مؤلفات العلوية الشهيدة آمنة الصدر

 

عليك ولعلك لا تعلم لماذا ولكنك سوف تعلم عما قريب ، وها أنني مازلت مضطرة إليك فتعطف عليّ بالجواب... وسؤالي اليوم هو كيف يمكن أن أطمئن إلى أن القرآن هو كتاب الله عز وجل ؟ أرجوك أن لا تنقم علي وسوف يكون هذا آخر سؤال أوجهه اليك ولعلك بعد هذا تغفر لي ما سببته لك من ازعاج. أرجو من الله أن يديمك لدينك ابناً باراً ولمن تحب ويحبك هدياً ومناراً.
حسنات

* * *

لم يطل انتظار رحاب للجواب فقد استلمته في أقرب وقت وكانت قد بدأت قبل ذلك بقراءة القرآن الكريم مع أختها حسنات وفي ذلك اليوم وقبل أن تخلو إلى نفسها لتقرأ الرسالة بادرتها حسنات تخبرها بفرحه أنها استلمت رسالة من زينب أخت مصطفى وأنها سوف تعود بعد نهاية الامتحانات ... فتظاهرت رحاب بمشاركتها الفرحة ثم أردفت تقول : حتى مصطفى فأنه سوف يعود قريباً إن شاء


( 399 )

الله ... قالت هذا وذهبت إلى غرفتها تقرأ الرسالة فكانت كما يلي :

بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزتي حسنات
السلام عليك ورحمة الله وبركاته

دعيني أولاً أؤكد لك بأنني غير برم برسائلك وذلك لأنها مكنتني من أداء بعض الواجب بالنسبة لديني ثم أعود لأسألك من جديد ، ترى لو وجدت طفلة صغيرة تعيش في محيط لا يفتح لها أبواب المجتمع وهي ما زالت لا تعرف القراءة والكتابة ولم تتطلع على أي مجلة أو صورة للأزياء ثم ومع كل هذا تجدينها تبرز للمجتمع فستاناً قد صمم على أحدث موضة ، واعتمد ابتكارات مصممي الازياء في باريس ، تبرزه للمجتمع على أنه من خيطتها هي ! فهل تراك سوف تصدقي منها هذه الدعوى ؟ بطبيعة الحال أن الجواب سوف يكون نفياً ، لأنها صغيرة ، ولم يسبق لها أن مارست اي شكل من أشكال الخياطة ثم لأنها لا تعرف القراءة والكتابة


( 400 )

ولم تطلع على المجلات ونشرات دور الأزياء ، ولم يحدث أن سافرت إلى باريس مثلاً ، وهي كذلك وبحكم محيطها المنغلق لم تنفتح حتى للمجتمع الذي حولها فكيف تمكنت مع كل هذا أن تصمم هذا الفستان الذي يحمل معه ابتكارات جديدة وخطوط موديلات كلاسيكية قديمة ؟ ولهذا فلا شك أن هذا الفستان قد وصلها من سواها وإن هناك مصمم يعرف تاريخ تصميم الأزياء في الماضي ، ويشخص أصلح ابتكارات الموضة في الحاضر ، وهو مع هذا دقيق في عمله بارع في صناعته ... وإلى هنا اعتقد أن انكار خياطة الطفلة للثوب والاعتقاد بأن هناك غيرها من أبدع خياطته هو أمر مفروغ منه ، وبعد هذا نأتي إلى رسالة السماء التي قدمها للبشرية رجل صادق أمين قد تربى في صحراء الجزيرة العربية تربية قاحلة من العلوم والفنون والآداب حتى أنه كان أمياً لا يعرف القراءة والكتابة ولم يغادرها إلا مرتين. مرة وهو صبي صغير ومرة في تجارة مع ركب من المتاجرين العرب أمثاله


( 401 )

ولم يعرف عنه من قبل دراسة لما مضى أو حديثاً عما يأتي ، ثم وفجأة يقدم للبشرية رسالة معجزة أعجزت العرب ببيانها وتحدتهم ببلاغتها حتى قال عنها قائلهم وهو من أشد المعارضين لها قال حينما استمع إليها = والله لقد سمعت كلاماً ما هو من كلام الأنس ، ولا من كلام الجن ، وان له لحلاوة ، وأن عليه لطلاوة ، وان أعلاه لمثمر ، وأن أسفله لمعذق وأنه ليعلو وما يعلى عليه ، وانه ليحطم ما تحته = وحققت اعجازها من نواح كثيرة أيضاً منها اخبارها بحوادث الرسالات السابقة على شكل تذكرها كتب تلك الرسالات مع أن حامل الرسالة لم يكن من الممكن له أن يقرأ كتاباً واحداً منها لجهله حتى القراءة العربية فكيف باللغات الأخرى كما أشارت إلى ذلك الآية المباركة التي تقول : ( وما كنت بجانب الغربى إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ، ولكنا أنشأنا قروناً فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاوياً في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين وما


( 402 )

كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوماً ما آتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ) ثم أن الحوادث الماضية لا يمكن لها أن تكون مستنسخة حتى لو فرضنا تمكن حامل الرسالة من الاستنساخ لأن القرآن يذكر هذه الحوادث بشكلها الصحيح بعد تنزيهها مما لصق بها زوراً وتشذيبها عما لحقها من تحريف وتضليل ، اذن فالقرآن يتعرض إلى الحوادث الماضية بشكل ايجابي ولا يكتفي بالذكر السلبي فقط... هذا بالاضافة إلى أن هذه الرسالة قد تنبأت بوقوع أحداث لم يكن يحتمل وقوعها ثم حدث ، كما أخبرت به ، ومثال ذلك الآية المباركة التي نزلت بعد أن غلبت الروم على أيدي الفرس فسبب ذلك حزناً عند المسلمين ، لأن الفرس كانوا يمثلون الجانب الوثني ، والروم كانوا يمثلون الجانب الكتابي ؛ فنزلت الآية المباركة تقول : ( غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) وبضع سنين في الاصطلاح العربي هي لا تتجاوز العشر


( 403 )

سنين وقد وقع فعلاً ما أخبرت به الآية المباركة بعد تسع سنين تقريباً ، أو ليس في هذا ما يبعث في نفسك الاطمئنان إلى أن هذه الرسالة هي رسالة السماء وأنها ليست من إنشاء محمد بن عبدالله ؟ ثم وبعد هذا دعيني أذكر لك بعض جوانب الاعجاز العلمي للقرآن : فقد جاء في الآية المباركة : ( وأرسلنا الرياح لواقح ) وقد اكتشف أخيراً وبعد تقدم الفكر العلمي للبشرية أن للرياح دوراً في تلقيح الأشجار الشيء الذي جعل المستشرق الانجليزي ( اجنيدي ) أستاذ اللغة العربية في جامعة أكسفورد يقول : ( إن اصحاب الابل قد عرفوا ان الريح تلقح الاشجار والثمار قبل أن يتوصل العلم في أوربا إلى ذلك بعدة قرون ) كما أن العلم قد أثبت أخيراً ان الأرض تتناقص يوماً بعد يوم وتنكمش على نفسها بعد أن انفصلت عن الشمس وأخذت تبرد وأن مما يساعد على انكماشها وهو تشقق قشرتها وخروج الحمم والبراكين منها كما أن الضغط الجوي والجاذبية الأرضية وضغط


( 404 )

الانكماش المستمر يساعد على تضاؤل حجمها أيضاً ، هذا ما أثبته العلم ، أما رسالة السماء فقد أخبرت بذلك قبل أكثر من ثلاثة عشر قرناً بما جاء في الآية المباركة التي تقول : ( أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب ) ومثال ثالث هو الآية المباركة تقول : ( إذا الشمس كورت ) ثم وبعد قرون عديدة يبرز علينا العلم باكتشافه الجديد وهو أن الشمس تحترق كالشمعة وسيأتي يوم تذوى فيه وتقل حرارتها نتيجة تبدد شعاعها وسلسلة التفاعلات التفجرية في باطنها فتموت كما تموت بقية الشموس والنجوم...
أرجو أن لا أكون قد أطلت عليك ولأجل مزيد من الاطمئنان إقرأي كتاب الظاهرة القرآنية لمالك بن بني وأتمنى لك كل خير وصلاح.
مصطفى
***


( 405 )

أعادت رحاب قراءة الرسالة مرات ومرات ثم ألقت برأسها على المنضدة التي أمامها واندفعت تبكي بحرقة وألم ومع كل دمعة كانت ترسم لها صورة مرعبة عن جريمتها وعن موقفها المحرج الذي زجت نفسها به فقد بدأت تحس بالواقع كما لم تكن تحس من قبل ، فهي الآن ليست تلك الرحاب التي أقدمت على الخطوة الأولى ، أنها إنسانية ثانية لا تمثل تلك إلا بالمظهر الخارجي ، وحتى هذا فقد تغير عما كانت عليه فقد أخذت تلتزم بارتداء الملابس المحتشمة وتركت المكياج ، ولهذا فهي الآن تتعذب وبضراوة ، واندفعت تبكي والرسالة إلى جانب رأسها على المنضدة وعلا نشيجها دون أن تحس حتى بلغ مسمع حسنات في غرفتها المجاورة فهالها أن تبكي رحاب هكذا وخشيت أن تكون قد أصيبت بنكسة تحيد بهاعن الطريق الذي بدأت تسير فيه فبادرت إليها وفتحت الباب دون استئذان إذ أن الكلفة كانت قد ارتفعت بينهما أخيراً وانحنت عليها تقبلها بحنان وهي تقول : رحاب ، رحاب ماذا بك يا أختاه ؟ رحاب أجيبيني لماذا كل هذا البكاء ؟ هل حدث لك مكروه قولي ؟ ولم تكن رحاب لتجيب فقد زاد وجود حسنات وحنانها من حرقة بكائها واستمرت حسنات تحاول أن ترفع رأسها وهي تقول : أرجوك يا رحاب ارحميني أنا على الأقل ألست أختك يا رحاب أنا لا أتمكن أن أراك تبكين أن دمعة واحدة من عينيك تحرق فؤادي فكيف بهذا البكاء ؟ رحاب رحاب وكانت حسنات تندفع مع كلماتها


( 406 )

العذاب جاهلة أنها تزيد من عذاب أختها المسكينة ... وتمكنت أخيراً من رفع رأسها عن المنضدة وإسناده إلى صدرها وأخذت تمسح دموعها برفق وتناغيها بأعذاب الكلمات وتهدىء عليها بحنان ، ثم لاحت لنظرها الرسالة ، وكانت كالعادة تحمل عنوان صديقة رحاب ولكنها خمنت أن لهذه مساساً في وضع رحاب النفسي . فقالت لعل هذه الرسالة قد حملت إليك أمراً تكرهينه يا رحاب ؟ ولكنني لا أظن أن صاحب هذا الخط الجميل يكتب الى الآخرين ما يؤذي ، يبدو أن صديقتك مذواقة في اختيار الصديقات.
وهنا اندفعت رحاب تقول في كلمات يقطعها النحيب : أنني مجرمة ، أنني ظالمة ، أنني لا أستحق حبك يا حسنات...
فحسبت حسنات أنها تريد أن تشير إلى ماضيها فقالت : دعيك من هذا يا أختاه فأنت الآن في طريقك إلى الكمال ولم يبق لك سوى خطوة واحدة تكونين بعدها خيراً مني يا رحاب لأن التائب عن الذنب كمن لا ذنب له فاندفعت رحاب تبكي من جديد ثم رفعت عينها نحو اختها بنظرة استرحام وقالت : وهل حقاً أن الله سوف يغفر لي يا حسنات ؟
قالت حسنات : نعم يا رحاب وقد قال نبينا ( صلى الله عليه وآله ) لو عملتم الخطايا حتى تبلغ السماء ثم ندمتم لتاب الله عليكم ، وقال ( صلى الله عليه وآله ) أيضاً : التائب حبيب الله ، إذن فأن الله عز وجل لا يغفر لك فقط بل أنه يحبك أيضاً ، ويفرح بتوبتك كما جاء


( 407 )

عن الامام الصادق ( عليه السلام ) أن الله يفرح بتوبة عبده المؤمن إذا تاب كما يفرح أحدكم بضالته إذا وجدها ، والآية المباركة تقول أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين فكيف تشكين برضاء الله تعالى عنك لو التزمت بجميع ما يأمر يا رحاب ؟
وكانت رحاب قد هدأت نسبياً وهي تستمع إلى كلام حسنات الهادىء الرصين وهي لا تفتأ تتطلع اليها كما يتطلع الغريق إلى منقذه وكأنها اندمجت مع كلام حسنات فغفلت عن وضعها الخاص وحراجته فقالت ورأسها ما زال على صدر حسنات : وما هي الخطوة التي تعنيها يا حسنات ؟
قالت حسنات ، وهي تمسح على رأس أختها وجبينها : إنها الحجاب يا رحاب ، ألم تقرأي معي في سورة النور آيات الحجاب ولا شك أنك تؤمنين بالقرآن الكريم كرسالة من السماء أتت لتنظم حياتنا وتهبنا السعادة في الدارين...
وكانت كلمات حسنات الأخيرة كفيلة بتحسيس رحاب بواقعها المؤلم من جديد ! نعم أنها الآن تؤمن أن القرآن رسالة السماء ولكن كيف تحقق لها هذا الايمان وعن أي طريق ؟ فهي لا تشك أن حسنات لو علمت لما تمكنت من النظر إليها بعد الآن ، ولكن حسنات كانت مستمرة بحديثها عن الحجاب ومصالحه الاجتماعية وحفاظه لكيان المرأة...
وشعرت رحاب أنها في حاجة إلى أن تعرف المزيد عن الحجاب ، فهي تريد أن تتحجب ولكنها لا تعرف كيف


( 408 )

ولماذا ؟ ولهذا فقد اعتدلت في جلستها وأخذت تستمع إلى حسنات بكل هدوء ثم قالت : إذن فان الحجاب ليس عادة دخيلة على الاسلام من الفرس ؟
فقالت حسنات : كلا يا رحاب فان آية الحجاب نزلت قبل أن يفتح المسلمون فارس وقبل أن يحدث بينهم أي تماس وتعارف ، ثم أن الحجاب الذي فرضه الاسلام يختلف عن الحجاب الذي كان متبعاً عند الفرس من قبل فهو بتعبير أصح ستر وليس حجاباً بالمعنى الذي يحجب المرأة عن الحياة كما كان يحجبها الفرس القدماء ويمكنك أن تطمئني إلى صحة كلامي بمراجعة سورة النور وآيات الحجاب وتقفي عند الآية المباركة التي تقول : ( قل للمؤمنين يغضو من أبصارهم ) إلى أن تقول : ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ) فلماذا هذا الأمر بالغض من البصر إذا كان في الستر الذي فرضه الاسلام عزلاً للمرأة عن الحياة ؟ ان الغض من بصر الرجل يعني امكان وجود المرأة إلى جواره والغض من بصر المرأة يعني امكان وجود الرجل إلى جوارها ، ولكن ولأجل الحيلولة دون إثارة مشاعر اطلاقها يعني الفوضى الجنسية والاجتماعية وحبسها يعني الكبت والحرمان اللذين يجران إلى العديد من الأمراض النفسية والعصبية لأجل صيانة هذه الغرائز من الاثارة المستمرة مع ما عرفناه من إمكان أن يعيش كل من المرأة والرجل إلى جوار بعضهما في المجتمع ، أمر الاسلام بالستر كتنظيم وقائي للمرأة والرجل سواء بسواء ، ألا ترين


( 409 )

أن أكثر الويلات والمشاكل الاجتماعية نشأت من نتيجة الاختلاط المطلق بين الجنسين.
وهنا سكتت حسنات تنتظر من أختها الجواب وكانت رحاب تستمع إليها بكل هدوء ، فلما سكتت بادرتها قائلة : لقد كنت أسمع أن الحجاب في الاسلام هو صورة عن أفكار الرهبنة والتقشف وترك الملاذ ، وبما أن المرأة هي من أهم متع الحياة بالنسبة للرجل فرض عليها الحجاب تمشياً مع باقي الفروض القاسية التي يضعها أو يفرضها على نفسه في الحياة...
قالت حسنات : يؤسفني أن تكوني قد سمعت أشياء شوهت أمامك مفهوم الحجاب مثل هذه الناحية التي ذكرتيها مع أن الاسلام لم يدع في يوم من الأيام إلى أفكار الرهبنة وترك ملاذ الحياة بل على العكس من ذلك تماماً فقد أبصر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من الدين المتعة ، والمتعة التي عناها الرسول ( صلى الله عليه وآله ) هي التمتع بملاذ الحياة التي خلقها الله لعباده ، وقال الامام أمير المؤمنين عليه السلام : ان الله جميل يحب الجمال ، وقال الامام الصادق ( عليه السلام ) وهو يخاطب أصحابه ما نعني :
أن الله قد أنعم عليكم فلا تخفوا نعمه ، فقالوا وكيف ذلك يا ابن رسول الله فقال ( عليه السلام ) ينبغي أن يكون لباس الواحد منكم


( 410 )

نظيفاً وريحه طيباً وجداره أبيضاً وداره مضيئة فان في ذلك توسعه في الرزق وقد شكون ثلاث من النساء إلى الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أزواجهن ، فقالت احداهن أن زوجي لا يأكل اللحم وقالت الثانية أن زوجي يبتعد عن الطيب ، وقالت الثالثة أن زوجي يبتعد عن النساء ، فظهر الألم على الرسول ( صلى الله عليه وآله ) وخرج من بيته إلى المسجد وصعد المنبر وقال : لقد بلغني أن بعض أصحابي ترك اللحم والطيب والنساء وها آناذا أكل اللحم واستعمل الطيب وأتمتع في النساء.
أيما أحداً عرض عن منهجي هذا فو ليس مني ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يرجل شعره وينظر في حب الماء بدلاً عن المرآة قبل أن يخرج إلى أصحابه ويقول : أن الله يحب من العبد أن يبدو أمام اصحابه بشكل جميل ، فهل تجدين في هذه الأمثلة ما يشير إلى تبني الاسلام لفكرة الرهبنة وترك ملاذ الحياة فكيف يمكن أن ننسب الحجاب في الاسلام إلى هذه الغاية ؟ والاسلام كما ترين يحارب فكرة الرهبنة ويعارضها وسوف أعطيك كتاب العفاف بين السلب والايجاب لزين الدين لتتعرفي أكثر فأكثر على فوائد الحجاب ومضار السفور ، وقد اعددت لك مفاجأة لا بأس أن أخبرك بها الآن وهي أنني


( 411 )

قد أعددت بدلة حجاب كاملة لكي أقدمها لكِ عند أول بادرة رغبة وأرجو أن لا يكون انتظاري طويلاً لتلك البادرة ، وكانت رحاب قد استعادت وضعها النفسي الطبيعي فحاولت حسنات أن تتحدث معها بعض أحاديث خارجية ثم قامت لتنصرف إلى غرفتها ولاحظت رحاب أنها ألقت نظرة ثانية على المظروف الملقى على المنضدة قل أن تخرج...
عادت حسنات إلى غرفتها وألقت بنفسها على الكرسي هناك وتمتمت تقول : أجدني أكاد أعرف هذا الخط الذي على الظرف أنه ليس غريباً علي تماماً !! آه أنه يشبه خط مصطفى ، نعم خطه في الاهداء الذي رأيته على الكتاب الذي كان قد أهداه لزينب ، نعم لقد تذكرت الان وقد اعارتني إياه وظني أنه ما زال بين كتبي ، قالت هذا ونهضت تفتش بين كتبها حتى وجدته كان كتاب ( الشيطان يحكم ) لمصطفى محمود ففتحته وألقت على الاهداء نظرة فاحصة ثم تهاوت على الكرسي قائلة : يا لله ، أنه نفس الخط ، أو أنه يشبهه إلى حد بعيد ، ولكن كيف حدث هذا وما هي علاقة مصطفى بصديقة رحاب ؟! كلا لا شك أنني غلطانه فلعل هناك الكثير من الخطوط تتشابه وتتقارب ولكن ما معنى هذا يا ترى ؟ لعل لهذا علاقة مع بكاء رحاب « لعلها عرفت عن مصطفى شيئاً غير مريح » ولكنني لا أريد أن أشك باستقامة مصطفى فلماذا أفتح أمامي أبواب تصورات خاطئة ؟ نعم لماذا ؟ قالت هذا ثم


( 412 )

أخذت كتاباً تحاول أن تقرأ فيه ولكن تفكيرها كان غير قادر على استيعاب ما تقرأ فقد كان فكرها يقفز بين حين وحين إلى الرسالة والاهداء وتشابه الخطين ولهذا فقد حاولت أن تنام ففشلت في محاولتها هذه أيضاً فلم يسعها إلا أن تستلم للتفكير...
وبعد مضي ساعات لم تبرح خلالها غرفتها دخلت عليها رحاب ففرحت لقدومها عساها تبتعد معها عن أفكارها القاسية ، أما رحاب فقد وقفت أمامها تقول : أنني أطلب منك شيئاً يا حسنات...
فردت حسنات باندفاع : قولي ما تريدين يا رحاب.
قالت : أريد أبراد الحجاب التي أعددتها لي فقد صممت أن أتحجب منذ اليوم...
فأشرق وجه حسنات بالفرحة رغم وضعها النفسي السيء ونهضت فقبلت رحاب اولاً ثم ذهبت إلى خزانتها فاستخرجت منها زي الحجاب الكامل الذي كانت قد أعدته لرحاب وقدمته اليها بكل فرح وسعادة ، فأخذته رحاب شاكرة وقالت : أرجو أن لا أتخلى عنه بعد اليوم أبداً ، كما وأرجو أن لا تتخلي عني يا حسنات بعد اليوم أيضاً...
فاستغربت حسنات كلام أختها وقالت : أنا أتخلى عنك يا رحاب ! وكيف يخطر لك ذلك إن هذا لن يحدث أبداً مهما كان...


( 413 )

قالت رحاب : مهما كان ومهما عرفتِ عن ماضي يا حسنات ؟
قالت حسنات في ثبات وتصميم : نعم مهما كان ومهما عرفت عن ماضيك ما دمت أنتِ الآن نقية طاهرة...
قالت رحاب : حتى ولو كنت قد أسئت اليك من قبل ؟
قالت حسنات : حتى هذا فان مجرد فرحي بحجابك تعدل عندي كل أساءة ماضية ثم أنك أختي وحبيبتي فكيف تحسبينني أحقد عليك يا رحاب ؟
قالت رحاب : أتمنى هذا منك وان كنت لا استحقه يا حسنات وعلى كل حال فألف شكر لك يا أختاه ، ثم استدارت وخرجت من الغرفة وهي تجهش في البكاء وتركت حسنات في حيرة من أمرها وأمر أختها وأمر الرسالة والاهداء.

* * *

عادت رحاب إلى غرفتها وقد صممت أن تنتهي هذه المسرحية المخجلة وعليها أن تتحمل النتائج مهما كانت وأن تواجه الواقع على مختلف احتمالاته ، وفعلاً فقد أخذت القلم لتكتب ولكنها عادت فألقت بالقلم على الأرض في عنف ونهضت قائلة : سوف لن أكتب بهذا القلم بعد اليوم ، أنه قلم مدنس بكلمات الخيانة ، ثم ذهبت فاستخرجت قلماً


( 414 )

جديداً وعادت لكي تكتب فيه صفحة جديدة من صفحات حياتها الجديدة فكتبت ما يلي :

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة السيد الفاضل الأستاذ مصطفى ...
لست أدري كيف أبدأ رسالتي وهي المرة الأولى التي أكتب فيها ( أنا ) اليك ! نعم أنا ويا لخجلتي مما أكتب ، ولكن ميلادي الذي كان على يديك وعمري الجديد الذي وهبتني إياه تعاليمك ، جعلاني أؤمن أن العار أولى من النار ، وأن الخجل هنا أهون من الخجل أمام الله الواحد القهار ، وهذا ما دفعني لأن أكتب لأضع الحقائق أمامك جلية واضحة بعد أن شوهتها ولونتها مدة من الزمان ، ولعل اعترافي هذا بصدق دليلاً على ندمي على ما مضى وتوبتي لله تبارك وتعالى عما اقترفت وأذنبت ، والآن إليك هذه الحقيقة يا سيد مصطفى ... آه أنك سوف تذهل أولاً ثم تفرح ثانياً ثم تحتقرني وتنقم عليّ ثالثاً ، ولكن المهم أن أكون قد قمت بواجبي


( 415 )

تجاه ربي وتجاهكما وتجاه ضميري الذي يأبى أن يهادنني دون أن أعترف وبصراحة ... واعترافي هذا هو أنني أنا التي أكتب اليك الآن والتي كتبت اليك منذ جواب أول رسالة أرسلتها يا سيد مصطفى. أنني رحاب أخت حسنات ! ولم تكن حسنات في يوم من الأيام لتكتب ما كتبت لأنها لم تكن تشك كما شككت... نعم أنها مؤمنة كقديسة وطاهرة كملاك وجميلة كحورية فكيف لها أن تكتب ما كتبته أنا ؟ نعم أنا التي كنت أعيش عالم التيه والضلال ، أنا التي خضعت للشيطان فأغواني وللهوى الباطل فاستهواني ، فتلوثت روحي وانطمست معالم الخير من ضميري ، واندفعت وراء حسدي وغروري ، فتقمصت شخصية حسنات التي هي حسنات حقاً ، وكتبت اليك ما كتبت وأنا أتوقع منك القطيعة لها ، واعلم أن في ذلك تعاسة أختي ، ولكنني كنت مندفعة وراء الباطل فكتبتُ ما كتبتُ وأعطيتك عنواناً آخر لكي لا تصل الرسائل إلى البيت فتستلمها حسنات ، ثم


( 416 )

بدأت تكتب إليّ فتكشف عن عيني أغشية الخداع والتضليل وكلما كنت أتقدم إلى الخير خطوة كان ضميري يلح علي مؤنباً ومؤنباً من جديد ، وطالما حاولت أن أنثني عن طريقتي المنحرفة وأنسحب عن حياتكما الصالحة ، ولكنني كنت أشعر بالحاجة إلى تعاليمك وهدايتك ولهذا... تابعت خطواتي في الطريق الوعرة الخطرة اتطلع إلى مصدر النور الذي كنت تهبني إياه ، وكنتُ ألاحظ حسنات وهي تتألم من جفائك وتتعذب لانطوائك فكان يزيدني هذا عذاباً على عذاب ، نعم حسنات وليتك تعلم كيف هي حسنات أنها وبينما كنت أعمل على هدم سعادتها ، كانت تفرح كلما وجدتني أقرأ كتاب أو لاحظت علي بوادر اصلاح ، كانت تتحبب إلي وتتقرب فرحة بعودتي إلى حضيرة الايمان ، جاهلة أن هذه العودة كانت على حساب سعادتها وراحتها ، لا تحسب أنني أمدحها لأنها أختي ، كلا فقد كانت أختي ولم أكن أحبها لأنني ما كنت أثمن جوهرها ولكنني وقد عرفتها على واقعها بدت عندي فوق


( 417 )

كل مدح ، لقد أرسلتُ لك أخيراً صورتها فهل رأيت كم هي جميلة ؟ وكم هي رائعة ؟ ولكنك لم تذكر عنها شيئاً في الجواب لأنك لم تكن تريد أن تمجد جمال أنسانة ما زالت تشك بأهم المقدسات ولهذا فقد أغفلت ذكر الصورة ، وصورتك يا سيد مصطفى أتعلم أنها ما زالت عندي لا أعرف كيف أوصلها إلى حسنات ؟ آه ها أنت قد بدأت تتقزز مني يا سيد مصطفى ومن حقك ذلك ولكن هكذا كان ... فقد سبق أن سألتني عن الطريق الذي أحصل به على الكتب ، فأغفلت الجواب ، فماذا كان عساي أن أقول ؟ أنني كنت أستعيرها من حسنات التي وضعت مكتبتها تحت تصرفي ... نعم هل كان يمكنني أن أقول لك أنني استعيرها من حسنات ؟ يا لله لكم أسخط على نفسي وكم احتقرها واستصغرها ولكن لعل هذا الاعتراف سوف يبعث شيئاً من الرضا في نفسي ويهبني راحة الضمير ، ثم وقبل كل شيء أن ما يهمني هو رضاء الله علي أفتراه يرضى ؟


( 418 )

والآن يا سيد مصطفى أرجو أن تصلك هذه الرسالة وقد انتهيت من امتحاناتك وأنت تستعد للعودة ، ولكنني أرجو أن تكتب إلى حسنات قبل أن تعود ، دعها تستلم ولو رسالة واحدة منك على الاقل ، ثم أن لك أن تنقم فيها علي كما تشاء.
هذا واستميحك العذر من جديد وأتمنى لك من كل قلبي مزيداً من الخير والسعادة ، واغفر لي واسلم لدينك ولحسنات إلى الابد.
رحاب
أتمت رحاب كتابة الرسالة وكتبت العنوان على الغلاف ثم ارتدت ملابس الحجاب التي أهدتها إليها حسنات ووضعت الرسالة في حقيبتها اليدوية وذهبت إلى غرفة حسنات فطرقت الباب دون أن تدخل ففتحته لها حسنات فوجدتها بملابس الحجاب فهتفت تقول : الله ما أروعك بهذا اللباس يا رحاب تعالي وتطلعي إلى مظهرك المحتشم المحترم في المرآة...
قالت رحاب : كلا فأن لدي مهمة مقدسة علي أن أنجزها في أسرع وقت وقد بدأت بارتداء الحجاب مع انجازها...


( 419 )

قالت حسنات : وهل سوف تتأخرين في الخارج يا رحاب ؟
قالت رحاب : كلا فان علي أن أعود سريعاً وسوف أعود اليك فانتظرينني يا حسنات ... قالت هذا وذهبت تاركة حسنات نهباً للحيرة والفكر.

* * *

أبردت رحاب رسالتها إلى مصطفى وعادت الى البيت ، فخلعت حجابها وتوجهت إلى غرفة حسنات فهي تريد أن تعترف لها بكل شيء ، يكفي ما كلفتها من آلام ، وكانت كلما مشت خطوة عادت فوقفت حائرة كيف سوف تبدأ ؟ ماذا سوف تقول ؟ ما هي ردود الفعل عند حسنات ؟ لا أنها سوف تنقم عليها بشدة ، لا شك أنها وعلى الأقل سوف تعاقبها بقساوة ، وخشيت أن تجبن عن الاعتراف فاندفعت نحو غرفة حسنات بخطوات ثابتة وهي تقول : ليس لي أن أخشى شيئاً ما دمت أؤدي عملاً يرضي الله ، وكانت حسنات تنتظر أختها بشيء من القلق ، ولهذا فقد تطلعت إليها بلهفة وجلست أمامها تنتظر ، فكان أول عمل قامت به رحاب أن أخرجت من حقيبتها صورة مصطفى ومقدمتها إلى حسنات ، فأخذتها حسنات واستغربت الأمر فأدرات الصورة لترى ما كتب خلفها فوجدت كلمات اهداء غذبة موجهة نحوها وموقعة باسم مصطفى ! فعلت وجهها صفرة باهتة أعقبتها حمرة ثم


( 420 )

ورفعت وجهها إلى رحاب قائلة : متى وصلت هذه الصورة يا رحاب ؟
قالت رحاب وصوتها يكاد يعود إلى الأعماق : لاحظي التاريخ يا حسنات ...
فألقت حسنات نظرة على التاريخ ثم قالت : ماذا ؟ أن تاريخها يعود إلى ما قبل سبعة أشهر فأين كانت كل هذه المدة يا رحاب ؟
قالت رحاب : أنها كانت عندي يا حسنات ألم أقل لك بأنني مجرمة ؟ ألم أقل لك بأنني لا أستحق منك الحب والحنان ؟
قالت حسنات : كلا ، كلا أنا لا أسمح لك بهذا الكلام يا أختاه ولكن حدثيني بحديث الصورة إن سمحت يا أختاه ...
قالت رحاب : أنا ما قدمت اليك إلا لأحدثك حديث هذه الصورة يا حسنات ولك بعد حديثي أن تعاملينني بما تريدين ، ثم بدأت تحدثها بكل شيء وكانت حسنات تستمع إليها بكل هدوء الشيء الذي أعجب رحاب وشجعها على متابعة الاعتراف ، وما أن انتهت من حديثها حتى أطرقت تنتظر الحكم ... فقامت إليها حسنات وقبلتها بحنان قائلة : بنفسي أنتِ يا أختي لكم تحملتِ من آلام ؟


( 421 )

فرفعت رحاب رأسها نحو حسنات وهي لا تكاد تصدق ما تسمع ثم قالت : أنا ؟ أنا التي تحملت الآلام أم أنتِ التي حملتك الآلام يا حسنات ؟!
فردت حسنات تقول : ولكن آلامي هانت لدي عندما عرفت أنها كانت الطريق الغير المباشر لهدايتك ولهذا فأنا الآن أشعر بالسعادة مضاعفة لأنني حصلت على أخت صالحة وزوج صالح...
قالت رحاب : وهل سوف تغفرين لي خيانتي يا حسنات ؟
قالت : نعم وسوف أنساها لعمق فرحتي بك وبإيمانك وبعودة مصطفى إلي وهاك هذه القبلة كدليل على اخوتي التي لم تتغير ولم تتبدل ، ثم طبعت على جبين أختها قبلة حب صادقة ثم جلست إلى جوارها وصورة مصطفى ما زالت بيدها وهي تتطلع إليها بين حين وحين فقالت رحاب : أنظري كم هو جميل بالاضافة إلى باقي ما يميزه ؟
فابتسمت حسنات وقالت : أن الجمال لا يهمني كما تهمني الشخصية والايمان ، أنا لم أفكر يوماً في جماله وعدمه ولكن طالما فكرت في سلوكه وسيرته.

* * *

مرت الأيام وقد عادت إلى حسنات إشراقتها وعادت من


( 422 )

جديد تنسج تصوراتها لحياتها القادمة ، وكانت خلال ذلك تحاول أن تهب رحاب مزيداً من الحب والحنان والاهتمام لكي تبعد عنها كل شائبة ، وبعد مضي أكثر من ثلاثة أسابيع حيث كانتا تجلسان معاً في غرفة رحاب دخلت عليهما الخادمة تحمل بيدها رسالتين ، ولم تمد إحداهما يدها نحو الرسائل ، وكان كل منهما كانت تنتظر المبادرة من أختها ولهذا فقد وضعت الخادمة الرسائل أمامهما وانصرفت ، وتطلعت عيونهما نحو الرسالتين وقالتا بصوت واحد : انهما من مصطفى ، وكانت احداهما موجهة إلى حسنات والأخرى إلى رحاب ، وكأن رحاب خشيت أن تفتح رسالتها لجهلها بمحتواها ، ولكن حسنات شجعتها قائلة : سوف لن أفتح رسالتي حتى تفتحي رسالتك يا رحاب أنني أخمن أن تكون رسالة مريحة لك يا عزيزتي . ففتحتا رسالتيهما معاً ، فأما رحاب فقد وجدت رسالتها كما يلي :

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة الأخت الفاضلة الست رحاب
سلامي وتحياتي وخالص دعائي وتمنياتي

ها أنا أكتب اليك بشكل جديد ، وكما لم أكن أكتب من قبل بعد أن بدأت أشعر نحوك مزيداً من الاحترام والاكبار فأنا الآن أحس بأنني أكتب إلى انسانة عظيمة


( 423 )

قهرت بارادتها الشيطان ، وترفعت بمعنوياتها على الاغراء والاهواء فحققت رقماً قياسياً بتنزيه النفس وتجريدها عن كل شائبة وبلورتها بالشكل الذي يرضاه الله ، فبورك لك هذا الشؤ الذي بلغتيه وهنيئاً لشخصك هذا السبق الذي أحرزتيه ، وأنني ومنذ استلام رسالتك الأخيرة أو ( الأولى ) أعدك أختاً لي يسعدني ما يسعدها ويؤذيني ما يؤذيها ويهمني أمرها إلى أبعد الحدود ، ثم أنني أرجو أن لا تكدري فكرك بمراجعة الأحداث الماضية ، وأن تكوني واثقة من أنني لا أضمر لك إلا كل احترام وإعزاز ، وأملي أن تكون حسنات كذلك لأنها وكما ذكرت عنها ، حسنات ، وهل تصدر السيئة عن الحسنة ؟ وأخيراً أعود فأتمنى لك كل خير واستودعك الله طالباً لك مزيد التوفيق والتسديد.
مصطفى أما رسالة حسنات فقد كانت من الرقة والعذوبة بشكل


( 424 )

عوضها عن حرمانها الطويلة ، وكانت حسنات خلال قراءتها للرسالة تتطلع نحو رحاب خشية أن يكون في الرسالة ما يكدرها ولكنها اطمئنت عندما وجدت علائم الراحة بادية على تعابيرها ، وما أن انتهت كل منهما من القراءة حتى تعانقتا على فرح وسعادة بالغين ثم قالت حسنات : هل تعلمين أنه سوف يعود بعد أسبوعين ؟
فقالت رحاب : مرحباً به متى جاء.
وبعد أسبوع من وصول الرسالة اتصلت بهم أم مصطفى تطلب منهم تحديد موعد لزيارتهم ، فحددوا لها عصر ذلك اليوم وخمنوا انها آتية للتحدث حول مقدمات الزفاف ، ولكنها عندما حضرت كانت تخطب رحاب لأبنها محمد وتقترح لو حصلت الموافقة أن يتم زواج الأخوين في وقت واحد ...

* * *

وفعلاً فقد تم زواج الأختين في يوم واحد وسعدت كل مع زوجها.