المسلمون في الغرب
المسلمون في
ألمانيا
عدة ملايين من المسلمين إختاروا المانيا ملجئاً أو مهجراً أو مستقراً لهم، لدوافع مختلفة سياسية وإقتصادية وأحياناً شخصية، فإزدهار المانيا الاقتصادي، والحريات والضمانات التي يتمتع بها مواطنوها وساكنوها، جذبت منذ مطلع القرن الحالي العديد من الطامحين والباحثين عن الأمن والحرية. ومنذ الستينات زاد عدد المهاجرين الى المانيا لتتحول الظاهرة الفردية الى موجات هجرية جماعية. ومنذ البداية لم تكن العلاقة بين المهاجرين وأبناء البلاد سهلة أو خالية من سوء الفهم والأحكام المسبقة وهو ما أدى الى خيبة أمل عميقة لدى الكثيرمن المهاجرين دفعت بعضهم الى التقوقع واتهام المجتمع الالماني بالعنصرية وعدم التسامح.
يقول جمال قارصلي نائب حزب الخضر في المانيا: هنالك فوارق كبيرة لازالت موجودة على كل الأصعدة فمثلاً إذا اراد المسلم أن يستأجر بيتاً قد يدفع أحياناً 40 بالمئة زيادة في الإيجار على ما يدفعه المواطن الألماني لنفس البيت. وهنالك مثلاً عدم المساواة في المدارس فأطفال الاجانب ولعدم الاهتمام بهم مضطرون للتسجيل في مدارس منحطة المستوى بينما الألمان بالعكس والنتيجة أن عدد الاجانب في المدارس الراقية منخفض، وفي مجال البطالة، نسبة العاطلين عن العمل من المسلمين ضعف نسبتها بين الألمان.
وطوال العقود الثلاثة الماضية ثار جدل حول العلاقة بين الشعب الالماني والمهاجرين وخاصة المسلمين منهم.
يقول الصحفي اللبناني المقيم في المانيا صلاح رشواني: الاجنبي يريد أن يعيش في اوربا مثل ابن البلد، وهذا غير ممكن، فالعكس هو الصحيح. والذي اراه أنه ينبغي أن يفكر الانسان في مصلحة البلد الذي يعيش فيه، وان يفكر مثل الالمان وأن يأخذ حقوقه عن طريق القوانين المسنونة التي يعمل بها الالمان أنفسهم.
ويعرض عبد الحفيظ عبتاني صورة ابنه المجنّد في الجيش الألماني ضمن برنامج فضائية الجزيرة ويقول: نحن متجنّسين ولنا حق التصويت وحقوق اخرى كأي مواطن الماني، وهذا أبني الذي خدم في الجيش ولنا في هذا البلد 29 سنة، والحمد لله نشعر هنا بالارتياح ونجد أن الشعب الالماني طيّب ومتسامح، وليست ثمة نعرة طائفية أو عرقية.
ويقول فتحي عبد الله الصحفي المسلم في إذاعة صوت المانيا: هنالك في أوربا عامة عداءٌ متأصل موروث للاسلام والمسلمين، إلا أن إنفتاح الشعب الالماني على العالم وإتصاله بالشعوب الأخرى ولاسيما الشعوب الاسلامية كالأتراك والعرب والايرانيين. أدى الى أن تزول هذه الناحية العدائية والمسلمون في المانيا يستوفون حقوقهم كأي مواطن ألماني، اللهم إذا إستثنينا أن الدولة في المانيا لم تعترف بعد رسمياً بالاسلام كدين كما إعترفت هولندا أو بلجيكا.
بوادر ايجابية توالت في السنوات الاخيرة دلت على خروج الكثير من المهاجرين وخاصة من أبناء الجيل الثاني من الحالة السلبية الى المشاركة الفاعلة في جميع جوانب الحياة العامة في المانيا ومثلت الانتخابات الاخيرة مناسبة هامة لاظهار تنامي وعي المهاجرين في المانيا بحقوقهم السياسية وبوزنهم المتزايد في بلدهم الجديد.
يقول جمال قارصلي: لاحظت أن الاجانب يستخدمون أصواتهم بكل دقة، ويبحثون عن الحزب الذي يدافع عن حقوقهم بكل دقة وهذا شيء أفرح له وأنا أعلم أن الاجانب كان لهم دور في الانتخابات الأخيرة.
يؤكد فتحي عبد الله: الذين تقدموا للانتخابات من الاجانب الحاملين للجنسية الالمانية، على جانب من الوعي أدى الى فوز الديمقراطيين الاشتراكين والخضر معهم، والى هزيمة الاحزاب اليمينية المتطرفة التي خاضت الانتخابات الاخيرة.
على الصعيد الاجتماعي تتحرك الجمعيات الاسلامية بنشاط لمد جسور من التفاهم والتعرف بين المهاجرين من المسلمين والشعب الالماني. ومن المبادرات الملفتة "يوم المسجد" حيث تفتح مساجد المسلمين في كل انحاء المانيا أمام المواطنين الالمان ليدخلوها ويتعرفوا على المسلمين عن كثب.
يقول إمام مسجد المهاجرين في بون: نريد أن يتعرف الألمان على الاسلام والمسلمين وعلى المساجد وأن هذه المساجد مفتوحة وليست أوكاراً لعمليات أو مؤامرات أو مخازن أسلحة وانما هي بيوت الله يذكر فيها اسمه وتعظم فيها شعائره، هذه هي المساجد، أبواب مفتوحة وأيدٍ ممدودة بالرفق والرحمة لأن نبينا(ص) رحمة لقوله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين) فديننا رحمة وكتابنا رحمة.
ورغم أن كثيرين لم يستجيبوا لهذه الدعوة الطيبة، فإن أصحاب المبادرة سعداء بأنّ عدداً لابأس به من الامان دخلوا المساجد وخرجوا بانطباع ايجابي عن أول زيارة لهم لبيوت عبادة المسلمين.
تقول إحدى السيدات الالمانيات التي زارت مسجداً: بالنسبة لي هذه مناسبة جيدة لألتقي لأول مرة بالمسلمين، تحدثنا ببساطة عن أجواء المسجد وسعدت بالتعرف على ديانة أخرى وبالاتصال المباشر مع المسلمين والتعرف على آرائهم ومعتقداتهم.
لاشك أن علاقة مثالية بين المسلمين والشعب تحتاج لمزيد من المبادرات ولمضاعفة جهود المهاجرين في الدفاع عن حقوقهم وفي إرتقاء السلم الاجتماعي غير أنه من الواضح أن المهاجرين يصحون تدريجياً مما سماه بعض الباحثين "الصدمة الحضارية" ويحسن ابناؤهم على وجه الخصوص مخاطبة المجتمع الذي يعيشون معه بالطريقة الأقرب الى فهمه.
ومن الواضح أن المهاجرين من المسلمين وابناءهم باتوا أكثر دراية بآلية وقوانين المجتمع الذي يعيشون فيه، واكثر وعياً بالامكانات المتاحة لهم لدخول هذا المجتمع والمشاركة في جميع جوانب الحياة فيه إقتصادياً وإجتماعياً وسياسياً.
-----------------------------
المصدر : فضائية الجزيرة