مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 قصة إسلامهم
أناتولي أندربوش.. من جنرال في الجيش إلى مُؤذِّن مسجد
محمد كامل عبد الصمد


ولد "أناتولى" في "باكو" بأذربيجان.. كانت اللينينية محور فكره وأسلوبه الوحيد في التعامل مع المسلمين الذين يكرههم أشد الكراهية، فهو أحد القواد الروس الملاحدة الكبار، حارب المجاهدين الأفغان واستشهد على يديه الكثيرون منهم... وفجأة تغير مساره بعد عامين قضاهما في جبهة "جلال آباد" وأصبح شخصاً آخر غير الذي عرفه زملاؤه الجنرالات في الجيش السوفيتي سابقاً.. لقد ترك منصبه الرفيع وما يحيط به من مغريات ليصبح مجرد مؤذن في مسجد "ألما ـ آتا" ولكن كيف حدث ذلك؟!
قبل أن يجيب أناتولى ـ الذي أصبح اسمه بعد اعتناقه الإسلام "على" ـ على هذا التساؤل، يسترجع ماضيه حين كان ملحداً حتى "الثمالة" شديد التعصب ضد الإسلام فيتحدث عن نفسه قائلاً:
"لم أكن أؤمن بأي دين على الإطلاق، برغم أن أسرتي مسيحية، فقد كنت ملحداً، شديد التعصب ضد الإسلام، لدرجة أنه كان معي في المدرسة الإعدادية طلبة مسلمون كنت أشعر بكراهية شديدة تجاههم، وأصب عليهم جام حقدي .. .. وكنت أضحك على هؤلاء الطلبة عندما يحدثونني عن أمور غيبية... وأتساءل: كيف يعتقد المرء في شيء غير موجود؟! وكيف يصير الإنسان تراباً ثم يعود إلى الحياة ليحاسبه الله، ويدخله الجنة أو النار؟!
لم أكن أبحث عن اليقين، ولم أشك في صحة أفكاري، لذلك كنت أكتفي بالحقد على المسلمين والسخرية منهم. وبعد أن انخرطت في الجيش، وترقيت في الرتب، تم إرسالي إلى منطقة "جلال آباد" لأكون قائداً للقوات الروسية في جبهة "قندهار".. وكان هدف هذه القوات تصفية المجاهدين الأفغان في هذه المنطقة.. فوجدتها فرصة لكي أترجم انفعالاتي ضد المسلمين إلى سلوك عملي، بالإضافة إلى ذلك، فإنني كنت أحمل الضغينة والكراهية لهؤلاء المجاهدين.
كنت أطلب من جنودي أن يتعاملوا مع المسلمين بقسوة، وأن يقتلوا منهم ما يستطيعون، وأن يعاملوا أَسْراهم بعنف... قاتلناهم بأحداث ما لدينا من أسلحة وصواريخ... قذفناهم من الجو بأحدث ما أنتجته مصانع الترسانة العسكرية.. .. الغريب أنهم كانوا لا يملكون شيئاً سوى ملابسهم الجهادية المميزة، وبنادق بدائية لا تصيد غزالاً.. .. وكنت أجلس مع أركان قواتي وأتحدث عن هؤلاء المجاهدين، وأصفهم بالمجانين، حيث كيف يجابهون أحدث معدات الحرب، وليس لديهم الحرب، وليس لديهم ما يحاربون به؟!
وتزداد دهشته وهو يضيف:
".. لقد فُوجئت بأن هؤلاء المجاهدين لا يخشون الموت، حيث يرون من يتقدمهم يسقط في أتون الحمم التي نرميها عليهم، فلا يبالون، وإنما يتقدمون ليأخذوا دورهم.. وفي النهاية يفر جنودي من أمامهم، برغم فارق القدرات العسكرية بين الجانبين، بل أن جنودي هم الذين يستغيثون هرباً من الموت وأمام من؟! .. .. أمام أُناس عُزل من أي سلاح!!
وأخذت أفكر مرات ومرات في هؤلاء الذين ينتصرون علينا، برغم أننا نفوقهم عدداً وقوة.. لابد أن هناك قوة أكبر تحميهم ـ وأن سلاحاً أقوى يساندهم .. .. ومن هذه الزاوية دخلت مرحلة الشك لأول مرة، وكانت هذه المرحلة هي بداية طريقي إلى البحث والاستقصاء.
ويستطرد الجنرال السابق "علي":
"لم يكن أمامي إلا أن أعطي أمراً لجنودي بأن يُحضروا الأسرى المجاهدين الذين يتحدثون الروسية ليمثلوا أمامي، وللعلم فإن عدداً ليس قليلاً منهم يتحدث هذه اللغة، حيث قد حرصوا على تعلمها، فهم في الميدان لا يكتفون بالقتال فقط، بل يدعون إلى الإسلام أيضاً، فقد كانوا يدعون الجنود الروس للإيمان.
وجاءوا ببعضهم عندي، وأصبحت ـ لأول مرة ـ أتودد إليهم... كنت أقضي معهم الساعات نشرب الشاي وأستمع إلى أحاديثهم التي كانت في مجملها دعوة صريحة إلى الإسلام".
ويصمت برهة ليتنهد ليقول بعدها:
"تحرك قلبي، وشعرت أنني كلما عرفت شيئاً أهفو إلى المزيد... وعندما أختلي بنفسي أفكر فيما قالوه لي". تغيّر حالي تماماً وأصابني الأَرَق... وأخيراً جاءتني النجدة بقرار الانسحاب السوفيتي، فعدت إلى بلدتي "باكو"، وبحثت عن دعاة مسلمين لأسألهم، ولأحصل منهم على إجابات عمَّا يدور في نفسي.. ولم يكن الأمر سهلاً، لأنني رجل عسكري، ويخشون الكلام معي وأنا بهذه الصفة...
ثم جاءتني النجدة مرة أخرى عندما نُقلت إلى منطقة "ألما ـ آتا"... وهناك أرشدوني إلى الشيخ "محمد حسين" الذي فهم على الفور أنني أعيش مرحلة الشك، فرَحَّب بالإجابة على كل تساؤلاتي، بل وأَمَدَّني بالكتب التي تساعدني وتجيب على ما قد يعتمل في نفسي من تساؤلات أخرى.
وذات صباح بعد أن استيقظت من النوم، شعرت أنني قد وصلت إلى مرحلة اليقين التي أفتقدتها، وهي أن الدين الإسلامي هو الحقيقة التي غابت مني طوال سنوات عمري..
أخبرت زملائي بما توصلت إليه، فنصحوني إلاّ أفعل، وألحوا عليَّ في ذلك، ولكنني رفضتُ أن أستمع لنصائحهم، فقد امتلأت نفسي بالإيمان، ونداء الحق يستحثنى إلا أخشى أحداً في الدنيا..
وذهبت على الفور إلى مكتب الشيخ "محمد حسين" بالإدارة الدينية، وطلبت منه أن أُشْهِرَ إسلامي، ففرح فرحاً كبيراً وهو يكبّر في حين انهمك بعض الحاضرين في البكاء من فَرْطَ الفرحة".
ويمضي "علي" في حديثه بوجه مضيء بالإيمان وهو يقول:
"أنني شعرت لأول مرة في حياتي بالأمان والطمأنينة، وأن هناك قيمة حياتي.. .. لقد عرفت معنى أن الله لا تراه يراك أينما كنت، ويراقب أفعالك ويزنها بميزان عادل لتنال جزاءك الحق يوم القيامة".
ثم يتحدث "علي" عن انعكاسات إسلامه على أسرته وزوجته وابنه وابنته فيقول:
"في البداية ارتسمت الدهشة عل وجوههم، لم يفهموا معنى أن أكون مسلماً.. كانوا يستغربون ذهابي إلى المسجد خمس مرات في اليوم لأدعو الناس إلى الصلاة من خلال الأذان... لقد سألتني زوجتي: كيف تفضل هذه المهمة على منصبك الرفيع وما كنت فيه من مغريات؟!
لم تكن تعرف في ذلك الوقت أنني تركت حياة الباطل إلى حياة أخرى مضيئة بالخير..
كانت أسرتي تتابع مرحلة الشك التي اجتزتها في طريقي إلى الإيمان وأنا ألتهم كل كتاب يعطيني معلومات عن الديانات الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية، ولكن لم يكن يدور بخلدهم يوماً أنني سأعتنق الإسلام".
وقد بدأت مع أفراد أسرتي طريق الهداية من أوله حيث قمت بواجبات الداعية، كما فعل معي المجاهدون الأفغان، وكما فعل الشيخ محمد حسين، فقلت لنفسي: فلأغرس ثمرات الدعوة في بيتي. والحمد لله جاء مذاقها حلواً، فلم يمضي وقت طويل حتى كانت زوجتي تُسِرُّ إليَّ بأنها تريد أن تعتنق الإسلام، وكذلك ابني وابنتي.. وكانت فرحة أخرى ملأت مسجد "ألما ـ آتا".
--------------------------------------------------
المصدر : الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة