مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 التحديات الجديدة
إنه الإسلام يا فريدمان
محمد حمزة


توماس فريدمان الصحفي الأمريكي الذي اشتهر بكتابة رسائل إلى الزعماء العرب على لسان الرؤساء الأمريكيين.. اعتاد لصق كل ما هو غريب وعجيب ومتخلف بالعالم العربي، وبحجة الدفاع عن الحريات المفقودة، وقام بترويج دولة الكيان الصهيوني على أنها واحة الديمقراطية والحريات وسط صحراء الكبت والقهر.
تجاوز فريدمان حدود المعقول كثيراً، وظهر من سلسلة مقالاته التي نشرت بصحيفة "نيويورك تايمز" أنه لا يكن الكراهية للعرب فقط، بل والمسلمين، ولا أظلمه إذا ما قلت إنه وبحكم المعلومات المشوهة عن الإسلام التي حصل عليها إبان عمله كمراسل في بيروت يكنّ الكراهية للإسلام، وبدا ذلك واضحاً في مقالات عدة كتبها مؤخراً، وشارك في الهجوم على الإسلام من خلال هجومه على بعض الدول العربية.
ثم قفز قفزة أخرى في مقاله الذي كان عنوانه: "التنقيب عن التسامح"، حين أظهر أن حقده ليس على نظام عربي يرفض التعاون مع أمريكا في حربها "الضبابية" ضد الإرهاب، بل على التعاليم الإسلامية والنصوص القرآنية، وأبدى اعتراضه الواضح والصريح على فكرة موالاة المؤمنين، ومعاداة الكافرين.
وهنا لابد من أن نقف وقفة مع هذا الرجل الذي تسلل إلى الإعلام العربي عبر الفضائيات كمدافع عن الحريات والديمقراطية والتقدم في العالم العربي، فقال: بدلاً من إنتاج الكراهية لإسرائيل، على العرب أن ينتجوا شرائح الكمبيوتر كما تفعل دول عدة من العالم الثالث مثل كوريا الجنوبية.
وكما كتب فريدمان إلى شارون ذات مرة مقالاً بعنوان: "إنها الحرية يا غبي" اسمح لنفسي أن أكتب إليه هذا المقال:
إنه الإسلام يا فريدمان.
توماس:
أعرف أنك كاتب مرموق ولك قلم رشيق يتسلل عبر مفرداته المختارة إلى قلوب القراء خصوصاً سكان الولايات المتحدة الأمريكية الذين أصيبوا كما أصبنا بصدمة عنيفة عندما سمعنا وشاهدنا انفجارات نيويورك وواشنطن.
كما أن لمقالات وأفكارك معجبين في العالم العربي، وقد استضافوك مرات عدة لكي تحدثهم عن الحرية في العالم العربي، وخيبت ظنهم مرات أيضاً حين رفضت الربط بين واقعنا العربي المؤسف وقضية فلسطين، وزعمت أنه يمكن للعرب أن يتقدموا للأمام حتى في ظل وجود مشكلة عالمية مثل احتلال اليهود لفلسطين كل فلسطين.
كما أعرف أيضاً أنك مكثت بين ظهرانينا حيناً من الدهر، وأنك تعرف بعض مفرداتنا العربية والثقافية، وأنك قارئ جيد لما يدور حولك.
وأعرف أيضاً أن قلمك ساخر وحاد وربما يكون قلمي مثل ذلك خصوصاً وأنك تجاوزت حدود الفهم والمعرفة إلى التأويل والتفسيرات المغلوطة عن الإسلام.
في سلسلة مقالاتك الأخيرة، نلت بسخرية من نداءات المسلمين بوقف الحملة العسكرية على أفغانستان في شهر رمضان، وقلت: إن العرب قد قاتلوا خصومهم في رمضان، وزعمت أنهم يفخرون بأنهم قاتلوا اليهود في رمضان، وأنهم أطلقوا اسم شهر رمضان على حرب أكتوبر 1973م.
ووجهت اتهامك إلى العرب بأنهم يريدون وقف الحرب لأننا نحن ـ أي الأمريكيين ـ الذين نحارب، أما إذا كان الأمر متعلقاً بهم ـ أي العرب ـ فهم يسمحون، ثم اختتمت سلسلة أحقادك في مقالك التنقيب عن التسامح، وطالبت الدول الإسلامية بتغيير مناهجها ومراجعها، زاعماً بأن ذلك هو السبيل للتعايش مع الغرب.
ونسيت أو تجاهلت أن الولاء للمؤمنين والمسلمين لا يعني بالضرورة إعلان الحرب على الآخرين، فالأمريكيون والأوروبيون يحب بعضهم بعضاً، ولا أحد يقول لهم لماذا تحبون بعضكم البعض، فهم نتاج حضارة واحدة وثقافة واحدة.
ونحن المسلمون نتاج حضارة وتعاليم إسلامية تطالبنا بأن نحب إخوتنا في الدين ونقف إلى جوارهم ونساندهم لكن ذلك لم ولن يكون أبداً على حساب العدالة التي ربما لا تعرف أنها غائبة عن سياسات إدارتكم ... هل تسمع عن العدل يا فريدمان؟
ورغم ولائنا وحبنا لإخوتنا في الدين فإن ديننا ينكر على أي مسلم ينال من كتابيّ أو حتى كافر عاهده أو أعطاه ميثاقاً وعهداً ...
ولاؤنا للمسلمين لا يعني حربنا على غيرنا أيها الذكي، ولكن انظر إلينا نحن المسلمين: هل نحن ضحايا أم معتدون؟ هل نحن الذين اغتصبنا فلسطين أم أنتم الذين زرعتم على أرضها الكيان الصهيوني؟
هل نحن الذين تركنا صربيا تقتل المسلمين في البوسنة وكوسوفا؟
هل نحن الذين دعمنا الهندوس في كشمير وأيدنا الروس في الشيشان؟
وإذا تنادي المسلمون لنصرة قضاياهم فهل ذلك يغضب الغرب؟
كيف تقول ذلك وأنت تطالبنا نحن العرب أن نقف إلى جواركم؟
لقد أعلن علماؤنا أن الإسلام بريء من الإرهاب، حتى ولو كان الضحية غير مسلم، فلماذا تضع الولاء والبراء في جملة عرضية؟
إن الإسلام لا ينهى أتباعه عن معاملة أهل الكتاب في بلاد الإسلام معاملة حسنة، بل يأمر بذلك ويحض عليه، يقول تعالى: (لاَ يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِليْهِمْ) (سورة الممتحنة/ 8).
هل تعرف معنى البر يا توماس؟
إنها كلمة ذات معان عدة يصعب على أهل العربية أن يدركوها فما بالك بأعجمي مثلك؟!
أما في علاقة الإسلام بالإنسانية فيكفيك أيها الذكي أن تعرف أن الإسلام ـ ومن خلال الرسول الكريم الذي تصفونه عبر إعلامكم اليهودي بصفات لا تقبلونها على رؤسائكم ممن وقعوا في الخطيئة، تحدث عن امرأة قاسية القلب حتى مع هرتها وقال إنها دخلت النار في هرة أي قطة لأنها حبستها فلم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض!
هذا الدين بلغت إنسانيته كل أرجاء الأرض حين قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن رجلاً سقى كلباً فشكر الله له" وقال: "ولكم في كبد رطبة أجر".
أزيدك ... حتى تعرف المزيد عن الإسلام الذي تعتبره دموياً.
قال المصطفى صلى الله عليه وسلم "إذا أراد أحدكم أن يذبح ذبيحته فليسنّ شفرته وليرح ذبيحته"، أو كما قال. رفق حتى بالحيوان.. ورحمة تتسع لكل أهل الأرض، إنسان وحيوان وزرع وجماد.
توماس:
لن نغير ديننا لكي ترضى عنا لأنك لم تفهم ديننا ويبدو أنك تحتاج إلى وقت حتى تفهم، إن أردت أن تفهم، أما إذا كان العائد عليك من هذه المقالات يشبع رغبتك ويسيل لعاب قلمك، فليس لدينا ما ندفعه لك لأن هذا الدين لم يكن يوماً ينتشر برشوة أو بمال يدفع لشراء ذمة أو قلم.
إن أعظم هدية نقدمها لإنسان غير مسلم هو أن يعرف الإسلام عن قرب ... ساعتها سينطلق لسانه ليشهد بالحق، وأن هذا الدين عظيم حتى وإن اختلف معه..
----------------------------------------------
المصدر : مجلة المجتمع الكويتية / العدد 1477-2002/11/17

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة