مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 نظرة الغربيين للاسلام
فؤاد كاظم المقدادي


تفريغ الشرق الإسلامي من مقومات الحضارة في المنجز الاستشراقي
إنّ تأسيس ثقافة الشرق وتنظير الرؤى العلميّة عنها في مختلف مجالات المعرفة الإنسانيّة على اُسس منهجيّة تخدم أهداف الغرب وحركته الاستعماريّة في الشرق الإسلامي من أبرز ما اهتمّ به المستشرقون، خصوصاً في إنتاجهم الموسوعي، وقد تفنّنوا في ذلك بأساليب مختلفة، فهم في الوقت الذي اضفوا على ظاهر دراساتهم تلك الصبغة العلميّة والمنهجيّة التحقيقيّة، انتهجوا سبيل الدس الخفيّ والتركيز على المنقولات الشاذّة والمقولات الغريبة، وتجميع ما من شأنه تشويه الحقائق وتحريف الواقع في موارد أساسيّة وحسّاسة من شأنها أن تشكّك في اُصول الدين الإسلامي وتاريخ المسلمين وسيرة نبيّهم الكريم. هذا إضافة إلى أن المنطق العلماني وخلفيتّهم العدائية للإسلام وكلّ ما ينتمي له من مجتمعات وتاريخ وتراث حضاري سوف تتحكّم في كتاباتهم وتنظيراتهم تلك. وهم بذلك يرمون إلى تحقيق هدفين رئيسيين:
الأوّل: تأسيس ثقافة الشرق الإسلامي على ضوء النظرة الغربيّة الهادفة إلى تركيز الاتّجاه العلماني ومنطقه في تناول المعارف والعلوم الإنسانيّة، وبالتعبير الاصطلاحي تغريب ثقافة الشرق الإسلامي. وهم بذلك يجرّدون المعارف الإسلاميّة وثقافة المسلمين وتراثهم الحضاري من خصوصيّاته الذاتيّة وصبغته الخاصّة المعبّرة عن انتمائه للوحي والرسالة الإلهيّة.
الثاني: خلق الأرضيّة وتشييد اُسس وعوامل علمنة الشرق الإسلامي ثقافيّاً ومنهجيّاً، واستعماره سياسيّاً وحضارياً من خلال اعتماد الثقافة والمناهج المغرّبة في الجامعات والمعاهد المؤسّسة بهدف تربية جيل المثقّفين وساسة الشرق المرتقبين لقيادة وإدارة الحكم في بلدانهم، على أساس المنهج الغربي وطريقته في احتواء الشعوب والمجتمعات، وبالتالي تحقيق أعلى رتب الاستعمار الحضاري للشرق الإسلامي.
وللسير الحثيث نحو هذين الهدفين وتحقيقهما على أرض الواقع، بشكل جذري ومؤثّر، عمدوا إلى التعظيم العلمي والمبالغة الإعلاميّة بقيمة انتاجاتهم المختلفة وطرحوها على أنّها المصادر الوحيدة في التناول الشّمولي والمنهجة العلميّة للمعارف الإسلاميّة على اُسس الاستقصاء الموثّق والتحقيق الممنهج، وبذلك صرفوا أنظار طلاّب المعرفة والثقافة المعاصرين عن الاُصول التقليديّة والمصادر الأوليّة التي زخرت بها مكتبات الشرق الإسلامي واحتوتها خزانات التراث العلمي للمسلمين، حتّى أصبحت هذه الاُصول والمصادر _في نظر هؤلاء الطلاّب _ جزءاً من أحجار المتاحف وآثار التاريخ التي لا تعدو أن تكون تعبيراً عن الماضي الذي طوي وطويت معه قيمته المقترنة به.. وقد أدّى هذا الإعلام والتعظيم إلى اعتماد هذه المؤلفات كمراجع علمية وثقافية للدراسات الجامعيّة الحديثة ولمناهج دروسها المقرّرة.
----------------------------------
المصدر : "الاسلام وشبهات المستشرقين"
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة