مؤلفات العلوية الشهيدة آمنة الصدر

كلمة ودعوة

منزلة المرأة الصالحة
عند الامام الصادق عليه السلام

اختاه ...
دفعتني رواية مقدسة وردت على لسان الامام أبي عبدالله جعفر الصادق عليه السلام أن أعود فألتقي بك ثانية بعد أن كنا افترقنا فترة كنت فيها تلك الفضولية الملحاحة المستطلعة عليك أنت وحدك لا غير وكنت أتفاءل أيضاً بأنك سوف تشبعين فضولي بما سوف تطالعين به من إنتاج أدبي اسلامي ، تتبين فيه كفاءتك في هذا الميدان ، ولكنني ومع الأسف لم أزدد إلا فضولاً ، ولم أكتسب إلا حسرة وألماً ؛ فكلما قلبت صفحات وطالعت وريقات افتقدت صوتك بين الأصوات ! ولم أكد أنحس مكانك في مفترق التيارات ، ولست ادري وايم الحق وما الذي حدا بلبوات الاسلام الى هذا السكوت المشين وألعي أعيذهن منه !؟ او لتجاهل بعمق رسالتهن في الحياة ؟ أو الجهل لخصوصيات اسلامهن لا قدر الله ؟ أو لدواع أخر يمليها عليهن مجتمع فاسد في إفراطه أو تفريطه ؟ هذا المجتمع الذي ندعو إلى اصلاحه اصلاحاً جذرياً كي لا يكمم أفواه


( 151 )

النساء بأكمام التحلل الإجنبي أو التعنت الجاهلي والله ولي التوفيق ... والآن وبعد أن استميحك العذر إذ كنت قد أسأت إلى مشاعرك العزيزة فما أنا إلا أختك الناصحة التي تأبى أن تكون دائما على هامش الحياة مدعوة وليست بداعية . أعود الآن إلى الرواية التي جاءت على لسان الامام العظيم أبي عبد الله جعفر الصدق عليه السلام إذ يحدد فيها مفهومه عن المرأة الصالحة فيقول : ( المرأة الصالحة خير من ألف رجل غير صالح ) وهو يقصد بها أن يقرر بأن الانسانية في نظر الاسلام لها قيمة واحدة ، وميزان واحد للكرامة ـ بقطع النظر عن كل الصفات الطبيعية التي يتميز بها الأفراد ـ وهذا الميزان الوحيد في نظر الاسلام هو الصلاح والتقوى ، فمهما كانا متوافرين كانت الانسانية أفضل وأكمل ، ومهما ابتعد الانسان عنهما خسر بذلك كرامته في مفهوم الاسلام كائناً من كان ، فلا الرجل بما هو رجل يفضل المرأة ، ولا المرأة بما هي مرأة تفضل الرجل في حساب الانسانية العامة ، بل قد تكون المرأة الواحدة خيراً من ألف رجل إذا كانت صالحة ! ولا يتعارض هذا مع الوظائف التي وزعت على الرجل والمرأة في الأسرة الاسلامية ، ولا مع القيمومة التي أعطيت للرجل على المرأة فيها ، فإن هذه القيمومة التي اضطلع الرجل بموجبها بإدارة معاش البيت والحفاظ على وحدته لا تعبر إلا عن توزيع طبيعي للوظائف في مجتمع صغير وهو الأسرة المتكونة من أب يعيل ويحافظ ، وأم تلد وتربي ، فيه ليست قيمومة أفضلية


( 152 )

وإلا لكان كل رجل قيما على المرأة التي يعايشها وإن كانت أمه وأخته وليس الأمر كذلك . هذا بعض ما عناه الامام عليه السلام في قوله : ( المرأة الصالحة خير من ألف رجل غير صالح ) والصلاح هنا معنى عام يمتد إلى كثير من النواحي والمجالات فصلاح المرأة لنفسها هو تطبيقها لأحكام الاسلام على سلوكها الخاص . فصلاح المرأة لبيتها أن تشيع روح الاستقرار والسعادة ، وتكفل أولادها إذا كان لها أولاد كفالة تتيح لهم اكتساب الشخصية الاسلامية الحقيقة وتبث في نفوسهم بذور الورع والتقوى والأدب ، وصلاحها للانسانية أن تساهم في الحقول النافعة التي لا تتعارض مع وظائفها الأولية . وأهم تلك الحقول هو تبني الدعوة إلى أشرف مبدأ عرفته الانسانية ألا وهو الاسلام .
فإلى هذا الصلاح يا أخواتي المسلمات ، إلى الصلاح والاصلاح في مختلف الميادين والمجالات لتكون الواحدة منكن خيراً من ألف رجل غير صالح ، وألف امرأة غير صالحة والسلام عليكن وعلى من اتبع الهدى .


( 153 )

لماذ ابتعدنا عن الاسلام


أختاه ...
أراني حريصة في لقائنا اليوم على أن أوجه ندائي الأخوي هذا الى كافة المسلمين بدافع من الغيرة الاسلامية والأخوة الايمانية ، فأقول : يا أيها الاخ المسلم الكريم لقد أصبح الاسلام وديعة عندك وأمانة لديك وقد حرصت الرسالة الاسلامية على أن تكون داعية لها وممثلا لنواميسها ومثلها ، ومرآة لاشعاعها الخالد وكمالها المعجز وقد شملك النداء السماوي ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) والرعاية تختلف باختلاف الظروف والحيثيات ، فاجهد أن تكون نعم الراعي الذي يمثل جوهر الدعوة الاسلامية الخالصة ولا تنحرف بها عن طريقها المعبد ، ولا تفقدها روحها المعنوية التي عجزت القرون ، واتعبت الأيام ، واحرص على أن لا تضيف اليها هوامش من فكرك الخاص ، او عواطفك المحدودة فأنها هي الرسالة السمحاء التي جاءت لاسعاد البشرية جمعاء ، واتت لترفع الثقل المقيت عن كواهل الانسانية عامة وعن المرأة خاصة ! .


( 154 )

فقد انبثقت رسالة محمد ( ص ) لتمحق الحيف وتزيل الضيم وتفك القيد الأثيم عن مخذول ومظلوم ، وقد شملت اصلاحاتها المرأة المسلمة التي كانت رهينة لعادات همجية ، وقوانين جائرة ، وتحت سجن من القيود الظالمة الجاحفة . فتعالى صوت المصلح الأول ( ص ) مدوياً في الآفاق : ( أن الله لا يضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى بعضكم أولياء بعض ) وتردد صوته صلوات الله عليه وآله ( النساء شقائق الرجال ) فعند ذلك فقط نظر المجتمع إلى المرأة نظرته الى مخلوق بشري له مكانته اللائقة في الحياة ! وله قدسيته في المجتمع الانساني ! وبوسعه أن يفيد ويستفيد . نعم لم يحملها الاسلام أعباء الجاهلية ولم يفرض عليها قيوداً قاسية ، ولكنه صانها باكرام من الحجاب يقيها شر الذئاب وجعلها درة مصونة في الأصداف . والأكرام لا تمنع انتشار عبق الزهور ، والصدف لا يحجب تلألؤ الدرة البيضاء . وكذلك الاسلام الحبيب ، فلم يفرض على المرأة المسلمة قيوداً تسحق شخصيتها كما تفعله القوانين الجائرة التي ترجع بكيانها القهقرى إلى عهد الظلام والجهل ، وقد قال حامل رسالته المقدسة ( ص ) وما ذلك إلا طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ليعدها كما أعد الرجال للدفاع عن رسالتهم المباركة وليمكنها من تبيان ما خفي على الجهلاء من كمال الشريعة الإسلامية فما الذي يدعوكم يا أنصار المرأة المتحررة إلى مثل هذا الضجيج ؟ وإلى المتزمتين أوجه خطابي : لماذا


( 155 )

فرضوا على المرأة قيوداً وحدوداً لم ينزل الله بها من قرأن ، فالضغط يولد الانفجار ، والتزمت يدعو إلى النقمة على جميع الأمور حتى الشرعية الضرورية ، وقد ينأى بالمرأة عن تعاليم الاسلام الحقيقية لاسيما إذا كانت ناشئة فتية ، وفي هذا ما فيه من أخطار تواجه فتياتنا المسلمات ؟ فان العقيدة أي عقيدة كانت لا تقوم إلا على اساس من الفهم والحب والمرونة لكي تكون راسخة ثابته لا تطيح بها زوبعة . ولا تزعزعها كلمة سامة مغرية . فالله الله يا اخواني المسلمين لا تدخلوا في روع فتياتكم انهن أسيرات من جراء كونهن مسلمات متمسكات بتعاليم محمد الرسول العظيم ( ص ) فينظرن إلى المنحرفات المتحللات نظرة الأسير إلى الطلق فان الاكثار في الشيء صنو الاقلال منه . والأفراط توأم التفريط . فاسمعني يا أخي المسلم ولا تتحكم مع ميولك . ولا تندفع وراء أهوائك تحت ستار من الدعوة إلى تطبيق الاسلام فالاسلام سمح سهل لا يريد للمرأة إلا العزة والكرامة والمكانة اللائقة . فالاسلام مثلا يفرض على المرأة إطاعة زوجها وأبيها في بعض الأمور التي لا تتلاءم مع مصلحتها العامة . ولكنه لم يجعل منها ألعوبة في يد الرجل يفرض عليها سيطرته فرضاً بدافع من قرابة أو سمو مكانة فيتحكم بتصرفاتها وحركاتها وسكناتها ، وبهذا تزهد المرأة حتى في الطاعة المفروضة للأزواج والأباء . فرجائي منك يا أخي المسلم أن تبذل قصارى جهدك لبث روح الاسلام الحقيقية في نفوس فتياتنا الحبيبات .


( 156 )

رأي المرأة في الزواج


أختاه ..
ضمني وبعض بنات الاسلام مجلس جرنا الحديث فيه إلى حقوق المرأة في البيت والمجتمع ومدى تركيز كيانها في الأوساط المسلمة فإذا بأحداهن تنبري لتقول بحرارة وألم أن المرأة في الاسلام مهضومة الحق ، مهيضة الجناج ، لا تعدو أن تكون سلعة في أيدي الرجال تتقاذفها أهواء الآباء والأزواج فهي : أما أن تباع للزوج بيع الاماء أو تقدم له هدية متواضعة كعلبة من الشوكولاته !
وكنت استمع إليها وهي مندفعة بثورتها الظالمة التي قامت على مفهوم خاطئ وتولدت نتيجة إهمال المسلمين العارفين بحقيقة الاسلام لاظهار صفحته المتبلورة البضاء وبعد أن اتمت ترجيع كلماتها التي اخذتها عن ألسن السوء بدون وعي أو قصد قلت لها وكلي اشفاق على هذه الزهرات اليانعات التي أطاحت بها الريح السامة الى حيث الوحل قلت : على مهلك يا صاحبتي انك المسكينة دعيني


( 157 )

احدثك حديث الاخت الناصحة التي لا تريد لك وأمثالك الا الخير والصلاح والعزة والكرامة فما أنا لا انثى مثلكن أشعر بما تشعرن به واحسن ما تحسنه ، وطالما ثرت لكرامتنا المضاعة على أيدي رجال ظلموا الاسلام حقه ، فانتسبوا اليه وهو منهم براء ! وما أكثر ما نقمت على الأوضاع الهمجية التي سيطرت على بعض اخواتنا الضعيفات ! هذه الاوضاع التي لم ينزل الله بها من سلطان ، والتي خلقها بعدنا عن روح الاسلام وتعاليمه الحكيمة . نعم ثرت كما تثورين ، واندفعت وراء غضبي كما تندفعين ، ولكن لا على الاسلام الحبيب ولا على رسالته القدسية . بل على المجتمع الفاسد وعلى ابناء وبنات الاسلام العاقين له ، المارقين عن مثله وتعاليمه ، والذين كان سلوكهم المعوج مبعثا لهذه الصيحات الباطلة ، لا ستبدادهم بمصير الفتيات وفرض سلطتهم القاسية في تقرير مستقبلهن على ميولهم ورغباتهم الخاصة ! وحسب مصالحهم الذاتية دون استشارتهن ؟ .
ولكن الاسلام يا اختاه مبدأ زاخر بجيمع ما تصبو اليه النفس البشرية ، حامل في تعاليمه شتى أنواع السعادة والهناء ، وقد انبثقت رسالته لتمحق الظلم لا لتظلم ، وجاءت لعقاب الظالم لا لخلق جيل ظلوم وقد حمل ـ في اكثر ما حمل ـ الخير للمرأة المسلمة التي كانت من قبل ضائعة بين أنياب الجاهلية ! والعادات القبلية في الشرق ! والقوانين الزمانية في الغرب ؟ حتى قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قولته


( 158 )

الخالدة : ( النساء شقائق الرجال ) . وقد أعطاها الامكانيات التي تخولها حفظ جميع حقوقها الاجتماعية في جميع الميادين التي تتفق وكيانها الخاص ! ولنضرب لذلك مثالا بالامر الذي ذكر ، في مطلع حديثك وهو حريتها في اختيارها الزوح :
فقد ورد عن أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه وقد ذكر حديث تزويج فاطمة ( ع ) ، وانه طلبها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا علي انه قد ذكرها قبلك رجال فذكرت ذلك لها فرأيت الكراهية في وجهها ، ولكن على رسلك حتى اخرج اليك ، فدخل عليها فأخبرها وقال : ( ص ) ان عليا ذكر من أمرك شيئا فما ترين ؟ فسكتت ، ولم تول وجهها ، ولم ير منها رسول الله ( ص ) كراهة فقام وهو يقول : ( سكوتها اقرارها ) وقد جاء في الحديث عنه : صلى الله عليه وآله وسلم ( تستأمر البكر ولا تزوج الا بأمرها ) ، وقد جاءت فتاة اليه ( ص ) فقالت : ( ان أبي زوجني من ابن اخ له ليرفع خسيسته وانا له كارهة ) فقال ( ص ) لها : أجيزي ما صنع أبوك : لا رغبة لي فيما صنع أبي قال صلى الله عليه وآله وسلم : فاذهبي فتزوجي من شئت فقالت : ( لا رغبة لي عما صنع ابي الخ ) .
وقد استشار رجل الامام موسى بن جعفر عليه السلام في تزويج ابنته من ابن اخيه فقال : « افعل ، ويكون ذلك برضاها ، فان لها من نفس حظا » . نعم هذا هو الاسلام


( 159 )

بمعناه الصحيح . وهذه هي احكامه العادلة التي ارتفعت بالمرأة الى افق الحرية والكرامة في عصر ما كان يقيم للمراة أي حساب ، ولكن الذنب ذنبنا نحن المسلمين ! بعد اذ انحرفنا عن جادة الاسلام ، وتجاهلنا ان لنا في اسلامنا حقوقا قلما ظفرت بها حضارة من الحضارات وحتى الآن والجرم جرم الذين عرفوا الحق ولم يظهروه ، وسكتوا عنه وتركوكن لا بواق الدعايات المغرضة ، وللتعاليم العدائية التي تصل اليكن تحت مسوح التمدن والتحضر ولكن لي وطيد الأمل انكن سوف ترجعن الى احضان الاسلام الرحب ان عاجلا او آجلا ان شاء الله .
بعد ان تفشل جميع الانظمة عند التطبيق ، وسوف تجدن في نظام الاسلام نظاما مثاليا خالدا يحقق للمرأة سعادتها وكرامتها ، وقد وعدنا الله نصره والله لا يخلف الميعاد .


( 160 )

في عيادة الطبيب


اختاه ...
ها انا ذي التقي معك وقد هزتني حادثة مررت بها اذ زارتني احدى اخواتي المسلمات ، وهي شاكية من ظلم بنات الاسلام المتطرفات مستعبرة من ضلالهن ، فقد جمعها مع بعضهن مجلس ( في عيادة طبيب ) في بغداد أجبرت على المكوث فيه مدة طويلة للانتظار مكنت لجاراتها المخدوعات ان يكشفن لها عما آلت اليه روحياتهن ، وعما انحططن له من درك مظلم مخيف ، فهن يستهين بالمثل ، ويكفرن بالقيم ، ويرين فيما كانت فقد التزمته الاخت المؤمنة من أحكام الاسلام اساليب رجعية جاهلية ، وقد تكشفن لها على حقيقتهن المرة فاذا هن جاهلات يدعين المعرفة بلا معرفة تائهات ويتظاهرن بالهدى والرشاد وصاحبتنا المسلمة في كل ذاك تدافع وتجادل ما وسعها الدفاع ولكن أنى لصوتها أن يصل الى مسامع غفلت عن الحق وصمتت عن الحقيقة ، وأنى لكلمات ان تخترق الحجب السود التي حجبتهن عن الصواب والتي حالت بينهن وبين الهدى ، وكيف لصوت ان يعلو على ابواق جهنمية ترجع ألحانها على أوتار القلوب الفتية وتسكبها


( 161 )

في الآذان الغافلة التواقة ؟ وكيف لكلمة واحدة أن تقف امام التيار الخاطئ الذي جرف الكثيرات من بناتنا البريئات ؟ وهل يمكن لصرخة مؤمنة ان تكشف الغبار الأسود الذي غلف المجتمع ولونه بلونه القاتم المغبر ؟ فلمسنا أو ضحية من ضحايا المجتمع العليل الذي تجرد عن قيمه ونأى عن قوانينه واحكامه ولن يصلح المجتمع هذا ، ولن يتركز كيانه في الوجود الا اذا رجع الى صوت الاسلام في ندائه الملائكي وتمسك بدستوره السماوي وتباعد عن التبعية المبغضة لكل ما هو اجنبي غريب . فهل يمكن لامة أيا كانت ان تتقدم وتتحضر بحضارات اجنبية لا تمت لها بصلة لتكون بذلك متقدمة ، فانها لم تتقدم خطوة ، ولم تزدهر لحظة ، وانما الافكار الخارجية والدعايات الاجنبية هي التي تقدمت وازدهرت على حسابنا نحن اعداءها الحقيقيين . فيا حرقة قلبي على زهرات يانعات نالت منهن الافاعي فشوهت أريجهن العذب الفواج ، ويا أسفي على لبوات خدرهن الافيون الاستعماري بشتى أشكاله فأطفأ فيهن شعلة الاسلام ، وأفقدهن نور الرشاد ، وتصرف فيهن تصرف اللاعب بالدمى لا حول لهن تجاهه . ولا طول فيه الوقت الذي قد غنين فيه بما لهن من مبدأ زاخر بالحضارة السامية ، وعامر بالاصلاحات الجذرية حاملا لهن السعادة والعزة والكرامة ، واستطردت صاحبتنا المسلمة كلامها فقالت : انهن قلن لي : انك رجعية قديمة متوحشة فأجبتها : لا عليك يا اخية فهذه أنغام سمعناها وسنسمعها أيضا ما دام


( 162 )

المكروب الاجنبي يسري في عروق مجتمعنا المسكين ، وما دمنا متمسكين بمبدئنا الحق داعين الى نهجه القويم . ونصيحتي لك يا أخية ولجميع أخواتنا المسلمات : ان لا تقعد يكن هذه التخرصات ولا تثنيكن امثال هذه النغمات المشؤومة بل تزيدكن عزما وقوة ، وشدة ومضاء ، لتثبتن لهن صواب تهجكن وخطاً سيرهن المتعرج ذات اليمين واليسار ، وأوضحن لهن أنهن هن اللواتي رجعن بسلوكهن الى أبعد عصور الجاهلية حيث لا أحكام ، ولا قوانين ، ولا مثل ، ولا مفاهيم ، المرأة والرجل والحيوان في عرفهم سواء ، غايتهم الماء ولقمة العيش !
واما نحن فسنصل الى حيث ما وعدنا الله من نصره ( أن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) .

بنت الهدى


( 163 )

ذكر الله في الليل والنهار


سألتني واحدة من الاخوات المسلمات عن معنى ما جاء في دعاء كميل بن زياد ( رض ) وهو من خاصة أمير المؤمنين عليه السلام كقول : ( يارب أسألك بحقك وقدسك وأعظم صفاتك واسمائك ان تجعل اوقاتي في الليل والنهار بذكرك معمورة وبخدمتك موصولة ) .
وقالت : هل أن هذا منسوب وغير صحيح ؟ او ان البشر جميعا قد خرجوا عن هذه القاعدة ؟ فليس فينا من يتمكن ان يقتصر في حياته على ذكر الله تعالى والتسبيح والتهليل . فنحن اذ نعيش ( وبحكم لزوم التعاون من الأخرين مهما امكن ) لا بد لنا ان نباشر شتى الاعمال في الحياة ولا يمكننا بأي حال من الاحوال التنصل وان نترك كل شيء ونلتزم بالتعليل والتكبير فحسب فقلت لها : على مهلك يا أخية فليس هذا الدعاء بمنسوب او غير صحيح بل هو صحيح ومعروف ولكن المعنى ليس كما تظنين فقط اذ لسنا بمكلفين بالتسبيح والتهليل


( 164 )

والتكبير « كقول : سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر في كل أوقاتنا وليس ذكر الله وخدمته هو ما ذكرتيه ونحوه كما تفهيمين منه ويتبادر النظر السطحي اليه فهو أي كل من التسبيح أو التهليل والتكبير وان كان من الذكر المأثور ومن الباقيات الصالحات لكن ليس هو الذكر كله أو كل الذكر وليس هو اي الذكر وقفا على ادراة حبات المسابح او تقليب وتصفح كتب الادعية لا ليس هذا وحده كما قلت ذكر الله تعالى وليس ذكر الله هذا لا غير .
فكم يوجد من يذكر الله بلسانه وينساه بقلبه وافعاله !! فنحن نستطيع وبسهولة ـ أن نجعل اوقاتنا من الليل والنهار بذكر الله معمورة دون ان نعطل شيئا من أعمالنا للحياة أو نقعد عن المباشرة لمهامنا المعتادة فانت مثلا اذا كنت زوجة صالحة وربة بيت خيرة تكونين بذلك دائما وابدا ذاكرة لله مطيعة لأوامره فقد جاء في الاخبار ان امرأة سألت الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم عما عندنا نحن النساء في قبال الجهاد وثوابه عند الرجال ؟ فقال صلوات الله عليه : الزوجية الصالحة وادارة البيت الناصحة الطاهرة !
ثم أن المرأة وكيفما تكون سيدة أو آنسة تتمكن ان تكون دائما وابدا ذاكرة لله تعالى خاضعة لأوامره متبعة لتعاليمه فكل يد معونة تسديها المرأة ولو لاقربائها الاقربين اذا كانت خالصة لله تكون ذاكرا لله تبارك وتعالى وكل لفتة طيبة تبديها تجاه


( 165 )

الغير بدون أي غاية دنيوية تكون ذكرا لله وكل سحابة ضيق تتحملها بصبر لا مجبرة ولا مغصوبة على ذلك تكون ذكرا لله ، وكل فكرة صالحة تفكر فيها لأجل الخير دون أي شيء أخر تكون ذكرا لله وأي نعمة تحدثت بها لا مباهية ولامتعالية تكون ذاكرا لله ، وحتى البسمة والضحكة اذا جدت بها خالصة من كل شائبة رياء أو ملق تكون ذاكرا الخ .. !
وكم يحدث لاحدانا ان تسمع كلمة عن اخرى قد تحمل على خير وقد تحمل على شر فاذا اخذناها بمأخذ الخير وحملناها عليه نكون بذلك ذاكرين لله ، ولكن يتفق لنا ان تحين لنا فرصة نتمكن فيها من افشاء سر أو جهر بسوء يكون لنا من ورائه نفع ، او لنا به مصلحة شخصية ثم لا نأتي بشيء من ذلك بوازع ديني لا غير فنكون ذاكرين لله تعالى مطيعين لأوامره ! وعلى العكس من هذا ( لو سرنا في حياتنا لا سمح الله ) نكون ناسين لله غافلين عنه ولو تتبعنا جميع اساليب القدس المبطن ! فإن ذكر الله ليس كما تظنين يا اختاه . ولعمري ان حقيقة ذكر الله تبارك وتعالى ( لو تفكرنا وتأملنا ) تعقيم النفوس من الاردان ، وتطهير الغايات والدوافع أي غاية كانت واي دافع كان ولهذا جاء في المأثور عن الأئمة الاطهار عليهم السلام : ( ان الاعمال بالنيات ) ـ فنوعية العمل من نية صاحبه ـ ( وان نية المرء خير من عمله ) فقد فضلت النية الصالحة وحدها ـ وان لم يتفق تحققها في الخارج ـ


( 166 )

على العمل الصالح ظاهرا ولكن بلا نية صالحة ولا غاية مرضية طاهرة !
فجدير بنا أن نبتهل الى الله العلي القدير ان يجعل أوقاتنا في الليل والنهار بذكره معمورة ، وبخدمته موصولة والله ولي التوفيق .


( 167 )

المرأة بين الإسلام والجاهلية


أختاه ...
تحية اسلامية عطرة ...
ما أحلى ان نعود فنلتقي مرة ثانية لنتابع ما وقفنا عنده ، ولنمضي في سيرنا المستقيم الى مطلع النور واشراقة السعادة الهائلة المتبلورة في صفحات سجل اسلامنا المتلألئ الذي بعث به محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبيا للعالمين ، وجاء ليكون المربي الاول للمجتمع العليل آنذاك الذي كان يرزح تحت وطأة العادات القبلية والحزازات والمشاحنات العصبية وحتى في البلدان المتحضرة آنذاك كالروم والفرس ، فقد كانت القوانين الجائرة قائمة هناك على قدم وساق .
والأجدر بنا في لقائنا هذا ان نتطرق الى احدى نواحي انحلال ذلك المجتمع فنراجع حال المرأة في تلك الفترة المغبرة لنرى ما كانت عليه من انعدام معنوي ، وتفاهة روحية . ففي الروم والفرس ـ مثلا ـ كانت المراة لا تعدو كونها آلة انتاج كأنها خلقت لتفيد المجتمع لا لتستفيد منه ومن ثم كانت


( 168 )

وسيلة لعقد الصداقات وحل المخاصمات تقدم هي فيها كهدية متواضعة لا حول له على المنع ولا طول .
وأما في جزيرة العرب فقد كانت تسود وجوههم اذا بشروا بها ويتوارون من الخجل كأنها قد ارتكبت بقدومها عليهم ابشع جريمة في الوقت الذي جاءت لتلد رجالا ، وتنشىء أجيالاً . وفجأة وفي غضون ذلك العصر المغبر ، وبدون سابق مقدمات انبثقت رسالة محمد الامين صلى الله عليه وآله ، لتكون رحمة للعالمين ( للملايين ) ، ولتكون رسالة عالمية تصلح العوج بالهداية ، وتقيم الحق بدستورها السماوي ، وهناك جاء دور المرأة المسلمة لتكون عضوا فعالا في المجتمع ، ولتشعر بمكانتها المعنوية التي سلبت منها فيما مضى ، وكيف لا نكتسب روح الثقة بانسانيتها وكرامتها ؟ والآية الكريمة تنص على وجودها الادبي والمعنوي والكلمات النبوية الخالدة التي نأخذ بيدها لنرفعها الى أوج العزة والكرامة فهي مخلوقة كالرجل سواء بسواء ( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) ( خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ) ( وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه او كثر ) ثم يقول نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم قولته الماثورة : ( النساء شقائق الرجال ) .
وهكذا أخذت المرأة تحتل مكانها الطبيعي على أساس آيات القرآن وكلمات الرسول ( ص ) ، واخذ المجتمع الانساني


( 169 )

يؤمن بقدسيتها وجدارتها بالحياة ويقر لها بممارسة كل الحقوق التي تنسجم مع طبيعتها كأنثى ، ومن جانبها أيضاً أخذت تبني شخصيتها على أساس المفاهيم الاسلامية الكاملة من الفضيلة ، والعفة ، والاخلاق ، ادركت مهانة الرذيلة فارتفعت بروحها ومشاعرها عنها ، واحتفظت بنفسيتها نقية صافية متألقة وفهمت بشاعة الكذب فعملت على ألا تكذب ؛ وتعرفت على مواطن الضعف في الخداع فحرصت على ألا تخدع ، وملكت ان تخلق لنفسها كيانا خاصا فجهدت على ابداع ذلك الكيان ، وضربت المثل العليا على الامومة الحنانية والزوجية السعيدة المخلصة .
ثم انها عرفت ايضا ان تفي الاسلام حقه فمشت مهدية بهداه تحمل راية التبشير والدعوة اليه ، وقد زخرت نفسها بالعقيدة الاسلامية الفياضة ، واندفعت في عروقها دماء التضحية والمفاداة ، وكانت كلما ادلهمت الخطوب ازدادت حماسا واندفاعا وايمانا بقضيتها ، فهذه ( الزرقاء بنت عدي ) تقف بين صفوف المجاهدين تبث روحها ووعيها وتقوم بأداء رسالتها قائلة : ( يا ايها الناس انكم في فتنة غشتكم جلابيب الظلم وجارت بكم عن قصد المحجة فيا لها من فتنة عمياء صماء ) . الى ان تقول : ( ان خضاب النساء الحناء وخضاب الرجال الدماء ) . وهذه ( ام الخير بنت الحريش تخطب في الصف الاسلامي المجاهد من ابنائها واخوانها لتأجج فيهم نار البطولة وتفجر نور الايمان فتقول ( ايها الناس لولا ان تبطل


( 170 )

الحقوق ، وتعطل الحدود ، ويظهر الظالمون ، وتقوى كلمة الشيطان لما اخترنا المنايا على خفض العيش وطيبه ) .
لك الله يا أم الخير ما اروع كلماتك وأسماها ، انت في هذه الكلمات تلقنين النساء من بناتك المسلمات دروسا في التضحية للمبدا والعقيدة فلم يكن اندفاعك الثوري لأجل مكسب رخيص ولا موجة عاطفية مبتذلة وانما كان غضبة للحق ، وانتصارا للمثل الاسلامية العليا ، وتحديا للظالمين المنحرفين عن جادة الاسلام السوي ، الذين عطلوا الحدود وابطلوا الحقوق .
هكذا كانت المرأة تحتل مركزها اللائق في المجتمع الاسلامي وتشارك في مسؤليات الدعوة والتوجيه وتعتبر نفسها عضوا فعالا مسؤولا عن تركيز دعائم الحق ، واعلاء كلمة العدل ، وتباشر مسؤولياتها بالاساليب التي تتفق مع طبيعتها .
ولكن على مر الزمن وتعاقب السنين أخذت المرأة المسلمة تفقد شخصيتها مرة اخرى ، وتبعد عن دورها الذي أتاحه لها الاسلام ، وذلك بنتيجة سوء فهمها الاسلام والبعد عن روحه ومفاهيمه من ناحية وبنتيجة تغذية الثقافة الاستعمارية المسمومة المناقضة للاسلام ، والتي لا تنطوي في الحقيقة الا على الا على القضاء على اصالة المرأة وانوثتها وكرامتها كأنثى .


( 171 )

هكذا ضاعت المرأة بين الفهم الخاطئ للاسلام والمفاهيم الوافدة من الغرب ! واصبحت المرأة المسلمة بين أمرين فاما أمرأة لا حظ لها من الوجود الاجتماعي ولا نصيب لها من المساهمة في كل الحقوق الاجتماعية والكفرية ، واما أمرأة متفرنجة قد تجردت من انوثتها واعتبرتها شينا وعارا ، وراحت تزاحم الرجال بمناكبها وتسترجل لتكتسب حقوقها في الحياة العامة ..
والاسلام لا يقر هذا ولا ذاك فلا هو يفرض على المرأة ان تكون كمية مهملة تماما في الوجود الاجتماعي كله لا لذنب جنته إلا انوثتها ، ولا هو يفرض عليها التجرد عن انوثتها ويعتبر انوثتها عارا يجب ان تتخلص منه لتلتحق بقافلة الرجال ، بل هو النظام الوحيد الذي اقر للمرأة بخصائصها الطبيعية ، واعترف بها كأنثى ثم لم يجعل هذه الانوثة عيباً أو معيقا عن حصول المرأة على حقوقها وكرامتها الانسانية ، او عن مساهمتها في الحياة الفكرية والاجتماعية في حدود العفة والفضيلة .
فالاسلام يحفظ للمرأة حقوقها وكرامتها لا انه يجردها من انوثتها ليهبها تلك الكرامة كما تصنع الحضارة الغربية .

السيرة الذاتية  || المؤلفات  || الصور  || ما كتب حولها