مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 مسلمو المانيا يعيشون اسوأ ايامهم


المأساة التي هزت أميركا وصل صداها إلى حي متواضع في مدينة هامبورج الساحلية الالمانية عندما شاهد قاطنو أحد المباني السكنية القديمة الشرطة في كامل عدتها تقتحم المبنى بحثا عن مشتبه فيه.
ورأى سكان الوحدة السكنية القديمة، التي يعود تاريخ بناؤها إلى الخمسينات من القرن الماضي، عشرات من رجال الشرطة المدججين بالاسلحة، وهم يندفعون بأعداد غفيرة على سلالم المبنى السكني ليلة الاربعاء الماضي حيث اقتحموا شقة خالية كان يقطنها رجلان من قبل.
ويعتقد أن الرجلين كانا على متن الطائرات الاميركية المدنية المختطفة التي اصطدمت اثنتان منها عمدا بمركز التجارة العالمي في نيويورك في 11 من أيلول/سبتمبرالحالي مما أسفر عن مقتل آلاف الاشخاص.
وقبلها لم يذكر على الاطلاق أن الشرطة الالمانية كانت تشعر بأي ريبة تجاه كل من مروان الشيحي 23 عاما ومحمد عطا 33 عاما.
وكان الشيحي وعطا يدرسان الهندسة الالكترونية وبناء السفن في الجامعة الفنية الشهيرة في هامبورج، أو على الاقل كان الاثنان من الطلاب المدرجة أسمائهم على قوائم التسجيل للدراسة هناك.
ويتذكر الجيران الشيحي وعطا كرجلين متعصبين دينيا حيث كان يمكنهم سماعهما وهما يرتلان آيات من القرآن الكريم في جوف الليل.
كما يتذكر الجيران أيضا أنهما كان يدعوان مجموعة دائمة من الزائرين الرجال المجهولين إلى الشقة الكائنة في شارع 54 "مارينشتراسه" حيث تركا مجموعة كبيرة من الاحذية على باب الشقة من الخارج.
وكان بعض أولئك الزوار يمكثون لعدة أسابيع في الشقة في ذلك الوقت.
وكان أولف شولتس وزير الامن الداخلي في هامبورج قد علق على ذلك بصورة جافة عندما تحدث عن "تركيبة متعددة من الاشخاص" تقيم في شقة في هامبورج.
ويتذكر ذلك أيضا رجل إيراني 38 عاما عليل الصحة بصورة واضحة يعيش في المبنى السكني المجاور.
ويقول "كان هناك ثلاثة أو أربعة رجال يقيمون هناك. كانوا نوعية من البشر المتعصبين الذين لا يجدهم المرء حتى في إيران على الاطلاق".
وأضاف كيف كان، وهو في طريقه إلى العمل صبيحة كل يوم، يشاهد هؤلاء الرجال وهم عائدون إلى منزلهم بعد أداء الصلاة في مسجد قريب، وهو مكان خصص على عجل كمكان للعبادة ويقع وراء محل بقالة على ناصية الشارع.
وأوضح المواطن الايراني أنه كان يعتقد أنهم غرباء الاطوار لكنه لم يحسب على الاطلاق إنهم ربما يكونون إرهابيين.
وفي غفلة عن الوحدة السكنية في هاربورك، لم يعر كثير من السكان انتباها إلى العرب.
ويقول عامل شاب 33 عاما "أعيش هنا منذ ست سنوات وبالكاد أعرف أي أحد هنا".
لكن الشرطة لم تجد الكثير مما قد يفيدها داخل شقة الشيحي وعطا. فكانت الغرف خالية حيث لم يعثر على أي دليل يذكر على الاطلاق. وقام صاحب الشقة الاصلي بإعادة طلائها مؤخرا كما هو أمر مألوف في ألمانيا قبل أن يستأجرها مستأجرون جدد.
من جانبه، قال راينهارد فالاك المتحدث باسم الشرطة "سوف نفحص كل سنتيمتر مربع من الشقة".
وفي شقق أخرى بوحدة هاربورج السكنية، تعكف الشرطة على دراسة معلومات وردت من مكتب التحقيقات الفدرالي الامريكي إف. بي.أي.
وبناء على تلك المعلومات داهمت الشرطة شقة سيدة عربية، وهي أم تعيش بمفردها، بعد حلول الظلام حيث أيقظتها من النوم واقتادتها إلى قسم الشرطة لاستجوابها. كما اقتادت الشرطة سيدة منقبة إلى القسم لاستجوابها. ووصل عدد الشقق التي داهمتها الشرطة إلى أربع.
وتسعى الشرطة وراء شركاء للمشتبه فيهم، لكنها لم تجد أي مشتبه فيه غير هاتين السيدتين.
كان قد تم اعتقال رجل ثالث في إحدى الشقق كان يعمل في مطار هامبورج. ولم تعرف بعد جنسيته أو عمره أو حقيقة علاقته بالهجمات الارهابية التي وقعت في نيويورك وواشنطن مؤخرا.
من جانبه، أكد كاي نيهم المدعي العام الفدرالي الالماني في مؤتمر صحفي في كارلسروه أن تحقيقا بدأ حول نشاطات جماعة مشتبه فيهم من المتشددين الاسلاميين الاصوليين في هامبورج من المعتقد أن لها علاقة بعمليات إرهابية بالخارج.
غير ان عطا والشيحي تركا المانيا والعالم كله بعد انفجار طائرتيهما، ولم يواجهان اياما سوداء كالتي يواجهها العرب في المانيا هذه الايام.
وعلى سبيل المثال فأن حسين عامر، أحد المصريين الذي يملك محلا لبيع اللحم المشوي في برلين، لا يبتعد عن الهاتف أبدا هذه الايام، حيث تتصل به زوجته عدة مرات في اليوم الواحد لتسأله "هل كل شئ على ما يرام؟" فيجيبها قائلا "وهل أنت والاطفال بخير؟".
منذ أسبوع مضى، لم تكن هذه المكالمات أمرا طبيعيا. ولكن بالطبع كل شئ آنذاك كان على ما يرام.
وقبل وقوع الهجمات الارهابية على الولايات المتحدة، كان عامر يبيع الفلافل ويصب الشاي ويتحدث مع الزبائن والمعارف في المحل الذي يملكه حتى نهاية اليوم.
ولكن كل شئ تغير الان. وقال عامر "إننا حقا نشعر بالخوف".
ويقصد عامر بحديثه هذا المسلمين. ويقدر عدد المسلمين الذين يعيشون في برلين بنحو 300.000 شخص. ويشعر عدد كبير منهم بأنه صار مهددا في أعقاب الهجمات الارهابية التي تعرضت لها مدينتي واشنطن ونيويورك في الولايات المتحدة.
ويخشى الكثير من المسلمين أنهم ربما يصبحون هدفا لمشاعر الغضب أو الخوف أو الانتقام التي يشعر بها الناس. ويوضح عامر قائلا "إن الناس ينظرون إليك في الشارع بصورة مختلفة هذه الايام".
وأعرب الكثيرون من أبناء الجالية العربية في برلين عن هذا الشعور. إذ يخشون أن يلقي جيرانهم الالمان اللوم على جميع المسلمين بسبب الارهاب، وأن يعتبروا فجأة أن كل المسلمين معادين للغرب.
وهم يشعرون بالخوف كذلك من أن يصبحون كبش الفداء. فقد تعرضت مساجد وأشخاص ممن يبدون من مظهرهم بأنهم عربا أو سيخا للهجوم في حوادث متعددة في الولايات المتحدة منذ الهجوم الارهابي الذي تعرضت له واشنطن ونيويورك يوم 11 أيلول/سبتمبر. وحتى الان، لم تقع حوادث شبيهة في برلين.
ويأمل أشرف المكاوي، إمام أحد المساجد في برلين، ألا تتدهور الامور. فقد قامت إحدى السيدات الاسبوع الماضي بالبصق عليه في الطريق ولكنه لم يتقدم بدعوى قضائية ضدها.
ويحث المكاوي جميع المسلمين بانتهاج مسلك يتسم بالحذر. وقال إمام المسجد "لقد طلبت من أخواني في المسجد التزام الهدوء والود إذا ما تعرضوا للانتقاد وللهجوم في الاماكن العامة".
في خطبة يوم الجمعة في سائر المساجد في ألمانيا، أدان الائمة الاعمال الارهابية وصلوا للضحايا في الولايات المتحدة.
ويخشى المسلمون في برلين كذلك من احتمال اتخاذ الحكومة إجراءات رد على العمليات، حيث يحتمل أن تركز على المسلمين أثناء اندفاعها لتعزيز الامن.
ويرد علي عبد الوهاب، إمام أحد المساجد، على هذا الاحتمال بقدر كبير من المرارة. وقد عاش عبد الوهاب في ألمانيا منذ ما يقرب من ثلاثين عاما ويحمل الجنسية الالمانية.
ويشعر عبد الوهاب بالغضب بصورة خاصة نظرا لان تجمعات المسلمين أصبحت الان تلفت انتباه المحققين بعدما اكتشفت الشرطة إن بعضا من المشتبه بتورطهم باختطاف الطائرات التي استخدمت في تنفيذ الهجمات الارهابية في الولايات المتحدة كانوا قد عاشوا في مدينة هامبورج لعدة سنوات.
وقال المكاوي "إن المشتبه فيهم لا ينتمون إلى أي منظمات. وهم يعيشون في هدوء وعزلة". وقال رجل آخر لا يرغب في الكشف عن هويته "من يعلم - ربما تتعرض للاعتقال لشيء ما تقوله".
وأضاف المكاوي قائلا "إن الالمان لا يعلمون القدر الكافي عن الاسلام، وبالتالي، فقد تفشت الافكار الخاطئة، ولا سيما هذه الايام".
واستطرد المكاوي "منذ اليوم الاول وجهت أصابع اللوم للمسلمين حتى قبل توافر الادلة".
كما حذر من نظريات المؤامرة التي يقبل عليها الناس إقبالا حماسيا في هذه الآونة.
ويقول حميد، وهو فلسطيني الجنسية، إن "قوى أخرى ربما تكون قد خططت لشن هذه الهجمات للاضرار بالصورة العامة للمسلمين".
لقد أجمع هؤلاء الرجال على أن الحياة أصبحت فجأة أكثر صعوبة. وأصبح الناس فجأة ينظرون إليهم باعتبار أنهم يحتمل أن يكونوا من مؤيدي الاعمال الارهابية. وفجأة، أصبحوا مضطرين لتبرير أنفسهم، ربما بسبب هيئتهم أو معتقداتهم.
وقال أشرف المكاوي، أمام المسجد، "لقد أصبح الناس ينظرون إلينا باحتقار".
وأضاف آخر يدعى عامر قائلا "أنا لست أسامة بن لادن. وإذا ما أعتقد الناس إن المسلمين قادرين على القيام بمثل هذا العمل، فهم لا يفهمون الاسلام على النحو الصحيح بالمرة".
وأضاف صديقه حميد الذي يحمل جواز سفر ألماني، من جانبه، "عندما يهاجم البروتستنت الاطفال في أيرلندا الشمالية، لا أحد يعتقد أن جميع البروتستنت يتغاضون عن مثل هذا الاعمال".
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة