مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

الاسـلام والغرب مطارحات العلاقة
لماذا التوتر بين الغرب والعالم الاسلامي؟!
محمد محفوظ


مع كل انعطافة تاريخية، يمر بها العالم العربي والاسلامي، تطرح مقولة العلاقة بالآخر الحضاري، وهل ه+ي ضرورة لمواكبة العصر والركب الحضاري، أم إننا ينبغي أن نغلق على أنفسنا الأبواب والنوافذ حتى لايتمكن هذا الآخر الحضاري من اختراقنا والتسرب إلينا، في منظومتنا القيمية سواء في العادات والتقاليد والسلوك أو على مستوى النظر والفكر والعمل.
وكأن هناك جدلية قائمة ودائمة بين ما يحدث من أحداث وتحولات في واقعنا الداخلي كأمة، وبين الآخر الحضاري الذي يحاول الهيمنة والسيطرة الحضارية على مقدراتنا وتراثنا.
في التاريخ الحديث يمكن أن يؤرخ العلاقة (المواجهة) بين المشرق (العالم العربي والاسلامي) والغرب. بدخول نابليون الفرنسي يمتلكها لم يستطع المسلمون الدفاع عن أنفسهم، وبالجيش العلمي اكتشف الشرقيون مقدار تخلفهم وانحطاطهم الحضاري لذلك اعتبر برنارد لويس حملة نابليون (1795 ـ 1801م) أول قوة مسلحة عبدت الطريق للغرب الحديث في الشرق الأوسط وأول شرارة كهربائية في طريق التغريب في الشرق الأوسط.
لقد كانت هذه العملية إيذاناً ببدء مسيرة الهيمنة والسيطرة الغربية (الاستعمارية) علي مقدرات العالم الاسلامي وثرواته، وبدأ الغرب ينسج خططه ومؤامراته لمنع أي تقدم أو تطور في العالم الاسلامي. ففي عهد (عبدالعزيز العثماني) الذي حكم من عام (1860 ـ 1876م) حصلت الحروب الشهيرة بين الامبراطورية العثمانية ومحمدعلي باشا وتدخلت الدول الأوروبية مجتمعة رغم عدائها للدولة العثمانية لتمنع محمدعلي من متابعة سيره نحو إستانبول خوفاً من قيام دولة قوية وموحدة، وإبقاءً على الدولة العثمانية الضعيفة لإسقاطها وتقاسم ولاياتها فيما بعد، وانتهت هذه الحروب عام (1832)، وعقدت معاهدة (كوتاهية) عام (1833م) بعدما ترك الطرفان يستنزفان بعضهما البعض، فزاد ذلك من وهن الدولة وضعفها. فالزحف الاستعماري الغربي العنيف وقع علي العالم الاسلامي، في وقت كانت الدولة العثمانية، تعاني الكثير من أسباب الاضمحلال والضعف، وقد كانت أعراض هذا الضعف قد ظهرت على السطح في عهد السلطان مصطفى الثاني (1695 ـ 1703م) فعقدت معاهدة (كارلوفتز) عام (1699م) والقرن السابع عشر يقترب من نهايته، فكانت هذه المعاهدة استهلالاً سيئاً للقرن الثامن عشر بالنسبة إلي العالم العربي والاسلامي. واستمرت العملية الاستعمارية الخبيثة تخترق بلدان العالم الاسلامي، وتقوض أسس البنيان في هذه الدول. ففي عهد السلطان عبدالمجيد الذي اقترن اسمه بالتنظيمات أي فرمان: (1854 ـ 1856م) وتم بموجبها استبعاد الشريعة الاسلامية وبدأ تسيير شؤون الدولة وفق المنهج الغربي مما أدى إلى تعميق التبعية وتكريسها حتى وصلت ديون الامبراطورية في عهد السلطان عبدالمجيد (ثلاثمائة مليون ليرة). يذكر السلطان عبدالمجيد في مذكراته واصفاً الحالة الاقتصادية للدولة العثمانية قائلاً: (الدخل العام يقل عاماً بعد عام والانتاج المحلي كان يضمحل يوماً بعد يوم فقد كنا منذ فترة التنظيمات، نأتي بكل أشيائنا من أوروبا، المنتوجات الأوروبية غطت كل مكان، أصبحت عدة مصانع في طريقها إلي الزوال وهبط دخل الجمارك إلى الحد الذي لايجزي بسبب تلك المعاهدات المعقودة مع الدول الكبرى. لم تعد تكفينا زيوتنا، الطرق غير موجودة، والتخابر صعب كأن أراضي امبراطورية تركت لأقدارها).
وقبل أن نستطرد في الحديث عن سيناريو العلاقة التاريخية والمعاصرة بين العالم الاسلامي والغرب، لابد أن نسأل.. لماذا العلاقة التاريخية بين الغرب والعالم الاسلامي دائماً علاقة توتر وحذر ومواجهة؟ بالطبع هذا ليس صدفة أو وليد الفراغ وإنما للأسباب التالية:
1 ـ الحروب الصليبية: حيث كانت تشكل الذروة في مسعى الغرب للحد من عالمية الاسلام وانتشاره، وفي إبان الحملة الصليبية الأولى على بلاد الشام خطب البابا (أربان) في مدينة كليرمونت بفرنسا محرضاً علي الالتحاق بالحملة ضد البلاد الاسلامية قائلاً: (لاتدعوا شيئاً يقعد بكم من أحلامكم أو من شؤون أسركم ذلك بأن هذه الأرض التي تسكنوها الآن والتي تحيط بها من جميع جوانبها البحار وقلل الجبال ضيقة لاتتسع لسكانها الكثيرين تكاد تعجز عن أن تجود بما يكفيكم من الطعام، وتتحاربون ويهلك الكثيرون منكم في الحروب الداخلية). وهكذا توحدت جميع القوى الأوروبية المتصارعة من أجل شن حروب تدميرية بشعة ضد العالم الاسلامي، يقول ديورانت في قصة الحضارة: (وهكذا توحدت أوروبا كما لم تتوحد في تاريخها، وكان من حسن حظ الصليبيين أن المسلمين كانوا أشد انقساماً على أنفسهم من المسيحيين، ووجد (أربان) نفسه السيد المرتضى من الوجهة النظرية على الأقل لملوك أوروبا على بكرة أبيهم وسرت روح الجماعة كما لم تسر فيها من قبل في أثناء هذا الاستعداد المحموم للحرب المقدسة)
وعلي هذا فان أحد العوامل الأساسية التي جعلت العلاقة بين الطرفين علاقة مواجهة دائمة ومعركة حضارية متبادلة، كانت الحروب الصليبية وما شكلته من دوافع وبواعث وآثار على مختلف الأصعدة والمستويات.
2 ـ الحركة الاستعمارية: لم يكتف الغرب تاريخياً بشن حروب ضد العالم الإسلامي وإنما تبع ذلك بحملات استعمارية مدمرة على بلدانه. وفي هذا الإطار وظفت الاكتشافات العلمية والتطور الصناعي والتقني الذي حدث في الغرب من أجل تدعيم الهيمنة الاستعمارية واتساع رقعتها. فـ (ليبنتز) وهو يضع القواعد الجديدة لعلم الرياضيات كان يفكر في احتلال مصر ويقدم من أجل ذلك تقريراً مفصلاً للويس الرابع عشر.
ومع زيادة حركة الاستعمار الغربي في أنحاء متعددة من العالم صيغت نظريات التبرير للحركة الاستعمارية وتغطية استمرارها. فظهر ما يسمى بالنظرية البيولوجية السياسية، ومضمونها أن للدول الكبرى حقاً في التهام الدول الصغرى، وأن الشعوب الصغيرة يجب أن تموت وتفنى أمام الدول الكبيرة. هذا ما أكده (أرنست رينان) عندما أعلن: (أن الأوروبي خلق للقيادة كما خلق الصيني للعمل في ورشة العبيد وكل ميسر لما خلق له). وصحبت هذه النظرية الأرض أو الملك المباح، التي تعني إباحة استعمار الأقاليم التي تسكنها شعوب متخلفة عن ركب الحضارة لأنها غير مسيحية وخارج القارة الأوروبية! وقد كتب بعض المستشرقين كتباً يوضحون فيها النظرية البيولوجية العرقية التي حاول المستعمرون تبرير أعمالهم بها، فكتب كوفييه (مملكة الحيوان)، وغوبينو (مقالة في التفاوت بين العروق الانسانية)، وروبرت نوكس (عروق الانسان السوداء)، وغوستاف لوبون (القوانين النفسية لتطور الشعوب). وتهدف هذه الكتب وغيرها إلى القول بأن الشرق ينتمي بيولوجياً إلى عرق محكوم وينبغي له أني حكم وهذا قدره ومصيره.
وعن طريق الاستعمار نهبوا الثروات المتوفرة في بلدان العالم الإسلامي، حتى أن ثلاث دول أوروبية كانت تقتسم فيما بينها 93% من مجموع التحويلات الخارجية موزعة على هذا النحو: 45% لبريطانيا، 25% لفرنسا، 13% لألمانيا. كما أن الأجانب في مصر كان عددهم (225000) عام 1920 وفي قبالهم (16) مليون عدد سكان مصر آنذاك، ولكن الأجانب كانوا يملكون 53% من الثروة العامة لمصر.
وبشكل عام فملف الاستعمار في العالم الاسلامي وعمليات الإرهاب والإبادة والقتل والوحشية والتدمير، لازالت ماثلة أمام أعين الشعوب الاسلامية.
3 ـ القيم المادية: لم يكتف الغرب بنهب ثرواتنا وإنما حاول ويحاول أن يزرع في جسدنا مجموعة من القيم المادية التي آمن بها وقام بنيانه عليها، كالإرهاب والإستغلال والإستعمار والغزو والإحتكار والسيطرة والهيمنة. وقد انعكست هذه القيم في سلوك الدول الاستعمارية تجاه الدول الأخري وبات كل شيء يقاس بالمقياس الغربي.. فقد حاول مؤرخو الغرب الاستعماري ومفكروه أن يقوموا بعملية بتر للمسيرة التاريخية من أجل إقناع العالم بحقيقة واهية، مفادها أن الحضارة لم يعرفها إلا العالم الغربي، أو كما قال (توسيديد) بأن حدثاً مهماً لم يقع في العالم قبل عصره. واعتماداً علي العقلية المادية التي يعتمد عليها الغرب في سلوكه ومواقفه، بدأت مجموعة من المواقف الحاقدة التي تبناها بعض أقطاب الحضارة الغربية ضد العالم الآخر.
وصفق هيجل لما أسماه بانتصار الروح الأوروبية وعودتها إلي مجدها عند احتلال فرنسا للجزائر.
وكتب المستشرق الأب (لامانس) كتباً يطعن فيها في الإسلام ورجالاته والقرآن الحكيم، ويبين فيها حقده الدفين على رسول الإنسانية (ص). وكذا باقي المستشرقين (مرجليوث) الذي حاول أن يزيف تاريخ المسلمين، والذي يقول عنه مستشرق آخر هو (آبري) في خاتمة كتابه (المعلقات السبعة)، (إن السفسطة وأخشى أن أقول الغش في بعض الأدلة التي ساقها الأستاذ (مرجليوث) أمر بين جداً ولا تليق البته برجل كان ولا ريب من أعظم أئمة العلم في عصره).
وعن النظرة الاستعلائية للغرب تجاه المشرق الاسلامي فقد اعتبر (بلفور) فوقية بريطانيا ودونية مصر مسألة بديهية، ومسلمة أساسية من مسلمات فكره إذ يقول: قبل كل شيء انظر إلى حقائق القضية، إن الأمم الغربية فور إنبثاقها في التاريخ تظهر تباشير القدرة علي حكم الذات، لأنها تمتلك مزايا خاصة بها. ويمكنك أن تنظر إلي تاريخ الشرقيين بأكمله فيما يسمي بشكل عام المشرق دون أن تجد أثراً لحكم الذات على الإطلاق.
4 ـ القضية الفلسطينية.. إذ تعتبر من الأسباب الرئيسية لحالات العداء والحذر والمواجهة في مسيرة العلاقة بين الطرفين. فالغرب، وبمؤامرة مدروسة حاول أن يجمع الشتات اليهودي على أرض فلسطين، وبهذا شكل لنفسه قاعدة غربية متقدمة في العالم الإسلامي تمنع وحدة الأمة، وتقضي على كل وتائر التقدم والتطور فيها، وتؤسس نسقاً متصلاً لتبديد ثروات الأمة في عملية شراء الأسلحة وتخزينها، لتحقيق التوازن الاستراتيجي الموهوم. ومن أجل تحقيق هذه المؤامرة ذهب الشعب الفلسطيني ضحية العقلية الغربية الاستعمارية التي لاتفكر إلا في مصالحها وأطماعها.
إضافة إلى هذا فقد أنجب رحم الحضارة الغربية الأزمات التالية التي هددت البشرية جمعاء:
حربان عالميتان ذهب ضحيتهما ملايين البشر، أضف إلى ذلك الخسائر الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية وما أشبه..
ـ الأزمة الاقتصادية الخانقة أو ما سمي بالاسبوع الأسود الذي طل على وول ستريت في 24تشرين الأول 1929م.
ـ الحركة الفاشستية والنازية التي دمرت الكثير من الانجازات الانسانية حينما حكمت الأولي في إيطاليا والأخرى في ألمانيا. وديكتاتورية الجنرال بريمودي ريفارا عام 1934م، والجنرال كارمونا في البرتغال عام 1939م. بعدما استولى على مدينة لشبونة الجنرال غوميز دي كوستا. وفي اليونان عام 1925م مع الجنرال بنفالوس. وبلغاريا بزعامة تسانكوف بين عام 1923 و 1926م.
ولكل هذه الأمور أصبحت مسيرة العلاقة بين الغرب والعالم الاسلامي مليئة بنقاط التوتر والحذر وبؤر الانفجار والمواجهة. وبفعل حالة الحذر والترقب التي كانت تسود العلاقة التاريخية بين الطرفين أصبحت القضية معركة تاريخية مستمرة. وعلى طول المسيرة يهزمنا الغرب تارة ونهزمه تارة أخرى، مرة ندق أبواب فيينا ومرة يدق أبواب القدس، مرة نحاصر بواتيه في جنوب فرنسا ومرة يحاصر عكافي فلسطين.
--------------------------------
المصدر:الاسلام، الغرب، وحوار المستقبل

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة