نحو دراسات مستقبلية إسلامية
بحث في علوم المستقبل
الحلقة السابعة
كتابات - زهير الأسـدي *
 الهزيمة المحتومة للاستكبار


 (وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (47)) إبراهيم
أرى أن هذه من الآيات الصريحة والمهمة جداً التي تشير إلى أحداث آخر الزمان , وتكمن أهميتها في انها تتضمن بشرى للمسلمين بهلاك عدوهم بنزول العذاب وانتقام الله عليهم , كما انها تتضمن إنذاراً عاماً موجهاً للناس أجمعين بعذاب واقع وليس لفئة دون اخرى, حيث قال (وَأَنذِرْ النَّاسَ) ولم يقل أنذر الكافرين , وكلنا نعلم أن الخطاب القرآني الذي يخص المسلمين دون سواهم يكون بصيغة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) والخطاب الموجه لليهود والنصارى بالذات يكون بصيغة (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ) والخطاب الموجه للكافرين والمشركين دون غيرهم يكون بصيغة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا ..) أو (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) ونحو ذلك, أما في الآيات التي نحن بصددها فالخطاب موجه للناس اجمعين بغض النظر عن معتقداتهم وهو ذات الخطاب الذي يشير إليه قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2))الحج
 مما يعني ان خطاب الإنذار شامل لعموم الناس المؤمنين والكافرين على السواء يتعلق بحدث تكويني عام وشامل يسبب لهم ذلك العذاب المشار إليه في الآيات أعلاه, ولما كان الإنذار متوجه لعموم الناس ولم يختص بالكافرين وحدهم , فإنه بالتأكيد يعني عذاب زلزلة الساعة وليس عذاب الآخرة بدليل قوله على لسان الظالمين(..رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ.) إنهم يطلبون تأخيرهم إلى اجل قريب ليستدركوا كفرهم بالتوبة وإتباع الرسل, مما يعني أنهم مازالوا في الحياة الدنيا , ولو كان العذاب المشار إليه عذاب الآخرة لقالوا ( ربنا أخرجنا منها ) فطلبهم للتأخير يؤكد لنا أنه عذاب يحصل في الحياة الدنيا وليس في الآخرة, ينبغي على المسلمين أن يتفكروا بهذه الآيات وغيرها التي تشير إلى عذاب زلزلة الساعة ويبرمجوا خطواتهم المستقبلية على ضوء ما جاء في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة لكي لا يتفاجأوا بالواقعة وهم في غفلة منها ,او على الأقل لتنسجم خطواتهم المستقبلية مع إرادة الله تعالى مجده وأهدافه.
وهناك شيء آخر مهم وهو ان الإنذار متوجه لجميع الناس ولكن البأس ( العذاب) يصيب الظالمين دون غيرهم بدليل قوله (فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (47) فالانتقام المشار إليه في الآية المباركة هو الذي يفسر لنا الكثير من فقراتها, حيث لا يعقل أن الله ينتقم من الناس اجمعين المؤمنين والكافرين على السواء , بل انتقام الله وباسه الشديد لا ينزل إلا على الظالمين ( الكافرين) ,وانه وعد رسله عليهم الصلاة والسلام أن ينتقم من الظالمين(الكافرين) أعداءه وأعداء رسله والمؤمنين.. وأن يرحم المؤمنين في الدنيا ويدخلهم جنة عرضها السموات والأرض في الآخرة, مما يعني ان البعض من الناس (المؤمنين) سوف يستمعون لهذا الإنذار ويجيبون دعوة الله ويتبعون دعوة الله بالإيمان والتوبة والطاعة فينجون من العذاب المشار إليه, ونجاتهم إنما تكون في الموت قبل زلزلة الساعة التي فيها عذاب أليم , وقد أوضحنا ذلك بكثير من التفصيل في كتابنا أحداث آخر الزمان في معرض حديثنا عن قوله تعالى:(إِنَّهَا لإٍحْدَى الْكُبَرِ (35) نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) المدثر) و يمكن أن نقول هنا باختصار شديد:
 إن ( احدى الكبر)هي إحدى اكبر أحداث الزمان وهي زلزلة الساعة بلا شك ولا يوجد أكبر منها إلا القيامة, و( نَذِيراً لِلْبَشَرِ) هو نفس الإنذار الذي نتحدث عنه في الآيات التي نحن بصددها (وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ) حيث الإنذار عام وشامل لجميع البشر انه سوف تأتي اكبر آيات الله ( زلزلة الساعة) التي تقضي على جميع مظاهر الحياة في الأرض , ثم أشارت الآيات إلى أن هذا الإنذار يضع الناس أمام واقعة محتومة وتخيرهم أن يتقدموا للموت بعزة وكرامة وهم على الإيمان وذلك من خلال الجهاد في سبيل الله ,أو يتأخروا بالعصيان والخذلان حتى يحين موعد زلزلة الساعة الذي لا مفر منه, فقوله (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) إنما عرض تخيير واضح وصريح , من شاء أن يتقدم للموت قبل عذاب زلزلة الساعة التي هي إحدى آيات الله الكبر , أو يتأخر حتى يأتي ذلك الحين وينزل عليه العذاب الشديد الموصوف بدقة في آيات القرآن الكريم نحو قوله ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2))الحج
ولما كانت زلزلة الساعة أكبر حادثة كونية تقضي على جميع مظاهر الحياة في الأرض , وهي بلا شك عذاب عظيم بتصريح القرآن الكريم, فإنه لا ينجو من ذلك العذاب إلا الذي يموت قبل الموعد المقرر لها . و إن تلك الآيات التي تخبر الناس عن عذاب زلزلة الساعة و تنذرهم , و تخيرهم ان يتقدموا للموت أو يتأخروا حتى يأتي العذاب الموعود , لا يمكن أن تتحقق في أرض الواقع قبل ظهور المهدي عليه الصلاة والسلام الذي صممته عناية السماء لهداية الناس وبسط العدالة على الأرض, لأن عدالة الله تأبى ذلك والدليل على ما نقول قوله تعالى مجده : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) , وهذا يشمل كل عذاب قد يغفل الناس عنه سواء كان في الدنيا أو في الآخرة , وعلى هذا فالله يظهر للناس المهدي عليه السلام أولاً وقبل موعد العذاب ,وهو الذي يجعلهم يتقدمون للموت تحت رايته ويموتون شهداء في سبيل الله قبل ذلك العذاب , ومن يتخلف عنه ويعصيه يتأخر حتى ينزل ذلك العذاب الموعود .
 وبعد أن تطهر الأرض من الظالمين , تبدأ مرحلة العدالة الشاملة على كوكب الأرض وهي مرحلة الرجعة التي يشير إليها القرآن الكريم في آيات كثيرة .
بالإضافة إلى ما تقدم أقول : إن أكبر دليل يمكن أن نقدمه لإثبات أن الآيات- التي نحن بصددها- تتحدث عن أحداث آخر الزمان هو قوله : (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)إبراهيم
فقط تأمل بهدوء ما هذا المكر الذي يمكره الظالمون بحيث تزول منه الجبال ؟ تدرك على الفور أنه يتحدث عن الأسلحة الفتاكة الحديثة مثل القنابل النووية والهيدروجينية ونحو ذلك التي من الممكن أن تزول منها الجبال إذا ما انفجرت , أما السيف والبندقة والمدفع وأي مكر آخر فلا يفعل ذلك .
 ولما كانت تلك الأسلحة ( المكر) الذي تتحدث عنه الآية قد صنعها الإنسان في زماننا الحاضر , فإنها بالتأكيد تشير إلى هذا الزمان والزمان القادم وحتى موعد نزول العذاب الموعود الذي سجلته تلك الآيات المباركة .
ولما كانت الآية تتحدث بوضوح أن العذاب المشار إليه سوف يصيب الظالمين أصحاب المكر الذي تزول منه الجبال , فإنها بالتأكيد تشمل مالكي ذلك المكر , أي مالكي الأسلحة الفتاكة التي تزول منها الجبال , وعلى رأسهم اليوم أمريكا والكيان الصهيوني وبعض الدول الأخرى التي تمارس الظلم في الأرض , فعلى الرغم من القوة المادية لهؤلاء الظالمين فإن بأس لله وانتقامه الذي سجله في كتابه الكريم سوف يحول دون تحقيق مآربهم بل سوف يهزمون شر هزيمة أمام بأس الله ويصيرون يتوسلون بمذلة (..رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ ..) فيأتيهم الجواب عملياً (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ (45)
الآيات هنا تشير إلى احتلال واضح وصريح , أن هناك فئة من الناس يتركون مساكنهم وتأتي أخرى تسكن فيها بطريقة غير شرعية ( غصب- احتلال), وتلك الفئة التي تركت مساكنها إنما بأمر وانتقام من الله ليكونوا عبرة (مثالاً) للناس لعلهم يتقون ,وهذا واضح من قوله (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ).
من خلال الآية نفهم أن الله سوف ينتقم من أصحاب المكر الذي تزول منه الجبال والذين يسكنون في مساكن (أراضي- بلدان ) الآخرين بطريقة غير شرعية( احتلال) .
 والسؤال هو من هؤلاء ؟
هنا يمكن أن نطرح احتمالات نجد الجواب في إحداها .
1- ان أمريكا قد احتلت العراق بقوة عسكرية , هم وأعوانهم المنافقون قد سكنوا في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ( صدام وحكومته وأجهزته القمعية) في المنطقة الخضراء وبقية مناطق العراق واتخذوها مقراً لهم وللحكومة العميلة, وهم بهذا داخلون في مصداق الآية الشريفة على اعتبار أن أمريكا تملك المكر الذي تزول منه الجبال , وهي الأسلحة الفتاكة النووية وغيرها , وهم يظنون أنهم ما لهم من زوال.
2- ومن المحتمل أنه يشير إلى الكيان الصهيوني الذي سوف ينزل عليه عذاب الله عند تحرير المسجد الأقصى وفلسطين , المشار إليه في سورة الإسراء ( راجع الحلقة السادسة من هذا البحث) على اعتبارهم موعودين ببأس الله , ويشاع عنهم انهم يملكون أسلحة نووية تزول منها الجبال ,وإنهم يتبجحون أنهم ما لهم من زوال من هذه الأرض التي اغتصبوها في فلسطين.
3- من المحتمل أنه يشير إلى كلاهما أمريكا والكيان الصهيوني في آن ,على اعتبار أنهم يملكون أسلحة تزول منها الجبال ويحتلون بلدان الآخرين ويظنون أنهم ما لهم من زوال .
4- لا استطيع أن أقول من المحتمل أنه يشير إلى جهة اخرى غير أمريكا والكيان الصهيوني ممن يملكون المكر الذي تزول منه الجبال و يحتلون بلدان الآخرين ويحسبون أن ما لهم من زوال , فليس من المعقول أن يترك -او يتجاهل - الله هؤلاء المفسدين ويشير إلى غيرهم ممن أذاهم وفسادهم لا يقارن بهم , وهو القائل (..َما فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ..) الأنعام 38 ,, نعم قد تشمل الآيات -التي نحن بصددها- كل الظالمين والذين يملكون المكر الذي تزول منه الجبال ويحسبون أنهم مالهم من زوال , ولكنها لا تستثني أمريكا والكيان الصهيوني أبداً.
هزيمة أعداء الإسلام
من خلال الآيات السابقة وما تتضمنه من معلومات مستقبلية مؤكدة ودقيقة يمكننا القول: اننا في المستقبل القريب أو البعيد سوف نشهد هزيمة أعداء الله ورسوله شر هزيمة وسينزل عليهم انتقام وعذاب الله الذي يستأصلهم من الأرض تحقيقاً لوعد الله الذي وعده رسله ووعده لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال تعقيباً على ذلك العذاب الذي أمر النبي أن ينذر الناس به (وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ.. ) إلى أن قال (فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (47))( إبراهيم) مما يعني أن ذلك العذاب الذي سوف ينزل على المستحقين إنما تحقيقاً لوعد الله للانتقام من الظالمين الذين يحادون الله ورسوله, ليس في زمن الرسالة فحسب بل في كل زمان يوجد فيه أتباع للرسول يحملون أفكاره ومبادئه , بل ان الله قد أجل عذاب الانتقام من أعداء الرسول إلى ما بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم وهذه الحقيقة يؤكدها القرآن الكريم في آيات كثيرة منها :
(وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (46)يونس)
 (وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ) الرعد 40
(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) غافر 77
 (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) الزخرف 41-42
هذه الآيات – وغيرها كثير- تشير بوضوح إلى وعد الله الذي وعده لرسوله الأمين صلى الله عليه وآله وسلم بنزول العذاب على الكافرين الظالمين وزمان تحقق ذلك الوعد يكون من بعد أن يتوفاه الله وهو المشار إليه بقوله (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) و (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) , ونلفت الانتباه هنا إلى أن رسول الله مبعوث للناس أجمعين, (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء107) وأن جميع من في الأرض منذ البعثة النبوية الشريفة وإلى زلزلة الساعة هم أمة رسول الله ينبغي عليهم الإيمان به وبرسالته الخالدة الشاملة التي تتضمن أرقى دستور للحياة منذ البعثة وحتى قيام الساعة التي تمتد إليها رسالة خاتم الأنبياء وأشرف المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولكن أكثر الناس لا يعلمون (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) سبأ 28
فانتقام الله الذي يشير إليه في الآيات التي نحن بصددها(فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) إنما تحقيقاً للوعد الذي وعده الله للنبي صلى الله عليه وآله وسلم , (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ)
ونستفيد من الآيات السابقة- إلى الآن- هو إن أعداء الله و رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينحصرون في زمان الرسالة فحسب , بل يشمل كل زمان ومكان فيه أعداء للمسلمين أتباع النبي الأمين وحاملي القرآن الكريم ومبادئ الشريعة السمحاء , فأعداء المسلمين اليوم أو في المستقبل هم بالضرورة أعداء الله وأعداء رسوله الأمين, مما يعني ان الذين يعادون المسلمين الآن وفي آخر الزمان إنما يعادون الله ورسوله, و أن ذلك العذاب الذي سوف ينزل في المستقبل على الظالمين إنما انتقام الله الذي سجله في آيات كثيرة وأمر النبي أن يبلغ الناس وينذرهم وتحذرهم منه , فالمسلمون المبلغون اليوم إنما هم امتداد للنبوة يبلغون الناس بالنيابة عن النبي ما أمر الله به النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وهم اليوم وفي المستقبل يبلغون هذه الآيات التي أمر الله رسوله أن يبلغها الناس قبل موعد نزول العذاب:
(وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (47)) إبراهيم
فهذه الآيات التي يبلغها المسلمون للناس ويوضحونها إليهم بطريقة مفهومة وينذرونهم من سوء عاقبة معاداتهم لله ورسوله وللمسلمين سواء اليوم او في زمان ظهور المهدي عليه السلام , إنما هي حجة على الأعداء تساهم في نزول بأس الله عليهم , فالله يقول ((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) والرسول لا يعني بالضرورة نبي , فأنت حينما ترسل شخصاً ما في مهمة معينة يكون هو رسولك إلى تلك الجهة, وكل مسلم يبلغ آيات الله للناس إنما هو امتداد للنبوة وكأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي قد بلغهم ( وهذا هو عمل المسلمين) , فإذا أراد المسلمون اليوم أن يستنزلوا بأس الله على أعداءهم ,عليهم أن يبلغوهم آيات الله لتكون عليهم حجة وسبباً طبيعياً لتحقيق وعد الله الذي وعده في تلك الآيات المباركة .
استنزال النصر الإلهي
وفي هذه المناسبة أنا أدعو أخواني المسلمين أن يستحدثوا فريق عمل يجاهد في سبيل الله عن طريق التبليغ ليكون حجة على الأعداء وسلاحاً حقيقياً يستنزل بأس الله على المستحقين الذين يعادون الإسلام والمسلمين ويحتلون بلدانهم بلا وجه حق , وارى أن التبليغ وإلقاء الحجة على الأعداء لا يقل شأناً عن إعداد القوة (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ...) (الانفال 60) بل أن السلاح الغيبي أهم وأنجع عند المؤمنين من السلاح المادي وهذا هو الفرق الجوهري ما بين المؤمنين والكافرين الذين لا يؤمنون إلا بالمادة ومتعلقاتها , فالقرآن الكريم يخبرنا بكل صراحة ووضوح عن الأسلحة الغيبية التي منها:
1-سلاح الصبر
(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (249)
(إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) (65الأنفال)
(بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (126آل عمران)
وكأن المؤمن الصابر المتقي يعقد حلفاً استراتيجياً مع الله الذي يمده بالقوة والسلاح الغيبي والجنود ( الملائكة)
(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64)
إن هذه الآيات – وغيرها كثير- إنما قوانين فاعلة في النشأة تعمل في كل زمان ومكان عند تحقق شروطها, كما في قانون الجاذبية والنمو والتكامل ونحو ذلك , يجب على المسلمين أن يدرسوها دراسة علمية واعية في سبيل استحصال المزيد من الكمال واستنزال نصر الله إليهم. وارى أن هذه من مهمات سالكي طريق إلى الله (العرفان) وهي من ضمن مسؤولياتهم وواجباتهم , فكما الله يحب المجاهدين ويدافع عنهم كذلك المؤمنين المتخلقين بأخلاقه ينبغي عليهم أن يفعلوا أفعاله وأن يحبونهم كما يحبهم الله ويمدونهم بما لديهم من علم وإمكانيات كما يفعل الله تعالى مجده معهم.
وعلى هذا فإن الأمن القومي للمسلمين يكون على حسب العلاقة مع الله بالعبادة والطاعة, وهذا ما يؤكده قوله تعالى مجده :
 (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) الأنعام
وكذلك الأمن الشخصي للمؤمن لا يتحقق من خلال الحماية والقوات العسكرية الأجنبية أو المحلية, بل من خلال العلاقة مع الله , وهذا ما يؤكده قوله تعالى مجده :
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) فصلت
(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (64يونس)
فهذه الآيات وغيرها كثير تؤكد بصورة حاسمة أن الأمن والأمان إنما من شأن الله يمنحه لمن يشاء من عباده , وأن العلاقة مع الله في الطاعة والعبادة هي السبيل إليه (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً) (87النساء).
البقية في الحلقة القادمة.
 

الرئيسية  | مركز الصدرين للفكر الإستراتيجي |  العودة للصفحة السابقة