مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 د. عبد الوهاب الكبسي
التحديات الجديدة


* المدير التنفيذي للمعهد الإسلامي في واشنطن فرصتنا لتفعيل دورنا السياسي داخل المجتمع الأمريكي كبيرة ولن تتكرر
عاشت الجالية الإسلامية والعربية في الولايات المتحدة أياماً صعبة بعد عمليات التفجيرات التي شهدتها مدينتا نيويورك وواشنطن يوم الحادي عشر من الشهر الماضي. والسبب أن الجميع أشار بأصابع الاتهام إلى الجالية على أساس أن أبناء جلدتها هم المشتبه فيهم الوحيدون وراء عمليات التفجير.
وتبع ذلك تعرض الجالية إلى مضايقات عنصرية وصلت حد القتل حيث بلغ عدد القتلى نحو خمسة أشخاص إضافة إلى تسجيل نحو ثلاثمائة اعتداء على الأشخاص والمراكز الإسلامية والمساجد.
وراح البعض يتكهن بضياع كل جهود الجالية خلال السنوات العشر الماضية من أجل الانفتاح على الشعب الأمريكي والإدارة الأمريكية بل بضياع الجالية نفسها. ورغم هذا التوقع شديد السواد إلا أن ما حدث بالفعل كان خلافاً لكل هذه التوقعات، فقد كانت الهجمات فاتحة خير للجالية من كل الاتجاهات وعلى كل المستويات بشكل ملحوظ.
فقد التقاهم الرئيس بوش ورئيسا مجلسي النواب والشيوخ واعتنق الإسلام كثيرون ونفدت كل طبعات الكتب التي تتحدث عن الإسلام. لكن المسلمين في الوقت نفسه في حيرة من أمرهم بين البلد الذي ينتمون إليه، والشعب المسلم الذي يتعرض للإبادة على يد الدولة التي يفخرون بالانتماء إليها.
مجلة المجتمع الكويتية التقت في الدوحة الدكتور عبد الوهاب الكبسي المدير التنفيذي للمعهد الإسلامي في واشنطن وأحد النشطاء داخل الحزب الجمهوري الذي كان يشارك في المؤتمر الوزاري لوزراء خارجية الدول الإسلامية، وأجرت معه الحوار التالي:
* ومن وجهة نظرك كيف كان رد الفعل الشعبي الأمريكي تجاه تفجيرات واشنطن ونيويورك؟
الشعب الأمريكي صدم بشدة من هول الحادث بشكل لم يعرفه منذ الحرب الأهلية الأمريكية، فلم يقتل مثل هذا العدد من الأميركيين في يوم واحد، ولا في الحرب العالمية الأولى أو الثانية أو في الهجوم الياباني على ميناء بيريل هاربر، وهو في نفس الوقت لم يكن على استعداد لرؤية ما جرى.
* وبالنسبة لكم كجالية مسلمة؟ وكيف كنتم تفكرون؟
بالنسبة لنا في الأيام الأولى للحادث كان الهدف هو ضمان حماية الجالية العربية والإسلامية من ردود الفعل الغاضبة، خاصة أن الاتهامات كلها وجهت صوب العرب والمسلمين، بالمسؤولية عن التفجيرات، وهو انطباع كان سائداً لدى قطاع كبير من الشعب الأمريكي، غذته جهات معادية لنا، وبالفعل وقعت عدة اعتداءات على محجبات وتعرضت مساجد للتخريب بل ولقي عدد من ا لأشخاص مصرعهم بعد الحادث مباشرة بلغ عددهم نحو خمسة أشخاص منهم سيخي وقبطي صري.
ومن خلال الاتصال بعدد من المسؤولين، على رأسهم الرئيس بوش وزعماء الكونجرس والبيت الأبيض طالبناهم بإصدار بيان يدعو لحماية الجالية، وقد وجدنا تجاوباً كبيراً منهم وبالفعل صدر البيان الأول في شكل تصريح للرئيس بوش وكان يحمل كلاماً طيباً.
ومن المفارقات أنه كان هناك موعد محدد مسبقاً لنا مع الرئيس بوش قبل ساعات من الهجوم على نيويورك وواشنطن لكنه تأجل بسبب الحادث ولو تأخر منفذو التفجيرات قليلاً لكانت التفجيرات تمت ونحن في اجتماع مع الرئيس.
* وهل كانت الاستجابة سريعة من الإدارة الأمريكية نحوكم؟
نعم فبعد الحادث بيومين اتصل البيت الأبيض بنا وأخبرنا بأن الرئيس يريد الاجتماع بكم، وقال الرئيس إنه يسعده أن يكون اللقاء في مسجد المركز الإسلامي في واشنطن تعبيراً عن التضامن مع الجالية المسلمة، وكان لقاء مثمراً استمر نحو الساعة، وعندما دخل الرئيس المسجد خلع ومرافقوه أحذيتهم قبل الدخول، كما ارتدت مساعداته من النساء الحجاب احتراماً للمسجد، وأصدر بياناً ممتازاً، وأذكر أنه أثناء الاجتماع قال أحد الحاضرين للرئيس إن زوجتي لا تستطيع الخروج إلى الشارع خشية تعرضها إلى مضايقات لأنها محجبة فقام بوش بإضافة فقرة إلى بيانه تدعو الأمريكيين إلى احترام المحجبات، ووصف الاعتداء عليهن بمثابة حجم عمليات نيويورك وواشنطن.
* هل تعني أن الجالية استفادت من الحادث رغم كل التوقعات السيئة؟
أنا أرى أن الجالية العربية والإسلامية استفادت من الحادث بقوة، والآن وضعها أصبح أفضل بكثير مما كانت عليه.. وأصبح هناك اهتمام كبير بالإسلام وإقبال على المراكز الإسلامية، بل إن الإقبال على اعتناق الإسلام تضاعف عدة مرات.
فمثلاً مركز أدم في فرجينيا استقبل بعد أيام من الحادث أكثر من أحد عشر شخصاً، منهم أحد القساوسة' اعتنقوا الإسلام، وهي ظاهرة فريدة لم يشهدها أي مركز إسلامي طوال السنوات العشر الماضية، إضافة إلى قيام متطوعين من الكنائس وجيران المراكز الإسلامية بجمع تبرعات لترميم وإصلاح ما جرى لها على أيدي بعض المتطرفين، إضافة إلى نفاد كل الكتب والمطبوعات عن الإسلام ونسخ القرآن المترجم.
* وبماذا تفسر هذا التغيير في السياسة الأمريكية مع الجالية الإسلامية في الوقت الذي تضرب فيه أفغانستان بكل قسوة؟
هو ليس تغيراً في السياسة ولكن في الأولويات، الرئيس بوش يدرك أن الجالية العربية والمسلمة مهمة جداً له، ليس من أجل إنجاحه في الانتخابات، ولكن في حربه ضد الإرهاب.
وتعداد الجالية يفوق تعداد اليهود اليوم ، وأصبحت تمثل رقماً في الحياة السياسية الأمريكية، وبدأت تنتظم وقد أصبحت أكثر قوة وتنظيماً، فعلى المستوى الاقتصادي فإن مستوى دخل الفرد فيها أعلى من متوسط دخل الفرد الأمريكي، وكذلك على المستوى الثقافي هي الأعلى، كما أنها أصبحت تنشط سياسياً شاء الرئيس بوش أم أبى.
ولذلك هو أصبح مدركاً لدورها النامي، فلم تكن هناك أولوية في السابق للاجتماع بها وكانت هناك ضغوط من أعداء المسلمين لعدم عقد مثل هذا اللقاء، أما الآن فالوضع تغير.
* لكن على صعيد آخر كيف تفسر انفتاح الإدارة الأمريكية عليكم ودفاعها المستميت عن حريتكم، وفي الوقت نفسه تتعرضون لمضايقات وإهدار لحرياتكم من أجهزة الأمن والاستخبارات، وخاصة من مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI والتركيز على أن منفذي الهجوم عرب ومسلمون دون التطرق إلى أحد غيرهم؟
الشق الأخير من السؤال لا أستطيع الإجابة عنه، فلا نعرف من وراء العملية ولسنا مطلعين على التحقيقات، لكن هل تعتقد أن هناك غير عرب وهم يرفضون الإفصاح عنهم؟ لا أعرف.. كمواطن أميركي أثق أن FBI يحاول حماية الشعب الأمريكي، وفي نفس الوقت أرى أن تعامله معنا خاطئ مائة في المائة وغير مبرر.
بعد تصريح الرئيس ولقائه بنا انفتح لنا كل شيء كان مغلقاً، فقد انفتح الكونجرس علينا بشقيه (الشيوخ والنواب) عندما أصدر قانوناً يحمي الجاليات وخاصة العرب والمسلمين وذلك بعد مقتل أحد السيخ ظناً أنه مسلم. كما دافع الكونجرس عنا، وأدرك أنه لا يمكن أن ينظر إلى هذه الحرب على أنها حرب ضد الإسلام.
* ألا يمكن أن تكون الإدارة الأمريكية تستخدمكم الآن في حربها ضد ما تسميه بالإرهاب، ثم تتخلى عنكم فيما بعد، أو أن تفعل معكم كما فعلت مع الجالية اليابانية بعد قصف اليابان لميناء بيرل هاربر؟
هذا أمر وارد جداً أن يكون تعاملهم معنا مرحلياً لكي يستخدمونا في هذه الحرب ثم يتخلوا عنا، لكن أن يحصل لنا كما حصل مع اليابانيين فهذا أمر مستبعد، لأنهم (الإدارة الأمريكية) يعتبرونها كانت غلطة كبيرة يجب ألا تتكرر على كافة المستويات.. هذا لا يمكن أن يحدث.
من ناحية أخرى يمكن أن نُستخدم في مرحلة معينة ثم يستغنون عنا بعد انتهاء هذه المرحلة، ولكن ما العمل والإجراء المطلوب حتى لا يحدث ذلك، في نظري أنه يجب الاستفادة من هذه المرحلة، خاصة وأن أكثر من 80% من الشعب الأمريكي يرون أن ما حدث لأمريكا كان بسبب السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وهو نصر كبير للمسلمين.
* ما موقفكم من الإدارة الأمريكية وهي تقدم لكم الحماية بينما تقصف وتنكل بشعوب مسلمة أخرى بل وتتغاضى عن قتل الأبرياء من الشعب الفلسطينيي مثلاً؟
لابد من إدراك أن المسلمين الأمريكان اليوم لهم خصوصية في تعامل الإدارة الأمريكية، فهي لا تتعامل معهم كما تتعامل مع الأفغان، فهم مسلمون وفخورون بإسلامهم، ولكنهم في الوقت نفسه أمريكيون من سكان أمريكا، أتمنى من قارئ مجلتك أن يدرك هذه الخصوصية، وهي أن المواطن الأمريكي المسلم إذا لم يتمسك بهويته الأميركية فهو مهدد في بقائه. كما يجب ألا يُنظر إليه من الأمريكيين على أن ولاءه الوطني ليس لأمريكا.
وأنا أرى أنه لا يوجد تناقض بين أن تكون متديناً محافظاً على دينك وفي الوقت نفسه يكون ولاؤك لأميركا: وطنك. فيجب علينا أن نحدد الهوية في هذه الفترة ولو شككنا الأمريكان في هويتنا في هذه الفترة فنحن مهددون في بقائنا.. الموضوع خطير جداً وأتمنى أن يتفهم المسلمون في العالم موقفنا.
* ماذا تريدون من العالم العربي والإسلامي؟ وما فرص صنع لوبي إسلامي هناك؟
الجالية تتمنى من الدول العربية والإسلامية أن تدعم المنظمات الفكرية والسياسية، فهي امتداد وعمق لهم هناك، لكن كلوبي عربي يجب أن يكون تكوينه وإدارة شؤونه من الداخل لأن القانون يحرم الدعم المالي والخارجي، والجالية بدورها قادرة على تكوين لوبي عربي قوي، والقانون الأمريكي يدعم ويشجع ذلك وهناك قوى كثيرة تدعو إلى توازن في السياسة الأمريكية، وعموماً فإن الأحداث الأخيرة غيّرت كثيراً من المسلمات.
-----------------------------------
المصدر : مجلة المجتمع /العدد 1472 - 2001/10/20

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة