قضية الكيانية الشيعية العراقية
 نحو خطة عمل شيعية عراقية
الجزء الرابع
 ثقافة الكيانيِّة الشيعيِّة
كتابات - شباب آل محمد


مُقدَّمة إستذكارية

نعود للقول أن (الكيانية) الشيعية العراقية هي الحل الناجع لشيعة العراق في مواجهة المحاولات التي تجري بالعلن والخفاء لحذفهم وتهميشهم وتسطيح وجودهم ، هذه المحاولات تجري داخل العراق وخارجه ، بتخطيط دول وأحزاب ومؤسسَّات ، هي الحل الوحيد في مواجهة النخر الداخلي الذي يشقِّق بقسوة الجسم البريئ ، النخر الذي تتحمَّل القيادات الشيعية مسؤوليته الأخلاقية والدينية والتاريخية بالدرجة الاولى ، القيادات الدينية والحزبية والسياسية ، فأكثر هذه القيادات مشغولة في ترتيب أوضاعها ( الأنيوية ) ، ولم تلتفت الى ما يجري على هذا الجسم المسكين من عمليات قهر وتهميش وتسطيح ، ولم تلتفت الى ما يجري داخل هذا لجسم من تشقيق وتخديد وتشويه ، وكأن الله سوف لا يسالها يوم تقوم الساعة الكبرى !
الكيانية الشيعية العراقية نظم عام كما قلنا ، يضم القوى والشخصيات والاحزاب والقواعد الشيعية بشكل عام ، وفق مخطط واضح من الاهداف والمنطلقات والوسائل ، وهي ليست صعبة لو ان هذه الرؤوس تخلَّصت من فكرة وحالة وبلاء ( الانيوية ) ، وسوف تجد نفسها هي بالذات تحت عجلة التخطيط المضاد ، سوف يسحقها هذا التخطيط ، سوف يدمرها ، سوف يذيبها ويحتقرها ، سوف ينهيها ، وهذه الكيانية لها مجموعة قيادات متفاهمة متعاضدة ، قيادة روحية للبركة والتوجيه الا خلاقي والروحي ، وقيادة سياسية للممارسة العمل السياسي ، وقيادة نظمية ، وقيادة اعلامية ، والجميع يعمل في ضوء الخطة المقترحة والنظام المسنون . وقد كتب شباب ال محمّد هذا المشروع وفصَّلوا به ، وكانوا سباقين في تصوير الحاجة ومتطلباتها ، وهاي هي فكرة الكيانية الشيعية تجد لها صدى كبير وعميق في ضمير الغالبية من الشيعة ، ولكن نحتاج الى الارادة التي تحول ما في الضمير الى واقع حي ، واقع ينبض بالحياة والقوة و الحسيَّة .
مشكلة الثقافة

بصرف النظر عن التعريفات الدارجة فيما يخصُ هذا المصطلح ، فان الثقافة بما تعنيه من فكر، وتقاليد ، وعادات ، وأنسقة تفكير تشكل الحقيقة الباطنية للجماعات ، والأحزاب ، والشعوب ، والحركات ، بل هي باطن التاريخ  ، ومن هنا  فإنَّ تشخيص المشاكل وطرح الحلول بالنسبة للمجتمعات ، والطوائف ، والافراد ، والاحزاب إنَّما  تبدأ من تحليل ، وتفكيك ، ونقد الثقافة، فهل نحن مستعدون لنقد ثقافتنا الشيعية بشكل عام والعراقية بشكل خاص ؟
الثقافة الشيعية ثقافة عقيدة بالدرجة الا ولى ، تركِّز على النسق العقدي الخاص بأهلها ، وقد كيَّفتْ المنطق والتاريخ لهذه العقيدة ، متواصلة على هذا الطريق بفعل الايمان بطبيعة الحال ، وقد كان للخوف دوره أيضاً ، كما انَّ الإرهاب ، والإضطهاد كانا من دواعي الإنكباب الثقافي على الأفق العقدي بمساحة إستحواذية  ، وهو موقف صائب بدرجة من الدرجات ، ولكن ليس على مستوى المطلق ، فإن ثقافة العقيدة مطلوبة وهو حق ، بيد أنَّنا  نسينا ثقافة الحقوق !
عاش الشيعة عبر التاريخ نوعين من المأساة بشكل عام ، النوع الاول هو مأساة النفي العقدي ، والثاني هو مأساة الحذف الوجودي ، ونحن نعرف ، والتاريخ يشهد ، بإنْ  ليس هناك إرتباط دائم ومصيري وضروري بين النوعين من المأساة ، فيما حصل العكس بالنسبة لنا نحن الشيعة على يد أخوتنا السنة الكرام ،  فإن الحذف العقدي الذي يرجع الى مئات السنين تحوَّل ا لى حذف وجودي  بامتياز، لقد تحوَّل الجزئي الى كلي ، من العقل الى الوجود ، إنَّ الحذف العقدي كان بداية ، ثم تحوّل إلى حذف وجودي ، لقد صار النفي العقدي سببا في النفي الوجودي ، رغم عدم العلاقة الضرورية بينهما على صعيد المنطق المجرَّد . ولم نلتفت لهذه النقطة المهمة ، وأنصبتْ الجهود على حماية العقيدة ، فهل كان هناك شعور باطني بان حماية العقيدة يعني حماية حملتها من الإبادة والتهميش ؟
على انّ هناك نقطة أُخرى جديرة بالإنتباه ، العقيدة تصمِّم المجتمعات والطوائف والاحزاب من الداخل ، لانّها هي البعد ( الجواني ) من هذه المقتربات ، وكان من المفروض ان يتحوَّل التجريد الالهي في ثقافتنا ( صفات الله عين ذاته ، العدالة ، الامامة ، المهدي ... ) ... أن تتحول الى عينات حقوقية في الخارج ، اي ان تكون عبارة عن حركة مادية على صعيد الحقوق، حقوقنا نحن ، فضلا عن حقوق الإنسان بشكل عام ، ولكنّها للاسف الشديد تخلّفت عن إدا ء هذا الدور على الارض ، وذلك بفهمنا الخاطي لها ... ( لا نملك غير الدعاء ... )  ، كانت مجرد حوار مع العقل ، حوار مع المفاهيم ! فيما تحوَّلت العقيدة ( المتجسِّمة ) لدى اخواننا السنة الى فعل ( تجسيمي ) حقوقي على الارض ، فهم لا يطالبون بحقوقهم بل هم الجديرون بحق الوجود ، والباقي هباء ، بل الباقي عالة على الوجود ، أليس هم الفرقة الناجية والباقي بوار ؟
نعم لقد كانت هناك ثورات شيعية هنا وهناك ، لكنّها ثورات عاطفية في اغلب الاحيان ، ولم تصدر عن ثقافة الحقوق المبرمجة في نسق فكري متغلغل في ضمائرنا ، كانت عاطفة وليست ثورات ، كانت رد فعل على الظلم والطغيان ، وليس ثورات ذات نسقية فكرية تتقوَّم بثقافة الحقوق .
ثقافتهم مِنْ المُجَسَّد النظري الى المُجَسَّد العملي ، ثقافتنا من المجرَّد النظري الى المجرَّد النظري ذاته ، فيما كان بإمكان التجريد النظري الذي يتميَّز به التشيع العقدي ان يتحول الى ثورة مادية على الارض ، ثورة حقوق . تماماً كما كان التوحيد في زمن رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم ، بل كما هو التوحيد في المنظور القرآني الكريم ، فهو الفكرة التجردية التي تحوَّلت الى طاقة حقوقية عارمة على الارض ، وكان ذلك من أهم العوامل التي شيَّدت الحضارة الإسلامية وأمدتّها بالقوة والمنعة والاستمرار .
أن الدفاع عن الحقوق على الارض لا يتم بالدفاع عن العقيدة ، كلاهما له مجاله وطرائقه وأساليبه ، والذي غرقنا به هو الدفاع العقدي ، فما كان من الآخر الاّ انْ يستغل هذا الجدب على صعيد الدفاع الحقوقي ، فغرقنا في مستنقع الفقر والجهل وا لمرض والموت والنسيان والأهمال .

ثقافة الكيانية ... الهوية العامّة

ثقافة الكيانية تتواصل مع الكيان الشيعي ككل ، ككيان يريد تحقيق وجوده الإجتماعي والإقتصادي والحقوقي ، ليست ثقافة للترف الفكري ، ليست ثقافة تشقيق وتفصيل عقائديين ، بل ثقاقة حقوق مهضومة ، على مستوى البيان والمطالبة والتحصيل والتحقيق ، حقوقنا في صنع القرار السياسي ، حقوقنا في الثروة النفطية ، حقوقنا في التعليم والبعثات ، حقوقنا في المجالات الخدمية . ثقافة نظم ينسِّق المسؤولية والحركة بين عناصر الكيانية ، بين المرجعية والاحزاب والجمعيات والشخصيات الشيعية . ثقافة قوّة خيرة ، قوة إقتصادية وإجتماعية وفكرية وسياسية ، قوّة تمارس دورها الفاعل في بناء الوطن ، وتمتين النسيج الإجتماعي . ثقافة تأصيل للذات الشيعية في الحياة ، تأصيلها لمقاومة تذويبها وتضييعها وتشريدها ، تأصيلها في مواجهة تلك المحاولات المشبوهة التي تهدف إلى إخراجها من دائرة العقيدة والتاريخ والوطنية ( خرافة العلقمي ، خرافة ابن سبا ، خرافة المتعة ... ) .  ثقافة مواجهة سياسية عقلانية ، مواجهة التغريب بالمعنى التبعي ، مواجهة الحذف ...
الثقافة العقدية المفصلة ليست من شأن الكيانية الشيعية ، تلك من شأن الجهد الشخصي ، بل إن الإغراق في التفصيل العقيدي قد يلهينا عن مواجهة المصير الكلي ، مصير حياتنا ومستقبلنا كـ ( بشر ) ، وتلك حقيقة يشهد بها التاريخ ، الثقافة العقدية في الكيانية الشيعية لا تعدو الخطوط العريضة ، الخطوط الكليَّة ، التي يتميز بها المذهب الجعفري ، وليس لها شأن في تلكم التفاصيل النظرية . الثقافة التاريخية مهمة على هذا الصعيد ، ولكن بمقدار خدمتها للاهداف العينية ، الاهداف التي تتجسَّد في توكيد الكيان الشيعي كحقيقة بشرية نظمية قوية على كافة الاصعدة ، إنَّ التزوِّد بالحقائق التاريخية التي من شأنها إبراز المظالم التي لحقت بهذا الكيان ، ومن ثم دور الكيان بالذات في خدمة الاسلام والمسلمين ... هذه الثقافة جزء مهم في هيكلية ثقافة الكيانية الشيعية ، على شرط ان تكون في خدمة الاهداف الكبيرة  ... تظهير الدم الشيعي المباح طيلة عقود بل عشرات العقود من السنين ... المجازر الجماعية ...القبور التي تملأ السوح منذ إستشهاد الحسين ولحد هذه اللحظة ... ثقافة مهمة ... ولكن ليس من أجل تربية الضمير الشيعي على لغة الإنتقام ، بل تربية الإرادة الشيعية على ضرورة ان يكون الحق موضوعها الاصلي . الثقافة الفقهية شأن شخصي ، نقصد ثقافة الفقه التعبدي الخاص ، ولكن هناك فقه يتعلَّق بحقوق الفرد والجماعة ، فقه يتعلَّق بحقوق المظلومين ، فقه يتعلّق بالحقوق المسلوبة ، فقه يتعلّق بحق المسلم على المسلم ، فقه التكفير المجاني ، فقه الطرد من الجنّة بلا حساب  ، فقه الذبح على الهوية الطائفية ... كل هذه الثقافة مطلوبة في بناء كيانية شيعية تسعى لتحقيق الوجود الشيعي ، فإن مثل هذه الثقافة الفقهية تلهمنا القوة الفكرية ، تلهمنا المعرفة البرهانية ، نتحرك على ضوئها بصلابة ، نتحرك على هديها بقوة ، هي كتاب منير . الثقافة السياسية من أهم ما نحتاجه في ثقافة الكيانية الشيعية ، السياسة بمعنى فهم العالم وما يجري عليه ، وما يستتبع الحدث من آثار، وتصويب الموقف المطلوب ، هذه الثقافة بنيوية ، حراكية ، ترسم لنا كيفية التعامل مع الأحداث من أجل تحقيق الاهداف الكبيرة ، وفي الحقيقة هناك آوليات أخرى أجترحها الشيعة للدفاع عن الوجود ، ولكنّها كانت مبتورة ، ربما آلت الى العكس ممَّأ كانت تهدف أليه ، ولكن ليس هناك مجال للافاضة بها . وعلى أي حال ، هنا يمكن ان نضع الخطاطة ا لتالية لهذه الثقافة الكيانيِّة الشيعية .
· ثقافة عقدية مختصرة ولكن عميقة .
· ثقافة فقهية تركِّز على حقوق الجماعات ، وحقوق المواطن ، وجزاء التكفير المجاني .
· ثقافة تاريخية تتقوَّم بتظهر الدم الشيعي المباح ، وتكشف عن الجهد الشيعي المبذول في سبيل الاسلام والمسلمين ، ثقافة تكشف اللثام عن عمليات ( التجهيل ) الشيعي العام ، عن مخططات التبئيس الشامل لهذه الطائفة المسكينة ، تهميش الإنسان الشيعي ، تسطيح وجوده .
· ثقافة سياسية تتجسَّد في تحليل العالم المحيط بنا ، وتكشف عن وجهة الاحداث وأسبابها ، وتشخص الموقف المطلوب ، بلحاظ خدمة الوطن والامة والكيان .
· ثقافة إعلامية تمكِّنْ القاري من تزييف الباطل ، والكشف عن لعبة المستهترين بالعقول .
· ثقافة حقوقية تسمتد زادها من الشرع  الشريف والفكر الوضعي المستنير ، وحقائق التاريخ والجغرافية وكل ما من شأنه تحديد مساحة ا لحق .
· ثقافة جغرافية تسلِّطْ الأضواء على الرقعة الجغرافية الشيعية ، وحقوقها المهضومة ، وخيراتها المسلوبة ، وما جرى عليها من إضطهاد وقتل وتشريد .
هذه هي الخطاطة العامة ، ولكن لابد ان نضيف فقرة أخرى ذات شأن خطير ، نقصد ثقافة تفكيكيِّة ، تتولى عملية تفكيك الوضع الشيعي العراقي في سياق الوضع الشعي العالمي ، تفكيكه الى عناصره التاسيسية الرئيسية ، وتشخيص نقاط القوة والضعف ، وذلك باستمرار ، يعني ان تكون هذه الثقافة بمثابة خبز فصلي ، نتابع تطورات  الكيان مع مرورو الايام والاحداث ، ونحلل المواقف المضادة ، نضع الخطط في مواجهة الظروف الطارئة ، نضع المعادلات الكفيلة بإستيعات طروءات الزمن التي باتت لا ترحم .

مؤشِّرات هادية

1 : إنَّها ثقافة تيار وليس نخبة ، ثقافة الإكاديمي ... الحرفي ... التاجر ... الطالب ... العامل ... الرجل ... المرأة ... الطفل ... الشاب ... الكهل ... الملتزم وغير الملتزم ، وبالتالي ، لغتها شعبية بسيطة ، وأدلتها وجدانية ، نصيَّة ، إستشهادية بالغير ، ولكن لا ننسى أيضا مستوى من العقلانية ... مستوى من المنطق .
2 : إنَّها ثقافة من وضع أهل الاختصاص ، ليست ثقافة متروكة لأهواء المغامرين ، ولا متروكة لاجتهادات عابرة ، ولا متروكة لأجتهادات فردية ، بل هناك إشراف مركّز، هناك طرح مدروس ، يضطلع به حملة العلم والفكر المشهود لهم .
3 : إنَّها ثقافة لتأسيس الافكار ، فكل طرح يجب ان يتحوَّل الى مجال للاشتقاق الفكري ، فإنَّ الثقافة التاريخية ــ مثلاً ــ يجب ان لا تعتمد على العرض وحسب ، بل ينبغي ان تتحوّل الى تيار من المساءلة  ، لماذا نحن مضطهدون ؟ لماذا لم يقف أخوننا السنة معنا ؟ لماذا لم نواجه هذا الاضطهاد بالعمل الكياني المنظّم ؟ أين علماؤنا من هذه الظاهرة ؟ ما العمل الآن ؟ وهل عملنا ما فيه رضا أو كفاية ؟ بل هل فكَّرنا بالعمل أصلا ؟
4 : هي ثقافة بنائية ، تمكِّن الانسان الشيعي من الإهتداء بها ، يحملها كـ ( دفتر إرشاد ) ، يحملها كـ ( بوصلةِ ) تواصل مع حقوق الكيان الذي ينتمي إليه ، تهديه وتدفعه للعمل ، لتوكيد الكيان الشيعي على كافة الاصعدة والمستويات . ليست ثقافة ذكريات وأمجاد وإبتهال ، بل تتستبطن عملية نقد لهذه الثقافة أساساً .
5 : هي ثقافة يجد الفرد من خلالها انّه جزء من كل ، مصيره مرتبط بهذا الكل ، والعلاقة بينه وبين هذا الكل علاقة جدلية متحركة ، هو للكل ، والكل له .

تفكيك الثقافة النافية

أقصد ثقافة النفي ، وبطبيعة الحال نتحدث عن ثقافة النفي التي مارسها الاخ النظير بحقنا ، يجب ان نغور في أسباب هذا النفي ، كيف بدأ ، وكيف تطور، وماهي أسبابه ، وما هي نتائجه ، وما هو مستقبله .
هناك ستراتيجية من التسميات التي نحتها ( الآخر النظير ) ، وهي ستراتيجية نافية ، وكان النفي تدريجيِّاً في مساره ، لقد بدأ نفيا عقديا ، فنحن فرقة ضالَّة , وربما كافرة ، بعد ذلك جاء النفي الإقتصادي و السياسي ، بعد ذلك النفي الإجتماعي ، فلا تجوز الصلاة وراء الشيعي ، ولا يجوز أكل ذبيحته ، فنحن غير مُؤمَّنينْ على الروح ، ولا على طهارة البدن ، التي هي طهارة الروح بالتحليل الاخير ، ثم جاءت عمليًّة  النفي الكلي ، الشامل ، وفي هذا السياق كانت فتوى شيخ الاسلام بقتل آلاف الشيعة في عهد مراد الرابع ، واليوم تتكرَّر هذه الفتوى على شكل عمل محسوس في العراق ، على يد الزرقاوي وغيره ، وعلى غرارها قتل خمسة آلاف شيعي دفعة واحدة على يد أبن لادن في افغانستان .
أين هي الدراسات الشيعية التي من شأنها تفكيك هذه الثقافة كي نعرف كيف نعالجها ؟ لقد إستغرقتنا ثقافة العقيدة والأخلاق والطهارة والنجاسة ، وربما هذا الاستغراق رد مبطّن على محاولة النفي الكلي ، ولكنَّه بطبيعة الحال رد بارد ، رد هروبي، فيما كان الواجب ان يكون الرد بثقافة الحقوق ، ومن خلال معالجة ثقافية بارعة لمعنى الدين والانسان والشريعة والحياة ، ان يكون الرد من خلال النظم الكياني الواعي .
أن تفكيك ثقافة ( الآخر النظير ) الذي كتب علينا النفي يجب ان تكون من ضمن ثقافة الكيانية الشيعية ، تفكيكها ومعالجتها والرد عليها بالفكر والتخطيط ، ليس من أجل الثأر ، تلك ليس من أخلاقنا ، ولكن من أجل ترتيب مصيرنا ومستقبلنا ، انَّ تفكيك ثقافة ( الاخرالنظير ) في مستواها النافي ، مستواها الرافض لنا تشكِّل اليوم قضية مصيرية .

ثقافة عينيِّة

ثقافة الكيانية الشيعية ثقافة عينية، تتعرّض بالاسماء والعناوين الصريحة ، لا تتورَّط بالثقافة التجريدية ، هي ثقافة الإشارة بالكلمة الصريحة الى مدينة ( الثورة ) وما تعاني ، هي تشير بالكلمة الصارخة إلى الظلم الذي لحق الشيعة ، بعيدة عن ثقافة المجاملات والدبلوماسية ، تكشف بالارقام عن قبورنا الجماعية ، عن قتلى علمائنا ، عن حرماننا من الخدمات ، عن مهجَّرينا عنوة وطرداً ، ثقاافة الكيانية الشيعية ثقافة مواجهة عينية ، لا تماري ، ولا تسوِّف ، تتسم بالتسمية الصريحة ، تقول هذه هي ( الديوانية والناصرية والنجف والكوت ) ، ها هي مدننا الشيعية كانت مضطهدة محرومة ، أي سلاحها الثقافة العينية ، ومن ثم تكشف بالارقام إستئثال الأخرين بالثروة النفطية والوظيفية ، لا تحابي ولا تهاب الذكرى والتذكير الصريحين .

نحو نظرية عمل شيعيِّة عراقية - بُنية الكيانيِّة الشيعيِّة النظميِّة في خطوطها العريضة / القسم الثاني
نحو نظرية عمل شيعية عراقية - الحلقة الثالثة / واجبات التاجر الشيعي العراقي هذه الايام

الرئيسية  | مركز الصدرين للفكر الإستراتيجي |  العودة للصفحة السابقة