نحو نظريِّة عمل شيعيِّة في العراق
ماذا نريد وكيف ؟
ورقة عمل عن أهدافنا الشيعية المستقبلية وآليات العمل
القسم الأوّل - الجزء الأول
المشكلة بين قوسين 
كتابات - شباب آل محمّد
 

ليس سرّا أن غياب الهدف واضح لدى الشيعة وهي تعيش هذه المرحلة الحسّأسة ، فيما يتحدد الهدف بوضوح لدى الأخوة السنة المتمثل بإعادة النفوذ الضائع ، والاكراد أشد وضوحاً في إصرارهم على الفيدرالية العرقية وفق مقاييس و معايير متفق عليها بينهم .
الحديث عن حقوق الشيعة أصبح قضية صريحة ، وقد أثار بعض الكتاب الشيعة هذه القضية عبر كراسات صغيرة وكانوا سبّأقين إليها بمنظور نظمي محدّد بمستوى لا بأس به من ا لوضوح ، في حين لم نسمع ولم نقرا عن بقية القوى الشيعية شيئا من هذا القبيل ، وذلك بما فيها أحزاب عريقة ، ولكن هناك كلام عمومي عن هذه الحقوق ، ونحن إذ تقصّينا هذا الكلام لرايناه ينحصر بضرورة مراعاة حقوق الشيعة على صعيد المنسوب الوظيفي ، فالشيعة مظلومون على هذا الصعيد كماّ وكيفا ، وهناك كلام أوسع ، حيث يشير الى المساحة الخدمية للمناطق الشيعية قياسا إلى غيرهم ، فالمدينة الشيعية والقرية الشيعية تعاني الحرمان رغم انّ النفط في المناطق الشيعية ، وشباب آل محمّد يقدرون هذا الطرح ولكنّه طرح ناقص في تصورهم ، ونعتقد ان الطرح الاعمق هو الذي يتجاوز هذه الحقوق ليتصل بنظم شعبي متفاعل ، فليست المسالة هي زيادة في عدد الموظفين الشيعة ، ولا هي الاهتمام الخدمي بالمناطق الشيعية ، بل هناك ما هو أعمق .
1 : المساحة الوظيفية ، سواء على مستوى الكم أو اكيف .
2 : المساحة الخدمية .
3 : المساهمة بصناعة القرار السياسي والادراي للبلد .
هذه مفردات الحقوق ولكن هي حقوق مطلوبة من الدستور ، من الدولة ، ولكن أتصور يجب ان يتم ذلك في سياق نظمي كياني يشدنا بعضا الى بعض ، لقد كان الأخوة السنة يتمتعون بحقوق إضافية ، بحقوق تفوق حقوق الاخرين ، بل على حساب الأخرين بكل صراحة ، ولكن قوّة اخواننا السنّة ليس بهذه السعة من الحقوق ، وإنّما بإنتظامهم في كيانية سنية مشدودة الآواصر والحبال والمصير ، قد يكون هناك مساحة شيعية كبيرة على صعيد الوظيفة المدنية ، وقد تكون المساحة الخدمية للشيعة متميزة ، ولكن رغم ذلك هم ضعفاء ، بسبب تفرّقهم وتشتتهم ، بسبب توزّعهم على زعامات متنافرة متشتتة ، بسبب توزّعهم على دول جوار ولاء وتبعية .
هناك ما يتصل بالدستور وقانون الحقوق ، وهناك ما يتصل بنا ، الطرف الاول سياسي دستوري ، من مسؤوليّة الدولة والدستور ، فيما الثاني هو نظمي إجرائي يتوقف علينا ، نريد كيانية شيعية عراقية متراصة الصفوف والوشائج ضمن نظم عصري قوي ، وقد لا نبالغ إذا قلنا بان عدم توفّر هذا النظم يؤدي الى مشاكل بل يعرّض ذات الحقوق الى إنتكاسة حتى اذا حصلنا عليها باقصى درجة من درجات الاستحقاق ... هذا التصور المركّب يحتاج الى تجلية وبيان ، ويبدا بتشريح الجسم الشيعي وتحليل فواعله المفصلية .
 المرجعيّة السيستانيّة في الميزان
بعض نقاط القوّة  
تُعتبر مرجعية آية الله العظمى علي السيستاني من أوسع هذه المفردات ، بل أن المفردا ت الاخرى لا تعتبر ذات وزن ، وهي من مفاخر الشيعة ، وقد أثبت الأحداث تميّزها بقدر كبير من الحكمة والوعي ، فقد ساهمت مساهمة كبيرة في حفظ السلام الأجتماعي ، وقد بيّنت قدرتها على التاثير في عمق القرار السياسي ، وقد اتخذت مواقف حاسمة أزاء الكثير من القضايا حازت بسببها إحترام الراي العام الوطني والاقليمي وا لعالمي ، ومن أبرز ما يميز هذه المرجعية ما يلي : ــ
1 : حسمها للعلاقة بين رجال الدين والسياسة ، فقد اعلنت بان الحوزة لا شان لها بالشأن السياسي التفصيلي وليس من شأن رجل الدين التدخل بالشؤون الادارية والسياسية للبلد ، ولا تتدخل بالجزئيات . وهذا الموقف أكسبها شعبية واسعة حتى خارج العراق ، فالشارع الايراني يلتف الان حول السيّد السيستاني لانه ينحى هذا المنحى ، خاصة وقد طلب منه الاصلاحيون في إيران التدخل لتغيير مسار الأوضاع باتجاه الديمقراطية .
2 : تأكيدها على وحدة ا لتراب العراقي وعدم التفريط بشبر واحد بهذا التراب المقدس ، وهي القضية التي تشغل بال كل عراقي شريف ، بل هي القضية التي تقلق النظام الأقليمي كله ، وبذلك تكون المرجعية السيستانية قد برهنت على أصالتها من هذه الناحية .
3 : رفضها للعنف والعنف المضاد ، وتأكيدها على السلام كهدف وآلية في آن واحد ، والسيستانيّة تفترق بذك عن كثير من الطروحا ت ذات النزعة الدموية ، ويبدو ان السيستانية تنتهج هذا النهج تحت تأثير المسالمة الدينية وتقديرات الظرف العراقي وتعقيداته بل وربما النتائج الخطيرة التي يمكن ان تترتب علي العمل المسلح ولا نستبعد دراسته للتجربة الإيرانية لها دور في مثل هذه الاستنتاجات .
4 : تأكيدها على أهمية الاديان والاعراف في سن الدستور وعدم الاكتفاء بالاسلام كمصدر وحيد ، فقد أكدت السيستانية علنا وبتصريحات لا غموض فيها على ضرورة أخذ الاخلاق والقيم والاديان كمصادر ومنابع في سن دستور البلاد .
5 : دعوتها الى نزع السلاح المدني وضرورة إيكال الأمن الى الا جهزة الوطنية .
6 : تحترم السيستانية المؤسسات السياسية العالمية النابعة من الضمير العالمي وعلى راسها الامم المتحدة ولو في حدود ، ولعل إيكال قضيّة الانتخابات في شطر من شؤونها الى الامم المتحدة دليل على ذلك .
7 : إعتبارها الاحتلال قضية مؤقتة .
8 : التأكيد على دور الامم المتحدة .
9 : إحترامها لكل شرائح وقوميات وأديان ومذاهب الشعب العراقي .
10 : زهدها الشخصي الذي عرفت به .
وفي الحقيقة هناك عوامل أخرى ساهمت في بسط مرجعية أية الله العظمى السيستاني منها انها الوحيدة في النجف الأشرف على مستوى المرجعيات التقليدية ، وهذه نقطة مهمة للغاية ، فالسيستاني حفظه الله هو وريث الخوئي والحكيم والشاهرودي ، فيما المرجعيات الا خرى لا تملك مثل هذا الرصيد التاريخي الأرثي المهم .
بعض نقاط الضعف
ولكن السؤال المطروح هنا ... تُرى هل تخلو المرجعية السيستانية من نقاط ضعف ؟ بطبيعة الحال لا ، ذلك ان الكمال لله وحده ، ولكن ما هي هذه ا لنقاط ؟
أولا : التاريخ السكوني للسيستانية كما يسميه بعضهم ، وحساسيّة هذه النقطة تكمن بإمكان إثارتها في سياق الصراع وتفسيرها باتجاهات مضادة وتشهيرية ونقدية سالبة ، وذلك حتى إذا كانت سياسة حكيمة في وقتها ، لانّ لغة الصراع تتسم باللعنة في كثير من الاحيان .
ثانيا : ما تنقله بعض الاوساط عن السلوك المتّسم بالثراء والاسراف بالنسبة لبعض المحسوبين عليه ، هذه النقطة ستكون مثار حديث ونقاش وتشكيك في أقرب فرصة صراعيّة إ ذا صحّ التعبير ، وهي وإن كانت ليست بدعة في مجال الوسط المرجعي بشكل عام ، ولكن لغة الصراع لعينة كما قلت قبل قليل .
ثالثا : أيرانيّة السيّد السيستاني ، وهي وإن كانت نقطة عرضية بالنسبة لشيعة العراق والعرب بشكل عام ، ولكنّها دخلت مرحلة الحساسيّة في السنين الاخيرة للاسف الشديد ، والسبب ا لرئيسي في هذه الهفوة هو سلوك الايرانيين تجاه العرب العراقيين في ايران ، وخاصّة من علماء الدين هناك ، وهي احدى نقاط الخرق التي سببتها ايران في الجسم الشيعي .
رابعا : عدم تمتع المرجعية السيستانية بوكلاء من ذوي الخطاب السياسي والشعبي الناجح ، وقد اثبت خطاب الحوزة الدينية بما فيه الخطاب المحسوب على السيّد السيستاني سذاجته البيانية والتحليلية ، نعم ، هناك أفراد قليلون جدا على هذا الصعيد ، وللعلم ان بعض الفضائيات راحت تتعمد مقابلة هؤلاء من أجل إظهار هذا النقص الفاضح ، وبسببه صار هذا الخطاب محلا للتندر .
خامسا : كان الخطاب السيستاني في الخارج هو الاخر ضعيفا ، ومن نماذج هذا الخطاب ما يتحمل مسؤوليته بعضهم في الكويت وبعضهم في بيروت ، وبعضهم في الكاظمية.
سادسا : عدم وجود نظم سيستاني محكم على صعيد الجمهور المقلِّد ، وهي نقطة كاسرة تحيد بالقوة الى الضعف وتمزق الممكنات بتفريقها وتعويمها هنا وهناك .
سابعا : إفتقار السيستانية الى موكب ضخم من الأختصاصات السياسية والاعلامية والمالية ، وهي نقطة ضعف اخرى ، ونحن نعتقد ان بعض الحواشي والمعممين لا يرتاحون لمثل هذه الاختصاصات ، ويمكن تعمل على محاربتها ، وسوف يثبت التاريخ الحاجة اليها ولكن ربما بعد فوات الاوان .
ثامنا : من نقاط الضعف التي سوف تثار مستقبلا ، الموقف البارد أزاء ما يفعله الأيرانيون في العراق بحجة الزياة وغيرها ، ربما يتصور البعض ان هذه نقاط بسيطة ساذجة ، ولكن هذا المعترض لا يفهم لغة الصراع وكيفية توظيف ابسط الاشياء في خلق أخطر النتائج .
تحديات صعبة
تواجه المرجعيّة السيستانية مصفوفة تحدّيات ليست بالسهلة ، وهي حقا تحديات تحتاج الى طاقم عمل كبير ومتخصص ، في العمل السياسي والاجتماعي ، بل حتى الى متخصصين في العمل الاعلامي والمالي ، وهو الأمر الذي يصطدم بمجمل الوضع المحيط بالسيد الكريم ، والمهم ان ابرز هذه التحديات هي ما يلي في تصورنا .
التحدي الاول : كيفية إدارة دفّة الصراع مع التحالف ، ومع الوضع العراقي بشكل عام ، فانه التحدي الاكبر الذي يواجه السيّد ، ما هي خططه ؟ وهل يمكن الاعتماد على الشعب العراقي لاخر نفس ؟ وهل سوف يتجاوب معه الاكراد والسنة ؟ وما هي آلياته ؟ والى اي مدى يمكن ان يستمر ؟
التحدي الثاني : الدولة الايرانية ، فهي تحدي خطير ، لان ايران لا تريد لاي مرجع خارج جغرافيتها بالصعود والتالق ، تستخدم التهديد والقتل والسم والتشهير والتضييق ، ليس ذلك بامر من خامنئ او غيره من العلماء ، ذلك امر مستبعد بل هو مستحيل ، بل من الحرس والسباه والقوى الخفية العاملة في السر .
التحدي الثالث : ملل الشعب العراقي ، فانه شعب ملول يريد الانجاز ا لسريع بسبب ما تعرض له من محن وحرمان وديكتاتورية غاشمة ، وهي طبيعة ليست تخص الشعب العراقي وحده بل كل الشعوب ، وهذا هو الشعب الايراني يشي بشكل صريح عن ملله وغضبه على رجال الدين .
التحدي الرابع : ا لقوى ا لا قليمية هي ضد السيستاني ، هي قوى شريرة تريد بالشيعة الموت والحرمان والنفي ، وبالتالي ، فان ذلك ينصرف بتبعاته على السيستانية بشكل واخر .
التحدي الخامس : إنقسامات الجسم الشيعي وتشرذمه ، وليس سرا ان بعض هذه القوى ذات سند خارجي ، فهذه قوى من الصعب التوفيق بينها ، فضلا عن المطامع الشخصية والحزبية لهذه القوى .
التحدي السادس : تقلّص مساحة المدّ الديني الشارعي في العراق ، هذا تحدي مهم ربما لم ينتبه اليه المتدينون لكونهم مصابين بمرض الإنبهار بالظاهر ، وقد بدأت بعض البوادر على هذا الصعيد ولنا عودة مركزية لهذه النقطة بالذات .
التحدي السابع : الخط العلماني الشيعي ، فهو خط بدا يسترجع قواه وله ثقله في الشارع ، وسوف يقوى بالمستقبل بفعل تصرفات بعض رجال الدين وبعض الحزبيين الدينيين ، وسوف نتحدث اكثر في ذلك .
التحدي الثامن : رفض الامم المتحدة للانتخابات وهو تحدي ممكن ، وهو تحدي خطير ومهلك .
التحدي التاسع : وجودات صغيرة ولكنّها مؤلمة تزيد من المشكلة وتخلق العراقيل ، صبيانية التفكير والتصرف ومن اهم
هذه بعض التحديات التي تواجه المرجعيّة السيستانية ، كيف ستتعامل معها في المستقبل ؟ وهل سوف تخرج بنتيجة مشجعة ؟ ونحن نضع في الاعتبار الاول مصلحة ومصير الشيعة العراقيين ، سوف تأتي بعض التصورات في هذا الصدد .
ولكن هناك تحديات على الهامش ، هي قد تبدو بعيدة ولكنها تنعكس بشكل واخر ، مثل التشرذم الفكري الشيعي في ايران ، وظهور نزعات فكرية جديدة مقلقة ، ومثل المستقبل الخطر الذي ينتظر مستقبل الشيعة في لبنان ، ارجو ان نحسب لكل ذلك حسابا .
لعبة القط والفأر
امريكا مرتاحة ومنزعجة من الخط السيستاني في آن واحد ، هي مرتاحة لانّ المدرسة السيستانية تقلص وتزاحم مدرسة ولاية الفقيه ، وهي منزعجة لانّه على اي حال هو مصدر إزعاج جماهيري للخطة الامريكية ، ولكن ماذا لو يخرج الامريكان من العراق ؟ او احدثوا فراغاً أمنيّا مصطنعا ؟ هل تستطيع المدرسة السيستانية ان تعالج هذه الثغرة ؟ هل تستطيع ان تكون وجماهيرها ومستقبلها بمأمن من الخطر والتداعيات ؟
هل هي لعبة القط والفأر ؟
نعم !
كلاهما يعرف ما يريد الأخر في هذه الفترة ا لحرجة ، الحرجة لكلا الطرفين ، الامريكان والمرجعية ، وتعتمد اللعبة على مهارة كل منهما .
الأن هي لعبة ...
ولكن كيف تكون غدا ؟
حقاً إن مسؤوليّة المرجعية ثقيلة بشكل مدهش ، وحقاً انّها امام إمتحان صعب عسير ، ساعدها الله على ذلك وسدّد خطاها .
مهمات عاجلة ومستمرة
 1 : تعمل المرجعية السيستانية على عولمة مرجعيتها ، هذه حقيقة نابعة من طبيعة المرجعية وطبيعة البشر ، وهو حق مشروع دينيّا بما لا شك فيه وهناك جهاز دقيق يعمل على ذلك ، وقد كسبت الشارع الايراني بالايام الاخيرة ، كسبته عاطفيا ، لان المرجعية الدينية في ايران فقدت هيبتها ، والاتجاه نحو السيستاني بغضا وحربا على الدولة الدينية .
2 : ان السيستانية تعرف جيداً بإن خروجها من النجف الاشرف يعني نهايتها ، ولذا سوف تعمل على حماية النجف باقصى ما تملكه من قوة وإمكانية .
3 : وليس من شك ان السيستانية تريد الخروج من الورطة الاخيرة ، أي محنة العراق ، هل تسكت ام تستمر ؟ هل تؤيد خيار الامم المتحدة ام ترفض ؟ هل تواصل طرحها الاسلامي العام ام تنزوي ؟ هل تتواصل مع دول الجوار ام تبقى مقاطعة ؟ حيرة ! لا ا قصد تريد الهروب ، ولكن تريد الادارة والخروج بنتيجة ايجابية بما يخص العراق وشيعة العراق ودين العراق .
4 : وليس من شك انّ السيستانية تريد مجتمعاً عراقيا مؤمنا ، متدينا ، يلتزم بالاخلاق والقيم ، ولكن كيف سوف تعمل في ظل هذه الظروف ؟ هناك فقر بالكادر الديني ، وهناك نزعات فكرية مخيفة تجتاح ايران ، وهناك مفارقات الوجود السياسي لشيعة لبنان ، وهناك حرب المخدرات الرهيبة التي يشارك به الوهابيون والايرانيون والعراقيون المتجارون بارواح الناس ... كل ذلك متفاعل مع بعضه ، فكيف سوف تضطلع السيستانية بهذه المهمة ؟
5 : والسيستانية تريد للشيعة العراقيين ان يخرجوا سالمين غانمين في ظل هذه الظروف ، فهل تستطيع ان تعمل شي ؟ وكيف ؟
6 : والسيستانية تريد صيانة القيم الاسلامية الشيعية ، تريد شيعة مطئمنين آمنين في العراق وفي ايران وفي الخليج وفي كل مكان ، فهل تستطيع ذلك ؟
سوف نعالج كل هذه النقناط بالتفصيل وعبر حلقات مستمرة بإذن الله تبارك وتعالى ، ولا نريد سوى التسديد منه سبحانه .
حزب الدعوة الاسلامية
تقييم عام
لا يشك عراقي بل مسلم بإصالة هذا الحزب الا سلامية ، ودوره في تربية الناس ، وهدايتهم ، ولا يشك ولا يمكن أن يشك أحد باخلاصه للاسلام ، ولكن نريد دراسة موقعه من القضية الشيعية العراقية في هذه اللحظة وما يمكن ان يقدم
في هذه المحنة الصعبة .
وفي تصوري ان أبرز ما يفتقر له الحزب هو الوعي السياسي الدقيق ، فهو حزب كثيرا ما تفاجئه الأحداث ، لم يستبق الأحداث ، فيما من أهم ما يوصي به علي بن ابي طالب عليه السلام هو إستباق الحدث ( كل شي عُرِفَ في وقته ضاع وقته ) ، هذه نقطة ضعف كبيرة في الحزب ، ولم يفسح المجال لمن له القدرة على ذلك للاسف الشديد ، لانّ العقلية التي تقود الحزب لا تنفعل بالزمن بشكل إيجابي فعّأل ، سكونية ، تفكر بإليات تقليدية ، الامر الذي سبّب له الكثير من المصائب ، ولا اريد هنا التفصيل ، ولكن التاريخ يشهد بذلك بصورة مثيرة ، والحزب يتسع لقواعد واسعة ولكن سرعان ما يفقدها بسبب الأضطهاد وبسبب الجدب السياسي وبسبب الاختلافات بين قياداته ، لا يملك ستراتيجية الحفاظ على قواه وقواعده الشعبية ، هذه مشكلة اخرى يعيشها الحزب ، واليوم يعاود الحزب ليسترجع شعبيته من جديد لاسباب كثيرة ، منها تاريخه ، ومنها جهاده ، ومنها اخلاصه ، ولكن لا أراهن بانه سوف يحتفظ بهذه الجماهيرية ، فربما تتكرر المأساة ـ لا سامح الله ولا قدر ، أضف لذلك يمتلكه بعض الغرور أحيانا.
في سياق الموضوع الذي نحن بصدده نقول هناك مصفوفة من المشاكل التي يعاني منها الحزب العريق ، ولعل منها ما يلي : ــ
الأولى : شيخوخة قيادته ، وهي شيخوخة زمنية وفكرية ، وهذه مشكلة كبيرة تمنع الحزب من مواصلة التاريخ وهو بهذه الحركة المثيرة ، ارجو ان لا نتكلم بعاطفة ونذكر عبارات انشائية ، فما اسهلها ، نحن هنا بين يدي تقييم مهم ، لانه يتصل بمصير طائفة بكاملها ، وإلا ّ أين هو عطاء الحزب الفكري المواكب للزمن ، لا ا تحدث عن كراسات تتكلم عن شمولية الاسلام وكونه جامع بين الروح والمادة وغيرها من الكليشهات القديمة المستهلكة ، بل أتحدث عن هذا العالم المتفجر بالفكر ؟ أين هي رؤيته للواقع الذي نحن فيه الان ؟ كيف يعالج الواقع المرير الذي نمر به في هذه الفترة من الزمن الصعب ؟
الثانية : الحزب لا يملك الان هدفاً محدّدا ، نعم ، هناك معادلات كثيرا ما يرددها ، مثل تربية الناس ، وإقامة حكم الله على الارض ، ونشر الاسلام ، وهي معادلات لا تغني عن جوع ، العراق اليوم معرض لشتى المصائب ، و الشيعة على مفترق طرق بين حياة او موت ، ومثل هذه المعادلات غير قادرة على مواصلة مثل هذه المشاكل الكبيرة .
الثالثة : الحزب يفتقر الى الكوادر الكثيرة في هذه الفترة ، فيما هناك اقبال جماهيري على الحزب ، إيمانا وتعاطفا ، ورغبة بالعمل في صفوفه ، وهذه المشكلة تعود الى جملة اسباب ، منها ان الحزب ترك الشارع منذ ان قامتْ الحرب الايرانية العراقية ، فقد استوعبته فكرة اسقاط النظام عبر الحرب وبعض العمليات الداخلية، فنسى الشارع ، كما انه تورّط بصراعات مع افراد ! ممّا استنزف الكثير من طاقته ، الجماهير تقبل على الحزب ولكنَّ الحزب ليس جماهيريّا باستيعابه للجماهير ذاتها ، ولا سامح الله ولا قدر ربما يترك الشارع مرّة اخرى بسبب صراعات جانبية أو احلام وردية تعده بقيادة البلد او المحاصصة السياسية المؤثرة .
الرابعة : أن الحزب كثيراً ما يكون عرضة للاستفزاز المخطّط بغية إشغاله ، وليس هنا مشكلة ، بل المشكلة إستجابته لهذه الاستفزازات المخطّطة ، مثل إيمانه بالمرجعية وولاية الفقيه ، بل وحتى تشيعه ! وقد إنساق الحزب وراء هذه الإستفزازات للاسف الشديد ، فيما كان الاصل ان يعلن موقفه بصراحة ولا ينجر وراء خُطط الالهاء ، وينبغي على الحزب ان يستوعب بالونات الاختبار التي سوف يتعرّض لها ، خاصّة من قبل المخابرات الايرانية وبعض المفردات المحسوبة عليه ، وأن لا يعيرها أهتماما اكثر من اللازم .
الخامسة : الحزب لا يمتلك الجرأة في مواجهة السطوة الشعبية لبعض الرموز الدينية ولذلك يعاملها بمنطق المساومة بعض الاحيان ، وهو بذلك يخسر الكثير من الزمن ، بل ويساهم في تعطيل الكثير من المكاسب المهمة . فنحن نعلم ان الحزب كان ضد الانتخابات مثلا ، ولكنّه خوفا من سطوة القوة الشعبية للسيد السيستاني تراجع ، وأنا اعلم ان بعض الدعاة سوف ينكرون مثل هذه الظاهرة ، ولكن هي الحقيقة .
وقد ابتلى الحزب بايران ، فايران تعتبره عائقا دون أطماعها القومية وتعتبره من عوائق استئثارها بقيادة الشيعة في العالم ، وتتهمه بالعروبية والعراقية ، وهذه من المشاكل المستعصية بين ايران و الحزب بشكل خفي .
حزب الدعوة كبير وعريق ومعطاء ، وكان من الواجب ان تكون هذه المقتربات من أسباب استيعابه للاخرين ، ولكن للاسف الشديد كانت تعمل في لاشعوره كمستحقات قيادية فوقية ، وقد كلّفه ذلك كثيرا ، وسوف يكلّفه اكثر إذا لم يتحرر من هذه العقدة .
أيران اليوم لا تفرّط بحزب الدعوة لظروف طارئة ، ولكن سوف تعمل على تفليشه في اقرب فرصة سانحة فيما اذا أُفتقدت الحاجة اليه من قبلها ، وما أكثر ما فعلت ايران ذلك .
الحزب اليوم
الدائر على الالسن أن الحزب اليوم ثلاث ( شاخات ) كما يقول الايرانيون ، التنظيم الام الذي يُعد التيار الغالب ، وهناك ( شاخة ) أخرى أُختلقت بجهود الاطلاعات الإيرانية ، مخترقة من هناك ، وهناك تيار شخصي ضعيف يؤمن بمبدأ البراغماتية في علاقاته وممارساته ، ولكن بكل اسف ، هناك ظاهرة التمحور الشخصي ، وظاهرة التمحور المناطقي ، وهناك دعوة الداخل ودعوة الخارج ، وليس سرّا ان هناك تجاذبات غير مسرّة بين هذه ( الشاخات ) ، وهي تجاذبات سوف تؤدي إلى إهمال الشارع ، سوف تقود إلى الجدب الجماهيري ، سوف تبخّرالطاقة الكامنة للحزب ، طاقته الروحية والجماهيرية والهدفية . ولا أعتقد ان ذلك سوف يتطلب الوقت الكثير ، من مشاكل الحزب انّه ( يغترّ ) بسرعة بالمد الجماهيري ، ولكنّه لم يتعلم لحد هذه اللحظة انّ للمد الجماهيري استحقاقاته الصعبة ، ولم ينتبه الحزب في فكره الاستراتيجي لهذه الحقيقة الخطيرة ، ينسى المد الجماهيري الذي هو نعمة من الله تبارك وتعالى وينصرف الى حراك داخلي مزعج ، ينصرف الى قضايا جزئية .
تواجه الحزب بطبيعة الحال تحديات من خارجه ، منها تحديات الوجودات الصغيرة التي تتفنّن المخابرات الايرانية بصنعها ، ومثل هذه الجماعات وان كانت صغيرة ولكنّها تضم منتفعين من الدرجة الفائقة وتخلق الكثير من المشاكل ، وهناك تحدي رجل الدين بشكل عام ، ورجل الدين العراقي على العموم دون رجل الدين الأيراني قدرة على فهم الواقع وحركة الواقع السياسي ، وذلك بحكم التجربة ، كما ان رجل الدين العراقي له سلطة روحيّة كبيرة على ( عوام ) الناس ، كما أنّ هناك تحدي مهم خطير للغاية ، هو غياب الثقافة الاسلامية في الشارع العراقي ، هناك شعارات فضفاضة وحضور عاطفي للصلاة في المساجد ، ولكن نفس هذا الحضور لانّه ساذج قد يتحوّل الى مشكلة وليس الى حل ، وهناك تحدي اخر هو موقف الدول الا قليمية من الحزب ، وهناك تحدي مضاف آخر هو المجلس الاعلى ، ، وهناك تحدي الفراغ السياسي التي تعانيه الجماهير ، وهناك تحدي العالم الديني العراقي المناطقي الذي يحمل بعض من الثقافة وله شي من التاريخ والجذور القيادية في منطقته ، وهناك التحدي العلماني ، فقد بدأت الأحزاب العلمانية تستعيد عافيتها بالشارع العراقي ، وأخراً وليس أخيراً هناك تحدي العراق بكل وضعه المعقّد .
ماذا يجب ان يعمل الحزب ؟
وكيف يعمل ؟
وما هي آلياته ؟
أسئلة واسئلة اشك ان القيادات تعكف على دراستها وتحليلها ، لانّ هناك حراك داخلي مزعج وليس حراك داخلي بناء ، باتجاه الخارج المضطرب المخيف .
الآن وليس غد
تلوح في الأفق القريب مهمّأت يجب على الحزب إنجازها على وجه السرعة ، واي تساهل بهذه المهمات سوف تجعل الحزب في مهبّ الريح على المدى المتوسط ، هذه المهمات عاجلة وفي غاية الأهميّة ، منها على وجه الخصوص : ــ
الأولى : الإسراع في إحكام عمليّة تنظيم داخلي حي ، تدعيم الجبهة الداخلية للحزب وفق علم التنظيم العصري الذي ياخذ بنظر الإعتبار مستجدات التنظيم الحزبي في التنظيم الحديث ، وعلاقة ذلك بتطورات الفكر على الصعيد السياسي والحركي .هذه مهمّة مصيريّة ويجب ان لا تخضع للمزاج الشخصي بل توضع له نظرية نظمية علمية ، تستفيد من التجارب البشرية وتجربة الحزب بالذات .
الثانية : الإسراع في إحكام عمليّة تنظيم خارجي فاعل ، لا يقوم على تقديم الأمنيات بل يقوم على اساس الولاء للفكر والتجربة .
الثالثة : تهيئة ثقافة إسلامية مبسّطة تعتمد النص السريع والافكار الألتزامية البسيطة والقيم المعروفة ونشرها في الاوساط العامة للامة ، ان التفصيل بالفكر اليوم بطر ، ومضيعة للوقت ، وخسارة للجماهير ، نعم من واجب الكادر الحزبي الإيغال بالفكر العميق ، ولكن للثقافة الشخصية الان .
الرابعة : التحلل من كل إتكاء خارجي ، واقصد هنا حزب الدعوة ( شاخة ايران ) ، فان مثل هذا الاتكاء خطر على الحزب وهذه ( الشاخة ) تتحمّل مسؤولية إخلاقية ودينية ووطنية ، وهي تعرف جيدا أن مثل هذا الاتكاء يمزق الشعب العراقي ويدمر شبابنا .
الخامسة : من هذه اللحظة تعمل الدعوة على تشكيل لجنة سياسية واعية ضليعة للاتصال بدول الجوار وإطّلاعها على سياسةالحزب ا لوطنية والمسالمة ، وإيمان الحزب بالنظام البرلماني التعددي ، ورفضه لكل اشكال العنف ، وتأكيده على الهويّة الوطنية للحزب ، ووحدة العراق الشعبية والترابية والأجتماعية ، ونقترح التواصل مع النظام الاقليمي للتفاهم على كثير من المواقف والتحاور بما يهم العراق وشعب العراق .
السابعة : تسوية كل الخلافات في حدود أدنى من الاتفاق المشترك ، وهذا الحل لا يجري ولا يتحق إذا لم تُحترم الاردات المختلفة ، وليتبع الحزب فلسفة الإختصاص ، ويجب مباركة كل داعية ينجح في العمل بالمجتمع حتى أذا لم يتفق في كل مواقفه مع الحزب .
أجزم ان الساحة الشيعيّة يمكن ان تنضبط في أتجاه الإنتاج الكبير والتحصيل العظيم في سياق مركب جامع بين السيستانيّة والدعوة ، على ان تكون للسيستانية مهمة القيادة الروحية والاخلاقية ، وسوف نعود للمزيد في ذلك .
المجلس الاعلى للثورة الإسلامية
قوّة وضعف
1 : من نقاط الضعف في هذا الحزب كونه تأسس خارج تراب الوطن ، ، ثم هو لم يكن حزباً أو تنظيماً قائماً برأسه ، بل كان مشروعا لتجميع الاحزاب والتيارات الاسلامية العراقية ، فلّما أنفرط هذا التجمع ، خرج موظفوه الاداريون وبعض حواري بيت السيّد الحكيم بتنظيم إتخذ من الاسم المذكور عنوانا ، ولذلك لم يكن المجلس الاعلى شيئا ذا ذكر قبل هذا التجميع بهذا العنوان .
2 : المجلس معروف بكل تفاصيله لدى الاطلاعات الايرانية ، وهذا شي طبيعي ولا يحتاج الى تفكير عميق ،  فهو تأسَّس في ظل ملابسات إيرانية معقدة ، وفي سياق صراع داخل إيران ، وفي ظل حرب مع العراق ، وراتبه من ايران ، وتعاونه االوجسكي والمخابراتي مع ايران ، فالقضية لم تعد سرا ولا هي من الخفايا .
3 : لا أعتقد بان المجلس يستطيع ان يمارس سياسة مستقلة عن إيران بشكل من الأشكال ، لانّه في الاساس رهان إيراني في سياق العلاقة مع العراق كمشكلة ، وساحة صراع ، وفرصة تغلغل ، وحراك سياسي واقتصادي في المستقبل .
4 : ولكن للمجلس خبرة قتالية جيدة بسبب وضعه القتالي الذي نشأ في سياقه ، وهو في ذلك قد يتفوق على المليشيات الكردية في شمال العراق ، بل يستطيع ان يمارس عملاً قتالياً متقدما من الناحية .
5 : لحمته القيادية المسيطرة تكاد تكون عائلية ، وربما يستمد بعض مقوماته من هذا العنصر بالذات ، وهو يخضع لقيادة فردية صارمة من الداخل ، تتمثل برجل روحاني هو الآخر لا يملك قراره مستقلاً بشكل كامل ،.
6 : لا يملك مقوّمات الاستمرار الذاتي ، وليس سرّا أن الجانب الوظيفي المادي يلعب دوراً كبيرا في الانتماء الى المجلس ، ولذا يطالب المجلس ان يكون جزء من القوات الرسمية العراقية كي يتخلص من هذا العبئ المالي الثقيل .
7 : حتى عنوان المجلس السياسي غير واضح ، تُرى ماهو المقصود بـ ( الثورة ) ؟ هل المقصود ثورة فكرية في المجتمع ؟ أم المقصود ثورة شعبية ؟
 رهانات ليست أكيدة ( ظاهرة اليتم الشيعي العراقي )
ونحن نتحدّث عن مشروع شيعي عراقي ينهض بالشيعة ، ويسعى الى تأمين حقوقهم ، ويرتقي بهم إجتماعيا وسياسيا وفكريا ، لابد ان نستعرض بعض الرهانات التي طالما نسمع بها من بعض الاطراف والقوى .
· هل يمكن الرهان على رجل العشيرة الشيعية العراقية ؟
أعتقد أنّ هذا الرهان مبالغ فيه ، فلم تعد العشيرة العراقية ا لشيعية تلك التي كانت على زمن العهد الملكي ، لقد دخلت في معادلة المساومة ، شيخ العشيرة في الغالب يتطلّع إلى دور سياسي وجاهي إقتصادي ، وليس بالضرورة يتعامل مع الإتجاه المذهبي والطائفي كعامل سابق على كل شي ، نعم ، ان العشيرة العراقية السنيّة تتعامل بهذا المقياس قبل كل شي ، أو بدرجة طاغية ، ولذا من الصعب الرهان على زعيم العشيرة العراقية الشيعية ، لا أقول النفي بالمرّة ، ولكن لا أطمئن الى مستوى عال من الاعتماد ، مع العلم أني اتحدث هنا عن الأيام الطويلة ، وليس عن إ يام آتية .
هل سوف يصمد رئيس العشيرة أمام إغراءات دولة جارة ؟
هل سوف يصمد أمام محنة قتالية تكلفه الكثير ؟
لست أدري ، وليس حكمي هنا عام ، ولكن أقول من الصعب المراهنة على رئيس العشيرة ا لشيعية الان وبالمطلق .
·       هل يمكن الرهان على العلماني الشيعي ؟
نعم في حدود ما ، ولكن العلماني الاديولجي الشيعي العراقي صعب المراس ، ربما العلماني بشكل عام، وليس العلماني المتأدلج ، وهي مفارقة غريبة في التاريخ ، فإن العلماني السني المتأدلج منحاز الى طائفته بشكل صريح .
·     هل يمكن الرهان على إيران ؟
صعب ، لان ايران تحوّلت الى دولة مصالح ، دولة قوميّة وربما الحكم فيها مخابراتي بدرجة حادّة ، هذا رهان غير مضمون .
·         هل يمكن الرهان على دولة إقليمية ؟
هو الآخر صعب بطبيعة الحال ، خاصّة نحن شيعة ، والارقام اثبتت ان أنظمة الجوار تكرهنا ، ولا ترتاح لنا ، خرج ذلك بطريقة مفاجئة .
·     هل يمكن الرهان على شيعة العالم ؟
هو الآخر رهان غير مضمون ، اللّهم الاّ على الصعيد العاطفي بشكل عام ، نعم ، ربما بعض شيعة العالم يتعاطفون معنا ، ولكن ما ذا يمكن ان يقدموا لنا في معركتنا ، ثمّ ، كل أمة منشغلة بحالها هذه الايام .
·     هل يمكن الرهان على شخصيّة شيعية مدنيّة كارزميّة ؟
ليس الآن ، هناك جدب شيعي على صعيد الشخصيّة الكارزميّة ، بل هناك جدب عراقي في الوقت الحاضر ، فصدام لم يدع مجالاً لمثل هذا الاحتمال .
لستُ متشائما ، ولكني اقول ان شيعة العراق ليس لهم إلاّ شيعة العراق ، ودول الجوار مع الاخوة السنّة ، وفي الحقيقة ممّا يثير الإنتباه بالنسبة لعلاقة دول الجوار بالسنة كونها علاقة ستراتيجية ، تتقوّم بإعادة النفوذ السني على ما كان عليه في زمن صدام حسين ، بل على ما كان عليه لعقود من الزمن ، وهو علاقة يسودها حب واحترم وتأصر ، فيما علاقة إيران بالشيعة العراقيين هي علاقة إ ستغلال ستراتيجي ، يصبّ في المصلحة القومية الإيرانية ، فايران تريد تحويل الجنوب العراقي ارض مواجة وإحراج مع الولايات المتحدة الأمريكية .
هل شيعة العراق يتامى ؟
يبدو كذلك !
في سياق الحديث عن الرهانات ومفارقاتها أذكر مفارقتين تدعونا لدراسة الواقع المرير، وهي حالات بسيطة ولكنّها تكشف عن الكثير من المعاني .
المفارقة الأ ولى : فوز أخ سني بأمانة نقابة المحامين العراقيين رغم ان عدد المحامين الشيعة اكثر من الاخربن بنسبة عالية ، وكان عدد المرشّحين من الشيعة لهذا الموقع عشرة !ّ
المفارقة الثانية : فور أخ سني بإمانة نقابة المهندسين العراقيين مع التفوّق العددي للمهندسين الشيعة !
هيَّا إلى السلاح / ولمحة عن السا حة
في لقطة تلفزيونيّة مثيرة ، تفنّن مراسل الجزيرة الاردني بإظهارها وتبريزها ، يطلع علينا رجل دين معمّم ، يقول بثقة رهيبة : سوف نحمل السلاح لنقاتل الامريكان ، وفي لقطة ثانية لمعمّم من اهل الثورة تفنّن مراسل العربية بإظهارها ، يقول : سوف لا نسمح للامريكان الارجاس الانجاس بالدخول الى المدينة ، مدينة الصدر المنوّرة ! وفي تصريح لشيخ كربلائي يهدد بالاصطادمات والاحتجاجات المسلّحة إذا إقتضى الامر !
لست ادري اين مثل هذه الشجاعة زمن صدام حسين ؟
لو أنّ صدام حسين عاد الى السلطلة هل سوف ينطق الشيخ الكربلائي ببنت شفة ؟
لا علينا ... الكلام سهل ... ولكن لنتساءل بعمق : ــ
هل سوف نقاتل حقا ؟
نقاتل من ؟
الأمريكان ؟
تنهال المساعدات المادية والمالية على الاخوة السنّة من دول الجوار ، رواتب مجزية ، ومساعدات خيالية من الممكنات ، وكثير من شيعة العراق لا يملكون ما يسدّ جوعة بطنهم ؟
المناطق السنيّة خالية من المخدرات والحشيش وهناك تعاضد شعبي حدودي على مواجهة هذه الظاهرة الخطرة ، فيما مناطق الشيعة مزروعة بالمخدرات والحشيش ، ويتعاون على ذلك ثلاثة عناصر أو ثلاثة مصادر رهيبة : ـ
المصدر الأول : الأيرانيون .
المصدر الثاني : الوهابيون .
المصدر الثالث : تجار الموت .
تتمتّع الجبهة السنيّة بشي ملموس من وحدة الخطاب والفكرة والإتجاه ، فيما ا لجبهة الشيعية يسودها الخلاف في الهدف والوسيلة والفكر ، من ولاية الفقيه الى عدم تدخل رجل الدين بالسياسة ، وولي الفقيه من خارج ايران ، يتردد بين كاظم الحائري المفتون بإصدار فتاوى الموت ألى الخامنئي الذي ليس له من السلطان على ايران سوى القبض بيد من حديد على الامن والمخابرات !
هيّا الى السلاح !
سوف نقوم باحتجاجات وربما مسلّحة !
ولكن لَّما حصلت المأساة في الصحن الكربلائي المصون إستنجدوا بالقوات ( الضالَّة ) لحماية الناس من الرصاص والقتل والنهب وا لسلب .
هيّا الى السلاح !
نعم
ولكن كيف سوف نسيطر على ( الفرهود ) ، وعلى ( الثارات الشخصيّة ) ، وعلى فرصّة ( بعض العشائر ) ، وعلى إندساس الوهابيين الذين يخططون لحرب طائفية دامية ، قد أحرزوا بها النصر بشكل و اخر مسبقا ، وهل يقدم الوهابيون على مثل هذه المغامرة لولا ضمانات ؟
هيا الى السلاح !
ولكن ماذا لو إشتعلت شرارة بالصدفة او بالتخطيط داخل المدينة المقدّسة، او القرية الشيعية ؟ أو المسجد الشيعي ؟
كلام غير مسؤول .
التخطيط من الجانب الآخر قائم على قدم وساق ، والمتدينون الشيعة في البصرة يفرضون الحجاب على الناس ويحرقون البارات ممّا أرعب الناس ، بحجة الامر بالمعروف وا لنهي عن المنكر .
هيّا الى السلاح !
ولكن لمّا تحركّت الدبابات صوب مدينة ( الصدر المنوّرة ) عندما أعلن شيخ معمّم رفضه لكل وجود امريكي تطايرت الجماهير تفتش عن مأوى لان منظر أرتال الدبابات كان مخيفا .
!
ليست القوّة بوجود مليشيات ، ولا بالسيول البشرية ، وإنّما القوّة بالنظم ، ووحدة الهدف ، ومرونة الحركة ، وتنظيم العمل .
هيّا الى السلا ح !
 خرافات سياسيّة
ونحن نسال ماذا نريد وكيف يُراد لنا تسليط ا لأضواء على مصفوفة من الخرافات السياسية التي ما زالت تحتل مكانة كبيرة في تصورات الكثير من مفكريّينا ومثقفينا بل وبعض علمائنا .
الخرافة الاولى : الوحدة الاسلامية ، أي التوافق ( المطلق) بين الأفكار والمصالح والاهداف والآليات ، هناك صراع وسوف يبقى ، ولكن تختلف درجاته من زمن لآخر .
الخرافة الثانية : الدولة الإسلامية ( لا أقصد من حيث المبدأ ، بل على صعيد معطيات الواقع الحالي في العراق والمنطقة والعالم ) .
الخرافة الثالثة : الوحدة او التحالف الشيعي الكردي لأماد طويلة أم أماد متوسطة .
الخرافة الرابعة : الثبات السني على المقاومة حتى إخراج الامريكان من العراق ، فإن كل المحتملات واردة .
الخرافة الخامسة : الإتكاء على الضمانات الامريكية بأطمئنان .
مطلب عاجل من المرجعية الدينية
يراهن كثير من الأعداء على نخر الكيان الشيعي من الداخل ، وهذا النخر يتجه الى البنية الشيعية ككل ، أي لا يتناول النواة الشيعية المتمثلة في المرجعية او الحزب أو المسجد الشيعي ، بل يتناول بنية الكيان الشيعي متجسّدا بمضمونه البشري بشكل عام ، تحويله إلى كيان عاجز ، مُستهلك ، خائب ، مكسور الجناح ، لا يفكر بهدف او غاية .
هناك مؤامرة خبيثة على تمييع الشيعة في العراق ، وأعتقد ان معالمها بدأت واضحة ، وما إغراق المناطق الشيعية بالمخدرات وبنات الهوى الا مقدمة لذلك ، بل ذلك لب الخطة ، والسؤال الذي يفرض نفسه عاجلا : أين المرجعية الدينية من كل هذا ؟
نعتقد وبكل صراحة ، قبل ان نفكر بما نريد وكيف نعمل على تحقيق ما نريد هو ان نفكر جديّأ بإنقاذ الجسم الشيعي من هذا الخطر الفتاك ، نريد فتاوى فورية تحرم بيع وشراء وترويج هذه المادة السامة ، نريد نداء الى ايران لضبط حدودها في هذه الخصوص ، نريد تشكيل جمعيات تحت إشراف المرجعية وبالتعاون مع السلطات المحلية لتعقب المجرمين الذين يبيعون ويروجون هذه المواد القاتلة والمقصود بها قتل الشيعة التشيع ، نريد بيانات من المرجعية توجه الناس الى الاخبار عن هؤلاء القتلة ، نريد من المرجعية السيستانية حفظها الله ورعاها أن تتابع هذه القضية بدقة ، فكونوا على ثقة ان هناك مؤامرة يشترك بها الأعداء وتجار الموت لأماتة الشيعة ، شباب الشيعة ، فهل كل ذلك لا يهز المرجعية الدينية من ان تلعب دورها المهم في هذه القضية الخطيرة ؟ ليس خطوة او خطوتين ، وإنما خطة مرمجة يشرف عليها المرجع الكبير بنفسه ، وهل تنفعنا مليشيات مسلحة وشبابنا مخدّر ؟ وهل تنفعنا هذه الصلوات الا لفية وشبابنا مخدّر ؟ الغوث ...الغوث ...الغوث
وفي الحلقة الثانية جواب على السؤال المصيري : ماذا نريد ؟
    
 

الرئيسية  | مركز الصدرين للفكر الإستراتيجي |  العودة للصفحة السابقة