مؤلفات العلوية الشهيدة آمنة الصدر

صراع من واقع الحياة

بقايا كيان

ما أراني إلا وقد انتهيت .. فقد اتسعت سطوة القلق حتى شملت جميع اتجاهاتي في الحياة .. فما أن أمسك القلم حتى يحيله القلق الى اداة عاطلة لا تعرف كيف تخط الكلمات ، وما أكثر ما حاولت أخط به ـ على جموده وفتوره ـ ولكنها أية خطوط ؟..
انها كلمات جوفاء تفتقد الحياة والرواء لأن هذا الضباب اللعين يأبى إلا أن يمتد اليها فيتسرب بين حروفها ليحيلها الى احرف باهتة لا تعني شيئا ولا تمكن من شيء وهل يقوى الإنسان أن يعيش دون أن يكتب ودون أن يقول ؟.. أية حياة هي هذه ؟ انها الحياة التي تحكى عن الميت الحي .. لا أدري ، هل سأعود فأعرف انني احيا من جديد ، او هل سأجد اليد الرحيمة التي تمسح على جروحي والصدر الحاني الذي اسند رأسي اليه ، لا بالله ما اجد ؟؟..

فلا بد من شكوى الى ذي مروءة * يواسيــك أو يسليـك أو يتوجــع

  

6 | 10 | 1970
بيداء


( 63 )

إلى هنا انتهت رباب من مطالعة دفتر المذكرات الذي هو ضيفها منذ ساعة بعد أن ألقته المقادير بين يديها وهو ملقى على جانب الطريق .. فشعرت بشعور الألم لهذا القلب المعذب ولهذا الكيان الذي يوحي بالانهيار .. ثم استسلمت الى استغراقة طويلة استعادت خلالها ما جاء في المذكرات مثل قول الكاتبة « ليت هناك من يحاول أن يستنقذني مما أنا فيه » وقولها « اتراني سوف أعود فأزهو بارادتي من جديد » .. إذن فإن بيداء هذه الكاتبة المجهولة قوية بطبيعتها ، ثابتة بشخصيتها ، وانها لم تتهاو إلا تحت وقع سياط قاسية وقاسية جداً .. وهي مع ذلك تتمنى لو تمكنت من الوقوف وتتوق الى عهدها السابق من الثبات .. ورددت رباب في ألم : ليتني كنت أعرفك يا بيداء لكي أصل اليك يا طعينة الحياة ، يا حبذا لو كنت أقوى على انتشالك يا ضحية الضعف البشري الذي لا يتخلص منه الإنسان الا بسلاح الإيمان .. نعم ليتني كنت اعرفك يا بيداء ... وما كادت رباب تكمل جملتها حتى أحست انها مخطئة ، فلا ينبغي لها أن تتنصل من المسؤولية بقول ( ليتني ) ، فإن الليت لا مجال لها في قاموس العاملين ، فالإرادة عند المخلصين تعمل المستحيل ، والتصميم الصادق لدى النفوس الصالحة يحيل ما هو عسير الى سهل يسير ، ولهذا فقد عادت رباب لتقول في تصميم :


( 64 )

سوف أجدك يا بيداء وسوف استنقذك مما أنت فيه إن شاء الله .

***

نشطت رباب في استقصاء آثار بيداء بعد أن أعادت قراءة المذكرات ، واستخلصت منها نقاطاً جعلتها دليلها الذي يقودها الى ضالتها المنشودة ، وكان من تلك النقاط ان الكاتبة المجهولة محجبة او نصف محجبة ، لأنها مثلت سواد الضباب بسواد عباءتها ، ومنها انها استعارت كتابا من المكتبة العامة وأعادته في نفس اليوم .. ولهذا فقد انتظرت اليوم الذي خصصته المكتبة العامة لزيارة النساء وذهبت الى هناك واختارت أحد الكتب لاستعارته ، وقدمت لها العجوز المسؤولة عن الاستعارة دفتر التواقيع لتذكر اسمها وعنوانها امام موعد الاستلام ، فأجالت عيناها في الصفحة التي أمامها عسى أن تجد اسم بيداء فلم تلاحظ وجود أي اسم لأمراة في تلك الصفحة ، ولم تشأ أن تقلب صفحات الدفتر لكي لا تثير فضول الموظفة فأخذت الكتاب وانصرفت . وبعد ثلاث ساعات عادت لتسلمه كما صنعت بيداء بالضبط وهي على أمل أن تجد اسم بيداء في دفتر التسليم .. وتقدمت الى المسؤولة تمديدها بالكتاب وبثمن الاستعارة الخارجية ليوم واحد .. فظهر الاستغراب على وجه الموظفة وقدمت لها دفتر التسليم وهي تقول : عجيب امركن يا بنات اليوم ، فما هو


( 65 )

جدوى الاستعارة لبضع ساعات ؟ فكان لنون الجمع الذي نطقت به المسؤولة اثره لدى رباب ، فتساءلت بلهفة : وهل هناك غيري من أرجعت الكتاب بعد بضع ساعات ؟ فأجابت الموظفة بعدم اكتراث : نعم انهن كثيرات من بنات هذا الجيل .. فرأت رباب ان احسن طريقة لمعرفة عنوان بيداء هو اثارة هذه العجوز ، فأجابت متحدية : لا اظن ذلك ، فانك تظلمين بنات جيلنا يا سيدتي .. فضحكت الموظفة وقالت بتهكم : لا تظنين ذلك ؟ أنا لا اتكلم اعتباطا ، انها التواريخ تدل على ذلك : قالت هذا واشارت الى الدفتر الخاص الذي أمامها . وصممت رباب ان تسير في خطتها حتى النهاية فهزت رأسها في تشكيك وقالت : اظنك مبالغة في حكمك ، فما ارجعت الكتاب الا لعارض طارىء ، ولا تتفق العوارض الطارئة لكل واحدة ، فأثار هذا التشكيك الموظفة فقلبت الدفتر بعصبية ثم اشارت تقول : اظنك تعرفين القراءة فانظري !.. فنظرت رباب في لهفة فطالعها اسم نهلة عبد الكريم ، فرفعت نظرتها الخائبة وهي تقول : هذه واحدة وهي لا تكفي للحكم فعادت المسؤولة الى تقليب الصفحات ثم اشارت من جديد قائلة : وهذه ايضاً لم يدم عندها الكتاب اكثر من ساعات ولم تستمع رباب الى جملتها الأخيرة لأنها كانت قد وجدت امامها اسم بيداء محمد صالح .. شارع .. رقم الدار .. ت .. ورفعت رباب عينها وهي تخشى أن تنسى الأسماء والأرقام ولهذا لم تزد على


( 66 )

أن تقول : نعم انك على حق .. ثم غادرت المكتبة حيث وقفت وسجلت الأسم ورقم الدار .. ونظرت الى ساعتها فوجدتها تشير الى الثانية عشرة والنصف فتوجهت الى بيتها تنتظر العصر الذي سوف يجمعها مع بيداء .

***

سارت رباب في شارع .. وهي تقرأ أرقام البيوت وقد حملت معها دفتر المذكرات الذي قادها الى هناك .. واخيراً وجدت البيت المقصود فوقفت امامه مترددة واستحضرت الخطوات التي سوف تتبعها للدخول في حياة بيداء ، والأخذ بيدها الى عالم الإيمان لتهبها السعادة في الحياة .. ثم وضعت يدها على الجرس وهالها أنها وجدت يدها لا تخلو من رعشة تنبىء عن قليل من الارتباك وخاطبت نفسها قائلة : ما دمت أعمل بدافع من الخير ، وما دام الدين رائدي في هذا فليس لي أن أتردد .. وقرع الجرس وسرعان ما فتحت لها الباب طفلة صغيرة ذات جدائل ذهبية وعيون خضراء ملونة .. وتطلعت اليها الطفلة في حيرة فابتسمت لها رباب وسألتها :هل ان بيداء موجودة في البيت ؟ فردت الطفلة في لهفة : بيداء ؟ نعم ، انها هنا ولكن .. وسكتت وكأنها في حيرة كيف تكمل جملتها .. فأردفت رباب : ولكن ماذا يا حلوة ؟ قالت ولكنها لا تستقبل احداً ، قالت رباب لعلها مريضة ؟ قالت الطفلة : لا أدري .. وشعرت رباب ان الطفلة تدري ولكنها لا تريد ان تقول فقالت لها برفق : اذهبي يا عزيزتي وقولي لها ان في


( 67 )

الباب واحدة تحمل اليك شيئا ثمينا أضعتيه اسرعي يا شاطرة فإنها سوف تشكرك على ذلك .. وكأن الطفلة قد ارتاحت الى نغمة رباب الهادئة اللينة فقالت لها : تفضلي وادخلي حتى أذهب واخبرها بما تقولين .. فدخلت رباب واغلقت الباب خلفها فوجدت نفسها في حديقة مهملة لم تمسها يد التشذيب منذ زمن بعيد ، فرفعت نظرها نحو البيت فوجدته بيتاً يجمع بين الفخامة والقدم اصباغه باهته ، ونوافذه متداعية ، وجدرانه متآكلة ، فظنت انها توصلت الى بعض خيوط المأساة .. كانت تنتظر عودة الطفلة لتقودها الى بيداء ولكنها فوجئت برؤية بيداء وهي تتقدم نحوها وقد شاعت على وجهها ابتسامة حزينة مصحوبة بشيء من اللهفة ، وهل هناك طابع أقوى من طابع الحزن عندما يلون تعابير الإنسان بألوانه فيحيل اشراقة العين الى ذبذبة نور باهت ، ويصبغ لون الوجه بدهانه الأصفر الشاحب وهكذا كانت بيداء ... ومرت لحظة سكوت طالعت كل منهما صاحبتها وكأنها تحاول أن تحدد موقفها منها ، أو تحاول ان تتعرف على ما يتطلبه منها الموقف ، وكانت بيداء البادئة في الكلام فقالت بلهجة مهذبة : أهلا وسهلا .. فابتسمت رباب ومدت يدها نحو بيداء مصافحة وهي تقول : السلام عليكم .. وحاولت أن تبقى يدها في يد بيداء لمدة اطول وكأنها تريد بذلك أن تركز على معنى تحيتها فتقول : لك مني يا اختاه الامان والاطمئنان والسلام ، وما أنا الا رسولة الرحمة الالهية اليك لأسبغ على


( 68 )

قلبك السلام وعلى فكرك الأمان .. وما كان من بيداء إلا أن دعتها الى الدخول وقادتها الى غرفة الاستقبال وكانت غرفة تفصح عن فخامة متداعية وثراء مندثر ، وجلست رباب حيث انتهى بها المجلس وجلست بيداء بالقرب منها وهي تحاول أن تبدو طبيعية ، ولكن عينيها كانت تبحث عن شيء تحمله لها رباب .. واشفقت رباب من ان تطيل انتظارها فأخرجت الدفتر من حقيبتها وقدمته نحوها قائلة : لقد وجدته ملقى على رصيف شارع .. قبل ثلاثة ايام .. فمدت بيداء يدها لاستلامه وقد ترقرقت الدموع في عينيها وأخذته وهي تقول : الحمد لله لقد وجدته اخيراً .. يالدفتري العزيز .. وضمته الى صدرها في حنان وكأنها عادت فانتبهت الى واجبها نحو من حملت اليها ضالتها الثمينة ، فمدت يدها نحو رباب وهي تقول بنغمة صادقة : اعطني يدك لاصافحك من جديد فأنا لا ادري بأي شكل يمكنني شكرك يا اختاه .. فمدت رباب يدها وقالت : لم اقم الا بما يمليه عليّ واجبي يا بيداء ولا داعي للشكر والثناء .. قالت بيداء : ولكن كيف تمكنت الاهتداء اليّ ؟ أرجو أن لا تكون المصاعب قد صادفتك لذلك .. قالت رباب : أبداً فالأرادة تذلل كل ما هو صعب ، وتقرب كل ما هو بعيد ، وقد كنت اريد ان اجدك يا بيداء وقد وجدتك أخيراً والحمد لله .. فرددت بيداء كلمة ( الارادة ) بألم وكأنها تنعى عزيزاً افتقدته .. الارادة .. نعم ما أحلاها حينما توجد لدى الإنسان ، قالت


( 69 )

رباب : نعم انها المنار الذي يرشد الى مرفأ النجاة ، وهي الملاذ الذي يحمي الإنسان من الانهيار .. قالت بيداء : صحيح ما تقولين ، ولكنها قد تضعف أحياناً أو تتلاشى في بعض الحالات .. قالت رباب : هناك نوعان من الأرادة ارادة خيرة ترتكز على اسس صالحة ، وارادة طائشة تعتمد على رغبات وقتية أما الأرادة الطائشة فهي تتلاشى مع الرغبة وتضعف اما أول مقاومة ، ولكن الارادة الخيرة هي التي تمتلك عناصر الثبات التي تخولها الصمود أمام كل شيء فهي حينما تعتمد على اسس ثابتة يقترن وجودها بوجود تلك الاسس .. وسكتت رباب تنتظر رد الفعل الذي احدثته كلماتها لدى بيداء ، واطرقت بيداء برهة ثم رفعت رأسها في تصميم وقالت : ما اراك الا وقد قرأت ما كتبته في مذكراتي ، فهل لي أن أعرف عنك بعض ما عرفت عني ؟ فابتسمت رباب برفق وقالت : ان لك كل الحق في هذا يا عزيزتي وما أتيت الا لأعرفك بنفسي ومن ثم أضع بين يديك بجميع امكانياتها .. أنا رباب فاضل الـ .. أسكن في شارع .. وما قرأت مذكراتك الا لأجل التعرف على كاتبتها ومحاولة اعادتها اليها .. وفعلا فقد قادتني اليك كما ترين ، ولهذا أرجو أن تغفري لي ذلك يا اختاه .. قالت بيداء : انا لا أغفر لك فقط بل انني اشكرك على هذه البادرة ، فما أقسى الأيام التي عشتها بعيداً عن هذا الدفتر العزيز ، افتقدته وكأني افتقدت بعضاً من وجودي .


( 70 )

قالت رباب : أنا لا اقرك على هذا التعبير ، فمتى كان وجود الإنسان مرتبطاً بخواطر طارئة تحملها صفحات ؟ قالت بيداء : ولكنها صفحات تعبر عن واقع وجودي في الحياة ، وتعطي صورة عن الأجواء التي اعيشها ، قالت رباب : ولكنها صورة ليست متكاملة الجوانب ، فالحياة مسرح لمختلف عوامل الانطباعات ، وهي كالروضة التي تحتضن تربتها شتى انواع الزهور او مختلف أشكال النبات زهرة عاطرة وشجرة ناظرة ، وعشب متطفل ونبات مجهول وأشواك مدمية .. هذه الروضة هي صورة مصغرة للحياة بتباين ما حوت وارتباط وجود محتوياتها مع بعض ، فإن من طبيعة الأرض التي تحتضن الزهرة ان تفسح مجالا للعشب ومن متطلبات الصعيد الذي يتقبل البذرة ليحيلها الى شجرة ان يخضع لعوامل تطفل الأشواك عليه ... وكانت بيداء تستمع إلى رباب بهدوء ثم قالت : ولكنها قد تبقى تحتضن الشوك وحده فتدمي بدون اريج وتنبت العشب المتطفل فقط فتعيق السير بدون ثمر .. قال رباب : ان هذا غير ممكن يا اختاه ، فإن من طبيعة الحياة تعاقب الآلام والآمال ، فلا ألم بدون أمل ولا أمل بدون ألم .. قال بيداء : ولكن قد يفترق أحدهما عن الآخر كما حدث بالنسبة لي ، قالت رباب : انهما لم يفترقا ولكن فترة التعاقب هذه لعلها قد استمرت بشكل اطول .. قالت بيداء ولعل زمن هذه الفترة سوف يمتد مع الحياة فيبعث في النفس معاني اليأس القاتلة ، وهل هناك أقسى واقوى من


( 71 )

اليأس ؟.. قالت رباب : ان في مقدرة الإنسان ان يتغلب على قساوة اليأس بحلاوة الأمل ، فتأوهت بيداء بمرارة ثم قالت : وكيف ، وبأي سلاح ؟ قالت رباب : بسلاح الإيمان يا بيداء ، ففي الإيمان ورجاء الله واليوم الآخر يتسامى الإنسان فوق هذه الحياة الفانية فتمر همومها حوله ولا تصدمه بعد أن استهان بجميع آلامها واهوالها ومتاعبها ومصاعبها .. إذا تمكن الإنسان أن يسود نفسه عن طريق رجاء الله وحده والإيمان برحمته كان سيد نفسه ، ومن كان سيد نفسه كان سيد من حوله يصرفه بحكمة كيف يشاء .. قالت بيداء : ولكن قد يخيب الإنسان بالتحكم في نفسه ، قالت رباب : انا لا اؤمن بالخيبة فليست الخيبة هي الشر كله بل ان الشر كله في العقل اذا توجه الى حالة واحدة من الأمل الخائب مع وجود طرق اخرى ، والشر في الأرادة اذا ضعفت وظلت متمسكة بشيء غير موجود أو بشيء كان موجوداً فانعدم .. اما اذا كانت النفس على مستوى من الإيمان الذي يجعلها تتحصن ضد الإنهيار ولا تعيش متطلعة الى سراب وهي واثقة من انه ما اغلقت باب الا وفتحت اخرى ، وما انقطع خيط الا وهناك خيط موصول ، فلتفتش عن الباب المفتوحة والخيط الموصول تاركة وراءها اليأس الذي سببه انقطاع ذلك الخيط ، حين ذاك لا يخيب الإنسان بل تخيب الخيبة نفسها ... وكانت بيداء تستمع الى الحديث بانجذاب وقد ترقرقت دمعة حارة في عينها .. وسكتت رباب تنتظر الرد من


( 72 )

بيداء ولكن فترة سكوت بيداء طالت بعض الشيء وكأنها تراجع وقع كلمات رباب في مشاعرها . ثم قالت : لا أدري فلعل يد الرحمة قد ارسلتك إليّ يا رباب لتستنقذني من اليأس .. قالت رباب ألم تسمعي الآية المباركة التي تقول ( ولا تيئسوا من روح الله انه لا ييئس من روح الله الا القوم الكافرون ) ؟ وعند ذلك نظرت رباب الى ساعتها فرأتها تشير الى السادسة مساء ، وكان عليها ان تذهب الى البيت فتململت في جلستها مؤذنة بالقيام ، فاهتزت بيداء لذلك وقالت في لهفة : وهل ستذهبين يا رباب ؟.. فابتسمت رباب وقالت بلطف : نعم فإن لدي ما يدعوني الى العودة الى البيت .. فتساءلت بيداء : هل هو موعد هام يا رباب ؟ قالت رباب : نعم انه اهم موعد في حياة الإنسان ، انه الزمن المحدد لصلة العبد بالمعبود والفترة المخصصة لاتجاه المخلوق الى الخالق قالت بيداء : انها الصلاة ولا ريب ، ولكن يمكنك اداءها هنا ، نعم يمكن ان نؤديها معاً ، فأشاعت هذه الكلمات الغبطة لدى رباب ورددت في نفسها تقول الحمد لله انها مصلية فهي اذن صالحة بفطرتها وطيبة بطبيعتها ، ثم اجابت على الفور : لا مانع لدي من ذلك .. وفعلا فقد ادتا فريضة الصلاة معاً وعادتا الى مجلسهما ، فافتتحت رباب الحديث قائلة : ألم تسمعي الآية التي تقول ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص في الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ) إذن فإن جميع ما نلاقيه


( 73 )

على مسرح الحياة ما هو إلا اعداد للنفس البشرية لرفعها الى مستوى الارادة وسيادة النفس ، فقد نعد النازلة تنزل بنا خسارة وهي ربح ، أو نقول مصيبة نزلت لتكدير الحياة وما هي إلا طريق لبلورة الفكر وصقل المشاعر بشكل يساعد على مجابهة الحياة بطريقة صالحة ناجحة هيأها الله تبارك وتعالى لعبده لتتبلور عنده حقيقة ايمانه .. قالت بيداء : انني مؤمنة يا رباب ولكنني لم أقو على المقاومة فأوشكت ان انهار .. فردت رباب قائلة : ولكن الإيمان هو قتل الخوف الدنيوي بالتسليم والرضى ، وبالارادة المؤمنة الصالحة القوية يتمكن الإنسان ان يجعل النكب طريقاً من طرق القدر في التعليم وقد يكون ابتداء المصيبة في انسان هو بداية تسرب الحكمة اليه اذا تمكن من الثبات امامها .. وسكتت رباب وهي ترى ان عليها ان تدير دفة الكلام لكي لا تثقل على بيداء بنصائحها ، فضحكت وهي تقول : والآن ألم تعرفي كيف اهتديت اليك يا بيداء ؟ قالت بيداء وقد عرفت ما تقصده رباب : لا ولكني اؤمن ان الله هو الذي ارسلك اليّ مهما كانت الظروف والوسائل ، فأخذت رباب تحدثها عن الخيط الذي اوصلها اليها واعقب ذلك بعض الأحاديث العامة نهضت على اثرها رباب وهي تستأذن بالخروج فتعلقت بها نظرات بيداء في رجاء وهي تقول : اوسوف تزوريني ثانية يا رباب ؟ فترددت رباب برهة ، فهي مصممة على ان تزورها ثانية وثالثة ولكن طبيعة الموقف كانت تقتضي أن تقول :


( 74 )

وهل ترغبين في ذلك يا بيداء ؟ قالت بيداء في تأكيد صادق : نعم فأنا اتمنى ذلك من صميم قلبي يا رباب ، قالت رباب : اذن فقد اتفقنا فأنا أيضا اتمنى ذلك ولهذا فسوف أعود ان شاء الله .

***

كان اللقاء الثاني الذي جمع بين رباب وبيداء لقاء يسبقه الشوق وتغمره اللهفة . وحاولت رباب أن لا تتسرع في الدخول الى صميم الموضوع بل تنتظر ما تنفذ منه اليه بشكل يبدو عفوياً ، وفعلاً فقد واتتها الفرصة خلال حديث بيداء عن اختها الصغيرة ورغبتها الشديدة في الدراسة حيث قالت : ان حوراء جد مثابرة على دراستها ولكني اخشى ان لا يدوم لديها هذا الاندفاع .. فتساءلت رباب : ولماذا ؟ فهزت بيداء رأسها في أسى وسكتت ، فأردفت رباب تقول انني اتنبأ ان تتعمق عندها هذه الرغبة ويتضاعف لديها هذا الاندفاع ، قالت بيداء : أرجو ذلك ولكني اشك فليس من طبيعة الحياة ان تعطي للنفس حريتها في الانطلاق وتحقيق الرغبات . قالت رباب : ولكن ليس من طبيعة الحياة ايضاً أن تغلق أمام الإنسان جميع المنافذ ، فليس من حق من يمر بمصيبة ان يخيل اليه ان ايامه القادمة ما هي الا سلسلة من المصائب والنكبات ، وليس من حق من يمر بأزمة مالية أن يحسب ان الحرمان قد كتب عليه وأن حياته قد اقترنت مع الفاقة ، وليس من حق من يصادف في حياته نكراناً لجميل أو


( 75 )

خيانة لوفاء أو استهانة بعاطفة أن ينظر الى من حوله بمنظار أسود .. وهكذا مهما وجد للشر أثر في الحياة كانت للخير آثار أيضاً ، ومهما تكاثفت الغيوم في سماء الإنسان كان من الممكن أن تتلاشى ، ومهما ادلهم الافق الممتد أمام النظر لا ينعدم الأمل باشراقة فجر وليد يتلألأ به الافق المعتم الحزين كما قال الله تعالى ( فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين ) .. قالت بيداء : ولكن المصائب والأزمات على اشكال فمنها ما يصبر عليها ومنها ما لا يمكن من ذلك ، قالت رباب : أما النكبات بافتقاد الاعزاء فإن المؤمن العاقل المتفهم لحقيقة الحياة وقصة الخليقة التي منّ الله تبارك وتعالى بها على الوجود ليمنحها فرصة التزود من العمل الصالح ولأجل أن يفتح امامها أبواب السعي لتحقيق مفهوم العبادة الشامل لجميع نواحي الحياة ، فالعبادة هي كمال للإنسان واكتمال لشخصه والطريق الذي يفتح أمامه ابواب البلوغ الى الغاية القصوى في الحياة الثانية ، الحياة الحقيقية الباقية ، ان تفهم كل هذا من واقع الحياة يمكن الإنسان من الثبات امام نكبة افتقاد الأعزاء ، فما دام الإنسان قد بدأ لينتهي وما دامت الحياة تعطي وتأخذ وما دام الاعزة هم السابقون والمنكوبون هم اللاحقون ، فإن من واجب المؤمن العاقل أن يصمد وان يعرف أن هذا الأمر ليس به ابتدا ولا عليه اعتدى وليس هو أول من اكتوى بهذه الجمرة اللاذعة وليس اول من ادمته هذه الشفرة الجارحة ، اما بالنسبة للنكبة التي تجرها


( 76 )

الفاقة أو يجلبها الحرمان فإن الإنسان اذا كان مؤمناً عاقلاً عرف ان الفاقة الحقيقية هي الفاقة الروحية والحرمان الواقعي هو الحرمان الأدبي .. هذه هي الفاقة وهذا هو الحرمان الحقيقيان اللذان يجران على صاحبهما شتى انواع الفاقة والحرمان في الحياة ، ومع تمكن الإنسان من هذين العنصرين فإن الأمل بانفتاح المستقبل امامه سوف يصبح املا منطقياً يهبه سعادة الانتظار ولذة ترقب الوضع الأفضل ، ثم ان مراجعة التاريخ ودراسة احوال الامم والشعوب الماضية وتبدل احوالها واختلاف اوضاعها ، وسلسلة الصعود والهبوط لدى افرادها تحدث الإنسان المؤمن العاقل ان قلما استمر وضع من الأوضاع على وتيرة واحدة مهما تسامى او تردى ومهما طال او قصر ، كما ذكر ان الرسول (ص) خرج يوماً مسروراً فرحاً وهو يضحك ويقول : لن يغلب عسر يسرين ( فإن مع العسر يسراً ان مع العسر يسرا ) . وقد نظم احد الشعراء هذا المعنى في بيتين فقال :

اذا ضاقـت بك الدنيــا * تفكـر في « ألم نشـرح »
تجـد يسريـن بعد العسر * ان فـكـرتـه تـفــرح

قالت بيداء : ولكن الفقر قد يمنع من مواجهة الحياة


( 77 )

قالت رباب : عن أي طريق يحول دون ذلك ؟ فترددت بيداء ثم قالت : عن طريق الخجل مثلا .. قالت رباب ولماذا الخجل ؟ وليس في الفقر ما يخجل ، فقد يكون لدى الإنسان ما يخجله من مواجهة الحياة وهو مثقل بحمل ملاينه مثل ان يكون ضعيف الشخصية تافة التفكير ، او يكون قد جاء بما يتنافى مع الفضيلة وما يخالف خط الاستقامة في الحياة ، اما الفقير المؤمن الذي يشعر باكتفائه الذاتي فهو قد يحسب فقيراً ولكنه في الحقيقة اروع معلم انساني يلقي على الناس دروس نفسه القوية واكتفائه الذاتي في الحياة ، فهو لأجل ذلك سوف يلذ له ان يواجه المجتمع مرفوع الرأس قوي الجنان ، ومتى كان الفقر عيباً وهو كما سمي في الروايات بشعار الصالحين ؟ أم كيف يعد الفقر مخجلا وهو الامتحان الالهي الذي يصقل فيه الله تبارك وتعالى نفوس عباده فيميز بين الصابر والجازع ، والطامع والقانع كما جاء في الآية المباركة ( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ) ولو كان في الفقر ما يشين لما عاشه نبي الإنسانية الاعظم محمد بن عبد الله (ص) . وسكتت رباب تنتظر الجواب ولكن بيداء ابتسمت ولم تجب ، فأردفت رباب تقول : ثم ان الانسان المؤمن العاقل يعيش دائماً وأبداً مفهوم هذه الآية المباركة ( فلا تعلم نفس ما اخفي لها من قرة أعين ) ولا ينظر الى الصدف السعيدة التي تمر بغيره على انها من مختصات سواه فيحسده عليها ويستكثرها عليه ، بل أنه


( 78 )

يتفاءل بسماعها ويسعد بمشاهدتها بانتظار وصول الدور اليه كما قال الشاعر

وكـم لله من لطف خفـي * يدق خفـاه عن فهم زكـي
وكم يسر أتى من بعد عسر * ففرج كربـة القلب الشجي
وكم أمر تساء به صباحـاً * فتأتيـك المسـرة بالعشـي
إذا ضاقت بك الأحوال يوماً * فثق بالواحــد الفرد العلي
ولا تجزع اذا ما ناب خطب * فكم لله مـن لطـف خفـي

وكذلك فإن المؤمن العاقل سوف يتمكن من ان يتحكم بعواطفه ويسيطر عليها بزمام الارادة فيما يجب وفيما يكره ففي الوقت الذي يصادف خيانة لوفاء او تجنياً على وداد سوف يقدم عقله الحارس ليلقنه ان الخائن غير مأسوف عليه ، فهو منذ تلك اللحظة موكول الى قائمة الاهمال ، لا وداد ولا عداء ، لا مديح ولا سباب .. اذن فلم الألم ؟ بل ولماذا الأسف ؟ ولعل تكشف الخائن عن نفسه هو من مصلحته لكي يحول ذلك دون اندفاعه في الاخلاص اكثر فأكثر مع من لا يستحق الاخلاص . قالت بيداء : ولكن الا يتألم


( 79 )

الإنسان اذا قوبل جميله بالنكران وجوزي فضله بالعدوان ؟ قالت رباب : ان هذا هو شعور الإنسان الذي يتاجر بعواطفه او يرابي بها وليست من اخلاق الفرد العاقل الذي يحسن حبا بالاحسان ويساعد رغبة في المساعدة ويخلص تمشياً مع طبيعته الصالحة التي تدعوه للاخلاص ، فإن هذا المؤمن العاقل لا يندم على ما اعطى ولا يأسف على ما بذل وان بقي بدون بدل ، لأنه كان مستجيباً بذلك كله الى نداء الإيمان وتعاليم الإسلام ، فهو يزهد في جزاء البشر ويأمل بما عند الله من مثوبة ورضوان ، ثم ان عمل الخير ما هو الا طبيعة الإنسان المؤمن ، ولهذا فهو لا يبيع ما يمليه عليه طبعه بالأثمان وحتى لو أراد فإن العواطف الخيرة لا تقدر بثمن مهما كان .. قالت بيداء : الحقيقة ان العواطف الخيرة لا تقدر بثمن يا رباب ، فأنا مثلا سوف لن استطيع أن أفي عواطفك تجاهي حقها ، مهما حاولت .. قالت رباب : أرجو أن تكوني واقعية معي يا بيداء واتركي كلمات المجاملة والاطراء ، فإن تجاوبك معي هو أغلى ما أتوق اليه الآن ، قالت بيداء : ولكني أرى ضرورة التعبير عن المشاعر اذا كانت صادقة .. قالت رباب : نعم فإن العاطفة الصادقة المنبعثة عن وحدة العقيدة والإيمان من المستحب لها أن تطبع بعض آثارها في الظاهر كما قال الرسول (ص) « إذا احب احدكم أخاه فليخبره انه يحبه » وكما قال الإمام أمير المؤمنين (ع) : ( لا تجعل المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء ، فإن في ذلك تزهيداً لأهل


( 80 )

الإحسان في الإحسان وتحريضاً لأهل الإساءة على الإساءة ) ، وكذلك الشكر أيضاً ولكنه ينبغي ان يكون شكرا صادقاً معبراً عن الحقيقة لا اكثر ولا أقل .. قالت بيداء : إذن ؟ فأجابت رباب : اذن فإن أثمن ما تتحفيني به يا بيداء هو انعطافك نحو افكاري وتجاوبك معها تجاوباً واقعياً يفتح امامك أبواب السعادة في الحياة ، فنحن كما نؤمن بوجود الطرق المادية التي تجر الى الشقاء نؤمن أيضاً بأن هناك طرقاً روحية عديدة تقود الى السعادة ، كما قال الإمام (ع) : ( اصلح آخرتك يصلح لك أمر دنياك ) وكما قال أيضاً ( اصلح ما بينك وبين الله يصلح الله ما بينك وبين الناس ) فليست الأخلاق والإسلامية الا الطريق المهيع الذي يقودنا الى عالم السعادة الواقعية ، ولنأخذ على ذلك مثلا القناعة ، وهي مما يحلي بها الإسلام المؤمنين من افراده ، هذه القناعة كما هي كثيرة معطياتها الروحية لحاملها ، والطمع الذي هو نقيضها والذي حذر منه الإسلام ونهى عنه ، هذا الطمع كم هي قاسية نتائجه وآثاره لدى الإنسان . قالت بيداء : لقد فتحت لي يا رباب بكلماتك هذه أبواباً من الأمل لم اكن أحلم بوجودها من قبل . قالت رباب : وهذه الأبواب هي التي سوف تبرز هذه الآمال الى حيز الوجود ، فالأمل يبعث الى العمل والعمل يؤدي الى تحقيق المأمول ، وهكذا بالنسبة لليأس فاليأس يورث العجز والعجز يقود الى الفشل ، والفشل هو أصدق مفاهيم اليأس . قالت بيداء سوف لن


( 81 )

آيئس يا رباب وسوف أتسلح لذلك بسلاحك الذي قدمته اليّ ، سلاح الإيمان عسى أن أعود فأزهو بارادتي من جديد . قالت رباب : لا تقولي عسى يا بيداء بل قولي انني سأزهو بارادتي كما لم أزه بها من قبل ، فالإيمان هو الذي يهب النفس الإطمئنان على زلا زلها وكوارثها ، وإذا لم يكن كذلك فما هو الا دعوى باللسان فقط ، وغريزة الإيمان هي نفسها معنى الرضى بالقدر خيره وشره ، فتبرز هموم الدنيا ونكباتها داخل اطار من المعاني الشريفة التي تنتزع منها شرها وأذاها للنفس فيستحيل الفقر الى احد انواع الزهد ويصبح المرض ضرباً من الجهاد ، والخيبة طريقاً إلى النصر ، والحزن بلورة للروح ، وهكذا يستحيل البلاء الى ثواب وحسنات. قالت بيداء : أرجو أن أكون كذلك يا اختاه ، قالت رباب : ان كلمة أرجو تدخل على الأمر الذي لا بد لنا بإيجاده ، أما الاتجاه الى الله والسير على هداه فهو ما نتمكن أن نختاره بأنفسنا ونحققه بمطلق حريتنا ، أتعلمين يا بيداء كم هو لذيذ هذا الشعور ؟ شعور الإنسان الذي اوكل امره الى القدرة الالهية ، القدرة الحقيقية في الوجود ( ان ينصركم الله فلا غالب لكم ) أتدرين يا بيداء كم هو رائع هذا التكيف الروحاني للنفس الإنسانية تكيفها لعبادة الله بكل معاني العبادة التي تشتمل كل شيء حتى الصبر على المكاره والثبات في الشدائد .

إذا لم يكن عون من الله للفتى * فأول ما يجبني عليه اجتهاده


( 82 )

وكما قال الإمام : ( ان الله بعدله وقسطه جعل الروح والراحة في اليقين والرضا ، وجعل الهم والحزن في الشك والسخط ) قالت بيداء : إذا كان انفلاتي على مشاعر اليأس هو الذي قادك نحوي فهل سيضع انفتاحي للأمل نهاية لمهمتك بالنسبة اليّ ؟ أقصد هل ستتركيني بعد أن تطمئني الى تحقيق غايتك يا رباب ؟ قالت رباب : وكيف لي أن أتركك يا بيداء وتحقيق غايتي هو أقوى حبل يشدني اليك لأنه قام على أساس الإيمان ، ورابطة الإيمان هي أقوى رابطة لدي ، بل هي الرابطة الحقيقية التي اؤمن بوجودها ، فأنا لا اعترف بارتباط يقوم على اساس كلمات مجاملة او ضحكات مرح ، ولا اقر اتصالا تتحكم فيه بروتوكولات واتيكيتات ، وأنا اؤمن أيضاً أن أية صلة لا تستمد وجودها من الوحدة الفكرية الصالحة والاتجاه الروحي الخير سوف لن تمتلك مقومات الاستمرار مهما طالت او تعمقت ، لأن الصلة بين اثنين لا بد لها ان تستند الى قاعدة تدعو اليها ، وليس هناك قاعدة ثابتة لدى الإنسان عدا القاعدة الفكرية والروحية ، والا فطبع الإنسان وذوقه وانفعالاته العاطفية ما هي الا عرضة للتقلبات والتغيرات ، ومع تقلبها وتغيرها يتلاشى معالم الصلات التي كانت قد نشأت منها ، ولهذا فإن صلتي يا بيداء سوف لن تمحوها يد الأيام مهما كانت ، بل أنها سوف تتعمق مع تعمق افكارك المؤمنة ان شاء الله ، قالت بيداء :


( 83 )

إذن فما أحلى الإيمان الذي من مكاسبه اخوتك الصادقة يا رباب ، قالت رباب : وما احلى الإيمان الذي يفتح القلوب للمؤمنين يدخلونها بدون استئذان ، وما أحلى الإيمان الذي يتسع بقلب المؤمن حتى يشمل العالم بحبه ويسبغ على الدنيا الخيرة رحمته وحنانه ، كما وصفت الآية المباركة التي تقول ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ) قالت بيداء : ولكن القلة هم الذين يبنون صلاتهم على أمثال هذه الأسس الثابتة قالت رباب ولهذا ترين فشل أغلب العلاقات وانفصام العديد من الصلات بل تحولها الى صلات عدائية في أغلب الحالات ، قالت بيداء : اذن فإن صلتنا سوف تبقى ثابتة مع أنفاس الحياة التي تتردد ، قالت رباب : نعم ما دام الإيمان رائدنا والصلاح هادينا ، وسوف ترين كيف تحقق لك هذه الصلة اشكالا من الولاء الصادق في الجهر والخفاء والتضحية الخالصة حتى في الستر والمساندة والمعاضدة في جميع الحالات ، فإن من طبيعة المؤمن أيضا أن يساند أخاه المؤمن ، يقف الى جانبه حتى أمام الملأ ليشد من أزره ويقوي معنوياته ، قالت بيداء : نعم ان خير التضحية ما كان مستتراً وافضل المساندة ما كان ظاهراً ، فلا خير في مساندة مخفية ولا خير في تضحية مكشوفة ، قالت رباب : وسترين أيضا يا بيداء كيف سيستحيل محيطك الذي ستقيمين بنيانه بوحي من هدى الإيمان كيف سيستحيل الى محيط هادىء مريح يهبك الراحة والأمان ، لا عتاب ولا اعتذار ، لا


( 84 )

عقاب ولا جزاء ، لا عداء ولا اعتداء ، لا ظن سوء ولا تضخيم مشاكل ، لأن جميع هذه الحالات تستند الى جذور قد نهى عنها اسلامنا ، قالت بيداء : لقد شوقتني الى هذا الحلم الساحر يا رباب ، قالت رباب : انه ليس حلماً يا بيداء ، بل انه الحقيقة بعينها والواقع الذي تعيشه كل مؤمنة واعية لطبيعة الإيمان ، قالت بيداء اذن فسوف اعيشه الى جوارك يا رباب ان شاء الله ، فأردفت رباب تقول : نعم ان شاء الله يا بيداء.

بنت الهدى

السابق || الفصول

السيرة الذاتية  || المؤلفات  || الصور  || ما كتب حولها