مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

الاسـلام والغرب نحن والغرب.. دعوة للمصارحة!
بقلم : د‏.‏ سليمان عبدالمنعم أستاذ مساعد بحقوق الإسكندرية


يحار المرء في أحوال هذا العالم‏..‏ كيف يختزن في عقله وروحه هذا القدر الهائل من سوء الفهم والأفكار المسبقة والشكوك في الوقت الذي روض فيه الطبيعة ونفذ إلي أدق خلايا الجسد‏,‏ لكنه مازال بعد عاجزا عن التفاهم مع الإنسان؟‏!‏ أليس ما يحدث منذ الحادي عشر من سبتمبر الماضي دليلا علي أن العالم كان يبحث عن ذريعة أو مناسبة بحجم تفجيرات نيويورك وواشنطن لكي ينفث ما بداخله من دخان سوء الفهم والهواجس المتراكمة منذ قرون‏,‏ وكأنه يهييء نفسه لأن يشعل النار في النيات الدفينة؟‏!‏ فمن أصوات تصرح في الغرب بأنها حضارة التعصب والكراهية إلي أصوات تهمس في الشرق‏..‏ بل هي حضارة الظلم والاستعلاء‏!!‏ ووسط الصراخ والهمس سرعان ما تختلط الأوراق ربما تمهيدا لإعادة ترتيبها من جديد‏,‏ وسرعان ما نختلق الذرائع بحثا عن كسب استراتيجي في آسيا الوسطي باسم أرواح بريئة أزهقت في نيويورك وهي لا تعرف أصلا أين تقع أفغانستان؟‏..‏ إلي أين يقودنا إذن طوفان الشكوك المتبادلة بين الشرق والغرب ونحن جميعا لا نملك سوي سفينة واحدة للحضارة الإنسانية لم يعد مصيرها يحتمل العبث بفعل أسلحة الدمار الشامل‏,‏ التي أصبحت متاحة لكل من يمتلك قدرا من المال ورغبة في المقامرة بالمصير الإنساني‏..‏ ألم يحن الوقت بعد لمصارحة تاريخية بين العالم العربي والإسلامي من ناحية‏,‏ والعالم الأوروبي ـ الأمريكي من ناحية أخري؟
ان هذه المصارحة المطلوبة هي الوسيلة الوحيدة لتفنيد مقولات هينتجتون عن الصراع الحضاري‏,‏ وتوماس فريدمان عن زوال أحلام الوطنية وسرعة اللحاق بقطار الرفاهية الأمريكي‏!!‏ وبالمناسبة فإن هينتجتون وفريدمان موجودان في الغرب‏..‏ وموجودان أيضا بين ظهرانينا في الشرق‏,‏ وإن اختلفت الأسماء‏..‏ انهما في كل مكان يجسدان النموذج الذي يروج لثنائية‏:‏ إما الصراع وإما التبعية وكأنه ليس بين نار الصراع وجنة التبعية خيار ثالث تتحاور فيه الحضارات وتتعاون الشعوب علي أساس من العدالة والمساواة‏.‏
نحن والغرب مدعوون إذن لفتح ملف المصارحة‏..‏ وهو ملف متخم بالحقائق والتساؤلات التالية‏:‏
‏[1]‏ تجاوز ثنائية‏:‏ إما الصراع وإما النفاق الحضاري‏..‏ فالحاصل أن العالم العربي والإسلامي من ناحية‏,‏ والعالم الغربي من ناحية أخري مازالا يمارسان معا حوارا حضاريا هو أقرب إلي الافتعال منه إلي المصارحة‏..‏ وهو حوار يبتعد فيه الطرفان كما لو كان الأمر بناء علي اتفاق ضمني بينهما عن الأسئلة الحرجة والصعبة في علاقتهما معا‏,‏ وقد اكتفيا بتبادل التمنيات والتقاط الصور التذكارية وإصدار الوعود الطيبة‏!!‏ ولا يستثني من ذلك إلا بعض التصريحات الغاضبة من برليسكوني أو بوش الابن في بداية الأحداث والتي يمكن اعتبارها في أحسن الأحوال خروجا علي النص‏!!‏ ولا تكاد تختلف مقولات الباحثين والمفكرين كثيرا عن ذلك‏..‏ فما أكثر ما كتب عن التعاون والتواصل الحضاري بين الشرق والغرب دون أن يعبر هذا بالضرورة عن حقيقة المشاعر‏,‏ ولا واقع الحال‏..‏ ومثل هذا الطرح يبدو رومانسيا وغير عقلاني‏..‏ فكل طرح لا ينطلق من جذور الخلاف ولا يعترف بمظاهر الاختلاف هو طرح غير جدي في مسيرة الحوار بين الإسلام والغرب‏..‏ فالمشكلة في الحوار الحاصل الآن منذ الحادي عشر من سبتمبر‏,‏ أنه يبدو مسرفا إما في ممارسة النفاق الحضاري‏,‏ وإما في التحريض علي الصراع الحضاري‏..‏ وهذا وضع يقفز علي الأزمة ويهتم بأعراضها لا بأسبابها‏..‏ فليس مقنعا ولا مجديا في خطاب النفاق الحضاري هذا التفاهم المتبادل فجأة بين الطرفين‏..‏ وليس مقبولا في خطاب الصدام الحضاري هذه الدعوة الخطيرة لإشعال فتيل الصراع بينهما‏.‏
الخلاصة اذن أنه لا ممارسة النفاق مجدية‏,‏ ولا دعوة الصراع آمنة‏,‏ لكن ما هو مطلوب ومفيد يكمن تحديدا في خطاب واقعي جديد لصياغة العلاقة الحضارية بين الإسلام والغرب‏..‏ علاقة تستند إلي النفع المتبادل‏,‏ واحترام ثقافة الآخر‏,‏ والعمل سوريا لخير الإنسان والإنسانية‏,‏ تلك دوائر ثلاث يمكن أن تشكل أرضية للمصارحة‏,‏ وعلي الجميع أفرادا ومؤسسات للفكر والحوار تعميق هذه الدوائر بما يضمن تكاملها وليس تنافرها‏.‏
‏[2]‏ الاعتراف باختلاف رؤية العقل الغربي عن العقل العربي‏:‏ وهو اعتراف يبدأ من أن الغرب لا يري فينا ندا له‏..‏ ونحن من جانبنا نعتقد أن الغرب يتآمر علينا‏..‏ لكل منا إذن عقدة غير صحيحة وغير مبررة‏:‏ عقدة الاستعلاء في العقل الغربي وعقدة المؤامرة في العقل العربي والإسلامي‏..‏ وهذا الوضع ليس قائما بين أوروبا وأمريكا مثلا أو بين الصين وروسيا‏,‏ أو بين أوروبا واليابان‏..‏ فلدي هؤلاء نفس منهج التفكير‏,‏ ونفس أدوات الصدام أو الحوار سواء حينما يتنازعون أو يتواصلون‏..‏ أما نحن والغرب فلا شيء سوي الشكوك‏,‏ وحيث أدوات الحوار والصدام مختلفة‏!!‏
وهكذا فالحاصل اليوم لأسباب كثيرة ومعقدة ليس هذا مقام عرضها‏..‏ ان الحوار أو الصدام بيننا وبين الغرب هو في الحقيقة حوار أو صدام بين نموذجين مختلفين إلي حد التناقض‏,‏ نموذج غربي لا ينطلق سواء في حواره أو صدامه مع الغير إلا من فكرتي‏:1‏ ـ المصلحة‏..2‏ ـ القوة‏..‏ ونموذج عربي يتسم في حاضره التاريخي بسمتين هما‏:1‏ ـ العاطفة‏..2‏ ـ الضعف‏..‏ وهكذا يبدو حوار الطرشان قائما بين نموذج غربي لا يقنعه أو يردعه إلا عامل المصلحة أو عامل القوة في مواجهة نموذج عربي يؤسس خياراته حتي أكثرها استراتيجية علي العاطفة‏!!‏ ويخسر الجولة تلو الأخري لأنه ضعيف‏..‏ والمثير للدهشة أن العاطفة لم تكن دائما نقطة ضعف بقدر ما أصبحت أحيانا في نظر الغرب مصدر قوة‏,‏ حيث أصبحت هذه العاطفة هي المصنع السري لإنتاج ذوي النزعات الاستشهادية‏!!‏ وهو ما يقلق ويفزع الغرب بشدة وقد كان الغرب منطقيا مع نفسه ومع مبادئه فهو لئن كان يقيم سياساته وعلاقاته علي أساس من المصلحة فقد بات في علاقته معنا مطمئنا لا يخشي علي مصالحه لدينا لأسباب غير خافية‏..‏ فماذا يدعوه لأن يتغير؟‏!‏ أما عن قوتنا فهي كاملة وليست قائمة‏!‏ يعلم الغرب ذلك يقينا‏!‏ لكن مشكلتنا وربما مأساتنا أن طاقتنا إما مهدرة وإما مدمرة بكسر الميم الثانية‏..‏ فقد كان علينا أن نتوقع أنه حين يهدر مائتان وخمسون مليون عربي مثلا كل مظاهر طاقتهم‏,‏ فلا عجب حين يخرج بضع عشرات أو مئات من الشباب هنا أو هناك يستعرضون طاقتهم المدمرة المزمجرة وكأنهم يؤدون فرض كفاية عن كل أصحاب الطاقة المهدرة‏..‏ نحن في إيجاز حياري بين طاقة مهدرة لم نحسن توظيفها في علاقتنا بالغرب وبين طاقة مدمرة لم نحسن السيطرة عليها‏..‏ ربما تلك هي الفئة الوحيدة التي لم نحسن السيطرة عليها‏!!‏ والنتيجة الوحيدة لهذا الوضع أن العقل الغربي مطالب بأن يعيد النظر في انطباعاته ومسلماته‏,‏ فالمصالح تبدو مهددة ولو بوسائل جديدة لا تخطر علي البال‏!‏ والعلم الذي بلا حدود‏,‏ ولا دين‏,‏ ولا مبدأ يمكن شراؤه بقليل من المال ليستخرج من مشاعر الإحباط والمهانة والظلم طاقة عنف جديدة ومبتكرة‏!‏ أما نحن فلربما لم ندرك بالوضوح الكافي حتي اليوم أن ما يحدث لنا هو انعكاس لمرآة أحوالنا‏..‏ فالغرب لم يصبح قويا إلا بقدر ما كنا ضعفاء‏..‏ ولم يصبح ماكرا أو ذكيا إلا بقدر ما كنا سذجا‏..‏ وهو في النهاية لم يشأ أن يكون ظالما إلا لأننا قليليو الحيلة‏!!‏
‏[3]‏ ضرورة مخاطبة المجتمع الغربي بنفس أدواته‏:‏ فالمصارحة الحضارية المنشودة ليست واجبة فقط في مواجهة أنظمة الغرب وحكوماته‏,‏ بل أضحت مطلوبة في مواجهة المجتمع الغربي نفسه‏,‏ بمواطنيه وتجمعاته ومؤسساته غير الرسمية‏,‏ فمثلما يسمح للغرب بالنفاذ في أوساطنا الثقافية‏,‏ علينا بدورنا النفاذ إليه‏,‏ فهنا يكون التواصل والتحاور مشتركا وليس من جانب واحد‏..‏ والمواطن الغربي لا تنقصه الموضوعية‏,‏ ولا الأمانة‏,‏ ولا شجاعة الرأي‏..‏ لكننا لم نحاول قط مخاطبته‏,‏ وتركناه محاصرا بين نوعين من الإعلام‏:‏ إعلام غربي رسمي أو شبه رسمي غير مكترث بعرض وجهة نظرنا‏..‏ ربما لأننا من وجهة نظره لا نستحق ذلك‏!!‏ أو لكوننا أصحاب القضية عازفين عن بذل أي مجهود‏..‏ وإعلام غير رسمي يحركه من وراء ستار لوبي يهودي ذكي تغلغل عبر السنين في لحمة العقل الغربي ومؤسساته وأوساط مثقفيه وصناعة السينما والموسيقي والمسرح وحتي الرسوم المتحركة وأفلام الأطفال‏!!‏ إنه إعلام يجني الآن حصاد ما استثمره في دأب ودهاء من أموال طائلة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية حتي الآن‏..‏ وكان طبيعيا أن يقع المواطن العربي بين شقي رحي هذا الإعلام الرسمي غير المكترث بنا لأنه ليس ثمة ما يدفعه لأن يخوض قضايانا نيابة عنا ولو باسم الحق والحقيقة‏..‏ فالحق ليس من عناصر الدخل القومي‏!!‏ ولا الحقيقة أحد منتجات التصدير‏!!‏ وإعلام مقنع يهودي الهوي لكنه بارع في صناعة الرأي العام والتأثير عليه‏..‏ فماذا فعلنا نحن؟‏!‏ هل بالحديث عن فضائية عربية ربما أصبحت منذ الآن مناسبة للخلافات ولا يعلم أحد متي تتحول إلي واقع؟‏..‏ في الوقت الذي توشك فيه أمريكا علي إطلاق فضائية مخصصة لنا بعشرين لغة تواجه وتوجه أجيالنا الجديدة إلي ثقافة وقيم وإبهار العم سام‏!!‏
ان علينا في إطار المصارحة الحضارية المنشودة الوصول إلي العقل والوجدان الغربي لنكشف له الجانب الآخر من الحقيقة‏..‏ ان أقل مجهود إعلامي والإعلام الذي نقصده هو الإعلام المحترف العصري والذكي يمكن أن يحدث الكثير لدي المواطن الغربي لا لشيء إلا لأن العقل الغربي هو عقل واع ومهيأ للتفاعل مع الحقائق‏..‏ لكن الوصول للعقل الغربي لا يتم بالنيات الطيبة وحدها‏,‏ بل بوسائل الاتصال والتواصل التي يعهد بها إلي محترفين وخبراء ومفكرين‏..‏ وتمولها هذه المليارات الهائلة التي لا تنقصنا‏..‏ فأين دور المراكز الثقافية العربية والإسلامية في عواصم الغرب ومدنه المختلفة‏,‏ ومتي تتجاوز هذه المراكز نشاطها المحمود علي أي حال الذي يغلب عليه الطابع الفولكلوري؟‏!‏ فلا يرتادها إلا الباحثون عن الغريب والطريف من الأوروبيين‏!!‏ وأين دور السينما‏..‏ ولماذا لا يتجه المال العربي إلي الاستثمار في صناعة سينما عربية وإسلامية جديدة تخاطب العقل الغربي بنفس أدواته وتقنياته وإبهاره؟ وكيف هان علينا أن نترك الجمعيات ووالمتطلبات الثقافية والفكرية والأدبية والسياسية في الغرب وجميع مؤسسات المجتمع المدني غير الرسمية لديهم دون أن نتواصل معها؟‏!‏ ألم نر كيف كان دورها الإنساني والمنصف والمحايد في مؤتمر ديربان؟ لماذا لا نسارع بإقامة جسور الاتصال مع هذه الجموع من الشرفاء والمثقفين في أوروبا وأمريكا ومواجهة محاولات التغلغل الصهيوني بينهم؟ بل وأين تواصلنا المنظم والواعي مع الأحزاب الأوروبية والأمريكية الجديدة ذات التأثير؟ هل فكرنا مثلا في مخاطبة أحزاب البيئة في أوروبا وأمريكا إذا ما علمنا أن بعض هذه الأحزاب لا سيما في ألمانيا وفرنسا ودول شمال أوروبا‏,‏ هم من مناصري القضايا العربية وقضايا العالم الثالث العادلة‏..‏ بل يكفي أن نعلم أن بعض برامج هذه الأحزاب كان يتضمن الدعوة لفرض ضريبة تؤول حصيلتها لمساعدة المجتمعات الفقيرة في دول العالم الثالث‏,‏ ومنها ما يؤيد التعويض التاريخي للدول التي عانت العبودية والاستعمار‏..‏ في إيجاز علينا أن نفرق بين حكومات وأنظمة الغرب وبين الشعوب نفسها‏..‏ بين آلة الدولة والمجتمع‏,‏ فإذا كنا قد أخفقنا في التعامل مع الأنظمة والحكومات فلا أقل من التواصل مع الشعوب‏..‏
‏[4]‏ كيف يدعو الغرب للعولمة‏..‏ ويتحدث عن الصدام في الوقت نفسه؟‏!!‏ ينبغي أن يكون واضحا لنا وللغرب علي حد سواء أن مقولات الصراع والصدام وهذيان دونية الحضارة الإسلامية عن الحضارة الغربية‏..‏ مثل هذا الفكر يتناقض بشدة مع ظاهرة العولمة التي لا يفتأ الغرب يروج لها بيننا وهي تترسخ كل يوم‏,‏ فالغرب يبدو في غاية التناقض وهو يصافحنا بيد ممدودة باسم العولمة‏..‏ ثم يرفع اليد الأخري محذرا ومهددا باسم الصدام الحضاري‏!!‏ كيف يكون هذا؟ لدي الغرب وحده الإجابة‏!!‏ إذ كيف يدعو الغرب إلي الأسواق المفتوحة وتحرير التجارة وحرية نقل ومرور السلع والأموال وتداول الأفكار‏..‏ ثم يتحول بين عشية وضحاها إلي الحديث عن عداء وصراع حضاري؟‏..‏ لماذا يتكالب الغرب علي أسواقنا ونفطنا‏,‏ وهو ينفر من ملامحنا؟‏!‏ ان العالم يتقارب ويتلاقي اليوم أكثر مما كان في أي وقت مضي‏,‏ حيث قطع بالفعل أشواطا بعيدة في صياغة وقبول مفاهيم وقيم وأنماط سلوك عالمية كالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان‏..‏ فهل يعني ذلك أن فكرة الصدام الحضاري هي لدي البعض بديل العولمة أو هي السيناريو المتشائم في حالة إخفاق العولمة عن بلوغ تطورها المرسوم؟ لكن لماذا لايكون الحوار والتفاعل الحضاري هو علي العكس السيناريو المتفائل والمطلوب الذي يهدهد من غلواء العولمة ويصنع منها ظاهرة أكثر رحمة وإنصافا لخير الإنسان والإنسانية؟‏!‏

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة