم بحاجة الى العودة الى الماضي، هم بحاجة الى اجتنابه ايضاً. وبتعبير آخر، مفكرنا اليوم يتعامل مع نوعين من (الماضي): اسلام اصيل وسنن تاريخية (او اسلام تاريخي)[16]. و الاعراض عن الاسلام التاريخي والتوجه نحو الاسلام الاصيل، وجهان من الجهد الفكري الذي يضع جيلنا ـ بالضرورة ـ في حالة استثنائية. والمهم هنا هو ان البحث عن الاسلام الاصيل ـ في تاريخ الفكر السياسي الاسلامي ـ لا يقوم على منهج معرفي مستقل يختص به (بعيداً عن المعرفة التقليدية القديمة)، ولهذا يكون ـ بالضرورة ـ (كر الى ما فر) وعود على بدء. ولذلك، يجب ـ في فهم هذه المسألة ـ قبل كل شيء، الكشف عن الوجوه السياسية للاسلام التاريخي، والفكر والثقافة السياسيتين التي افرزتها، كي نتبين خصائصها واسسها.
الثقافة السياسية الإسلامية
كما مر بنا، موضوع الثقافة السياسية هو (حجج) في باب مشروعية السلطة والقدرة السياسية. وهذه الحجج يشوبها الغموض والتعقيد بدرجات متفاوتة، ولاجل هذا تعد الثقافة السياسية الاسلامية من اعقد الموضوعات التي يجب دراستها، ومن اكثرها تضليلا في الوقت ذاته. ربما ان الباحث في هذا الموضوع يواجه باستمرار ركاماً هائلا من المعلومات المتضاربة، لذا لابد له في اي (بحث عقلاني) ان يقوم بعملية بناء وتخطيط. ففي غياب اطار واضح، يستحيل ـ تقريباً ـ تنظيم المعلومات العنيدة في ثقافتنا السياسية.
وبنظرنا، ان موضوعي (الحكم) و (علم السياسة) الاسلاميين ـ كمحورين مهمين للثقافة السياسية ـ يشكلان (اطاراً مفهومياً) مناسباً في تبيين خصائص الثقافة الاسلامية. فالحكم ـ وخاصة الحكم الاسلامي ـ كما يعرفه (دايسون ـ dyson)، في اطار من القيم تدور فيه الحياة العامة، وهو بدوره يوظف القدرات العامة في سبيل تحقيق هذه القيم[17]. وفي المجتمعات الاسلامية ـ ومنها ايران ـ يعد تبدل الحكم تبدلا في الوعي والثقافة السياسية وبالعكس، لما يوجد من نظرة ايجابية تجاه النفوذ السياسي[18].
إن النظريات السياسية للمسلمين ـ بشكل عام ـ عبارة عن تنظير للحكم، وانعكاس للازمات الثقافية السياسية في الذهن. ومن المهم جداً العلم بان اغلب المفاهيم السياسية الرئيسية ـ ان لم تكن جميعاً ـ نشأت في الازمات، او عند مواجهة المجتمع والحكومة الاسلامية قضايا كبرى، شغلت المفكرين المسلمين[19].
وسنشير فيما بعد الى ان المفكرين المسلمين استطاعوا تشييد فكر سياسي مرة واحدة فقط[20]. وعلى هذا، من خلال تأكيد حقيقة ان اصول الفكر السياسي الاسلامي قد ظهرت في فترة تاريخية واحدة وتحت ظروف معينة، وبالاستعانة بمنهج (فوكو) الاثري، واعادة قلب مفهوم الدكتور الطباطبائي، يمكن تناول الظروف التي ظهرت فيها تلك الافكار والموضوعات، وبالتالي مختصات الثقافة السياسية التي نتجت عنها. فالدكتور الطباطبائي قلب عملية التنقيب الاثري عن (شرائط الامكان) الذي جاء به (فوكو)، ليطرح عملية التنقيب الاثري عن (شرائط الامتناع)، في العلوم السياسية للعصر الاسلامي الوسيط، فخطا بذلك خطوة مهمة. ولكن يبدو ان تعميم معطيات منهج (فوكو)، والتنقيب عن شرائط امكان وظهور الفكر السياسي في العصر الاسلامي الوسيط، لا انه لا غبار عليه فحسب، بل وسيلقي ضوءاً على زوايا قاتمة من الثقافة السياسية الاسلامية والايرانية.
ولعلنا الآن، باستخدام مفاهيم بعض الباحثين[21]، واعطاء صورة عن انحرافات وماهية الفكر السياسي في العصر الوسيط، نستطيع تحديد مكان هذا الفكر من تعاليم (مدينة الرسول)، من حيث العلاقة بين الفرد والحكومة. ومفهوم (الشيزوفرينيا الثقافية) الذي طرحه هذا الباحث، يعيننا ـ كوسيلة فعالة ـ على فهم مراكز المعرفة المتداخلة، كما يمكنه الكشف عن حالة التذبذب المعرفي (Inter - epistemique ) الذي عايشه الفكر السياسي في العصر الوسيط، وتحديد انحرافاته قياساً بما كانت عليه (مدينة النبي صلى الله عليه وآله).
ففهم هذه الاوضاع يوفر قاعدة مهمة لتحليل ونقد الثقافة السياسية في العصر الاسلامي الوسيط، اي الاسلام التاريخي.
أسس الثقافة السياسية الإسلامية
مر بنا أن تأسيس الفكر السياسي في الحضارة الاسلامية لم يحصل إلاّ مرة واحدة. فما الف منذ القرون الاسلامية الاولى والى الآن، ليس إلاّ تفصيل اشكال ذلك الفكر السياسي الذي ظهر في العصر الذهبي من الثقافة الاسلامية وتلألأ حتى حين. والاشكال الرئيسة لهذا الفكر هي الفقه السياسي، والرسائل السياسية، والفلسفة السياسية، التي ظهرت جميعاً في فترة محددة، وتحدثت جميعها ـ من الناحية المعرفية وعلاقة الفرد بالدولة ـ بلغة واحدة ( discourse)[22].
ولو امكن هنا استخدام مفهوم نموذج (توماس كوهن)، فسيمكن القول ان الثقافة الاسلامية، لم تجر إلاّ نموذجاً خاصاً في ميدان الفكر السياسي[23]. لهذا الفكر علاقة جوهرية بنزوع جهاز الخلافة الى نظام الحكم الايراني ـ على مستوى التغييرات السياسية الاجتماعية ـ وبالعودة للتقريب بين الفكر الاسلامي والمنطق الايراني واليوناني ـ على مستوى المعرفة.
كل واحد من فروع الفكر السياسي الاسلامي (الفقه والرسائل والفلسفة السياسية) تحكي عن تركيبة خاصة لعودة معرفية من هذا القبيل[24]. وعلى هذا فان دراسة هذا النموذج في ماهيته ومحتواه المنطقي، وتحديد اصوله لتحويلها الى (فكر طبيعي)[25] للمجتمع الاسلامي، سييسر لنا فهم العلاقة بين الفرد والحكومة في الثقافة السياسية الاسلامية.
تكشف اهم المؤلفات في الفكر السياسي الاسلامي من الفقه والفلسفة والرسائل، انه على الرغم من تظاهر الفكر السياسي في العصر الوسيط باستمداده المشروعية من نصوص وسنن مدينة النبي والخلفاء الراشدين، واعتباره نصف القرن الاسلامي الاول عالماً مثالياً، إلاّ ان هذا الفكر ـ في الحقيقة ـ قد خرج بقالب (منطق مرمم) مستلهم من اوضاع الخلافة، لينظر ـ بالضرورة ـ الى نصوص وسنن مدينة النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ مشوهة منتقاة[26].
وبتعبير آخر، على الرغم من تظاهر الخلافة العباسية باقتفائها مدينة النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ والخلفاء الراشدين في مجال الحكم والفكر السياسي، وطبقاً لافكار ابي الحسن الاشعري (260 ـ 324هـ)[27]، إلاّ ان الحقيقة هي ان ظروف الخلافة العباسية هي التي تناولت العصر الاسلامي الاول بنظر خاص، من خلال (منطق مرمم) مستلهم عن الثقافة والسنن الايرانية واليونانية.
ولعل من المفيد الاشارة الى احتلال المنطق الايراني موقعاً ممتازاً في تشكيل الفكر السياسي الاسلامي، على طريق الربط بين السياسة والدين، والنزوع الاكيد لجهاز الخلافة تجاه السنن والتراث الايراني[28]. فليس اعتباطاً ان تنتهي الفروع الثلاثة الرئيسية للفكر السياسي الاسلامي الى شكل من الرسائل السياسية، التي استمرت الى اوائل العهد القاجاري[29].
وعلى اية حال، فان دراسة انتقائية الفكر السياسي في العصر الوسيط، فيما يخص (مدينة النبي صلّى الله عليه وآله) والنصوص الدينية، والتي اخرجت كثيراً من المفاهيم والنصوص عن مجال الفكر والتحليل السياسي لدى المسلمين، يشكل اهمية بالغة في بحثنا هذا. فانه لا يمكن مقارنة ودراسة علاقة الفرد والحكومة في الفكر السياسي لهذا العصر وفي مجموع النصوص الاسلامية إلاّ من خلال دراسة من هذا القبيل.
والمهم في نظرنا هو ان الفكر السياسي للمسلمين ـ ولا سيما التأمل في ماهية الحكومة الاسلامية ـ قد ظهر بعد سنين من التغيرات التي طرأت على الخلافة والحكم[30]. فالمرة الاولى التي طرح فيها سؤال جاد عن معنى الحكومة الاسلامية، كانت عام 132هـ، على عهد مؤسس الدولة العباسية (المنصور)[31]، ثم قام علماء الاسلام (من اهل السنة) برسم خطوطها العامة.
ويرى هؤلاء المفكرون ان الحاكم الاسلامي يستمد سلطته من الله مباشرة، وان طاعته توازي طاعة الله وتقع في ظلها[32]. وقد قام الماوردي ـ كأبرز منظر في الفقه السياسي لاهل السنة ـ آخر الامر بتقديم رؤى جديدة عن عناصر الاشراف في النصوص الاسلامية، ناسبت الاوضاع التي استحدثت[33].
وبالنظر الى طبيعة الدين الاسلامي، فان الملاحظة السابقة تستدعي معنيين مهمين، الاول هو ان الفكر السياسي للعصر الوسيط انعكاس للتركيبة المعقدة للحكومة العباسية. وبعبارة اخرى هناك علاقة معرفية يمكن ادراكها بين منطق هذا الحكم وبين فكرنا السياسي.
ولهذا يمكننا من خلال ادراك ماهية هذه الحكومة، اكتساب وعي مفيد في مجال فكرنا السياسي. والمعنى الثاني هو ان الحكومة العباسية كانت ـ من ناحية ـ حصيلة صراعات فكرية ـ دينية نشبت بسبب توقف الفتوحات والاحتياج الى طاقات جديدة في المجتمع على العهد الاموي، كما كانت ـ من ناحية اخرى ـ بداية انتقال الحكومة الاسلامية الى المفاهيم والسنن الايرانية[34]. وبهذا، لعل من المفيد الاشارة الى التحولات الاولى في الثقافة السياسية، وانتقال الحكومة الاسلامية الى المفاهيم والسنن الايرانية.
تحكي شواهد التاريخ عن ان الحكومة في الاسلام ـ وخلافا للمسيحية ـ ليست شراً بشرياً، بل هي (خير الهي)[35]. فالنبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ تحمَّل ـ الى جانب الرسالة ـ منصبي القضاء والسياسة من قبل الله[36]. وعلى هذا فان السؤال عن كيفية انتقال (المناصب) وتنفيذ الوظائف الثلاث للنبي الاكرم ـ صلّى الله عليه وآله ـ سؤال اساسي في الفكر الاسلامي، اجيب عنه في آخر المطاف، بعد نقاش طويل وفق الاصول الكلامية لابي الحسن الاشعري. ودراسة ماهية هذا الجواب وعلاقته باوضاع الحكومة العباسية هو الهدف الاساس من هذه المقالة.
غالباً ما يسمى مسلسل الحوادث التي جرت في صفين بـ (الفتنة الكبرى). وعلى الرغم من ان هذه الحرب الداخلية الاولى قد انتهت بتنصيب معاوية حاكماً (defacto)[37]، إلا ان المجتمع الاسلامي راح يتساءل بجدية وعمق اكبر: (من هو الحاكم الحقيقي؟).
وهذا السؤال ـ تدريجياً ـ لم يؤد الى انقسام المجتمع الاسلامي في عقيدته بـ(الحاكم والحكومة المشروعة)، بل اثار نقاشات كلامية حساسة.
فعندما طرح الخوارج سؤال (اي الطائفتين المتحاربتين ناجية او مخلدة في النار؟)، قد اثاروا بشكل طبيعي السؤال عن تعريف وشروط المسلم والكافر.
وعلى مسار هذه التساؤلات، قدّم مخالفو الخوارج ـ ومنهم المعتزلة ـ ادلتهم بشكل آخر.
يبين حميد دباشي في كتابه الجديد (القوى السياسية في الاسلام)[38]، عند تحليل حوادث القرن الاول، مسألة ظهور القوى السياسية الرئيسية الثلاث في الاسلام، اي السنة والشيعة والخوارج، في ضوء المفاهيم التي طرحها (فيبر)[39]. وما يهمنا هنا هو جانب من مباحث دباشي، اذ نحاول من خلال ايضاح كيفية ارتكاز القدرة السنية[40] على السنن الايرانية، وطبقاً للمدرسة الكلامية الاشعرية، ان ندرس نشأة الفكر السياسي في العصر الذهبي للخلافة ونستكشف عناصره.
وعلى اية حال، سبقت منا الاشارة الى ان فترة خلافة الامام علي ـ عليه السلام ـ ادت الى العديد من التطورات السياسية المهمة على الساحة الاسلامية، وتحليل احداث هذه الفترة (التي سرت الى كل فترة الخلافة في المدينة) في اعتاب ازمة الخلافة في عهد هشام واحتكاك المسلمين بثقافات اخرى، انطوى على تعقيد خاص وأثار أحداثاً عصيبة.
ففي الوقت الذي اصطدم فيه ايمان المسلمين ـ على بساطته ـ بالفكر المسيحي واللاهوت الزرادشتي، ليواجه عناصر جديدة وتطرح عليه مسألة العقل والدين، كانت الانقسامات السياسية والمشكلات الداخلية تعقد الامر اكثر وتدعو الى مباحث حساسة، كان احدها مسألة مرتكب الكبيرة التي اثارتها الصراعات السياسية ومقتل الامام علي ـ عليه السلام ـ والخليفة الثالث عثمان[41].
فقام المسلمون ببحث هذه القضايا من مختلف جهاتها وطرحوا لوازمها وتبعاتها، واخيراً، ادى البحث الى ان احد طرفي القتال على الخلافة لابد ان يكون مؤمناً والآخر كافراً، الى وضع الوحدة السياسية للمجتمع على حافة الانهيار. فالخوارج، ولا سيما الازارقة (اتباع نافع بن ازرق)، اعتبروا الفاسق في صفين كافراً ومخلداً في النار، لاعتقادهم أن الايمان يتكامل بالعمل.
وفي قبال ذلك، قالت المرجئة بان هؤلاء مؤمنون، يوكل امرهم الى يوم القيامة.
وفي هذه الاثناء، كان الحسن البصري (21ـ110هـ ـ 642ـ728م) يناظر في مسجد الكوفة ويعتبر ـ خلافاً للفريقين ـ ان مرتكب الكبيرة (غير الشرك) منافق. إلاّ ان المسألة ظلت بلا حل الى أن أسس واصل بن عطاء الحركة الفكرية المنظمة للمعتزلة[42].
الفكر السياسي المعتزلي
وفي الازمة التي جرت اوائل القرن الهجري الثاني، خرج واصل بن عطاء (80 ـ131هـ/ 699ـ748م) بحل جديد. فقال: صاحب الكبيرة (احد طرفي القتال في صفين على اقل تقدير) فاسق وفي منزلة بين الكفر والايمان، ولهذا فهو ليس بمؤمن ولا كافر.
وبهذا استطاع واصل تأسيس مذهب الاعتزال في البصرة (الذي كان احد اهم مراكز التحولات الفكرية ـ السياسية)، من خلال اضفاء الاستدلال على رأيه، والتحاق الكثير به.
ويرى العديد من الباحثين ان المعتزلة نشأت بدواع سياسية، وقد ظهرت في تلك الاجواء التي ظهرت فيها المرجئة والشيعة والخوارج. ولم يكن ظهور المعتزلة وطرح نظرية (المنزلة بين المنزلتين)، نتيجة التأمل العقلي الصرف في المسائل فحسب، بل كان السبب الغالب في ذلك هو اصدار حكم صريح في حق من كانت له يد في ازمة خلافة الامام علي عليه السلام[43].
يقول البغدادي في (الفرق بين الفرق)[44] ان انفصال واصل عن استاذه (الحسن البصري)، وطرحه نظرية الاعتزال، كان حفاظاً على المجتمع ابان فتنة الازارقة. فالخوارج كانوا يكفرون اتباع علي عليه السلام، في حين لم يشك اغلب اهل السنة باسلام اصحاب الجمل واتباع الامام علي عليه السلام. وواصل كان يقول ان احدى الطائفتين فاسقة، ولكننا لا نعلم من هي بالضبط. وبهذا اخرج واصل هذا الجدل السياسي ـ الكلامي الى حالة من (موقف صمت).
كما واجه المعتزلة ـ لاعتقادهم بحرية الانسان ـ الجبر الذي طرحه الامويون. فالامويون حاولوا اضفاء المشروعية على انفسهم من خلال التمسك بنظرية الجبر والدفاع عنها، واعتبروا احداث صفين وانتقال الخلافة اليهم امراً محتوماً وقدراً الهياً. إلاّ ان المعتزلة حملوا على مشروعية الخلافة الاموية بالدفاع عن رأيهم في حرية الانسان وارادته، نظراً الى اصول مذهبهم (التوحيد، العدل، الوعد والوعيد، المنزلة بين المنزلتين، الامر بالمعروف والنهي عن المنكر).
فمن البديهي لدى المعتزلة ان الثواب والعقاب الالهي لا يجد مبرراته المنطقية إلاّ عندما يكون الانسان (حراً طليقاً) في افعاله. وعلى هذا، فان المعتزلة ـ تبعاً للحسن البصري ـ وفي اطار منظومة عقلية ـ استدلالية، كانت ترى ان العبد حر، وانه بكامل الاختيار في افعاله، سواء الخير منها والشر، ولا تقدير هناك يدفع الانسان الى عمل معين خلافاً لارادته.
واصرار المعتزلة على هذه العقيدة الشخصية، جعل هذه الفرقة تعرف (العدلية)[45].
وعلى الرغم من ان حركة الاعتزال ازدهرت اوائل نشأتها، إلاّ انها سرعان ما واجهت الازمات وتعثرت في طريقها، واغلقت امامها طرق مهمة على الصعيد النظري والعمل الاجتماعي. فعلى الصعيد النظري، كان قول المعتزلة باصالة العقل والتزامهم الدفاع العقلي عن العقيدة الاسلامية، قد ادى بهم الى موقف يرجحون فيه العقل على الشرع عند اختلافهما، ويؤولون او يطرحون كل ما يخالفه.
واما على الصعيد السياسي ـ الاجتماعي، فان المعتزلة، بينما كانت تدافع بالعقل عن الدين والمجتمع الاسلامي، راحت تتوسل بالقوة في دعم عقيدتها. فما ان امن لهم الخليفة المأمون حتى اخذوا يفرضون عقائدهم ويشردون المخالفين ويقتلونهم. فآل الامر الى التمزق والقتل الدموي في العالم الاسلامي، وانقسامه الى فرقتين متطرفتين تناصران العقل والشرع[46].
على الرغم من اقصاء العقل على عهد المتوكل لصالح اهل الحديث، إلاّ ان ظهور مذهب ابي الحسن الاشعري في الكلام، ادى الى تركيب خاص بين هاتين النزعتين، شاع كمبدأ كلامي في الفكر والثقافة السياسية للمجتمع الاسلامي.
الفكر السياسي في العصر الوسيط
كان المذهب الاشعري اعتراضاً على ما آلت اليه النزعة العقلية المعتزلية، التي آمنت بامكانية ادراك وتبيين العقيدة الاسلامية بمعايير العقل. فهذا المذهب ارتداد عن محاولة يائسة لنظام كلامي عقلي صرف، الى القرآن والسنة وطريقة (السلف) في الصدر الاسلامي الاول وحكومة المدينة. وهذا الارتداد كان سبباً لاعتبار ربع القرن الاسلامي الاول مدينة فاضلة ونموذجاً مثالياً للحكومة الاسلامية، وبالتالي لتسجيل وتطوير الفكر السياسي لدى المسلمين على اساس هذا النموذج والمثال.
وقد استطاع ابو الحسن الاشعري (260 ـ 324هـ = 873 ـ 935م) تحقيق هذا الارتداد النظري من خلال تأسيسه مبدأ (عدالة الصحابة) المهم. فهو ـ خلافاً للمعتزلة في نقدهم العقلي الخاص للظروف السياسية في نصف القرن الاسلامي الاول ـ[47] كان يؤكد (عدالة الصحابة والسلف الصالح) ويقول:
فأما ما جرى بين علي ـ عليه السلام ـ والزبير وعائشة، فانما كان على تأويل واجتهاد...، وكلهم من اهل الاجتهاد وقد شهد النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ بالجنة، والشهادة تدل على انهم كلهم كانوا على حق في اجتهادهم. وكذلك ما جرى بين علي ومعاوية... كان على تأويل واجتهاد، وكل الصحابة أئمة مأمونون غير متهمين في الدين، وقد اثنى الله ورسوله على جميعهم وتعبدنا بتوقيرهم وتعظيمهم وموالاتهم والتبري من كل من ينقص احداً منهم[48].
وبهذا الشكل، وفر المذهب الكلامي الاشعري اساساً نظرياً قوياً للفكر السياسي السني ـ ولاسيما الفقه السياسي ـ بوضعه مبدأ عدالة الصحابة وطرحة الحكومة الاسلامية السابقة كمدينة فاضلة وحكومة مثالية[49] للمسلمين، والتي كانت ـ في حقيقتها ـ تنزع الى اتخاذ النظم الساسانية.
وبتعبير آخر، اصبحت التراث السياسي والحكومي الايراني القديم ـ في اطار هذا المذهب الكلامي وعلى اساس اصوله ومقوماته ـ النموذج المثالي والمعيار النظري للفكر السياسي في الاسلام، وتحول الى المذهب المختار لدى اهل السنة على ايدي منظرين من قبيل الباقلاني والماوردي وامام الحرمين والغزالي وابن خلدون. ومن الطبيعي ـ على ساحة هذه التغيرات ـ توجه الحكومة الاسلامية ـ من الناحية العملية ـ الى الطريق السهل لكتابة الرسائل السياسية في العصر الوسيط[50]، وتمسكها بالنصوص والسنن في بحثها عن المشروعية.
والاشعري الذي هو وليد البيئة المعتزلية الصاخبة وربيبها، كان اول امره من انصار الاعتزال. إلاّ انه بعد بلوغ الاربعين من عمره، اعلن في مسجد البصرة عن رأيه الجديد في مخالفة المعتزلة. ويعتقد (مك دونالد) ان السبب الرئيسي في تغير موقف ابي الحسن، هو الانقسام السياسي ـ العقائدي الذي كان يعيشه المجتمع الاسلامي[51]، فحاول هو التركيب بين عقائد المعتزلة واهل الحديث، ليقدم طريقاً وسطاً، وليطرح بالتالي طريقاً ثالثاً. فهو يتمسك بالعقل في فهم النص، ولكنه ـ من دون اقتداء العقل بالنص ـ بنى مذهبه الكلامي مستخدماً العقل في فهم الشريعة. فأبو الحسن الاشعري ـ برفضه المكانة المطلقة للعقل ـ كان يعتقد ان الوحي كمصدر للحقيقة والواقع، هو اكثر اعتماداً، وان العقل يجب ان يكون مجرد تابع للوحي[52].
والخلاصة هي اننا نرى ثلاثة عناصر بارزة في المذهب الاشعري:
ا ـ القول بنظرية الكسب والاكتساب في أعمال الإنسان (خلافاً لنظرية المعتزلة في خلق الأعمال)، وان الارادة هي العامل الاساس في الثواب والعقاب.
ب ـ الاعتقاد بعدالة الصحابة والسلف الصالح، حيث يرى الأشاعرة انهم مجتهدون مصيبون جميعاً.
ج ـ موقفه الذي ذكرناه من العقل والشرع[53].
وعلى الرغم من تردد بعض الاوساط العلمية والسياسية ـ اول الامر ـ في قبول هذه المبادئ، بل وفي المذهب الاشعري بشكل عام، إلاّ انه ولمبناه الذي اختص به، استقبل اخيراً من قبل نظام الملك في المدارس النظامية وراح يدعى اليه[54].
وهنا، لكي نتأمل اكثر في اهمية مبادئ الاشعري، وكيفية سريان التراث السياسي الايراني من خلال هذا المذهب الى الفكر السياسي الاسلامي، فلنلق نظرة على التغيرات والازمات التي عاشتها الحكومة الاسلامية في العهد الاموي، ثم ننتقل الى دراسة عناصر الاشراف وعلاقة الفرد والحكومة في الفكر السياسي الاسلامي.
أزمة الخلافة الإسلامية وتغيّراته
تعتبر حكومة هشام (105ـ135هـ/ 724ـ743م) في تاريخ الحكم الاسلامي فترة ازمة الخلافة الاموية، حيث واجهت الهيئة الحاكمة آنذاك المشكلة التي يواجهها كل جهاز محدود اتسع واراد تلبية حاجات هذا الاتساع[55]. وعلى هذا، كان من الضروري تغيير المسارات والاساليب والمؤسسات، تلبية لحاجات الاوضاع والطاقات الجديدة للتنمية الاجتماعية. فالى هذا الزمان، كان الحكم الاموي يحمل نزعة عشائرية، وكان ـ في الواقع ـ رأساً صغيراً واحداً يدير دنيا بذلك الحجم والسعة[56].
والحقيقة هي ان هشام كان يواجه مشكلة افرزها عاملان. فأزمة عصر هشام كانت من جهة ناتجة عن الوضع الذي خلقه توقف الفتوحات، والتوتر الذي نشأ عن عودة القوات الى داخل المجتمع، وهو الوضع الذي يصطلح عليه في علم الاجتماع الحديث بأزمة التثبيت والمشاركة[57]. ومن جهة اخرى، كانت لمشكلات هشام جذور في ميراث ربع قرن من الخلافة قبله، والتي تعود الى خصائص الخلافة شبه القبلية في المدينة من بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وآله.
فدولة مدينة النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ التي وجدت اثر انقلاب حياة عرب الجاهلية عموماً وتأسيس النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ (الامة الواحدة)، قد تضمنت مفهوماً جامعاً عن الحياة المدنية والحكومة اللاقبلية، كما يبدو من اول ميثاق عقده النبي صلّى الله عليه وآله[58] فقد اعترف هذا الميثاق رسمياً بدور قبائل يثرب وفصائلها جميعاً. إلاّ ان التشكيلات السياسية على عهد الخلفاء الراشدين قد اتسعت بشكل غير متوازن، ولا سيما على عهد الخليفة العثماني، وبسبب الظروف التي استجدت بعد النبي صلّى الله عليه وآله، فتحولت الى منظمة عسكرية، لما اقتضته ضرورات الحرب والفتوحات. والامويون ورثوا هذه المنظمة وقاموا ببعض التغييرات فيها.
ففي هذا العهد، كان على الهيئة الحاكمة الملائمة بين عاملين:
الاول: هو التقليد الفعلي الذي استعاد انفاسه اثر وفاة الرسول صلّى الله عليه وآله، والذي كان يقف قبال مركزية الحكم، على الرغم من دفعه الى توسيع الفتوحات.
الثاني: هو الضرورة المتزايدة لمركزية الخليفة بما يناسب التوسع الذي حصل في دار الاسلام.
وكان لكل من هذين الامرين آثاره المهمة. فبتأثير من التراث القبلي، انحصرت سلطة الحكم الاموي في شخص الخليفة. ولهذا كانت اية مركزية في الدولة تعني تفضيل احدى القبائل على الاخرى. وبتعبير آخر، كان تمركز السلطة لدى الخليفة ضرورياً في مواجهة الاضطراب الذي تحدثه النزعات القبلية، إلاّ ان اي تمركز كان يعني تقديم مصالح الامويين على القبائل الاخرى واثارة غضبها.
ولهذا قامت الخلافة الاموية على ضرورتين، وكان لابد من حدوث امرين في آن واحد:
الاول: تعميق نفوذ الخليفة وقبيلة بني امية بالتبع.
الثاني: الاستجابة لازمت مشاركة عامة المسلمين.
وعملياً، استندت السلطة الاموية الى القوات الشامية والجيش العربي المحترف بقيادة مروان، فصارت العروبة ـ بالضرورة ـ اساساً لمشروعية بني امية. وفي هذا الوقت، حيث توقفت معظم الفتوحات في آسيا، مالت الخلافة الاموية الى العمل بالنظام السياسي ـ الاداري الساساني، حفاظاً على اوضاعها، الامر الذي جعل الحكم الاموي يواجه مشكلات مهمة. فمن ناحية، وجد هشام مصالح جمة في اتخاذ النظام الساساني، ومن ناحية اخرى، كان النظام الساساني بتشريفاته ومراتبه الادارية يختلف بعمق مع الفكر الاسلامي. وبهذا الشكل، اخذ سلطان بني امية يضيق وينقرض بالتدريج، مع اصرار هشام على ترسيخ كيان الحكم[59].
وبموازاة محاولات هشام ـ ونوابه ـ لاجراء تعديلات في بنية الامبراطورية الاسلامية على اثر الاوضاع الداخلية والخارجية الجديدة، ونتيجة للطاقات التي اضيفت الى المجتمع اثر توقف الفتوحات، اخذ الحكم الاموي يعاني حالة من التناقض الجدلي في داخل المجتمع، صار بالتدريج (تياراً للنقد الذاتي) في قبال النزعة القومية الاموية[60]. وفي ظل هذه الاوضاع، وجدت اتجاهات فكرية ـ مذهبية عديدة، لما بين الدين والسياسة من ارتباط في الفكر الاسلامي.
فادرك هشام ـ بكياسة ـ الاوضاع الجديدة. وتشير شواهد التاريخ الى انه كان بصدد البحث عن اجماع سياسي جديد، من خلال تعزيز المدارس الدينية وتحسين الوضع المالي ـ السياسي لـ(الموالي). وهذا التغيير هيأ أجواء التساؤل عن ماهية الحكم الاسلامي. ولكن بدا ان بني امية لم يجدوا الفرصة الكافية للبحث عن جواب لهذا السؤال.
ولعل التقدير اراد لهذه المهمة ان تقع على عاتق بني العباس. وكان جواب بني العباس ـ الذي يمهد لمشروعية خلافتهم ـ يبتني على الاسس التي اعدها بنو امية لميولاتهم تجاه النظام الساساني من جهة، وللمحاولات الفكرية لمساومة الفكر الاسلامي من جهة اخرى. وفي تيار هذه التحولات ـ التي سنعرض لبعض وجوهها الفكرية فيما يلي ـ ضعف دور الفرد وعناصر الاشراف في التعاليم الاسلامية، وتلاشت بالتدريج لصالح نفوذ الحكم. وعلى هذا، فان اوضاع القرنين الاولين التي لم يتمكن فيها الفكر الاسلامي من الظهور بهيئة جهاز اجتماعي ـ غير الجهاز الحاكم، لم تتح الفرصة لوجود اي جهاز آخر للاشراف في قبال تفرد الجهاز الحاكم.
وفي ظل هذه الظروف، ظهر الفكر السياسي للمسلمين بماهية خاصة، تتسم عموماً بالبحث عن مبررات السلطة والنفوذ.
السياسي الإسلامي
اشرنا الى ان المجتمع الاسلامي نجح مرة واحدة فقط في تأسيس فكر سياسي. والحقيقة هي ان تاريخ المعرفة السياسية في المجتمع الاسلامي ـ بالمعنى الدقيق للكلمة ـ لم يكن سوى تفريع وتفصيل فكر، قام على الكلام الاشعري، وتأسس في العهد العباسي. ولهذا، ليس امامنا إلاّ تناول مقدمات ظهور هذا الفكر، محاولين ـ الى جانب الحديث عن ظروف نشوئه ـ دراسة ماهية وعناصر هذا النموذج في اطار العلاقة بين الفرد والحكومة. ونركز هنا على الفقه السياسي لاهل السنة، لاهمية هذا الجانب من المعرفة السياسية الاسلامية.
ان الفكر السياسي للمسلمين، الذي أسس في عهد العباسيين، هو ـ في الحقيقة ـ اعادة بناء نظرية لـ(الخلافة الاسلامية) في السنّة الايرانية، حيث كانت تعاني هذا التغيير منذ امد بعيد.
في الثالث من ربيع الاول عام 132هـ / 749م، بينما كانت بعض قوات الشام لاتزال تقاوم (الخراسانيين) من (ابناء الدولة الاسلامية)، كان العراق والكوفة يشهدان استقرار حكومة جديدة، قامت بمعونة (الموالي) الايرانيين ـ وعلى السنّة الايرانية[61].
وبعد ان اخذ ابو العباس السفاح البيعة للخلافة، خطب في مسجد الكوفة خطبة، اوضح فيها مجمل ادعاء العباسيين في (الخلافة الاسلامية)، واختصاص قريش بالحكومة، وبعض بواعث الثورة على بني امية[62]. وفي هذه الخطبة، ادعى السفاح ضرورة معرفة حقهم بالخلافة. فهم تلقوا الخلافة بفضل من الله، لا بموافقة الناس فحسب. واوضح السفاح ان هذا الحق ينبع من قرابتهم من رسول الله[63].
وعلى هذا، فبانتصار بني العباس، اصبحت (الامامة) بالضرورة تجلياً لقدرة الله، واستنتاج كهذا حمل في طياته تبعات مهمة في خصوص علاقات الحكومة والمجتمع والفرد. فقد تركت النظريات السابقة (للبغدادي والباقلاني و....) والتي كانت تجعل الامة ـ الى حد كبير ـ مصدر قدرة (الامام)، وتمهد لعناصر اشراف خاصة، كالامر بالمعروف والنهي عن المنكر[64]. وعلى هذا العهد ـ حتى في افكار ابي الحسن الماوردي[65] ـ بدا ان القدرة السياسية تمنح مباشرة من الله الى الامام، ولا مجال لتحديدها من قبل الامة بشكل من الاشكال. ففي فكر الماوردي ـ نظراً لمواصفات الامام او الخليفة ـ يكون اختيار اهل الحل والعقد وسيلة على هامش نصب الخليفة، تنحصر بالكشف عن مصداق الامام لا غير[66].
وفيما يوضحه ابو يوسف ـ مؤلف كتاب الفقه الكبير ـ نجد مفهوم الحاكم كراع للناس قد تأثر بشكل كبير بمفهوم السلطان ظل الله المأخوذ عن نظريات ايران قبل الاسلام، حيث تعتبر حاكميته انعكاساً لسلطان الله المطلق[67].
وبشكل عام، بسريان فكرة استمداد (حاكم المجتمع) قدرته من الله، باتت طاعة الفرد للحاكم امراً ضرورياً، لوجوب طاعة الله. وفي الحين الذي وجدت فيه الخلافة العباسية شخصية لها في اطار السنة السياسية الايرانية بالاضافة الى ميراثها القبلي، كانت عناصر الاشراف في المجتمع الاسلامي قد تخلت عن مواقعها بسرعة ايضاً. فتابع ـ على ذلك ـ الفكر السياسي للمسلمين، الذي كان على وشك (الظهور) باستنشاقه هذه الاجواء، فلم يكن امامه إلاّ تأسيس نظام فكري يعكس على الاغلب نفوذ الحكومة والحاكم. وهذا النظام الفكري الذي هو في الحقيقة تنظير لاوضاع ذلك الزمان، راح بدوره يطرح نفسه في قالب منطق مستحدث ليدافع عن وجوده، ويتخذ من الماضي مصباح هداية له، باستلهام المبادئ الاشعرية. وهذا في حين كان الامر في واقعه على عكس ذلك تماماً، وبتعبير آخر، على الرغم مما كان يبديه هذا الفكر من منطق مستحدث يجعل نصوص وسنن السنين الاولى للمدينة (الخلفاء الراشدين) مثالا يستهدي به العصر العباسي، إلاّ ان الواقع هو ان مفكري هذا العصر راحوا ينتقون ويحللون حكومة النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ والخلفاء الراشدين، متأثرين بنظام معرفي املته ظروف ذلك العصر، ومن الطبيعي انهم نظروا الى تلك السنن والنصوص بعين الانتقاء والتشويه[68].
والنتيجة التي فرضها هذا الانحراف هي المصادقة على هذا النظام المعرفي واعتباره اسلامياً، في حين لم يكن هو في منطقه المستحدث ايرانياً فحسب، بل وفي حقيقة منطقه ايضاً.
ويكشف لنا حسن عباس حسن ـ استاذ الفكر السياسي الاسلامي ـ بحق عن ضرورة التمييز في الفكر السياسي الاسلامي بين المنطق المستحدث والمنطق الطبيعي الواقعي، وان كان حديثه في خارج اطار هذه المقالة.
فهو يحاول من خلال توضيح العلاقة بينهما، دراسة العلاقة بين المنطق المستحدث ـ وبتعبيره (الصياغة المنطقية) ـ وبين النصوص الاسلامية (القرآن والسنة).
فيؤكد حسن عباس حسن بحق ان البحث عن الصياغة المنطقية او المنطق المستحدث لا ينفصل عن الواقع الاجتماعي. وبعبارة ادق، فان الواقع الاجتماعي الذي تتبلور ضمنه الصياغة المنطقية له عظيم الأثر في تحديد مبادئ وقيم ذلك النظام[69].
ويدرس الكاتب ـ بتلك النظرة ـ علاقة احداث السقيفة بنشوء المنطق الشيعي من جهة، وعلاقة حرب صفين بمذهب الخوارج من جهة اخرى، ويبين كيف تتقدم الاحداث الاجتماعية وتؤثر في تركيبة الانظمة الفكرية المستحدثة[70].
وتختص بقية فصول كتاب (الصياغة المنطقية للفكر السياسي الاسلامي) بدراسة تطبيقية للمبادئ والقيم الشيعية والسنية[71].
وعلى اي، فان المهم بالنسبة الينا من بحوث عباس حسن هنا، هو انه فيما يدرس ارتباط الصياغة المنطقية او المنطق المستحدث لفكر ما بالتطورات التاريخية للعصر الذي يظهر فيه، كان يرجع ذلك الفكر الى مجموع النصوص الدينية. فهو يوضح بذلك كيف تعمّد المنطق المستحدث الى انتقاء وتشويه المصادر الاسلامية، على الرغم من صراحة نصوصها في مجال الدور السياسي للفرد[72].
وفي كل الاحوال، فان الفكر السياسي للعهد العباسي ـ من زاوية علاقة الفرد والحكومة ـ كان فكراً منحازاً منتقياً، ولم يكن ينظر الى مجموع النصوص الاسلامية على نمط واحد. فهذا الفكر، لضرورات منطق السلطة الغالب عليه، والذي افرزه الواقع السياسي ـ الاجتماعي آنذاك، قصر نظره على تلك النصوص التي تشم منها رائحة السلطة والنفوذ. وبهذا، نحّيَتْ جميع النصوص الاسلامية التي كانت خارج المنطق المستحدث لهذا الفكر، والتي كانت تؤكد الجوانب الفردية والمسؤولية المدنية[73].
وكانت النتيجة الطبيعية لهذه الاوضاع، ان سرى فقدان (عناصر الاشراف) في الكيان العباسي الى اعماق منطق الفكر السياسي، الذي رسم المعالم العامة لهذا الفكر على مدى طويل، امتد الى ايام النزاع مع الثقافة الغربية.
وبعبارة ثانية، كانت النظرية السياسية للمسلمين، والواقع الاجتماعي ـ السياسي المستحدث على العهد العباسي بشكل مؤسسات ايرانية، قد مثَّلا وجهين مبتكرين للخلافة العباسية، استمد كل منهما قوته من الآخر، واعد له الدعم اللازم.
فدراسة علاقة الفرد والحكومة في الفكر السياسي والواقع الاجتماعي في هذا العهد من جهة، والبحث عن تلك العلاقة في مجموع النصوص الدينية وتجارب السنوات الاولى للحكومة الاسلامية من جهة اخرى تبين لنا كيف انبثقت المعرفة السياسية للمسلمين من واقع الحال في العصر العباسي، وراجت افكار النفوذ وسنن التسلط، لا لدى الحكام فحسب، بل ولدى الكتاب والفقهاء والفلاسفة واصحاب الرسائل السياسية والزعماء، والقت بتبعاتها على العصر الوسيط من الحضارة الاسلامية[74]. وفيما يلي، نشير الى عناصر الاشراف في الإسلام.
عناصر الإشراف في الإسلام
لعناصر الاشراف في الثقافة الاسلامية خصوصياتها. فخلافاً لـ(النزعة الفردية الفلسفية) في العصر الغربي الحديث، والتي تجعل ماهية الفرد في خصائصه وامتيازاته[75]، لا يوجد للفرد المسلم اي حقوق يستقل بها عن الشريعة، وعلى هذا، فانه لا وجود في المجتمع الاسلامي لـ(الاستحقاق وعدم الاستحقاق[76] ابداً، وليس على الفرد والحكومة إلاّ طاعة احكام وقوانين الله، فانه: {ذلكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم}[77].
وفي الفكر السياسي الاسلامي، لا يمكن ان يكون للفرد المسلم اي حقوق قبال الحكومة اكثر من قوانين الشريعة. فالفرد والحكومة ليس لهما حق سوى توقع كل منهما التزام الآخر بحدود الشريعة. وهذا الالزام والالتزام يعتبر مبدأ ضرورياً لحفظ وحدة وقوة وسيادة المجتمع الاسلامي[78].
فللحكومة ـ من جهة ـ الحق في ان تتوقع من الناس التقدم على جميع المستويات إلاّ المعصية. وللناس ـ من جهة اخرى ـ الحق في تعامل الحكومة بكل قراراتها وسلوكياتها بالعدل والانصاف والتزامها بقوانين الشرع واحكامه. وهذه الحقوق التي فصلتها كتب الفقه والاخلاق الشيعية والسنية[79]، وفرت مستلزمات ظهور ثلاثة عناصر للاشراف في الثقافة السياسية الاسلامية.
إلاّ ان ما سنراه فيما يلي، هو ان الانحرافات المعرفية للفكر السياسي في العصر الوسيط ـ والمستلهمة من السنن الايرانية ـ ادت الى اخفاق عناصر الاشراف هذه في القدرة على الظهور بشكل مؤسسة اجتماعية غير حكومية، يحكمها النظام، وتقوم بالاشراف والسيطرة المؤثرة على الحكومة من خارجها. فانتهت هذه الاوضاع ـ رغم العديد من الثورات في تاريخ الحكم الاسلامي ـ الى تحول الهيئة الحاكمة، حيثما قامت وعلى يد اي من الناس، وبمجرد استقرارها، الى عملاق عظيم لا يمكن السيطرة عليه من قبل مؤسسيه على الاطلاق، ولا يتبع إلاّ قوانينه الخاصة [تأكيد واعتماد القوة والعنف باكثر ما يكون][80]. وسنبحث هنا عن عناصر الاشراف في الاسلام باختصار، تاركين تفصيل ذلك الى محل اخر، نظراً لاهميتها:
1 ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
تفرض النظرية السياسية الاسلامية واجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل مسلم بلغ سن التكليف. وعلى مستوى اوسع، يؤكد الخوارج والزيدية لزوم العمل بهذا الواجب تحت اي ظروف[81]، ومن ناحية اخرى ينكر المرجئة اساساً وجود الزام من هذا القبيل[82]. واما اهل السنة، فهم في موقف بين بين تقريباً. فابو يوسف يؤكد في (الفقه الكبير) هذا الموقف (الوسطي) من خلال الاشارة الى اهمية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحيلولة دون طاعة حكام لا شرعيين من جهة، الى الآثار العملية المهددة للنظام العام في حال تأكيد هذا الواجب من ناحية اخرى[83].
ويعتبر الامام الخميني ـ رضي الله عنه ـ في (تحرير الوسيلة)[84] الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من اسمى الواجبات التي تقام بها بقية الفرائض. ويشير ـ رضي الله عنه ـ الى الآيتين: {ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون}[85]، و{كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}[86]، مؤكداً ان هذين الواجبين من ضروريات الدين، معتبراً منكرهما ـ مع التفاته الى لوازم الانكارـ من الكفار[87].
ثم ينقل الامام الرواية التالية عن الامام علي ـ عليه السلام ـ في اشارة الى عدة روايات عن أئمة اهل البيت ـ عليهم السلام ـ:
"اما بعد، فانه انما هلك من كان قبلكم حيثما عملوا من المعاصي ولم ينههم الربانيون والاحبار عن ذلك، وانهم لما تمادوا في المعاصي ولم ينههم الربانيون والاحبار عن ذلك نزلت بهم العقوبات، فامروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، واعلموا ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقربا اجلا، ولن يقطعا رزقاً"[88].
ولا يمكننا هنا ـ لضيق المقالة ـ الاشارة الى آراء الامام الخميني (رض) بالتفصيل، إلاّ اننا نحاول ان نذكر منها المهم بالنسبة الى موضوعنا.
فبعد ان اشار الى (الوجوب الكفائي) للامر بالمعروف والنهي عن المنكر، اكد ان الامر والنهي في هذا الباب مولوي من قبل الآمر والناهي، ولو كان هو ادنى ممن يأمر وينهى[89].
شروط النهي عن المنكر
بعد ان اشار الامام الخميني اجمالا الى اقسام وكيفية وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، تناول حدود هذين الواجبين الشرعيين، في اطار اربعة شروط مهمة لصيانة المجتمع من الفوضى. وهذه الشروط هي:
1ـ العلم: العلم بالمعروف والمنكر ومصاديقهما اول شرط في وجوبهما. وعلى هذا، لا وجوب على الجاهل[90].
وتخلصاً من تبعات امر الجاهل بالمعروف ونهيه عن المنكر، الذي هو بدوره ارتكاب منكر، يجب تعلم شروط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر[91].
2 ـ احتمال التأثير: فلا يجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر حال العلم او الاطمئنان بعدم تأثيرهما.
وبعبارة اخرى، لا يسقط الوجوب بالظن بعدم التاثير، ولو كان قوياً. ويجعل الامام ـ رضي الله عنه ـ (احتمال العقلاء) هنا معياراً للوجوب وعدمه[92].
3ـ اصرار العاصي على الاستمرار: ولهذا يسقط وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع العلم بتخلي الفاعل او ظهور علائمه[93].
4ـ عدم المفسدة: لا يجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اذا كان فيه ضرر نفسي او عرضي او مالي يعتد به. والمعيار في هذا الضرر ايضاً هو (احتمال العقلاء)، باستثناء الحالات التي تهدد فيها اركان الدين[94]. ومع تأكيد الامام ـ في شروط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ الحب والشفقة ورعاية المصلحة العامة[95] من ناحية، واهمية التزام الفرد والجماعة التي تأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول:
لا يشترط في الآمر والناهي العدالة، او كونه آتياً ما امر به وتاركاً لما نهي عنه، ولو كان تاركاً لواجب وجب عليه الامر به مع اجتماع الشرائط كما يجب ان يعمل به، ولو كان فاعلا لحرام يجب عليه النهي عن ارتكابه كما يحرم عليه ارتكابه[96].
وبعبارة اخرى، الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان مستقلان، وانه بغضِّ النظر عن ترك الشخص لواجب او ارتكابه لمحرم، يجب عليه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، متى ما تحققت الشروط الاربعة. وهذا الامر ـ اذا وسعناه بشكل صحيح ـ امكن اعتباره اساساً نظرياً مهماً لنشاط الاحزاب والتجمعات السياسية.
مراحل النهي عن المنكر
يخص الامام الخميني ـ رضي الله عنه ـ الفصل الاخير من بحث الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ببيان مراتب ودرجات هذا الواجب، ويحدد له ـ على التوالي ـ ثلاث مراتب:
ـ مرحلة اظهار الاستياء.
ـ مرحلة الامر والنهي باللسان.
ـ مرحلة الامر والنهي العملي والتوسل بدرجات إعمال القوة[97].
ويرى الامام ـ رضي الله عنه ـ لزوم استئذان الفقيه الجامع للشروط (الولي الفقيه) في حال الاضطرار الى التوسل بالخشونة[98].
ويبدو انه على الرغم من المكانة المهمة للامر بالمعروف والنهي عن المنكر في النصوص والمعارف الاسلامية من ناحية، وفي الحياة السياسية لمدينة النبي والخلافة فيها من ناحية اخرى، فان هذين المبدأين الدينيين الضروريين لم يستطيعا ـ على الاطلاق ـ الحصول على موقع مهم في بنية الفكر السياسي الاسلامي في العصر الوسيط، بسبب التغيرات التي طرأت على تركيبة الحكم الاسلامي.
ولما كانت الثقافة السياسية لاتباع مدرسة اهل البيت ـ عليهم السلام ـ ايضاً من الصفوية الى الآن، قد تأثرت، بل وتواصلت فيها هذه الثقافة والفكر، لم تستطع الى الآن اعتبار الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كياناً مستقلا خارج الدولة في ثقافتنا السياسية بشكل عام. ولهذا لم ننجح بعدُ نظرياً وعملياً في تأسيس احزاب سياسية في الجمهورية الاسلامية[99].
2ـ الشورى والنصيحة
لم يجد مفهوم (الشورى) مدلولا ومصداقاً محدداً الى الآن، على الرغم من انه يطرح غالباً في بحث الحكومة الاسلامية. فمع ان الآية: {وامرهم شورى بينهم}[100] والآية: {وشاورهم في الامر}[101] تشيران صراحة الى لفظ (الشورى)، كما روى اهل السنة بالخصوص احاديث كثيرة عن النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ في هذا المجال، إلاّ ان تضارب الآراء في مسألة الشورى والتشاور قد بلغ حداً لا يتيح تحديد مفهوم دقيق له[102].
وفي الوقت ذاته، يعتبر المعاصرون من كتاب اهل السنة (الشورى) احد مبادئ الفكر السياسي لديهم، ويعتبرون حوادث سقيفة بني ساعدة والشورى السداسية التي نصبها الخليفة الثاني، مصاديق ملموسة للآيات والروايات في هذا المجال[103].
إلاّ ان ملاحظة ماهية الفكر السياسي في العصر الوسيط، وما عاناه من تقلبات داخل ثقافة اتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام، من بعد الصفوية، تبين لنا مفهوماً ومعنى خاصاً للشورى والتشاور في اطار معرفتنا السياسية، يجعله يوازي ويقترب من مفهوم (النصيحة) و (النصيحة لائمة المسلمين). واساساً، فان الفكر السياسي في العصر الوسيط فكر لتمركز النفوذ، قد جعل منظروه ولاية الخليفة تسري الى جميع شؤون الفرد والمجتمع الاسلامي[104]، بحيث لم يعد لمفهوم الشورى من مفر سوى التحول الى مفهوم (النصيحة).
وفي ظروف كهذه ـ كما يشير الى ذلك بحق الشيخ عميد الزنجاني ـ لم تكن الشورى في الاسلام مؤسسة ادارية عامة، بل مجرد قوى فكرية مساعدة، لا تقوى على منازعة الادارة السياسية في المجتمع، تاركة القرار النهائي اليها[105]. ومن الطبيعي ان يؤدي هذا الفهم للشورى الى جعله مساوياً لمفهوم (نصح الائمة) تماماً.
ويظهر من اوضاع الخلافة العباسية في القرن الرابع والخامس الهجريين (قرون تأسيس الفكر السياسي في العصر الوسيط)، ان المفكرين المسلمين قد اهتموا ـ في هذه الفترة ـ بعنصر (النصيحة) اكثر من غيره من عناصر الاشراف. فعلى سبيل المثال لا توجد اشارة الى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في مذهب القادرية، اتباع القادر بالله، الخليفة العباسي (409 هـ)، في حين اشير ـ بدل ذلك ـ الى مفهوم النصيحة كـ(مفهوم مبدئي)[106].
ويحتمل (لمبتون) ان تزايد حدة النزاع بين فرق هذا العهد في بغداد، ادت ـ في بعض الجهات على الاقل ـ الى تحديد الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واستبداله بالمشاورة والنصيحة[107]. ولكن يبدو ان تأكيد مفهوم النصيحة هو تأكيد مبدئي، نشأ عن تغير المواقف وتحول الحكومة الاسلامية تدريجاً الى حكومة ايرانية.
فنحن نرى ان تأكيد الخلفاء العباسيين مفهوم النصيحة ليس امراً مرحلياً، بل تأكيد استقرار واستمرار الخلافة على السنة الايرانية. ولهذا، لم يكن انتشار (نصائح الملوك) الاسلامية على غرار (الرسائل السياسية) الايرانية القديمة على مدى العصر الوسيط والى العهد القاجاري امراً اعتباطياً[108].
والسمة العامة لهذه النصائح هي تقديم قوة فكرية مساعدة بلا تعرض للحاكم في المجتمع، كما يذكر ذلك الشيخ عميد الزنجاني في مفهوم المشاورة. يقول ابو الحسن الماوردي، مؤسس الفقه السياسي السني ـ والذي يظن انه اول (كاتب نصيحة) اسلامي ايضاً ـ في كتاب نصيحة الملوك، وهو يشير الى واجب العلماء[109] في نصيحة الحكام، ان الملوك افضل الناس للنصح وانسبهم لقول المواعظ، وذلك ان صلاحهم صلاح الرعية وفسادهم من فسادهم، فنصيحة السلطان نصيحة كافية تامة.
وهكذا نصيحة تتضمن الهداية الى ما فيه المصلحة العامة ونظام امر الجميع، ولهذا يبعث الله الانبياء الى الملوك او الى جماعة الناس، لا اليهم فرداً فرداً، لان السلطان يكفي وحده عن جميع رعاياه ومن تحته، واي دين يختاره السلطان ستتبعه عليه الرعية[110].
ولافتراض ان سعادة الفرد ـ او (الرعية) بتعبير الماوردي ـ لا تتم بذاته هو، بل عن طريق هداية السلطان، لم تنظر (نصائح الملوك) في العصر الوسيط الى انتظام المجتمع من زاوية الفرد، بل من زاوية السلطان بالاساس. وهكذا على العهد الصفوي، ولاسيما القاجاري، فعلى الرغم من الانتقال من المذهب السني الى الثقافة الشيعية، كان استمرار السنن السياسية لاهل السنة، قد انسى موقع الفرد بشكل كامل، وانغلق التفكير السياسي ـ كما يظهر من كتابات الميرزا القمي[111] والملا احمد النراقي[112] ـ على (التباحث العلمي والمشاورة السرية بين عالمين) اي الفقيه والسلطان. وسنتطرق فيما يلي الى موقع (الحسبة) في واقع الخلافة والفكر السياسي في العصر العباسي، لنستخلص رأينا في انحرافات الفكر السياسي في العصر الوسيط وتأثيرها في الثقافة السياسية في ايران.
3ـ الحسبة
يحتل موضوع الحسبة في الفكر والثقافة السياسية في العصر الوسيط اهمية خاصة من وجهة نظر هذا البحث.
وقد قيل في تعريف الحسبة: (هي امر بالمعروف اذا ظهر تركه ونهي عن المنكر اذا ظهر فعله)[113].
إلاّ ان المهم في باب الحسبة هو تأكيد الموقع الحكومي والحكم الولائي لـ (المحتسب)[114]. وعلى هذا، فنحن لا نبحث هنا عن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل عام، بل من جهة علاقة الحكم الاسلامي به. فابن الفراء والماوردي ـ وكلاهما من مفكري القرن الخامس الهجري ـ يخصصان الفصل الاخير من احكامهما السلطانية ببحث منصب الحسبة، ويميزان بتسع نقاط بين المسلم العادي (المتطوع) وبين المحتسب (كمنصب حكومي)، في مجال الامر بالمعروف والنهي عن المنكر[115]:
1 ـ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب كفائي بالنسبة الى المتطوع، وهو عيني ـ بحكم الولاية ـ بالنسبة الى المحتسب.
2 ـ لا يمكن للمحتسب ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ليفعل شيئاً آخر، في حين لا يلزم الفرد العادي بشيء من ذلك.
3 ـ المحتسب شخص عينته الحكومة، يمكن مراجعته عند الضرورة، وليس لغيره موقع من هذا القبيل.
4 ـ يجب على المحتسب اجابة من يراجعه بالشكل المناسب، واما المتطوع فلا اجابة عليه.
5 ـ يجب على المحتسب الكشف عن المنكـر ومتابعة ترك المعروف، واما غيره فلا يجب عليه.
6 ـ يمكن للمحتسب الاستعانة بقوات معينة على تنفيذ مهمته، في حين لا صلاحية كهذه للمسلم العادي.
7 ـ للمحتسب تحديد تعزيرات في المنكرات العلنية ـ ويجب ألاّ تزيد على الحدود ـ وليس للمتطوّع سلطة كهذه.
8 ـ يمكن للمحتسب في القضايا العرفية ـ غير الشرعية ـ الاجتهاد والعمل برأيه، وليس للمتطوّع (الفرد العادي) صلاحية كهذه.
ونظراً الى التعريف المار للمحتسب، وكذا الى علاقة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكم، يبدو ان الماوردي ومن تبعه في تشكيل الفكر السياسي للعصر الوسيط، قد نقلوا مسؤولية هاتين الفريضتين من (الفرد) الى (المحتسب) الذي يمثل منصباً حكومياً. وبعبارة اخرى، اضطر الماوردي ـ تبعاً لنزوع الحكم الاسلامي الى السنن الايرانية بالتدريج منذ زمن بعيد ـ الى ربط فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بالادارة السياسية الاسلامية وتعبئتها من داخلها، خلافاً لكتاب آخرين، كعبد الجبار المعتزلي (415هـ)، الذين كانوا مايزالون يؤكدون انفصال هذه الفريضة واستقلالها[116].
وعلى الرغم من تناسي المجتمع الاسلامي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في جانبه السياسي منذ زمن، إلاّ ان تغير الموقف في بعده النظري على يد الماوردي كانت له اهميته الخاصة. فهو باجرائه الواقع السياسي في العهد العباسي وبعض العقود قبله، الى عالم التنظير والفكر السياسي الاسلامي، ادى ـ من الناحية النظرية ايضاً ـ الى تصفية فاعلة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مجال (السياسة) الى نطاق الاخلاق وعلاقات الناس انفسهم، لا علاقة الفرد بالحكومة. وهذا الفكر السياسي الذي اوجده الماوردي وامتد الى العهود
اللاحقة، قد احتل مكاناً استطاع من خلاله ممارسة فعلين مزدوجين. فاولا: من خلال ايجاده نظاماً معرفياً خاصاً، ادى الى انحرافات وانتقاءات في نصوص وسنن مدينة النبي صلّى الله عليه وآله، بشكل مجتمع وحكومة كان يراها هذا الفكر المجتمع والحكومة المثالية، على اساس الكلام الاشعري. وثانياً افرز على اساس هذا الانحراف والانتقاء، مشروعاً ثقافياً سياسياً متنفذاً، بحيث مازال يخيم ـ الى اليوم ـ بظله الثقيل على السلوك السياسي للمجتمعات الاسلامية.
وعلى اية حال، فان (المحتسب) في نظرية الماوردي ـ كمنصب حكومي ذي نفوذ كبير ـ قد اودع لديه وجدان المجتمع، وفاق نطاق القضاء، ليضم كثيراً من المجالات العبادية والاجتماعية والتجارية[117].
فالماوردي يقسم الحقوق ومجالات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ كما هو متداول ـ الى ثلاثة اقسام: حق الله، حق الناس، وما يشترك بين حق الله وحق الناس. ثم يقسم كلا من الاقسام الى قسمين عام وخاص[118].
وبهذا يجعل الماوردي مهمة المحتسب تمتد الى جميع ارجاء المجتمع الخاصة منها والعامة. ثم لانه منصب حكومي بذاته، لا يمكنه ان يامر وينهي من فوقه، طبقاً لقواعد الولاية. وعلى هذا، ففي الوقت الذي اوكلت فيه افكار الماوردي تنفيذ اوامر الشريعة ومنع المحرمات الى المحتسب بالكامل، اغفلت ـ بالطبع وبشكل كامل ـ الجوانب السياسية من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. الخلاصة هي، بينما كان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مسؤولية عامة تغطي جميع جوانب الحياة، انقلبت بتعيين (المحتسب) المخول بامتياز من (الولاية)، الى جهاز حكومي، وليستمر على هذا الشكل.
ومنذ عهد ابي حامد الغزالي فما بعد، اصبح من الواضح نقل فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الى عالم الاخلاق واللاسياسة شيئاً فشيئاً. فهو يعترف رسمياً بالحسبة كفريضة عامة، ولكنه يحاول اخيراً تضييقها في مواعظ اخلاقية وكلامية صرفة. وفي الوقت نفسه، يذكر ان افضل الشهداء هو ذاك الذي يقتل على يد الجائر وهو يقوم بهذه الفريضة[119].
فيبدو ان المجتمع الاسلامي في اطار تحولاته الفكرية والسياسية، كان يواجه تعارضاً مهماً. (الفرد) المسلم يمكنه الاعتراض والثورة على الحكم الجائر، وهذا ما تبيحه له النصوص الاسلامية (ولاسيما الامر بالمعروف والنهي عن المنكر)، إلاّ انه لم يكن بمقدوره الثورة على الحكم على الاطلاق. فعلى الرغم من الزام الحكمة بتنفيذ الشريعة نظرياً، إلاّ انه لا وسيلة ولا جهاز قانونياً يحمّل الحكومة مسؤوليتها او يضغط عليها. ولما لم يستطع الفكر السياسي للمسلمين التمهيد لجهاز كهذا، انساق التفكير السياسي اخيراً ـ على ضيق من الحال ـ الى فكرة، تعتبر حاكم المجتمع ـ حسناً كان او سيئاً ـ هو ارادة الله ومصلحته، ولهذا تجب طاعته[120].
ولابد من التأكيد انه لا يكاد يوجد في مجتمعنا اليوم تصور من هذا القبيل على الحكم والحكومة، ونحن ايضاً لا نقصد الاشارة فقط الى كيان متسلط كهذا، حيث انقضت ايامه تقريباً، ولا فائدة ترجى من عودته. واليوم، تدل الشواهد على ان مجتمعنا يعيش ـ على الاقل ـ تجربة (النزعة الفردية) بصورتها المشوهة فى العرف العام، لا لسبب في النظرية، بل بسبب انعدام القالب النظري. حتى ان بعض الباحثين يعتقد امكان تحديد بعض التيارات في مجتمعنا المدني ايضاً. فما يهم هذه المقالة، هو تحديد تلك الاسس المعرفية السياسية التي ادت الى هيمنة جانب التسلط على عناصر الاشراف في الاسلام، بسبب انحراف العباسيين ونزعتهم نظرياً وعملياً الى السنن الايرانية، لتجعلنا ـ بشبحها الهائم ـ محرجين في فهم الاسلام الاصيل من جهة، وتمهيد اصول نظرية عصرية من جهة اخرى.
النتيجة
كما مر، ان تكثيف الجانب السلطوي في الثقافة السياسية للعصر الوسيط، لم يكن مبعثه نصوص الدين وسنن مدينة النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ وتراث الإسلام الأوّلي الأصيل. وفي خصوص علاقة الفرد والحكومة، تعتبر الطبيعة السلطوية التي نراها في الثقافة السياسية الإسلامية اليوم، نتيجة ظهور فكر سياسي افرزته التغيرات التي طرأت على الخلافة، ونزوع الحكم الإسلامي إلى التراث الايراني من جهة، وتأسيس المذهب الكلامي الاشعري من جهة اخرى.
والفكر السياسي هذا ـ بخصائصه المعرفية ـ قام بأمرين مهمين:
الاول: انتقاء وتحريف النصوص والسنن، والذي ادى الى تركيز جانب التسلط واهمال عناصر الاشراف.
والثاني: تحميل مضاعفات النزعة التسلطية في الثقافة الاسلامية الى زمان مواجهة الغرب.
وعلى هذا، فالثقافة السياسية الاسلامية هي نتيجة تفرعات فكر سياسي، لم تكن تركيبته قادرة ابداً على تقديم وتوسيع عناصر الاشراف التي في النصوص والسنن الاسلامية، وانما اضطرت الى تناولها بالشرح والتحديد.
---------------------------------------------------
[1] باحث اسلامي عضو هيئة تحرير مجلة (نقد ونظر).
[2] L.Pye and S.Verba (eds), Politic and Culture and Politi- cal development (Princeton Univercity Press, Princeton, 1965) P.513.
[3] يركز (الموند) و (باول) ـ تحت عنوان (الثقافة السياسية) ـ على العناصر الثلاثة الادراكية والحسية والتقويمية في دراسة الدوافع القومية للسلوك السياسي.
- Gabriel Almond and G.Bing- ham Powell (eds), Compara- tive Politics (Little, Brown and co, Boston,1976) PP. 52-77.
في هذه المقالة، اخذنا بنظر الاعتبار عموم راي (الموند) و (باول) فحسب، حيث يربط فيه السلوك السياسي بالذهنية التاريخية ـ الثقافية لكل مجتمع، من دون تقويم تلك الاقسام الثلاثة في الثقافة السياسية الايرانية.
[4] انظر:interpretationof culture, (Basic Book, New york, 1973).
وعمل (كليفورد جيرتز) هو في جمع المسائل. إلاّ ان رسول نفيسي استخدم مفاهيم (جيرتز) لدراسة مسائل ايران في مقالة بعنوان (التربية والتعليم والثقافة السياسية في الجمهورية الاسلامية الايرانية).
وبهذا، قارن بين بعض المفاهيم والمفردات في المناهج الدراسية على عهد الشاه والجمهورية الاسلامية الايرانية.
- S. Farsoun and M.Mashay- ekhi, Iran: Political Cultur in the Islamic Repuplic (London: Routheledye, 1992) PP.160 -177.
[5] سروش، عبدالكريم، الثقافات الثلاث (سه فرهنك)، مجلة مرآة الفكر (آينه انديشه)، العدد 3 و4.
[6] S. Farsoun and M.Mashay- ekhi, Iran: Political Cultur..., PP. 7-27.
[7] شايغان، داريوش، تحت سماوات العالم (زير آسمانهاى جهان) ـ حوار شايغان مع رامين جهانبكلو، ترجمة: نازي عظيما، طهران، منشورات فرزان، 1995، ص224. يتناول شايغان في الصفحات 223 ـ 240 من هذا الحوار خلاصة آرائه في كتابه الجديد (النظرة الكسيرة) (نكاه شكسته)، حيث يدرس مشكلات المعرفة لدى مثقف العالم الثالث ـ ولاسيما ايران ـ في العالم المعاصر. وكتاب النظرة الكسيرة ترجمه الى اللغة العربية تحت عنوان: النفس المبتورة).
dariush Shayegan , Le regard Mutil SChizo Phreni Cultur- elle: Pays traditionnets faCe a la Modernite , Paris, Albin MiChel,1989.
[8] المصدر نفسه، ص 233 ـ 234. وكذا انظر: نظرية (اركولوجيا الفكر) (باستانشناسي دانش) لـ (ميشيل فوكو) في:
- Michel Foucaulf, the Archae- ology A.M.Sheridan Smith, London, Routhe ledye, 1985.
ـ الطباطبائي، السيد جواد، ابن خلدون والعلوم الاجتماعية (ابن خلدون وعلوم اجتماعي)، العلوم الاجتماعية في الحضارة الاسلامية، طهران، منشورات (طرح نو)، 1995، ص 371 ـ 373.
[9] شايغان، مصدر سابق، ص224.
[10] المصدر نفسه، ص226.
[11] كمثال على ذلك انظر: اللاريجاني، محمد جواد ـ بحوث في المشروعية والفاعلية (حكومت; مباحثى در مشروعيت وكارآمدى)، طهران، منشورات (سروش)، 1994.
[12] مسجد جامعي، محمد، اسس الفكر السياسي لدى الشيعة والسنة (زمينه هاي تفكر سياسي در قلمرو تشيع وتسنن)، طهران، منشورات المهدي، 1990، ص 16 ـ 65.
[13] انظر: الطباطبائي، السيد جواد، مصدر سابق، ص20 ـ 61.
[14] شايغان، تحت سماوات العالم، مصدر سابق، ص 228ـ229.
[15] المصدر نفسه، ومسجد جامعي، مصدر سابق، الفصل الثالث.
[16] المصدر نفسه، ص 225.
[17] طرح الامام الخميني (رض) في بياناته الاسلام المحمدي الاصيل والاسلام الامريكي، بالنظر الى الظروف العصيبة التي شهدها عهد الثورة الاسلامية:
ـ الامام الخميني، صحيفة النور، ج 19، ص 195.
ـ المصدر نفسه، ج20، ص194، 235.
ـ المصدر نفسه، ج21، ص21، 90، 113.
كان تعريفنا للاسلام التاريخي في هذه المقالة ناظراً بالدرجة الاولى الى مجموع الفكر والثقافة الاسلامية التي راجت في العصر الوسيط.
[18] K.H. dyson, the statetra- dition in western Erupe, astudy of Idea and institution, (Oxford, Martin Robertson, 198).
ـ اندرووينسنت، نظريات الدولة، ترجمة حسين بشرية، طهران، منشورات (ني)،1992، ص322.
[19] يقوم (هاملتون جب) و (برنارد لويس) في بحثيهما التاليين بدراسة وتفصيل النظرة الاسلامية والمسيحية في القدرة السياسية والحكم:
- Hamilton A.R. Gibb studie- son the Civilization of Islam (Newjersy, Princton University Press,1962) PP. 34-42, 245-282
- Bernard Lewis, The Political Language of Islam (London, University of Chicgo Press, 1991).
وقد قام قسم الترجمة في معهد باقر العلوم ـ عليه السلام ـ بترجمة هذا الكتاب، وسينشر قريباً.
[20] مقارنة الازمات بظهور المفكرين والمؤلفات السياسية على مدى التحولات التي حصلت في الحكم الاسلامي من ابي الحسن الماوردي الى الشيخ جعفر الكشفي في اوائل العهد القاجاري، تشير ـ بشكل ما ـ الى هذا الترابط. فهذه الافكار والنظريات ـ كما سنشير اجمالا ـ على الرغم من تغيرها على مدى طويل، كان بينها اتصال جوهري. ولاجل ذلك، ننظر الى جميع المؤلفات السياسية في العصر الوسيط تحت عنوان واحد (الفكر السياسي في العصر الوسيط).
[21] وقع هذا الحدث الكبير في القرنين الرابع والخامس الهجريين، على عهد استقرار الحكم العباسي على السنن الايرانية. وفي هذا العصر المعروف بالعصر الذهبي، تأسست اهم اتجاهات الفكر السياسي، التي امتازت جميعاً بنزعة سلطوية، مجاراة للطبيعة التسلطية للحكم العباسي. ولعل (اروين روزنتال) هو اول من درس الاتجاهات الرئيسية الثلاثة ـ الفلسفة السياسية والرسائل السياسية والفقه السياسي ـ من خلال المنطق اللغوي، disCours وبالنظر الى الانظمة الفكرية بمجردها. ثم قام بتفصيلها (آن لمبتون) في خصوص الفقه السني.
وهاتان الدراستان
- E.IG. Rosental, هما:Politicalthought in Medival Islam, (London, Cambridge Press 1962).
-A.K.S Lambton, state and Government in Medival Islam (London, 1985).
وقد اهتم بهذا النوع من الدراسات في ايران الدكتور جواد الطباطبائي والدكتور فرهنك رجائي. وفي دراستنا هذه، تم التركيز على الماهية المشتركة لهذا النوع من الفكر، بغض النظر عن الفروع والوجوه المتعددة للفكر السياسي الاسلامي.
[22] شايغان، تحت سماوات العالم، مصدر سابق، ص223 ـ 239.
[23] مقارنة هذه المؤلفات المهمة: آراء اهل المدينة الفاضلة للفارابي، والرسالة السياسية او سير الملوك للخواجة نظام الملك، والاحكام السلطانية لابي الحسن الماوردي، يكشف عن تقارب وتداخل هذه الفروع المتعددة.
[24] توماس كوهن، هيكلية الثوابت العلمية (ساختار انقلابهاى علمى)، ترجمة احمد آرام، طهران، دار نشر (سروش)، 1990.
ويمكن توضيح رأي كوهن في ماهية وممهدات ظهور وتغير الفكر باختصار بالشكل التالي:
نموذج اول ? علم متعادل ? انحرافات? ازمة ? ثورة ? نموذج ثان.
[25] (ظهر) الفكر السياسي في العصر الوسيط بـ(صور) وقوالب هامشية متعددة، نظراً الى تركيباته الخاصة. فبالتركيز على جوانب من قبيل الفقه والرسائل والفلسفة السياسية، لا يكشف عن اختلاف ماهياتها ابداً، بل هي قيود وصفية تأكيدية، لا تفيد الحصر بشكل من الاشكال. ولهذا يمكن بموازاة تلك التقسيمات، عدّ وجوه اخرى، كالعرفان السياسي والتصوف السياسي و....
[26] كوهن، مصدر سابق.
[27] للاطلاع على الآراء الكلاسيكية السنية التي تكونت في العصر العباسي، لاحظ:
ـ الماوردي، ابو الحسن، الاحكام السلطانية، قم، مكتب الاعلام الاسلامي، 1406.
ـ المؤلف نفسه، نصيحة الملوك، تحقيق الدكتور فؤاد عبد المنعم احمد، الاسكندرية، مؤسسة الشباب الجامعة، 1988.
ـ ابن تيمية، تقي الدين، السياسة الشرعية في اصلاح الراعي والرعية، مصر، دار الكتاب العربي، ط4، 1969.
[28] الاشعري، ابو الحسن علي بن اسماعيل، الابانة عن اصول الديانة، القاهرة، دار الطباعة الاميرية، بدون تاريخ.
ـ المؤلف نفسه، مقالات الاسلاميين واختلاف المصلين، القاهرة، مكتبة النهضة، ط1، 1950.
[29] محمدي، محمد، الثقافة الايرانية قبل الاسلام واثرها في الحضارة الاسلامية (فرهنك ايرانى قبل از اسلام وتاثير آن در تمدن اسلامى)، طهران، منشورات طوس، 1996، ص84 ـ 97.
[30] انظر: رجائي، فرهنك، صراع الرؤى الكونية (معركة جهانبينى ها)، في الكياسة السياسية وهويتنا الايرانية، طهران، دار احياء الكتاب، 1995، ص17 ـ 36.
[31] H.A.R. Gibb, studies on theCivilization of Islam, PP. 34 -42.
[32] للاطلاع اكثر على الاوضاع التاريخية لهذه الفترة راجع:
ـ المسعودي، ابو الحسن علي بن الحسين، مروج الذهب، ترجمة ابو القاسم بايندة، طهران، الدار العلمية و الثقافية، 1987، ج2، ص241 وما بعدها.
ـ زرين كوب، عبد الحسين، تاريخ ايران بعد الاسلام (تاريخ ايران بعد از اسلام)، طهران، دار نشر امير كبير، 1984، ص448 ـ 411.
ـ حسن، ابراهيم حسن، التاريخ السياسي للاسلام (تاريخ سياسي اسلام)، ترجمة ابو القاسم باينده، طهران، منشورات جاويدان، بدون تاريخ، ج2، ص43 فما بعدها.
[33] الماوردي، الاحكام السلطانية، مصدر سابق ص 5.
[34] انظر مثلا الفصل الاخير من الاحكام السلطانية للماوردي، ص240 ـ 256.
[35] زرين كوب، مصدر سابق، ص447.
[36] لويس، برنارد، اللغة السياسية للاسلام (زبان سياسى اسلام)، ترجمة غلام رضا بهروزلك، قم، مجلة (العلوم السياسية)، معهد باقر العلوم عليه السلام، ربيع 1996، العدد 10، ص 7 ـ 51.
[37] الامام الخميني ـ رضي الله عنه ـ الرسائل، قم، منشورات اسماعيليان، 1385هـ، ج1، كتاب لا ضرر، ص50.
[38] G.bb, OP.cit, P.36.
[39] Hamid dabashi, Authority in Islam, Newjersy: transaction Publishers,1989.
[40] يستخدم دباشي في هذه الدراسة مفهوم القدرة (الكاريزمائي) لـ(ماكس فيبر) المفكر الالماني في تبيين تحولات العقود الاولى في التاريخ السياسي الاسلامي.
[41] Dabashi, Ibid,ch.5, PP.71 - 94.
[42] الفاخوري، حنا، والجر، خليل، تاريخ الفلسفة في العالم الاسلامي، ترجمة عبد المحمد آيتي، طهران، دار تعليم الثورة الاسلامية، 1988، ص 109 فما بعد.
[43] المصدر نفسه، ص114، وايضاً: م. شريف، تاريخ الفلسفة في الاسلام (تاريخ فلسفه در اسلام)، طهران، دار النشر الجامعي، 1983، ج 1، ص 315.
[44] الفاخوري، حنا; والجر، خليل، مصدر سابق.
[45] البغدادي، ابو منصور، الفرق بين الفرق، بيروت، دار الكتاب العالمي، 1984.
وكذا انظر:
خالقداد هاشمي، مصطفى، توضيح الملل، ترجمة الملل والنحل للشهرستاني، بمقدمة وحواشي سيد رضا جلال النائيني، طهران، 1983، ج 1، ص 70 ـ 73.
[46] المصدر نفسه، ص 67.
[47] امين، احمد، ظهر الاسلام، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1975، ط4، ص 30 فما بعد.
[48] حسن، عباس حسن، الصياغة المنطقية للفكر السياسي الاسلامي، بيروت، الدار العالمية للطباعة والنشر، 1412/ 1992، ص 430.
[49] الاشعري، ابو الحسن، الابانة عن اصول الديانة، القاهرة، دار الطباعة الاميرية، بدون تاريخ، ص69.
[50] حسن، عباس حسن، مصدر سابق، ص 373 ـ 444.
[51] رجائي، فرهنك، مصدر سابق، الطباطبائي، سيد جواد، مصدر سابق، ص 27 ـ 28.
[52] نقلا عن الفاخوري، مصدر سابق.
[53] الاشعري، ابو الحسن، مقالات الاسلاميين واختلاف المصلين، ترجمة محسن مؤيدي، طهران، دار نشر امير كبير، 1983.
[54] المصدر نفسه ; وايضاً الابانة في اصول الديانة، ص 69.
[55] (لمبتون)، (آن)، الاستمرار والتغير في تاريخ العصر الوسيط فى ايران (تداوم وتحول در تاريخ ميانه ايران)، ترجمة يعقوب اجند، طهران، منشورات (ني)، 1993، ص 327.
[56] H.Gibb. PP. Cit.
[57] زيبا كلام، صادق، كيف تكونَّا (ما جكونه شديم)، طهران، منشورات (روزنه)،1994، ص215.
[58] انظر:Fundamentalism and Modern- yity, London: Routhledye, 1988.
[59] السبحاني، جعفر، الشعاع الابدي (فروغ ابديت)، قم، دار نشر (دانش)، 1984، ص 462 ـ 465، نقلا عن سيرة ابن هشام، ج 1، ص 4 ـ 503.
[60] لمزيد من الاطلاع على الحياة السياسية لهشام انظر:
ـ المسعودي، ابو الحسن علي بن الحسين، مروج الذهب، ترجمة ابو القاسم باينده، طهران، دار النشر العلمية ـ الثقافية، 1986، ج 2، ص 208 ـ 214.
[61] H.Gibb. PP. Cit. P.36.
[62] محمدي، محمد، الثقافة الايرانية قبل الاسلام واثرها في الحضارة الاسلامية (فرهنك ايرانى بيش از اسلام وتاثير آن در تمدن اسلامى)، مصدر سابق، ص 85.
[63] الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري او تاريخ الرسل والملوك، ترجمة ابو القاسم باينده، طهران، منشورات (اساطير)، 1984، ج 11، ص 2620 ـ 2622.
[64] المصدر نفسه.
[65] A.K.S Lambton, state and Government in Medival Islam, OP. cit. PP. 310-12.
[66] الماوردي، ابو الحسن، نصيحة الملوك، مصدر سابق، ص 62 ـ 64; وايضاً الاحكام السلطانية، مصدر سابق، المقدمة.
[67] الاحكام السلطانية، ص 7 ـ 8.
[68] راجع مقال (ملكية ايران واثرها في تكوين وتكميل الدول الاسلامية) (شاهنشاهى ايران وتأثير آن در ايجاد وتكميل دولتهاى اسلامى) لعلي محمد مجده في المجموعة التالية:
ـ اصول الحكم لدى الايرانيين (آئين كشوردارى ايرانيان)، طهران، وزارة الثقافة والفن،1974، ص 205 ـ 219.
[69] الماوردي، الاحكام السلطانية، مصدر سابق، ص 7.
[70] حسن، عباس حسن، الصياغة المنطقية للفكر السياسي الاسلامي، مصدر سابق، ص 42.
[71] المصدر نفسه، ص43.
[72] لابد من التنبيه الى ان آراء حسن عباس حسن قد تركزت بالدرجة الاولى على المؤلفات والآراء السياسية للمتأخرين من السنة والشيعة، ولاجل هذا لم يتم بحث البناء الفكري والنظام السياسي الاسلامي في العصر الوسيط ولدى العلماء المتقدمين، او ان الكاتب تجنب عن قصد الارجاع الى تلك الكتابات السياسية القديمة.
[73] حسن، عباس حسن، المصدر نفسه، ص 45.
[74] كما يشير الدكتور الداوري، نظام الامبراطورية الاسلامية المطلق قد ورث النظام البيزنطي والساساني، إلاّ ان تشكيلته السياسية اتسمت بصيغة ايرانية، فكان متأثراً بالفكر السياسي الايراني، وعلى هذا، كان من الطبيعي ان يكون هناك منطق يختص بالفكر المنبثق عن هذا النظام.
انظر: الداوري، رضا، الفارابي، طهران، منشورات (طرح نو)، 1995، ص 90 ـ 91.
[75] كما سنشير بالتفصيل في محله، بغض النظر عن الآراء المذهبية الشيعية والسنية التي ترجع الى اختلاف السند الرجالي فحسب ـ لا الى اختلاف في الاسس ـ فان المعرفة السياسية للمسلمين تشترك في تركيبة وهيئة واحدة، ويمكن بوضوح ملاحظة مؤلفات لدى الشيعة ـ ولاسيما الى العهد القاجاري ـ تناظر مؤلفات اهل السنة في الفكر السياسي.
[76] (اربلاستر)، (انتوني)، ظهور وسقوط الليبرالية الغربية ; ترجمة عباس مخبر، طهران، منشورات مركز، 1988، ص 55 ـ 82.
[77] المصدر نفسه.
[78] سورة الممتحنة، الآية 10.
[79] نهج البلاغة، عهد مالك الاشتر.
[80] في خصوص اهل السنة، انظر: ابن تيمية، تقي الدين، السياسة الشرعية في اصلاح الراعي والرعية، مصر، دار الكتاب العربي، 1969.
[81] H.Gibb. PP. Cit. P.37.
[82] الفاخوري، حنا; والجر، خليل، تاريخ الفلسفة في العالم الاسلامي، مصدر سابق، ص111ـ 113.
[83] مشكور، محمد جواد، تاريخ الشيعة والفرق الاسلامية الى القرن الرابع، طهران، منشورات اشراقي، 1983، ص 40.
[84] راجع: ابو زهرة، محمد، تاريخ المذاهب الاسلامية، ج1، في السياسة والعقائد، القاهرة، 1959.
[85] الموسوي الخميني، الامام روح الله، تحرير الوسيلة، طهران، مكتبة الاعتماد، بدون تاريخ، ج1، ص 397.
[86] سورة آل عمران، الاية 104.
[87] سورة آل عمران، الآية 110.
[88] الموسوي الخميني، روح الله، تحرير الوسيلة، مصدر سابق.
[89] المصدر نفسه، ص 398.
[90] المصدر نفسه، مسألة 2 و13، ص 9 و398.
[91] المصدر نفسه، ص 400.
[92] المصدر نفسه، ص 401.
[93] المصدر نفسه، ص 405.
[94] المصدر نفسه، ص 405 ـ 406.
[95] المصدر نفسه، ص 414.
[96] المصدر نفسه، ص 408.
[97] المصدر نفسه، ص 409 ـ 414.
[98] المصدر نفسه، ص 413.
[99] سنفصل الحديث في محل آخر عن المباني الفقهية والموانع المحلية والاجتماعية لتأسيس الاحزاب السياسية في الجمهورية الاسلامية الايرانية. للاطلاع على بعض الجوانب الثقافية والاجتماعية لهذه المشكلة، انظر:
S.Farson, and M.Mashaye- khi,Iran: Political Culture in the Islamic Republic, OP. cit.
[100] سورة الشورى، الآية 38.
[101] سورة آل عمران، الآية 159.
[102] راجع: حسن، عباس حسن، مصدر سابق، ص 350 ـ 357.
[103] المصدر نفسه ; وايضاً ازمة الشورى في الاسلام، بيروت.
[104] الماوردي، ابو الحسن، الاحكام السلطانية، مصدر سابق، ص 21.
[105] عميد زنجاني، عباس علي، اصول الفكر السياسي في الاسلام (مباني انديشه سياسي در اسلام)، المادة الدارسية لكلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة طهران، عام 1993 ـ 1994، ص93.
[106] A.K.S Lambton, state and Government in Medival Islam, OP. cit. ch 17, PP. 307-316.
[107] Ibid.
[108] لمزيد من الاطلاع على كيفية هذا النوع من الفكر السياسي على العهد القاجاري، انظر المؤلفين المهمين للسيد جعفر كشفي، واللذين يمثلان ـ على ما يبدو ـ آخر ما كتب من الوصايا على العهد الاسلامي:
ـ كشفي دارابي بروجردي، سيد جعفر، تحفة الملوك، تبريز، طبعة حجرية، 1272هـ.
ـ المؤلف نفسه، ميزان الملوك، نسخة خطية.
[109] الماوردي، ابو الحسن، نصيحة الملوك، مصدر سابق، ص 43.
[110] المصدر نفسه، ص 44 ـ 45.
[111] القاضي الطباطبائي، حسن، وصايا الميرزا القمي (ارشادنامه ميرزاي قمي)، نشرة كلية الآداب والعلوم الانسانية في تبريز، ص 20، العدد 3، العام 1968.
[112] راجع: النراقي، ملا احمد، معراج السعادة، طهران.
[113] الماوردي، ابو الحسن، الاحكام السلطانية، مصدر سابق، ص 240.
[114] المصدر نفسه، ص 240 ( 247.
[115] المصدر نفسه، ص 240; وابن الفراء، الاحكام السلطانية، قم، مكتب الاعلام الاسلامي، ص284 ـ 285.
[116] المصدر نفسه; (لمبتون)، مصدر سابق ; خالقداد هاشمي، مصطفى، توضيح الملل، مصدر سابق، ص 66 ـ 70.
[117] الماوردي، الاحكام السلطانية، ص242.
[118] المصدر نفسه، ص 59 ـ 243.
[119] الامام الغزالي، محمد، احياء علوم الدين، مصدر سابق، ج 3، كتاب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، في امر السلاطين بالمعروف ونهيهم عن المنكر.
[120] كشفي، تحفة الملوك، مصدر سابق; الميرزا القمي، الوصايا (ارشادنامه)، مصدر سابق.

الدراسات السياسية  || المقالات السياسية || الكتب السياسية