مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

نظرة الغربيين للإسلام
بدايات إهتمام المستشرقين بالقرآن الكريم
عبد الجبار الرفاعي


يعود اهتمام الغربيين بالقرآن الكريم ترجمة، وطبعاً، ودراسة، الى البواكير الأولى لتعرفهم على معارف المسلمين، حيث قصد بعض الرهبان الأوروبيين الاندلس، ودرسوا في مدارسها، وبدأوا بترجمة القرآن وبعض الكتب العلمية الى لغاتهم، آنذاك.
بيد أن أول وأقدم ترجمة كاملة _معروفة _ للقرآن، هي تلك التي دعا اليها ورعاها "بطرس المحترم" رئيس ديركلوني، وتولاها بطرس الطليطلي، وهرمن الدماشي، وروبرت كينت، بمعاونة عربي مسلم يدعى "محمد" ولا يعرف له لقب ولا كنية ولا أي اسم آخر، وتمت هذه الترجمة في 1143م، وطبعت في بازل "سويسرة" عام 1543م(1).
واحتمل بعض الباحثين ان "محمد" هذا، الذي ذُكِرَ اسمه في هامش أحد النسخ الخمسة لهذه الترجمة، هو شخصية وهمية، حيث دأب القوم على وصف بعض الكتب بأن مؤلفها مسلم ارتد الى المسيحية، لاعطاء الكتاب توثيقاً أكبر، وهي حيلة طالما استعملوها، وخصوصاً عند ترجمة القرآن الكريم، فكثيراً ماكانوا يدَّعون أن الترجمة عن النص العربي في الوقت الذي لايعرف فيه المترجم اللغة العربية(2).
وقد أكد المستشرق بلاشير بأن هذه الترجمة لم تكن أمينة أو كاملة النص(3).
أما أول طبعة للقرآن في نصه العربي، فهي تلك التي تمت في البندقية في وقت غير محدد بالدقة، ولكن المرجح هو ان تاريخها هو سنة 1530 تقريباً، لكن جميع النسخ التي طبعت أحرقت، وكانت طبعة كاملة لكل القرآن، ولم يعثر لها على أثر حتى الآن، وأقدم من ذكرها هو "ارپنيوس" في كتابه "مبادىء اللغة العربية، ليدن 1620" (4).
أما أول طبعة للنص الكامل للقرآن وبحروف عربية، وانتشرت ولا يزال توجد منها نسخ في بعض مكتبات أوروبا، فهي تلك التي قام بها الكاهن الألماني "ابراهام هنكلمان Abraham hinckelmann 1652 _ 1695"، في مدينة هامبورج بألمانيا، في مطبعة Schultzio Schilleriana، في سنة 1694، وتقع في 560ص(5).
وفيما يخص فهارس القرآن، فقد وضع المستشرق الألماني غوستاف فلوجل (1802 _ 1870م)، فهرساً أبجدياً لكلمات القرآن الكريم، مع ذكر رقم السورة ورقم الآية التي ترد فيها، وأسماه: "نجوم الفرقان في أطراف القرآن"، وطبع في ليبتسك عام 1842، واعيد طبعه فيها عام 1898(6)، وهذا الكتاب هو الذي اعتمده محمد فؤاد عبد الباقي وجعله اساس معجمه "المعجم المفهرس لألفاظ القرآن" كما أخبرنا هو بذلك بقوله:
(وإذ كان خير ما أُلف وأكثره استيعاباً في هذا الفن، دون منازع ولا معارض، هو كتاب "نجوم الفرقان في اطراف القرآن" لمؤلفه المستشرق فلوجل الألماني، الذي طبع لأول مرة عام 1842 ميلادية، فقد اعتضدتُ به وجعلته أساساً لمعجمي، ولما أجمعت العزم على ذلك راجعت معجم فلوجل مادة مادة على معاجم اللغة وتفاسير الائمة اللغويين، وناقشت مواده، حتى رجعت كل مادة الى بابها...)(7).
هذه نماذج من الأعمال التي نهض بها المستشرقون فيما يتعلق بالقرآن الكريم، وقد تتابعت أعمالهم حول القرآن في حقول متعددة، حيث تجاوزت ترجمات القرآن والأعمال حوله عدة آلاف، ترجم فيها الى أكثر من مائة لغة، فضلاً عن الدراسات والابحاث التي لم تزل تصدر بزخم كثيف في السنوات الأخيرة.
ومما ينبغي الاشارة اليه ان الاستشراق الألماني قام بتأسيس "معهد ميونيخ للابحاث القرآنية" في جامعة ميونيخ، وهو معهد خاص بالدراسات القرآنية، وفريد من نوعه في العالم آنذاك، اذ كان يضم:
1_ أهم ما يوجد من المراجع المطبوعة، وخاصة العربية التي تتناول تفسير القرآن الكريم، والعلوم القرآنية والقراءات.
2_ صوراً عن المخطوطات التي تتناول هذا الموضوع، من جميع المكتبات في العالم.
3_ صوراً عن النسخ المخطوطة من القرآن الكريم، من مختلف العصور، من القرن الأول للهجرة حتى القرن الرابع عشر.
4_ علبة خاصة لكل آية، يوضع فيها تفسير تلك الآية كما جاء به المفسرون، منذ عصر الصحابة حتى اليوم، والتفاسير مرتبة حسب الأقدمية.
وكان يشرف على هذا المعهد المستشرق برجستريسر (1886 _ 1933)، ثم خلفه المستشرق بريتسل (1893 _ 1941).
وقد بذلت جهود كبيرة وانفقت أموال طائلة في تحضير هذا المعهد، ولكن دمرته الغارات الجوية على مدينة ميونيخ أثناء الحرب العالمية الثانية(8).
ان توثيق الجهد الاستشراقي في حقل الدراسات القرآنية يحتاج الى كلام طويل تضيق عن استيعابه مجلدات عديدة، ولقد تواصل انتاج المستشرقين عدة قرون في حقل الدراسات القرآنية، وقد لانعدو الحقيقة إذا قلنا بأن ترجمات القرآن، وعلومه، كالقراءات والمصاحف... وغيرها، استأثرت باهتمام طائفة كبيرة من عظماء المستشرقين، منذ فجر حركة الاستشراق، ولم تزل هذه الدراسات موضع اهتمام الباحثين الغربيين في الدراسات الاسلامية حتى اليوم.
ـــــــــــــــ
1_ بدوي، د. عبد الرحمن. موسوعة المستشرقين. بيروت: دار العلم للملايين، ط1، 1984م، ص 306.
2_ المعايرجي، د. حسن. "المحرفون للكلم: الترجمات اللاتينية الأولى للقرآن الكريم وتأثيرها على الترجمات اللغات الأوربية". مجلة المسلم المعاصر ع 48 (1407ه‍)، ص 71.
3_ الصغير، د. محمد حسين، المستشرقون والدراسات القرآنية، بيروت، ص 48.
4_ بدوي، د. عبد الرحمن، مصدر سابق، ص 302.
5_ ن. م، ص 303.
6_ ن . م، ص 306.
7_ عبد الباقي، محمد فؤاد. المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، ص (ه‍).
8_ جحا، ميشال الدراسات العربية والاسلامية في اوربا، ص 259.
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة