مركز الصدرين لحوار الحضارات والأديان

كلمة ممثل مسلمي أمريكا في مؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية
المجتمع الأمريكي يلهث لفهم الإسلام


في سابقة هي الأولى وقف ممثل للمسلمين في الولايات المتحدة أمام المؤتمر الطارئ لوزراء خارجية الدول الإسلامية ملقياً كلمة باسم المسلمين هناك. الكلمة جاءت معبرة عما يجري على الساحة الأمريكية في أوساط المسلمين، منذ الحادي عشر من سبتمبر، وجسّدت رؤيتهم لما جرى كما جسدت طبيعة العلاقة بينهم وبين الأرض التي يعيشون عليها، وكيف يوائمون بين هويتهم الإسلامية وهويتهم الوطنية.
الرسالة التي ألقاها الدكتور جمال البارزنجي تمثل خطاباً مفتوحاً إلى المسلمين في العالم تناشدهم المساعدة والتعضيد لاستثمار الفرصة النادرة التي لاحت هناك للإسلام والمسلمين.. ولأهمية الرسالة ننشر إليكم بعض ما جاء فيها:
لأول مرة نفدت كل الكتب التي تتحدث عن الإسلام... الطلبات تنهال علينا من الإعلام والكنائس والمدارس والجامعات والنوادي تسألنا سؤالاً واحداً: ما الإسلام؟!
ينظر المسلمون في أمريكا إلى منظمة المؤتمر الإسلامي لا على أنها تعبر فقط عن وحدة الأمة الإسلامية حضارة وثقافة، لكن على أنها أيضاً المؤسسة السياسية الدولية المسؤولة عن مهمة حماية هوية الأمة والحفاظ على خصوصيتها في زحمة صراعات الكتل العالمية الكبرى في عالم اليوم.
وأقليتنا المسلمة في الولايات المتحدة تمثِّل نسبة 5,2% في شعب يمثل أكبر قوة وتنظيم بشري في العالم بما يجعل لهذه الأقلية أهمية خاصة توجب عليها مسؤوليات مهمة تجاه شعبها وتجاه الأمة الإسلامية في وقت واحد.
هذه المسؤولية ـ بما تمثله من انتماء حضاري ثقافي وديني للأمة المسلمة، وبما تمثله من انتماء المواطنة والرحم لشعبها الأمريكي ـ مؤهلة لتكون حلقة الوصل بين رابطة الدين والعقيدة والثقافة مع الأمة الإسلامية، ورابطة المواطنة الأمريكية بتنوعها العرقي والثقافي والحضاري.
ورسالتنا اليوم:أننا أبناء الجالية المسلمة الأمريكية من خلال انتمائنا الحضاري والثقافي والديني للعالم الإسلامي، ومن خلال انتمائنا بالمواطنة للولايات المتحدة، نتطلع إلى تفهم منظمة المؤتمر وبلاد العالم الإسلامي وشعوبه لهذا الدور ومساندته وإثرائه ودعمه لتمكين الجاليات المسلمة في الغرب عموماً ـ والولايات المتحدة خصوصاً ـ من القيام بدورها البناء في خدمة قضايا العالم الإسلامي العادلة، والمساهمة في التنمية والبناء الحضاري في العالم الإسلامي خاصة في جوانبه الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية.
وفي هذا المجال،فإن من المهم أن ندرك جميعاً وبشكل واضح، حساسية الطبيعة المشتركة للأقليات المسلمة في الغرب، فنحن بأبيضنا وأسودنا وأصيلنا ومهاجرنا وأجيالنا الأمريكية الناشئة التي لا تعرف لها أرضاً ولا وطناً إلا أرضها وبلادها الغربية، إننا مسلمون مواطنون، في أوطاننا الغربية وليس لنا ولا لأبنائنا وطن سواها، وعلينا أن نؤدي نحوها واجب المواطنة الحقة المبنية على التزام الحق والعدل في تحقيق مصالحها والمصالح المشتركة للشعوب كافة.
إن الأحداث الفاجعة الأخيرة، غير المسبوقة في التاريخ الأمريكي، وما أحدثته من صدمة صاعقة، قد وضعت جاليتنا المسلمة أمام تحد لم يكن في حساب أحد ولكن ـ بفضل الله ـ فإن تعامل الجالية المسلمة والعربية في أمريكا ومؤسساتها السياسية والثقافية التي عملت بقدرة ونضج وتفهم وإخلاص، قد أكسب الجالية أعظم احترام، وأكرم اعتراف بدورها، مما جعل القيادة الأمريكية بفصائلها المختلفة من إدارة حكومية وتشريعية في الكونجرس لا تفتأ تؤكد التمييز بين الأحداث الفردية وولاء الجالية ودورها البناء في كيان المجتمع الأمريكي، وهو ما يؤكد فهمها لطبيعة ديننا الحنيف وما يمثله من القيم والمبادئ السامية.
وموقع قيادات الجالية المسلمة ومنظماتها السياسية والمراكز الإسلامية والعربية وجهودها ـ رغم هول ما حدث ـ دفعت بالرئيس جورج بوش وكبار المسؤولين في إدارته إلى لقاءات مستمرة مع هذه القيادات، وإلى التواصل والتشاور والطمأنة والشجب المتكرر للمضايقات التي تعرض لها بعض المسلمين والمسلمات خاصة المحجبات منهن، وقد طلب أن يلقي بيانه في الأيام الأولى من داخل المركز الإسلامي في واشنطن، مؤكداً ضمانه لسلامة كل مسلمة محجبة، وأن من حقها أن تخرج من دارها، وأن تمارس حياتها كمواطنة أمريكية، آمنة مطمئنة دون أن تتعرض لأي مضايقة من أحد.
إن الأحداث الأخيرة ـ رغم مأساويتها ـ قد دفعت بأمريكا أن تبدأ النظر إلى داخلها، وأن تمحص موقفها من مسلمي أمريكا وسياساتها نحو بلاد العالم الإسلامي.
إن من العدل والأمانة أن نقول: لقد غمرتنا آلاف رسائل الدعم والتعاطف والتأييد من أبناء الشعب الأمريكي بفئاته ودياناته كافة، مما لمن نكن نتصوره ولا نتوقعه، بالمكالمات وباقات الورود وخطابات التضامن، التي ما زالت تنهال على كل مسجد، ومركز إسلامي، ومدرسة، ومؤسسة عربية إسلامية في أنحاء أمريكا كافة.
الأحداث الأخيرة وفرت لأمريكا فرصة لتراجع نفسها وتسأل سؤالاً: لماذا يكرهنا العالم.. وأين الخلل في أدائنا؟
إن الأحداث الأخيرة قد أكدت لنا بجلاء ـ ما كنا نعرفه من قبل ـ أن موقف الشعب الأمريكي عامة من الإسلام وقضايا العالم الإسلامي سببه الجهل أولاً، ثم التغذية الإعلامية السلبية التي تمطره كل يوم بوابل من التحيز والتشويش في الأخبار والأفلام والروايات والصحف.
لذلك لابد لنا أن نكون متكاتفين ـ بكل الوسائل المتاحة للجالية، ولمنظمة المؤتمر الإسلامي، وللحكومات الإسلامية، ووسائل الإعلام الموجهة إلى المشاهد الأمريكي باللغة الإنجليزية ـ من أجل العمل المخطط المكثف الهادف لتنوير أبناء المجتمع الأمريكي والمجتمعات الغربية، ساسة ومشرعين وتربويين وإعلاميين لجعلهم يتفهمون حقيقة الإسلام، ويحترمون قيمه وأهله وشعوبه، ولا يخفى عليكم ما يمكن أن يقدمه هذا العمل في المدى الطويل من خدمة لقضايا العالم الإسلامي، وما ينتج عن ذلك من علاقات الاحترام والتعاون بين بلاد العالم الإسلامي وما يحققه من تفاعل بنَّاء بين حضاراتهم وثقافاتهم لخدمة الإنسانية والأجيال المقبلة.
إننا أمام فرصة تاريخية نادرة في أمريكا خاصة، والغرب عامة، فإن الطلبات تنهال علينا من المدارس، والجامعات، والكنائس، والنوادي، والصحافة، والتلفاز، لأن هذه الشعوب شعوب تقرأ وتتطلع إلى المعرفة بنهم وبعقول متفتحة، فهم يسألوننا: ما هذا الإسلام؟ يريدون أن يعرفوا الإسلام من أبنائه ويتعرفوا إلى المسلمين وقضاياهم، وهذه فرصة ذهبية يجب ألا تضيع، يكسب بها الإسلام ورسالته العالمية تفهماً وتقديراً، ويكسب بها العالم الإسلامي تفهماً أفضل، وتعاوناً أكبر لخدمة قضاياه وعلاقاته السياسية والحضارية مع العالم الغربي.
-----------------------------
المصدر : مجلة المجتمع الكويتية
 

الرئيسية  | موسوعة الصدرين لحوار الأديان |  العودة للصفحة السابقة