مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 شرفات غربية
توجيهات المستشرق الفرنسي هانوتو للمؤسسات الاستعمارية في شمال إفريقي

 
عندما يكون طابع الفكر الأوربي السائد هو الطابع الاستعماري (بالمعنى الحديث للمصطلح) فإن الاستشراق يندفع بهذا الاتجاه ليخدم كل ما من شأنه تكريس الاستعمار، كتزويد الحكومات المستعمرة بالدراسات والتحليلات الوافية عن الشرق والبلاد المستعمَرة، وكذلك تزيين صورة المستعمرين وتبرير ممارساتهم وإظهارهم بمظهر المنقذ والمحرِّر وحامل راية الحرية والحضارة، أو قد يكون المستشرق عاملاً في إحدى مؤسسات الدول الاستعمارية بصورة رسمية، كأن يكون مثلاً مستشاراً لوزارة المستعمرات في هذه الدول، كما هو الحال بالنسبة للمستشرق الفرنسي "هانوتو" الذي كان يعمل مستشاراً لوزارة الاستعمار الفرنسية، فنجدهُ يتجه في دراساته الاستشراقية إلى كل ما يخدم الحركة الاستعمارية لفرنسا في الشرق، بل يحاول توظيف رعيلٍ من المستشرقين لهذا الغرض من خلال رسم مناهج بحثهم ودراساتهم الاستشراقية من وحي الدوافع الاستعمارية لبلاد الشرق الإسلامي ...
وهكذا يصب الجهد الاستشراقي في الإطار الاستعماري لأوربا بشكل مباشر أو غير مباشر. ومن نماذج ذلك ما كتبه "هانوتو" نفسه عن المسلمين وعقيدتهم واضعاً المقترحات الضروريّة في نظرة لتوجيه سياسة فرنسا في مستعمراتها الإفريقية الإسلامية تحت عنوان "قد أصبحنا اليوم إزاء الإسلام والمسألة الإسلامية" وقد نشرت جريدة "المؤيد" في نهاية القرن التاسع عشر ترجمة لمقالتهِ هذه نورد مقاطع منها " ... في تلك البقعة الإفريقية التي أصبحت مقر ملك الإسلام، جاءت الدولة الفرنسية لمباغتته. جاء القديس لويس ـ الذي ينتمي إلى إسبانيا بوالدته ـ ليضرم نيران القتال في مصر وتونس، وتلاه لويس الرابع عشر في تهديده الإمارات الإفريقية الإسلامية، وعاود هذا الخاطر نابليون الأول، فلم يوفق في تحقيقه الفرنسيون إلاّ في القرن التاسع عشر، حيث أخنوا على دولة الإسلام التي كانت لا تني في متابعة الغارات على القارة الأوربية، فأصبحت الجزائر في أيديهم منذ سبعين عاماً، وكذلك القطر التونسي منذ عشرين عاماً".
" ... إذن فقد صارت فرنسا بكل مكان في صلة مع الإسلام، بل صارت في صدر الإسلام وكبده، حيث فتحت أراضيه وأخضعت لسطواتها شعوبهُ وقامت تجاههُ مقام رؤسائه الأولين، وهي تدير اليوم شؤونهُ وتجبي ضرائبه، وتحشد شبابه لخدمة الجندية، وتتخذ منهم عساكر يذبّون عنها في مواقف الطعان ومواطن القتال".
"إن شعباً جمهوري المبادئ (شعب فرنسا) يبلغ عدد نفوسه أربعين مليوناً لا مرشد لهُ إلا نفسهُ ـ لا عائلات ملوكية فيه يتنازعن عن الحكم، ولا رؤساء يتناولون الرئاسة بطريق الوراثة ـ هو الذي تقلد زمام إدارة شعب آخر لا يلبث أن ينمو حتى يساويه في العدد، وهو ذلك الشعب المنتشر في الأرجاء الفسيحة والأصقاع المجهولة، والمتبع لتقاليد وعادات غير التي نقولها ونحترمها ... هو الشعب الإسلامي السامي الأصل، الذي يحمل إليه الشعب الآري المسيحي الجمهوري الآن ملح المدنية وروحها!!
ليس الإسلام في داخلنا فقط، بل هو خارج عنّا أيضاً ... قريب منّا في "مراكش" تلك البلاد الخفيّة الأسرار، ... قريب منّا في "طرابلس الغرب" التي تتم بها المواصلات الأخيرة بين مركز الإسلام في البحر الأبيض المتوسط وبين الطوائف في باطن القارة الإفريقية، قريب منّا في "مصر" حيث تصادمت معنا الدولة البريطانية فصادمنا إيّاها في الأقطار الهندية، وهو موجود وشائعٌ في "آسيا" حيث لا يزال قائماً في بيت المقدس وناشراً أعلامهُ على "مهد الإنسانية مقر المسيح"، ويحسب أنصاره وأشياعهُ في قارات الأرض القديمة بالملايين وقد انبعثت منهُ شعبة في بلاد الصين فانتشر فيها انتشاراً هائلاً حتى ذهب البعض إلى القول بان العشرين مليوناً من المسلمين الموجودين في الصين لا يلبثون أن يصيروا مائة مليون، فيقوم الدعاء لله مقام الدعاء "لساكياموني" وليس هذا بالأمر الغريب، فإنه منتشرٌ في الآفاق ...".
"لا تظنوا أن هذا الإسلام الخارجي الذي تجمعهُ جامعة فكر واحد، غريب عن إسلامنا (في تونس والجزائر) ولا علاقة له به، لأنهُ وإن كانت البلاد (الإسلامية) التي تحكمها شعوب مسيحية ليست في الحقيقة (دار إسلام) وإنما هي دار حرب، فإنها لا تزال عزيزة وموقّرة في قلب كل مسلم صحيح الإيمان، والغضب لا يزال يحوم حول قلوبهم كما تحوم اُنثى الأسد حول قفص جلست فيه صغارها، وربما كانت قضبان هذا القفص ليست متقاربة ولا بدرجة من المتانة تمنعها عن الدخول إليها من بينها".
"يؤخذ مما تقدم أن جراثيم الخطر لا تزال موجودة في ثنيات الفتوح وعلى أفكار المقهورين الذين أتعبتهم النكبات التي حاقت بهم، لكن لم تثبط هممهم، نعم ليس لمقاومتهم رؤساء يشدّون هذه المقاومة، ولكن رابطة الإخاء الجامعة لأفراد العالم الإسلامي بأسره كافلة بالرئاسة، ففي مسألة علاقتنا بالإسلام تجد المسألة الإسلامية والمسألة الدينية والمسائل الداخلية والخارجية شديدة الاتصال بعضها ببعض، وهذا ما يجعل حلها صعباً.
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة