رؤية الشهيد الصدر (رض) لظاهرة الدولة الدينية وضرورات الدعوة
إليها
(شهادة الأنبياء وخلافة الأمة)
كتابات - نبيل علي صالح
لا شك أنَّ مشروعية بناء الدولة في الفضاء المعرفي والسياسي الإسلامي هي من أهم
القضايا التي أثير-ولا يزال يثار- حولها الكثير من الجدل والتساؤل.. في طبيعة
وجودها، وشكل الحكم فيها، ودورها، وشرائط بسط سيادتها، وقدرتها على سن القوانين،
وحماية النظام الإسلامي.
والذي يبدو أمامنا -في المدى المنظور- أنَّ هذه القضية ستبقى من أهم المحاور
والقضايا المطروحة على الساحة ، والتي ستقوم على أساسها أكثر المسائل السياسية
والاجتماعية القادمة، وستكون -بالنظر إلى ذلك- منشأً لاختلاف الآراء والأحكام في
حقل العلوم السياسية العملية.
وقد سبق لعلماء وفقهاء مسلمين كثر أنْ عالجوا "موضوعة الدولة" ، وتناولوا -بشيء من
العموم، وعدم التخصيص- البحث في "مشروعيتها التأسيسية الإسلامية". لكن الإمام
الشهيد السيد: محمد باقر الصدر(قده) انطلق -في هذا المجال- من خلال نظريته العامة
في "شهادة الأنبياء وخلافة الأمة" ، ليقوم بعملية تقعيد وقوننة -إذا صح التعبير-
لمفهوم الدولة الإسلامية ، وللدور ، والموقع الذي يجب أنْ تشغله الأمة ككل في الشأن
السياسي ، وفي تركيبة هذه الدولة التي تمثل –من خلال نموذجها الإسلامي الفريد-
التجسيد الحي لطموحات وآمال المسلمين جميعاً في تطلعهم الدائم ، وسعيهم الحثيث نحو
الالتزام الشرعي الكامل بمفرداتها وقواعدها .
وفي البداية يحاول الشهيد الصدر إعطاء فكرة عامة عن الدولة ، حيث يعتبرها ظاهرة
اجتماعية أصلية في حياة الإنسان ، وقد نشأت هذه الظاهرة على يد الأنبياء ورسالات
السماء ، واتخذت صيغتها السوية ، ومارست دورها السليم في قيادة المجتمع الإنساني،
وتوجيهه من خلال ما حققه الأنبياء في هذا المجال من تنظيم اجتماعي قائم على أساس
الحق والعدل يستهدف الحفاظ على وحدة البشرية وتطوير نموها في مسارها الصحيح (1) .
قال تعالى : } كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم
الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من
بعدما جاءتهم البينات بغياً بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق
بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( (البقرة : 213 ).
ويلاحظ السيد الشهيد - من خلال النص القرآني السـابق – أنَّ الناس كانوا أمة واحدة
في مرحلة تسـودها
الفطرة ، وتوحد بينها تصورات بدائية للحياة ، وهموم محددة ، وحاجات بسيطة ، ثم نمت
-من خلال الممارسة الاجتماعية للحياة -المواهب والقابليات، وبرزت الإمكانات
المتفاوتة، واتسعت آفاق النظر، وتنوعت التطلعات، وتعقّدت الحاجات فنشأ الاختلاف،
وبدأ التناقض بين القوي والضعيف، وأصبحت الحياة الاجتماعية بحاجة إلى موازين تحدد
الحق، وتجسد العدل، وتضمن استمرار وحدة الناس في إطار سليم، وتصب كل تلك القابليات
والإمكانات التي نمتها التجربة الاجتماعية في محور إيجابي يعود على الجميع بالخير
والرخاء والاستقرار بدلاً عن أنْ يكون مصدراً للتنافس وأساساً للصراع والاستغلال ،
وفي هذه المرحلة ظهرت فكرة الدولة على يد الأنبياء ، وقام الأنبياء بدورهم في بناء
الدولة السليمة، ووضع الله تعالى للدولة أسسها وقواعدها كما لاحظنا في الآية
المتقدمة الذكر ، وظل الأنبياء –كما يؤكد السيد الشهيد– يؤصلون بشكل أو بآخر دورهم
العظيم في بناء الدولة الصالحة(1). وقد تولى عدد كبير منهم الإشراف المباشر على
الدولة كداود وسليمان وغيرهما . وقضى بعض الأنبياء كل حياته وهو يسعى في هذا السبيل
كما في حالة موسى(ع)، واستطاع خاتم الأنبياء ( ص ) أنْ يتوج جهود سلفه الطاهر
بإقامة أنظف وأطهر دولة في التاريخ شكلت بحق منعطفاً عظيماً في تاريخ الإنسان ،
وجسدت مبادئ الدولة الصالحة تجسيداً كاملاً ورائعاً.
فالدولة حاجة ثابتة ومطلقة كانت منذ أن دخل المجتمع الإنساني مرحلة الاختلاف،
والصراع السياسي، وتعقّد الحياة الاجتماعية، وستبقى إلى الأخير طالما أن المجتمع
الإنساني ماضٍ في تطور العلاقات وتعقدها وتضخم حاجاته الإدارية والتنسيقية، وطالما
أن الإنسان سوف يبقى هو ذاك الإنسان ذو طموحات ونزعات ومصالح تتزاحم وتتضارب الأمر
الذي يدعو إلى اختلاف، وصراع، عبّر عنه القرآن الكريم بالقول } ولا يزالون مختلفين
{ فالدولة إذن ضرورة اجتماعية، وظاهرة صحية في الأمة وليست ظاهرة مرضية ، ولايمكن
أن يقوم مجتمع بلا دولة دون أن تعمّه الفوضى والاضطراب والتحلل(2) .
والحديث عن الدولة الدينية -تحديداً الإسلامية- يقودنا إلى طرح السؤال التالي،
ومحاولة الإجابة عليه، وهو: ما هي الأسس الفلسفية والمعرفية التي ارتكز عليها
الشهيد الصدر لإبداع نظريته السياسية الإسلامية؟!.
يمكن القول –بدايةً– أن نظرية الصدر(رض) –في خلافة الأمة وشهادة الأنبياء– تمتاز
وتتميز بأصولها القرآنية الخاصة، حيث حاول السيد الشهيد من خلالها تأسيس المبادئ
الأولى للعمل الاجتماعي والممارسة السياسية التي تجسد تطلعات وآمال الدين في تحقيق
معنى وجوهر الهداية إلى الصراط المستقيم، والاستقامة عليه.
ضمن هذا الإطار سنحاول -في مرحلة أولى- استعراض مضمون ومحتوى هذه النظرية، ثم سنقوم
-في مرحلة ثانية- باكتشاف أهم التجليات العملية والتمثلات الحركية لها في مجال نظام
السلطة والإدارة العامة التي لا بد للأمة من أنْ تتمتع بها ، بما يؤهلها كفاية
لممارسة دورها الفعال المطلوب منها أساساً على مستوى انخراطها في تحقيق أجواء
ومستلزمات مسؤولياتها الإستخلافية العامة.
يبدأ الشهيد الصدر أولاً باستعراض الآيات القرآنية التي تحاول تركيز مفهومي الشهادة
والخلافة في ذهنية الأمة، وتأسيس مجالات عملية لهما في الواقع الإسلامي العام. وتحت
عنوان "الخلافة العامة في القرآن الكريم" يدرج الشهيد الصدر الآيات التالية :
1ـ } وإذْ قال ربّك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد
فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون وعلم آدم
الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين
قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم
بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم
ما تبدون وما كنتم تكتمون { ( البقرة آية 30 ) .
2ـ } إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح { ( الأعراف : 69 ) .
3ـ } هو الذي جعلكم خلائف في الأرض { ( فاطر : 39 ) .
4ـ } يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق { ( ص : 26 ) .
5ـ } إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها
وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً { ( الأحزاب : 72 ) .
وتحت عنوان " الشهادة في القرآن الكريم " يدرج الصدر الآيات التالية :
1ـ } فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً { ( النساء : 41 ) .
2ـ } وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً
{(البقرة : 143).
3ـ } وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل
شيء شهيد { ( المائدة : 117 ) .
4ـ } ويوم نبعث في كل أمة شهيداً عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيداً على هؤلاء ونزلنا
عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدىً ورحمةً وبشرى للمسلمين { ( النحل : 89) .
5ـ } هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء
على الناس { ( الحج : 78 ) .
6ـ } إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم
الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين { ( آل عمران : 140 ) .
7ـ } إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا
والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء { ( المائدة : 44
) .
8ـ } وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق
وهم لا يظلمون { ( الزمر : 69 ) .
ويعتبر الشهيد الصدر ( رض ) أنّ هاتين المجموعتين من الآيات تجسدان " الأساس
الإسلامي لخطي الخلافة والشهادة " ، وذلك يعني أنّ الرؤية القرآنية تؤسس لحركة
الإنسان في الحياة ـ بالمعنى الروحي والعملي الحركي السياسي بالاعتماد على مفهومي "
الخلافة " و " الشهادة ". والاستجابة لمقتضى الاستخلاف الرباني الإلهي ( وتحمل
مسؤولية الخلافة الربانية ) ليست مهمة منوطة بآدم فحسب (1) ، وذلك لأن الخلافة التي
تتحدث عنها الآيات الشريفة المذكورة ليست استخلافاً لشخص آدم ( ع ) بل للجنس البشري
كله ، لأنّ من يفسد في الأرض ويسفك الدماء –وفقاً لمخاوف الملائكة– ليس آدم بالذات
بل الآدمية والإنسانية على امتدادها التاريخي . فالخلافة إذن ، قد أعطيت للإنسانية
على الأرض ولهذا خاطب القرآن الكريم في المقطع الثاني والمقطع الثالث المجتمع
البشري في مراحل متعددة ، وذكّرهم بأنّ الله جعلهم خلائف في الأرض ، وكان آدم هو
الممثل الأول لها بوصفه الإنسان الأول الذي تسلّم هذه الخلافة ، وحظي بهذا الشرف
الرباني ، فسجدت له الملائكة ودانت له قوى الأرض (2) .
أي أنه - وبعد أنْ يقرر الإسلام مبدأ ملكية الله تعالى - يرتب عليه مبدأ الخلافة
المذكورة ليكون الإنسان المستخلف على الأرض منسجماً - في حركته الحياتية كلها - مع
عناصر ودوافع ومعطيات وآثار هذا الاستخلاف الرباني والإقامة الإلهية . ومن هنا ( من
مبدأ الخلافة ) ينطلق ( هذا الإنسان ) بانياً ومعمراً وممارساً لمهمة الحكم ،
والإدارة ، وتنظيم الحياة باعتبار ذلك وظيفة حياتية دائمة ومستمرة في كل التاريخ
البشري . وعلى هذا الأساس تقوم نظرية حكم الناس لأنفسهم ، وشرعية ممارسة الجماعة
البشرية حكم نفسها بوصفها خليفة عن الله(3) .
لكن عملية الاستخلاف الرباني للإنسان على الأرض لابد أن ترتكز على عناصر أساسية تخص
عملية تنظيم مبدأ الاستخلاف ذاته في امتداد الحياة كلها، وهذه العناصر – كما حددها
الشهيد الصدر- هي(4) :
أولاً: (العقيدة) وهي القاعدة المركزية في التفكير الإسلامي، التي تحدد نظرة المسلم
الرئيسية إلى الكون بصورة عامة .
ثانياً: (المفاهيم) التي تعكس وجهة نظر الإسلام في تفسير الأشياء على ضوء النظرة
العامة التي تبلورها العقيدة .
ثالثاً: (العواطف) والأحاسيس التي يتبنى الإسلام بثّها وتنميتها إلى صف تلك
المفاهيم ، لأن المفهوم – بصفته فكرة إسلامية عن واقع معين – يفجر في نفس المسلم
شعوراً خاصاً تجاه ذلك -الواقع ، ويحدد اتجاهه العاطفي نحوه ، فالعواطف الاسلامية
وليدة المفاهيم الإسلامية . والمفاهيم بدورها موضوعة في ضوء العقيدة الإسلامية
الأساسية .
وانطلاقاً من المقدمات الفكرية الواسعة السابقة يرى الشهيد الصدر أنّ المعنى
الحقيقي لعملية الاستخلاف الرباني للجماعة البشرية على الأرض يتجسد من خلال الأمور
التالية :
أولاً - انتماء الجماعة البشرية إلى محور واحد ، وهو المستخلِف ( الله تعالى ) . أي
العمل على توحيد الالتزام والموالاة المطلقة للمَثَل الأعلى ، المالك الواحد الوحيد
للكون ، بدلاً عن كل الانتماءات والالتزامات الوضعية ( المتصنمة ) الأخرى . وهذا هو
التوحيد الخالص الذي قام على أساسه الإسلام ، وحملت لواءه كل ثورات الأنبياء تحت
شعار لا إله إلا الله (1) . ] صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له مسلمون ونحن
له عابدون [ ( البقرة : 138 ) .
] يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار [ ( يوسف : 39 ) .
فالله تعالى هو الحاكم الأعلى ، وهو مصدر جميع السلطات ، وإليه تنتهي جميع القرارات
، لأنه هو نفسه تعالى مصدر الخلق والتكوين ، وواهب الحياة ومقومات الوجود . فكما له
الخلق والإبداع ، كذلك له الأمر والنهي وكل صلاحيات الأمة والإمام ( ولي الأمر )
فهي معطاة و مستمدة منه تعالى .
ثانياً - إقامة العلاقات الاجتماعية على أساس العبودية المخلصة لله ، وتحرير
الإنسان من عبودية الأسماء التي تمثل ألوان الاستغلال والجهل والطاغوت .
] ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها [ ( يوسف : 40 ) .
ثالثاً - تجسيد مبدأ الأخوة العامة في كل مجالات العلاقات الاجتماعية .
وذلك من خلال العمل الدائم على محو ألوان الاستغلال والتسلط . فما دام الله تعالى
واحد ، ولا سيادة إلا له ، والناس جميعاً متساوون بالنسبة إليه ، فمن الطبيعي أن
يكونوا أخوة متكافئين في الكرامة الإنسانية والحقوق كأسنان المشط على ما عبر الرسول
الأعظم ( ص ) ، ولا تفاضل ، ولا تمييز في الحقوق الإنسانية ، ولا يقوم التفاضل على
مقاييس الكرامة عند الله تعالى ، إلا على أساس العمل الصالح تقوى أو علماً أو
جهاداً (2)
] وأنْ ليس للإنسان إلا ماسعى [ ( النجم : 39 ) .
رابعاً - إنَّ الخلافة تقوم على الاستئمان والمسؤولية . والمسؤولية - التي ترتبط
ارتباطاً مباشراً ( بحكم الاستلزام ) مع قاعدة الاستخلاف - ينظر إليها الشهيد الصدر
( رض ) على أنها علاقة ذات حدين ، فهي من ناحية تعني الارتباط والتقيد ، فالجماعة
البشرية التي تتحمل مسؤوليات الخلافة على الأرض إنما تمارس هذا الدور بوصفها خليفة
عن الله ولهذا فهي غير مخولة أن تحكم بهواها أو باجتهادها المنفصل عن توجيه الله
سبحانه وتعالى لأن هذا يتنافى مع طبيعة الاستخلاف ، وإنما تحكم بالحق وتؤدي إلى
الله تعالى أمانته بتطبيق أحكامه على عباده وبلاده وبهذا تتميز خلافة الجماعة
بمفهومها القرآني والإسلامي عن حكم الجماعة في الأنظمة الديمقراطية الغربية فإن
الجماعة في هذه الأنظمة هي صاحبة السيادة ولا تنوب عن الله في ممارستها ويترتب على
ذلك أنها ليست مسؤولة بين يدي أحد وغير ملزمة بمقياس موضوعي في الحكم بل يكفي أن
تتفق على شيء ولو كان هذا الشيء مخالفاً لمصلحتها ولكرامتها عموما أو مخالفا لمصلحة
جزء من الجماعة وكرامته ما دام هذا الجزء قد تنازل عن مصلحته وكرامته ، وعلى العكس
من ذلك حكم الجماعة القائم على أساس الاستخلاف فإنه حكم مسؤول والجماعة فيه ملزمة
بتطبيق الحق والعدل ورفض الظلم والطغيان وليست مخيرة بين هذا وذاك حتى أن القرآن
الكريم يسمي الجماعة التي تقبل بالظلم وتستسيغ السكوت عن الطغيان بأنها ظالمة
لنفسها ويعتبرها مسؤولة عن هذا الظلم ومطالبة برفضه بأي شكل من الأشكال ولو بالهجرة
والانفصال إذا تعذر التغيير.. قال الله سبحانه وتعالى :
} إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في
الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً
{ ( النساء : 97 ) .
وتعني المسؤولية من ناحية أخرى أن الإنسان كائن حر إذ بدون الاختيار والحرية لا
معنى للمسؤولية ، ومن أجل ذلك كان بالإمكان أن يستنتج من جعل الله خليفة على الأرض
أنه يجعل الكائن الحر المختار الذي بإمكانه أن يصلح في الأرض وبإمكانه أن يفسد
أيضاً وبإرادته واختياره يحدد ما يحققه من هذه الإمكانات .
} إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً { (الإنسان : 3) .
ويقدَّم مفهوم الشهادة في نظر الشهيد الصدر على أساس أنه صمام الأمن الذي يحفظ خط
الخلافة من الضياع ، والتشتت ، والانحرافات الروحية السلوكية عندما تتحرك الأمة في
مسيرتها التكاملية على طريق تحقيق أهدافها وطموحاتها الإنسانية العالية . وأكثر ما
يظهر هذا التوجه ، عند الشهيد الصدر ، في قوله : إن الله تعالى قد وضع إلى جانب خط
الخلافة ، خط الشهادة الذي يمثل القيادة الربانية والتوجيه الرباني على الأرض. إن
الملائكة لاحظوا خط الخلافة بصورة منفصلة عن الخط المكمل له بالضرورة فثارت
مخاوفهم، وأما الخطة الربانية فكانت قد وضعت جنباً إلى جنب : أحدهما خط الخلافة
والآخر خط الشهادة الذي يجسده شهيد رباني يحمل إلى الناس هدف الله ، ويعمل من أجل
تحصينهم من الانحراف(1) ، وهو الخط الذي أشار إليه القرآن الكريم في قوله :
] قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هُداي فلا خوف عليهم ولا
يحزنون [ ( البقرة : 38 ) .
ولم يكتف الشهيد الصدر (رض ) باستعراض ودراسة الآيات القرآنية التي تحدثت عن مفهومي
"الخلافة" و " الشهادة "، ولكنه قام باستنتاج الأبعاد العملية لمعادلة الخلافة
الربانية. فها هو يحلل أطرافها إلى عناصر أربعة . لأن الاستخلاف يفترض مستخلفاً
أيضاً ، فلا بد من مستخلِف، ومستخلَف عليه، ومستخلَف. فهناك - إضافة إلى الإنسان
وأخيه الإنسان والطبيعة- يوجد طرف رابع في طبيعة وتكوين علاقة الاستخلاف، وهو
المستخلِف. إذ لا استخلاف بدون مستخلِف، فالمستخلِف هو الله سبحانه وتعالى،
والمستخلَف هو الإنسان وأخوه الإنسان، وبكلمة أخرى الإنسانية ككل، أو الجماعة
البشرية . والمستخلَف عليه هو الأرض وما عليها ومن عليها (1). وبالتالي يكون دور
الإنسان في ممارسة حياته، إنما هو دور الاستخلاف والاستئمان، وأنّ أي علاقة تنشأ
بين الإنسان والطبيعة هي في جوهرها ليست علاقة مالك لمملوك، وإنما هي علاقة أمين
على أمانة استؤمن عليها، والأمر الذي يجعل من الأمانة الوجه التقبلي للخلافة،
والخلافة هي الوجه الفاعل والعطائي للأمانة (2) .
فالخلافة إذن ، حركة دائبة نحو قيم الخير والعدل والقوة ، وهي حركة لا توقف فيها ،
لأنها متجهة نحو المطلق ، وأي هدف آخر للحركة سوى المطلق - سوى الله سبحانه وتعالى
- سوف يكون هدفاً محدوداً ، وبالتالي سوف يجمد الحركة ، ويوقف عملية النمو في خلافة
الإنسان . وعلى الجماعة التي تتحمل مسؤولية الخلافة أنْ توفر لهذه الحركة الدائبة
نحو هدفها المطلق الكبير كل الشروط الموضوعية ، وتحقق لها مناخها اللازم وتصوغ
العلاقات الاجتماعية على أساس الركائز المتقدمة للخلافة الربانية (3) .
وبعد أنْ يحسم الشهيد الصدر مسألة الخلافة الأرضية حسماً قرآنياً خالصاً ، ويحددها
مؤطراً ببعدين أساسيين هما : بعد الشهادة ، وبعد الأمانة ( الخلافة ) ، ينطلق ( رض
) للتأكيد - كنتيجة طبيعية للمقدمات الأولى - على أن ممارسـة الأمة لدورها الحضاري
الرائد بين أمم ورسـالات العالم كله لا يمكن أنْ يتـم مـن دون
عملية إشراف وشهود . وهذه العملية ليست حقاً للأمة الإسلامية يمكن أنْ تتنازل عنه
وقت ما تشاء ، ولكنه واجب ومسؤولية وفرض إلهي تؤكده شريعة هذه الأمة نفسها .. يقول
تعالى ]: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس [ ويقول في موضع آخر : ]
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر [ . إنها
مسؤولية الخلافة والأمانة ، التي يؤكد الشهيد الصدر من خلالها على أنه ما لم يحصل
تدخل رباني لهداية " الإنسان – الخليفة " في مسيره ( وحركته الاستخلافية الممتدة )
فإنه سوف يخسر كل الأهداف الكبيرة التي رسمت له في بداية الطريق(4) وهذا التدخل هو
خط الشهادة . وهنا يرى الشهيد الصدر أنَّ قوله تعالى: ] إنا أنزلنا التوراة فيها
هدى ونور يحكم النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا
من كتاب الله وكانوا عليه شهداء [ (المائدة : 44 ) يؤسس -بكل وضوح- للدور الرسالي
الكبير الذي يجب أنْ يقوم به الشهداء ، وعلى اختلاف درجاتهم ، وأصنافهم ، وهم
النبيون والربانيون والأحبار ، والأحبار هم علماء الشريعة ، والربانيون درجة وسطى
بين النبي والعالم، وهي درجة الإمام . ومن هنا أمكن القول بأن خط الشهادة يتمثل:
أولاً - في الأنبياء .
ثانياً - في الأئمة .
ثالثاً - في المرجعية التي تعتبر امتداداً رشيداً للنبي ( ص ) ، والإمام ( ع ) في
خط الشهادة (1).
والمهمة المشتركة التي يجب على هؤلاء الشهداء القيام بها ، والتمكن من ممارستها
تتجسّد عند السيد الشهيد في :
أولاً - استيعاب الرسالة السماوية والحفاظ عليها .
] بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء [ ( المائدة : 44 ) .
ثانياً - الإشراف على ممارسة الإنسان لدوره في الخلافة ، ومسؤولية إعطاء التوجيه
والإشراف بالقدر الذي يتصل بالرسالة ، وأحكامها ، ومفاهيمها .
ثالثاً - التدخل لمقاومة الانحراف ، واتخاذ كل التدابير الممكنة من أجل سلامة
المسيرة .
فالشهيد مرجع فكري وتشريعي من الناحية الأيديولوجية ، ويشرف على سير الجماعة ،
وانسجامه ايديولوجياً مع الرسالة الربانية التي يحملها ، ومسؤول عن التدخل لتعديل
المسيرة ، أو إعادتها إلى طريقها الصحيح إذا واجه انحرافاً في مجال التطبيق . هذا
هو المحتوى المشترك لدور الشهداء بأصنافهم الثلاثة (3) . وبعد أنْ بين الشهيد الصدر
الفروق الجوهرية الكائنة بين الأصناف الثلاثة في طريقة أدائها للدور والمهمة
الملقاة على عاتقها ، نجده ( رض ) يؤكد على أن المرجعية ـ كخط ـ قرار إلهي ،
والمرجعية ـ كتجسيد في فرد معين ـ هي قرار من الأمة .
إذن لقد استطاع الصدر- من خلال تلك المعالجة القرآنية الرائعة التي ارتكز عليها في
تأسيسه العملي لدور المرجعية ( الشاهدة والشهيدة ) في المجتمع المسلم ، في سياق
أداء الأمة لواجباتها ومسؤولياتها الإسلامية انطلاقاً من مبدأ " الخلافة " نفسه –
استطاع أنْ يبني القاعدة الدينية الإسلامية الصلبة الخاصة بنظريته السياسية
الإسلامية الواقعية التي تقوم على أساس المزاوجة الواعية والحكيمة بين "ولاية
الفقيه" و "الشورى"، وهو الأمر الذي لم تستطع أن تفعله أية نظرية سياسية أخرى .
لقد انطلق السيد الشهيد -كما ذكرنا- من قاعدة ومبدأ الخلافة العامة التي يرى أنَّ
الله تعالى قد منحه للجماعة البشرية ممثلة في آدم ( ع ) لإثبات أنَّ الأمة تمتلك
حقاً وسلطة من قبل الله عز وجل في حكم نفسها، وإدارة شؤونها السياسية العامة (1) .
وهو يوضح هذه الفكرة بقوله : ولما كانت الجماعة البشرية هي التي مُنِحَت -ممثلة
في آدم- هذه الخلافة ، فهي إذن مكلفة برعاية الكون ، وتدبير أمر الإنسان ، والسير
بالبشرية في الطريق المرسوم للخلافة الربانية . وهذا يعطي مفهوم الإسلام الأساسي عن
الخلافة ، وهو أنَّ الله سبحانه وتعالى أناب الجماعة البشرية في الحكم ، وقيادة
الكون، وإعماره اجتماعياً وطبيعياً. وعلى هذا الأساس تقوم نظرية حكم الناس لأنفسهم،
وشرعية ممارسة الجماعة البشرية حكم نفسها بوصفها خليفة عن الله تعالى(2).
ويعتبر الشهيد الصدر سلوكية النبي (ص) -عندما كان يسمح للأمة بأنْ تشارك سياسياً
واجتماعياً في عملية بناء الدولة الإسلامية ، بالرغم من كونه ( ص ) معصوماً ومؤيداً
من قبل الله تعالى - إقراراً واعترافاً بأهمية الدور الملقى على عاتق هذه الأمة في
ضرورة مشاركتها الفعالة في صياغة وبناء المجتمع الإسلامي الحقيقي. وقد كان تركيز
النبي (ص) على ضرورة إشراك الأمة في صنع القرارات - كما ظهر من خلال ممارسة الشورى
، وأخذ البيعة - دعوةً عملية منه (ص) لوضع الحكم الإسلامي على قاعدة أمينة ومستقرة،
وهي قاعدة الشرعية ( والمشروعية ) ببعدها العمودي الإلهي ، وبعدها الأفقي البشري .
وفي هذا الشأن يتحدث الشهيد الصدر قائلاً : وقد أوجب الله سبحانه وتعالى على النبي
- مع أنه القائد المعصوم - أنْ يشاور الجماعة ويشعرهم بمسؤوليتهم في الخلافة من
خلال التشاور.
} وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله { ( آل عمران: 159 ) .
ويعتبر هذا التشاور من القائد المعصوم عملية إعداد للجماعة من أجل الحلافة وتأكيد
عملي عليها .
كما أن التأكيد على البيعة للأنبياء وللرسول الأعظم وأوصيائه تأكيد من الرسول على
شخصية الأمة وإشعار لها بخلافتها العامة وبأنها بالبيعة تحدد مصيرها و أن الإنسان
حينما يبايع يساهم في البناء ويكون مسؤولاً عن الحفاظ عليه ، ولا شك في أن البيعة
للقائد المعصوم واجبة لا يمكن التخلف عنها شرعاً ولكن الإسلام أصر عليها واتخذها
أسلوباً من التعاقد بين القائد والأمة لكي يركز نفسياً ونظرياً مفهوم الخلافة
العامة للأمة .
وقد دأب القرآن الكريم على أن يتحدث إلى الأمة في قضايا الحكم توعية منه للأمة على
دورها في خلافة الله على الأرض .
} وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل { ( النساء : 58 )
} الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما { ( النور : 2 ) .
} والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما { ( المائدة : 38 ) .
} أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه { ( الشورى:13 ) .
} والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر …{
(التوبة :71) .
وإذا لاحظنا الجانب التطبيقي من دور النبوة الذي مارسه خاتم المرسلين صلى الله عليه
وآله وسلم نجد مدى إصرار الرسول على إشراك الأمة في أعباء الحكم ومسؤوليات خلافة
الله في الأرض حتى أنه في جملة من الأحيان كان يأخذ بوجهة النظر الأكثر أنصاراً مع
اقتناعه شخصياً بعدم صلاحيتها وذلك لسبب واحد وهو أن يشعر الجماعة بدورها الإيجابي
في التجربة والبناء (1).
ونظراً للأهمية الكبيرة الكائنة في الجانب الشرعي الذي تتحدد على ضوئه الكيفية التي
تستطيع الأمة من خلالها أداء وممارسة وظائفها ، وحقوقها السياسية داخل منظومة العمل
السياسي الخاص بالمجتمع السياسي الإسلامي ، أقول : بالنظر لأهمية ذلك يسعى الشهيد
الصدر لتأمين هذا المنطلق ( منطلق المشروعية ، باعتباره قوام وركيزة النظام السياسي
التي تحدد له اتجاهه ، ووجهته) ، من خلال إثباته القرآني عدم وجود أي تعارض أو
تناقض بين مهمة المرجع الذي يمارس دور "لشهادة " على الأمة ، وبين الأمة التي تمارس
دور "الخلافة" العامة عن الله تعالى. فالأمة تمارس دورها في الخلافة في الإطار
التشريعي للقاعدتين القرآنيتين التاليتين :
} وأمرهم شورى بينهم { ( الشورى :38 ) .
} والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر …{
(التوبة : 71 ) .
فإن النص الأول يعطي للأمة صلاحية ممارسة أمورها عن طريق الشورى ما لم يرد نص على
خلاف ذلك، والنص الثاني يتحدث عن الولاية و أن كل مؤمن ولي الآخرين . ويريد
بالولاية تولي أموره بقرينة تفريع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عليه ، والنص
ظاهر في سريان الولاية بين كل المؤمنين والمؤمنات بصورة متساوية . وينتج عن ذلك
الأخذ بمبدأ الشورى وبرأي الأكثرية عند الاختلاف .
وهكذا وزع الإسلام في عصر الغيبة مسؤوليات الخطين بين المرجع والأمة ، بين الاجتهاد
الشرعي والشورى الزمنية ، فلم يشأ أن تمارس الأمة خلافتها بدون شهيد يضمن عدم
انحرافها ، ويشرف على سلامة المسيرة ، ويحدد لها معالم الطريق من الناحية الإسلامية
، ولم يشأ من الناحية الأخرى أن يحصر الخطين معاً في فرد ما لم يكن هذا الفرد
مطلقاً أي معصوماً .
وبالإمكان أن نستخلص من ذلك أن الإسلام يتجه إلى توفير جو العصمة بالقدر الممكن
دائماً ، وحيث لا يوجد على الساحة فرد معصوم – بل مرجع شهيد – ولا أمة قد أنجزت
ثورياً بصورة كاملة وأصبحت معصومة في رؤيتها النوعية – بل أمة لا تزال في أول
الطريق – فلا بد أن تشترك المرجعية والأمة في ممارسة الدور الاجتماعي الرباني
بتوزيع خطي الخلافة والشهادة وفقاً لما تقدم .
ومن الضروري أن يلاحظ أن المرجع ليس شهيداً على الأمة فقط بل هو جزء منها أيضاً وهو
عادة من أوعى أفراد الأمة وأكثرها عطاءً ونزاهة وعلى هذا الأساس وبوصفه جزءاً من
الأمة يحتل موقعاً من الخلافة العامة للإنسان على الأرض وله رأيه في المشاكل
الزمنية لهذه الخلافة وأوضاعها السياسية بقدر ما له من وجود في الأمة وامتداد
اجتماعي وسياسي في صفوفها .
وهكذا نعرف أن دور المرجع كشهيد على الأمة دور رباني لا يمكن التخلي عنه ، ودوره في
إطار الخلافة العامة للإنسان على الأرض دور بشري اجتماعي يستمد قيمته وعمقه من مدى
وجود الشخص في الأمة وثقتها بقيادته الاجتماعية والسياسية (1) .
لكن هذا الدور المرجعي المركزي الذي يجب على المرجع الشهيد أنْ يلتزمه في سياق
علاقة الخلافة الربانية ، يفرض عليه التزامات روحية وعملية كبيرة يستأنف من خلالها
( هذا المرجع ) ما كان يقوم به النبي والإمام من أعمال ومسؤوليات رسالية عالية .
وهذه الالتزامات - كما يراها ويحددها السيد الشهيد - هي (2) :
أولاً - أنْ يحافظ المرجع على الشريعة والرسالة ، ويرد عنها كيد الكائدين وشبهات
الكافرين والفاسقين .
ثانياً - أنْ يكون هذا المرجع - في بيان أحكام الإسلام ومفاهيمه - مجتهداً ، ويكون
اجتهاده هو المقياس الموضوعي للأمة من الناحية الإسلامية ، وتمتد مرجعيته في هذا
المجال إلى تحديد الطابع الإسلامي لا العناصر الثابتة من التشريع في المجتمع
الإسلامي فقط بل للعناصر المتحركة الزمنية أيضاً باعتباره هو الممثل الأعلى
للإيديولوجية الإسلامية .
ثالثاً - أن يكون مشرفاً ورقيباً على الأمة وتفرض هذه الرقابة عليه أنْ يتدخل
لإعادة الأمور إلى نصابها إذا انحرفت عن طريقها الصحيح إسلامياً ، وتزعزعت المبادئ
العامة لخلافة الإنسان على الأرض .
إنَّ دراسة هذه الالتزامات والمسؤوليات العامة التي يجب على المرجع الشهيد التقيد
بها ، والعمل على تطبيق أسسها الخاصة والعامة بكل ما لديه من حكمة وعدالة ، يقودنا
إلى أنْ نؤكد على أنه من الضروري جداً بالنسبة للمرجع الشهيد أنْ يعمل - في ظل
التغيرات والتحديات الساكنة والمتحركة التي تواجه الأمة في حركتها الحضارية
التكاملية - على توسيع مجالات الرؤية والوعي والرصد العلمي الممنهج والمدروس
لمجريات الأحداث والأمور ، ولتحولات الزمان والمكان .. وذلك بأنْ تكون لديه (
ولمؤسسته المرجعية (3) ) خاصية المعرفة الموضوعية بالواقع المعاصر ، والإطلاع
الدقيق المتواصل على كل ما فيه من مستجدات سياسية واجتماعية وثقافية و … الخ ، لأن
الفقيه والمرجع لا يستطيع في المرحلة الحاضرة أن يعيش خارج نطاق عصره ، وأجواء
عالمه المتغير باعتبار أنَّ قضايا العصر ، وأحوال الإنسان في داخله ، حتى في الأمور
الفقهية ، تمثل موضوعات الأحكام التي يحتاج المجتهد إلى أن يستنبطها ، وإلى أن
يحددها كمنهج إسلامي في الحياة (1). ولذلك فإن الفقهاء لابد أنْ يواجهوا الأسئلة
الكثيرة من قبل مقلديهم حول القضايا السياسية والاجتماعية المتعددة كقضية الموقف من
الانتخابات ، أو قضية العلاقة مع الحاكم والحكم الجائر، أو القضايا العصرية الراهنة
التي تهيمن على الساحة ، والتي نريد للإسلام الحركي أن يقتحمها بقوة ليُدخل فكره
إلى العالم المعاصر.
وقد تسبب ابتعاد كثير من المرجعيات الدينية عن قضايا وأحوال العصر ، وعدم امتلاكها
– كخط تاريخي سياسي عام - الرؤية الواضحة في الإحاطة بالواقع السياسي والاجتماعي
والثقافي الممتد في الوسط الإسلامي والعالمي ، ورغبتها في الاستغراق بالشؤون
الحوزوية ( والدينية ) الخاصة ( بالمعنى الضيق للكلمة ) .. لقد تسبب ذلك كله في
انتكاسات متتالية ، وخسائر فادحة لحقت بالمرجعية الإسلامية الشيعية ، وأضرّت بمجمل
الحياة الشيعية . ولولا وجود بعض المحطات الواعية والرائدة التي كانت تظهر وتتألق
في بعض فترات المسار المرجعي ( كمحطة السيد الشهيد التي نعتقد بضرورة استمرارية
تألقها وتوهجها من خلال تلامذته وأصدقائه وأخوته ) ، وتتمكن من إعادة بناء بعض
الأجزاء المحطمة لكاد الواقع الشيعي يقترب من حالة اليأس(2) . لكن الشهيد الصدر
استطاع أنْ يقدم مشروعاً رائداً لتطوير المرجعية الدينية أطلق عليه اسم ( المرجعية
الصالحة ) ، والمشروع يعبر- كما تحدثنا عنه سابقاً - عن روح الوعي الحركي ،
والمبادرة الفعالة ، وعمق الإحساس بأهمية الدور الحيوي والمركزي الهام الذي يجب أن
يقوم به المرجع الشهيد في حياة الأمة الإسلامية ، التي يراد لها أن تتحرك على طريق
التقدم والصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة لتكون الأمة الوسط الشاهدة على باقي
الأمم والرسالات والحضارات .
وقد انطلق الشهيد الصدر في مجال صنع الأمة القوية الشاهدة من خلال عاملين أساسيين
(3):
الأول : استيعابه العميق للخط العام لحركة المرجعية الشيعية على امتداد فتراتها
التاريخية الطويلة ، وتشخيصه الدقيق لأزمتها في حركتها وسط الأمة والمتمثلة في
تقليدية منهجها ، وابتعادها عن التأثير في العصر - كما ذكرنا - رغم وجود انحرافات
كبيرة عن الإسلام ، وسيطرة الاتجاهات اللاإسلامية على المجتمع الإسلامي .
الثاني : رؤيته الحركية في فهم ومعالجة شؤون الواقع الإسلامي ، من خلال إيمانه
بضرورة إحداث التغيير النوعي الشامل في المجتمع على أساس الإسلام في الفكر والعاطفة
والسلوك ، وفق منهج مرحلي يمثل الخط العام في التحرك والمعالجة .
ولم تقتصر عملية التنظير الفكري لآفاق ومعالم الدولة الإسلامية لدى الشهيد الصدر -
في سياق اهتمامه ( رض ) بمسألة المرجعية الموضوعة الشاهدة، ودعوته لإصلاحها من
الداخل، بفاعلية وقوة أكبر في الساحة- عند حدود المزاوجة بين ولاية المرجع الشهيد
(ولاية الفقيه)، وولاية الأمة (الشورى) بل لقد تعدتها إلى عمله على تفعيل وتزخيم
تلك المحاولة الفكرية والنظرية الجريئة من خلال استعراضه لعدد من الأفكار الأساسية
في مجال التمهيد لمشروع دستور إسلامي . وفي ضوء ذلك يقرر السيد الشهيد - بالارتكاز
على الدافع الإيماني العميق بقدسية الدين الإسلامي- ما يلي(1):
1- إن الله سبحانه وتعالى هو مصدر السلطات جميعاً.
وهذه الحقيقة الكبرى تعتبر أعظم ثورة شنها الأنبياء، ومارسوها في معركتهم من أجل
تحرير الإنسان من عبودية الإنسان.
وتعني هذه الحقيقة أن الإنسان حر، ولا سيادة لإنسان آخر أو لطبقة أو لأي مجموعة
بشرية عليه، وإنما السيادة لله وحده، وبهذا يوضع حد نهائي لكل ألوان التحكم وأشكال
الاستغلال، وسيطرة الإنسان على الإنسان.
وهذه السيادة لله تعالى – التي دعا إليها تحت شعار ( لا إله إلا الله ) – تختلف
اختلافاً أساسياً عن الحق الإلهي الذي استغله الطغاة والملوك والجبابرة قروناً من
الزمن للتحكم والسيطرة على الآخرين فإن هؤلاء وضعوا السيادة إسمياً لله لكي
يحتكروها واقعياً وينصبوا من أنفسهم خلفاء لله على الأرض .
و ما دام الله تعالى هو مصدر السلطات ، وكانت الشريعة هي التعبير الموضوعي المحدد
عن الله تعالى، فمن الطبيعي أن تحدد الطريقة التي تمارس بها هذه السلطات عن طريق
الشريعة الإسلامية .
2- إن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع . بمعنى أنها هي المصدر الذي يستمد منه
الدستور ، وتشرع على ضوئه القوانين في الجمهورية الإسلامية وذلك على النحو التالي :
أولاً : إن أحكام الشريعة الثابتة بوضوح فقهي مطلق تعتبر بقدر صلتها بالحياة
الاجتماعية جزءاً ثابتاً في الدستور سواء نص عليه صريحاً في وثيقة الدستور أو لا .
ثانياً : إن أي موقف للشريعة يحتوي على أكثر من اجتهاد يعتبر نطاق البدائل المتعددة
من الاجتهاد المشروع دستورياً ، ويظل اختيار البديل المعين من هذه البدائل موكولاً
إلى السلطة التشريعية التي تمارسها الأمة على ضوء المصلحة العامة .
ثالثاً : في حالات عدم وجود موقف حاسم للشريعة من تحريم أو إيجاب يكون للسلطة
التشريعية التي تمثل الأمة أن تسن من القوانين ما تراه صالحاً على أن لا يتعارض مع
الدستور. وتسمى مجالات هذه القوانين بمنطقة الفراغ ، وتشمل هذه المنطقة كل الحالات
التي تركت الشريعة فيها للمكلف اختيار اتخاذ الموقف فإن من حق السلطة التشريعية أن
تفرض عليه موقفاً معيناً وفقاً لما تقدره من المصالح العامة على أن لا يتعارض مع
الدستور .
3- إن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية قد أسندت ممارستها إلى الأمة فالأمة هي
صاحبة الحق في ممارسة هاتين السلطتين بالطريقة التي يعينها الدستور وهذا الحق حق
استخلاف ورعاية مستمد من مصدر السلطات الحقيقي وهو الله تعالى . وبهذا ترتفع الأمة
- وهي تمارس السلطة - إلى قمة شعورها بالمسؤولية لأنها تدرك بأنها تتصرف بوصفها
خليفة لله في الأرض فحتى الأمة ليست هي صاحبة السلطان وإنما هي المسؤولة أمام الله
سبحانه وتعالى عن حمل الأمانة وأدائها } إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض
والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً { (
الأحزاب : 72 ) .
والأمة تحقق هذه الرعاية بالطرق التالية :
أولاً - يعود إلى الأمة انتخاب رئيس السلطة التنفيذية بعد أن يتم ترشيحه من
المرجعية كما يأتي في الأمر الرابع ، ويتولى الرئيس المنتخب بعد ذلك بنفسه تكوين
أعضاء حكومته .
ثانياً - ينبثق عن الأمة بالانتخاب المباشر مجلس وهو مجلس أهل الحل والعقد ويقوم
هذا المجلس بالوظائف التالية :
أولاً : إقرار أعضاء الحكومة التي يشكلها رئيس السلطة التنفيذية لمساعدته في ممارسة
السلطة .
ثانياً : تحديد أحد البدائل من الاجتهادات المشروعة .
ثالثا: ملء منطقة الفراغ بتشريع قوانين مناسبة .
رابعاً : الإشراف على سير تطبيق الدستور والقوانين الخاصة ومراقبة السلطة التنفيذية
ومناقشتها .
4- إن المرجعية الرشيدة هي المعبر الشرعي عن الإسلام ، والمرجع هو النائب العام عن
الإمام من الناحية الشرعية .
5- إن الأمة كما تقدم هي صاحبة الحق في الرعاية وحمل الأمانة ، وأفرادها جميعاً
متساوون في هذا الحق أمام القانون ولكل منهم التعبير - من خلال ممارسة هذا الحق -
عن آرائه وأفكاره وممارسة العمل السياسي بمختلف أشكاله ، كما أن لهم جميعاً حق
ممارسة شعائرهم الدينية والمذهبية .
وفي قراءة أولية لهذه اللمحة التأسيسية الدقيقة لمشروع دستور جمهورية إسلامية، أخذت
إيران الكثير من تفاصيله وأجوائه، يمكن أن نؤكد على أن هذه المحاولة الفكرية التي
قدمها الشهيد الصدر، توضح- بما لا يدع مجالا للشك- أن الإسلام قادر نظريا وعمليا
على تأسيس دولة دينية تحظى بالشرعية الجماهيرية الأمتية (نسبة للأمة)، وتستطيع بناء
ذاتها ومواقعها الحضارية بكل ثقة ووعي ونجاح في المجالات السياسية والاجتماعية
والاقتصادية، ومن دون وجود أي نوع من التعارض أو التصادم بين أفكارها (المحمولة
دينيا وشرعيا) وبين متغيرات ومستجدات العصر (أي عصر كان)، خصوصاٌ إذا ما أخذنا بعين
الاعتبار أن للأمة الدور الرئيسي في السلطة السياسية، وإدارة شؤونها العامة بما
يخدم مصالحها وطموحاتها، ويحفظ حقوقها والتزاماتها.
إننا نجد في محاولة الشهيد الصدر الفكرية لإماطة اللثام عن تلك الحقائق ( التي ظهرت
من خلال آرائه الناضجة ودراساته المتكاملة حول حقوق الأمة الواسعة في النظام
السياسي الإسلامي ) إعادةَ اعتبار للإسلام والمسلمين، ولدورهم الحيوي في عالم اليوم
الذي تتصاعد فيه وتائر الأحاديث الفكرية السلبية عن الدين الإسلامي، وعجزه عن بناء
دولة حديثة وقوية تمنع تحول السلطة إلى حالة تسلطية واستبدادية.
إننا نؤكد هنا على أن كون السلطة في الإسلام تقوم –في حيز منها- على وجود الفقيه
العادل، فإن ذلك لا يمنع من تحقيق الأمة لفاعليتها الحضارية-إذا صح التعبير- وتحفيز
قدرات ومواهب أبنائها، وتركيز إرادتهم في نطاق المساهمة في بناء مجتمعات حديثة
ومتدينة في آن معاً، بل-وعلى العكس من ذلك- لا يمكن لهذه الأمة أن تعيش حالة النهوض
والتقدم، وتحقيق الفاعلية المطلوبة- في مختلف الميادين الحياتية- من دون الإسلام
كعقيدة توحيدية ينبثق عنها نظام شامل ومتكامل للحياة والإنسان.
ولذلك يجب ألا نخشى في هذا المجال أن تتحول السلطة الدينية الإسلامية- في أية دولة
يحكمها الإسلام - إلى حالة تسلطية قاهرة، بالرغم من استمرار وجود الكثير من الأجواء
والمواقع السلبية الطاغية والمسيطرة على ساحة العمل الإسلامي عندنا حتى الآن، لأن
ميزان الإسلام في تعزيز قوة الجماعة بالاستقلال عن الحاكم جعلها قادرة على الصمود
حتى عندما ينحرف الحاكم، أو تحتل البلاد من قبل الغزاة. فلم يكن شرعه ليذهب عندما
يفسد رأس السلطة كما هو الحال في مختلف الأنظمة، وإنما كان قادراً على الفعل في
القاعدة الشعبية التي بقيت قوية مستقلة عن السلطة لا بمعاشها فحسب، وإنما أيضاً
بمرجعها الشرعي. أي من خلال علاقتها بالعلماء الذين كانوا يوجهونها، ويقودونها
وفقاً للشرع. ويطبقون ما أمكن من تعاليم الإسلام عليها حتى في ظل القهر ، أو في ظل
الانحراف ،أو في ظل الاحتلال. فكيف يكون الحال إذا ما اكتملت هذه الميزة الإسلامية
الأخرى وهي الحكومة الإسلامية العادلة حاملة ميزان الشرع الداعمة للناس والمدعومة
من الناس(1). من هنا يمكن أن نقول أن تفكير السيد الشهيد كان منصباً -في مسألة
التنظير للحكم والدولة السياسية الإسلامية العادلة- على ضرورة الكشف عن التكامل
الذاتي والموضوعي القائم بين نظرية ولاية الفقيه، وبين نظرية الشورى.فقد كان (رض)
يرى- كما أكدنا سابقًاً- أن للفقيه دوراً يتحرك في موقع الشهادة، وأن للأمة دوراً
يتحرك في موقع الخلافة، لأن الشهادة والخلافة يجتمعان للمعصوم، ولكنهما لا يجتمعان
للفقيه بهذا الشكل الشمولي الحاسم. لكن عدم اجتماعهما لا يمكن أن يؤدي إلى حدوث
تسلط أو استبداد في الدولة، لأنه لا منافاة أبداً بين أن يتمثل الفقيه العادل دور
القيادة للأمة والشهادة عليها (في سياق مؤسساتي)، وبين أن تمارس الأمة دورها في
المجال السياسي، وتتمتع بحقوقها المشروعة انطلاقا من حاكمية الشريعة الإلهية التي
تجسد الغطاء الشرعي لأي فاعلية سياسية من قبل الفقيه العادل أو من قبل الأمة التي
بايعته على الاستقامة والثبات على طريق الحق(2).
وطالما أن هناك طبيعة (فطرية) دينية مهيمنة (بالمعنى الإيجابي للكلمة) على الفرد
والمجتمع والأمة، فإن ذلك يستدعي –وبشكل دائم- وجود قيادات سياسية دينية تتمتع
بالتقوى، والورع، والفقاهة، وتتميز بحيازتها على ثقافة سياسية واجتماعية واسعة،
تجعلها منفتحة بوعي وعلم على جميع مواقع الحكم في الأمة، وقادرة على امتلاك ميزة
وعي الواقع، وضرورة معرفة أهل زمانه، ثقافةً وحضارات وتيارات مختلفة. بما يؤهلها
عملياً للقيام بمهام إدارة أعمال الدولة، والإشراف على تنفيذ سياساتها في كل
المجالات بحيث تضمن للأمة من خلال ذلك تحقيق آمالها وأهدافها الدينية والدنيوية.
وبالنظر إلى أهمية هذه المعطيات -واستكمالاً للمزايا والخصائص التي يجب أن يحوز
عليها المرجع الشهيد- فقد أوجب الإسلام عليه (أي على المرجع المتصدي لمسؤوليات
ومهام الولاية الدينية والسياسية) أن يكون متمتعاً –بالإضافة إلى الصفات السابقة–
بصفة "العدالة" باعتبارها أفضل ميزة أخلاقية إنسانية يمكن أن تؤثر إيجاباً على
أعماله، والتزاماته، وطريق اتخاذه لقراراته المصيرية، فتمنعه من التسلط، والهيمنة،
والاستعباد، وتردعه عن تضييع وإهدار حقوق ومطالب الناس والمجتمع، أو الاستهانة
بكراماتهم وأخلاقياتهم.
ويبدو واضحاً لنا أن اجتماع تلك المزايا والخصائص النفسية والسلوكية في المرجع
الشهيد سيؤهله حتماً للقيام بمهمة التصدي لمسؤوليات المرجعية الموضوعية الرشيدة .
وقد استطاع الشهيد الصدر الوصول إلى هذا المستوى الرفيع من المرجعية الشهيدة التي
أبت إلا أن تتعطر بأريج دمه وروحه ، وعبق حبره وقلمه الذي لم يجف –من خلال تساؤلاته
ونظراته الحضارية– حتى الآن .
من هنا نؤكد في نهاية هذا البحث - ونحن نعيش أجواء ذكرى استشهاد مرجعنا الشهيد
الصدر (رض)- على أن الاخلاص لخط الشهيد الصدر الروحي والفكري (ولخط المرجعية
الشاهدة والشهيدة بشكل عام) فإن الواجب يقتضي أن ننتج من جديد العمق الفكري
والسياسي والاجتماعي للسيد الشهيد على مستوى حركتنا و سعينا الحثيث باتجاه استكمال
وتطوير جهوده وعطاءاته الفكرية والمعرفية في بناء عناصر ومعطيات المشروع الحضاري
الإسلامي في ظل الظروف والضغوطات والتحديات المعقدة الراهنة التي يواجهها الإسلام
في كل المجالات الحضارية والثقافية والاجتماعية.
ونحن نعتبر أن أبرز من يجب عليهم تحمل المسؤولية الأكبر في ذلك (وكلنا يجب أن نتحمل
هذه المسؤوليات بشكل أو بآخر) هم تلامذة الشهيد الصدر، وإخوانه، وأصدقاؤه الذين
عاشوا معه، وتتلمذوا على يديه، لأننا نستطيع جميعاً– بهذا المعنى- أن نعمل مع
الشهيد الصدر في فكره، وعمله، واجتهاداته المتنوعة، لنبني الحياة الإسلامية الواعية
والمتبصرة والمنفتحة، ليس من موقع التباكي على مرحلته والوقوف على أطلالها وآثارها،
والاكتفاء بإقامة الندوات والمؤتمرات والمحاور الفكرية والثقافية فحسب، ولكن أيضاً
من موقع متابعة طروحاته ونظراته ومشاريعه الفكرية في ضرورة أن ينطلق خطه الحركي
الإسلامي الأصيل من جديد في داخل مجتمعاتنا، في أن نبدع -كما أبدع- أشياء جديدة،
ونجدد معارف سابقة، وأن يكون الإسلام -الذين نؤمن به، ونلتزمه، وندعو الآخرين إليه-
إسلام التجدد والسلام، إسلام التسامح والانفتاح والوعي.
والحمد لله رب العالمين
وباحث كاتب
سوريا-اللاذقية-ص.ب: 3003
e-mail: nabils69@scs-net.org
e-mail: saleh-na@net.sy
---------------
(1) السيد الشهيد : محمد باقر الصدر ( رض ) ، الإسلام يقود الحياة ، ص 13 - 14 ،
دار التعارف - لبنان 1990 .
(1) م.س ، ص 14 .
(2) صدر الدين القبانجي ، المذهب السياسي في الإسلام ، ص 77 ، ايران 1405 هـ .
(1) السيد : كامل الهاشمي ، مطارحات فلسفية في الفكر السياسي الإسلامي ، ص 324 ،
دار الملاك .
(2) الإسلام يقود الحياة ، م.س ، ص 123.
(3) م.س ، ص 124.
(4) اقتصادنا ، ص 310 .
(1) م.س ، ص 125 .
(2) م.س ، ص 131 .
(1) م.س ، ص 128 .
(2) الإمام الشهيد السيد :محمد باقر الصدر ، التفسير الموضوعي والفلسفة الاجتماعية
في المدرسة القرآنية ،ص 107، الدار العالمية ، لبنان 1989 م.
(3) م.س ، ص 109 .
(4) الإسلام يقود الحياة ، م.س ، ص 130 .
(4) م.س ، ص 131
(1) م.س ، ص 132 .
(2) م.س ، ص 133 .
(1) مطارحات فلسفية ، م. س ، ص 327 .
(2) الإسلام يقود الحياة ، م.س ، ص 145 .
(1) الإسلام يقود الحياة ، م . س ، ص ، 146 – 147 .
(1) م. س، ص 153 – 154 .
(2) م.س ، ص 152 .
(3) كان الشهيد الصدر يؤكد دائماً على ضرورة أن تكون المرجعية مؤسسة متكاملة ، لها
نظامها الخاص ، وجهازها التنفيذي ، وإمكاناتها الثابتة والشاملة ، ويكون المرجع
قائداً لهذا الجهاز ، ولكنه إذا انتقل إلى رحمة ربه أمكن بقاء الجهاز فاعلاً
ومؤثراً ،كما أنّ الجهاز لا بد أن يتكون من مجلس للمشورة والتخطيط، وإدارة للتنفيذ
، وأن تكون الإدارة متوزعة على التخصصات ذات العلاقة بالحاجات والنشاطات التي تقوم
بها المرجعية. (راجع مجلة قضايا إسلامية معاصر، عدد 2 ، ص 217 ، عام 1998) .
(1) سليم الجسني ، المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية .. دراسة وحوار مع آية الله
السيد: محمد حسين فضل الله ، ص 62، دار الملاك، ط: 4، 1994 م .
(2) سليم الحسني ، المعالم الجديدة للمرجعية الشيعية ، م.س .
(3) م.س ، ص 159 .
(1) الإسلام يقود الحياة ، م.س، ص 17، وما بعدها .
(1) منير شفيق، الإسلام ومواجهة الدولة الحديثة، ص 36.
(2) مطارحات فلسفية، م. س، ص 333.