سياستنا تجاه الملف الأمني

الأمن أولا وثانياً وآخرا ومهما كلف من جهود وتكاليف فيجب أن تكون خزانة الدولة مفتوحة له على الدوام لأنه من دون امن ليس هناك لا سياسة ولا اقتصاد ولا استقرار و لا إعمار على اعتبار أن كل المشاريع العلمية والاقتصادية التي يمكن أن تدفع بالعملية السياسية والسياسيين إلى النجاح تحتاج إلى مسرح امن تتحرك خلاله والى أرضية مستقرة تقام عليه كل هذه الأطروحات ،
وبعيداً عن الديباجات والإسهاب والإطناب وبعيداً عن التنظير الذي استغرقنا فيه كثيراً وخلال كل ذلك قدمنا الكثير من التضحيات والكفاءات القيادية التي ما أحوجنا اليوم إليهم لعبور هذه المرحلة العصيبة والمنعطف التاريخي الخطير الذي تمر به الأمة ،
وأعتقد بأنهُ لا يخفى على كل باحث ومراقب منصف ما مدى خطورة الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الإسلام والتي تنمّ عن حقد دفين ومتراكم عبر مراحل تاريخية طويلة غذاه وأذكى غلوائه الاستكبار الدولي الذي يتمظهر تارة بقوى سياسية دولية متنفذة وتارة أخرى على شكل تيارات وقوى دينية متطرفة ،
وهذه القوى تمثل الدعم المادي والغطاء السياسي الدولي والتوجيه والتخطيط أما الأيادي الأثيمة التي تقبض على المقصل الذي يذبح فكر الأمة وعزها ورموز تألقها فهو كان يتمثل بالحكام الطغاة الذين تسلطوا على رقاب الشعوب قسراً وقهراً أما الآن وبعد فشل أولئك الحكام بإحكام القبضة على الشعوب وتحديداً الإسلاميين منهم ، تبنى الغرب استراتيجية جديدة تمثّلت بدمقرطة العالم أو إحداث ثورة ديمقراطية في العالم كما يعبرون بعدما أوجدوا مقدمة لهذه الثورة وذريعة تمثلت بالسيناريو المحترف لأحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر ، لكي تكون الشعوب المعارضة والحكام كلاهما معاً في حالة احتياج للدعم الغربي بذريعة احتياجهم للشرعية الدولية أو حتى الدعم المادي والعسكري ، وفي النتيجة يتم احتواء الأصوات المعارضة ويصبح الجميع يدور في فلك الغرب فمن لا يتناغم مع البنتاغون قد يتناغم مع الخارجية أو مع الـC.I.A أو مع الأمن القومي ضمن تكتيك وخطاب سياسي محدد لكل هذه الأجنحة الأربعة ، وبالرغم من أنه في أدبيات السياسة الغربية مفاهيم من ضمنها أنه ( لا يوجد عدو دائم ولا يوجد صديق دائم بل هنالك مصالح مشتركة ) إلا أننا عندما تناغمت مصالح امتنا بإسقاط صدام الهدام مع الاستراتيجية الغربية الجديدة لم نعتمد تلك النظرية الغربية كمعيار لقرب هذه الجهة أو تلك أو لتعيين أي من مواقفنا الإسلامية السياسية وكذلك لم نتشنج بشكل حدّي وقاطع كما فعل السيد روح الله الموسوي الخميني سلام الله عليه حينما قال { إذا رضت عنّا أميركا فلنعلم أننا على خطأ } وقد كان له رؤية صائبة آنذاك لتبنّي هذا الموقف لان الموقف الشاهنشاهي السياسي آنذاك كان يمثل اليد الضاربة للرؤى والسياسات الأميركية وذلك بالدلالة الإلتزامية بحسب تعبير علم المنطق ولكننا اتخذنا موقف الحياد المؤقت في الحرب الأميركية مع عميلها صدام اللعين امتثالاً لقول أمير المؤمنين (ع) ((كن في الفتنة كإبن اللبون لا ضَرْعٌ فيُحْلَب ولا ظهر فيُرْكب )) والفتنة هي صراع الباطل مع الباطل فيجب على المؤمنين أن لا يتبنَّوا أيّ موقف يدعم أيّاً من الطرفين ، أما المعيار الأدق الذي يجب أن نعتمده في قرب هذا الطرف أو ذاك فهو المبادئ الإسلامية الثابتة والقيم الإنسانية العليا وأسس المواطنة العادلة ،
ومما لا يخفى على كل باحث ولبيب بانه هنالك مصالحاً استراتيجية لدول الجوار تلاقت مع المصالح الأميركية في نقل المعركة إلى خارج حدود تلك البلدان وإبعادها قدر المستطاع لتأمين دولها وعروشها وفعلاً فقد تم استقطاب كل الفرق التكفيرية والمتطرفين من النواصب وغيرهم ومع أن البعض يرى بأن النواصب هم أتباع المذهب الوهابي الحديث العهد البريطاني الصنع والتأسيس كما ثبت ذلك في مذكرات مستر همفر وغيرها إلا أنني ارجع إلى مراحل تاريخية أقدم فأرى بأنه هنالك أساس لهؤلاء وهم الخوارج الذين قاتلوا أمير المؤمنين (ع) رافعين شعار ( إنْ الحكم إلا لله ) وهي كلمة حق أرادوا بها باطلاً ولكنني الآن أطرح حقيقةً تأريخية قلّما يلتفت لها بل لعله لم يلتفت إليها إطلاقاً وهو أن لكل هؤلاء النواصب والخوارج جذر أعمق كان هو السبب في نشوئهم ونموّهم ، ألا وهو موقف أحد الصحابة في رزية الخميس حينما اجتمعوا حول رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في حالة الاحتضار وطلب منهم أن يحضروا له كتفاً ودواة ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبدا فردََّ ذلك الصحابي قائلاً ( إنَّ رسول الله ليهجر حسبنا كتاب الله ) ، إذن نَخْلُص إلى نتيجة وهي أن كل هؤلاء النواصب ورثوا حقداً تأريخياً دفيناً إستغلَّته قوى الإستكبار العالمي لتنفيذ مخططاتها الماكرة في تشويه الصورة الناصعة للفكر الإسلامي المشرق للقضاء على الإسلام والمسلمين و بدعم من الموساد والـ CIA ، ومن الجدير بالذكر هو أنه هنالك مَن يكون ناصب العداء للإسلام المحمدي الحقيقي فكراً وعملاً ومنهم من يكون ناصبياً في الفكر فقط و لا يجرؤ على العمل الميداني كالاغتيالات والتفجير والاغتصاب وغيرها من الجرائم التي يندى لها الجبين ، ولكن هؤلاء يقومون بتقديم الدعم اللوجستي إلى غيرها من مهام التمويل والمراقبة والإيواء أما البقية الباقية القليلة منهم فإنه يفرح لقتل المؤمنين وإذا كان أمير المؤمنين (ع) يقول (( من رضي بفعل قوم كان كالداخل فيه معهم )) فكيف بمن لا يرضى فقط وإنما يفرح لفعلهم ، فهم إذا إما ناصبي وهابي أو مشروع ناصبي وهابي ، لذلك فإنني أرى بأن ما يجري على المؤمنين من أتباع محمد وآل محمد ( صلوات الله عليهم أجمعين ) هو حرب شعواء ضروس متعددة المحاور والمصادر والاتجاهات يقصد بها القضاء على رموز الفكر الإسلامي المشرق الحقيقي من القيادات الدينية والكوادر السياسية والفكرية إضافةً إلى محاولة التقليل من الحجم السكاني وإحداث تغيير ديموغرافي في العراق لإحداث موازنة في سير العمليات الانتخابية و الهدف منها إيجاد كتل سياسية برلمانية متقاربة في عدد المقاعد لكي لا يطغى الإسلاميون كما توقعوا وحدث فعلاً من جهة ومن جهة أخرى لكي تبقى كل الكتل السياسية من إسلاميين أو قوميين أكراد أو قوميين عرب بأجمعهم في حالة احتياج دائم للدعم السياسي الأميركي ومن كل ما تقدم و حفاضاً على البقية الباقية من المخلصين الذين كانوا عصارة جهود علمائنا الأعلام وثماراً عظيمة نمت بتضحيات الشهيدين الصدرين الخالدين، ولأنه من البديهيات في العمل السياسي أن يكون هنالك تلازماً منطقياً وتداخلاً آيديولوجياً بين كل من الملف السياسي والملف الاقتصادي والملف الأمني ولدفع العملية السياسية إلى أمام وبقوة فإننا نرى ما يلي :

1- يجب أن يكون واضحاً جداً بأن السيطرة على أمن البلاد يستحيل تحققها بدون مساعدة الجماهير حتى لو جئنا بكل جيوش العالم ، وأن العمق الجماهيري مطلوب سواء كان ذلك في العمل الثوري أو في المجال الأمني ومثالاً على ذلك ما قام به آرنستو تشي جيفارا الذي عمل مع رفاقه فيدل كاسترو وغيرهم وخلال أربعة وعشرين شهراً تقريباً أسقطوا جيش باتيستا ، ولكن بعدما انتقل جيفارا إلى بوليفيا وحاول تكرار نفس الثورة أدرك أمراً مهماً خلص به إلى نتيجة وهي أن المقاتل في حرب الشوارع يستطيع مواجهة أشرس القوى العسكرية بشرط أن يكون له هنالك عمقاً جماهيرياً يساعده في المراقبة والإيواء والدعم المادي وغيرها و بإنعدام هذا العمق الجماهيري ستكون النتيجة هي الفشل الحتمي للثورة، ومما تقدم أخلص إلى نتيجة وهي إختيار فئات معينة من الشعب و ضمن شروط ومواصفات لتشكيل أجهزة أمنية وطنية ويفضل أن تكون هذه العناصر الأمنية من العوائل المضطهدة من قبل اللانظام البائد والتي تعرضت للسجن والتعذيب و إنتهاك الحرمات وقدمت الشهداء وعانت من التهجير والمطاردات لأنهم الأقدر على تحمل المسؤولية ولأنهم يدركون عظم وخطر المسؤولية الأمنية فكما قال الشاعر ( لا يؤلم الجرح إلا من به الألم ) وكذلك لأنهم يمتلكون الخبرة الكافية بسبب الظروف الأمنية الصعبة التي كان يتعاملون ويتعايشون معها .
2- يجب الإمساك بزمام المبادرة وأخذها من يد الناصبيين أي تكون العناصر الأمنية هي الفعل الأول وليست رداً لفعل هؤلاء الخوارج والتكفيريين والصداميين والعفالقة المنحطّين لأنه سنفقد عنصر المفاجئة من جهة ولا نفقده فحسب بل يكون عامل المفاجئة يصب في صالحهم وعلى حسابنا هذا من جهة ومن جهة أخرى هو أن حركة رد الفعل على أي فعل إجرامي هو أبطأ بكثير من سرعة الفعل الإجرامي على اعتبار الترتيب المسبق الذي يقومون به هؤلاء الكفرة كالإعداد والاستطلاع والمباغتة والانسحاب المخطط ومن هذا أرى وجوب ملاحقة هؤلاء المجرمين في عقر دارهم فكما قال أمير المؤمنين (ع) (( ما غُزي قوم في عقر دارهم إلا ذلّو )) ثم أن الهجوم خير وسيلة للدفاع وان المباغتة المستمرة لهم بعد رصدهم ستجعل حتى عوائلهم يتثاقلون منهم فينشغلون بأنفسهم مما يؤدي إلى تقليص حرية حركتهم بعد أن ينحصرون في زاوية الدفاع بعد أن سلبت منهم مبادرة الهجوم وسيتشكل عليهم ضغطاً اجتماعياً لأننا كنا قد عشنا هذه الفترات العصيبة ورأينا كيف تخلى عنا الجميع من أقارب وأصدقاء هذا مع قياس الفارق في قدسية قضيتنا والتي كانت تدافع عن نفس هؤلاء الناس الذين تخلوا عنا فكيف بهؤلاء الشراذم الغدرة الفجرة الذين لا مبادئ لهم ولا قيم ولا يحتلون في نفوس الجماهير أي مكان .
3 – تفعيل الملف الأمني و المخابراتي بالتعاون مع الجماهير و التي هي الآن متشوقة لرؤية هؤلاء المجرمين على المشانق وستبذل قصارى جهدها في التعاون مع الأجهزة الأمنية و المخابراتية ولكن بشروط :
أ- إذا رأت أن هناك جهات أمنية موثوقة لا تُعرّض مصدر المعلومات إلى الخطر خصوصاً بعدما ظهر علناً مستوى الفساد الإداري في هذه الأجهزة التي بدت في كثير من الأحيان متعاونة بشكل كبير مع هؤلاء المجرمين .

ب- إذا رأت بأن هنالك جدّية و إهتمام بالمعلومات وسرعة في تتبع اثر تلك المعلومات خصوصاً وان عامل الوقت هو العامل الرئيسي للسيطرة والقضاء على هذه الحالات وهؤلاء الكفرة لأنهم في حالة تنقل مستمر بحسب ما توجه لهم من أوامر .
4 – تفعيل الملف القضائي ليرى الشعب سرعة إنزال القصاص العادل الذي يجب أن يتحقق على هؤلاء المجرمين لتقر عيون أمهات الشهداء ويزداد تعاون المواطنين وثقتهم بحكومتهم وأجهزتها الأمنية وليرتدع كل من تسوّل له نفسه عن الإقدام على إرتكاب هذه الجرائم .
5- يجب السيطرة على مصدر تمويل هؤلاء المجرمين خصوصاً إذا علمنا بأن هؤلاء المجرمين لا قضية لهم ولا مبدأ وبقطع المئونات عنهم والأموال التي كانت هي السبب الرئيس الذي دعاهم لإرتكاب هذه الجرائم البشعة التي يندى لها الجبين لان العناصر التي تنفذ هذه الجرائم ما هم إلا حثالات المجتمعات دعاهم الجهل والنشوء الأسري المنحرف من جهة ومن جهة أخرى دعاهم الفقر المادي إلى ارتكاب هذه الجرائم على عكس مصدر تمويل وتوجيه هذه الهجمات التي تكون دوافعها أما سياسية كأجهزة المخابرات الدولية أو طائفية كالحركات التكفيرية وبقايا شراذم وحثالات اللانظام المقبور. وعليه فيجب مصادرة أموال كل رموز اللانظام المقبور وكل أتباعه على مختلف مسؤولياتهم وحجمها لإضعافهم اقتصادياً وتجفيف مستنقعات الإجرام .


 


 

              

 

الرئيسية