مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 رياح الاسلام
إكتشاف المسلمين لغيوم ماجلان 
عبد الرحمن بدوي


كان آخر بحث نشره لويس ماسينيون هو عن اكتشاف العرب للغيوم التي اهتدى بها ماجلان في رحلته حول العالم، وهو أمري يشهد للعرب بالتقدم الهائل في الملاحة البحرية فضلاً عن علم الفلك.
ولقد سعى الإنسان قبل الميلاد بألف عام إلى الكشف عن هذه الغيوم، التي تهدى إلى القطب الجنوبي. فكان الصينيون المتوجهون إلى بحار الجنوب، وكلدانيو اريدو (وهي ثغر جنوبي العراق) يتوجهون مسترشدين بالنجم سهيل، الذي كان بمثابة نجم قطبي جنوبي. وكان العرب في الصحراء يسترشدون أيضاً بالنجم سهيل وهم يتوجهون صوب الجنوب.
وكانت العلاقات البحرية المنتظمة بين العرب والهند قد بدأت قبل الإسلام بوقت طويل؛ ثم ازدهرت الملاحة في هذه البقعة، أعنى في بحر العرب، بفضل اختراع العرب للشراع المثلث الذي انتقل بعد ذلك، في نهاية القرن التاسع الميلادي، إلى البحر الأبيض المتوسط. فبفضل هذا الشراع أصبح من الممكن السير والريح عاصفة (أولا بالإبحار في مضادة الريح؛ ومؤخر السفينة في الريح؛ ثم بالعدول ثانية). وبتحسين هذا الشراع أمكن القيام بالاكتشافات البحرية الكبرى ابتداءً من سنة 1450م.
وكان استغلال وادي العراق الأدنى، بفضل الري المنتظم (بالقنوات والدواليب أو العجلات الروافع) يقتضي استيراد أيد عاملة عديدة اضطرت الدولة العباسية إلى استجلابها من بلاد غير إسلامية. فبنيت السفن على الساحل الجنوبي لبلاد العرب، من البصرة والشحر وظفار وريسوت حتى عدن، وقد أخذوا عن البحارة الهنود في كوتشي طريقة البناء بألواح التك (أو النخيل) التي كانت تشق ولا تُسَمّر، والمؤخرة مدبّبة مرتين، ثم أخذوا عنهم أيضاً طريقة تسيير الدفة.
وكان العرب يعرفون من قديم الزمان طريقة للتوجّه بواسطة وردة نجمية عمودية تكمّل الأنواء 14/28. كما كانوا يعرفون الطريقة القائمة على النجم القطبي الشمالي، ولكن هذه الطريقة لم تكن تصلح للاستخدام عند خط عرض مقديشيو، حين كان النجم القطبي الشمالي يغرق تحت الأفق.
ومن ثمّ أدرك المسلمون أهمية طريقة إبحار التجار الهنود في كوتشي، القائمة على "نجم ثابت في الجنوب"، وكانوا منذ القدم قد استهدوا، وهم في الصحراء على ظهور الإبل، بالنجم "سهيل" بوصفه نجمة قطبية جنوبية. والبوصلة: وأصلها صيني، يبدو أنها أدخلت في المحيط الهندي كمجرد إشارة إلى "النجم الثابت في الجنوب". والواقع أن البوصلة يطلق عليها عند الصين اسم "المركب المشيرة إلى الجنوب".
ومنذ القرن الثاني عشر (السادس الهجري) قام عرب حضر موت بنشر الإسلام في جزيرة سومطرة، واستخدموا في إبحارهم إلى هناك طريقة الاهتداء "بالنجم الثابت في القطب الجنوبي".
وبتحسين البوصلة لم يعد "للنجم الثابت في الجنوب" (غيوم ماجلان) أهمية عند الملاحين المسلمين.
إن "هذا النجم الثابت في الجنوب" أعني غيوم ماجلان هو الذي اهتدى به النازحون صوب الجنوب" من مختلف الأجناس المستضعفة في الأرض آنذاك: الزنوج، والأقزام، والبشمن والأوستراليون، الذين قدموا من حضارة العصر الحجري الجديد.
وفي القرن الثامن الميلادي (الثاني الهجري) بدأت المحلات الاسلامية للاستثمار التجاري، بإرسال الحملات البحرية إلى الشواطىء الجنوبية والشعوب الساكنة جنوب خط الاستواء، وقامت تجارة الرقيق الملازمين للزراعات الواسعة في العراق، إلى أن قامت ثورة الزنج في البصرة في منتصف القرن التاسع، فأصبح من حق الزنج الذين اعتنقوا الإسلام أن يعتقوا. ومن هنا كانت أهمية غيوم ماجلان من أجل القيام بهذه الحملات البحرية.
وهذه الغيوم، التي استهدى بها الملاحون المسلمون في تجوالهم في بحر العرب والمحيط الهندي، هي التي اهتدى بها ماجلان، في عصر النهضة، حين دخل المحيط الهادي، من أجل إتمام دورة حول الأرض، في سنة 1522م.
ومن الذين ذكروا غيوم ماجلان هذه: تميم الداري (المتوفى سنة 40 ه‍) وابن وحشية (سنة 291ه‍)؛ وعبد الرحمن الصوفي في "الكواكب المصوّرة" (ولد سنة 291 وتوفى سنة 376ه‍) فقال إن قوماً يزعمون أن تحت سهيل، تحت قدمي سهيل توجد نجوم بيض لامعة. وهي لا ترى في العراق ولا في نجد. ويسميها أهل تهامة باسم "البقر". ولما لم يقل بطليموس عنها شيئاً فلا ندري هل هذا صواب أو خطأ. ويقال إن تحت الشعرى العبور توجد العذارى.
كذلك يقول ياقوت (المتوفى سنة 622ه‍) في معجم البلدان تحت مادة: "بحر الزنج" ما يلي:
"بحر الزنج هو بحر الهند بعينه. وبلادُ الزنج منه في نحو الجنوب تحت سهيل. وله برٌّ وجزائر كثيرة كبار واسعة فيها غياض كثيرة وأشجار، لكنها غير ذات أثمار، وإنما هي نحو شجر الأبنوس والصندل والساج والقنا، ومن سواحلهم يلتقط العنبر، ولا يوجد في غير سواحلهم، وهم أضيق الناس عيشاً، وحدثني غير واحد ممن شاهد تلك البلاد أنهم يرون القطب الجنوبي عالياً يقارب أن يتوسط السماء، وسهيل كذلك، ولا يرون الجدي قط ولا القطب الشمالي أبداً ولا بنات نعش، وأنهم يرون في السماء شيئاً في مقدار جرم القمر كأنه طاقة في السماء أو شبه قطعة غيم بيضاء، لا يغيب قط ولا يبرح مكانه، وسألت عنه غير واحد فاتفقوا على ما حكيته بلفظه ومعناه؛ وله عندهم اسم لم يحضرني الآن، وإنهم لا يدرون ايش هو؛ ولهم هناك مدن أجلها مقدشو وسكانها عُرباء واستوطنوا تلك البلاد، مسلمون، طوائف لا سلطان لهم، لكل طائفة شيخٌ يأتمرون له؛ وهي على برّ البربر، وهم طائفة من العربان غير الذين هم في المغرب، بلادهم بين الحبشة والزنج... ثم يمتد بر البربر على ساحل بحر الزنج إلى قرابة عدن، وأقصى هذا البحر يتصل بالبحر المحيط".
وهكذا استطاع العرب أن يكتشفوا ما عُرِف فيما بعد باسم غيوم ماجلان، وبها اهتدى هذا الملاح الذي كان أول من دار حول الأرض دورة كاملة.
--------------------------------------------------------
المصدر : كتاب "دور العرب في تكوين الفكر الاوربي"

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة