مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 عبدالجبار الرفاعي
مناقشات لأفكار مستشرقين حول الفقه الإسلامي والسيرة النبوية 


يناظر الدكتور محمد مصطفى الأعظمي المستشرق شاخت في بحث بعنوان: ((المستشرق شاخت والسنة النبوية)) ساهم به في كتاب ((مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية)).
إذ من المعروف أن ((جوزيف شاخت)) حاول أن يأتي بنظرية جديدة حول أسس الفقه الإسلامي، ونشر لبيانها عدة كتب ومقالات بالإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، ووضع كتاب ((المدخل إلى الفقه الإسلامي)) لهذا الغرض.
وإن كان كتابه ((أصول الشريعة المحمدية)) يعد من أشهر مؤلفاته على الإطلاق، كما عبر عنه المستشرق جب بأنه ((سيصبح أساساً في المستقبل لكل دراسة عن حضارة الإسلام، وشريعته، على الأقل في العالم الغربي)).
وقد أثرت نظريات ((شاخت)) تأثيراً بالغاً على جميع المستشرقين تقريباً، مثل ((أندرسون)) و ((روبسون)) و ((فيزجرالد)) و ((كولسون)) و ((بوزورث)) كما أن لهذه النظريات تأثيراً عميقاً على مَن تثقفوا بالثقافات الغربية من المسلمين.
وأكد الدكتور الأعظمي على أن كتاب شاخت يحاول أن يقلع جذور الشريعة الإسلامية، ويقضي على تاريخ التشريع الإسلامي قضاءً تاماً ... فهو يزعم انه ((في الجزء الأكبر من القرن الأول لم يكن للفقه الإسلامي ـ في معناه الاصطلاحي ـ وجود كما كان في عهد النبي، والقانون ـ أي الشريعة ـ من حيث هي هكذا كانت تقع خارجة عن نطاق الدين، وما لم يكن هناك اعتراض ديني أو معنوي روحي على تعامل خاص في السلوك، فقد كانت مسألة القانون تمثل عملية لا مبالاة بالنسبة للمسلمين، حيث صرح شاخت بأنه ((من الصعوبة اعتبار حديث ما من الأحاديث الفقهية صحيح بالنسبة إلى النبي)).
لقد أسهمت هذه الدعوى التي أطلقها شاخت، في تأسيس مقولات وأفكار، رددها عدد من الكتاب المتغربين في بلادنا، فتعرضت السنة الشريفة إلى اتهامات ظالمة، وهوجم الفقه الإسلامي هجوماً عنيفاً، وكأن الفقه لا علاقة له بالكتاب والسنة.
من هنا سعى الدكتور الأعظمي في هذا البحث، لدحض هذه الفرية، من خلال جداول إحصائية برهن فيها على أن تشريعات القرآن الكريم شملت عموم جوانب الحياة كلها، وأكد على أن الإسلام جاء بعقيدة في مجال التشريع، تنص على أن التحريم والتحليل من حق الله سبحانه وتعالى وأنه طلب من المسلمين الخضوع التام لأوامر الله سبحانه وتعالى، وانه أنزل لهم من أصول التشريع ما يكفي لسد حاجاتهم، وتمثيلاً لأوامر الله سبحانه وتعالى كان رسول الله 0ص) يقضي بين الناس.
في بحثه المقارن عن: ((المستشرقون والسيرة النبوية: بحث مقارن في منهج المستشرق البريطاني المعاصر مونتغمري وات)) بدأ الدكتور عماد الدين خليل، بعدة ملاحظات أساسية، اعتبرها بمثابة المدخل المنهجي لمناقشة المستشرق وات، وهي تمثل منطلقات موضوعية لتقويم الدراسات في حقل السيرة الشريفة.
إذ يؤكد الدكتور خليل على ((أن الدين، والغيب، والروح لهي عصب السيرة وسداها ولحمتها .. وليس بمقدور الحس أو العقل أن يدلي بكلمته فيها إلا بمقدار .. وتبقى المساحات الأكثر عمقاً وامتداداً، بعيدة عن حدود عمل الحواس، وتحليلات العقل والمنطق .. إننا، ونحن نناقش هذا المستشرق أو ذاك في حقل السيرة النبوية، يجب أن ننتبه إلى هاتين النقطتين مهما كان المستشرق ملتزماً بقواعد البحث التاريخي وأصوله، إنه من خلال رؤيته الخارجية، وتغربه، يمارس نوعاً من التكسير والتجريح في كيان السيرة ونسيجها، فيصدم الحس الديني، ويرتطم بالبداهات الثابتة ... وهو من خلال منظوره العقلي الوضعي يسعى إلى فصل الروح عن جسد السيرة، ويعاملها كما لو كانت حقلاً مادياً للتجارب والاستنتاجات وإثبات القدرة على الجدل .. وكانت النتيجة أبحاثاً تحمل اسم السيرة، وتتحدث عن حياة الرسول (ص)، وتحلل حقائق الرسالة، ولكنها ـ يقيناً ـ تحمل وجهاً وملامح وقسمات مستمدة من عجينة أخرى غير مادة السيرة، وروح أخرى غير روح النبوة، ومواصفات أخرى غير مواصفات الرسالة ... إنها تسعى لأن تخضع حقائق السيرة لمقاييس عصر تنسخ كل ما هو جميل، وتزيف كل ما هو أصيل، وتميل بالقيم المشعة إلى أن تفقد إشعاعها، وترتمي في الظلمة، أو تؤول إلى البشاعة!! .. أن الغربيين لم يستطيعوا أن يقدموا أعمالاً علمية بمعنى الكلمة لواقعة السيرة، ولا قدروا حتى على الاقتراب من حافة الفهم، بسبب إنهم كان يعوزهم التعامل الأكثر علمية مع الاحترام المصدر الغيبي، واعتماد الموقف الموضوعي بغير حكم مسبق الذي ـ يتجاوز كل الإسقاطات التي من شأنها أن تعرقل عملية الفهم ... والجذور العميقة هي المنهج الخاطئ الذي تقوم عليه أبحاث هؤلاء المستشرقين ... فالمستشرق بين أن يكون علمانياً مادياً، لا يؤمن بالغيب، وبين أن يكون يهودياً أو نصرانياً لا يؤمن بصدق الرسالة التي أعقبت النصرانية ... لذا فإنه ـ من الناحية المبدئية ـ يجب على المثقف المسلم، رفض القبول النهائي لنتائج بحوث المستشرقين في حقل السيرة، لأنها مهما تكن على درجة من الحيادية والنزاهة، فإنها لابد أن تسقط في الخطأين:
القصور عن الفهم، وتدمير الثقة بأسس هذا الدين)).
ثم يمضي الدكتور خليل في تحليل ((تطور الموقف الغربي من السيرة)) فيقتبس مجموعة أقوال من مراجع غربية معروفة عن الإسلام والنبي الكريم (ص)، وينتهي إلى بيان الأخطاء والثغرات المنهجية في البحوث الاستشراقية ـ التي ذكرناها فيما سبق ـ ، وفيما بعد يقف مع المستشرق وات وقفات طويلة في كتابه: محمد في مكة، ليكشف عن ((النزعة الشكية والافتراض والنفي الكيفي))، و ((إسقاط الرؤية العقلية المعاصرة على السيرة)) في هذا الكتاب.
وبذلك ينجز هذا البحث أسساً موضوعية، يمكن أن تكون أدوات منهجية هامة في تحليل مضمون المعرفة الاستشراقية عن الإسلام والسيرة الشريفة، وهي محاولة ذات بناء متماسك، إعتمد الدكتور خليل تطبيقها على كتاب المستشرق وات عن حياة الرسول الأكرم (ص).
----------------------------
* المصدر:متابعات ثقافية
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة