شرفات غربية
الإعلام وقضايا الواقع الإسلامي .. البواعث والتفسيرات
د. عباد القادر طاش
لماذا يواصل الغربيون صناعة تلك الصورة القبيحة للإسلام والمسلمين؟ ولماذا يعيدون أنتاجها عصراً بعد عصر، ويعملون على ترويجها جيلاً أثر جيل؟
يختلف الباحثون والدارسون لظاهرة صناعة الصورة السيئة للإسلام في الغرب في تحديد الأسباب التي تجعل الغربيين يواصلون إعادة أنتاج تلك الصورة كما تتفاوت تفسيراتهم لبواعث تلك الظاهرة وفقاً لزوايا التي ينظرون منها والأبعاد التي يركزون عليها. فمنهم من ينظر إلى المسألة من زاوية تاريخية فيقولون: إنَّ التراث الغربي الحافل بالعداء للإسلام والذي تراكم عبر العصور لا يزال يدفع الغربيين إلى اتخاذ مواقف سلبية من الإسلام والمسلمين.
ويتبنّى هشام شرابي _ وهو باحث عربي مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية _ هذا الاتجاه عندما يقول: "إن مصدر التشويه في الصورة العربية في الغرب ليس مجرد جهل، ولكنه نمط محدد من المعرفة تمتد جذورها إلى عداء ديني وعرقي تجاه العرب والإسلام". ولذلك فهو يرى أنّ الإكثار من المعلومات عن العرب والإسلام وتحسين نوعيتها "غير كافيين لحل هذه المشكلات فالحقائق في النتيجة النهائية تذوب في نمط التفكير السائد لدى مستقبليها. وهذا النمط هو الذي يصعب تغييره".
ويستشهد شرابي بمقولة الجنرال "اللنبي" عندما دخل مدينة القدس سنة 1918 م حيث وقف على قبر صلاح الدين الأيوبي وقال في إشارة واضحة إلى الإرث التاريخي الذي حمله في نفسيته الصليبية: "ها نحن عدنا يا صلاح الدين". ويرى أن اتجاه الغرب نحو "العلمنة" في القرون المتأخرة "لم يؤد إلى القضاء على الشعور المعادي للإسلام، كما أنه لم يؤد إلى ردم الهوة بين الحضارتين. وبالعكس فقد استمدت الامبريالية الغربية ركائزها من تراث القرون الوسطى القائم على العداء والصراع التغير الوحيد الذي حصل هو أن العلاقة أصبحت تقوم على السيطرة والاستغلال".
ويرتبط هذا الشعور المعادي للإسلام في العقل الغربي _ في نظر بعض الباحثين _ بعنصر نفسي بارز من عناصر التكوين الفكري للإنسان الغربي المتمثل في الاعتقاد بالتفوق العنصري. ويلخص عبد الوهاب المسيري الأفكار الأساسية للفكر العنصري الغربي في عصر التحديث والأمبريالية كما يأتي:
1 _ الحضارات غير الغربية أدنى بكثير من الحضارات الغربية على المستويات السياسية والاجتماعية والأخلاقية.
2 _ الشعوب غير الغربية تختلف عرقياً عن الشعوب الغربية وهذا الاختلاف وراثي.
3 _ ولأن الحضارة والعرق شيء واحد، فإن كالتخلف الحضاري أمر وراثي، وبالتالي حتمي.
وقد أدى هذا الفكر العنصري إلى تميز العقل الغربي بكونه عقلاً "أحادي النظرة" ولذلك فهو لم يستطع أن يفهم الإسلام على حقيقته. وقد أشار علي عزت بيجوفيتش إلى أن عداء الغربي الحالي للإسلام ليس مجرد امتداد للعداء التقليدي والصدام المسلح بين الإسلام والغرب، وإنما يرجع إلى تجربته التاريخية الخاصة مع الدين، وإلى عجزه عن فهم الإسلام بسبب طبيعة العقل الأوربي "أحادي النظرة" وبسبب قصور اللغات الأوروبية عن استيعاب المصطلحات الإسلامية.
ويغلّب باحثون آخرون العوامل السياسية والاقتصادية في الصراع الإسلامي _ الغربي ويرون أنّ رغبة الغرب في بسط نفوذه وهيمنته على مقدرات المنطقة الإسلامية هي التي تجعله ينتج تلك الصورة المشوهة للإسلام ويوظفها لخدمة أغراضه. ويستند هؤلاء في رؤيتهم هذه على الحقيقة المتمثلة في كون العالم العربي والإسلامي منطقة استراتيجية يضم _ إلى جانب موقعه المميز _ خيرات عديدة. ولذلك فإن إخضاع هذه المنطقة للنفوذ الغربي يُعدّ أحد أهم ركائز التخطيط الاستراتيجي في السياسة الغربية.
ويورد (إدوارد سعيد) في دراسته التي قدمها في "ندوة الإعلام الغربي والعرب" عام 1979م بعنوان "ثورة الإعلام ونهضة الإسلام" ما قاله (ستورت سكار) في مقالة له نشرت في العام نفسه: "بصراحة لا يساورني شك للحظة واحدة أن معظم ما يصدر عن الإسلام عبر وسائل الإعلام (في الغرب) يرتبط بصورة اجتماعية بالصراع المستمر الذي تمتد جذوره بعيداً في التاريخ والذي يهدف إلى السيطرة على العالم الإسلامي" ويعلق سعيد على ذلك قائلاً: "إن الصورة المشوهة هي في الواقع تعبير عن واقع أكثر تعقيداً، وتهدف إلى تكريس نظام كامل من الأساطير الأيديولوجية التي نسجت حول الإسلام لخدمة مخططات الغرب في السيطرة على الشعوب الإسلامية وخيراتها".
ويستند العمل الإعلامي في الغرب إلى مجموعة من المعايير أو ما يسمى ب "القيم الأخبارية" التي تؤثر على العاملين في وسائل الإعلام، سواء في اختيار المواد أو الأخبار أو الأراء التي يتيحون لها الفرصة للنشر، أو في صياغتها والتعبير عنها. ومن هذه المعايير الاتجاه نحو الاستجابة لرغبات الجمهور. ولذلك تركز التغطيات الإعلامية الغربية على كل ما هو سلبي وغريب ومثير في العالم العربي والإسلامي وقلّ أن يجد المرء اهتماماً يذكر بالجوانب الإيجابية. والأخبار وفقاً للمعاير الغربية "هي مجرد سلع تجارية تعرض للبيع. وهذه السلعة أو البضاعة يسهل ترويجها أو تسويقها كلما كانت غير مألوفة أو تتسم بطابع درامي" "والصحفيون يبحثون عن الأحداث المثيرة لأنها في رأيهم الأحداث الجديرة بالنشر".
وينبغي عدم إغفال الدور الفعال للنفوذ الصهيوني في وسائل الإعلام الغربية في تاكريس الصورة المشوهة عن الإسلام والعرب سواء أكان ذلك بالتأثير المباشر أم بممارسة الضغوط وانتهاج أساليب الترويع والتخويف.
ويضيف باحثون آخرون إلى العوامل السابقة عاملاً آخر هو العامل الذاتي المتمثل في ضمور الفاعلية الحضارية للمسلمين في الوقت الراهن، حتى غدت عقيدة الأمة ومبادئها وآمالها عرضة للتشويه والتحقير. كما أنّ الصور السلبية التي تكتنف حياة المسلمين اليوم سواء ما تعلق منها بنزعات التشدد والغلو أو ارتبط بحركات الإرهاب والعنف الديني والسياسي أو نجم عن التصرفات السيئة والمثيرة للانتقاد التي تصدر عن بعض الأفراد والمجموعات المنتسبة إلى الإسلام والتي تقيم في الغرب أو تزور مجتمعاته في رحلات سياحية أو أعمال تجارية.
ويدخل في هذا الإطار أيضاً ما يمكن أن نطلق عليه الغياب شبه الكامل للعمل الثقافي والإعلامي الإسلامي في المجتمعات الغربية سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي. وقد أدى هذا الفراغ الكبير إلى إتاحة الفرصة لوسائل الإعلام الغربي لمواصلة عملها في إنتاج الصور المشوهة عن الإسلام دون رقيب أو حسيب. كما أن ذلك الغياب الخطير للعمل الثقافي والإعلامي الإسلامي في الغرب أضعف كثيراً من جهود أولئك الذين يريدون تصحيح الصورة المشوهة أو مواجهتها عن طريق تقديم المعلومات الصحيحة وتوفير المواد البديلة.
------------------------
المصدر : الإعلام وقضايا الواقع الإسلامي