مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 نظرة الغربيين للإسلام
مراجعة سريعة لصورة الاسلام في دوائر المعارف (البريطانيّة والأميركيّة ولاروس الفرنسية)
فؤاد كاظم المقدادي


الموسوعات أعلاه من دوائر المعارف الغربيّة المترجمة إلى اللغة العربيّة، والتي تعتبر من أخطر أعمال التغريب والغزو الثقافي، التي قامت على أساس معطيات الجهد الاستشراقي والتبشيري اللذين سارا معاً في خدمة هدف واحد هو القضاء على الإسلام عن طريق تشويه معالمه وحرف مفاهيمه بالشكل الذي يناسب أهدافهم الخبيثة، والدسّ فيه بما يخالف الواقع والحقائق من روايات كاذبة وشخصيات مزيّفة لا وجود لها، والتهجّم والافتراء على الشخصيّات المقدّسة والرموز العظيمة من رجالات الإسلام. ومن الأمثلة على ذلك هو عندما تقدّم هذه الدوائر للقارىء مادّة (إسلام) ومادّة (محمّد) ومادّة (قرآن)، حسب التصنيف لهذه المفردات الّتي تتّبعها هذه الدوائر، تقدّمه على النحو الذي قدّمته دوائر الاستشراق والتبشير في القرن التاسع عشر، ولم تتحوّل عنه رغم التغييرات الإيجابية التي طرأت على الفكر الغربي في نظرته إلى الإسلام ومفاهيمه الحقيقية، ورغم العديد من الدراسات والكتابات التي صحّحت بعض الشيء أفكار ومقولات المستشرقين والمبشّرين القائمة على التعصّب الديني والحقد ضدّ الإسلام والمسلمين والتي كانت سائدة لديهم ومعتمدة عندهم طيلة القرون المنصرمة، ككتابات برناردشو، وداربر، وغوستاف لوبون.. وغيرهم.
أمّا نماذج نصوص تلك المواد فمنها ما أوردتهُ دائرة المعارف البريطانيّة عن مادّة (إسلام) حيث تدّعي فيها أنّ الإسلام مأخوذ من المسيحية واليهوديّة، وأن الرسول لم يهاجر ولكنّهُ هرب من مكّة.. وأمثال هذه الافتراءات التي يحاولون من خلال طرحها إفراغ فكرة النبوّة والرّسالة التي يؤمن بها المسلمون من مفهوم ارتباطها بالغيب والوحي الإلهي، أو الانتقاص من مقام الرسول وقدسيّته على الأقل. وهم بذلك يوهمون من يقرأ ويراجع هذه الدوائر بأنّ الرسول (ص) إنّما يتصرّف بوحي ذاته، وليس هناك ارتباط بينهُ وبين السماء عن طريق الوحي، وأنّه شخص عادي لا يتميّز في خصاله وملكاته عن غيره. وللأسف فقد تسدّلت هذه المفاهيم المحرّفة إلى دراسات المسلمين أنفسهم وكتاباتهم، فأخذ بعضهم يردّد عند بحثه للتاريخ الإسلامي، وبالخصوص مقاطع حياة الرسول الأكرم (ص) نفس ما يردّدهُ المستشرقون والمبشّرون من روايات كاذبة ومقولات مدسوسة، رغم أن هذه الافتراءات والدسائس تتناقض بشكل صارخ، والثوابت التأريخية الّتي أقرّتها دراسات أوربيّة أخرى، مما دفع بعضهم مؤخراً إلى الاعتراف بالإسلام كدين سماوي.
ومن الملاحظ على المصادر التي اعتمدتها هذه الدوائر في معارفها أنّها مصادر متأخّرة زمنيّاً عن زمن الوقائع التأريخية، وأنّها ضعيفة ومهملة بلحاظ القيمة العلميّة لها، إضافة إلى مجهوليّة نصوصها وانقطاع سندها، وهي بذلك لا تعبّر إلاّ عن الرأي الاستشراقي الأوربي بالنسبة لهذه المواد، خصوصاً المفردات المتعلّقة بالإسلام (عقيدة وحضارة)، فإنّ للاستشراق موقفاً من ذلك يتمثّل "بمحاكمة الإسلام إلى مفهوم الدين في الفكر الأوري" (Bclgon) ذلك المفهوم المفرغ من أهم المعاني والمبادىء الأساسية للدين، وهو المفهوم العلماني للدين في أوربا، والذي يعني _عندهم _ الطقوس والعبادة الكهنوتيّة، فالدين في المفهوم العلماني الأوربي علاقة بين الله وذات الإنسان فقط، وحتى هذه العلاقة لم تسلم من التحريف ولم تؤخذ مأخذاً حقيقيّاً ينعكس على أخلاقهم وسلوكهم وطريقة تعاملهم. وليس كذلك مفهوم الدين في الإسلام الجامع للعلاقتين بين الله والإنسان، والإنسان والإنسان، في السلوك الفردي والاجتماعي وعلى صعيد الحكم والدولة. وهذا مغمز أساسي آخر من مغامز هذا البحث يحول دون استيعاب جوانب الإسلام المختلفة على حقيقتها.
وقد عُرف عن أغلب المستشرقين خصوصاً الكتّاب في دوائر المعارف الغربيّة والعاملين فيها تعصّبهم لوجهة نظر مزدوجة:
الاولى: وجهة نظرهم إلى الدين النصراني الذي يدّعون الإيمان به، وعليه فهم لا يُقرّون بوجود دين غيره أو بعده، رغم أنّ بعض دراساتهم تضمّنت إقراراً بذلك، كما صرّح به بعضهم عبر اعترافه بالإسلام وتدوينه ديناً سماويّاً خاتماً للأديان في بعض الكتب الغربية، مثل ترجمة معاني القرآن لـ "مونتيه"، والتي تتميّز بأنّها قريبة إلى الصحّة، وإن كانت لا تخلو من الشوائب وبعض الأخطاء.
الثانية: النزعة الاستعلائيّة (الاستكباريّة) من زاوية المفهوم الاجتماعي والسياسي الذي يحكم فلسفة الحضارة الأوربيّة كلّها، والنفوذ الاستعماري الأوربي في بلاد الإسلام، وكلّها عوامل تمنع من الإقرار والاعتراف بالإسلام بعيداً عن التعصّب الديني والعداء السياسي. لذا، ومن خلال هذا التعصّب والعداء والفهم الناقص والنظرة العمياء، نرى أن مادّة (الإسلام) في دائرة المعارف البريطانيّة لعام (1980م) جاءت مليئة بالافتراءات والأخطاء عن سوء الفهم المقصود أو عن الجهل المركّب. ونفس الملاحظة نجدها في عرضهم لسيرة النبي الكريم محمد (ص)، حيث يردّدون ما ردّدهُ الاستشراق والتبشير خصوصاً ذلك الذي ثبُتت صلتهُ الواضحة بمصدريه الخطيرين، الكنيسة ووزارة المستعمرات في الدول المستعمرة للعالم الإسلامي (بريطانيا، فرنسا، هولندا) وكذلك ما ردّدهُ الاستشراق الصهيوني والماركسي، كما في كتابات "اللورد كرومر" والوزير الفرنسي "هانوتو".
هذه الكتابات والمؤلّفات مليئة بالأخطاء وهادفة إلى تصوير الدين الإسلامي والحضارة الإسلاميّة بأنّها غير قادرة على إثبات وجودها واستعادة مكانتها الحقّة. لهذا نجد أنّ دوائر المعارف هذه لا تفرّق بين مفهوم التوحيد والنبوّة كما هو في الإسلام والأديان الاُخرى. ولا تفرّق بين الاُلوهية والنبوّة وبين الرسل والصحابة، كما نجدهم عاجزين عن فهم المعجزات وفلسفتها وفهم فكرة وحدة الأديان وتدرّجها الهادف نحو الكمال. ونجدهم يُخضعون النظريّة الشموليّة للإسلام التي تجمع بين المادة والروح في نظرتها للحياة والإنسان لمنهج تفسيرهم المادّي المحض للحياة والإنسان. فهم بذلك يبدأون عند تناولهم للإسلام من فكرة مسبقة ينظرون من خلالها في أبحاثهم ودراساتهم ويحاولون اقتناص النصوص والروايات التي تؤيّد فكرتهم تلك، وإن كانت غير مُسندة وساقطة عن الاعتبار، أو ضعيفة معروض عنها، أو شاذّة مهملة، ويُعرضون عن تلك التي تخالفها وإن كانت متواترة أو موثوقة الأسناد ومعتبرة.
------------------------------
المصدر : "الاسلام وشبهات المستشرقين"
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة