مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

نظرة الغربيين للإسلام
المبالغة في الشك والافتراض، وإِعتماد الضعيف الشاذ في نتاجات المستشرقين
عبد الجبار الرفاعي


تكاد تكون الثغرات المومى إليها في العنوان أعلاه الملمح الأساسي في مناهج المستشرقين، والقاسم المشترك الأعظم بينهم جميعاً.. إنهم يمضون مع شكوكهم إلى المدى، ويطرحون افتراضات لا رصيد لها من الواقع التاريخي، بل إنهم ينفون العديد من الروايات، لهذا السبب أو ذاك، بينما نجدهم يتشبثون ـ في المقابل ـ بكل ما هو ضعيف شاذ، ولذلك "ظل محمد زمناً طويلاً معروفاً في الغرب معرفة سيئة، فلا تكاد توجد خرافة ولا فظاظة إلاّ نسبوها إليه" ـ كما يقول المستشرق الفرنسي كارادي فو Carrade Vaux، فمثلاً تمثِّل الديانة المحمدية ـ حسب المسيوكيمون في كتابة (ميثولوجيا الإسلام) ـ "جذام فشا بين الناس وأخذ يفتك بهم فتكاً ذريعاً، بل هو مرض مروّع وشلل عام، وجنون ذهني يبعث الإنسان على الخمول والكسل، ولا يوقظه منهما إلا ليسفك الدماء، ويدمن معاقرة الخمور (!!) ويجمح في القبائح، وما قبر محمد في مكة (؟) إلاّ عمود كهربائي يبث الجنون في رؤوس المسلمين، ويلجؤهم إلى الإتيان بمظاهر الصرع (الهستيريا) والذهول العقلي، وتكرار لفظ (الله الله) إلى ما لا نهاية، وتعود عادات تنقلب إلى طباع أصيلة ككراهية لحم الخنزير، والنبيذ، والموسيقى، وترتيب ما يستنبط من أفكار القسوة في الملذات".
وقد بلغت نزعة التشكيك والنفي الاعتباطي أن "غالى كثير من المستشرقين في كتاباتهم في السيرة النبوية، وأجهدوا أنفسهم في إثارة الشكوك في السيرة، وقد أثاروا الشك حتى في اسم الرسول، ولو تمكنوا لأثاروا الشك حتى في وجود النبي، وطريقة مثل هذه دفعتهم إلى الاستعانة بالشاذ والغريب، ويشير درمنغهم إلى هذه المسألة بقوله:
"من المؤسف حقاً أن غالى بعض هؤلاء المتخصصين ـ من أمثال موير، ومرغوليوث، ونولدكه، وشبرنجر، ودوزي، وكيتاني، ومارسين، وغريم، وغولدزيهر، وغودفروا، وغيرهم ـ في النقد أحياناً، فلم تزل كتبهم عامل هدم على الخصوص، ولا تزال النتائج التي انتهى إليها المستشرقون سلبية ناقصة، ولن تقوم سيرة على النفي.. ومن دواعي الأسف أن كان الأب لامنس ـ الذي هو من أفضل المستشرقين المعاصرين ـ من أشدهم تعصباً، وأنه شوَّهَ كتبه الرائعة الدقيقة وأفسدها بكرهه للإسلام ونبي الإسلام، فعند هذا العالم اليسوعي، أن الحديث إذا وافق القرآن كان منقولاً عن القرآن، فلا أدري كيف يمكن تأليف التاريخ إذا اقتضى تطابق الدليلين تهادمهما بحكم الضرورة، بدلاً من أن يؤيد أحدهما الآخر".
ولقد اعتمد المستشرقون على الشاذ الغريب ـ كما قال الدكتور جواد علي ـ "فقدموه على المعروف المشهور، استعانوا بالشاذ، ولو كان متأخراً، أو كان من النوع الذي استغربه النقدة، وأشاروا إلى نشوزه، تعمدوا ذلك لأن هذا الشاذ، هو الأداة الوحيدة في إثارة الشك" فمثلاً المستشرق شبرنكر A . sprenger مؤلف كتاب das leben und die lehre des mohammad في السيرة النبوية "حاول جهد إمكانه الإحاطة بكل ما كان معروفاً في زمانه من موارد عن السيرة، ومناقشته وتدقيقه ونقده، على وفق طرق البحث الحديثة التي كانت معروفة في ذلك العهد.. ولكنه ويا للأسف لم يتمسك بالنقد العلمي تمسكاً صحيحاً، بل جرى مع عاطفته، وذهب مذهباً شاذاً جعله يأخذ بالخبر الغريب الضعيف، لمجرد أنه غريب غير مألوف، ثم يقدمه على الأخبار المشهورة أو المتواترة، ويبني عليه أحكاماً، ويأتي بآراء تبدو لمن ليس له علم بالأخبار وبالروايات المتعددة في كتب السير، والتواريخ، والتفسير، والحديث، إنها أراء جديدة حسنة، تشف عن عمق في البحث، وتوسع في النقد، وصبر على غربلة الأخبار عجيب مقدر، فهو يذكر الآراء، ويدون الروايات قديمها ومتأخرها، ثم يناقشها ويفندها ويصححها ويطعن في هذا الراوي، ويقوِّم هذا الخبر، ولكنه، وهذا هو الغريب فيه، أخذ في كثير من الأماكن بالخبر الغريب المتأخر الشاذ وبالروايات الإسرائيلية والأخبار المدسوسة، فأقام لها وزناً وجعل لها اعتباراً، ثم بنى عليها أحكامه... ومن هنا جاء بآراء مغلوطة... وركبه هوس حب الخبر الغريب النادر فقدمه على المشهور المتواتر، وأخذ بالروايات الضعيفة بالقصص الإسرائيلي، وبروايات الضعفاء مع نص العلماء على فسادها فقواها وساندها وأقام لها وزنا".
كما أن المستشرق الإيطالي (الأمير كيتاني) قد نهج هذا المنهج في دراسة السيرة "من ناحية الرجوع إلى موارد كثيرة ومن حيث الإحاطة جهد إمكانه بكل ما ورد عن سيرة الرسول، ومن دراسة كل خبر، ونقده والبحث عن رواته، ووقع في مثل أغلاطه (شبرنكر)، فقد أولع بالخبر الغريب، وأخذ بالروايات المتأخرة الضعيفة التي لا نجد لها أصولاً في كتب السيرة القديمة وفي الموارد الأخرى، وأبدى فيها آراء مبنية على العاطفة في الغالب، فوقع من ثم في تلك الأغلاط... كما إنه تهجّم على بعض الرجال مثل (ابن عباس) فاتهمه بالكذب، لورود روايات يرجع سندها إليه، هي متناقضة أو غير صحيحة، فحكم عليه حكمه القاسي، من غير أن يفطن إلى أن كثيراً مما أُسنِدَ إلى ابن عباس، هو مما دُسَ عليه وليس له دخل فيه، لأنه أضيف إليه فيما بعد لأسباب عديدة، سياسية وغيرها...، وقد بحث فيها بعض العلماء وأشاروا إلى (سلسلة الكذب) التي يصلها الرواة الضعفاء بابن عباس، كما بحثوا في الإسرائيليات التي أضيفت إليه، وقد أخذها (كيتاني)، وغيره على أنها أخبار صحيحة وردت عنه حقاً".
ومن الغريب أن ينفي المستشرقون صحّة الخبر الذي يذكر أن سبب إعلان الحرب على يهود بني النضير، هو محاولتهم إغتيال الرسول عليه الصلاة والسلام "لكن المستشرقين ـ كما يقول إسرائيل ولفنستون ـ ينكرون صحة هذه الرواية، ويستدلون على كذبها بعدم وجود ذكر لها في سورة الحشر، التي نزلت بعد إجلاء بني النضير".
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة