مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

شرفات غربية
حقيقة النبوة المحمدية في آراء المستشرقين فنسنك وماكدونالد
فؤاد كاظم المقدادي


من إمارات الدس والتشويه في "دائرة المعارف الاسلامية" التي وضعها نخبة من المستشرقين القول بأن ذكاء محمد (ص) وخياله المتوقد هما اللذان كانا وراء ما جاء به من دعوة. ونجد مصاديق هذه الشبهة في عدة موارد من الموسوعة المذكورة، منها ما جاء تحت مادة "ابراهيم". ففي معرض بيان دعوى المستشرق الهولندي "سنوك هجروينيه" بأن شخصية ابراهيم مرّت بأطوار متناقضة في القرآن الكريم، والاشارة الى السر في هذا الاختلاف يقول فنسنك: "إنّ محمداً كان قد اعتمد على اليهود في مكّة، فما لبثوا أن اتخذوا حياله خطّة عداء، فلم يكن له بدٌّ من ان يلتمس غيرهم ناصراً. هناك هداه ذكاء مسدّد الى شأنٍ جديد لأبي العرب ابراهيم، وبذلك استطاع أن يخلص من يهوديّة عصره ليصل حبله بيهوديّة ابراهيم".
ومنها ما جاء تحت مادة "الله" الفقرة "ج": الله في ذاته لذاته، يقول الامريكي ماكدونالد: "وقد استطاع محمد بفضل خياله المتوقد ان يصف الله بصفات واضحة معينة، مثل الأول والآخر، والظاهر والباطن "سورة الحديد _ الآية3"، وأنه القيّوم "سورة البقرة _ الآية 256"، "سورة آل عمران _ الآية1".
وفي معرض الرد والمعالجة لهذه النصوص من التشويه نؤشر أولاً الى ان الأساس في مثل هذا الدس والتشويه والهدف من وراء ارجاع النجاح في خطوات دعوة النبي محمد (ص) ومواقفه الرسالية الى ذكائه مثلاً أو خياله المتوقّد _كما يعبّرون _ هو إنكارهم الوحي الالهي للنبي محمد (ص)، بيد أن هذه الطروحات مدحوضة بشواهد تاريخية وعلمية عديدة، ويمكن تلخيص ما ورد في الموسوعة من هذه التهم والرد عليها في نقطتين:
1_ قول فنسنك أن محمداً (ص) كان قد اعتمد على اليهود في مكّة، فهذا ما لم يقله ولم ينقله لنا أيّ مؤرخ، سواء كان من المسلمين أم من غيرهم. بل الذي ورد هو العكس، حيث أن اليهود كانوا أوّل وأشدّ من نصب العداء ومارس تأليب مشركي قريش والتآمر على رسول الله(ص) ودعوته الاسلامية، حتى نزل في ذلك قرآن قال فيه الله تعالى: (لَتَجدنَّ أشدَّ الناسِ عداوةً للذينَ آمَنُوا اليهودَ والّذينَ أشركوا ولتجدنَّ أقربَهُم مودةً للذينَ آمَنوا الذين قالوا إنّا نصارى).
أمّا قوله: "وبذلك استطاع ان يخلص من يهوديّة عصره ليصل حبله بيهودية ابراهيم" ففيه:
أولاً: ان اليهودية المدعاة التي كانت على عصر الرسول (ص) هي انحراف عن الدين الحق الذي بعث الله تعالى به انبياء بني اسرائيل وعلى رأسهم موسى(ع)، وفي ذلك قال الله تعالى في محكم قرآنه الكريم: (مِنَ الذينَ هادُوا يُحرّفونَ الكَلِمَ عن مواضِعِهِ...)، وقوله تعالى ايضاً: (أفَتَطمَعونَ أن يُؤمِنُوا لكُم وقد كانَ فريقٌ منهُم يَسمَعونَ كلامَ اللهِ ثُم يحرّفُونَهُ من بعدِ ما عَقَلوهُ وَهُم يَعلَمونَ).
ثانياً: ان الرسول محمداً (ص) لم يكن بحاجة لأن يصل حبله باليهودية المدعاة، لأن الأصل في الاديان هو الاسلام، وقد توالى بعث الرسل والانبياء من الله تعالى للتبشير به وردّ التحريف عنه والدعوة له قبل خاتمهم محمد (ص)، أمّا النصرانية واليهودية المدعَيتان فما هي إلاّ انحراف عن الاصل الاسلامي، وبدعة أملتها عليهم أهواؤهم ودنياهم، وفي ذلك قول الله تعالى في القرآن الكريم: (وَإذ أخَذَ اللهُ ميثاقَ الّذينَ أوتُوا الكِتابَ لَتُبيِّنُنَّهُ للنّاسِ ولا تَكتُمُونَهُ فَنَبَذوهُ وراءَ ظُهُورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يَشتَرون). وهذه هي العقيدة التي دعا لها النبي محمد(ص) وذكرها الله تعالى في القرآن الكريم بقوله: (شَرَعَ لَكُم مِنَ الدّينِ ما وصّى بهِ نُوحاً والّذي أوحينا إليكَ وما وَصّينا بهِ إبراهيمَ وموسى وعيسى أن أقيموا الّدينَ ولا تَتَفرقوا فيه كَبُرَ على المشركينَ ما تَدعُوهُم إليه اللهُ يجتبي إليهِ من يشاءُ ويهدي إليه من يُنيبُ* وما تَفَرَّقُوا إلاّ مِن بعدِ ما جاءهُم العلمُ بغياً بينهُم ولولا كلمةٌ سَبَقَت من ربِّكَ إلى أجلٍ مُسمّىً لقُضيَ بينهم وإنَّ الذين أُورِثوا الكتابَ مِن بعدِهِم لفي شكٍ مريبٍ* فَلِذلكَ فادعُ واستقِم كَما اُمرتَ ولا تَتَّبع أهواءَهُم وقُل آمَنتُ بما أنزلَ اللهُ من كتابٍ وأُمرتُ لأَعدلَ بينكُم اللهُ ربُّبنا ورَبُّكم لنا أعمالُنا ولكُم أعمالُكُم لا حُجَّةَ بيننا وبينكُم اللهُ يجمعُ بينَنا وإليهِ المصيرُ).
ثالثاً: ان نبي الله ابراهيم (ع) لم يكن يهودياً، لما قلنا من ان الأصل في الاديان المبشّر بها هو الاسلام، وكيف يكو ابراهيم(ع) يهودياً أو نصرانياً حسب دعواهم وقد نزلت التوراة والانجيل من بعده بزمن مديد؟ وهو قول الله تعالى في قرآنه الكريم: (يا أهلَ الكِتابِ لِم تُحاجُّونَ في إبراهيمَ وما أُنزلت التّوراةُ والإنجيلُ إلاّ من بعدهِ أفَلا تَعقلونَ* ها أنتُم هؤلاءِ حاججتُم فيما لَكُم بهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحاجُّونَ فيما لَيسَ لَكُم بهِ علمٌ واللهُ يعلمُ وأنتُم لا تَعلَمونَ).
ثم ينفي الله عزّو جلّ اليهودية والنصرانية المدعيتين عن ابراهيم(ع) ويثبت كونه حنيفاً مسلماً لا غير، وذلك قوله عزّ من قائل في الكتاب الكريم: (ما كانَ إبراهيمُ يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كانَ حنيفاً مُسلِماً وما كانَ مِنَ المُشرِكين).
إذن فلو كانت هناك وصلة للنبي محمد (ص) بابراهيم (ع) فهي وصلة الاسلام، ذلك الدين الحق الذي قال فيه الله تعالى في قرآنه المجيد: (هُوَ الّذي أرسلَ رَسُولَهُ بالهدى ودينِ الحقِّ ليُظهرهُ على الدينِ كُلّهِ ولو كَرهَ المُشرِكونَ).
2_ قول ماكدونالد "وقد استطاع محمد بفضل خياله المتوقّد ان يصف الله بصفات واضحة معينة..." الى آخر القول، ففيه ما في قول سابقه "فنسنك" من أنه يوحي بأن الرسول محمداً (ص) لم يكن قد أُوحي له من الله تعالى، انما هو الذكاء أو الخيال المتوقد، رغم أن لفظهم لم يكن صريحاً في ذلك، والظريف ان "ماكدونالد" هذا قد اعترف بوضوح الصفات وجلاء معانيها رغم تناقضه في مقاطع اخرى من أقواله في ذلك يذكرها تحت نفس مادة "الله".
--------------------------
المصدر : "الاسلام وشبهات المستشرقين"
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة