مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

 نتنياهو ونظرية الإرهاب الإسلامي


بنيامين نتنياهو يعكف منذ فترة طويلة تقارب العشرين عاماً على تطوير نظرية حول ((الإرهاب الإسلامي الدولي)) وتخويف العالم منه وإقناعه بشتى السبل بإعلان الحرب عليه.
في كتابه المعنون محاربة الإرهاب: كيف تستطيع الديمقراطيات هزيمة الإرهابيين المحليين والدوليين الصادر عام 1996، يقول بصراحة واضحة إنه يهدف إلى كسب الرأي العام في الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص إلى جانب إسرائيل في المعركة المشتركة ضد الإرهاب الدولي الإسلامي.
وفي هذا الكتاب يصف نفسه بأنه كان مشاركاً في المعركة ضد الإرهاب معظم سني حياته، أولاً كجندي في القوة الخاصة للجيش الإسرائيلي، ثم كأحد مؤسسي معهد متخصص في دراسة الإرهاب، ثم كدبلوماسي ينشد تشكيل تحالف للأمم الحرة في جهد نشط لهزيمة الإرهاب الدولي.
ويقول إنه كان طرفاً في جهد دولي واسع لإقناع مواطني وقادة الأمم الديمقراطية بأن هذا الإرهاب يمكن القضاء عليه، وإنه سبق وأعد كتاباً حول نظرية مضادة للإرهاب بعنوان الإرهاب: كيف يمكن للغرب أن ينتصر؟ صدر عام 1986، وكان نتاج المؤتمر الثاني لمعهد جوناثان لدراسة الإرهاب الذي عقد في واشنطن عام 1984، وساهم في تطوير استراتيجياً عامة لمحاربة الإرهاب الدولي، وإن كثيراً من المبادئ الواردة في ذلك الكتاب تبنتها الولايات المتحدة في عهد إدارة ريغان وساهمت في الحد من الإرهاب الدولي.
ففي هذا الكتاب يشرح نتنياهو جوهر نظريته القائمة على ظهور قوى جديدة للإرهاب المحلي والخارجي، أهمها على الإطلاق في رأيه ((الإسلام النضالي)) الذي يتجه حتماً إلى مواجهة مع الغرب، ويعتقد بأن هناك قصوراً لابد من سده في فهم مدى الخطر الذي يشكله هذا الإرهاب الجديد على أمريكا وبقية العالم، وما يمكن أن يتخذ حياله، ويقدم عرضه لإرشاد العالم إلى هذا الخطر والإجراءات الضرورية للقضاء عليه.
هذان الكتابان هما استمرار لجهد تنظيري متواصل لتطوير نظريته حول الإرهاب الإسلامي الدولي، وهما مكملان لكتاب أعده كتجميع لدراسات نوقشت في المؤتمر الأول لمعهد جوناثان الذي عقد في القدس عام 1979 وصدر عام 1981 بعنوان الإرهاب الدولي: تحد واستجابة، وكذلك كتابه الذي صدر عام 1993 بعنوان مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم.
ـ 2 ـ
من خلال هذه الكتب كافة، يؤكد بنيامين نتنياهو أنه منذ تأسيسه لمعهد جوناثان لدراسة الإرهاب ـ والذي أطلق عليه اسم شقيقه الذي قتل في عملية عنتيبي عام 1976 ـ ثم في حياته الدبلوماسية ظل يؤمن بأن الأساس في القضاء على الإرهاب الدولي هو كسب الولايات المتحدة لقيادة المعركة، لأن هذه القيادة الأمريكية ستستقطب دول العالم الأخرى إلى هذا الاتجاه. ويستطرد قائلاً إنه لم يكن من السهل إحداث تغيير في تفكير صانعي الرأي الأمريكيين حول هذا الموضوع لأن وجهة النظر المهيمنة في الولايات المتحدة في السبعينيات والثمانينيات كانت تقول إن الإرهاب هو نتيجة اضطهاد سياسي واجتماعي، وإن الإرهاب لا يمكن القضاء عليه من دون إنها هذه الأوضاع، لكنه ورفاقه الذين كانوا يرفضون معه وجهة النظر هذه بذلوا جهوداً لتغيير الموقف الأمريكي وإقناع المسؤولين بأن الإرهاب الدولي هو نتيجة تعاون سري بين دول دكتاتورية وشبكة إرهاب دولي، وهو تعون يمكن أن يحارب ويهزم.
وفي مجمل هذه الكتب يظهر بوضوح الخط الأيديولوجي العنصري والمتطرف الذي يستمده نتنياهو من الاتجاه اليميني الأكثر تطرفاً للفكر الصهيوني الذي عبر عنه صهاينة مثل جابوتنسكي وبيغن وشامير، والنابع من عدم القدرة على تخيل بقاء إسرائيل من دون أن تكون إسرائيل الكبرى القوة الإقليمية المهيمنة. وهو ينتقد اتفاقية أوسلو لأنها حولت قطاع غزة إلى مأوى للإرهاب، ويحذر من خطر قيام دولة فلسطينية ليس فقط على إسرائيل، بل كذلك على الأردن والسعودية وكل الغرب، والسلام في رأيه ليس عملاً من أعمال الاعتراف والقبول المتبادل ولكنه عمل قوة وردع وهيمنة، وهنا يدعو الشعب اليهودي إلى السير بإسرائيل عبر القوة لتأخذ مكانها بين الأمم.
ويرى أيضاً أن الموقف المعادي الذي تواجهه إسرائيل يمثل صعوبات أساسية في فهم التغير الجذري في وضع اليهود، وكذلك عدم قدرة أعداء إسرائيل وأصدقائها على السواء على التعايش مع القوة اليهودية. والمشكلة الرئيسية في الشرق الأوسط بحسب وجهة نظره هي أن العرب والمسلمين، أو القومية العربية والأصولية الإسلامية، طرفان معاديان للغرب ويكرهان إسرائيل لأنهما يكرهان الغرب وليس العكس.
وبعد أن يعرف نتنياهو الإرهاب بأنه ((الاعتداء المتعمد والمنتظم على المدنيين لنشر الخوف لأغراض سياسية))، يعرف الإرهاب الدولي بأنه ((استخدام العنف الإرهابي ضد أمة معينة من قبل دولة أخرى تستخدم الإرهابيين لخوض حرب بالنيابة كبديل للحرب الشاملة)). ويتجه للقول بأن وجود جاليات إسلامية كبيرة في الولايات المتحدة والدول الأوروبية يعتبر بيئة جيدة للإرهاب الإسلامي الذي يهدد هذه الدول،وينصح بقوة بأن تقوم هذه الدول بحماية نفسها مسبقاً بتضييق الحريات المدنية التي يجب ألا تكون مطلقة، على حد قوله.
يقول نتنياهو بوضوح إن الاختراق الإسلامي لأوروبا بكلا اتجاهيه السني والشيعي تم تجاهله في النقاش العام، ومعظم الحكومات الأوروبية مترددة وغير راغبة في مواجهة المشكلة ولا تفعل ذلك إلا في حالة حدوث عمل عنف معين.
والأهم بالنسبة له أنه لكسب الغرب المعركة ضد الإرهاب الإسلامي لابد من كسب الولايات المتحدة التي تنفرد وحدها بالقدرة على جر بقية الدول وراءها في هذه الحرب، ولكنه يرى أن أمريكا لن تقتنع بضرورة محاربة الإرهاب الدولي إلا إذا تعرضت مصالحها لخطر هجمات مباشرة.
ويقول إنه اجتهد لإقناع الحكومة الأمريكية بتحويل سياستها إلى معارضة أكثر عنفاً للإرهاب، ويفتخر بما حققته من إنجازات في هذا الخصوص، حيث يدعي أن الرئيس رونالد ريغان قرأ كتابه الإرهاب: كيف يمكن للغرب أن ينتصر؟ عندما كان في طريقه لحضور قمة طوكيو حول الإرهاب، وبناءً على توصياته باتخاذ إجراءات عسكرية ضد الدول الإرهابية، فإن الولايات المتحدة وبريطانيا تعاونتا في عملهما العسكري ضد ليبيا عام 1986.
ومن طرائف كتابه أنه يتأسف لأن حرب الخليج عام 1991 لم تعاقب سوريا وإيران اللتين أصبحتا قوة محركة وراء الإرهاب الدولي. والتخوف الرئيسي لديه وهاجسه الذي يؤرقه هو إمكانية وقوع سلاح نووي في يد الإرهاب الإسلامي. فهو يشدد على أثر القنبلة الإسلامية في ميزان القوى في الشرق الأوسط، لأن الإسلام في رأيه هو أيديولوجيا غير عقلانية. وفي مقارنة بين الإسلام والشيوعية يرى أن الشيوعية أيديولوجيا غير عقلانية، ولكنها اتبعت بأسلوب عقلاني، أما الإسلام فهو أيديولوجيا غير عقلانية وتتبع بأسلوب غير عقلاني، ولذلك فهو أشد خطرا لأنه يضع الأيديولوجيا قبل الحياة نفسها.
وهكذا فإن خلاصة أفكار نتنياهو المطروحة في كتبه هي أن الإسلام يشكل تهديداً لإسرائيل، وأنه لهزيمة الإرهاب الإسلامي الدوملي لابد من إشراك الغرب في الحرب ضده، وإن إشراك الغرب لن يتم إلا بدخول أمريكا كقائد لهذه المعركة، وإن أمريكا لن تدخل هذه الحرب إلا ذا تعرضت مصالحها لهجمات إرهابية مباشرة. وهنا يمكننا أن نتساءل: هل أرادت إسرائيل إقناع أمريكا بتولي قيادة الحرب ضد الإرهاب الدولي عن طريق الإيحاء لبعض الجماعات أو حتى بالإيعاز لأجهزتها السرية بمهاجمة المصالح الأمريكية، لتوجيه اللوم لدول أو حركات إسلامية، وبالتالي تقوم الولايات المتحدة بإمكانياتها كقوة عظمى وبتعاون حليفاتها في الغرب بشن حرب ضد هذه الحركات والدول التي لم توقع سلاماً مع إسرائيل أو تحاول الحصول على أسلحة تعتبر محظورة، بتهمة إيواء الإرهاب؟
إن العودة إلى الماضي لفهم الحاضر قد تكون ذات جدوى هنا، فإذا تذكرنا ما عرف بقضية لافون عام 1954، فإننا قد ننظر بعين الشك إلى بعض أعمال العنف ضد المصالح والمواطنين الأمريكيين والغربيين التي نسبت فوراً وعن طريق مكالمات هاتفية أو اتصالات غامضة بوسائل الإعلام إلى جماعات إسلامية متعددة الأسماء والهدف من ورائها. وقضية لافون هي قضية شغلت الرأي العام الإسرائيلي في الستينيات وحتى بعد سنوات من وقوعها، وخلاصتها أن بنحاس لافون وزير دفاع إسرائيل عام 1954 وبالتعاون مع رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي، قررا القيام بأعمال عنف وتفجيرات ضد المصالح البريطانية والأمريكية (ضد سفارتيهما والأماكن التي يتردد عليها الأجانب) في مصر عن طريق خلية سرية مكونة في معظمها من يهود مصريين، لكي يتم توجيه اللوم إلى حركة الإخوان المسلمين وخلق مناخ شك وعدم ثقة في قدرة عبدالناصر على حماية الأجانب، وبالتالي يتحقق هدف إسرائيل في منع تنفيذ الاتفاقية المصرية ـ الإنكليزية القاضية بانسحاب الجنود البريطانيين من سيناء الذين ترى إسرائيل في انسحابهم خطراً على وجودها وأمنها، ولكن كشف السلطات المصرية للجناة أفشل الخطة وبَيَّن مدى استعداد إسرائيل للقيام بأي عمل تعتقد أنه يخدم استراتيجيتها حتى ولو كان ضرب مصالح دول حليفة لها، وتعريض مواطنيها إلى الخطر.
ـ 4 ـ
في نهاية كتابه التحريضي العجيب والخطير محاربة الإرهاب يعلن نتنياهو حله السحري للمشكلة، فينصح الغرب قادة وشعوباً باتباع وصاياه العشر التي يحددها في الآتي: 1 ـ فرض عقوبات على الدول التي تزوج الدول الإرهابية الإسلامية بالأسلحة والتقنية النووية، 2 ـ فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية على الدول الإرهابية نفسها، 3 ـ تحييد المعاقل الإرهابية، 4 ـ تجميد الأرصدة المالية الموجودة في الغرب للمنظمات والأنظمة الإرهابية، 5 ـ تبادل المعلومات الاستخبارية، 6 ـ مراجعة التشريعات لإتاحة حرية أ:بر للعمل ضد المنظمات الإرهابية، 7 ـ المتابعة النشطة للإرهابيين، 8 ـ عدم إطلاق سراح هؤلاء الإرهابيين، 9 ـ تدريب قوات خاصة لمحاربة الإرهاب، 10 ـ تدريب وتنوير وتوعية المواطنين بهذا الخصوص.
فهل نجح نتنياهو بإقناع أمريكا والغرب معها بخصوص الحرب التي طالما سعى جاهداً للترويج لخوضها ضد ما يسميه الإرهاب الإسلامي؟ وهل ما شهدناه من حملات اعتقال نظمتها الاستخبارات الأمريكية بالتعاون مع أجهزة الأمن في عدد كبير من الدول هي تنفيذ لتوصيته الخامسة بتبادل المعلومات الاستخبارية وتوصيته السابعة بالمتابعة النشطة للإرهابيين؟
وهل العقوبات المفروضة على دول مثل ليبيا والعراق والسودان وقصف ليبيا والسودان وأفغانستان هو تنفيذ لتوصيته الثانية بفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية على الدول ((الإرهابية))؟
وهل تعتبر القوانين التي عقد مجلس العموم البريطاني جلسة خاصة لإقرارها والمتعلقة بالإرهاب هي استجابة لتوصيته السادسة بمراجعة التشريعات لإتاحة حرية أكبر للعمل ضد المنظمات الإرهابية؟
وهل تعتبر بعض الهجمات على المصالح الغربية وما يعقبها من اتصالات هاتفية مشبوهة تدعي مسؤولية جهات إسلامية هي جزء من خطة جهنمية لها أهداف محددة وتتبع بحرص وحذر شديدين؟
أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات، والقراءة التحليلية لما جاء في كتب نتنياهو سواء منها الصريح أو ما بين السطور، توحي بوجود جهد نظري وعلمي كبير لتعميق فكرة الإرهاب الإسلامي وخطره، وبالتالي تحريض الغرب لمواجهته. والأخطر من ذلك أن الشخص الذي يتولى هذا التنظير والتحريض ليس شخصاً عادياً، وإنما كان مسؤولاً يتولى أعلى منصب قيادي في إسرائيل، وكان له نفوذ على حكومات الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى من خلال اللوبي الإسرائيلي وجماعات الضغط اليهودية المسيطرة في الغرب. وقد أجاد توظيف الأزمة التي كان يمر بها رئيس أكبر دولة في العالم، والقطب الوحيد المتبقي، لدفعه في الاتجاه الذي يتم إيهامه بأنه حبل النجاة من ورطته الخانقة.
فهل تدرك دول العالم، وفي مقدمتها دول الغرب، الحقيقة وراء هذه الهجمة الشرسة ضد الإسلام والمسلمين ووصمه إياهم بالإرهاب، وبالتالي تتريث في الانسياق الأعمى وراء هذا التحريض الصهيوني الخطير؟ أم أن هذا التحريض حقق هدفه ونجح بمسعاه وأن الحرب التي أُعدَّ لها قد بدأت؟ وهي حرب المستقبل بحسب تعبير مادلين آلبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية كما جاء في تصريحاتها في أعقاب الهجمات على السودان وأفغانستان؟
وهل النجاح بالتعجيل بهذه الحرب هو في مصلحة إسرائيل أم هو كارثة ستحل عليها أكثر من الأطراف الأخرى التي يراد توريطها في صراع مدمر تحت زعم أنه يخدم مصلحة إسرائيل الاستراتيجية الطويلة المدى؟
----------------------------
* المصدر:المستقبل العربي /262/2000 م
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة