مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 المسلمون في الغرب
المسلمون في القوات العسكرية الأمريكية


منذ نهاية الحرب الأهلية الأمريكية دخل المسلمون في القوات العسكرية الأمريكية، بينما لم يلتحق السود والنساء بهذه القوات إلاّ قبل50 سنة.
عدد المسلمين في الجيش الأمريكي حالياً غير معروف على وجه التحديد، ويزعم مسؤولون في الجيش أنهم لا يسألون المجندين عن ديانتهم أو أنهم لا يجبرونهم على التصريح بها هذا ما يقوله مايك اندروز قائد قاعدة نورفولك البحرية والادميرال بايرون هولدربي رئيس المرشدين الدينيين في القوات البحرية الأمريكية.
لكن قاسم عقده الذي خدم مدة 21سنة في القوات المسلحة الأمريكية والذي يترأّس مجلس المسلمين الأمريكيين لشؤون القوات المسلحة والمحاربين القدامى (زنجي) يقدر عددهم بما بين 12 ألف إلى 15 ألف نسمة من بين مليون و400 ألف جندي هم قوام الجيش الأمريكي الذي تخدم فيه 220 ألف امرأة والذي يوجد فيه جنود من 110 فرقة وطائفة دينية. ولا يختلف اثنان في أن أعداد المجندين المسلمين في الولايات المتحدة آخذ بالتزايد على الدوام.
التمييز الديني في الجيش الأمريكي
لعل السؤال الأول الذي يتبادر إلى أي ذهن في مضمار قضية المسلمين في القوات المسلحة الأمريكية، هو ما هي الظروف التي يعيشها هؤلاء في الجيش وهل يعانون من تمييز ديني؟
يقول يحيى هندي الإمام المدني المسلم في القوات البحرية الأمريكية: الجهاز العسكري الأمريكي يعتقد أن المسلمين إرهابيين وكثيرون يُجهَّلون بقصد أو بغير قصد.
ويقول قاسم عقده: ما زالت دلينا مشاكل ولكن الحل هو تثقيف الطرفين، فأثناء أزمة الرهائن في إيران كنت أعمل برتبة وكيل عريف في سلاح المدرعات واتهمني عريف في الفرقة بأنني قد أسحب مسامير الأسلحة فقاموا بإزالتي من موقعي وقد تألمت لذلك أشد الألم لكن قائد الفرقة قال لي: لا تظن أنني نحيتك عن موقعك لأنك مسلم ولكنني لا أريد وقوع مشاكل في الفرقة ولكي لا تتعرض لاتهامات من رفاقك.
أما الباحث الأمريكي المسلم محمد العاصي فيؤكد وجود تمييز ديني في القوات الأمريكية مستشهداً برفض طلبه وأخيه منحهما تصريحات أمنية حينما كانا يخدمان في الجيش الأمريكي مطلع السبعينات من دون تقديم أية تبريرات لذلك، ويشدد العاصي أنه لم يبق تفسير لهذا الرفض سوى التمييز الديني غير المكتوب وغير المنطوق.
ويضيف إن الأمريكان لديهم عقدة التمييز فالتمييز العنصري بعض من تاريخهم، ولا يريدون الآن أن يعترفوا بتمييزهم الديني فيوصموا به ويدفعوا فواتيره من سمعتهم كما حدث في الماضي.
ويقارن العاصي بين حاله وبين شخص يهودي خدم في الجيش الأمريكي أسمه جان بولارد حصل على التصريح الأمني، وما كان منه إلاّ أن خان الولايات المتحدة بتقديمه 800 ألف وثيقة سرية لإسرائيل، وثمة محاولات تجري للإفراج عنه بعد أن حكم عليه بالسجن المؤبد.
يكاد يجمع الكل على وجود التمييز وعدم المساواة، فحتى نائب وزير الدفاع الأمريكي الأسبق جون هامري يقول: لقد رفعت أمريكا دائماً شعار المساواة لكننا لم نعمل أبداً بهذا المبدأ فتاريخنا عريق في التمييز وهذا ما لابد من التغلب عليه، ولا مندوحة اليوم من الاعتراف بوجود عدد كبير من المسلمين في أمريكا يشكلون جزءاً رائعاً من المجتمع الأمريكي وهذا ما ينبغي الاحتفاء به.
هذا في حين تؤكد شخصيات سياسية اكبر نظير الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون وجود مساواة وتعايش سلمي باهر بين مختلف الأجناس والديانات داخل القوات المسلحة الأمريكية فيقول: تجمع قواتنا المسلحة من كل دين ومن كل عرق ومن كل عقيدة وطبقة، وحقيقة وجود كل هذه التفاوتات في جهازنا العسكري هو أفضل رد على الادعاءات المروجة للتطهير العرقي.
القتال في الجيش ضد دولة إسلامية
هذه أيضاً من القضايا المحرجة والمثيرة التي تتصل بوضع المجندين المسلمين في القوات المسلحة الأمريكية، فكيف يتعامل هؤلاء حينما يطلب منهم الاشتراك في قتال دولة مسلمة؟ إنها قضية معقدة ذات وجوه مختلفة بلا شك، وعلى متن العديد من السفن والطائرات الأمريكية المتواجدة في مناطق إسلامية هنالك جنود مسلمون.
قاسم عقدة يعتقد أن بإمكانه مقاتلة أخيه المسلم إذا ما كان على باطل.
ولكن ماذا لو اعتقد الجندي الأمريكي المسلم بعكس ذلك، هل يُعفى من القتال؟
حقُ ترك القتال لأسباب تتعلق بالدين أو الضمير حصل عليه الجندي الأمريكي في سنة 1940، بيد أن المحكمة العليا لا تعترف بما يسمى الاعتراض الانتقائي على الحروب، أي أن يقول الجندي لا أحارب المسلمين وأحارب غيرهم من الشعوب.
وتقول السيدة جيه ماكنيل من مركز الضمير والحرب المعني بالدفاع عن العسكريين الأمريكيين الذين ينتهون عن القتال لأسباب تتصل بضمير أو الدين: إعفاء الجندي من القتال لأسباب دينية أو ضميرية ذات تشريفات معقدة ومطوّلة للغاية. ففي البداية يعطون الجندي استمارات معروفة في الجيش بطولها وتعقيداتها، وفيها أسئلة عادية كما فيها أسئلة كثيرة عن سبب الامتناع من القتال، وبعد ذلك يُحال المقاتل إلى مرشد ديني يحقق معه عن أسباب اعتراضه على الحرب ثم يُجرى له لقاء بعالم نفسي أو اجتماعي يتحدث إليه هو الآخر ليعرف الأسباب وما إذا كان الجندي صادقاً أو يريد مجرد التملص من الخدمة خوفاً وجبناً وهل يتمتع بالسلامة العقلية. بعد هذا تُرفع جميع هذه التقارير إلى قائد الجندي الذي يستطيع اتخاذ القرار، إلاّ إنه في الغالب يميل الجندي وتقاريره إلى ضابط ليجري معه تحقيقات موسعة حول المسألة ويعيد الملفات إلى القائد لكي يتخذ قراراً لصالح الجندي أو لغير صالحه.. فالإجراءات مطولة ومملّة جداً.
وتؤكد ماكنيل أنه يشاع في القوات المسلحة الأمريكية عن هؤلاء بأنهم جبناء متقاعسون يتهربون من الحرب والخدمة، وتتساءل: لا أدري كيف يكون جباناً من يتحمل السجن والضرب والإهانة من أجل عقيدته؟!
ويقول جون هامري أننا نفتقد إلى برنامج يوضح لجنودنا موقفنا في الحرب مع دولة إسلامية، وكذلك الحال حينما نحارب دولة مسيحية.
أما عبد الرحمن العمودي من المجلس الإسلامي الأمريكي فيروي قصة جنديين مسلمين في البحرية الأمريكية أثناء حرب الخليج الثانية وشى بهما أحد الجنود متهماً إياهما بالتآمر على الباخرة التي يخدمان فيها فنقل بطريقة بشعة إلى قاعدة أمريكية في مانيلا، وتابع المجلس الإسلامي الأمريكي أمرهما مع القادة العسكريين حتى أفرج عنهما وبُرّئت ساحتهما.
ويضيف العمودي: لكن المؤسف هو هروب حوالي 40 جندياً أمريكياً مسلماً من الحرب في عاصفة الصحراء من دون تسجيل موقف مسبق، الأمر الذي يمهد الأرضية لتشويه سمعتهم ووصمهم بالجبن والفرار. وقد حوكم هؤلاء وحكم عليه بالسجن لمدد تتراوح ما بين 6و9 أشهر.
ويشيع في القوات المسلحة الأمريكية نظام المرشد الروحي، ولم يكن إلى ما قبل سنة 1993 مرشدون روحيون مسلمون، إنما أدخل المجلس الإسلامي الأمريكي مرشدين مسلمين في الجيش الأمريكي بعد التاريخ المذكور. بيد أن محمد العاصي يلفت النظر إلى كون هؤلاء ذوي اهتمامات طقوسية ظاهرية فردية فقط ولا يثقفون المسلمين بقضاياهم العالمية الدنيوية السياسية وما يفعل بالمسلمين من قبل الأعداء.
يقول قاسم عقدة في هذا المجال: إذا سأل أحد لماذا تنفق الولايات المتحدة كل هذه الأموال على إسرائيل فسيأتيه الجواب: إن هذا ليس من شانك.
ويشير العاصي إلى نقطة مهمة في قضية مشاركة المسلمين في القوات والحروب الأمريكية وهي أن الأمريكان يريدون من الحضور المسلم في قواتهم إعطاء شرعية دينية إسلامية لسياساتهم ومشاريعهم، وكسب نجاح دعائي لهم من خلال ذلك، والتطبيل بأن مسلمين يشاركون القوات الأمريكية في حربهم الفلانية ضد دولة مسلمة. ولهذا السبب نراهم يقدمون تسهيلات ومغريات كبيرة لالتحاق المسلمين بالجيش الأمريكي.
عن حرية الشعائر الإسلامية في الجيش الأمريكي
ربما اتفق الجميع على وجود قدر من حرية ممارسة الشعائر الإسلامية في القوات المسلحة الأمريكية، ولكن هل الإسلام مجرد شعائر؟
يقول محمد العاصي: طبعاً هناك نوع من حرية الطقوس والشعائر في القوات العسكرية الأمريكية فلا تمنع الصلاة والصوم والشعائر الظاهرية، ولكن الأمر ينتهي عند هذا الحد.
من ناحية لا تضمن الحياة العسكرية في أمريكا أية تسهيلات للجنود المسلمين الصائمين في شهر رمضان، وإنما تبقى الواجبات المطلوبة منهم على حالها رغم صيامهم، كما لا تتوفر لهم اللحوم الحلال في المعسكرات.
منذ بضعة أعوام بدأ البنتاغون تقليداً بإقامة حفل في ليلة عيد الفطر للعسكريين المسلمين يحضره نائب وزير الدفاع، وقد تزايدت في الآونة الأخيرة الاهتمامات الرسمية الأمريكية بالمناسبات الإسلامية فأخذ كلينتون يهنّئ المسلمين ببدء شهر رمضان بينما تشارك زوجته هيلاري المسلمين احتفالاتهم بعيد الفطر.
أما إطلاق اللحية فلا يسمح به في القوات المسلحة الأمريكية، ويتذرع المسؤولون في هذه المسألة بالعرف العسكري أو أخطار احتراق اللحية!!
وبإمكان الجندي المسلم استغلال إجازته العادية (شهر في السنة) وغير العادية لأداء فريضة الحج ولا توجد تسهيلات خاصة بهذا الشأن، ويقول العمودي أن حج في السنوات الأخيرة زهاء 500 جندي أمريكي مسلم نقلوا من قواعدهم إلى فرانكفورت ثم الظهران ثم الديار المقدسة.
المسلمات في الجيش الأمريكي
هناك عدد لا يستهان به من المسلمات يخدمن في الجهاز العسكري للولايات المتحدة والمشاكل التي يواجهنها تتوزع إلى ما يشاركهن فيه باقي المجندات، وإلى المشكلات المتعلقة بإنتمائهن للإسلام، وهناك المشكلات المتصلة بالحجاب.
الحجاب ممنوع في القوات المسلحة الأمريكية وقد حاولت المؤسسات الإسلامية حل هذه المشكلة لكنها لم توفق لحد الآن كما يشير عبد الرحمن العمودي من المجلس الإسلامي الأمريكي. بينما يؤكد الادميرال بايرون هولدربي على أن هذه القضية مشكلة حقيقية وأن باب الحوار لازال مفتوحاً بشأنها. بينما يخبرنا نهاد عوض من مركز العلاقات الإسلامية الأمريكية أن ثمة مجندات مسلمات استطعن إقناع قادتهن بارتداء الحجاب.
رتب المسلمين في الجيش الأمريكي
لا يوجد عسكريون مسلمون في الجيش الأمريكي برتب عالية (فوق العقيد)، فهل هذه مجرد صدفة أم حالة يقف وراءها التمييز؟
محمد العاصي يشدد أن السبب هو التمييز، إذ لا يحتمل أن نعدم شخصاً واحداً من بين حوالي 13 ألف عسكري مسلم مؤهلاً لرتبة أعلى من العقيد، خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار التاريخ الطويل لحضور المسلمين في الجهاز العسكري الأمريكي.
ويقول قاسم عقدة: هل يوجد تمييز داخل الجهاز العسكري الأمريكي؟ الجواب نعم، وهل سيبقى هذا التمييز؟ الجواب نعم سيبقى. هل تحاول وزارة الدفاع الأمريكية التعامل معه؟ الجواب نعم تحاول. كأمريكي أسود في الجهاز العسكري الأمريكي هل أواجه قضايا تمييز؟ نعم أواجه. والمرأة هل تواجه تمييزاً في الجيش؟ الجواب نعم تواجهها، ولكن هناك تغييرات لحل معظم المشاكل، وإذا ما فشلوا في حل بعضها أقول بكل إخلاص لأخواني المسلمين: أخرجوا من الجيش الأمريكي.
أما نائب وزير الدفاع الأمريكي الأسبق جون هامري فيقول فيما يشبه الاعتراف: لم توفر للعسكريين المسلمين في الماضي فرص التدرج للوصول إلى الرتب العليا في الجيش، وعلينا الآن توفيرها.
من ناحية أخرى يعاني الجنود المسلمون في المعسكرات الأمريكية من عدم توفر أماكن خاصة للصلاة وهم يحاولون تثقيف المسؤولين لتهيئة هذه الأماكن لهم، كما يعانون شحة في المصاحف الشريفة في أماكن عملهم وهذا ما يقع إلى حدٍ ما على عاتق المسلمين في الولايات المتحدة الذي يربو عددهم على ستة ملايين نسمة.

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة