نحو دراسات مستقبلية إسلامية  بحث في علوم المستقبل
الحلقة الرابعة كتابات - زهير الأسـدي
تحديد الهدف


في الحلقة السابقة أوضحنا العناصر الرئيسية التي تستند عليها النظرية الإسلامية في الدراسات المستقبلية , واشرنا إلى أن هناك مسارين للمستقبل , احدهما يتجه نحو عالم الموجب ( الجنة) والآخر يتجه نحو عالم السالب ( الجحيم) ولكل مسار عاملين في سبيله من البشر , وفي هذه الحلقة نبين أهم مقومات الأمن القومي للمسلمين , وعناصر القوة والضعف التي يجب الالتفات إليها في كل مشروع مستقبلي للأمة.
نحدد أولاً الهدف أو الغاية الكبرى التي يسعى إلى تحقيقها المسلمون, ومن بعد ذلك ندرس السبل التي تسلك بهم إلى تحقيق هدفهم النبيل , ونتطرق إلى العوامل الرئيسية المساعدة والمعوقة المتعلقة بتحقيق ذلك الهدف .
من الحقائق المؤكدة التي يؤمن بها المسلمون أن الله هو الحق المبين والعقل المطلق الذي من فيضه يستحصلون علمهم وسبل هدايتهم إلى الصراط المستقيم , وهم يمارسون ذلك عملياً في صلو تهم اليومية ويطلبون الهداية من رب العالمين ,( أهدنا الصراط المستقيم) هذا الصراط هو المسار المستقبلي القويم- والأكيد- للسعادة والسلام في الدنيا والآخرة , فالهدف والمسار يتم تعيينهما من ها هنا , من مصدر وجودي أصيل , الله الذي( ..أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (50طه).
ولما كان الله خالق لكل شيء , وهو تعالى مجده ( أول وآخر , ظاهر وباطن) فإن كل شيء يبدأ من الله في مقام الأول وينتهي إليه في مقام الآخر ,( اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (11الروم) وما بين الأول والآخر مسار زمني قائم بالله الذي يحرك جميع عناصر النشأة بحوله وقوته, وما بين الأول والآخر تتحرك عناصر النشأة نحو كمالها وفق خطة كونية عامة متحركة بحول الله وقوته لا يسلك الخطأ إليها من سبيل , ذلك لأن مراتب الكمال المطلق يجب أن تشمل جميع المراتب -غير المتناهية- دونما نقص , من اللاشيء إلى كل شيء, ومن اللا كمال إلى كل الكمال , وكل مرتبة من تلك المراتب غير المتناهية إنما مراتب محددة تنجذب نحو المرتبة – القوة- المطلقة بضعف ق الجوهري ما بين الخالق والمخلوق , فهناك طرفان في المعادلة الكونية الكبرى هما , مطلق ومحدود , رب عظيم وعبد فقير , قاهر ومقهور , الخ , العبد, المحدود , المقهور ينجذب بقصوره الذاتي نحو التام الكامل المطلق الذي لا يسلك النقص إليه من سبيل .
هذه الفقرة التي أوضحناها بإيجاز, إنما مقدمة ضرورية لتحديد الهدف الكوني الفطري العظيم الذي تسعى إليه جميع الوحدات الوجودية – بما فيها الإنسان – دونما استثناء , وهو أن جميع تلك الوحدات تتحرك نحو كمالها , فهدف الجميع هو الله تعالى مجده , وهي تسعى عن علم ودراية وبدافع من قصورها الذاتي للوصول إلى هدفها العظيم ( الله جل شأنه) ولعل ذلك السعي الفطري بالقصور الذاتي هو الذي يفسر لنا معنى قوله ( .. كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) 14 النور (..وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً) (44الإسراء) حيث التسبيح حركة انجذاب معنوية للوصول إلى الكامل التام , كما الانجذاب المادي نحو الأكبر والأكثر جاذبية .
لقد اتضح لنا – إلى الآن- أن الهدف الكوني العظيم الذي تتحرك نحوه النشأة بجميع عناصرها دونما استثناء وتسعى إليه بقصورها الذاتي , وهو الله تعالى مجده , واتضح لنا أيضا أن القصور الذاتي الذي تعاني منه عناصر النشأة كلها إنما قوة محركة لمسارات الزمان المتجه نحو المستقبل,نحو الكمال , نحو الله , فكما تنجذب الوحدات المادية الصغيرة بقصورها الذاتي إلى الوحدات الأكبر (مثل انجذاب أجسام الناس وبقية الكائنات إلى الأرض), كذلك تنجذب حقيقتهم الروحية الباطنة ( المعنى) إلى الله في مقام الباطن , وهذا المقام الغيبي – الذي لا يشهده الناس بحواسهم في العادة - هو المحرك الرئيسي الذي يدفعهم نحو جهة الكمال ولولاه لما كانت هناك حركة وما كان هناك زمان , وهذا هو معنى قوله (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) إنه يهديهم إلى الصراط المستقيم , إلى الكمال المحرومين منه , إليه تعالى مجده وهو الكامل المطلق , ولسوف يمنحهم ذلك الكمال حتما عندما يحشرهم إليه ,( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (38 الأنعام)
وبكلمة واحدة نقول : إن الله الكامل التام المطلق الذي تنجذب إليه جميع الموجودات بفطرتها وقصورها الذاتي بما فيها الإنسان, هو الهدف العظيم الذي يجب أن يتعيّن للأمة الإسلامية ويكون ضمن جميع خططها وبرامجها المستقبلية , وأن السلوك إليه من خلال الامتثال لأوامره هو السبيل الأمثل ( الصراط المستقيم ) الذي يسلك بهم إلى السعادة والسلام في الدنيا والآخرة , فطاعة الله والامتثال لأمره يعني بالضرورة الانسجام التام مع جميع عناصر وقوانين الكون المتجه نحو الكمال.

الحركة نحو الهدف
لما كان المسار الموجب المتجه نحو الكمال , في نمو وتطور وتكامل مستمر حتى يبلغ درجته التامة النهائية في عالم الكمال ( جنة عرضها السموات والأرض), فإن من الواجب على الأمة الإسلامية أن تلفت إليه وتجند طاقاتها وخططها المستقبلية في سبيل الاستفادة من الحركة الكونية الكبرى المتجهة نحو الكمال ضمن المسار الموجب وهي بلا شك قوة جبارة مصدرها الحق تعالى مجده ,(.. أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً..) ( البقرة 165)
ولما كان الله أعظم قوة في الكون و هو جل شأنه يدافع عن الذين أمنوا (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا..) (الحج 38) فإن الصلة- الصلاة – الطاعة- العلاقة – معه تعالى مجده تعني التحالف والصداقة مع أعظم قوة في الكون (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل128). وهذا ضمان أكيد للأمة يحصنها ويحمي أمنها القومي من القوى الظلامية الأرضية المستكبرة التي هي لا شيء أمام عظمة الله تعالى مجده ,وأنا هنا لا اعني الجانب العبادي في الصلاة والصوم والحج ,,,الخ. بل العمل بقوانين الله التي أمرهم بالامتثال إليها, نحو عدم الركون إلى الذين ظلموا وإعداد القوة التي أمر الله بها (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (60الأنفال) وتنمية القدرات الاقتصادية من خلال العمل بالنظام الاقتصادي الإسلامي , ونشر الثقافة الإسلامية في التربية والتعليم ونحو ذلك ..
فكما الدول الصغيرة والضعيفة تحاول أن تعقد تحالفات وصداقات إستراتيجية مع الدول الأكبر والأقوى لتضمن مصالحها وتحفظ كيانها من الأخطار المحتملة والطارئة, كذلك الأمة الإسلامية يجب أن تعقد حلف استراتيجي مع الله العظيم وتحاول أن تربط جميع خططها وبرامجها المستقبلية بالله تعالى مجده , ومنه تستمد مقومات حفظ كيانها واستمرار تطورها , كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , فالأنبياء عليهم السلام عقول أممهم ومخططي إستراتيجيتهم ليس لعقداً أو عقدين بل لقرون قادمة حتى يبعث الله نبي جديد يأتيهم بخطة تواكب التطورات الحاصلة في النشأة وتدفع بالأمة نحو مزيد من الكمال.
ولما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مبعوث للناس أجمعين , وهو آخر الأنباء ولا نبي من بعده , فإن القرآن الكريم وإرث النبي من أهم الخطط الإستراتيجية المستقبلية لهذه الامة , وهي السبيل الوحيد والأكيد لنموها وتطورها وسعادتها في الدنيا والآخرة وبقاء كيانها مصاناً من كل ما تكره ,لأنها خطط قائمة على قوانين كونية عامة لا يسلك الخطأ إليها من سبيل انزلها الخالق العظيم ونطق بها الصادق الأمين لبات عصرنا الحاضر وتتطلع للمستقبل لتحقيق أهداف كبرى .
وإن تحاول- الأمة- قدر المستطاع أن تتجنب الاصطدام بتلك القوة الكبرى ( قوة الخالق العظيم), من خلال المعصية أو الركون إلى القوى السالبة المقابلة لها التي تتجه نحو التسافل الذي تظهر آثاره ومراتبه في الدنيا ونهايته التامة في عالم الجحيم .
انصح أخواني المؤمنين الذين يريدون تحرير العراق من الأحتلال البغيض أن يتبنوا تلك الإستراتيجية المنزلة من السماء الموثقة في القرآن الكريم وأحاديث الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلم , وأن يربطوا جميع خططهم وقراراتهم وبرامجهم السياسية والاقتصادية والثقافية ..الخ ,, بقوة الله العظمى و إياهم ثم إياهم أن يركنوا إلى أعداء الله او يتصورا ولو للحظة أن فيهم خيراً لأن ذلك خطأ استراتيجي كبير قد حرمه الله لضرره البالغ عليهم (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ) (هود113) إن الركون المشار إليه في الآية المباركة يعني الخروج عن عالم الموجب ( ولاية الله القوي ) والدخول في عالم السالب (ولاية الطاغوت اللعين).
مظاهر الحركة الموجبة والسالبة
لما كان الله ( أول وآخر, وظاهر وباطن) وهو تعالى مجده تام كامل مطلق , فإن مراتب الكمال الظاهرة في النشأة تمتد ما بين الأول والآخر ,أي ما بين اللاشيء وكل شيء , واللا كمال إلى كل الكمال.
أما الحركة الموجبة فتتجه نحو مزيد من الكمال , نحو الله في مقام الآخر حتى تصل في النهاية إليه حيث كل الكمال , كل شيء, كل المحبة , كل الجمال ,كل الخير, كل السلام, كل السعادة, كل العدالة , كل الموجب ,كل اللذة... الخ, وهو العالم الذي تتجلى فيه أسماء وصفات وأفعال الله الجمالية .
وأما الحركة السالبة فتتجه نحو مقام الأول , اللا شيء , اللا كمال , اللا محبة, , اللا جمال, اللا خير , اللا عدالة , اللا سلام , اللا سعادة ..الخ, وهو العالم السالب الذي تتجلى فيه أسماء وصفات وأفعال الله القاهرية والجلالية .
المستحصل إن هذا العالم الذي نحياه لم يكتمل بعد , ولكنه حتماً سوف يكتمل و يبلغ مرتبة 100% في الموجب أو السالب فتكون الآخرة عندئذ قد ظهرت , فالآخرة قائمة على هذا العالم , ومن عناصر هذا العالم يخلق الله الآخرة , أي أن عناصر هذا العالم الموجبة والسالبة مراتب ناقصة تستحصل كمالها بالحركة نحو الكمال حينما تتم وتبلغ نهايتها القصوى تكون هي الآخرة , فالإنسان مثلاً الذي كان عناصر هذه الحياة الدنيا ,هو ذاته سوف يحشر في الآخرة , وكما الإنسان كذلك بقية عناصر عالم الحياة الدنيا تحشر جميعها في عالم الآخرة.
وبناء على ما تقدم فإن أعمال الناس وانجازاتهم اليوم سواء كانت فردية أو جماعية -التي هي ضمن هذا الكون - إنما هي ضمن احد العالمين المذكورين ( الموجب - السالب) فمثلاً إعمال: المحبة , الخير , العدالة, السلام, مظاهر الجمال,السعادة , إنما مظاهر لمسارات موجبة متجهة نحو مزيد من الموجب من خلال تكرارها وتراكمها شيئاً فشيئاً حتى تبلغ الدرجة النهائية, وبما أنها موجبة فإنها بلا شك واقعة ضمن عالم الموجب الذي تحدثنا عنه, وحينما تتراكم وحدات عالم الموجب بفعل الحركة المتجهة نحو الموجب التام الكامل المطلق وتبلغ نهايتها وتكون في مرتبة 100% يكون عالم الجنة قد ظهر , وهو العالم الموجب التام 100% الذي ليس فيه ذرة ألم أو شقاء أو قبح أ وحرمان ,( ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) (35ق)
والعكس صحيح فيما يخص عالم السالب , فمثلاً أعمال الحقد , الشر الذي هو سلب الخير, والظلم الذي هو سلب العدل , والقبح الذي هو سلب الجمال , الحرب التي هي سلب السلام , الألم الذي هو سلب السعادة, إنما مظاهر لمسارات سلبية متجه نحو مزيد من السالب من خلال تكرارها وتراكمها , وبما أنها سالبة فإنها بالتأكيد واقعة ضمن عالم السالب , حينما تتراكم شيئاً فشيئاً وتبلغ نهايتها وتكون في مرتبة 100% يكون عالم الجحيم قد ظهر , وهو العالم السالب التام 100% ليس فيه ذرة رحمة أو لذة أو سعادة, (خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ) (البقرة162)
تحديد جهة التهديد ( العدو)
يعتبر تشخيص جهات التهديد وتحديد العدو من أهم المسائل في الدراسات المستقبلية الداخلة ضمن الأمن القومي للأمة , الذي يضمن الاستقرار وأمن وحياة الرعية . ولما كان قانون الزوجية عام شامل لجميع مظاهر الكون الظاهرة والباطنة على السواء منها ( عالم الغيب والشهادة, الزمان والمكان, الذكر والأنثى , السالب والموجب , الحق والباطل, الخير والشر, النور والظلمات, الحسنات والسيئات , الجنة و النار..الخ ) فإنه بمجرد أن يكون العنصر الكوني في أحد قطبي الزوجية يكون له بالضرورة ما يقابله في الجهة المقابلة, ومن المحال أن يكون هناك قطباً مفرداً في الوجود لوحده, لأن في ذلك نهايته.
وبهذه المناسبة أقول : ليس صحيحا ما يشاع عن النظام العالمي الجديد أنه أحادي القطب , بل هذه مجرد إشاعة أطلقوها لتكريس حالة تفتت الاتحاد السوفيتي وللتعبير عن انتصارهم عليه, بل العالم قائم على قانون الزوجية العام المنتزع من هوية الله تعالى مجده (الأول والآخر , الظاهر والباطن) وبمجرد أن يكون هناك ظلام لا بد من وجود نور وبمجرد أن يكون هناك شر لا بد ان يكون هناك خير ,بمجرد أن يكون هناك ذكر لا بد أن تكون معه أنثى ,بمجرد أن يكون هناك موجب لا بد ان يكون معه سالب , وهذا النظام عام شامل لجميع عناصر الكون من الذرة إلى المجرة وإلى الكون العظيم . و الله جل شأنه قد فطر الكون على الميزان (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) (7الرحمن) أي جعل الميزان في صميم فطرتها.
  وعلى ضوء ما سبق فإنه بمجرد أن تكون هناك أمة مؤمنة لا بد ان تقابلها أمة كافرة مستكبرة , هي جهة التهديد المحتمل إن لم يكن على المستوى العسكري فهو على المستوى العقائدي والثقافي , كلاهما ضروري للآخر في صناعة الأحداث في الأرض في سبيل كمال النشأة نحو عالمي الجنة والنار , وبمجرد أن تكون على حق لا بد ان يكون هناك من هو على باطل وكلاكما ضروري للآخر ,كما السالب والموجب في الذرة وكما الذكر والأنثى من وجودهما تندفع الكائنات الحية للظهور , كذلك الإيمان والكفر كلاهما ضروري للآخر , لا يمكن أن تحيا أمة بمفردها دونما قطب مقابل ,( عدو) . و على حسب هذا القانون العام لم يترك الله تعالى مجده آدم عليه السلام وحواء اللذان كانا يمثلان الخير المنبثق عن الأصل الوجودي ( الله محض خير) لوحدهما في الجنة, بل جعل معهما عداً لهما وهو إبليس اللعين , ولولا إبليس اللعين لما كانت هناك أحداث تاريخية في الأرض بل لكانت جنة يدخلها الناس بالولادة وبلا إي تعب أو عناء او جهد وبلا مراتب متمايزة بين اهلها, وهي قطب خير محض بلا شر ولا سالب وهذا لا يمكن أن يكون طالما من ضمن هوية الله الوجودية ( المنتقم الجبار والمعاقب , الغاضب شديد العقاب ,ونحو ذلك ) ولما كان الكون مظهر لله في جميع المقامات فأنه من الضروري أن يظهر الشر في الأرض كي يعاقبه الله ويعذبه وينتقم منه , وأن النار التي هي من عناصر الكون الرئيسية لا بد أن تستوجب من يدخلها ويتعذب فيها , ولهذا كان لا بد من وجود إبليس اللعين مع آدم وحواء لتبدأ حركة التاريخ من عنصرين متقابلين هما( الخير والشر ) تماما كما تبدأ الولادات من توفر عنصرين أثنين هما الذكر والأنثى وإن غياب احدهما يعني نهاية الكائن وعدم استمراره , فلكي يبدأ التاريخ وتستمر أحداثه جعل الله إبليس اللعين الذي يمثل جانب الشر مع آدم عليه السلام وحواء اللذان كانا يمثلان جانب الخير المنبثق عن الخير المطلق ( الله تعالى مجده) .
القطب السالب هو العدو
 على ضوء ما سبق أقول : إن الخير والشر والحق والباطل والإيمان والكفر .. ألخ عناصر ضرورية في استمرار حركة كمال النشأة , وإن الأمة الإسلامية إذا ما كانت مؤمنة وتسير ضمن خط الإيمان الذي رسمته لها شريعة السماء, فإنها شاءت أم أبت لا بد أن يكون لها عدو كافر شرير , ولو لم يكن ذلك العدو موجوداً ( وهو محال) لأوجده الله لها لكي تستمر في النمو والتكامل إلى ما شاء الله .
واعلموا أن الزرقاوي بتلك الصورة  الشريرة المضخمة التي رسمتها لنا وسئل الإعلام ومن قبله صدام وبن لادن من العناصر الضرورية جداً لأمريكا ولو لم يكن موجودا ًلأوجدوه عنوة وبأي صورة , والسبب في ذلك أنهم أمة لفيف من مجموعة أمم ومن ثقافات وأعراق وقوميات مختلفة مجموعة من شتى بلاد العالم وبلا عقيدة موحدة تجمعهم يتعصب لها الأمريكيون , ولهذا كان عليهم أن يظهروا أنهم أخيار من خلال العدو الشرير وكلما كان عدوهم أكثر شراً كلما كان ذلك يعني أنهم أخيار وهذه من ضمن الميثولوجيا المؤثرة في اللاشعور الجمعي للأمريكيين, وكما قال الإمام علي عليه السلام إذا أردت أن تعرف امرئ فانظر من يعاديه , وهم على نفس هذا المبدأ يحالون أن يخلقوا لهم عدواًً وهمياً يتصف بكل الصفات التي يكرونها لكي يظهروا بأنهم يحاربوه إذاً هم أخيار . ومن خلال الخطاب الرسمي للرئيس بوش نرى أنه دائما يستخدم مصطلح محور الشر , الإرهاب , ليكرس صورة مفترضة لكنها ضرورية لسياستهم القائمة على الإرهاب والظلم والاستكبار والغطرسة والحروب الأستباقية .
وعلى ضوء ما سبق أقول: لا بد للأمة الإسلامية وللمسلمين أن يشخصوا عدوهم الحقيقي وبلا أوهام أو مبالغة لأن ذلك من الضروريات الهامة جداً لبلوغ مراتب كمال متقدمة ,بل على حسب حقيقة عدوهم تكون حقيقتهم الإيمانية وانتماءهم, وتحفيزهم نحو مزيد من الإبداع والكمال. وعليهم دائما أن يضعوا أعداء الله ورسوله من المفسدين والكفرة والمستكبرين والظالمين في خانة أعداءهم الحقيقيين وضمن عناصر التهديد المؤكدة والمحتملة ولا يحسنوا الظن بهم أبداً ( هذا لا يعني شن الحرب والمخاصمة ) بل هو ضروري لجعل المسلمين دائما في الجانب الموجب ( المؤمن الخيّر) المقابل لهؤلاء المفسدين, فكما يعاملهم الحق تعالى مجده كذلك يجب ان يعاملهم المسلمون وهو أمر من الله (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً )(101النساء) . وكما يأمر الله أن نتخذ الشيطان عدو (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً..) (6فاطر ) كذلك الحال مع شياطين الإنس الكفرة يأمرنا الله أن نتخذهم عدو عقائدي ( ثقافي)وليس بالضرورة عدو عسكري.
 أما الآن وقد احتلت أمريكا العراق (المسلم) بحجة امتلاك أسلحة الدمار الشامل التي أسقطوها وفنّدوها في تقرير رسمي مفصّل, فإن العدو الحقيقي الآن وعلى أرض العراق هم الأمريكان وأعوانهم وهذه حقيقة لا ينكرها إلا من سفه نفسه أو فاسق بلا عقل يتحرك في عالم السالب كما الأمريكان نحو مصير الظالمين في جهنم وبئس المصير.
ولما كان تعيين جهات التهديد من أهم الركائز الأساسية التي تستند عليها الدراسات المستقبلية والإستراتيجية , فإن الخطوة الأولى لوضع خطة لمستقبل العراق والخروج به قويا موحداً حراً عزيزاً هو الإقرار بأن أمريكا هي العدو وبناء الدراسة على هذا الأساس , وهذا من البديهيات الأكاديمية في أي دراسة في هذا المجال.
وإن أي فكرة أو خطوة لاعتبار أمريكا غير ذلك أو محررة للعراقيين يمكن ألاستفادة منها لأجل العراق يعتبر من الأخطاء الكبيرة , ليس في الجانب الشرعي فحسب, بل في المجال العلمي الإستراتيجي , لأن أمريكا ليست الرب الرحيم القادر على كل شيء لكي يضمنوا نجاح مراهناتهم وارتباط مصيرهم بها ,بل الله أولى أن يتوكلوا عليه في أمنهم واستقرارهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة ويطلبوا منه الأمن والاستقراء, لان جميع مسارات الزمان وأحداثه بيده تعالى مجده وليس بيد أمريكا, بل هي عدوة لله وتمثل الجانب الشرير في الأرض ( الطاغوت) فلا أعتقد أن المؤمن التقي او صاحب فطرة سليمة يرضى أن يخرجنفسه عن ولاية الله والتوكل عليه ويتوجه نحو ذلك الطاغوت و يضع نفسه معه في المسار السالب ( مسار الظالمين) المتجه حتما نحو عالم السالب المتسافل ( جهنم وبئس المصير) بل هو يعلم أن مجرد حسن الظن والتوكل على الظالمين يعني عملياً أنهم يكذب الله وآيات القرآن الكريم ويصدق أكاذيب أعداه ويتخذوهم أوليا لهم من دون الله وهذا ما لا يكون ابداً.
ــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة : اشكر الأخوة القراء الذين كتبوا لي رسائل التقدير حول هذا البحث , وأخوّل الأخوة المؤمنين الذين طالبوا الأستفادة منه بشرط الحفاظ على مقوماته الاساسية كما هي والسياق العلمي للبحث .
أما السيد سلوان هاشم , الذي يصف نفسه أنه لم يسمح بهذا العلم إلا من خلال ابحاثي , وكتب مقالاُ عني في كتابات ينتقد انني اقتبست سطرين - اشار إليهما - من بحث آخر ,, فاقول : يحق للباحث أن يقتبس ما يشاء من بحوث الآخرين وقد تصل إلى فقرات او صفحات كاملة أو حتى فصلاً كاملاً, وأحياناً ينقل معنى الفكرة دون التقيد بحرفية النص مع الإشارة إلى ذلك بكلمة ( انظر .. المصدر ورقم الصفحة) وان تلك الافتباسات كانت عندي منذ فترة ومن ضمن الارشيف الذي اجمع فيه بحوث الآخرين التي اطلع عليها , ولا أجد ضير في ذلك , بل البحث العلمي وحتى رسالات الماجستير والدكتوراه تقوم على الأستفادة من بحوث الآخرين . . أما عن الجدول الحسابي الذي قال أنه كان يشبه جدول دراسة مقدمة عن الأمن القومي المصري , فاقول: أولاً أنا زرت الصفحة على الرابط الذي وضعه في الصفحة فلم اجد ما شار إليه , وحتى لو كان كلامه صحيح فما المانع أن يستخدم الباحث جدول حسابي كمثال لدرسة مستقبل المقاومة العراقية, قد ستخدمه زميل في ابحاث اخرى , فهل نعيب على الفيزيائي استخدامه جدول الضرب مثلاً أو معادلة في النسبية في مسألة ما لأن زميله قد استخدمها من قبله في عملية حسابية أو بحث علمي آخر؟
 اتمنى أن ترقى مقالات النقد إلى مستوى النقاش العلمي الذي يثمر عن فائدة و لا تنحدر إلى هذا المستوى (...),و لن أنقاش شخصا يجهل هذا العلم ( حسب قوله ) ويريد ان ينتقد لمجرد النقد , كنت أتمنى أن تناقشني بامور علمية تخص البحث وخطواته ولكنك لم تفعل ولن تفعل ,لانك كما قلت في بداية مقالك تجهل هذا العلم بل لم تسمع به من قبل .  أنتهت الملاحظة : أرجو ممن طالب الأستفادة من البحث أن يحذف هذه الملاحظة منه وكأنها لم تكن .

الرئيسية  | مركز الصدرين للفكر الإستراتيجي |  العودة للصفحة السابقة