مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 المسلمون في الغرب
نكبات اللاجئين في المحتجزات الأوربية 


في هذا الموضوع نتناول أوضاع اللاجئين إلى بلدان غربية في سجون التوقيف ومحتشدات الاحتجاز في كل من النمسا وألمانيا وإسبانيا والمجر وفيهم نسبة ملحوظة من المسلمين. مراسل المجتمع في فيينا قام برحلة إلى تلك البلدان ووقف على الحقائق المأساوية التي تعيشها طالب اللجوء قبل الحصول على موافقة السلطات المختصة والبت في طلباتهم ومصائرهم. الخطوة الأولى في هذه الرحلة التي تطلبت كثيراً من الجهد والوقت كانت نحو سجن "الترحيل" بمدينة سالزبورج النمساوية على الحدود الألمانية، حيث سمح لنا بعد محاولات شاقة بزيارة طالبي اللجوء المحتجزين في هذا السجن بانتظار البت في طلباتهم من أجل الحصول على حق اللجوء السياسي.
السجن عبارة عن جناح من مجمع إداري تابع لمديرية الشرطة، القابعون خلف أسواره المحصنة خليط من الجنسيات المختلفة، نسبة العرب منهم لا تتجاوز 15% بينما كانت النسبة الأعظم من بلدان أوروبا الشرقية والقوقاز وآسيا.
انتشرنا لحظة خروج هؤلاء إلى باحة السجن حيث يقضون نصف ساعة كل يوم خارج جو الزنزانات المختنق.
كان بعضهم يمارس حركات رياضية خفيفة، بينما تحلق حولنا رهط من الشباب يسأل في فضول عن حقيقة مهمتنا ووجودنا معه لأول مرة.
ارتفعت الأصوات بلغات ولهجات مختلفة، وبدأ الازدحام بين هؤلاء الشباب من أجل أن يتمكنوا من سرد قصصهم علينا، لكن صوت شاب ألباني (28سنة) علا فوق كل الأصوات، وبدأ يصرخ بلغة إنجليزية مكسرة إلى أن فقد توازنه وراح يهذي بكلمات ألبانية لم نفهمها، وتحول المشهد إلى صراخ وبكاء إلى أن تدخل مرافقنا (مدير السجن) وطلب منا التوقف فوراً عن الاستماع لهؤلاء، لكنه غض الطرف بعد ذلك عن مجموعة من الشباب العربي استطاعت الحديث إلينا، بهدوء بعيداً عن الصراخ.
* محمد جمال (25سنة) يقول إنه فلسطيني فار من جحيم الجيش الصهيوني الذي يطارده بسبب آرائه السياسية.
كان هادئاً إلى حد كبير، لكنه يطوي جوانحه على غضب مكتوم ثم سرعان ما انفجر بالبكاء وهو يحكي لنا قصته:
بعد رحلة شاقة وصلت إلى الحدود النمساوية الألمانية وفي نيتي تقديم طلب اللجوء السياسي في ألمانيا المتساهلة نوعاً ما مع اللاجئين، لكن شرطة الحدود النمساوية ألقت القبض علي أثناء التسلل وأعادتني مكبلاً إلى مدينة سالزبورج حيث قادوني إلى زنزانة في هذا السجن مكبلاً بالحديد.
وعندما سألناه عن الطريقة التي عومل بها من طرف الشرطة، قال بلهجة هي أقرب إلى الامتنان: لم أتعرض إلى أي اعتداء أو ضرب، لكن خوفي الكبير أن يعيدوني إلى البلد الذي جئت منه.
ـ أي بلد؟
ـ تجاهل السؤال وفضل الصمت.. ولم نكرر السؤال بعد إدراكنا أن الإجابة لن تكون في صالحه أمام مدير الشرطة الذي استدعى مترجماً لمعرفة ما يدور بيننا من حديث.
ـ وكيف الحال في السجن؟
ـ قال بذكاء: السجن سجن حتى ولو كان قصراً مشيداً.
ثم توجهنا بالسؤال إلى مدير الشرطة: متى يتم الإفراج عن محمد جمال؟
ـ هذا ليس من اختصاصنا بل من اختصاص السلطة القضائية والمحققين.
* إلى جنب محمد كان يقف شاب لا يتجاوز عمره 28سنة، حسب التقدير، ذو ملامح عربية واضحة، وكانت يده اليسرى مغلولة إلى عنقه برباط كمَّادة عليها آثار الدم.
سألناه عن السبب، فقال: لقد صدر بحقي قرار ترحيل إلى بلدي الأصلي (.. ..) بعد ستة شهور من الحبس في هذا السجن، وبعد أن أخبروني بأنهم حجزوا لي تذكرة على إحدى الرحلات، قمت بتقطيع شريان يدي اليسرى احتجاجاً على قرار الترحيل، فاضطروا إلى إبقائي في السجن خوفاً علي من الانتحار الذي سيشوه سمعتهم.
ـ ولماذا أنت خائف من العودة إلى بلدك؟
ـ لقد قتل النظام شقيقي الذي كان مناضلاً في حزب سياسي محظور، وأنا مدرك أن الدور سيكون عليَّ إذا ما عدت إلى ( ...).
* أما (سليمان 23سنة) الذي كان ينتظر دوره في الحديث إلينا، فقد بدا متعباً جداً لا يقوى على الوقوف، كما بدا نحيلاً وفي عينيه بريق باهت تلاشى مع أول كلمة نطق بها.
لقد كان أول يومه بعد إضراب عن الطعام دام 15 يوماً، فقد خلالها نحو 17 كيلو جراماً من وزنه قال والأمل يملؤه: لقد قاومت من أجل الخروج من هذا السجن واليوم فقط أمرني الطبيب بالتوقف عن الإضراب عن الطعام، وحرر محضراً طبياً سيساعدني على الخروج من السجن بسرعة.. لم يكن لدي اختيار آخر.
ألمانيا: عبء اللاجئين والمعاهدات الدولية
غادرنا سجن الترحيل النمساوي تاركين القابعين فيه يواجهون مصائرهم التي ستحددها السلطات القضائية، والتي لن تخرج عن اختيارات ثلاثة:
1- البقاء في السجن إلى مدد غير معلومة قد تصل إلى سنة أو أكثر.
2- الترحيل والإعادة إلى البلدان التي جاؤوا منها.
3- إطلاق سراحهم وقبولهم كلاجئين.
ومعلوم أن النمسا تقوم بترحيل نحو 20ألف (طالب لجوء) سنوياً عن أراضيها.
غادرنا النمسا باتجاه ألمانيا التي سجلت في السنوات الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في معدلات طالبي اللجوء بلغ 50% خلال عام واحد كما تقول مصادر أمنية ألمانية.
وضع طالبي اللجوء في ألمانيا لا يختلف كثيراً عما هو عليه في النمسا، غير أن بعض الذين التقيناهم في المدن الألمانية الكبرى من طالبي اللجوء، أكدوا لنا أن فرص النجاح في الحصول على قبول طلبات اللجوء في ألمانيا هي الأكبر على مستوى دول الاتحاد الأوروبي بعد سويسرا.
وأكد لنا لاجئون عرب أنهم بعد وصولهم إلى ألمانيا، قابلهم جو عدائي من طرف الشرطة الألمانية، وتعرضوا لسوء المعاملة في سجون الاحتجاز.
* عمار سلمان (22عاماً) سجن ثلاث مرات في ثلاث دول مختلفة (المجر ـ النمساـ ألمانيا) ويقول إنه تعرض لمعاملة سيئة جداً في البلدان الثلاث، لكن في ألمانيا تعرض إلى السجن الانفرادي والتكبيل بالحديد بعد أن حاول الانتحار داخل السجن.
* وأكد لنا زميله جمال (25سنة) وهو عراقي أن مراكز الاحتجاز الألمانية سيئة للغاية، وأنه شخصياً تعرض للامتهان والتعذيب في مدينة "ميونيخ" بعد إلقاء القبض عليه من دون أوراق ثبوتية.
وتعزز هذه التصريحات التي سمعناها من العشرات طالبي اللجوء في ألمانيا وغيرها، تقارير منظمات حقوق الإنسان التي تؤكد أنه بات من المعتاد أن
طلبات اللجوء المقدمة في عام 2000م
ـ ألمانيا 650,117
ـ الولايات المتحدة 600,91
ـ المملكة المتحدة 680,75
ـ هولندا 900,43
ـ بلجيكا 690,42
يخضع طالبو اللجوء للامتهان في أقبية السجون، ويعانون من التعذيب المفضي إلى الموت.
ففي الثالث من شهر مارس آذار 1998م فارق شاب فلسطيني (27عاماً) الحياة بشكل مفاجئ أثناء رحلة إبعاده من مطار زيوريخ السويسري، وتبين فيما بعد أنه مات اختناقاً جراء تكميم فمه بشريط لاصق كما أكد تقرير معهد الطب الشرعي في جامعة زيوريخ.
وفي سنة 1999م قتل شاب نيجيري في حادثة شبيهة بعد تكميم فمه بشريط لاصق خلال رحلة إبعاده من النمسا.
وفي السنة نفسها كانت أنفاس لاجئ سوداني قد انقطعت على متن طائرة ألمانية خلال رحلة إبعاده من ألمانيا، بينما قضت امرأة نيجيرية نحبها إثر كتم أنفاسها في طائرة كانت تقوم بإبعادها عن بلجيكا إلى وطنها الأم.
ويؤكد "المركز الدولي لأبحاث وإعادة تأهيل ضحايا التعذيب" بالدانمرك أن تعذيب طالبي اللجوء في أوروبا يتراوح بين التعذيب النفسي والحرمان من التواصل الاجتماعي.
تركنا ألمانيا وانطباعنا يميل إلى تصديق ما سمعناه من شهادات حية من طالبي اللجوء الذين أكدوا لنا وجود تجاوزات أمنية في حقهم أثناء إلقاء القبض عليهم وأثناء وجودهم في مراكز الاحتجاز وسجون الترحيل، فضلاً عن الجو العدائي الذي يلاقونه من الحركات العنصرية التي ازدهرت في السنوات الأخيرة بين الشباب الألماني خصوصاً في شرق ألمانيا حيث تؤكد نتائج الاستفتاءات التي أجرتها معاهد متخصصة أن أكثر من 40% من شباب ألمانيا الشرقية سابقاً يعتقدون أن نازية هتلر تنطوي على محاسن! وتعزز هذه النتائج في الواقع نسبة الجرائم العنصرية التي ازدادت ضد اللاجئين بشكل لافت في شرق ألمانيا خلال السنوات الأخيرة.
إسبانيا بوابة الإفريقيين
تعتبر إسبانيا بوابة رئيسة لطالبي اللجوء إلى نحو بلدان أوروبا، وأكد لنا المسؤولون الإسبان أن المغرب هو النقطة الأولى لانطلاق جيوش طالبي اللجوء نحو إسبانيا ومنها إلى دول أوروبا، وكشفوا عن معلومات تناولتها وسائل الإعلام المحلية تفيد أن معظم طالبي اللجوء في إسبانيا يصلون إليها عن طريق المغرب بحراً في عمليات محفوفة بالأخطار نتيجة الزوارق التي يستعملها المهربون، التي تسميها إسبانيا "زوارق الموت".
في العاصمة الإسبانية مدريد التقينا عشرات من طالبي اللجوء وكان معظمهم من الجزائريين.
* توفيق (24سنة) من غرب الجزائر، يقول ـ وقد فقد صفاء عينيه من التعب: لعنة الله على أوروبا التي كنت أعتقد أنها جنة الله في الأرض.. إنها لحظة جنون تلك التي قررت فيها الهجرة إلى إسبانيا لإنقاذ نفسي من الموت.. إنني أموت هنا ببطء بعيداً عن التفنن في بناء الوهم وحرث البحار.
* محمد السعيد (23سنة) يقول: لقد دفعت للمهربين أكثر من (2000دولار) ووصلت إلى إسبانيا في ظروف صعبة بعد أن نجوت من الموت في البحر.. وفي الميناء ألقت الشرطة القبض علي، ولدى الدوائر الأمنية قدمت طلباً للجوء، لكنه رفض ثم استأنفت وأضربت عن الطعام وأنا في السجن، إلى أن أطلق سراحي بعد أن تدهورت صحتي، وأنا الآن أعيش لدى منظمة كنسية من دون مستقبل.
في إسبانيا: عشرات الآلاف من اللاجئين يعيشون في ظروف صعبة للغاية، ومنهم من كان مع عائلته (الزوجة والأولاد) لكن السلطات الإسبانية أكدت لنا سعيها إلى تطوير القوانين والمؤسسات الخاصة باللجوء من أجل التوصل إلى حلول دائمة وملائمة لهذه المشكلة خاصة ما يتعلق بمكافحة الجريمة الدولية المنظمة التي يشكل تهريب المهاجرين أو اللاجئين جزءاً منها.
المجر: مافيات التهريب وأخطار الطريق
وإلى المجر التي تعتبر حدودها مع النمسا النقطة المفضلة لتهريب البشر نحو أوروبا الغربية مروراً بالنمسا، كان من الصعب جداً علينا الحصول على معلومات دقيقة بشأن طرق التهريب، لكن عن طريق الصدفة التقينا عربياً يتكلم لهجة مشرقية وعرضنا عليه رغبتنا في التسلل إلى النمسا، فأبدى استعداداً
أكثر عشر دول من حيث نسبة اللاجئين فيها لعدد السكان
1- أرمينيا 8,4%
2ـ غينيا 6,8%
3 ـ يوغسلافيا 4,7%
4 ـ جيبوتي 3,7%
5 ـ ليبيريا 3,3%
6 ـ أذربيجان 2,9%
7 ـ إيران 2,7%
8 ـ زامبيا 2,3%
9 ـ تنزانيا 1,9%
10 ـ السويد 1,8%
لمساعدتنا مقابل (500دولار) وبالفعل وبعد ساعتين ضرب لنا موعداً مع أحد المهربين الذي طلب منا مبلغ (800دولار) مقابل أن يوصلنا إلى أول مدينة نمساوية متسللين عبر الحدود مشياً على الأقدام، ولم يتأخر في شرح الخطة التي تقتضي مشي أربع ساعات ليلاً عبر طريق جبلي آمن، مع الالتزام الكامل بالصمت وتحمل المتاعب والاستعداد لمواجهة دوريات المراقبة المتوقعة، وأكد لنا أنه خبير بهذا الشغل وأن نسبة النجاح على يديه في التسلل تصل إلى 99 بالمئة، لكننا رفضنا العرض بطبيعة الحال.
بعد ثلاثة أيام بالمجر، اكتشفنا أن عصابات التهريب المكونة من الرومانيين والروس وبعض العرب، منتشرة بالمجر بصورة كثيفة رغم كل المجهودات التي تبذلها السلطات المجرية لمكافحتها، وأكدت لنا مصادر أمنية مجرية أن لهذه العصابات قدرة كبيرة على تزوير الوثائق واختراق الحدود، وأن دخلها يقدر ب‍200 ألف دولار يومياً.
اللجوء الوهمي والحد من الهجرة
أكدت لنا السلطات الأمنية والقضائية في البلدان التي زرناها أنها تواجه مشكلة كبيرة أمام عشرات الآلاف من حالات اللجوء التي لا يتوفر أصحابها على مبررات أو قرائن تثبت بالفعل أنهم مهددون بأخطار في بلدانهم بسبب الحروب أو الاضطهاد أو الكوارث الطبيعية.
ونتيجة لهذا، لجأت الحكومات إلى سن ترسانة من الإجراءات والقوانين تحدد من هو اللاجئ، وتفصل بين اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين الذين يحملون الحكومات أعباء مالية ضخمة.
ويقول "رود لوبرز" رئيس المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة:
"اللاجئون أشخاص لا يتمتعون بحماية حكوماتهم، والدور الرئيس للمفوضية العليا للاجئين هو التأكد من احترام حقوق الإنسان الأساسية لهؤلاء اللاجئين، وهذا يشمل التأكد من أنه لا يعاد إلى دولة يخشى العودة إليها بسبب الحرب أو العنف أو الاضطهاد، وتنص معاهدة اللاجئين الموقعة عام 1951م على تلك الحقوق، وتشمل حماية اللاجئين وتقديم المساعدة القانونية والمادية لهم.
والمساعدة المادية على سبيل المثال يمكن أن تكون في صورة مساعدات ضرورية لإبقاء اللاجئين على قيد الحياة مثل الطعام والمأوى والرعاية الصحية.
والحماية أيضاً قد تكون ممثلة في التوصل إلى حل مشكلة اللاجئين، وعادة ما تكون هناك ثلاثة حلول:
1- إعادة اللاجئين إلى أوطانهم الأصلية.
2- إدماجهم في أول دولة يلجؤون إليها.
3- إعادة توطينهم في دولة ثالثة.
والإعادة هي الحل الأفضل، فعلى مدار العقدين الماضيين نجحت المفوضية في إعادة 25 مليون شخص على الأقل إلى أوطانهم".
-----------------------------------
المصدر : تقرير نذير مصمودي عن مجلة "المجتمع"
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة