مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 التحديات الجديدة
وسائل النازي لتعذيب المسلمين والعرب في أمريك
بقلم: محمد جمال عرفه


رغم أن "الحريات" تعد بنداً أساسياً في وثيقة الحقوق الأمريكية، إلا أنه على ما يبدو تقرر إلقاؤها في الجحيم، بالنسبة للعرب والمسلمين تحديداً، وقد وصل الأمر إلى سن قوانين لا تحد فقط من حرية هؤلاء، و إنما تبيح تعذيبهم ونزع أظافرهم وحقنهم بمواد كيماوية خطرة تغيّب عقولهم حتى ينطقوا بما يطلب منهم!
وقد ناقش الكونجرس قانوناً يقسم الأمريكان إلى ثلاث فئات:
الأولى: الأمريكان البيض الخالصون.
الثانية: الحاصلون على الجنسية الأمريكية من المهاجرين.
الثالثة: وهي الأسوأ حظاً وتضم أولئك الذين يعيشون في أمريكا ولو منذ سنوات دون أن يحملوا أوراق جنسية أو هجرة رسمية.
ووفقاً لهذا التقسيم ينال كل فرد حقوقه، فالأبيض يعامل معاملة جيدة، والمهاجر صاحب الجنسية يجوز تفتيش منزله أو اعتقاله لأيام وإطلاقه، أما الثالث فيجوز ـ بالقانون ـ اقتحام منزله وتفتيشه والتجسس على تليفونه وكل شؤونه دون إذن منه، أما اعتقاله فلا مدة محددة له. ومن هؤلاء أكثر من 1000عربي ومسلم معتقلون منذ 11 سبتمبر في أمريكا ولا أحد يعرف عنهم إلا أنهم يُسامون سوء العذاب، ويطلق عليهم لقب (إرهابي) دون دليل!.
محاكم عسكرية
والأغرب أن المحاكم العسكرية التي كانت تشكلها بعض الحكومات العربية الإسلامية لمعارضيها بهدف سرعة التخلص منهم والتي كانت واشنطن والغرب تنتقدها بسبب عدم توافر الضمانات القانونية العادلة بها، أصبح مُرحباً بها في أمريكا ولم تعد أمراً يتعارض مع الحريات إذا كان الخاضعون لها هم العرب والمسلمين فقط بعدما وقع الرئيس الأمريكي جورج بوش مرسوماً يسمح للحكومة الأمريكية بمحاكمة المتهمين بالإرهاب أمام محكمة عسكرية خاصة، بدلاً من المحاكم المدنية، إذ أكد بوش في قراره الموقع في 13/11/2001م أن المرسوم يهدف إلى تقديم (غير الأمريكيين) الذين جرى اعتقالهم في أعقاب الاعتداءات التي وقعت في كل من نيويورك وواشنطن الثلاثاء 11 سبتمبر 2001 ويقدر عددهم بألف شخص إلى المحاكمة العسكرية. وطلب الرئيس الأمريكي من وزير الدفاع "دونالد رامسفيلد" وضع القواعد لهذه اللجنة العسكرية.
وحتى عندما هاجم زعماء الحقوق المدنية وأعضاء بالكونجرس الأمريكي القرار الذي وافق عليه الرئيس جورج بوش بشأن إجراء محاكمات عسكرية سرية داخل الولايات المتحدة أو خارجها ضد أجانب مشتبه بهم في القيام بما يسمى ب‍ "أعمال إرهابية". رد عليهم بوش بأن هذه أفضل وسيلة للتحقيق معهم!!.
وقد وصل النقد إلى حد قول "تيم لينش" مدير مشروع معهد "كاتو" للواشنطن بوست: "إن التأييد القوي الذي أظهره الشعب الأمريكي في استطلاعات الرأي للرئيس بوش أدى إلى تدعيم الإحساس بالتكبر والغطرسة داخل البيت الأبيض" موضحاً أن المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أنهم يستطيعون الحصول على سلطة رئاسية كبيرة أكثر من ذي قبل. واعترض "لينش" بصفة خاصة على مسألة المحاكمات العسكرية، موضحاً أن هذا الإجراء يسمح بفرض أحكام شديدة في حالة موافقة ثلثي أعضاء الكونجرس، وإجراء المحاكمات السرية والاعتماد على أدلة ترفضها المحكمة، مشيراً إلى أن ذلك سيكون من شأنه تقويض دور المحاكم والكونجرس، لأنها إجراء تشريعي بقرار رئاسي.
وبالطبع لن تستطيع أمريكا بعد هذا الإجراء العسكري العنصري ضد المسلمين المعتقلين أن ترفع صوتها للاعتراض على أي دولة تحاكم مدنييها أمام محاكم عسكرية لأن الحال ـ كما يقال في الأمثال ـ من بعضه!
عذبوهم بالدستور!
وفي تعليق على قضية تعذيب المشتبه في تورطهم في جرائم من أجل انتزاع اعترافاتهم، دعت مجلة "نيوزويك" الأمريكية في أواخر أكتوبر الماضي إلى إعادة النظر في إمكانية استخدام أساليب قديمة عفى عليها الزمن في عمليات استجواب المشتبه فيهم والضغط عليهم نفسياً لاستخراج الحقائق منهم!!
وتساءلت المجلة عما يمنع تعريض "المشتبه في تورطهم" في الهجمات الإرهابية للتعذيب ولو بالوسائل الكهربائية على أقل تقدير، كما فعل الجيش الأمريكي في بنما أو أماكن أخرى أو بوسائل كيماوية وفقاً للتعديل الخامس في الدستور الأمريكي أو حتى إرسالهم إلى دول أخرى تسمح بقطع رؤوسهم"؟.
ولم تكتف المجلة بذلك، بل طالبت بأنواع محددة من التعذيب النفسي للمشتبه فيهم رغم أنهم أبرياء حتى تثبت إدانتهم، مثل: تعذيبهم نفسياً بوسائل مثل "صوديوم بنتوثال" أو "ترياق الحقيقة"، وهو عقار ـ يحق لمكتب التحقيقات الفيدرالي (إف. بي. أي) استخدامه وسبق استخدامه خلال الحرب العالمية الثانية على الجواسيس ـ يجبر المتهم على الثرثرة وليس بالضرورة الإفضاء بالحقيقة!!.
ومع أن المجلة اضطرت في النهاية للقول: إن هذا صعب على أمريكا و"إنه ليس بإمكاننا تشريع التعذيب البدني لأن الولايات المتحدة دولة قيم"، إلا أنها دعت إلى ما أسمته "انفتاح أكثر على إجراءات معينة من أجل محاربة الإرهاب"!.
وعلى المنوال نفسه نسجت صحف أمريكية أخرى.
أنت مسلم.. إذن أنت إرهابي!
وقد اعتقل وعذُب في السجون الأمريكية المئات لمجرد أنهم عرب ومسلمون حتى إن أجهزة المخابرات كانت تهاجم بكل أنواع الأسلحة منازل عرب ومسلمين بمن فيهم المتزوجون من أمريكيات لمجرد أن جار أحدهم شك في شيء، أو لم يعجبه سلوك معين، أو كان على خلاف معه!.
وقد نقلت صحف غربية بعض الحالات التي عانى فيها مسلمون تعذيباً على أيدي الأمن الأمريكي، فصحيفة "التايمز" البريطانية نشرت في 2 ـ11 ـ 2001م بعض هذه المآسي على ألسنة الضحايا مثل "يزيد السلمي" الذي قال: "لقد جُرِّدت من ملابسي، وعوملت أسوأ من الحيوانات".
وكانت تهمته أنه كان يسكن في بيت أحد الذين يشتبه في قيامهم بانفجارات سبتمبر.
وقالت منظمة العفو الدولية: إن الكثير من المعتقلين حرموا من حق الاتصال بالمحامين وهو الحق الطبيعي الذي يضمنه القانون لهم. وقالت: إن شخصين اعتقلا في سجن نيويورك دون توجيه اتهامات لهما وتم تقديم طعام لهما يحرمه دينهما (لحم الخنزير)، وتركا في زنزانة باردة دون أغطية كافية فيما تقوم إدارة السجن بتفتيشهما يومياً، وربطهما من الأيدي والأقدام بالسلاسل!
وقد توفى باكستاني معتقل يبلغ من العمر 55 عاماً في السجن بنيوجيرسي يوم 31 أكتوبر الماضي نتيجة هذه المعاملة بعد أن ألقي القبض عليه لصلته بهجمات سبتمبر.
وبعيداً عن إحصاءات قتل أو ضرب المسلمين أو نزع حجاب النساء والاعتداء على المساجد، والتي أكد مجلس العلاقات الإسلامي الأمريكي (كير) أنه تلقى قرابة 800 بلاغ عنها، حطم الأمن الأمريكي العشرات من منازل العديد من المسلمين لمجرد الاشتباه واعتقلهم.
وقد اعترفت وزارة العدل الأمريكية باعتقال 1017 شخصاً دون تحديد وقت محدد للإفراج عنهم، وهناك عشرات القصص المأساوية تروى عن هؤلاء المعتقلين مثل اقتحام منزل لاعتقال شخص، فإذا لم يجدوه اعتقلوا من يجدونه بالمنزل على طريقة الأمن في العالم الثالث!.
وقد دفعت هذه الإجراءات بالطبع مئات الطلبة العرب ممن يدرسون في أمريكا إلى العودة لبلادهم نتيجة الضغط عليهم أو اعتقالهم وتعذيبهم.
تنصت بالقانون
وقد بدأت حملة انتهاك الحريات في أمريكا بقانون "مكافحة الإرهاب" الذي وقّعه الرئيس "بوش" يوم 26 أكتوبر الماضي، ووصفه بأنه: "تشريع جوهري، ليس فقط لمتابعة ومعاقبة الإرهابيين، وإنما أيضاً لتجنب وقوع فظاعات جديدة".
وخطورة هذا القانون الذي وافق عليه كل أعضاء الكونجرس (الشيوخ والنواب) باستثناء نائب واحد، أنه يسهل التنصت على المكالمات الهاتفية، ومراقبة نشاطات شبكات الإنترنت للأشخاص المشبوهين بالإرهاب، ويضع بتصرف السلطات وسائل جديدة تمكنها من ملاحقة من تشك في أنه إرهابي.
واللافت هنا أن شركات البريد الإلكتروني الأمريكية تم استخدامها في التجسس على العرب والمسلمين الذين يستخدمون هذا البريد، وقد كشفت إحدى عضوات جماعة عربية على الإنترنت تسمى (هداية) عن أنها اكتشفت وجود (برنامج تجسس) على بريد هوت ميل بالصدفة يسمى msload وهي تختبر قدرة احتمال جهازها على منع التسلل إليه. ودعت لمحوه دون أن يؤثر على بريد، وقد لاحظ بعض من حاولوا ذلك أن رسالة جاءتهم عند فتح البريد فيما بعد بضرورة قبول مراجعة النظام الأمني (عبر الضغط على كلمة "موافق") قبل فتح الميل مرة أخرى!
معسكرات اعتقال.. ووسائل تعذيب!
وقد وصف بعض الكُتاب المحايدين عملية اعتقال العرب والمسلمين المتواصلة في أمريكا وتعذيبهم بأنه أشبه بمعسكرات اعتقال اليابانيين عقب معركة (بيرل هاربور) التي ضرب فيها الطيران الياباني الأسطول الأمريكي البحري.
وقالوا إن معسكرات الاعتقال هذه يتم تكرارها اليوم من جديد، فيما يمكن التعبير عنه بمعسكرات الاعتقال الجديدة للعرب والمسلمين الأمريكيين، وكل ما سمعته منظمات حقوق الإنسان لتبرير هذه الانتهاكات هو "أن الظروف الآن استثنائية)! وذلك حينما طالبت بمعلومات عن سجناء عرب وأمريكيين في السجون الأمريكية على خلفية أحداث سبتمبر.
فقد امتنعت السلطات الأمريكية عن ذكر أماكن اعتقال العرب والمسلمين أو نشر أسمائهم، كما رفضت السلطات القضائية الإجابة عن أسئلة تتعلق بماهية التحقيقات التي تعرضوا لها، ثم أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي "أنه قد يلجأ إلى تغيير أساليب التحقيق العادية من أجل نزع اعترافات من المعتقلين، بما فيها ترحيلهم لأماكن تستخدم أساليب اعتقال قاسية"، وقالت مصادر صحافية أمريكية إن الشرطة الأمريكية ربما تبنت بعض الأساليب التي تتبعها سلطات الكيان الصهيوني في التحقيق مع الفلسطينيين والتي تتعرض للشجب من منظمات حقوق الإنسان باعتبارها وسائل غير إنسانية.
ومعظم الأشخاص الذين تم اعتقالهم بعد الهجمات اعتقلوا بناء على مخالفتهم للإقامة القانونية أو لأعمال مخالفة للقانون ولها علاقة بالجريمة المحلية فيما تم اعتقال آخرين لكي يكونوا شهوداً ويظهروا أمام هيئة محلفين، مما يعني حسب المحامين أن اعتقالهم سيمتد إلى فترات غير محدودة.
أين حقوق الإنسان؟
وقد دفعت هذه الإجراءات للتساؤل: أين حقوق الإنسان؟ وأين الحريات في بلاد الحريات؟ وهل تفجيرات سبتمبر أوجدت أمريكا أخرى غير التي يحلم بها الكثيرون خصوصاً مع تشديد إجراءات الجنسية، والهجرة والإقامة؟.
كذلك أثيرت عشرات التساؤلات حول لجان حقوق الإنسان في العالم التي لم يتحرك منها إلا القليل وعلى استحياء رداً على ما اتخذته الولايات المتحدة من إجراءات وقوانين تتجاوز ما طبقته حتى دول الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
وتساءل آخرون عن الإجراءات الأمريكية الجديدة التي تقسم الذين يعيشون داخل أمريكا إلى ثلاث طبقات: أمريكي أصلي، وهو مواطن درجة أولى، ومهاجر خواجة، وهو مواطن درجة ثانية، ثم مهاجر عربي أو مسلم وهو من الدرجة الثالثة، من حق السلطات اعتقاله دون إبداء الأسباب، وترحيله في أي وقت، والتنصت على تليفوناته وبريده الإلكتروني، وإخضاعه للرقابة الشاملة، ودخول محل إقامته دون وجوده، والتقليب في متعلقاته دون أن يكون له حق الشكوى، ومراقبة حساباته المالية. وكلها إجراءات لو اتخذتها دولة نامية لقامت قيامة لجان حقوق الإنسان والدول الكبرى.
مدرسة للتدريب على التعذيب!!
ومع توالي هذه الهستريا تجاه بدء تنفيذ عمليات التعذيب بشكل علني وقانوني، كشف صحف أجنبية عن أن هناك بالفعل مدرسة رسمية وظيفتها التدريب على التعذيب وتخريج أشخاص وظيفتهم الإرهاب والتعذيب، سواء في أمريكا أو الدول الأخرى التي تتعاون معها.
ففي مقال بصحيفة "الجارديان" البريطانية كشف الكاتب البريطاني جورج مونبيوت عن معسكر في ولاية جورجيا تشرف عليه الحكومة منذ 55 عاماً؛ لتدريب رجال شرطة اتُّهموا بالتعذيب وممارسة الإرهاب ضد المواطنين في دول أمريكا اللاتينية.
وقال مونبيوت في مقاله بتاريخ 30/10/2001م: إنه يوجد في مدينة "فورت بينينج" بولاية "جورجيا" معهد لتدريب "الإرهابيين" يطلق عليه "ويسترن هميسفير للتعاون الأمني" WHISK وإن ضحايا هذا المعهد يفوق قتلى انفجارات 11 سبتمبر وتفجير السفارتين الأمريكيتين في أفريقيا، وكل الفظائع الأخرى التي ألقت الولايات المتحدة مسؤوليتها على بن لادن وتنظيم القاعدة بحق أو دون حق.
وقال إن هذا المعهد الذي كان يطلق عليه "مدرسة الأمريكيين" SOA قام حتى العام الماضي 2000 قام بتدريب أكثر من 60 ألف جندي وشرطي من أمريكا الجنوبية متهمين بالقيام بأعمال تعذيب وإرهاب، وذلك منذ عام 1946م. وقد درب أخطر الضباط الذين ارتكبوا جرائم وحشية ما بين قتل وخطف ومذابح جماعية في دول أمريكا اللاتينية، على رأسها تشيلي وكولومبيا وهندوراس وبيرو.
وأكد مونبيوت أن العديد من أعضاء الكونجرس الأمريكي حاولوا إغلاق SOA العام الماضي، خاصة بعد الحملة التي شنتها بعض المنظمات المعارضة ضدها، فكانت النتيجة أن صوّت مجلس النواب لصالح إغلاقها، وإعادة فتحها من جديد تحت اسم مختلف هو:WHISC
ماذا تركت أمريكا إذن لمن تسميهم الإرهابيين؟، وبماذا تبرر موقفها إذا خرج من بين هؤلاء المُعذبين ـ الذين أهينوا في سجونها وعُذبوا وطردوا من أعمالهم وبيوتهم؛ لمجرد الاشتباه أو ممن هم ضحايا الكيان الصهيوني ـ من تشبّع بالرغبة في الانتقام؟.
--------------------------------------------------------
المصدر : مجلة المجتمع الكويتية /العدد 1480-2001/12/8

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة