ما كتب حول الشهيدة العلوية آمنة الصدر

ترجمة الشهيدة بنت الهدى في كتاب أعلام النساء المؤمنات ص 89

أعلام النساء المؤمنات ص 89
آمنة الصدر « بنت الهدى » (4)
السيّدة الجليلة العلويّة الشهيدة آمنة الصدر بنت آية الله الفقيه المحقّق السيّد حيدر الصدر ، أحد كبار علماء الإسلام في العراق .
اُمّها من عائلة علميّة مرموقة ، معروفة في الأوساط العلمية ، وهي اُخت المرجع الديني آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين .
أخواها : السيّد اسماعيل الصدر ، وآية الله العظمى المرجع الديني الكبير والمفكّر الإسلامي العظيم الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر ، نابغة زماننا هذا ، ومُفجّر الثورة الإسلامية في العراق .
فالشهيدة بنت الهدى تنحدر من عائلتين علميّتين معروفتين في جهادهما ومواقفهما
البطولية .
ولدت رضوان الله تعالى عليها في مدينة الكاظمية المقدّسة سنة 1357هـ = 1937م ، وترعرّت في أحضان والدتها وأخويها ، إذ أنّ والدها قد فارق الحياة وعمرها آنذاك سنتان .
نشأت في حجرِ الإيمان وحضن التقوى ، وقد تكلّفت والدتها وأخواها تعليمها وتربيتها .
تعلّمت القراءة والكتابة في بيتها دون أن تدخل المدارس الرسميّة ، ثم درست النحو والمنطق والفقه والأصول وباقي المعارف الإسلامية ، واطّلعت على المناهج الرسمية التي تدرّس في المدارس ، ودرستها في بيتها ، وبذلك تكون قد جَمعت بين الدراسة الحديثة وبين دراسة المعارف الإسلامية .
كانت وَلعة بمطالعة الكتب ، غير مُقتصرة على الكتب الإسلاميّة ، فقد تناولت كتباً غير دينيّة أيضاً . ولأنّها من عائلة فقيرة فقد كانت تستعير الكتب من هنا وهناك ، بل كانت تصرف ما يُعطى لها من مبلغ بسيط لسدّ حاجاتها الضرورية في شراء بعض الكتب التي ترغب في قرائتها .
عُرفت رحمها الله بالذكاء الوقّاد ، وسُرعة الحفظ ، وقابليتها العالية على جذب النساء إليها بعذوبة لسانها ولطافة منطقها ، فلم تكن تراها امرأة وتسمع كلامها إلاّ قد اُعجبت بها وأصبحت من مريداتها .
كانت رحمها الله تستغل كلّ وقتها ، وتستفيد من كلّ شخصية يمكنها أن تُفيدها بطريقة أو اُخرى ، فكانت تستغل فراغ السيّد الشهيد الصدر في أوقات راحته ، وتنهل من علمه ومعارفه الإسلامية .
وعبرَ هذه الصفحات القليلة نحاول إلقاء الضوء على بعض المهام التي قامت بها الشهيدة بنت الهدى :
دورها التبليغي :
لعبت الشهيدة بنت الهدى ـ رحمها الله ـ دوراً فعّالاً وملموساً في هداية الفتيات
--------------------------------------------------------------------------------
(91)
ـ وبالأخص العراقيات ـ ورجوعهن إلى التمسّك بتعاليم الدين الحنيف ، فمَنْ كان قريباً منها يعرف ذلك جيداً . فكم من فتاة ، بل عائلة كادت أن تخرج عن دينها وتصهرها الحضارة المستوردة من الغرب أو الشرق ، لولا وقوف الشهيدة بنت الهدى إلى جانبها وانقاذها من الغرق في عالم التبرّج والرذيلة ، فكانت بحقّ رائدة العمل الإسلامي النسوي في العراق .
تتّصف رحمها الله باُسلوب تبليغي عذب ومؤثّر ، فلم تجلس مع امرأة إلاّ وأثّرت عليها ، ودخلت إلى قلبها عبرَ الكلمات اللطيفة والمنطق العذب الذي كانت تستعمله مع النساء .
لقد عَرفت بنت الهدى رحمها الله أنّ التبليغ في أوساط النساء يمكن أن يؤدّي دوراً فعّالاً في تقدّم الحركة الإسلاميّة عموماً ، لذلك نجدها تعقد جلسات دوريّة في بيتها وفي بيوت اُخرى ، وبالتعاون مع بعض النساء المريدات لها واللواتي لهنّ اطّلاع على ما يجري في العراق من محاولات لإفساد المرأة العراقية .
ولم تكتفِ الشهيدة بذلك ، بل كانت ـ وحين سماعها بوجود جماعة من النسوة في بيت معيّن ـ تُسارع إلى الحضور في أوساط النساء عندما ترى أنّ الجوَ مناسب . وقد استطاعت بعملها هذا أن تُربّي عدداً من النساء ، حيث أصبحت كلّ واحدة منهن معلّمة لمجموعة من الفتيات والنساء .
ولم تكتفِ الشهيدة بنت الهدى بهذا القدر من التبليغ ، بل تعدّته إلى مجال أوسع وأكثر فائدة ، وهو مخاطبة الفتاة العراقية والعربية عموماً عَبرَ مجلّة « الأضواء » التي أصدرتها جماعة العلماء في النجف الأشرف (1) .
فما أن عَلِمتْ أنّ العدد الأوّل سيصدر حتى بادَرت وكَتبت فيه مقالاً لطيفاً وظريفاً ، تحث فيه الفتاة المسلمة على الإلتزام بتعاليم الدين الحنيف وعدم الانجرار وراء الغرب والشرق ، قالت :
« فما أجدرنا اليوم ـ إذ تُمتحن رسالتنا الحبيبة بشتى المحن ـ أن نرفع مشعل
____________
1 ـ كانت رحمها الله تكتب مقالاتها وكتبها بتواقيع مستعارة ، هي : ( بنت الهدى ) ، ( اُم ّ الولاء ) ، ( آ ـ ح ) ، ( آ ـ ح ـ ا ) انظر معجم الاسماء المستعارة وأصحابها ، ليوسف أسعد داغر : 33 و 68 و 83 و 180 .
--------------------------------------------------------------------------------
(92)
الدعوة الإسلامية ، ونستثمر علومنا وتعلّمنا في سبيل الدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأن نذكر دائماً وأبداً أنّ نبيّ الرحمة قد أوصانا بطلبه وجعله فريضة على كلّ مسلم ومسلمة ؛ لكي يكون للمرأة المسلمة نصيبها من الدعوة إلى مبدئها ونظامها الخالد ، ولكي تكون قادرة على صدّ هجمات المغرضين وردّ دعايات المرجفين ، لا لتتلاعب بها الريح مُصفرة أو مُحمرة ، شرقية كانت أو غربية ، ولكن لكي تسير على الطريق المهيع السوي ، وتتمسّك بالإسلام ديناً ومبدأ ونظاماً ، ولكي تتفهمه لترى فيه كلّ ما تطمح إليه مِن تقدّم ورقي وازدهار ، فلا تعود تتطفّل على المبادىء الدخيلة والأفكار المستوردة » (1) .


وفي عدد آخر من مجلّة الأضواء قالت بنت الهدى ـ مخاطبة الفتاة المسلمة ، طالبةً منها الصمود والتحدّي والمقاومة أمام كلّ الاغراءات المبذولة آنذاك ـ :
« كوني مثلاً يُقتدى به ولا تكوني اُلعوبة تقتدي ، كوني متبوعةً لا تابعة ، قاومي الاغراءات ، اصمدي أمامَ كلّ شيء ، فإنّي لأعلم أنّ العقبات أمامك كثار ، وأن دربك لا يخلو من شوك وعثار ، لكن النكوص عار ، والتراجع شنار ، فالموت أولى من ركوب العار ، والعار أولى من دخول النار » (2) .

وقالت أيضاً :
« وكم مِن اللواتي مَشِينَ وراء النفير الأجنبي ، ونزعنَ حجابهن في غفلةٍ وغرور ، أخذنَ يتراجعنَ وبدأنَ يستفقنَ مِن كابوس المفاهيم الخاطئة التي أملاها علينا الاستعمار الغاشم ، بعد أن أرادَ أن يستعمرنا في كلّ شيء حتى في أعزّ وأطهر ما عندنا ، وهو المرأة » (3) .

____________
1 ـ مجلّة الأضواء : العدد الأوّل للسنة الاُولى ، ذي الحجة 1379هـ ، حزيران 1960م .
2 ـ مجلّة الأضواء : العدد السابع للسنة الثانية ، 1381هـ ، 1961م .
3 ـ مجلّة الأضواء : العدد السابع للسنة الثانية 1381هـ ، 1961م .
--------------------------------------------------------------------------------
(93)
وفي عدد آخر قالت :
« لا تقعد بكنّ هذه التخرّصات ، ولا تثنيكنّ أمثال هذه النفحات المشؤومة ، بل تزيدكنّ عزماً وقوّة وشدّة ومضاء ، لتثبتن لهنّ صواب نهجكن وخطأ سيرهن المتعرّج ذات اليمين وذات اليسار ، ولتوضحن لهنّ أنّهنّ هنّ اللواتي رجعن بسلوكهن إلى أبعد عصور الجاهلية حيث لا أحكام ، ولا قوانين ، ولا مثل ومفاهيم » (1) .

وردّاً على ما يحَتج به مستوردوا التحضّر ، الذّين يدعون إلى تبرّج المرأة ولحوقها بحضارة الشرق أو الغرب ، قالت بنت الهدى :
« هل يمكن لاُمّة ـ أياً كانت ـ أن تتقدّم وتتحضّر بحضارات أجنبية لا تمتّ لها بصلة لتكون بذلك متقدّمة ؟ ! فإنّها لم تتقدّم خطوة ، ولم تزدهر لحظة ، وإنّما الأفكار الخارجية والدعايات الأجنبية هي التي تقدّمت وازدهرت على حسابنا ، نحن أعداءها الحقيقين » (2) .

وعن شخصية المرأة المهدّدة قالت :
« وذلك نتيجة سوء فهمها للإسلام والبعد عن روحه ومفاهيمه من ناحية ، ونتيجة تغذية الثقافة الاستعمارية المسمومة التي غزت بلادنا من ناحية ثانية ، إذ نشرت مفاهيمها المناقضة للإسلام ، والتي لا تنطوي في الحقيقة إلاّ على القضاء على أصالة المرأة واُنوثتها وكرامتها » (3) .

وبصدد الردّ على شعارات : تحرير المرأة ، حقوق المرأة ، مساواة المرأة ، قالت الشهيدة بنت الهدى :
« أنغام سمعناها ، وسنسمعها أيضاً ما دام المكروب الأجنبي يسري في عروق
____________
1 ـ مجلّة الأضواء : العدد السابع للسنة الاُلى 1380هـ ، 1960م .
2 ـ مجلّة الأضواء : العدد السابع للسنة الاُلى 1380هـ ، 1960م .
3 ـ مجلّة الأضواء : العدد السابع للسنة الاُلى 1380هـ ، 1960م .
--------------------------------------------------------------------------------
(94)
مجتمعنا المسكين ، وما دمنا متمسّكين بمبدئنا الحقّ ، داعينَ إلى نهجه القويم » (1) .
الإشراف على مدارس الزهراء عليها السلام :
تُعدّ مدارس الزهراء عليها السلام من أعمال « جمعية الصندوق الخيري الإسلامي » ، وهي أكبر المؤسسات الجهادية التي تشكّلت في العراق عام 1958م ، متبنّية أهداف الإسلام الحنيف في كافة لجانها التعليمية والثقافية والاجتماعية والطبّية ، وبجميع فروعها القائمة بمدينة البصرة والديوانية والحلّة والكاظمية وبغداد حيث يكون مركزها فيها .
كانت هذه الجمعية تشرف على العديد من الفعاليات الخيرية الإسلامية ، منها شؤون الرعاية الإجتماعية ، وتسهيل العلاج المجاني في مستوصفات طبّية خاصة ، كما كانت تضمّ كليّة اُصول الدين في بغداد ، إضافة إلى مدارس الإمام الجواد عليه السلام للبنين بمرحلتيها الإبتدائية والثانوية بمدينة الكاظمية .
وفي عام 1967م أصبحت الشهيدة بنت الهدى المشرفة على مدارس الزهراء عليها السلام في مدينة النجف الأشرف والكاظمية ، إضافة لإشرافها على مدرسة دينية اُخرى في مدينة النجف الأشرف . فكانت رحمها الله تشرف على تنظيم هذه المدارس ، وتعيّن المناهج الدراسية التربوية الإسلامية لها ، وتحلّ كلّ ما تواجهه هذه المدارس من مشاكل وصعوبات .
فكانت تقسّم أيام الإسبوع بين النجف والكاظمية ، فبالإضافة إلى الدروس التي كانت تُلقيها على الطالبات ، كانت لديها محاضرات تربوية تُلقيها على المعلّمات بعد انتهاء الدوام الرسمي للمدرسة . وبعد الظهر كانت لديها لقاءات مع طالبات الجامعة حيث تجيب على أسئلتهن ، وتُلقي عليهنّ محاضرات ودروساً في المعارف الإسلامية .
وفي عام 1972م وبعد صدور قانون تأميم التعليم ، استقالت الشهيدة بنت الهدى من
____________
1 ـ مجلّة الأضواء : العدد السابع للسنة الاولى 1380هـ ، 1960م .
--------------------------------------------------------------------------------
(95)
عملها بعد أن عرفت أنّها لن تستطع أن تؤدّي دورها الرسالي ، وقد حرصت الدولة على إبقاء بنت الهدى في هذه المدارس ، وبعثت لها كُتباً رسمية تُطالبها بالعودة إليها ، إلاّ أنّها رفضت ذلك ، وحينما سُئلت عن سبب رفضها للطلبات الرسمية قالت :
« لم يكن الهدف من وجودي في المدرسة إلاّ نوال مرضاة الله ، ولما انتفت الغاية من المدرسة بتأميمها فما هو جدوى وجودي بعد ذلك ؟ ! » (1) .
القصة الإسلامية :
لم تقتصر الشهيدة بنت الهدى في عملها التبليغي على إلقاء المحاضرات والدروس ، والكتابة في مجلّة الأضواء الإسلامية ـ بالرغم ما لهذين المنبرين من دور كبير في توعية الفتيات المسلمات وجعلهنّ أقرب إلى عقيدتهن ورسالتهن الإسلامية ـ بل تعدّته إلى مجال أوسع ورحاب أكبر ، وهو كتابة القصة الإسلامية الهادفة ، والتي تستطيع بواسطتها أن تُوصل صوتها ودعوتها للحقّ إلى أكبر عدد من النساء في العالم العربي .
فبدأت بكتابة القصة ، آخذه بنظر الإعتبار أولوية الهدف وثانوية الجانب الفني ، مخالفة في ذلك الاُدباء العراقيين حيث يُعيرون أهمية كبرى للجانب الفني ويفضّلونه على الهدف .
وقد أشارت رحمها الله إلى هذه النظرة الخاطئة عند الاُدباء بقولها :
« استحال بعض اُدبائنا مع كلّ الأسف إلى مترجمين وناشرين لا أكثر ولا أقل ، أفكارهم غريبة عنهم ، بعيدة عن واقعهم ومجتمعهم ، تستهويهم الصيحة ، وتطريهم النغمة ، وتسكرهم الرشفة ، فيغنّون بأمجاد الأعداء وهم في غفلة ساهون ، ويهلّلون للأفكار السامّة وهم لا يكادون يفقهون منها شيئاً ، قد تشبّعوا بالثقافة الأجنبية التي أدخلها الإستعمار إلى بلادنا منذ عهد بعيد ، وهي التي انحرفت بجيلنا الناشىء ذات اليمين وذات اليسار ،

____________
1 ـ مُلحق صحيفة الجهاد الصادر بتأريخ 20 جمادى الآخرة 1403هـ ، 4 نيسان 1983م .
--------------------------------------------------------------------------------
(96)
وحرصت على تشويه انتاجاتنا الأدبية بكلّ أشكالها ونواحيها ، ومن جراء هذا الفهم الخاطىء للثقافة الدخيلة انتشرفي ربوعنا مفهوم استعماري عدائي موجّه نحونا نحن بنات الإسلام بالذات » (1) .

إذاً فكتابتها للقصة لم تكن عن هواية أو احتراف ، بل لهدف معيّن ، وهو مخاطبة الجيل الناشيء باُسلوب قصصي بسيط ، وإيصال التعاليم الإسلامية إليه وبهذا الاُسلوب ، وقد أشارت الشهيدة رحمها الله إلى هذا المعنى بقولها :
« إنّ تجسيد المفاهيم لوجهة النظر الإسلامية في الحياة هو الهدف من هذه القصص الصغيرة » (2) .
وقالت أيضاً :
« ولهذا فإنّ أيّ فتاة سوف تقرأ في هذه القصص « مجموعة صراع » أحداثاً عاشتها بشكل أو بآخر ، أو تفاعلت معها ، أو مرّت قريباً منها » .
ثم تقول :
« سوف تجد في كلّ قصة الموقف الايجابي الذي تفرضه وجهة النظر الإسلامية في الحياة ، والبون الشاسع بين نظافة هذا الموقف وطهارته وتساميه ، وبين الإنخفاض والإنحطاط الذي تُمثّله وجهات النظر الاُخرى في الحياة » (3) .

وقالت أيضاً :
« فلستُ قصّاصة ولا كاتبة للقصة ، بل انّي لم أحاول قبل الآن أن أكتب قصة » (4) .
____________
1 ـ مجلّة الأضواء : العدد التاسع للسنة الاُولى ربيع الثاني 1380هـ ، تشرين الأول 1960م .
2 ـ مقدّمة قصة : « صراع من واقع الحياة » .
3 ـ مقدّمة « الفضيلة تنتصر » .
4 ـ مقدّمة « الفضيلة تنتصر » .
وقالت أيضاً :
« ما قمتُ به لا يعدو عن كونه محاولة بنّاءة لفتح الطريق وتعبيده ، بغية السير في إحياء جهاز اعلامي صامت من أجهزة الإعلام التي تواكب سيرنا ونحن في بداية الطريق » (1) .
واستطاعت بنت الهدى رحمها الله ـ ومن خلال القصص التي كتبتها ـ أن تضع حلولاً لكثير من المشاكل التي تواجهها العوائل المسلمة في العالم الإسلامي الذي غزاه فكر الشرق والغرب .
فهي تعالج بدقة متناهية وباُسلوب لطيف مسألة الزواج ، وما آلت إليه نظرة المسلمين اليوم بالنسبة لهذا الأمر المهم ، حيث أصبح الزوج الأمثل هو الذي لديه ثروة طائلة أو شهادة مرموقة ، أمّا الأخلاق والتمسّك بتعاليم الدين الحنيف فهي أفكار رجعية يجب محاربتها . والزوجة المثلى هي التي تملك جمالاً فائقاً وإن كان كاذباً ، حيث تجلس صاحبته ساعات وساعات في صالة التجميل لتخفي وجهها الحقيقي وتَظهر بوجهٍ آخر أكثر جمالاً من واقعها .
العمل الإسلامي ، معاناة المرأة العاملة ، السخرية ، التشويه ، الجمال ، التجميل ، الحجاب . كلّ هذه عناوين لمشاكل عالجتها الشهيدة بنت الهدى في قصصها وبأسلوب مُقنع ، مستعملة في ذلك العبارات السلسة ، والكلمات الرقيقة .
وقد أثّرت هذه القصص أثراً كبيراً في حلّ كثير من المشاكل العائلية ، وقد أقبلت الفتيات ـ ولا زالت ـ على اقتناء هذه القصص وقرائتها ، وطبعت عدّة طبعات ، مما يدلّ على طلب القرّاء لها .
وقامت دار التعارف للمطبوعات مؤخّراً بطبع قصصها كاملة في ثلاث مجلّدات صغيرة ، وهي تحتوي على :
(1) الفضيلة تنتصر .
____________
1 ـ مقدّمة « الفضيلة تنتصر » .
--------------------------------------------------------------------------------
(98)
(2) ليتني كنتُ أعلم .
(3) امرأتان ورجل .
(4) صراع مع واقع الحياة .
(5) لقاء في المستشفى .
(6) الخالة الضائعة .
(7) الباحثة عن الحقيقة .
(8) كلمة ودعوة .
(9) ذكريات على تلال مكّة .
(10) بطولة المرأة المسلمة .
(11) المرأة مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (1) .
ونقل السيد حسن الأمين عن الاستاذ عبد الحسين الصالحي في كتابه المخطوط رياحين الشيعة انّها رحمها الله ألّفت كتاباً اسمه ( المرأة وحديث المفاهيم الاسلامية ) وطبعته بتوقيع ام الولاء (2) .
شعرها :
لم تكن الشهيدة بنت الهدى رحمها الله شاعرة مُحترفة أو مكثرة ، ولم تكتب الشعر عن هواية ، بل وجدت نقصاً ثقافياً سائداً في ذلك الوقت ، وهو عدم خوض المرأة المسلمة مجال كتابة الشعر الهادف الذي يسمو بصاحبه إلى أعلى درجات الرحمة والرضوان ، لذلك أخذت على عاتقها كتابة مقاطع شعرية عَبّرت من خلالها عمّا يهيج في خاطرها ، وعمّا تُعانيه المرأة المسلمة من انحطاط في مستواها الثقافي الديني .
ونورد هنا ما تيسّر لنا معرفته من شعرها :
____________
1 ـ انظر معجم المؤلّفين العراقيين 1 : 34 ، معجم المطبوعات النجفية : 97و 108 و 264 و 213 .
ـ مستدركات أعيان الشيعة 3 : 4 .
--------------------------------------------------------------------------------
(99)
قالت رحمها الله :

يا رَسولَ اللهِ أبْشِرْ واُنْظْـرِ اليَـومَ إلينا * لِتَرانـا كيفَ قَـدْ أشرقَ نـورُ الحقِ فينا
يـا رَسـولَ اللهِ إنّـا فَتَياتٍ قَـدْ أبَيْنـا * أنْ نَرى القُرآنَ مَهْجوراً على الرفِ سنينَ
إي وربّي
دَعْـوة الإسْلامِ جـاءَتْ بِمسـاواةِ البَشر * لـيسَ فـي الإسلام فَرْقٌ بَيْنَ عربٍ وتَتَر
أحسنُ الاُمّةِ مَنْ بـالخيرِ والتَقْوى اشتَهر * لا بِجَمعِ المـالِ والـمنصبِ بينَ العالمينْ
إي وربّي
يا رَسولَ اللهِ هـا نَحْـنُ اتَخْذنـاكَ لَنـا * قـائِـداً يَـرْفَـعُ بـالإسلامِ عَنّـا ذُلَّنـا
نَحْنُ بايَعنـاكَ يـا خيَـر البَـرايا كُلّنـا * وتَسابَقْنا إلـى حَملِ لـواءِ المصْلحيــنْ
إي وربّي
يـا رَسـولَ اللهِ إنّا فِيكَ قَـدْ نِلْنا السَعادة * وعلـى نهجكَ قَـدْ حقّقتِ الـبنتُ السيادة
بَعْدَمـا كـانتْ ككابوسٍ وكانَ الوأُد عادة * جِئْتَ كـيْ تُعْطيَ حَقّ البنتِ بينَ المسلمينْ
إي وربّي
فَجَعَلْتَ البنْتَ كـالقُرّةِ للعيـن وأحلـى * وَجَعَلْـتَ الأمَ لِلجَنّـةِ كـالجسْـرِ وأعلـى
وَلَقَـدْ حَقّقتَ للزوجـةِ قـانوناً وعَـدلاً * ظَهَـرَ الحـقُ إلـى المرأةِ كالصُبْحِ المبينْ
إي وربّي
وَفَـرَضْتَ العِلـمَ للمـرأةِ كَيْمـا تَتَعَلْـم * وَلِكي تَتْـركَ دُنيـا الجَهْلِ والفِكْر المحَطّم
وَلِتَغدو تَعـرفُ الـدِينَ الحقيقـيَّ وتَفْهَم * جَوْهـرَ الإسلامِ والـدينَ وَمَعْنـاه الثمين
إي وربّي
وقالت رحمها الله :
قَسَماً وإنْ مُلىء الطَريقُ * بِمـا يُعيقُ السيـرَ قُدماً
قَسَماً وإنْ جَهَدَ الزَمـانُ * لكيّ يُثَبِّطَ فـيَّ عَـزْماً
أوْ حاولَ الدَهْرُ الخَؤونُ * بـأنّ يَـرشَّ إليّ سهماً

--------------------------------------------------------------------------------
(100)
وتَفَاعَلَتْ شَتّى الظُروف * تُكيـلُ آلامــاً وَهَمّـاً
فَتَراكَمَتْ سُحب الهُمومِ * بـاُفقِ فِـكْري فـادلهما
لَـنْ أنْثنـي عما أرومُ * وإنْ غَـدَتْ قَدَماي تُدمى
كلا ولَـنْ أدَعَ الجِهـادَ * فَغـأيتي أعلـى وأسْمى
وقالت أيضاً :
أنا كُنْتُ أعْلـَم أنَّ دَرْبَ * الحقِّ بالأشْـواكِ حـافِل
خـالٍ مِن الرَيْحان يَنْشُر * عطـرَهُ بيـنَ الجَـداول
لكنّني أقدَمْتُ أقْفوا السَيرَ * فـي خَطـو الأوائِــل
فَلَطالَما كـانَ المجـاهدُ * مُفْـرداً بَيـنْ ألجَحـافل
وَلَطالَمـا نَصَـرَ الإلـهُ * جُنـودَهُ وهَـمُ القـَلائل
فالحقُ يخلدُ في الوجُـودِ * وَكُلّ مـا يَعْـدوه زائِـل
سأظل أشدو باسْم إسلامي * وأنْكـرُ كـلَّ بـاطِـل
وقالت رحمها الله تعالى :
إسلامُنـا أنْـتَ الحبيبُ * وكُلُ صَعبٍ فيـكَ سَهْلُ
ولأجلِ دَعْوَتكَ العَزيـزة * عَلْقـَم الأيـام يَـحلـوُ
لَمْ يَعَلْ شيء فوقَ إسمك * فـي الدُنا فـالحَقُ يَعْلوُ
وَتُطبّق الدُنيـا مَبـادءك * العَظيمة وَهْـيَ عَـدلُ
وَسَيْنصُـر الرحمنُ جُنْدَ * الحق مـا ساروا وحلّوا
وأظـل بـاسمكَ دائمـاً * أشـدو فَلا ألهـو وأسلو
وقالت أيضاً :
غَداً لَنا لا لِمبادىء العِدى * ولا لأفكـارِهِـمُ القاحِلةْ
غَداً لَنـا تَزْهَرُ فـي اُفْقِهِ * أمجادُنـا وَشَمْسُهم زائِلةْ
غَداً لَنا إذا تَرَكنا الوَنـى * وَلَـمْ تَعُد أرواحُنا خامِلَةْ

--------------------------------------------------------------------------------
(101)
غـداً لَنـا إذا عَقَدْنـا الِلوا * لـدينِنا فـي اللحْظَةِ الفاصِلَةْ
لا وَهْـنَ لا تَشْتيتَ لا فُرقة * نُصبِحُ مِثـلَ الحلقَـةِ الكامِلَة
إذْ ذاكَ لا نَرهَبُ كـلَّ الدُنـا * ولا نُبـالـي نَكْبـةً نـازِلَةْ
غَداً لَنا وما اُوحَيْلَـى غَـداً * كُـلُ الأمـاني في غَدٍ ماثِلَةْ
إذْ يَنْتَشِرْ دُسْتُور إسلامِنـا * تهدي الورى أفكارُهُ الفاضِلَةْ
وقالت أيضاً :
غداً لَنا مَهما ادّعى مُلْحِـدٌ * وارتَحلَـتْ مبـادِىء وافدَةْ
غَداً لَنـا إذا صَمَـدْنا وَلَمْ * نَضْعُفْ أمامَ العُصّبَةِ الجاحِدَةْ
فالله قَدْ واعَدَنـا نَصْـرَهُ * والحقُ لا يْخلِفُ مَـنْ واعَدَهْ
وفي مكان آخر قالت :
سَتَرْتَفـع رايـةُ إسلامنا * نَحْـوَ الهدى خَفاقَةً صاعِدَة
وَيَنْتَصِـرْ دُستورُ قُرآنِنا * رَغْـمَ اُنُوِفِ الزُمْرَةِ الحاقِدة
ولها مقطوعة توجيهية نظمتها ردّاً على تسمية فتيات الاُمة « رجعيات » قالت فيها :
« رجعية » إن قِيلَ عَنْك! فَلا تُبالـي وإصْمديِ
قُولي : أنـا بنتُ الرسالـةِ ، مِنْ هُداها اهتديِ
لَمْ يُثْنني خَجَلي عَـنْ العَليـا ، وَلَمْ يُغلل يديِ
كلا ، ولا هـذا الحجابُ يُعيقني عَـنْ مَقْصَديِ
فَغَداً لَنا ، أُختاه ، فامضي في طَرِيقكِ واصعديِ
والحقُ يـا اُخْتاه يَعْـلو فـوقَ كيـدِ المُعتديِ
وقالت تصف ذهابها إلى بيت الله الحرام :
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
أيها الراحلُ عَنْ أوطانِهِ * لاهِياً عَنْها وَعَنْ إخوانِهِ

--------------------------------------------------------------------------------
(102)
لا يُبالي بِجَـوى تَحْنـانِهِ * قـادَهُ الشَوقُ إلـى إيمانِهِ
سائراً نَحْوَ النَعيمِ المُرتجى * في رحابِ اللهِ أو قَبْرِ النبيِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
أيها الراحِلُ سِرْ نحـوَ النعيـم * نحوَ وادي زمـزمَ نحوَ الحَطيمْ
نحوَ بيتِ اللهِ والـركنِ العظيمْ * في رحابِ الله ذي العَفْوِ الكريمْ
نحوَ سعي الحقِ أو نحو الصَفا * واذكـرِ الله بَقـلـبٍ وَجِــبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلى الإربِ
أيها الرحِلُ قِفْ جَنْبَ المقـامْ * حَيْثُ ابراهيم قَـدْ صَلّى وَصامْ
ثُمّ صلِّ في خشـوعٍ واحترامْ * واتّجـهْ فِيها إلـى رَبّ الأنامْ
واطحلب العَفْوَ مِنْ الرّب الذيِ * جَعَـلَ التَوْبَـةَ عِتْـقَ المذنبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلى الإربِ
أيها الراحِلُ إن جئتَ الصفا * فـاسْعَ للمَروةِ تَبْغي شَرَفا
وابتَهل فِيها بقلب قَدْ هَفا * نَحْوَ عَفْو اللهِ أسْمى مَنْ عَفا
ثُمَ قصّر بَعْدَ سَبْعٍ وانثَني * شـاكِـراً للهِ نَيْـلِ الطلـبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلى الإربِ
أيها الراحِـلُ يُهْنِيكَ المسيـر * نَحْـوَ وادي خَيْبرَ نَحْـوَ الغَديرْ
نَحْوَ بَدْر ، اُحد ، نَحْوَ البَشيرِ * نَحْـوَ غارٍ فـي حراءٍ مُستنيرْ
بِضياءِ المُرسلِ الهاديِ الذي * شَعَّ نُـوراً فـي بـلادِ العَربِ

--------------------------------------------------------------------------------
(103)
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلى الإربِ
أيهـا الراحِـلُ خُـذْها فُرْصةً * لَكَ واغْنَـم فـي ذَراهـا عِبْرَةً
وَدَعْ الـروحَ لِتمضـي حُـرّةً * فـي سماءِ الحَقِ تَبْغـي جَنـةً
عَرْضُها ، طُولُها كأرضٍ وَسَما * وَهْـي تَحْيـا بِشُعـور عَـذِبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
أيها الراحِلُ هذهِ عَرَفـاتْ * فاغْتَنِمها فُرْصةً قَبْلَ الفَواتْ
واشْغلن ساعتها بالدَعواتْ * واغْسِل الذْنبَ بِسَيْلِ العَبراتْ
جَبَلُ الرَحْمةِ فِيهـا فأتِـهِ * رَحْمـة اللهِ بِقَلـبٍ وَجِـبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
ثُـمَّ عِنْدَ الظُهر قِفْها وَقْفَةً * تـائِبـاً لله فِيهـا تَـوْبَةً
واسكب الروحَ عَليها عَبْرةً * تغسِلِ الذَنْبَ وتُعْطـى جَنَةً
لا يُلَقّاها سـوى قلبٌ نقـي * واستَقِمْ فيها لِوَقْتِ المغرِبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلى الإربِ
أيها الراحِـلُ ذيِ مُـزْدَلِفـةْ * نَحْوها فاطْو الدُجى في عَرَفةْ
يَذْكرُ الله بهـا مَـنْ عَرَفَـهْ * تائِباً عَـنْ كُـلِ مـا اقتَرَفَـه
لَيْسَ فِيها غَيرَ أرضٍ وَسَمـا * وَظَـلامٍ وَخُشـوعٍ مُرْهـبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
إنّها ليلةُ سَعْدٍ وَخُشوعْ * وابتهالِ وَدُعاءٍ ودَمُوعْ

--------------------------------------------------------------------------------
(104)


وَمُناجاةٍ إلى وَقْتِ الطُلوع * ما احيلاها أراضٍ وَرُبوعْ
يَسْتَميل القَلْبُ فيها راحةً * تَزْدَهي مِنْ كُلّ زَهْرٍ طَيّبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
أيها الراحِلُ قَدْ نِلْتَ المُنـى * إذْ تَوَجهتَ إلى أرضِ مِنى
مَسْجداً لِلخيفِ يُعطيكَ الهَنا * فِيهِ تَنْسى كـلَ جُهدٍ وَعَنا
أيّها الراحِلُ وارمِ الجَمَراتْ * فـي حصَا مَعْدودةٍ للطلبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
وَتَـوجّـه بَعْدَهـا لِلكَعبـةِ * طُفْ وَصَلِّ وابتهَـلْ للتَوبَةِ
ثُمَّ فـأتِ لِلصَفـا والمَروَةِ * واشْكُـر الله لهـذي النِعْمةِ
ثُمّ طُفْ فِيها طَـوافاً ثـانِياً * لَيْسَ مِنْ جُهْدٍ بها أُو نَصبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
أيها الراحِـلُ يُهْنيِـكَ الوُصـولْ * في رحابِ القُدْس في قَبْرِ الرَسولْ
فِيْهِ تَسْمو نَحْـوَ باريهـا العُقولْ * تَنْمَحـي الآلام والهَـمّ يَــزولْ
يَهَـبُ الأرواح أمْنـاً ورضـىً * وَهْـوَ يَـروي كُـلّ قَلْبٍ مُجْدِبِ
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسـانَ أحلى الإربِ
أيها الراحِلُ زرْ تِلكَ الرِحاب * وَبَقِيعاً مـا بـِهِ غَيْرَ التُرابْ
فَغَدَتْ جُدْرانهُ تَحكي الخَرابْ * وانْمَحَتْ آثـارُها فَهيَ يبابْ
وَبِهِ أربعـةٌ يُـرجى بِهـمْ * نَيْلُ عَفْـوِ اللهِ يَـوْمَ التَّعبِ

--------------------------------------------------------------------------------
(105)
فُرْصَةُ العُمْرِ وأغلى مَطْلَبِ
تَهَبُ الإنسانَ أحلـى الإربِ
وقالت رحمها الله في كتابها : « كلمة ودعودة » :
اُختاه هَيّـا لِلجهـادِ ولَلِفـدا * وإلى نِداءِ الحَقِّ في وقتِ النِدا
هيّا إجْهَري في صَرْخةٍ جَبْارةٍ * إنّـا بَناتُ مُحمّـدٍ لَـنْ نَقْعدا
إنّـا بنـات رسالـةٍ قُدْسِيـةٍ * حَمَلَتْ لنـا عِـزاً تَليداً أصْيَد
وقالت فيه أيضاً :
إلى المجدِ يا فَتياتِ الهُدى * لِنُحْيي مـآثرَنِا الخالِـداتْ
وَنَمْضي سَويّاً إلـى غايةٍ * لأجْل لِقاهـا تَهونُ الحَياةْ
وَنَكّتُبُ تـأرِيخَنا نـاصِعاً * مُضِيئاً بـأعْمالِنا الباهِراتْ
فإمّا مَقـام العلـى نَرْتَقِيه * وإمّا قُبـوراً تضَمُ الرُفاتْ


جهادها واستشهادها :
تُعدّ الشهيدة بنت الهدى رحمها الله رائدة العمل الإسلامي النسوي في العراق ، فلم تتصدّ لهذا العمل ولم تقم بمهامّه غير السيّدة آمنة الصدر ، في الوقت الذي تصدّى للعمل الإسلامي في أوساط الرجال عددٌ من العلماء والمفكّرين والشباب الملتزمين .
فلم تكتفِ الشهيدة رحمها الله بأن تُجاهد بلسانها وكتاباتها ، بل تعدّته إلى أكبر من ذلك ، حيث عاشت مع الحركة الإسلامية التي نظّمها وسيّرها وقادها أخوها المرجع الديني الكبير آية الله العظمى الشهيد السيّد محمّدباقر الصدر رضوان الله تعالى عليه . كانت مع الحركة الإسلامية منذ انبثاقها ، وما مشاريعها الإجتماعية ، ونشاطاتها الثقافية إلاّ جزءً من الحركة الإسلامية المنظّمة .
عاصرت الشهيدة بنت الهدى عدّة أحداث سياسية هامة :
منها : اعتقال الحكومة العراقية المجرمة للشهيد الصدر في مستشفى الكوفة عام 1972م .
--------------------------------------------------------------------------------
(106)
ومنها : أحداث عام 1974م ، حيث اعتقل عدد غفير من كوادر الحركة الإسلامية في العراق ، واعدام خمسة منهم .
ومنها : أحداث عام 1977م ، حيث انتفضت مدينة النجف الأشرف ، تلك الإنتفاضة الحسينية الجماهيرية التي أرعبت نظام بغداد ، ممّا حدى بهذا النظام أن يعدم عدداً من الشباب الحسينيين الأبرياء بحجّة خروجهم على القوانين واثارتهم الشغب ، واستدعت الحكومة آنذاك الشهيد الصدر إلى بغداد وعاتبته على عدم تلبية طلباتهم في شجب هذا الأعمال واستنكارها .
وكانت الشهيدة رحمها الله تعيش عن قرب من هذه الأحداث ، حيث منحتها حسّاً سياسياً تستطيع بواسطته ادراك ما يجري حولها ، وما سيؤول الأمر إليه .
ومنها : أحداث عام 1979م ، هذا العام الذي شهد تحرّكاً سياسياً واسعاً في العراق ، حيث جاءت الوفود ومن شتى أنحاء العراق مجدّدة البيعة للإمام الصدر ، طالبة منه المسير قدماً في تطبيق حكم الله في الأرض ، فأحسّت حكومة بغداد بخطورة الموقف وتفاقمهِ ، وخوفاً من أن يفلت زمام الأمر منها أقدمت على اعتقال السيد الشهيد الصدر في 19 رجب .
وهنا بدأ دور الشهيدة بنت الهدى لتقف موقفاً بطولياً ، يُعبِّر عن عمق الإيمان وإحساسها بخطورة المرحلة . فخرجت من دارها ـ دار السيّد الشهيد ـ وذهبت إلى مرقد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وهناك نادت بأعلى صوتها : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، الظليمة الظليمة ، أيها الناس هذا مرجعكم قد اُعتقل . فعلم الناس بالخبر ، وسرعان ما انتشر ، وما هي إلاّ ساعات حتى خرجت تظاهرة كبرى في مدينة النجف الأشرف ، مُعلنة عن سخطها واستنكارها لإعتقال السيّد الشهيد الصدر ، فسارعت الحكومة لإطلاق سراحه خوفاً من توسّع رقعة المظاهرات .
وما أن وصل الخبر إلى بقية المدن العراقية حتى خرجت تظاهرات واسعة في بعضها مثل بغداد ، والكاظمية ، والفهود ، وجديدة الشط ، والنعمانية ، والسماوة . وقد خرجت أيضاً تظاهرات في بلدان اسلامية اُخرى ، مثل لبنان والبحرين وايران .
--------------------------------------------------------------------------------
(107)
وعندما عرفت السلطة خطورة الموقف فرضت الإقامة الجبرية على السيّد الشهيد وعائلته بهدف منعه من الإتصال بالحركة الإسلامية ، وتمهيداً لتصفية أقطاب التحرك الإسلامي ، ومن ثمّ تصفية السيد الشهيد جسدياً . وفعلاً فقد أقدمت حكومة البعث الصليبية على جريمة كبرى حيث اعتقلت الشهيد الصدر واُخته العلوية بنت الهدى في يوم السبت 19 جمادي الاُولى سنة 1400هـ ، الموافق 5|4|1980م ، وبعد ثلاثة أو أربعة أيام تمّ تنفيذ حكم الإعدام بالسيّد الصدر واُخته العلوية آمنة الصدر .
وستبقى هذه الجريمة وصمة عار في جبين كل مَنْ ينتمي إلى حزب البعث ، بل وفي جبين مَنْ يدّعي القومية والتقدّمية .
وبهذا أفلَ نجم المعلّمة الكبيرة والمرشدة العظيمة العلوية بنت الهدى ، وفازت برضوان الله وجنات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار

السيرة الذاتية  || المؤلفات  || الصور  || ما كتب حولها