مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

الاسـلام والغرب المسلمون في الغرب
الفلكلور البوسني وتعدد الثقافات


منذ عرف الناس الفرح والبهجة، عرفوا عدة مستويات للتعبير عنها، منها ما هو أسطوري، ومنها ما هو من تقاليد الأعراس المتوارثة، ومنها ما هو من تراث الحرب، ولقد سجل التاريخ وذاكرة الشعوب الكثير منها، حتى أصبحت من مميزات الأمم، وتمايزها الثر المعبر عن اختلاف تنوع الإنسان، رغم التماثل الحاصل فيما بينه، فالتنوع أصل في الإنسان وبالتالي في الحضارة التي بناها ذلك الإنسان المتنوع، ولذلك فالحضارة بلا تنوع لا تكون، كما قال "توينبي" ذات يوم.
توجد في البوسنة أنواع كثيرة من الفلكلور الشعبي، حتى يبدو أن لكل بلدة طابعها الخاص، سواءٌ في الحركات أو طريقة اللباس، أو كيفية خياطته وتطريزه، وهذا لا يدركه إلا من تابع عن كثب معالم الفلكلور البوسني الذي يبدو للوهلة الأولى متطابقاً، وهذا التباين ليس راجعاً إلى وجود طوائف ثلاث في البوسنة والهرسك، حيث إن التباين حاصل حتى داخل تلك الطوائف نفسها، وما يعرض ليس سوى تعبير واحد عن عدة تعبيرات، تعود إلى هذه الطائفة أو تلك، وهذا التنوع يمثل نوعاً من أنواع الفسيفساء الثقافية المعبرة بدورها عن حقيقة أن الحضارة لا يمكن إلا أن تكون متنوعة.
ورغم التنوع الحاصل في الفلكلور البوسني بسبب التنوع الإثني والجهوي يلاحظ تأثر الفلكلور البوسني بالسمت العثماني، ويبدو ذلك من خلال اللباس الخاص الذي ترتديه فرق الفلكلور، والذي لم يكن معروفاً قبل الفتح العثماني للبوسنة والهرسك عام 1463م، ويتمثل في الطربوش الشرقي. ولا ينفي القائمون على الفلكلور البوسني تأثر التاريخ والثقافة البوسنية بالطابع الشرقي وخاصة التركي، والذي يعتبرونه جزءاً لا يتجزأ من تاريخهم وبالتالي رافداً من روافد ثقافتهم، حتى إنهم لا يعرفون تحديداً ما الفلكلور الذي كان سائداً في البوسنة والهرسك قبل دخول العثمانيين إلى البلاد، وهذا الانصهار سببه دخول البوشناق في الإسلام، حيث أحبوا لباس أهله واشتركوا معهم في كل شيء حتى في اللباس.
لم يقع تنظيم الفلكلور البوسني في نوادٍ متخصصة إلا قبل 56 عاماً أي قبل سنة من نهاية الحرب العالمية الثانية (1939ـ1945م) وكان في السابق تراثاً تتوارثه الأجيال مع الإضافات التاريخية التي كانت تطرأ عليه من خلال الاحتكاك بالثقافات الأخرى، الغازية، ولذلك نجد في الفلكلور البوسني تعبيرات شعبية (بوشناقية) و(كرواتية) و(صربية) و(سلوفينية) و(مجرية) و(تركية) وشرقية مختلفة.
الفلكلور والحرب
بسبب الحرب تأثر سوق الفلكلور والنوادي المتخصصة في البوسنة وتبلغ عشرة نوادٍ على مستوى الكم والكيف وخاصة النواحي التمويلية، فالسوق الداخلي يعيش كساداً، بسبب الوضع الاقتصادي حتى إن وزارة الثقافة لا تستطيع أن تقدم شيئاً لهذه النوادي المعبرة عن جانب الثقافة، ولم يعد المواطن البوسني يهتم كثيراً بالفلكلور وإنما برغيف الخبز وحسب.
وأُدخلت على الفلكلور البوسني إيحاءات جديدة مستلهمة من الحرب وأهوالها وفظائعها، وما عاناه الشعب من ذلك، في لوحات، لا تصعب قراءتها، بقدر ما يصعب تقليدها.
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة