مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 التحديات الجديدة
"النسر النبيل".. حملة صليبية خالية من أي نبل
شعبان عبد الرحمن


قبل ان تظهر أي أدلة مؤكدة على تورط بعض الأشخاص في حوادث نيويورك وواشنطن المرعبة عقدت الإدارة الأمريكية مجلس حرب في كامب ديفيد السبت 15/9/2001 لتحديد ساعة الصفر لحملة عسكرية ضد مواقع الإرهاب في العالم من وجهة النظر الأمريكية. وقد اتخذت الحملة اسم "النسر النبيل" في إيحاء بأن مهمتها نبيلة ترقى إلى المهام الإنسانية، وهي في الحقيقة مهمة دموية قتل فيها أبرياء وخربت فيها دول، وذاقت شعوب منها الويلات.
وقد وصف الرئيس الأمريكي هذه الحملة (في حديث له بالبيت الأبيض) بأنها "تلك الحملة الصليبية، تلك الحرب على الإرهاب ستكون طويلة الأمد، فيما ذكرت مصادر أمريكية مسؤولة أن الحملة كان المقرر لها تشمل ستين دولة، بعد أن رجح دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي أن الشبكة الواقفة وراء الهجمات تشمل ستين بلداً.
وهكذا سارت الأحداث داخل الولايات المتحدة منذ أن فاق الجميع من صدمة التفجيرات. وكانت الاعتداءات على المسلمين في الغرب أسبق من بلورة الاتهامات وتحديدها.
أكثر من 200 اعتداء تعرض لها مسلمون وعرب داخل الولايات المتحدة وخارجها.. في المساجد.. والمدارس والشوارع.. ومحطات البنزين في الايام الأولى حتى اضطر كثير من المسلمين إلى لزوم بيوتهم خوفاً من موجات الغضب التي تجتاح الشارع الأمريكي.. وأصبح ظهور وجه بملامح عربية أو بشكل إسلامي كافياً لتحريك العدوان سباً أو ضرباً أو محاولة للقتل! كل ذلك حدث ولم تعلن السلطات الأمريكية بعد رسمياً الجهة المسؤولة عما جرى. فماذا لو أعلنت واتهمت بالفعل؟!.. ماذا يمكن أن نتصور أن يقع للمسلمين والعرب هناك؟!
كنا نتمنى أن يكون التعامل مع تداعيات الحدث على نفس مستوى المنظومة الحضارية التي تباهي بها الولايات المتحدة العالم وتحاول أن تقود من خلالها نظامها العالمي، ومن أبسط مقتضيات هذه المنظومة الحضارية ألا يؤخذ فرد بجريرة الآخر! لكن هذا هو واقع الحال. والواقع الأشد إيلاماً هو أن المسلمين والعرب هناك سيقعون تحت ضغوط أشد مرارة.
كنت أظن أن العقلية المجتمعية الأمريكية قد تغيرت ووعت الدرس في التفاعل مع الأحداث بعد حادث أوكلاهوما الشهير (19/4/1995م) عندما شن الشارع الأمريكي عدواناً على المسلمين على اعتبار أنهم وراء الحادث ثم ثبت أن متطرفاً أمريكياً مسيحياً (تيموثي ماكفي المنتمي إلى مليشيا "ميشيجان" المتطرفة) هو الذي دبر الحادث.. يومها لزم الجميع الصمت وهدأ الشارع دون اعتذار لمن سارعوا بالعدوان عليهم من المسلمين ودون تشنيع على ديانة المجرم الحقيقي أو عرقه أو لونه!.
ربما يكون لتأكيدات الرئيس بوش ضرورة حماية حقوق المواطنين المسلمين وكذلك رئيس الوزراء البريطاني وغيرهما أثر في تخفيف اندفاع موجة العداء.. لكن التصريحات الرسمية في مثل هذه الأحوال لا تقدم كثيراً.
وهذا يقودنا إلى التذكير بأن الآلة الإعلامية الغربية نجحت طوال ما يزيد على عقد من حملتها المحمومة على الإسلام والصحوة الإسلامية في المزاوجة بين "الإرهاب" و "الإسلام" وأصبح راسخاً في العقل الباطن لدى المواطن الغربي أن ذكر أي من الكلمتين يستدعي حتماً الأخرى إلى الذاكرة.
ومنذ انطلقت الحملة العالمية لوصم الإسلام والمسلمين بالإرهاب لم نعثر حتى اليوم على تعريف محدد لهذا "الإرهاب" الذي يقصدونه، فقط ظللنا طوال السنوات الماضية نفاجأ من الإعلام الغربي بأن "فلاناً" إرهابي أو أن "دولة" ما تمارس "الإرهاب" وتكون هذه الاتهامات متواكبة مع خلافات حادة مع السياسات الغربية، حتى فوجئنا منذ سنوات قليلة بإعلان الولايات المتحدة لما يسمى بالمنظمات الإرهابية ومعظمها منظمات إسلامية إن لم تكن كلها ومن بينها "حزب الله" و "حماس" وحركة الجهاد الإسلامي، وهي منظمات خرجت إلى النور لأداء دور واحد هو تحرير بلادها من الاستعمار الصهيوني ومع ذلك فهي في عرف السياسة الغربية إرهابية!
ثم أعلنت الولايات المتحدة بعد ذلك قائمة بالدول التي تؤوي الإرهاب أو تمارسه وكلها دول عربية إسلامية من بينها السودان وإيران.
ومن يستعرض قائمة المنظمات أو الدول الإرهابية في عرف الغرب سيجد أن المقياس هو الخلاف الحاد مع الساسة الغربية، وتهديد المصالح والمشاريع الغربية.
إذن الذي يمتلك إطلاق الاتهام بالإرهاب هو الغرب وحده، وليس لأي طرف آخر القدرة على فعل ذلك، وقد شاهدنا في مؤتمر ديربان الأخير كيف أن وفود العالم العربي والإسلامي فشلت في النص في البيان الختامي للمؤتمر على أن الكيان الصهيوني يقوم بممارسات عنصرية وليست إرهابية!! وشاهدنا كيف هددت الولايات المتحدة ومعها المجموعة الأوروبية بالانسحاب من المؤتمر إذا حدث ذلك.. كما شاهدنا كيف هدد الغرب الدول الإفريقية بعقوبات اقتصادية والحرمان من المساعدات إذا انساقت وراء ذلك!.
ومن هنا فإن إعلان الرئيس الأمريكي بوش الابن إصراره على القضاء على الإرهاب في أي مكان واقتلاعه من جذوره، ثم تأييد الكونجرس له بالإجماع وتخصيص 40 مليار دولار (وهو ضعف المبلغ الذي طلبه بوش) لهذه المهمة كان المبشر بمشروع معقد ومتعدد المراحل يتم تنفيذه وفق استراتيجية مدروسة بقيادة الولايات المتحدة، وهو ما عبر عنه الرئيس الأمريكي صراحة أمام مجلس الأمن القومي الأمريكي (السبت 15/9) "لن أكتفي بعمل رمزي، سيكون ردنا كاسحاً ومتواصلاً وفعلاً وطويلاً"!.
لنقترب قليلاً من الصورة وفق ما يلي:
أولاً: أن دائرة الاتهام بالإرهاب أخذة في الاتساع بصورة دراماتيكية ولم تعد تضمن أفغانستان فقط، وإنما بدأت الأصابع تتجه نحو "حزب الله" اللبناني من خلال إشارة بعض الصحف الأمريكية (الجمعة 14/9) إلى أن حزب الله ساعد بن لادن في تفجير المدمرة كول في ميناء عدن اليمني.
ولا نستبعد أن تتسع الدائرة أكثر لتشمل منظمات ودولاً أخرى تعدها الولايات المتحدة إرهابية، وتجد الفرصة مواتية للقضاء عليها.
ثانياً: أن حالة الاستنفار الواسعة للقوات الأمريكية المنتشرة في أرجاء العالم واستدعاء 50 ألفاً من قوات الاحتياط ورصد هذه المخصصات المالية الضخمة (40 مليار دولار) ينبىء أن أفغانستان ليست المقصودة وحدها، فليس فيها شيء يضرب بعد أن أكلت الحرب كل شيء وإنما ستطول الضربة أطرافاً أخرى، كما تنبىء الهجمات أن الحملة لن تقتصر على ضربة أو ضربات خاطفة وإنما ستطول ووفق خطط مدروسة لاكتساح كل مناطق الخطر على المصالح والأمن الغربي في العالم، ومعظم هذه المناطق إسلامية!.
ثالثاً: الانتهازية والابتزاز واضحان من تسابق دول بعينها تسابقاً محموماً للانضمام للحلف الجديد لحاجة في ضميرها.. فالكيان الصهيوني ومنذ تفجر الأحداث يحاول من خلال الآلة الإعلامية الصهيونية داخل الولايات المتحدة وخارجها وضع نفسه في خندق واحد مع واشنطن.
والإرهاب في عرف الكيان وعقيدته لا يعني سوى الشعب الفلسطيني المجاهد من أجل تحرير بلاده، ولا يعني سوى تلك المنظمات الجهادية الاستشهادية التي تروي دماؤها التراب الفلسطيني كل يوم بغية تحرير الوطن.
والهند (حليف الصهاينة) سارعت بعرض أراضيها وإمكاناتها العسكرية لخدمة الولايات المتحدة في حملتها، وعينها بالطبع على مجاهدي كشمير بغية التخلص منهم بعد أن ازدادوا قوة ولم تفلح القوة العسكرية الهندية في كسرهم طوال ما يزيد على نصف قرن.
كما سارعت تركيا لإعلان فتح أراضيها وتقديم مساعداتها، فقد كانت "مساعدات الولايات المتحدة في القبض على عبد الله أوجلان _وفق قول بولنت أجاويد رئيس الوزراء التركي _ كبيرة.."، عين النظام التركي متوجهة إلى الأكراد الذي يسببون صداعاً للنظام التركي. إذاً كل يتوجه للتحالف للقضاء على الإرهاب، ولكن الإرهاب الذي يهدده!.
رابعاً: وفقاً لرأي البروفيسور دان بنيامين المحلل الدفاعي لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "بعد اليوم الأكثر دموية في التأريخ الأمريكي منذ الحرب الأهلية، فإن القتلى الأمريكيين لا يمكن أن يبقوا بلا رد.. فأمريكا لن تقبل ذلك".
وتؤكد استطلاعات الرأي أن الأمريكيين يؤيدون بأغلبية كاسحة القيام بعمل انتقامي حتى إن كان سيؤدي إلى مقتل أبرياء.
وقد قامت إدارة الرئيس كلينتون بعمل انتقامي ضد افغانستان بعد تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام، كما دمرت طائراتها مصنع الشفاء السوداني.. لكن ابن لادن لم يصب بأذى، وأصيبت السياسة الأمريكية يومها إصابات بالغة ولا يبدو أن العمليات العسكرية الحالية ضد افغانستان ستتوقف قريباً.
خامساً: مع التسليم بأنه لا قبل لأي قوة مادية في العالم بمواجهة القوة الأمريكية والمتحالفين معها.. إلا أن السؤال المهم: ألا يمكن أن تواجه الحملة العسكرية بمقاومة شعبية قد تحقق مفاجآت على قدر مفاجآت مركز التجارة العالمي؟!.
والسؤال الأهم.. ماذا لو ظهر فجأة "تيموثي ماكفي" جديد ليفصح عن أن مرتكبي حوادث نيويورك وواشنطن من الجماعات والمليشيات الأمريكية المتطرفة.. كما حدث في أوكلاهوما.. كيف ستجد الولايات المتحدة نفسها؟! التحذير صدر من أكثر من عاصمة وكان أبرزه ما جاء على لسان الرئيس المصري لـ سي إن إن: "يجب أن تتذكروا حادث أوكلاهوما الذي كان عملاً إرهابياً وترددت إشاعات حينها بأن عرباً وراء ارتكابه ولكن ثبت أنه لم يكن هناك عرب" كيف ستعوض امريكا عن المذابح التي تواصل إرتكابها في واحد من أفقر بلدان العالم؟!.
------------------------------
المصدر : مجلة "المجتمع" بتصرف /العدد 1469-2001/9/22
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة